مقدمة لسفر العدد

يراجع سفر العدد تاريخ بني إسرائيل من وقت وصولهم إلى جبل سيناء حتى وقت حلولهم في سهول موآب بعد حوالي 40 سنة.

ويتكون السفر من ثلاثة أجزاء:

1-أحداث عند جبل سيناء (أصحاح 1:1 - 10:10):

بعد أن قضى بنو إسرائيل ما يقرب من سنة في جبل سيناء، أمر الرب بإجراء تعداد يشمل جميع الرجال من سن 20 سنة فأكثر. وقد تبين من هذا التعداد أنه يوجد 603550 رجلا مؤهلا للخدمة في جيش إسرائيل.

2-أحداث أثناء التيهان في البرية لمدة 38 سنة (أصحاح 11:10 - 35:21):

في اليوم العشرين من الشهر الثاني،رفع الرب سحابة حضوره من فوق خيمة العبادة وسار الإسرائيليون وراء السحابة التي قادتهم في اتجاه قادش برنيع، على بعد حوالي 160 ميلا نحو الشمال. ولكن سرعان ما حدثت شكوى وتذمر جماعي (عدد 4:11-10؛ مزمور 30:78-31؛ 14:106). وأخيرا وصلوا إلى قادش برنيع، حيث طلب الشعب أن يستكشفوا أرض الموعد (عدد 13-14؛ تثنية 22:1-40).

فتم إرسال اثني عشر جاسوسا وعند رجوعهم بعد 40 يوما، اعترض 10 منهم بشدة قائلين أنهم لن يستطيعوا امتلاك الأرض بسبب العمالقة والمدن العظيمة الحصينة. وعلى الرغم من احتجاج يشوع وكالب قائلين: الرب معنا، لا تخافوهم (عدد 30:13؛ 9:14)، إلا أن التذمر والملاحظات المريرة ظلت تسري في المعسكر.

وقد أدى عدم إيمان الإسرائيليين إلى 38 سنة من التيهان في البرية إلى أن مات جميع الذين كانت تبلغ أعمارهم 20 سنة فأكثر. فقط يشوع وكالب، رجلا الإيمان من الجيل الأول، استطاعا أن يدخلا الأرض فيما بعد.

وحدثت موجة تمرد ثانية عندما اجتمع قورح وداثان وأبيرام مع 250 من الأشخاص البارزين في الجماعة لمقاومة سلطان موسى وهارون. وقد دافع الرب عن سلطة موسى بواسطة زلزال جعل الأرض تنشق إلى اثنين وتبتلع المعارضين. ولكن الشعب لم يريدوا أن يعترفوا بأن هذه المأساة هي قضاء من الله، فأدانوا موسى وهارون، ومرة أخرى مات منهم 14700 شخصا (49:16؛ 10:17).

وفي وقت لاحق عندما اشتكى الشعب على موسى، أصيب الآلاف منهم بلدغات الحيات السامة وماتوا. فتشفع موسى لأجلهم في الصلاة فقال له الرب أن يضع حية نحاسية على عمود حتى أن كل من ينظر إليها بإيمان يحيا.

واتجه بنو إسرائيل شمالا، فواجههم سيحون ملك الأموريين وعوج ملك باشان. وقد انهزما كلاهما أمام بني إسرائيل في الحرب، واحتل بنو إسرائيل أرضهم على الجانب الشرقي من نهر الأردن والبحر الميت.

3-أحداث في سهول موآب: تعليمات لدخول الأرض (أصحاح 11:22 - 13:36):

استعدادا لدخول أرض كنعان، اجتمع بنو إسرائيل في السهول الصحراوية لموآب. وتقع هذه السهول شمال البحر الميت، وشرق نهر الأردن، على الجانب المقابل من أريحا، حوالي 230 ميلا من جبل سيناء. بعد ذلك حاول بالاق وبلعام والمديانيون أن يهزموا شعب الله بواسطة الفساد الأخلاقي. (عدد 12:22؛ 1:25-9). وبالفعل مات من الشعب 24000 شخصا بسبب الفجور. وأمر الرب بقتل جميع المديانيين، وبلعام بن بعور قتلوه بالسيف (عدد 1:31-18).

وأمر الرب موسى وألعازار بعمل تعداد آخر للجيل الجديد من الرجال الذين يبلغون من العمر 20 سنة فأكثر. وكان العدد في هذه المرة 601730 (51:26). كان الجيل الأول بأكمله قد مات باستثناء كالب ويشوع. وقد أكد هذا التعداد كلمة الرب القائلة بأن الجيل الأول لن يستطيع أن يدخل أرض كنعان وأيضا أبطل ادعاء الجيل الأول بأن الرب قد قادهم إلى البرية لكي يميت أولادهم.

اقرأ عدد 1 -- 2

في سفر العدد، وردت تقريبا 50 مرة عبارة: كلم الرب موسى . لقد كانت هذه هي الكلمات الرائعة التي نطق بها أبونا السماوي متكلما مع أولاده. وهي إعلان واضح عن محبته واهتمامه ببني إسرائيل من جهة دخولهم إلى أرض الموعد وامتلاكهم للنصيب الأفضل الذي وعدهم به الرب. وعند بدء الرحلة كان الإسرائيليون يتمتعون ببداية جديدة رائعة - فإننا نقرأ مرتين في قراءة اليوم: ففعل بنو إسرائيل حسب كل ما أمر الرب موسى، كذلك فعلوا ... ففعل بنو إسرائيل حسب كل ما أمر به الرب موسى (عدد 54:1؛ 34:2). إن الله يدعونا لكي نكون مطيعين على الدوام.

فطالما كان بنو إسرائيل لا يتحركون إلى إي مكان - بل يتكلمون عنه فقط - كانوا قنوعين. ولكن بمجرد أن ارتحلوا من جبل الرب (جبل سيناء) وبدأوا يتقدمون إلى الأمام، واجهتهم الصعاب. فبدأوا يتذمرون ويتأسفون بسبب الشدائد بدلا من أن يعتبرونها فرصة لممارسة إيمانهم ورفع الصلوات. وتبع ذلك العديد من الشكاوي المرة والعصيان (33:10؛ 1:11). فلماذا هذا التغيير؟ منذ أيام قليلة فعل بنو إسرائيل حسب كل ما أمر به الرب . فيبدو أنهم كانوا يعملون مشيئة الله فقط عندما لا يكونوا سائرين للأمام. ونحن أيضا عندما لا تكون لنا انتصارات روحية حقيقية من أجل الرب، لا يحتاج الشيطان أن يضع أمامنا المصاعب. ولكن بمجرد أن نتحرك إلى الأمام لتحقيق الغرض، يبدأ الشيطان يجربنا لكي يخلق فينا التذمر. والتذمر دائما يؤدي إلى الانفصال عن الله.

وكالعادة، كان اللفيف والأشخاص المتذمرون جاهزين لتثبيط همة الأمناء. وفي كل عصر يوجد من هم مثل يشوع ومن هم مثل عخان الذين يهتمون بأرباحهم الشخصية أكثر من اهتمامهم بالخدمة.

وفي المثل الذي قاله الرب عن الحنطة والزوان، لم يأت العدو لزرع الزوان إلا بعد أن قام الزارع بزرع الحنطة (متى 24:13-25، 38). وفي أي كنيسة أو خدمة تربح نفوسا للمسيح وفيها يعقد الناس العزم على قراءة الكتاب المقدس وعلى الامتلاء والقيادة بالروح القدس، لا بد وأن يأتي الشيطان ليزرع زوان التذمر.

وكما حدث مع بني إسرائيل، فعندما يتذمر شعب الله ويرثي لحاله بسبب الشدائد بدلا من أن يعتبرها فرصة لممارسة إيمانه، فمن المتوقع أن يفقد قوته ويصبح عديم النفع من الناحية الروحية.

ويسجل لنا التاريخ أنه طالما كان العبرانيون أمناء لله كانت بركاته لهم تفوق وعوده. ولكن عندما يتذمرون ويصمون آذانهم عن كلمته، كانت تتحقق فيهم كلمات النبوة: أجعل وجهي ضدكم (لاويين 17:26). فكانوا، تماما كما في النبوة، يصابون بالمرض والرعب، ويهزمون من أعدائهم، ويقضي عليهم الطاعون والجوع - التي هي نتيجة عدم الإيمان بكلمته. وبنفس الطريقة، فإن حياتنا هي رحلة في البرية - هي مسيرة يومية في أماكن لم تطأها أقدامنا من قبل. وهكذا يفقد الكثيرون أعظم بركات الرب لهم بسبب شكواهم وتذمرهم.

إننا نستطيع جميعا أن نتجنب ضياع السنوات في التيهان في البرية وذلك باتباع نصيحة الرب لنا: اطلبوا أولا ملكوت الله وبره، وهذه كلها تزاد لكم (متى 33:6).

إعلان عن المسيح: من خلال موسى الذي قاد الشعب (عدد 54:1). قال يسوع: إني الراعي الصالح وأعرف خاصتي (يوحنا 14:10).

أفكار من جهة الصلاة: اعترف وتب عن أي خطية معروفة (1 يوحنا 9:1).

اقرأ عدد 3 -- 4

إن خالقنا هو الذي يحدد قواعد وترتيبات العبادة الحقيقية: وكلم الرب موسى قائلا قدم سبط لاوي وأوقفهم قدام هارون الكاهن وليخدموه. فيحفظون شعائره وشعائر كل الجماعة قدام خيمة الاجتماع ويخدمون خدمة المسكن (عدد 5:3-7). وكما أن اللاويين قد اختيروا لمساعدة هارون، كذلك نحن مختارون من الله وموهوبون للمسيح لكي نخدمه (عدد 9:3 ؛يوحنا 6:17).

يمثل الأصحاحان الثالث والرابع من سفر العدد قسما في حد ذاته، يشمل مواليد هارون وموسى (عدد 1:3). ونجد مواليد هارون بالتفصيل الشديد، في حين لا نجد عن زوجة موسى وابنيه أية تفاصيل. وعلى ما يبدو أنها لم تكن مكترثة بالدعوة العظيمة التي دعي إليها موسى، فهجرته ورجعت إلى مديان مع أبيها يثرون (خروج 20:4،24؛ 2:18-6 ؛ 27).

وتوجد ملحوظة أخرى محزنة بخصوص ابني هارون رئيس الكهنة، ناداب وأبيهو اللذين ماتا ... عندما قربا نارا غريبة أمام الرب في برية سيناء ولم يكن لهما بنون (عدد 4:3). والنار الغريبة هي أي نار لم يوقدها الرب بنفسه من على مذبح النحاس كما أوصى الرب. فأي نار أخرى لم تكن مقبولة وكانت تسمى غريبة وغير مقدسة (لاويين 1:10)؛ وكنتيجة للعصيان مات ناداب وأبيهو في الحال أثناء تقديم محرقاتهما.

وفي زمن لاحق قدم الملك شاول ذبيحة محرقة أمام الرب، ولم يكن من حقه أن يفعل ذلك لأنه كان ممسوحا ملكا وليس كاهنا. فقال صموئيل النبي لشاول: قد انحمقت لم تحفظ وصية الرب إلهك... مملكتك لا تقوم (1 صموئيل 13:13-14). ونتعلم من شاول أنه حتى إذا كان الشخص عابدا لله، فإن عدم الطاعة لكلمته قد تجعله غير مؤهل لمركز القيادة.

وفي العهد الجديد، لعلنا نذكر "التقدمة السخية" من حنانيا وزوجته إلى الكنيسة. لم يكن مفروضا عليهما أن يعطيا شيئا، ولكنهما أرادا أن ينالا مدح الآخرين فقررا أن يقدما القليل وفي نفس الوقت يعطيان انطباعا للكنيسة بأنهما قد قدما أكثر كثيرا. وقد أدى ذلك إلى موتهما. فلم تكن فعلتهما هذه مجرد محاولة لخداع الكنيسة، وإنما هي كذب على الله نفسه. فقال بطرس: يا حنانيا لماذا ملأ الشيطان قلبك لتكذب على الروح القدس ؟ (أعمال 3:5).

فالخطية ليست فيما أعطيا أو استبقيا، بل في الدافع وراء العطاء. كان حنانيا وسفيرة يطلبان مدحا على شيء لا يستحقانه. فلقد ادعيا أنهما "يقدمان أنفسهما بالكامل للمسيح" في حين أنهما كانا يحتجزان جزءا لأنفسهما. عندما نحرم الأشخاص المحتاجين من حولنا من عطية التشجيع والتعزية والرحمة والمحبة والغفران، فنحن بذلك نحتجز جزءا من أنفسنا عنهم. فهل نحن أمناء في مسيحيتنا وفي تمثيلنا للمسيح في البيت وفي الشارع وأيضا في الكنيسة أثناء عبادتنا له؟ هذا يعلمنا أنه حتى في وجود الحماس والنشاط قد تكون النتيجة هي الموت الروحي.

مع المسيح صلبت [أي لكوني فيه فلقد اشتركت معه في صلبه] ؛ فأحيا لا أنا بل المسيح يحيا فيّ؛ فما أحياه الآن في الجسد فإنما أحياه في الإيمان، إيمان ابن الله [بالالتصاق به والاعتماد عليه ووضع ثقتي فيه بالكامل] الذي أحبني وأسلم نفسه لأجلي (غلاطية 20:2).

إعلان عن المسيح: من خلال هارون، رئيس الكهنة، الذي كان اللاويون يخدمونه (عدد 6:3). فنحن نخدم المسيح، رئيس كهنتنا العظيم (يوحنا 26:12؛ عبرانيين 14:4).

أفكار من جهة الصلاة: اطلب من الله أن يعطيك القدرة على الغفران الكامل للآخرين، فهو عندئذ سيغفر لك (متى 14:6؛ 23:18-27،35).

اقرأ عدد 5 -- 6

تأتي عبارة "هكذا أوصى الرب" في سفر العدد 41 مرة. فهي المفتاح للانتصار الحقيقي على جميع المصاعب وللحصول على بركات الله الغنية. وفي وسط وصاياه الكاملة المعطاة من أجل خير بني إسرائيل وبركتهم الأسمى - تزداد قلوبنا ابتهاجا بقراءة كلمات واحدة من البركات التي تلمس القلب والتي تعبر عن رحمة إلهنا.

في هذه البركة يقدم الرب بركة ثلاثية لشعبه - الحماية، والرحمة، والسلام. ولكن قبل أن يحصلوا على البركة كان ينبغي لرئيس الكهنة أن يصلي بحسب تعليمات الرب: هكذا تباركون بني إسرائيل قائلين لهم: يباركك الرب ويحرسك،يضيء الرب بوجهه عليك ويرحمك، يرفع الرب وجهه عليك ويمنحك سلاما (عدد 23:6-27).

وحيث أن اسم "الرب" يتكرر ثلاث مرات في هذه البركة الغالية، فلا بد أنه يوجد مغزى مهم من هذا التكرار الثلاثي. وعندما نقارن ذلك بما قاله الرب يسوع في إرساليته العظمى: عمدوهم باسم الآب والابن والروح القدس (متى 19:28-20)، ونلاحظ بركة الرسول بولس على كنيسة كورنثوس: نعمة ربنا يسوع المسيح ومحبة الله وشركة الروح القدس مع جميعكم. آمين (2 كورنثوس 14:13)، ونقرأ أيضا بركة الرسول يوحنا على كنائس آسيا (رؤيا 4:1)، فإنه يصبح من الواضح أن هذه البركة الثلاثية هي إعلان وتوضيح لطبيعة الله الثلاثية. فإن الله الآب هو مصدر البركة، والله الابن هو الموصل لها، والله الروح القدس هو مانحها.

عندما يتوب الخاطئ ويؤمن بالإنجيل، ينال كل البركات الروحية من الآب الذي اختاره والابن الذي فداه والروح القدس الذي يقدسه ويقوده إلى جميع الحق (يوحنا 13:16).

وفي الوقت الذي حدَثَت فيه قراءات اليوم، كان هارون رئيس الكهنة وحده، وفيما بعد أبناؤه، مختارين لمنح البركة باسم الرب. ولكن اليوم جميع المؤمنين بصفتهم كهنة للرب مؤهلون لمنح بركات الله في المسيح رئيس الكهنة العظيم (1 بطرس 5:2،9).

عندما أمر الرب هارون بأن يصلي فلقد أعلن بذلك عن رغبته في تسديد جميع احتياجات أبنائه. وبنفس الطريقة، فإنه يعلن اليوم أيضا أنه اختار الصلاة لتكون هي وسيلة انطلاق بركاته إلينا. فعندما نصلي تكون صلاتنا بمثابة اعتراف منا باعتمادنا على الله وعلى كفايته الكاملة، لأن كل عطية صالحة وكل موهبة تامة هي من فوق (يعقوب 17:1).

فمن خلال الصلاة، تنطلق بركات الله وإمداداته وحمايته وتسديده لاحتياجات الآخرين وكذلك احتياجاتنا نحن. فنحن نصلي على يقين بأن المسيح لم يمت فقط لكي ينقذنا من خطايانا ولكنه أيضا حي ليشفع فينا (عبرانيين 25:7). وصلاة المسيح الشفاعية في يوحنا 17 التي رفعها كرئيس الكهنة هي أعظم برهان على حبه العميق ورعايته المستمرة لنا - ليس فقط لإنقاذنا من فخاخ الشيطان بل أيضا لتحقيق إرادة الله الكاملة فينا.

نعمة لكم وسلام من الكائن والذي كان والذي يأتي (رؤيا 4:1).

إعلان عن المسيح: كالشخص الذي يباركنا ويحرسنا (عدد 24:6-26؛ قارن مع يهوذا 24:1-25).

أفكار من جهة الصلاة: ارفع صلاة شفاعية حارة من أجل الآخرين (يعقوب 16:5).

اقرأ عدد 7

لم يكن من حق الرؤساء (القادة) أن يشاركوا في خدمة خيمة العبادة؛ ولكنهم من خلال تقدماتهم كان في إمكانهم أن يساعدوا اللاويين على إتمام مسئولياتهم المعينة من الله. وحيث أن هؤلاء القادة لا يستطيعون أن يشغلوا منصب القيادة الروحية الذي يشغله اللاويون، فلقد كان من الممكن أن تظهر لديهم غيرة أو ازدراء فيعطون القليل أو لا يعطون شيئا لمساعدتهم. ولكن على العكس، فقد أحضروا بإرادتهم عطايا سخية لتسديد احتياجات اللاويين - لكل واحد حسب خدمته (عدد 5:7).

لا يمكن أن يكون صدفة أن يُخصَّص واحداً من أطول أصحاحات الكتاب المقدس لتسجيل العطايا التطوعية المقدمة من جميع الرؤساء من كل سبط كتقدمة اختيارية لم يطالب بها الله. والواقع، أن هذه العطايا فاقت ما سبق تقديمه لتشييد خيمة العبادة (خروج 27:35-29).

لم يأمر الرب بتقديم هذه العربات إلى اللاويين لحمل جميع متعلقات خيمة العبادة. فلقد كانت العربات بمثابة هدايا اختيارية نابعة من روح سخية حقا. والمقياس العام لأي عطية هو "ما تيسر" (1 كورنثوس 2:16) أي بحسب الوفرة التي من الله. ولكن هنا كانت عطايا جميع الرؤساء متساوية في الكمية والقيمة، بغض النظر عما إذا كان أحدهم أغنى من الآخر. لقد أعطوا جميعهم بإرادتهم بالتساوي.

ولكن إذا كانت العطايا المقدمة من كل رئيس متشابهة تماما، ألا يبدو غريبا -بل وأيضا رتيبا - أن نقرأ 70 عددا تتكرر فيهم نفس التفاصيل 11 مرة؟ لقد كشف التكرار في الواقع أن جميع أسباط إسرائيل لهم نصيب متساوي في المذبح وفي الذبائح بغض النظر عن قوتهم ومركزهم ومنصبهم وغناهم. إن الله ينظر بعين الاعتبار إلى كل عطية مقدمة من أجل تدعيم خدمته، ولذا فهو يسجل هذا المثال الذي تركه هؤلاء الرجال للأجيال المقبلة من شعب الله.

لقد كانت ذبائح السلامة أكثر بكثير من جميع الذبائح الأخرى. فلقد قدم كل رئيس 17 رأسا من الحيوانات لذبيحة السلامة. ولكن هذه الذبائح كانت من نصيب مقدميها وأصدقائهم والكهنة ليأكلونها معا أمام الرب. وتضمنت ذبائح المحرقة ثلاثة حيوانات فقط: ثورا وكبشا وخروفا.

أما ذبيحة الخطية فلقد تمثلت في تيس واحد من الماعز لكل رئيس. وللتأكيد على بشاعة الخطية، وكيف أنها تمس جميع جوانب الحياة، وكيف أن العبادة لا تكون مقبولة إلا بعد أن تغفر الخطية، فلقد كانت ذبيحة الخطية مطلوبة على مدار السنة مع بداية كل شهر (عدد 15:28)؛ وفي الأعياد وكذلك في الأصوام (لاويين 19:23؛ عدد 5:29،16)؛ وفي يوم الكفارة (لاويين 16)؛ وبالارتباط مع التقديم التطوعي، سواء للعطايا أو للأشخاص كما في حالة تكريس النذير (عدد 13:6-14،21،24؛ 16:7)؛ وعند تكريس الأشخاص للوظائف المقدسة، مثل رئيس الكهنة (خروج 9:29،14) أو اللاويين (عدد 5:8-12)؛ وعند تكريس الأشياء المقدسة، مثل مذبح البخور (خروج 10:30)؛ ولخيمة العبادة، مرة واحدة في السنة (لاويين 15:16-16)؛ ومن أجل خطايا جميع فئات الشعب، والكهنة، والجماعة بأكملها، والرؤساء، وأيضا عامة الشعب (لاويين 4-7)؛ ومن أجل التطهير من النجاسة (لاويين 6:12-8؛ 22:14). كانت هذه التقدمات من أجل خطايا السهو أو الجهل، ولكن لم تكن هناك ذبيحة عن الخطايا الإرادية المتعمدة (أصحاح 5).

فإنه إن أخطأنا باختيارنا بعد ما أخذنا معرفة الحق لا تبقى بعد ذبيحة عن الخطايا، بل قبول دينونة مخيف وغيرة نار عتيدة أن تأكل المضادين (عبرانيين 26:10-27).

إعلان عن المسيح: من خلال تقدمات الرؤساء (عدد 7). فكل واحد منهم يذكر بعناية، مثلما اهتم المسيح بتقدمة الأرملة (مرقس 41:12-44).

أفكار من جهة الصلاة: صل في اسم يسوع (يوحنا 14:14).

اقرأ عدد 8 -- 9

ياله من منظر بهي، أن نرى فجأة وإذا في يوم إقامة المسكن غطت السحابة [سحابة الحضور الإلهي] المسكن، أي خيمة الشهادة، وفي المساء كان على المسكن كمنظر نار [أو عمود نار] إلى الصباح. هكذا كان دائما السحابة تغطيه [نهارا] ومنظر النار ليلا (عدد 15:9-16). هذا يبين رضى الله على إكمال خيمة العبادة حيث أنها قد بنيت طبقا لكلمته.

بعد أن عملت كل الترتيبات وتم تخصيص كل شيء لخدمة الله، استقرت السحابة على المسكن وامتلكته. ولا زال هذا يحدث في حياتنا كأفراد. فعندما نخضع كل شيء لله ولمجده، فإنه يسكن فينا ويستخدمنا من أجل اسمه. كان الله في هذه السحابة قائدا لشعبه خلال جميع رحلاتهم (خروج 33:40-38). فسواء مكثت السحابة يومين أو شهرا أو سنة فوق المسكن، كان على بني إسرائيل أن ينتظروا الرب.

ظهرت السحابة لأول مرة في إيثام، وهو أول مكان عسكر فيه الإسرائيليون بالقرب من حدود البحر الأحمر (خروج 20:13-21). ولكن بدلا من التحرك شمالا نحو أرض الموعد، قادتهم السحابة (وهي المظهر المرئي لحضور للرب)جنوبا فوجدوا أنفسهم في مكان تحيط به الجبال من الجانبين والبحر الأحمر يمتد على طول مسارهم. وهذا ما جعل فرعون يظن أنهم لا يجدون مخرجا وأنهم قد استغلق عليهم القفر (خروج 1:14-3). فكما لو كان الله قد تخلى عنهم وتركهم تحت رحمة فرعون، مع أنه في الواقع كان يقود فرعون والمصريين إلى هلاكهم.

حسب قول الرب كانوا ينزلون ... وكانوا يحرسون حراسة الرب حسب قول الرب بيد موسى (عدد 23:9). فمن أول يوم وحتى نهاية الرحلة، كانت الترتيبات كلها معدة من الرب. وعندما حاولوا أن يقرروا بأنفسهم أي الأيام هو الأنسب انهزموا هزيمة مرّة (عدد 40:14-45).

كم من مرة تحطمت خططنا وسارت ظروف حياتنا بخلاف كل ما توقعناه. فقد يبدو في بعض الأوقات أن الله غير مبال أو غير قادر على تقديم العون. في هذه اللحظات يأتي الشيطان ليضع فينا أفكار خوف وعدم إيمان. ولكن يمكنك أن تتأكد أن الله هو سيد الموقف دائما بغض النظر عن المقاومة أو الاضطهاد. فهذه الأمور لا تؤثر على قدرة الله من جهة قيادة أبنائه أو حمايتهم.

هذا أيضا يذكرنا بأن منتظري الرب يجددون قوة (إشعياء 31:40). إننا نحتاج اليوم أن نفهم معنى انتظار الرب - أي أن يكون لنا اليقين الداخلي من الروح القدس أنه يريدنا أن نتحرك أو أن نستمر في الانتظار.

وكما أن الرب حدد الطريق لأسباط إسرائيل فهو أيضا يزودنا بالقيادة من خلال سكنى روحه. وعندما نتأمل في كلمته ونصلي فإننا نحصل على استنارة جديدة وتتجدد قوتنا (يوحنا 13:16؛ أمثال 5:3-6). إن لدينا مرشدا ثلاثيا موثوقا به لقيادتنا - كلمته الكاملة، روحه الساكن فينا، وقوة الصلاة - لأن إرادته يجب أن تتحقق فينا أولا ثم من خلالنا. لأن الله هو العامل فيكم [أي يخلق فيكم القوة والرغبة] أن تريدوا وأن تعملوا من أجل المسرة (فيلبي 13:2).

إعلان عن المسيح: يقدم خروف الفصح تصويرا جميلا للفداء الذي أكمله يسوع في الجلجثة (عدد 2:9؛ قارن مع يوحنا 29:1؛ 1 كورنثوس 7:5).

اقرأ عدد 10 -- 11

كان على الإسرائيليين أن يعيشوا بالاعتماد الكامل على الرب وأن يخضعوا له تماما في كل ما يفعلون. حسب قول الرب كان بنو إسرائيل يرتحلون وحسب قول الرب كانوا ينزلون (عدد 18:9). ومتى ارتفعت السحابة عن الخيمة كان بعد ذلك بنو إسرائيل يرتحلون (عدد 17:9).

ومن الأمور الحيوية المماثلة للإرشاد كان البوقان الفضيان المسحولان (أي المصنوعان من قطعة واحدة مصممة من الفضة) (عدد 2:10).لقد كانا على شكل أنبوبتين طويلتين مستقيمتين وأحد طرفيهما على شكل جرس. ولم يكن من الممكن أن يصنعا من معدن رخيص ولا من كسر الفضة، ولكن من قطعة واحدة صحيحة من الفضة. وكان من امتياز العائلة الكهنوتية أن تراقب أول تحرك للسحابة من فوق خيمة العبادة فينفخون بالبوق الفضي لإعلان إرادة الله. وقد كان هذا الأمر بسيطا جدا بحيث يستطيع أي إسرائيلي أن يفهمه. ومهما كانت المسافة بين الشخص وبين خيمة العبادة كانت النغمات الواضحة للبوق الفضي تنقل الرسائل المختلفة: إذا ضربوا بهما يجتمع إليك كل الجماعة إلى باب خيمة الاجتماع ... هتافا يضربون لرحلاتهم ... وإذا ذهبتم إلى حرب في أرضكم على عدو يضر بكم تهتفون بالأبواق فتذكرون أمام الرب إلهكم وتخلصون من أعدائكم. وفي يوم فرحكم وفي أعيادكم ورؤوس شهوركم تضربون بالأبواق على محرقاتكم وذبائح سلامتكم (عدد 1:10-10؛ 2 أخبار 12:5؛ 6:7؛ 26:29؛ عزرا 10:3؛ نحميا 35:12). وكان الضرب بالبوق يدعو للاحتفال بأبهج الأعياد السنوية (لاويين 24:23). فسواء في العبادة أو في الحرب أو الترحال كان كل تحرك يتم بناء على صوت البوق. ولكن البوق لم يكن يضرب أبدا بالارتباط بذبيحة الخطية وذلك لأنها بمثابة صلاة اعتراف تقدم في خجل وحزن.

إن البوقين الفضيين لهما أيضا أهمية خاصة بالنسبة لنا. لقد كانا بوقين، وهما يذكراننا بالعهدين القديم والجديد. ثم الفضة ترمز إلى الحق، وهذا يذكرنا بكلمة الله التي هي حق. وكما أن البوقين كانا أداة لإعلان الحق لبني إسرائيل، كذلك أيضا كلمة الله تعطينا الإرشاد الكامل لكي نسعى نحو الغرض (فيلبي 14:3). فدعونا نتقدم إلى الأمام بتقديس أنفسنا من جديد (يوحنا 17:17).

وعند اتخاذ القرارات، كان على شعب الله أن يعتمد بالكامل على الله وأن يخضع تماما لإرادته كما هي معلنة في كلمته. فإذا اعتادت آذاننا على سماع البوق الفضي الحقيقي - أي صوته المعلن في كلمته، فسوف نكون في توافق مع تحريض الروح القدس بشأن ما ينبغي أن نفعله أو لا نفعله، وبذلك نقي أنفسنا من الحيدان عن مشيئة الله الكاملة بالجري وراء هذا أو ذاك طلبا للنصح بشأن ماذا ينبغي أن نفعل وأين ينبغي أن نذهب.

ومن المستحيل أن يكون الرب يسوع المسيح أقل اهتماما بقيادة شعبه اليوم عما كان أثناء قيادة بني إسرائيل في البرية. فمن المؤكد أنه يعرف كل شيء ويستطيع كل شيء، ولا يخفى عنه شيء - ليس هناك شيئا خارج نطاق سلطته. لذا فنحن نستطيع كل شيء في المسيح الذي يقوينا (فيلبي 13:4).

إعلان عن المسيح: كان البوقان مصنوعين من الفضة (عدد 2:10). والفضة في الكتاب المقدس تشير إلى الحق. والمسيح هو الطريق والحق والحياة (يوحنا 6:14).

أفكار من جهة الصلاة: صل من أجل الذين يسيئون إليك (متى 44:5).

اقرأ عدد 12 -- 13

كانت مريم مميزة عن جميع نساء إسرائيل، فلقد كان لها مسحة النبوة، وكانت موهوبة في الموسيقى وفي الترنيم (خروج 20:15؛ ميخا 4:6). وهي أيضا الأخت الكبرى لموسى الذي كان قائدا لبني إسرائيل. ومريم هي التي وضعت موسى في السلة في مياه النيل وهي التي اتفقت مع ابنة فرعون بأن تستأجر أمه كمربية له. وكانت أيضا أخت هارون رئيس الكهنة. ولكن تكلمت مريم وهارون على موسى بسبب المرأة الكوشية التي اتخذها، لأنه كان قد اتخذ امرأة كوشية. فقالا هل كلم الرب موسى وحده؟ ألم يكلمنا نحن أيضا؟ فسمع الرب (عدد 1:12-2). وحيث أن هذا الزواج يرد ذكره مرتين، فمن الواضح أن بسببه لم تعد مريم تشغل مركز السيدة الأولى في إسرائيل وتمارس تأثيرها المستمر على موسى، لأن امرأة أخرى قد أخذت هذا المكان.

كان هارون متكلما بارزا ناب عن موسى في المساومة مع فرعون لأجل إطلاق بني إسرائيل من مصر. والآن نجده هو ومريم مستاءين، ويبدو أن الأمر بدأ بالغيرة بسبب المرأة التي تزوجها موسى. وسرعان ما أدت الكبرياء إلى الانتقاد. وفجأة تكلم الله وطلب أن يلتقي بمريم وهارون وموسى. وربما شعرت مريم بالارتياح ظنا منها بأن الله أيضا مستاء من جهة موسى وأنه سوف يطيب خاطرها. ولكنها في الواقع تلقت أكبر صدمة في حياتها. ففي خلال لحظات، لهول رعبها، أصيبت بنوع شديد من البرص.

إن امتلاك المواهب الروحية العظيمة ليس مبررا لأي إنسان أن يخطئ. فإن المنتقدين والمغتابين سرعان ما يجدون أنفسهم خارج نطاق خدمة الله. لقد وقع العقاب على مريم وليس على هارون. فإن الفعل في عدد 1:12 يأتي بصيغة المؤنث والمفرد، مما يدل على أن مريم هي المحرضة. وهارون كالمعتاد كان من السهل التأثير عليه للوقوع في الخطأ كما سبق وخضع لرغبة الشعب في أمر العجل الذهبي (خروج 1:32-8،21-24). وقد نجحت مريم، كما يفعل الكثيرون، في إعطاء الانطباع بأن اهتمامها نابع من دوافع روحية. ولكن الله كان يرى كبرياءها البغيضة وحقدها وغيرتها.

حقا، إنها خطية كبيرة أن نتكلم على خدام الله الممسوحين. هم بالطبع يخطئون أحيانا وقد يظهر عليهم الانفعال أو الضيق. ولكن رغم ذلك فإنها خطية أمام المسيح أن يتكلم أي إنسان بالشر على الأشخاص المختارين منه لإكمال مشيئته أو أن يشعر بالضغينة تجاه الشخص الذي يستخدمه الله لتعليم كلمته. فينبغي علينا أن نشعر بعظمة ورهبة قول الرب لمريم وهارون: فلماذا لا تخشيان أن تتكلما على عبدي موسى؟ فحمي غضب الرب عليهما (عدد 8:12-9).

إن الشخص الطماع لا يشبع من المال، والشخص المتكبر لا يشبع من المدح، والشخص الطموح لا يشبع من التكريم. فالشهوة هي عطش لا يرتوي أبدا. عندما يرتفع شخص كان أدنى منك فأصبح أسمى منك سواء في الوظيفة أو الغنى أو الشهرة أو الشعبية، فاحترس وصل لئلا تقع في خطية مريم. إن الكبرياء تتخذ أشكالا كثيرة، إذ تعتمد على النسب والجمال والغنى والتعليم والمواهب؛ ولكن الكبرياء الروحية هي أخطر الكل وهي الأكثر دمارا وخداعا لصاحبها وهي أيضا الأكثر إهانة لله.

ليُرفع من بينكم كل مرارة ... وسخط ... وغضب ... وصياح ... وتجديف ... مع كل خبث ... متسامحين كما سامحكم الله أيضا في المسيح (أفسس 31:4-32).

إعلان عن المسيح: من خلال موسى الخادم (عدد 8:12). فالمسيح هو الخادم المختار من الله (متى 18:12).

أفكار من جهة الصلاة: سبح الرب واشكره لأنه قادر أن يفعل أكثر جدا مما نطلب أو نفتكر (أفسس 20:3).

اقرأ عدد 14 -- 15

بعدما تركوا برية سيناء، اتجه بنو إسرائيل شمالا حتى وصلوا إلى قادش برنيع، حيث كان في إمكان الشعب أن يروا أرض الموعد. وقد استغرقت الرحلة من مصر، بما فيها البقاء لمدة 12 شهرا في جبل سيناء (حوريب)، حوالي 16 شهرا. وقد أصبحوا الآن يقفون على مشارف تلك الأرض المجيدة التي وعدهم بها الرب، إذ أصبحت على مرمى البصر، وأمكنهم أن يتذوقوا العينات المميزة من الفاكهة الجيدة التي أحضرها لهم الجواسيس. وقد أجمع الاثني عشر جاسوسا على أن أرض كنعان أرضا تفيض لبنا وعسلا (عدد 27:13) - رمزا لخصوبتها الفائقة. فلم يشك أي واحد من الجواسيس الاثني عشر في مدى روعة الأرض (لاحظ عبرانيين 4:6-6).

كان بنو إسرائيل قد وضعوا الدم على قوائم أبوابهم - وهو عمل إيماني ضروري من أجل الخروج من مصر، وأكلوا من الخروف طبقا لكلام الله، وعبروا البحر الأحمر وراء موسى رمزا للمعمودية (1 كورنثوس 2:10)، ووصلوا حتى جبل سيناء حيث تلقوا الناموس، وأكملوا خيمة العبادة. ومع ذلك فلقد حرموا من أفضل بركة أعدها الله لهم في الجزء الباقي من حياتهم.

لاحظ خطوات الفشل. أولا، ناحوا - بكى الشعب تلك الليلة - وهو عمل يدل على الإشفاق على الذات (عدد 1:14). ثانيا، تذمروا واشتكوا طوال النهار - وهو عمل يدل على عدم الثقة في رحمة الله (2:14)، وثالثا، أدى موقفهم هذا إلى التمرد العلني (3:14-4).

لاحظ الاقتناع الراسخ لدى يشوع وكالب : إن سر بنا الرب يدخلنا إلى هذه الأرض ويعطينا إياها أرضا تفيض لبنا وعسلا، إنما لا تتمردوا على الرب ولا تخافوا من شعب الأرض لأنهم خبزنا، قد زال عنهم ظلهم، والرب معنا لا تخافوهم (8:14-9).

فيمكننا أن نعتمد على سرور الرب بنا رغم عدم استحقاقنا. إن سر بنا الرب - يتكرر ذكر هذه العبارة كمصدر لبركات الرب للإسرائيليين وأيضا للمسيحيين الحقيقيين(تثنية 37:4؛ 7:7-8؛ أفسس 3:1-6؛ 2 تيموثاوس 9:1). ودعونا نتذكر أيضا أن سروره بنا يمكن أن يزول بسبب تذمرنا وعدم طاعتنا.

إن الإيمان لا يتجاهل الصعوبات ولكنه يواجهها بوعود الله وقدرته. لذا فلنجاوب بإيمان قائلين: لا تتمردوا على الرب . إن الأسوار العالية، والعمالقة، وكل المشاكل المعقدة الأخرى التي واجهت بني إسرائيل ليست إلا امتحان ثقتهم في حكمة الله وقدرته على إتمام كلامه. وكانت حجة يشوع الثالثة: لا تخافوا من شعب الأرض . فإن الخوف من العدو معناه عدم الثقة في الرب (إشعياء 13:8-14؛ عبرانيين 6:13). فمع الله نحن دائما أغلبية (خروج 13:14؛ 2 ملوك 16:6؛ 2 أخبار 11:14؛ 12:20؛ 7:32-8؛ رومية 31:8).

وبطريقة خاصة جدا، فإن قراءة اليوم يجب أن تحظى بأقصى اهتمام من جانبنا جميعا حيث أنها تأتي في ختام رحلة بني إسرائيل تحت قيادة الرب وبداية السنوات الضائعة من التيهان في البرية (عدد 4:14،41-45).

فمهما كانت القوة الكامنة في الأعداد المجردة أو في الممتلكات المادية، فهي لا يمكن الاعتماد عليها من أجل تقدم ملكوت الله، فهو قد اختار ضعفاء العالم ليخزي الأقوياء (1 كورنثوس 27:1). فلنخف أنه مع بقاء وعد بالدخول إلى راحته يُرى أحد منكم أنه قد خاب منه ... فلنجتهد أن ندخل تلك الراحة لئلا يسقط أحد في عبرة العصيان هذه عينها (عبرانيين 1:4-11).

إعلان عن المسيح: كمجد الله (عدد 22:14). يسوع المسيح هو بهاء مجد الله (عبرانيين 3:1).

أفكار من جهة الصلاة: اطرح كل همومك واهتماماتك على الرب: إنه يعتني بك (1 بطرس 7:5).

اقرأ عدد 16 -- 18

تعرض موسى مرة أخرى للمقاومة - هذه المرة من أولاد عمومته - الرؤساء الأساسيين للأسباط الاثني عشر، فقد انقاد 250 من قادة إسرائيل وراء قورح وداثان وأبيرام للتمرد على موسى وهارون. وكان هذا التمرد مزدوجا. فلقد كان قورح من بني لاوي وفي نفس الوقت كان من بني قهات، وعلى ما يبدو أنه كان يشتهي وظيفة الكهنوت، لأن موسى واجهه بالقول: تطلبون أيضا كهنوتا (عدد 10:16). أما داثان وأبيرام، وهما من بني رأوبين، فلقد كان تمردهما على موسى وهارون ذا طابع سياسي، إذ قالا لهما: ما بالكما ترتفعان على جماعة الرب؟ (3:16)، حتى تترأس علينا ترؤّسا ... لا نصعد (13:16-14).

فاشتكوا على موسى وهارون أنهما يتخذان لأنفسهما سلطة أكبر من اللازم. وكانت حججهم تبدو منطقية للغاية: كفاكما، إن كل الجماعة بأسرها مقدسة وفي وسطها الرب، فما بالكما ترتفعان على جماعة الرب؟ لقد كانت بالفعل الجماعة كلها أمة مقدسة (خروج 6:19)، ولكن هؤلاء الرجال رفضوا أن يعترفوا بأن موسى وهارون معينان من قبل الرب للقيادة بينما هم معينون من قبل أنفسهم. إن الكبرياء تؤدي دائما إلى العمى الروحي.

بعد ذلك أمر الله بأن ينفصل الشعب كله عن خيام هؤلاء القادة الثلاثة. وخاطب موسى الجماعة كلها قائلا: بهذا تعلمون أن الرب قد أرسلني لأعمل كل هذه الأعمال وأنها ليست من نفسي، إن مات هؤلاء كموت كل إنسان وأصابتهم مصيبة كل إنسان فليس الرب قد أرسلني. ولكن إن ابتدع الرب بدعة وفتحت الأرض فاها وابتلعتهم وكل ما لهم فهبطوا أحياء إلى الهاوية تعلمون أن هؤلاء القوم قد ازدروا بالرب. فلما فرغ من التكلم بهذا الكلام انشقت الأرض التي تحتهم - كما لو كان قد حدث زلزال عظيم، فسقط هؤلاء الرجال وأسرهم في الهوة ودفنوا أحياء (عدد 28:16-31).

وفي نفس اللحظة التي أوقع الله فيها قضاءه على هؤلاء الرجال الثلاثة، اندلعت نار والتهمت الـ 250 رئيسا الذين تمردوا بحسب الظاهر على موسى ولكنهم في حقيقة الأمر كانوا يتمردون على الرب. والشيء الغريب أن الجماعة بدلا من أن تعلن توبتها وجهت اللوم إلى موسى من أجل الأشخاص الذين لقوا حتفهم. ونتيجة لذلك، حدث وباء في الشعب وكان من الممكن أن يقضي على الجميع لولا أن موسى وهارون قدما كفارة عن الشعب رأفة بهم. ولكن 14700 شخصا كانوا قد ماتوا بسبب هذا التمرد (10:16،49).

بعد ذلك قصد الله أن يزيل كل شك لدى الشعب في أنه قد اختار موسى قائدا لهم وهارون رئيس كهنة لهم، فطلب من رؤساء الأسباط أن يحضروا كل واحد عصاه، وهي تشبه العكاز ولكنها أطول منه وترمز للسلطة. وأمرهم أن يضعوا عصيهم مع عصا هارون أمام الرب، وفي اليوم التالي سيظهر من الذي اختاره الرب.

وفي اليوم التالي ظلت جميع العصي ميتة كما هي أما عصا هارون فقد دبت فيها الحياة بطريقة معجزية وأخرجت براعم، وأوراقا، وزهورا، وثمار لوز . البراعم ترمز إلى الحياة، والزهور تعني الجمال والرائحة العطرة، والثمار هي علامة الشبع.

إن عصا هارون ترمز إلى المسيح، كعرق من أرض يابسة (إشعياء 2:53)، ليس له صورة ولا جمال لنشتهيه. وهي تعبر عن احتياجنا للوجود في محضر الرب (عدد 10:17). فالغصن لا يقدر أن يأتي بثمر إن لم يثبت في المسيح (يوحنا 1:15-6).

أفكار من جهة الصلاة: اطلب من الرب أن يعطيك رحمة وشفقة على الآخرين (يهوذا 21:1-22).

اقرأ عدد 19 -- 20

اتهم بنو إسرائيل موسى وهارون باطلا بأنهما مسئولان عن موت قورح مع 250 من القادة المشهورين. وقد أدت اتهاماتهم إلى حدوث وباء أدى إلى موت 14700 من بني إسرائيل (عدد 41:16-49). ولكن الشعب كله كان مذنبا ومستحقا للموت لأنهم جميعا تذمروا على موسى.

من بعد هذه الحادثة أعطيت فريضة تقديم البقرة الحمراء*: كلم بني إسرائيل أن يأخذوا إليك بقرة حمراء صحيحة لا عيب فيها ولم يعل عليها نير، فتعطونها لألعازار الكاهن فتخرج إلى خارج المحلة وتذبح قدامه ... وتحرق البقرة أمام عينيه (عدد 2:19-3،5).

لم يكن مطلوبا في هذه الذبيحة ثورا كما في ذبائح الخطية المعتادة عن الجماعة (لاويين 14:4)، وإنما بقرة أنثى وذلك لأن الأنثى حاملة الحياة (تكوين 20:3). كان عليهم أن يحضروا بقرة حمراء صحيحة لا عيب فيها ولم يعل عليها نير (عدد 2:19). فاللون يجب أن يكون أحمر - وهو اللون الذي يدل على أوج الشباب، فهو لون الوجه والخدين والشفاه، وهو أيضا يرمز إلى المسيح الذي أسلم من أجل خطايانا في أوج شبابه. لقد كان هو الذبيحة التي بلا عيب وبلا خطية (عبرانيين 13:9-14) الذي خضع تماما لإرادة الآب، الذي لم يكن يحتاج إلى نير أو إجبار لكي يذهب إلى الصليب (عبرانيين 5:10-9). إن إهمال عملية التطهير بواسطة ذبيحة البقرة الحمراء معناه أن تباد تلك النفس من بين الجماعة لأنه نجّس مقدس الرب (عدد 20:19).

كانت جميع الذبائح المرتبة تقدم عند المذبح بالقرب من مدخل خيمة العبادة. وكان الدم يصب بجوار المذبح لأن الحياة موجودة في الدم، وحياة الذبيحة تقدم لله بدلا من حياة مقدم الذبيحة (لاويين 11:17). وكان الناموس يطالب بأن كل من يتنجس بلمس جسد ميت يغادر المعسكر حتى يتم تطبيق القواعد الموصوفة من أجل التطهير وبعد ذلك يعود مرة ثانية (عدد 2:5-4). وقد كان جميع الشعب متنجسين وفي حالة موت روحي، ليس فقط بسبب تمردهم ولكن أيضا بسبب تلامسهم مع 14700 من جثث الموتى الذين كانوا يحتاجون إلى دفن.

لقد اقتيدت البقرة الحمراء خارج معسكر الله،بعيدا عن خيمة العبادة، وأُحرقت تماما بالنار. لقد أُحرق الدم مع اللحم وخلط الرماد بماء جارٍ ورشّ على المتنجسين. وكلمة "جار" في العبرية تعني أيضا "حي" - وهذا يعني أنه ليس فقط يطهر من الخطية بل أيضا يعيد الحياة. لقد تألم ربنا خارج الباب وقدم نفسه بالكامل لتنفيذ مشيئة الله الذي هو نار آكلة من جهة الخطية (عبرانيين 12:13؛ 29:12).

ومن خلال البقرة الحمراء أعطانا الله إعلانا جديدا عن أهمية تجنب الخطية بجميع أشكالها. فالخطية دائما تتضمن الموت، سواء كانت في الكتب التي نقرأها أو في أفكارنا أو محادثاتنا أو اختلاطنا بغير المؤمنين، أو أي شيء آخر ينجس أذهاننا وأجسادنا.

لقد قال الرب يسوع المسيح الذي هو الماء الحي : أنتم الآن أنقياء لسبب الكلام الذي كلمتكم به (يوحنا 10:4-11؛ 38:7؛ 3:15).

*ملاحظة: لا توجد إشارة إلى أن شريعة البقرة الحمراء قد أعطيت لتحل محل الفرائض والذبائح التي أعطيت على جبل سيناء. وإنما أعطيت هذه الشريعة في برية فاران في وقت كان فيه جميع بنو إسرائيل تحت حكم الموت. ولم يذكر تقديم بقرة حمراء مرة أخرى طوال بقية تاريخ بني إسرائيل، مع أنه يمكن الاستنتاج بأن هذه الفريضة استمرت حتى نهاية الزمان (عدد 10:19،21؛ من أجل فترة زمنية غير محدودة ومشابهة انظر عدد 12:25-13).

إعلان عن المسيح: من خلال الصخرة التي ضُربت (خروج 6:17؛ عدد 8:20-11). المسيح هو صخرنا الذي ضُرب مرة بموته على الصليب، ولا يحتاج أن يُضرب مرة أخرى (1 كورنثوس 4:10؛ رومية 10:6).

أفكار من جهة الصلاة: قدم الشكر للرب من أجل كل شيء (أفسس 19:5-20).

اقرأ عدد 21 -- 22

في آخر رحلة لبني إسرائيل من قادش إلى هور، قيل عنهم الجماعة كلها (عدد 22:20)، أي أنه قد أعيد تنظيم جميع الأسباط بعد التيهان لمدة 38 سنة في الصحراء. لقد كانوا بالقرب من الموقع الأخير وقد أوشكوا أن يعبروا الأردن ويدخلوا أرض الموعد. ولكننا نقرأ مرة أخرى عنهم أنهم ضاقت نفسهم في الطريق (4:21-9). وفي الحقيقة فإن الطريق كانت فعلا صعبة. وقد سماها موسى مرتين القفر العظيم المخوف (تثنية 19:1؛ 15:8). لقد كانت صحراء جرداء صخرية ورملية وبها العديد من المناطق الجبلية.

وكما هو الحال دائما، فإن أزمات الحياة هي التي تبين حقيقة أمرنا. فعندما يصيبنا اليأس كما حدث مع بني إسرائيل، نميل إلى تضخيم مشاكلنا. قالوا: لأنه لا خبز ولا ماء (عدد 5:21)،مع أن المن لم يكن قد توقف عن النزول وماء الصخرة لم يكن قد جف، ولكن لم يكن هناك سمك وقثاء وبطيخ وكرات وبصل وثوم مثلما كان لديهم في مصر. وأخيرا اضطروا أن يعترفوا صراحة قائلين: كرهت أنفسنا الطعام السخيف -وقد كانت هذه إهانة لله أدت إلى حدوث هزال في أنفسهم (مزمور 15:106). ويبدو عند هذه النقطة أن الله سحب قوته الحافظة فبدأت الحيات المحرقة تغزو معسكرات بني إسرائيل (عدد 6:21). فلُدغ الآلاف منهم. وقد وُصفت الحيات بأنها مُحرقة بسبب الألم الشديد الحارق الذي تسببه لدغتها. وقد استجيبت فورا صلاة موسى إلى الله (7:21). وأمر الرب موسى أن يصنع حية من نحاس تشبه الحية المحرقة.

وثبّت موسى الحية النحاسية عاليا فوق عمود، وكل من نظر إلى الحية النحاسية كان يحيا (8:21). كان هذا رمزا لدينونة الله على الخطية ورمزا لرحمة الله ومحبته لجميع المؤمنين التائبين. لم يترك المسيح مجالا للشك في حديثه مع نيقوديموس (يوحنا 1:3-21؛ 32:12) في أن الحية النحاسية كانت تشير إليه هو إذ كان سيُرفع على الصليب كالرجاء الوحيد للخطاة لكي ينجوا من الموت الأبدي. لأنه جعل الذي لم يعرف خطية خطية لأجلنا لنصير نحن بر الله فيه (2 كورنثوس 21:5).

إن الشكوى والتذمر من الأمور المخربة والمدمرة للنفس. فمهما كانت الظروف، يجب أن نعبر عن إيماننا بمحبة الله وحكمته، وأنه دائما يقدم لنا الأفضل. وإذا صادفنا في حياتنا اليومية أصدقاء متذمرين، يجب أن نحاول فورا، وبأسلوب لطيف، أن نصحح نظرتهم للأمور ونشجعهم على تقديم الحمد للرب لأن رحمة الله هي كل يوم (مزمور 1:52) وهي لكل إنسان. ففي أصعب المواقف، عندما تشعر بالضعف الشديد، أعط مجدا للرب.

إن أبرز نقاط القوة في الرحلة إلى أرضنا الموعودة، تأتي من خلال شركتنا مع أمثال يشوع المعروف عنهم أنهم أقوياء في الإيمان فيشددوننا بدلا من أن يهبطون عزيمتنا. إننا نحتاج أن نبحث عن أصدقاء مثل حبقوق الذي استطاع أثناء التجارب والضيقات الشديدة التي كانت في زمنه، أن يعلن عن إيمانه بوضوح قائلا: مع أنه لا يُزهر التين، ولا يكون حَملٌ في الكروم، يكذب عمل الزيتونة، والحقول لا تصنع طعاما، ينقطع الغنم من الحظيرة ولا بقر في المذاود: فإني أبتهج بالرب وأفرح بإله خلاصي (حبقوق 17:3-18).

إعلان عن المسيح: من خلال موسى الشفيع (عدد 7:21). فالمسيح حي في كل حين ليشفع فينا (عبرانيين 25:7).

أفكار من جهة الصلاة: اقترب من الرب في الصلاة بقلب نقي وطاهر (يعقوب 8:4).

اقرأ عدد 23 -- 25

أخيرا استقر بنو إسرائيل في سهول موآب عند شطيم شمال شرق البحر الميت وبالقرب من جبل نبو - على بعد بضعة أميال جنوبا من مدينة عمان في الأردن الحالية. لقد كان هذا آخر موقع يعسكر فيه بنو إسرائيل على الجانب الشرقي من نهر الأردن (عدد 49:33؛ يشوع 1:2؛ 1:3). وقد واجه بنو إسرائيل أعداء كثيرين واضطروا لمحاربتهم. وربما توقعوا صراعا مماثلا مع بالاق، ملك موآب (عدد 4:22).

ولكن أمام الأعداد الهائلة من بني إسرائيل، خاف الموآبيون أن ينهزموا بسرعة. وقد دفع هذا الخوف بالاق إلى توحيد جيوشه مع جيرانه المديانيين ضد بني إسرائيل (4:22-7). وإذ كان يعتقد بالاق بأنه لن يستطيع أبدا أن يهزم بني إسرائيل في الحرب، عرض مكافأة على النبي بلعام لكي يضع لعنة على إسرائيل. ولكن الرب حذر بلعام قائلا له: لا تذهب معهم (12:22). ولكن بسبب رغبته الشديدة في المكافأة وافق أخيرا على الذهاب مضحيا بمبادئه بسبب الشهوة. ولكن بلعام فشل في أن يلعن إسرائيل مما أثار غضب بالاق، فحاول بلعام أن يكسب رضى الملك واقترح عليه أن تصادق النساء الموآبيات رجال بني إسرائيل لاجتذابهم إلى ممارساتهن الدينية الرجسة (عدد 1:25-2).

وكان بنو إسرائيل ينعمون بالراحة بعد الرحلات الطويلة والمشقات والحروب. وكان كل شيء يبدو هادئا وبحسب الظاهر لا توجد أخطار. ولكن الصداقة مع النساء الموآبيات أدت إلى الزنى والفجور الجنسي. وبحكم الاشتراك في العبادة، تعلق إسرائيل ببعل فغور تحت قيادة بلعام (عدد 3:25؛ 16:31؛ رؤيا 14:2). لقد اعتبرت كل هذه العلاقات الجنسية خطية فظيعة وفسخت علاقة العهد بين بني إسرائيل والله. فأمر الرب موسى بأن يعلق رؤوس جميع المذنبين ويقتل جميع المشاركين في الخيانة (عدد 4:24-5؛ قارن مع تثنية 22:21-23؛ 1 صموئيل 10:31-13؛ 2 صموئيل 5:2-6؛ 12:21-14). وبينما كانت جماعة إسرائيل تبكي عند باب خيمة الاجتماع، إذا رجل اسمه زمري يتقدم بكل وقاحة ويدخل إلى خيمته ومعه امرأة مديانية أمام عيني موسى وأعين كل الجماعة (عدد 6:25،14).

فقام فينحاس بكل شجاعة، وهو قائد روحي ومسئول عن إقامة العدل، ونفذ حكم العدل، فتوقف الوباء. ومع ذلك فلقد مات بالوباء 24000 شخصا (9:25). ومدح الرب فينحاس أعظم مديح وأعطاه ميثاق كهنوت أبدي (12:25-13). وقال عنه الرب أنه كفر عن الشعب. فحُسب له ذلك برا إلى دور فدور إلى الأبد (مزمور 31:106). وتم تعيين فينحاس كرئيس كهنة ثان مع أبيه ألعازار.

هذه الحادثة لا تعني أنه من حق أي إنسان اليوم أن يقتل غيره، إلا في حالة الدفاع عن النفس أو بحكم المحكمة أو لأسباب حربية. ولكن في هذا الوقت من تاريخ بني إسرائيل، كان الرب ملكا على إسرائيل، وكان موسى والكهنة ورؤساء الأسباط مسئولين عن تنفيذ أحكام الله وإقامة العدل.

كان في استطاعة فينحاس أن يقول: "لماذا أتدخل فيما لا يعنيني؟" نعم، فإن كثيرين ينصحوننا بألا نحكم على غيرنا وأن نتعايش مع الأخلاقيات المنحطة التي أصبحت تلقى مزيدا من الشعبية. ولكن الخطايا الجنسية مكرهة أمام الرب: إن كان أحد يفسد هيكل الله فسيفسده الله (1 كورنثوس 16:3-17؛ 13:6،18؛ 2:7؛ 8:10-21،22؛ غلاطية 19:5؛ أفسس 3:5؛ كولوسي 5:3؛ 1 تسالونيكي 3:4).

كما أن سدوم وعمورة والمدن التي حولهما إذ زنت على طريق مثلهما ومضت وراء جسد آخر جعلت مكابدة عقاب نار أبدية (يهوذا 7:1).

إعلان عن المسيح: كالكوكب وقضيب الملك (عدد 17:24). سوف يأتي المسيح ليملك بمجد عظيم ليس فقط على إسرائيل ولكن على جميع البشر (رؤيا 15:19-16).

أفكار من جهة الصلاة: صل وصم في الخفاء بحيث لا يعرف أحد سوى الرب (متى 16:6-18).

اقرأ عدد 26 -- 27

وقعت حادثتان رئيسيتان عندما اقترب الجيل الثاني من الإسرائيليين من أرض الموعد في سهول موآب عند نهر الأردن مقابل أريحا (عدد 3:26). كانت قد مضت 40 سنة من وقت خروجهم من مصر عندما كلم الرب موسى وألعازار بن هارون الكاهن قائلا: خذا عدد كل جماعة بني إسرائيل من ابن عشرين سنة فصاعدا (عدد 1:26-2). كان التعداد الأول من أجل تحديد عدد الرجال المحاربين فوق سن العشرين سنة. ولكن جميع الرجال المعدودين في هذا التعداد اشتركوا في التمرد الذي حدث عقب تقرير الجواسيس العشرة عن أرض كنعان. فهؤلاء هم الذين صرخوا قائلين: لماذا أتى بنا الرب إلى هذه الأرض لنسقط بالسيف؟ تصير نساؤنا وأطفالنا غنيمة. أليس خيرا لنا أن نرجع إلى مصر؟ (عدد 3:14).

فأجابهم الرب: في هذا القفر تسقط جثثكم جميع المعدودين منكم حسب عددكم من ابن عشرين سنة فصاعدا الذين تذمروا عليّ ... وأما أطفالكم الذين قلتم يكونون غنيمة فإني سأدخلهم فيعرفون الأرض التي احتقرتموها (29:14،31).

وكان التعداد الثاني شهادة على أمانة كلمة الرب، حيث أنه ولا واحد من المعدودين في التعداد الأول كان لا يزال حيا باستثناء يشوع وكالب. كان هذا دليلا واضحا على أن الله قد أوقع قضاءه بشكل فردي على أكثر من 600 ألف رجلا فماتوا على مدار 38 سنة من التيهان في البرية.

لا زالت هناك حادثة أخرى أساسية يجب أن تحدث قبل أن يتمكن بنو إسرائيل من دخول أرض الموعد. قال الرب لموسى اصعد إلى جبل عباريم هذا وانظر الأرض التي أعطيت بني إسرائيل ... لأنكما في برية صين عند مخاصمة الجماعة عصيتما قولي أن تقدساني [بالطاعة المطلقة لسلطاني] بالماء [أي عند الماء] أمام أعينهم ... فكلم موسى الرب قائلا: ليوكّل الرب إله أرواح جميع البشر رجلا على الجماعة (عدد 12:27-16). ولا يمكننا الاستنتاج بأن يشوع كان أكثر كمالا من موسى أو أكثر إعزازا لدى الرب من موسى، فإن حياة موسى تميزت بهذه الكلمات التي تكررت عنه كثيرا: ففعل موسى كما أمره الرب (عدد 22:27). وأيضا قيل عنه: لم يقم بعد نبي في إسرائيل مثل موسى الذي عرفه الرب وجها لوجه (تثنية 10:34).

ولكن خطية واحدة منعت موسى من دخول أرض الموعد - لقد ضرب الصخرة بدلا من أن يكلمها كما أمره الرب. ولكن، كان موسى ممثلاً للناموس الذي لا يسمح باستثناء واحد. إن المحاولة للعيش وفقا لناموس الرب لا تؤهل أحدا - ولا حتى موسى - للدخول إلى أرض الموعد أو إلى السماء. لأن من حفظ كل الناموس وإنما عثر في واحدة فقد صار مجرما في الكل (يعقوب 10:2).

الناموس كامل، لكنه لا يستطيع أن يجعل أحدا كاملا. إذ قد كان الناموس مؤدبنا إلى المسيح لكي نتبرر بالإيمان (غلاطية 24:3). لأنه ما كان الناموس عاجزا عنه في ما كان ضعيفا بالجسد فالله إذ أرسل ابنه في شبه جسد الخطية ولأجل الخطية دان الخطية في الجسد (رومية 3:8).

إعلان عن المسيح: من خلال الرجل الذي سيقود الشعب كالراعي (عدد 17:27). قال يسوع: أنا هو الراعي الصالح (يوحنا 11:10).

أفكار من جهة الصلاة: اطلب من الرب أن يقدسك بواسطة حق كلمته (يوحنا 17:17).

اقرأ عدد 28 -- 29

كان الاحتفال الأعظم هو عيد المظال. ابتدأ في اليوم الخامس عشر من الشهر السابع (لاويين 33:23-44). ولكن كان يسبقه أولا عيد الفصح، الذي يرمز إلى كفارة المسيح على الصليب؛ ثم عيد الفطير، الذي يرمز إلى المسيح كخبز الحياة الذي بلا خطية؛ ثم عيد الباكورة، الذي يشير إلى قيامة المسيح؛ ثم عيد الخمسين، أو الحصاد الثاني في السنة، وهو يرمز إلى الحصاد العظيم للنفوس في يوم ميلاد الكنيسة؛ وأخيرا يأتي أوان الفرح. في الشهر السابع في الأول من الشهر [بدء السنة الجديدة] يكون لكم محفل مقدس؛ عملا ما من الشغل لا تعملوا. يوم هتاف بوق يكون لكم (من أجل إعلان بدء العام الجديد واقتراب يوم الكفارة العظيم وعيد المظال) (عدد 1:29).

لم يكن عيد المظال هو آخر الأعياد فحسب، بل كان أيضا أطول الأعياد، ويستمر لثمانية أيام - من السبت إلى السبت. وقد كان هذا العيد من الأعياد الشاملة التي لا يستثنى منها أحد. وكان هذا العيد يأتي في نهاية الصيف عندما يكون العمل في الحقول قد انتهى وآن الأوان للشعب أن يستريح.

لمدة سبعة أيام، يترك جميع المقيمين في إسرائيل بيوتهم ويسكنون في مظال مؤقتة- كتذكار سنوي لزمن سكناهم في خيام أثناء تجوالهم في البرية حيث لم يكن لهم بيوت (انظر لاويين 39:23-42). والأشجار التي كانت تستخدم لهذه المساكن المؤقتة لها أيضا معنى رمزي. فإن شجرة التين توفر الظل وأيضا تذكرهم بحماية الرب لهم. وسعف النخل تشير إلى الانتصار، بينما ترمز شجرة الزيتون إلى السلام وإلى حضور الرب (نحميا 15:8). وصفصاف الوادي يدل على أنه شعب مبارك ومزدهر مغروس بالقرب من المياه الجارية (مزمور 3:1).

وكانت الذبائح المقدمة في هذا العيد أكثر مما في كل الأعياد الأخرى. والثيران المقدمة، كان عددها يتناقص على مر الأيام الثمانية. في اليوم الأول 13، ثم 12، 11، 10، 9، 8، 7، وفي اليوم الأخير واحد فقط. وهذا التناقص في العدد إلى واحد يبين كيف أن الذبائح العديدة التي يتطلبها الناموس سوف تختزل إلى ذبيحة واحدة، هي ذبيحة المسيح حمل الله، الذي يمنحنا السلام بموته الكفاري على الصليب من أجل خطايانا (رومية 11:5). وبعد بناء الهيكل، وأثناء إعداد الذبائح في مثل هذا اليوم، كان الكاهن بصحبة جموع المرنمين ينزل إلى بركة سلوام - كتذكار للماء المعجزي الذي فاض من الصخرة. وهناك يملأ الإبريق الذهبي بالماء ويعود به إلى الهيكل ليصبه في وعاء من الفضة.

عند هذه اللحظة، في اليوم الأخير العظيم من العيد وقف يسوع ونادى قائلا إن عطش أحد فليُقبل إليّ ويشرب! (يوحنا 37:7-39). لقد أراد الرب أن يحوّل أفكار الشعب من الطقوس والرموز إلى شخصه، - إلى الحقيقة.

إن حياة المؤمن هي رحلة أشبه جدا برحلة بني إسرائيل في البرية. وكما حدث مع موسى، كثيرا ما نظن أنها قفر عظيم مخوف (تثنية 19:1)، لكنها في الواقع رحلة نتقدم فيها مع الرب إلى اختبارات أعمق، وشركة أغنى، وإيمان أقوى. فدعونا نقول مع الرسول بولس: أسعى نحو الغرض لأجل جعالة دعوة الله العليا في المسيح يسوع [أي لأربح الجائزة السماوية الكبرى التي دعانا الله إليها في المسيح يسوع] (فيلبي 14:3).

إعلان عن المسيح: من خلال ذبائح السلامة، التي تسمى أحيانا ذبائح الشركة (عدد 39:29). فنحن لنا سلام (أو شركة) مع الله بربنا يسوع المسيح (رومية 1:5).

أفكار من جهة الصلاة: أيها الرجال، أكرموا نساءكم وإلا فإن صلواتكم ستُعاق (1 بطرس 7:3).

اقرأ عدد 30 -- 31

نجح المديانيون في تخريب إسرائيل - ليس من خلال معركة انتصروا فيها، إنما بالارتباطات الودية التي أدت إلى الزنى والرجاسة وعبادة الأوثان ونتج عنها موت 24000 من بني إسرائيل. ولا نعرف كم مضى من الوقت حتى سمع موسى صوت الرب مرة أخرى قائلا: انتقم نقمة لبني إسرائيل من المديانيين (عدد 2:31؛ 17:25).

وكانت آخر مسئوليات موسى هي تنفيذ قضاء الرب على المديانيين. فإن بني إسرائيل لم يكونوا أحرارا في عمل رغباتهم الذاتية. فكان لا بد أن يحدث ذلك قبل أن يتمكنوا من عبور نهر الأردن.

كان على فينحاس أن يتقدم أمامهم حاملا أمتعة القدس وأبواق الهتاف (6:31). والأبواق ترمز إلى توجيه الله وحقه، وكان تابوت العهد يحتوي على كلمة الحق. ولم يمت ولا إسرائيلي واحد في هذه الحرب التي أدت إلى موت الملوك الخمسة وجميع الرجال المديانيين - وبلعام بن بعور قتلوه بالسيف (8:31). وحيث أن الله هو الذي أمر بهذه المذبحة التاريخية، يمكننا أن ندرك مدى بشاعة إغواء أولاد الله بالخطية. وبالطبع فإن هذه الحادثة توضح لنا أن خاطئا واحدا يستطيع أن يتلف خيرا كثيرا وأن يسبب شرا كثيرا. ولذلك، يجب على الذين يتجربون من جهة التساهل مع الخطية أن يتعلموا من تاريخ بلعام أن نتائج الخطية بعيدة المدى. لقد كان بلعام يعرف الحق جيدا حتى أنه اعتُبر من أكبر أنبياء الله. لقد كان يعرف قوة الرب الحقيقية، ولكن كان في طبعه شيء ما في منتهى الاعوجاج. لقد كان يعرف أنه إذا سقط بنو إسرائيل في الزنى والعبادة الكاذبة ينهزمون. وربما التمس لنفسه العذر في طمعه لأنه لن يكون مرتكبا لخطية الزنى أو عبادة آلهة الغريبة، لكنه أحب أجرة الإثم (2 بطرس 15:2).

فإلي من يحاول أن يغوي الآخرين بالخطية من أجل مصلحته الشخصية، يقول الرب يسوع: خير له لو طوّق عنقه بحجر رحى وطُرح في البحر من أن يعثر أحد هؤلاء الصغار (لوقا 2:17).

بدا بلعام أنه من رجال الله بقوله: الكلام الذي يضعه الله في فمي به أتكلم . وحتى إلى أعداء شعب الله فإنه يقول: لتمت نفسي موت الأبرار ولتكن آخرتي كآخرتهم (عدد 25:23-26،10،12؛ قارن مع 18:22،38؛ 13:24). لقد منح الله لبلعام بصيرة روحية في مواقف متعددة، لكن المساومات خدعته للغاية. فما أسهل أن يقول الإنسان: لتمت نفسي موت الأبرار ، وهو في نفس الوقت يسعى وراء شهوات الجسد. فلم يكن صدفة لبلعام أن يختار أن يعيش وسط المديانيين - ربما في تنعم - إذ كان يحظى بتقدير الملك والشعب. وقد نقول اليوم عن بلعام: يا له من غبي! ولكن، ألا يوجد بيننا كثيرون مثله - يعتقدون أنهم يقدرون أن يفوزوا بمكافآت العالم الخاطئ والعالم الروحي معا؟

يثق الكثيرون - مثل بلعام - في محبة الله ورحمته وصبره، لكنهم ينسون أنه أيضا إله بار وقدوس. إذاً يجب أن يكون هناك تغيير جذري داخل كل مؤمن - تغيير في الدوافع والأهداف ومصادر الفرح الحقيقي. فليس هناك أخطر من أن نرى الجانب المحب في إلهنا فقط ، لأنه بدون القداسة لن يرى أحد الرب (عبرانيين 14:12).

فإننا نعرف الذي قال: لي الانتقام أنا أجازي يقول الرب ... مخيف هو الوقوع في يدي الله الحي (عبرانيين 30:10-31).

إعلان عن المسيح: كالشخص الذي يحكم بالعدل على الأشرار (عدد 1:31-12؛ قارن مع 2 تسالونيكي 7:1-9).

أفكار من جهة الصلاة: صل عندما تكون في ضيق وألم (يعقوب 13:5).

اقرأ عدد 32 -- 33

طلب بنو رأوبين وبنو وجاد ونصف سبط منسى أن يستقروا في أرض يعزير وأرض جلعاد (عدد 1:32-2،5)، والتي تضمنت كل المناطق الممتلكة حديثا شرق الأردن من الحدود الشمالية الشرقية للبحر الميت حتى بحر الجليل في الشمال (تثنية 1:34؛ 1 أخبار 16:5). وقد شملت هذه المنطقة كل الهضاب المتدرجة الجميلة، والسهول والأودية الخصبة، وأراضي الرعي - بالمقابلة مع الأراضي الصخرية الموحشة في جنوب كنعان. وقد انضم إلى رؤساء سبطي رأوبين وجاد نصف سبط منسى (عدد 33:32-40) اعتقادا منهم أنه من الأفضل أن يظلوا على الجانب الشرقي من نهر الأردن إذ كان لهم مواش كثيرة وافرة جدا .وبحسب النظرة البشرية ربما كان هذا عذر مناسب، لكنه في الحقيقة كان نوعا من المراوغة.

في البداية كان كلام رؤساء الأسباط لموسى وكأنهم يطلبون منه معروفا. لكنهم قالوا بعد ذلك: لا تعبّرنا الأردن ، على الرغم من أنهم كانوا يعرفون أن الجانب الغربي من نهر الأردن هو مكان البركة التي وعدهم بها الرب (5:32).

كان ينبغي أن تكون وحدة الأمة وقربهم من الهيكل، ومن محضر الله هو أقصى مشتهاهم. لكن هؤلاء الأسباط كانوا مستعدين أن يضحوا بالبركات الروحية وأيضا بميراثهم في أرض الموعد من أجل الربح المادي.

لم تظهر على بني رأوبين وبني جاد ونصف سبط منسى أي دلائل على رفضهم للرب إلههم، إنما اختلاطهم بجيرانهم الوثنيين على الجانب الشرقي من نهر الأردن أثر عليهم أخيرا للدخول في الوثنية. ونتيجة لذلك، انهزموا في النهاية (1 أخبار 25:5-26).

هؤلاء الأٍسباط يشبهون الكثيرين في أيامنا الذين يهتمون أساسا بما يفيدهم ماديا وحالاً، فيفقدون اهتمامهم بإرادة الله وكلمة الله. فكثيرا ما يختار الإنسان التفوق العملي والتميز الاجتماعي وتحقيق الشهرة بدلا من التوجه إلى حيث يمكنه أن يخدم الرب بالطريقة المثلى.

إن الكثيرين ممن يفترض أنهم مؤمنون ينغمسون في المشاغل العالمية التي تمنعهم من تقديم وقتهم أو عشورهم للرب. وعادة يقر هؤلاء الأشخاص بأنهم في يوم ما سوف يستأسرون كل فكر إلى طاعة المسيح وسوف يقدمون أجسادهم ذبيحة حية مقدسة مرضية عند الله (2 كورنثوس 5:10؛ رومية 1:12). لكنهم في حقيقة الأمر منشغلون في ذواتهم ويخدعون أنفسهم، ويبدو أن الوقت المناسب لهم لعمل مشيئة الله لا يأتي أبدا. هؤلاء أيضا يكونون مصدر إحباط للآخرين بسبب عدم مبالاتهم بالأمور الروحية.

إن رأوبين يمثل المؤمنين الذين يطلقون العنان لشهواتهم ويبالغون في أهمية إرضاء الجسد، فإنهم لا بد أن يتعلموا ما سبق وقيل لرأوبين من أبيه: فائرا كالماء لا تتفضل (أي لا يمكن أن تتفوق)، فهؤلاء نادرا ما تتحقق أحلامهم (تكوين 4:49).

فمهما ظن بنو رأوبين وبنو جاد ونصف سبط منسى أنهم سيربحون المراعي لمواشيهم والملذات لأنفسهم فإنهم في الواقع قد خسروا الكثير بانفصالهم عن الهيكل الذي هو المكان الوحيد المحدد من الرب لتقديم الذبائح والذي فيه حضور الرب. لعل هذا يكون درسا لكثيرين اليوم.

معلمة إيانا أن ننكر الفجور والشهوات العالمية ونعيش بالتعقل والبر والتقوى في العالم الحاضر، منتظرين الرجاء المبارك وظهور مجد الله العظيم ومخلصنا يسوع المسيح (تيطس 12:2-13).

إعلان عن المسيح: من خلال أرض الموعد -التي تفيض خيرات، وأيضا توفر الحماية لجميع الذين يعيشون في توافق مع كلمة الرب.

أفكار من جهة الصلاة: صل بلا انقطاع حتى تحصل على إجابة (1 تسالونيكي 17:5).

اقرأ عدد 34 -- 35

على خلاف سائر الأسباط، لم يكن للاويين ميراث مستقل في الأرض. كان عليهم أن يعتمدوا على العشور، بالإضافة إلى التقدمات التطوعية. وقد حددت لهم 48 مدينة ليسكنوا فيها بصفة دائمة مع أراض للرعي وسط الأسباط.

ومن بين الـ 48 مدينة، تحددت 6 مدن ملجأ وهي مدن سهل الوصول إليها من كل أسباط إسرائيل. وكانت هذه المدن ذات أهمية خاصة كمكان آمن لكل من يقتل نفسا سهوا (عدد 11:35).

إن الله هو الذي يطالب بأن: كل من قتل نفسا فعلى فم شهود يقتل القاتل ... ولا تأخذوا فدية عن نفس القاتل المذنب للموت، بل إنه يقتل ... لا تدنسوا الأرض التي أنتم فيها لأن الدم يدنس الأرض، وعن الأرض لا يكفر لأجل الدم الذي سفك فيها إلا بدم سافكه (عدد 30:35-33).

إن ناموس موسى يطالب بأنه إذا قتل إنسان، فإن أقرب قريب للقتيل يكون مسئولا عن قتل القاتل (16:35-21،29-34). وكانت مدن الملجأ توفر الحماية فقط للذي يقتل نفسا سهوا - وليس للذي يقتل عمدا - حتى يتم تقصي الأمر وعندئذ يحاكم المتهم محاكمة عادلة (12:35،15،22-25). أما تجاهل كلمة الله والسماح للقتلة بأن يعيشوا فإن هذا ينجس الأمة.

وكان اللاويون هم المعلمون والمرشدون في الأمور الروحية (تثنية 10:33؛ ملاخي 4:2-8) وكانوا مسئولين عن إعطاء أقصى اعتبار لله ولكلمته وللقداسة في الحياة.

وعندما يُثبت أمام محكمة اللاويين أن الشخص المتهم بالقتل مذنب، يجب أن يُحكم عليه بالموت ذكرا كان أم أنثى وبغض النظر عن سنه. ولا يوجد مجال لقضاء مدة في السجن، أو إمكانية الإصلاح، أو الترضية المادية. فإن الشخص المذنب يسلم في الحال إلى وليّ الدم ليقتل. فإن الإبقاء على حياة شخص قاتل لأي سبب من الأسباب، هذا ينجس الأمة، ليس فقط لأنه أباد إنسانا مخلوقا على صورة الله (تكوين 27:1)، وحرم شخصا من الحياة، وسبب ألما مدى الحياة للأسرة والأصدقاء، ولكن أيضا لأنه ارتكب جريمة في حق الخالق باغتصاب حق الله على هذه الحياة حيث أنه هو وحده له الحق في إنهاء الحياة.

أما إذا تأكد أن القتل كان حادثا غير متعمد أو أثناء الدفاع عن النفس، فإن القاتل رغم عدم مذنوبيته يجب أن يذهب إلى مدينة الملجأ ويكون آمنا طالما أنه بداخلها حتى وفاة رئيس الكهنة الحالي. بعد ذلك يمكنه أن يرجع آمنا إلى بيته. ولكن إذا خاطر بالخروج قبل ذلك الوقت فإنه يكون معرضا للقتل. وهذا يشير إلى أن حياة القاتل الهارب إلى مدينة الملجأ مرتبطة بحياة رئيس الكهنة. وطالما أن المسيح، رئيس كهنتنا، حي فإننا نحيا به.

وبلا شك، فإن تنفيذ الأحكام في المجرمين هي مهمة مؤلمة للغاية يتحاشاها أي إنسان، غير أنه من اللازم إقامة العدالة في مجتمعنا.

لقد أعلن المسيح أن البغضة هي أحد أنواع القتل حيث أن كلاً منهما يبدأ بموقف في القلب (متى 39:5-44؛ 19:15). كل من يبغض أخاه (أي يستمر في البغضة) فهو قاتل نفس، وأنتم تعلمون أن كل قاتل نفس ليس له حياة أبدية ثابتة فيه (1 يوحنا 15:3؛ 9:2،11؛ 20:4).

إعلان عن المسيح: كمدينة الملجأ للمؤمنين (عدد 35). ففيه نجد الحماية من دينونة الله ومن لعنة الناموس (فيلبي 9:3؛ عبرانيين 18:6).

أفكار من جهة الصلاة: ثق أن الله سيسدد جميع احتياجاتك عندما تضع إرادته في المقام الأول في حياتك (متى 31:6-33).

اقرأ عدد 36

فتقدمت بنات صلفحاد ... من عشائر منسى بن يوسف ... ووقفن أمام موسى وألعازار الكاهن وأمام الرؤساء وكل الجماعة لدى باب خيمة الاجتماع (عدد 1:27-2) وطلبن الحماية المستقبلية للأرض التي قسمها الرب لسبطهن. فقدم موسى دعواهن أمام الرب (5:27).

وجاء التقرير من رؤساء الأسباط هكذا: أن يعطى نصيب صلفحاد أخينا لبناته. فإن صرن نساء لأحد من بني أسباط بني إسرائيل، يؤخذ نصيبهن ... من قرعة نصيبنا يؤخذ ... من حسن في أعينهن يكن له نساء، ولكن لعشيرة سبط آبائهن يكن نساء ... فيلازم بنو إسرائيل كل واحد نصيب سبط آبائه (عدد 2:36-7).

لضمان ميراثهن المعطى لهن من الله في الأجيال القادمة كان ينبغي أن يتزوجن فقط من داخل سبطهن. وتظهر أهمية هذه النقطة في التأكيد المتكرر في الأعداد 7 و 8 و 9 من أصحاح 36 وفي الأعداد 1-11 من أصحاح 27. كان من حق هؤلاء النساء أن يتزوجن من حسن في أعينهن ؛ ولكنهن كن يدركن المسئولية الموضوعة على قرارهن - فإن زواجهن من الأسباط الأخرى سوف يحرم الأجيال المقبلة من ميراث أبيهن. فالقرار يتضمن مبدأ هام وهو التخلي عن إرضاء المشاعر الشخصية والتمسك بالأمانة في إتمام مشيئة الله.

ولا يفوتنا أن نلاحظ كيف أن طلب بنات صلفحاد يقابل تماما علاقتنا بالمسيح. فكثيرا ما تواجهنا نحن أيضا اختيارات ترضي عواطفنا الشخصية ولكنها تدمر ميراثنا الروحي. لذلك نحتاج جميعا إلى عمق الرؤية والاقتناع الذي كان لدى هؤلاء البنات.

يفشل الكثيرون في "المجتمع المؤمن" أن يلتزم بأمر الرب من جهة عدم الارتباط بغير المؤمنين (2 كورنثوس 14:6). وقد تحوّل تساهلهم هذا إلى مصدر مستمر من التعاسة والإحباط والاكتئاب. إنهم ببساطة لم يخضعوا للمسيح الرب، واضعين حدا للرغبات الأنانية الخاطئة النابعة من الطبيعة الجسدية.

وفي تناقض صارخ مع بنات صلفحاد الخمس نجد ظاهرة خطيرة اليوم وهي أن أعدادا متزايدة ممّن يدعون الإيمان ينضمون إلى صفوف العالم منكرين كلمة الله ومنغمسين في الزنى والفجور والشذوذ الجنسي وممارسة الجنس قبل الزواج.

لكن الحقيقة المؤكدة هي أنه لا خسارة على من يبقى أمينا للمسيح. فالتمسك بكلمة الله تحفظ وتنمي بدلا من أن تعيق استمتاع الإنسان بحياته. إن عدونا الشيطان كثيرا ما يبدو كملاك نور طالبا موافقتنا على الخضوع ولو مرة واحدة، ثم بعد ذلك يبدأ تدريجيا يسيطر على حياتنا. بعد ذلك تحدث مضاعفات مريرة جدا. والنتيجة النهائية بالنسبة لبني إسرائيل هي أنهم قد ضعفوا وانهزموا وخسروا حضور الله وفقدوا هيكلهم وأرضهم، وبعد ذلك سيقوا عبيدا للعالم.

إن التضحية بمسئولياتنا الأدبية من أجل إرضاء رغباتنا العاطفية، ينتج عنه دائما ضياع فرصة الربح الحقيقي للنصيب الأفضل في الحياة (لوقا 32:17؛ 2 كورنثوس 14:6-18؛ غلاطية 16:5-24؛ أفسس 4:5-17).

وأما الآن فكتبت إليكم إن كان أحد مدعو أخا زانيا أو طماعا أو عابد وثن أو شتاما أو سكيرا أو خاطفا أن لا تخالطوا ولا تؤاكلوا مثل هذا (1 كورنثوس 11:5).

إعلان عن المسيح: بصفته الكلمة الذي يتكلم بسلطان (عدد 5:36؛ قارن مع متى 18:28).

 

عودة للفهرس