مقدمة لسفر يشوع

سفر يشوع هو تكملة لتاريخ سفر التثنية وهو يغطي فترة قدرها 25 سنة. حتى هذه النقطة كان الرب قد سبق وتكلم بواسطة أحلام ورؤى أو خدمة وترتيب ملائكة. لكنه الآن تم إدخال طريقة جديدة.

لقد أعطيت أسفار موسى الخمسة لتصبح بمثابة صوت الرب المكتوب: لا يبرح سفر هذه الشريعة من فمك بل تلهج فيه نهارا وليلا لكي تتحفظ للعمل حسب كل ما هو مكتوب فيه لأنك حينئذ تصلح طريقك وحينئذ تفلح (يشوع 8:1).

توجد أربعة أقسام رئيسية في سفر يشوع:

1-عبور الأردن والاستعداد لامتلاك أرض الموعد (1:1 - 12:5): عندما حمل الكهنة تابوت العهد في نهر الأردن، أوقف الرب المياه حتى يمر بنو إسرائيل. وبعد عبورهم نزل الشعب في الجلجال، بالقرب من شواطئ الأردن،حيث نصب يشوع 12 حجرا تذكاريا شهادة للأجيال التالية - لكي تعلم جميع شعوب الأرض يد الرب أنها قوية لكي تخافوا الرب إلهكم كل الأيام (24:4).

2-الاستيلاء على أرض كنعان (13:5 - 24:12): تبعا لتوجيهات الرب الدقيقة، اتجه جيش إسرائيل نحو أريحا. وتم الاستيلاء على المدينة وقتل جميع سكانها باستثناء راحاب وأسرتها بسبب إيمانها بإله إسرائيل، كما سبق وقيل لها (22:6-25؛ أيضا 8:2-21).

وبعد سيطرتهم على أريحا وعاي اتجه بنو إسرائيل شمالا إلى جبل عيبال بالقرب من بئر يعقوب حيث بنى يشوع مذبحا لتقديم محرقة وذبيحة سلامة. وقد قرئت بركات الطاعة بصوت عال على جبل جرزيم؛ كما قرئت على جبل عيبال اللعنات التي ستحل بالشعب في حالة ارتدادهم. كان هذا لتأسيس عهد إسرائيل مع الرب (30:8-35).

وعقب الصلح مع الجبعونيين (1:9-27)، شن أدوني صادق ملك أورشليم حربا على جبعون - بالاشتراك مع أربعة ملوك هم ملك حبرون وملك يروموت وملك لخيش وملك عجلون، ولكن يشوع انتصر عليهم جميعا بفضل التدخل المعجزي من جانب الرب (1:10-4،11-14).

وانتشرت أخبار الغزو الإسرائيلي نحو الشمال، فصنع يابين ملك حاصور اتحادا مع باقي الملوك وجيوشهم (1:11-4)، ولكن هؤلاء الملوك أيضا لقوا هزيمة ساحقة على يد يشوع (16:11-23).

3-تقسيم الأرض (1:13 - 34:22): بعد الاستيلاء على كنعان، تم تخصيص مساحة محددة من الأرض لكل سبط. أما سبط لاوي فبدلا من أن يمتلك مساحة مستقلة، فلقد أعطي 48 مدينة موزعة بين جميع الأسباط،بما فيهم سبطي رأوبين وجاد ونصف سبط منسى الذين بقوا على الجانب الشرقي من نهر الأردن. إن دخول إسرائيل واستيلائهم واستقرارهم في الأرض هو دليل على أمانة الرب في حفظ عهده مع إبراهيم إذ لم تسقط كلمة من جميع الكلام الصالح الذي كلم به الرب بيت إسرائيل بل الكل صار (43:21-45؛ 1:1-6).

4-خطاب يشوع الوداعي (1:23 - 33:24): جمع يشوع كل بني إسرائيل لكي يلقي عليهم خطابه الوداعي الذي فيه كرّر على مسامعهم كل ما عمل الرب (3:23). وقد عبر عن أقصى اهتمامه في هذا القول: فتشددوا جدا لتحفظوا وتعملوا كل المكتوب في سفر شريعة موسى حتى لا تحيدوا عنها يمينا أو شمالا (6:23)

اقرأ يشوع 1 -- 3

كان يشوع قد ولد في مصر في زمن العبودية، ولكن أثناء التجارب في البرية بينما كان أغلبية الشعب يتذمرون على موسى، قرر يشوع أن يدع الرب يستخدمه ليكون مساعدا لموسى في عمله. وبذلك أصبح معروفا بمقاومته لعدم الإيمان الحادث بين الإسرائيليين، وأيضا بتوليه مهمة الانتصار على الكنعانيين.

وداخل كنعان كانت توجد مدينة أريحا العظيمة المحصنة بالأسوار. وكان كل سكان أريحا قد سمعوا عن إله إسرائيل نفس الأمور التي سمعتها راحاب، وهم أيضا ارتعبوا. ولكن بالإضافة إلى خوف راحاب كان هناك شيء إضافي. فلقد آمنت بإله إسرائيل وكانت مستعدة أن تتحول عن آلهتها الكاذبة وعن حياتها كزانية. فقالت للرجلين علمت أن الرب قد أعطاكم الأرض وأن رعبكم قد وقع علينا وأن جميع سكان الأرض ذابوا من أجلكم ... لأن الرب إلهكم هو الله في السماء من فوق وعلى الأرض من تحت (يشوع 9:2،11).

يالها من شهادة ضد الأغلبية غير المؤمنة وغير المطيعة من بني إسرائيل الذين أبصروا بعيونهم خروجهم المعجزي من أرض مصر! هؤلاء كانوا قد اختبروا بأنفسهم المعجزات التي كانت راحاب قد سمعت عنها فقط. كان هذا الجيل الأول مستعد أن يرجع إلى مصر، بينما كانت راحاب مستعدة أن تثق في قدرة الرب على حمايتها. وبالإيمان، بدون خوف من ملك أريحا، استقبلت راحاب الرجلين المرسلين من الرب. وبسبب إيمانها، استطاع الرب أن يتمم مشيئته في حياتها.

هنا تظهر نعمة الله في أنه أعطى راحاب إيمانا، وأنقذها هي وأهل بيتها، وضمها إلى سلسلة نسب يسوع المسيح ابن الله، وأيضا إلى قائمة مشاهير الإيمان (متى 5:1؛ عبرانيين 31:11).

من النادر أن نجد شخصا مرموقا، مثل موسى، يكون مستعدا أن يتخلى عن ثروته مفضلا بالأحرى أن يذل مع شعب الله على أن يكون له تمتع وقتي بالخطية (عبرانيين 25:11). ومن النادر أن نجد إنسانا عاديا، مثل يشوع، لا يتأثر بضغوط الأغلبية؛ أو زانية مثل راحاب تضع ثقتها في الرب خالقها. إن هؤلاء جميعا قد ودعوا العالم بمباهجه الزائلة وخطاياه التي أحبوها قبلا، وجعلوا أنفسهم رهن إشارة الله لكي يعمل من خلالهم لإتمام مشيئته.

إن كل واحد منا سيجد نفسه في لحظة من اللحظات مضطرا أن يختار طريقه، كما حدث مع موسى ويشوع وراحاب. إن الأغلبية يضعون مصالحهم الذاتية في الاعتبار الأول - حيث يختارون حياتهم وعملهم (1 كورنثوس 13:3) على أساس الكسب المادي وإرضاء الذات (متى 25:6-33)، والرب يسوع ببساطة ليس هو اعتبارهم الأول في قراراتهم الرئيسية. قليلون فقط هم الذين يختارون أن يتخلوا بلا رجعة عن المصلحة الذاتية لعمل مشيئة الرب فوق كل اعتبار آخر. هؤلاء يبصرون ما هو أبعد من مجرد إنجازات الأرضية إذ تكون لديهم الرغبة في تحقيق أقصى قدر ممكن من الكنوز الأبدية - أي مائة ضعف (متى 8:13).

فلا تهتموا قائلين ماذا نأكل أو ماذا نشرب أو ماذا نلبس؟ فإن هذه كلها تطلبها الأمم، لأن أباكم السماوي يعلم أنكم تحتاجون إلى هذه كلها. لكن اطلبوا أولا ملكوت الله وبره وهذه كلها تُزاد لكم (متى 31:6-33).

إعلان عن المسيح: من خلال الحبل القرمزي في الكوة الذي أنقذ راحاب وأهل بيتها - إشارة إلى دم المسيح (يشوع 21:2؛ عبرانيين 31:11؛ يعقوب 25:2؛ قارن مع 1 يوحنا 7:1).

أفكار من جهة الصلاة: انتظر الرب بصبر إلى أن يستجيب صلواتك (مزمور 1:40).

اقرأ يشوع 4 -- 6

لا عجب أن تقول راحاب للجاسوسين: علمت أن الرب قد أعطاكم الأرض وأن رعبكم قد وقع علينا وأن جميع سكان الأرض ذابوا من أجلكم (يشوع 9:2). فلقد كان بنو إسرائيل قد عبروا نهر الأردن وأصبحوا الآن داخل الأرض التي كان الرب قد وعد بها إبراهيم منذ ما يقرب من 700 سنة. لقد كانوا قد تلقوا الوعد من الرب بأن كل موضع تدوسه بطون أقدامكم لكم أعطيته ... لا أهملك ولا أتركك (يشوع 3:1،5). ومع أن الرب كان قد قال: لأني قد أعطيتكم الأرض (عدد 53:33)، فإن هذا لم يكن يعني أنهم لن يحتاجوا أن يحاربوا للحصول على ما هو أصلا من حقهم.

إن وعود الله تكون دائما مصحوبة بمسئوليات من أجل الحصول على بركات الله. وقبل أن يتقدموا أكثر من ذلك، قال الرب ليشوع: اصنع لنفسك سكاكين من صوان… وختن بني إسرائيل [أي الجيل الجديد] ... جميع الشعب الذين ولدوا في القفر على الطريق ... لم يختتنوا (يشوع 2:5،5). كان الرب قد أقر طقس الختان مع إبراهيم كختم وعلامة ظاهرة على علاقة العهد. وقد استلزم أداؤه قبل أن يسمح لنسل إبراهيم بأن يأكلوا الفصح (تكوين 9:17-14؛ خروج 43:12-51)، وأيضا قبل أن يتمكنوا من امتلاك الأرض.

كان الفصح تذكارا لتحرير الرب لبني إسرائيل عقب ختانهم في مصر وأيضا إشارة إلى المحرر والذبيح المزمع أن يأتي (1 كورنثوس 7:5). ولم يذكر عن الفصح أنه قد احتفل به منذ السنة الثانية لخروجهم من أرض مصر في الشهر الأول (عدد 1:9-5). كان الفصح يمثل الجانب الإلهي من العهد - إذ فيه قد أبصر الشعب محبته المنقذة. وكان الختان يمثل اعتراف بني إسرائيل بعهد الرب مع إبراهيم. لقد كانوا قد أهملوا كليهما لما يقرب من 40 سنة وكان عليهم أن يعدوا أنفسهم من جديد ليصبحوا مقبولين كشعب العهد مع الله.

كان الجيل الأول من الإسرائيليين قد اختتن، ولكن جميعهم باستثناء يشوع وكالب كانوا قد ماتوا في البرية. ويشرح الرسول بولس الختان قائلا: لأن اليهودي في الظاهر ليس هو يهوديا ولا الختان الذي في الظاهر في اللحم ختانا (رومية 28:2-29). لقد كان الختان يرمز إلى الخضوع والطاعة والتقديس بصلب الجسد. وقد سبق موسى أن حذر قائلا: فاختنوا غرلة قلوبكم ولا تصلبوا رقابكم بعد (تثنية 16:10).

إن إسرائيل يرمز إلى الكنيسة، والعهد الجديد يلقي ضوءا أكثر على كيف أن هذه العلاقة المزدوجة لا زالت موجودة: فكما قبلتم المسيح يسوع الرب اسلكوا فيه [أي اضبطوا حياتكم وسلوككم بالارتباط والتوافق معه] ... وبه أيضا ختنتم ختانا غير مصنوع بيد بخلع جسم خطايا البشرية [أي الطبيعة الجسدية الفاسدة بكل شهواتها] بختان المسيح [أي الختان الذي يجريه فيكم المسيح] ، مدفونين معه في المعمودية التي فيها أقمتم أيضا معه بإيمان عمل الله الذي أقامه من الأموات (كولوسي 6:2،11-12).

إعلان عن المسيح: كرئيس جند الرب (يشوع 14:5).

أفكار من جهة الصلاة: رنم للرب بالتسابيح لأنه يسمع صلاتك وينقذك (مزمور 1:40-3).

اقرأ يشوع 7 -- 8

كان بنو إسرائيل مبتهجين. فلقد رأوا بعيونهم كيف أن الرب قد حجز مياه نهر الأردن حتى أن جميع إسرائيل عبروا على اليابسة (يشوع 17:3). وعقب النصرة على أريحا، أصبح يشوع مشهورا (يشوع 27:6)، ولكننا للأسف لا نقرأ أنه طلب مشورة الرب بشأن كيفية وتوقيت الهجوم على عاي، ولكنه اكتفى بقبول نصيحة المشيرين الذين قالوا له: لا يصعد كل الشعب ... ويضربوا عاي، لا تكلف كل الشعب إلى هناك لأنهم قليلون (3:7).

فلقد نسى يشوع للحظة أن الرب نفسه هو رئيسهم وقائدهم الأعلى، وأنه هو وحده يقدر أن يصدر الأوامر التي تؤدي إلى النصرة (13:5-15). ومما يؤكد هذه الحقيقة أننا نقرأ تسع مرات في الأصحاحات الستة الأولى من هذا السفر أن الرب قد قاد يشوع (1:1؛ 7:3؛ 1:4،8،10،15؛ 2:5،15؛ 2:6). ولكن في هذه المرة لم يستشر الرب بشأن الهجوم على عاي، وقد أدى ذلك إلى هزيمتهم (2:7-5).

وبعد اكتشاف غلطته، صرخ يشوع إلى الرب فقاده الرب إلى إلحاق هزيمة منكرة بعاي. وبعد ذلك قرأ جميع كلام التوراة البركة واللعنة حسب كل ما كتب في سفر التوراة. لم تكن كلمة من كل ما أمر به موسى لم يقرأها يشوع قدام كل جماعة إسرائيل والنساء والأطفال والغريب السائر في وسطهم (34:8-35).

إن كثيرين منا يقعون في نفس الخطأ الذي أدى إلى هزيمة بني إسرائيل أمام عاي. فعندما لا تكون هناك مشاكل خطيرة تزداد ثقتنا بأنفسنا، وبالتالي نصبح أكثر عرضة للسقوط، إذ نظن أننا لم نعد محتاجين إلى طلب قيادة الرب حيث أننا نعرف الإجابة. ولكن أقل تجربة ستتغلب علينا لو انفصلنا عن الحضور الإلهي للروح القدس في داخلنا، الذي يقدر وحده أن يعطي إرشاداً وقوةً بواسطة كلمة الله.

إن النجاح كثيرا ما يؤدي إلى الثقة في النفس والغرور، والكتاب يعلمنا أن قبل الكسر الكبرياء (أمثال 18:16). إن الكثيرين يبدأون حياتهم المسيحية بالصلاة، والقراءة يوميا في الكتاب المقدس، والسلوك بالروح؛ ولكن بمرور الوقت تزداد ثقتهم في أنفسهم عندما يتذوقون طعم النجاح، وعندئذ يسقطون في الطريق. والحقيقة أننا لا نحقق النصرة لمجرد كوننا مسيحيين تماما كما أن بني إسرائيل لم ينتصروا على عاي لمجرد أنهم إسرائيليون. إننا نعيش الحياة المسيحية المنتصرة عندما نعترف بحق أن الحرب للرب (1 صموئيل 47:17) فنستمر معتمدين عليه.

إن الانتصار على أريحا وعاي يصور كيف أن الرب يريد من شعبه أن يثقوا فيه بدلا من الاعتماد على خططهم البارعة وقوتهم. وهذا هو النموذج الوحيد للحياة المسيحية المنتصرة. إذ أسلحة محاربتنا ليست جسدية، بل قادرة بالله على هدم حصون (2 كورنثوس 4:10). إن الله يريد أن يعلمنا أن كلمته هي أعظم قوة لدينا: لأن كلمة الله حية وفعالة وأمضى من كل سيف ذي حدين (عبرانيين 12:4).

ولكن أشد الهزائم يمكن أن تتحول إلى نصرة عندما نتواضع بتوبة حقيقية وفي الصلاة ننتظر الرب متمسكين بكلمته. وأما منتظرو الرب فيجددون قوة (إشعياء 31:40).

إعلان عن المسيح: من خلال حجارة المذبح غير المقطوعة (يشوع 31:8). لقد رأى دانيال المسيح كحجر لم يقطع بيدي إنسان (دانيال 34:2).

أفكار من جهة الصلاة: اطلب من الرب أن يزيد رغبتك في خدمته (مزمور 1:42-2).

اقرأ يشوع 9 -- 10

بعد انتصارات يشوع على أريحا وعلى عاي، اتفق الملوك الذين كانوا في المنطقة الجبلية في اليهودية وفي السهول على طول ساحل البحر المتوسط على توحيد صفوفهم لمواجهة بني إسرائيل. وكان الجبعونيون من إحدى مدن الحويين والتي تشمل جبعون والكفيرة وبئيروت وقرية يعاريم (يشوع 17:9) وهي تقع بين ملوك كنعان وبين إسرائيل. وقد وجد الجبعونيون أن فرصتهم في النجاة ستكون أكبر بعمل صلح مع يشوع عن الانضمام إلى سائر ملوك الكنعانيين فذهبوا إليه قائلين: عبيدكم نحن، والآن اقطعوا لنا عهدا ... فأخذ الرجال من زادهم ومن فم الرب لم يسألوا. فعمل يشوع لهم صلحا وقطع لهم عهدا لاستحيائهم، وحلف لهم رؤساء الجماعة ... فقال جميع الرؤساء لكل الجماعة إننا قد حلفنا لهم بالرب إله إسرائيل، والآن لا نتمكن من مسهم (11:9،14-15،19).

يعلمنا هذا الصلح مع الجبعونيين أن العدو بارع في الخداع وأيضا أن المنطق البشري عديم الجدوى. فلو صلى يشوع طالبا إرشاد الرب، لما تم هذا الصلح أبدا.

إن الخبز اليابس والزقاق المشققة والثياب والنعال البالية (يشوع 12:9-13) كانت جميعها أدلة واضحة على صدق كلمات الغرباء. ونحن أيضا كثيرا ما ننخدع ونتخذ قراراتنا بناء على ما يبدو بحسب الظاهر واضحا.

والأخطر من ذلك، يوجد اتجاه نحو التزايد المستمر في القرارات التي نعتبرها "أصغر" من أن نصلي من أجلها إلى حد أننا أصبحنا نتخذ قراراتنا بأنفسنا وبعد ذلك نطلب من الرب أن يبارك عليها، وكأن الله قد أصبح مجرد خادم لنا.

لقد اتخذ يشوع ورؤساء أسباط إسرائيل القرار الصحيح عندما اعتبروا حلفهم مقدسا وملزما. فلقد كانوا قد حلفوا لهم بالرب إله إسرائيل (18:9). ويمكننا أن نرى تأييد الرب لقرار يشوع بحفظ عهده مع الجبعونيين عندما حاول الملوك الكنعانيون الخمسة أن ينتقموا من الجبعونيين بسبب خضوعهم ليشوع. فلقد منح الرب يشوع الانتصار الأكثر إعجازا من بين جميع الانتصارات المسجلة إذ أن الذين ماتوا بحجارة البرد هم أكثر من الذين قتلهم بنو إسرائيل بالسيف (11:10). والأعجب من ذلك، أنه بناء على أمر يشوع دامت الشمس ووقف القمر حتى انتقم الشعب من أعدائه (13:10).

تظهر قدسية هذا العهد مع الجبعونيين، الذي حلفه بنو إسرائيل باسم الرب، بعد نحو 400 سنة عندما نقض شاول العهد وقتل بعض الجبعونيين (2 صموئيل 1:21-11). فلقد أدى ذلك إلى وقوع قضاء الرب وحدوث مجاعة في أرض إسرائيل. ولا تحلفوا باسمي بالكذب فتدنس اسم إلهك، أنا الرب (لاويين 12:19).

فمن خلال عدم كسر الحلف، وعلى الرغم من أن الجبعونيين كانوا قد خدعوهم، يعلمنا الرب أن الخطأ الذي يرتكبه الآخرون لا يبرر أن نرتكب خطأ مشابها له. فالخطية لا تبرر أبدا الخطية، بل يجب علينا أن نغلب الشر بالخير (رومية 21:2) وهذا يميز أبناء الله عن كل شعوب الأرض.

ويمكننا أيضا أن نتعلم من معاهدة الجبعونيين كم هو مهم أن نكون أمناء تجاه التزاماتنا حتى وإن سببت لنا الألم، فإن الذي يحلف للضرر ولا يغير ... الذي يصنع هذا لا يتزعزع إلى الدهر (مزمور 4:15-5).

إعلان عن المسيح: أنه هو الشخص الذي يعطينا النصرة (يشوع 25:10؛ قارن مع 1 كورنثوس 57:15؛ 2 كورنثوس 14:2).

أفكار من جهة الصلاة: اعترف بخطاياك واطلب من الرب أن يرد لك بهجة خلاصك (مزمور 1:51-3،12).

اقرأ يشوع 11 -- 13

بعد أن قتل يشوع الملوك الخمسة الذين هاجموا الجبعونيين، انتشرت في كل أنحاء كنعان الأخبار عن غزو يشوع. فأطلق يابين ملك حاصور نداء من أجل عمل موحد لمهاجمة بني إسرائيل. ولكن يشوع لم يتقهقر، إذ كان الرب قد أعطاه وعدا بالنصرة، ولكنه اتجه فورا بقواته نحو الشمال.

وكان يابين رئيسا للتحالف بين الملوك الكنعانيين، فجمع الجيوش الباقية من منطقة صيدون العظيمة، وهي عاصمة فينيقية على ساحل البحر المتوسط (يشوع 8:11). وبعد ذلك انضم إلى صفوفه ملوك وجنود من أقصى الجبال الشمالية (2:11)، بعد بحيرة كنروت (بحر الجليل)، وشمال بحيرة حولة إلى المركز العظيم للعبادة الوثنية في بانياس عند سفح جبل حرمون. وقد شمل أيضا هذا التحالف الملوك وجميع الشعوب شرقا حتى دمشق في سوريا، وجميع الملوك الكنعانيين في شرق الأردن، جنوبا حتى البحر الميت، وغربا حتى البحر المتوسط.

وقبل المعركة بيوم واحد، وصلت الأخبار من جواسيس يشوع إلى جيشه الصغير نسبيا بأن الجيش القادم لمواجهتهم كالرمل الذي على شاطئ البحر في الكثرة بخيل ومركبات كثيرة جدا (4:11). ولكن يشوع لم يتراجع، وإنما جاء وجميع رجال الحرب معه عليهم عند مياه ميروم بغتة وسقطوا عليهم (7:11).

فأخذ يشوع كل الأرض (23:11). واحد وثلاثون ملكا انهزموا أمامه. وهكذا حقق يشوع تسلطا عسكريا أكيدا على كل أرض الموعد بدون أن يستخدم فرسا واحدا ولا مركبة واحدة. وأعتقد أن داود كان ربما يفكر في يشوع عندما كتب بالوحي قائلا: هؤلاء بالمركبات وهؤلاء بالخيل، أما نحن فاسم الرب إلهنا نذكر (مزمور 7:20). ولم تكن مهمة يشوع تتضمن الإبادة الكاملة للكنعانيين (تثنية 22:7؛ خروج 29:23-30)، بل من الآن فصاعدا كان على الأسباط كل في حدودهم الخاصة أن يكملوا تدمير الكنعانيين وأوثانهم ومراكز عبادتهم.

إن الرب هو الذي قال: تنجست الأرض ... فتقذف الأرض سكانها (لاويين 25:18). وفيما بعد قال الرب: لأجل إثم أولئك الشعوب يطردهم الرب إلهك من أمامك (تثنية 5:9؛ أيضا 10:18-12). عندما كان إبراهيم متغربا في أرض الموعد، نقرأ هذا القول: لأن ذنب الأموريين ليس إلى الآن كاملا (تكوين 16:15)؛ ومرت عدة قرون منذ ذلك الوقت بدون أدنى إشارة إلى التوبة. فلم يوقع الله قضاءه العادل إلا بعد أن امتلأت كأس الذنب وفاضت. وحتى أثناء هذه المدة، كانت التحذيرات واضحة: سمعنا ... ما عملتموه بملكَي الأموريين ... سيحون وعوج اللذين حرمتموهما (يشوع 10:2). فكل إنسان في أريحا كان يعرف ما عرفته راحاب، ولكنها هي وحدها وضعت ثقتها في الرب. وجميع ملوك الكنعانيين كانوا يعرفون ما عرفه الجبعونيون، ولكنهم اختاروا أن يحاربوا الرب. كانوا يدافعون عن آلهتهم الوثنية المصنوعة بأيدي البشر وعن شر قلوبهم. لذلك فإن استيلاء بني إسرائيل على الأرض كان في الواقع قضاء من الرب على خطايا الكنعانيين.

هذا يصور القضاء النهائي على كل الذين يستمرون في خطاياهم - عندما يستعلن الرب يسوع من السماء مع ملائكة قوته في نار لهيب معطيا نقمة للذين لا يعرفون الله والذين لا يطيعون إنجيل ربنا يسوع المسيح (2 تسالونيكي 6:1-9).

إعلان عن المسيح: من خلال موسى، عبد الرب (يشوع 6:12). كان يسوع هو عبد الرب (متى 18:12).

أفكار من جهة الصلاة: ثق في الرب أنه ينقذك في أوقات الضيق (مزمور 15:51).

اقرأ يشوع 14 -- 16

خاطب كالب الجيل الجديد قائلا: كنت ابن أربعين سنة حين أرسلني موسى عبد الرب من قادش برنيع لأتجسس الأرض، فرجعت إليه بكلام عما في قلبي، وأما إخوتي الذين صعدوا معي فأذابوا قلب الشعب، وأما أنا فاتبعت تماما الرب إلهي (يشوع 7:14-8). لم يكن كالب خائفا من الكنعانيين. فإن إيمانه الوطيد بكلمة الرب كان نابعا من أربع صفات.

الصفة الأولى، تتضح في التقرير الذي أتى به بعد رحلته الجاسوسية: رجعت إليه بكلام عما في قلبي (7:14). فلقد أيد يشوع وتكلم عن اقتناعاته القلبية على عكس أغلبية الجواسيس الآخرين والأمة بأكملها. إننا أحيانا نخاف أن نتكلم عن إيماننا عندما تكون اقتناعاتنا غير شائعة؛ ولكن رجل الله الحقيقي يتكلم بما في قلبه - ولا يكون مجرد صدى لصوت الأغلبية. فالإيمان ليس شيئا تصنعه أو تستجلبه وإنما هو نتيجة الطاعة للرب ولكلمته.

والصفة الثانية تظهر في قول كالب بعد 40 سنة من الانتظار للحصول على "جبله" عندما قال بكل جسارة: أما أنا فاتبعت تماما الرب إلهي (8:14). وكلمة "اتبعت تماما" تعني حرفيا "الطاعة الكاملة لله العلي". لم يكن كالب رجلا سياسيا يبحث عن آراء الأغلبية، ولم يتأثر بما يفعله الآخرون. هذا ما يحدث مع الذين يتبعون المسيح تماما، غير طالبين أي مكافأة سوى امتياز إتمام ما دعاهم المسيح لعمله.

وقد أعلن كالب عن السبب الثالث لشجاعته عندما تكلم عن الرب قائلا عنه: إلهي (8:14). فإن الآخرين لم يتخطوا أبدا مرحلة "إلهنا" إلى "إلهي". وكل واحد منا له هذا الامتياز أن يكون في علاقة شخصية مع الرب.

كان العناقيون قد طردوا من حبرون، ربما منذ خمس سنوات أثناء حروب يشوع؛ ولكنهم عادوا وتسلطوا على المنطقة وبالطبع فإنهم كانوا راجعين بقوة وتصميم أكبر على الاحتفاظ بأرضهم.

عند بلوغ كالب سن التقاعد في الخامسة والثمانين، كنا نتوقع منه أن يقول: "دعوا شخصا آخر يحارب بدلا مني؛ فلقد تقدمت جدا في السن، وتعبت جدا، وضعفت جدا، إلخ… أعطوني فقط مكانا هادئا وآمنا لأعيش فيه باقي أيامي". ولكن روح كالب تشجعنا بقوة على عدم الانضمام إلى الذين ينوحون مشفقين على ذواتهم من صعوبات الحياة. فإن حياته تذكرنا بهذا الحق: أما سبيل الصديقين فكنور مشرق يتزايد وينير إلى النهار الكامل (أمثال 18:4).

والصفة الرابعة في كالب التي جعلت منه تابعا أمينا هي أنه وضع ثقته في الرب وفي قوة كلمته: فأطردهم كما تكلم الرب (يشوع 12:14). كان إيمان كالب مؤسسا على كلمة الرب، لذلك استطاع أن يعلن جهارا عن إيمانه. فالشخص الذي يثبت قلبه على الرب ويثق في كلمته لا يخاف من أن يتكلم وأن يتقدم إلى الأمام لتنفيذ مشيئة الله. نعم، إن الكثيرين منا سيواجهون صعوبات عملاقة مثل الكنعانيين عندما يضعون في قلوبهم أن يتمموا خطة الله في حياتهم. ولكن يجب أيضا أن يفوق إيماننا إيمان كالب بقدر ما لنا من رصيد أكبر من كلمة الله، ومن روحه الساكن فينا، ومن أمر الملك ووعده القائل: اذهبوا وتلمذوا جميع الأمم وعمدوهم باسم الآب والابن والروح القدس: وعلموهم أن يحفظوا جميع ما أوصيتكم به وها أنا معكم كل الأيام (متى 19:28-20).

إعلان عن المسيح: من خلال كالب الذي اتبع الرب تماما (يشوع 8:14،14). لقد قال مخلصنا: هأنذا أجيء ... لأفعل مشيئتك يا الله (عبرانيين 7:10).

أفكار من جهة الصلاة: صل في كل حين (مزمور 17:55).

اقرأ يشوع 17 -- 19

كانت الحرب قد انتهت والأرض قد تقسمت - ليس بناء على أغلبية الأصوات، وليس لأنٍ أحد الأسباط هو الأكبر، وليس للذي حارب أكثر، ولكن لأنه اجتمع كل جماعة بني إسرائيل في شيلوه ... فألقى لهم يشوع قرعة في شيلوه أمام الرب ... لدى باب خيمة الاجتماع (يشوع 1:18،10؛ 51:19).

لقد ألقيت القرعة أمام الرب أي أنه هو الذي حددها. وقد اتبعت هذه الطريقة لتجنب أدنى شك من جهة التحيز. ولم يبد سوى أبناء يوسف - منسى وأفرايم - استياءهم من جهة القرعة، إذ احتجوا بأنهم كان ينبغي أن يأخذوا نصيبا أكبر من الأرض (14:17-18). لقد كانوا قد أخذوا في الواقع أفضل منطقة في أرض الموعد، إذ كانت تشمل المنطقة الجبلية شمال أورشليم، والتي أصبحت فيما بعد عاصمة المملكة الشمالية، وأيضا وادي يزرعيل وهو أكثر الأراضي خصوبة. إلا أن العيش في هذه المنطقة كان يتطلب قدرا أكبر من الإيمان للتغلب على الكنعانيين الأقوياء ومركباتهم الحديدية. لذا فالمشكلة الحقيقية لم تكن أنهم لم يأخذوا أرضا كافية ولكن لأنه كان ينبغي أن يتعبوا أكثر للفوز بنصيبهم. وقد كانت نصيحة يشوع لهم: فتطرد الكنعانيين لأن لهم [أي على الرغم من أن لهم] مركبات حديد لأنهم أشداء (18:17).

ولكن على الرغم من تشجيع يشوع لهم، إلا أن بني يوسف لم يطردوا الكنعانيين (11:17-13). فما أسهل أن يتهادنوا مع جيرانهم الكنعانيين وبعد ذلك يلومون يشوع من أجل مشاكلهم. لقد كان الإفرايميون ونصف سبط منسى أبناء يوسف، الحاكم العظيم على مصر. وكانوا يتباهون بتاريخهم وبأن يشوع الذي قاد الحرب هو من سبطهم. ويبدو أنهم كانوا يتوقعون أن ينحاز إليهم يشوع إذ قالوا في احتجاجهم: لماذا أعطيتني قرعة واحدة وحصة واحدة نصيبا وأنا شعب عظيم [أي كثير العدد]؟ (14:17). ولكن يشوع لم يتأثر بكلامهم، فلقد كان يتلقى أوامره من الرب.

كان بنو أفرايم قادرين على امتلاك قدر ما يحتاجون من الأرض، وكان من الأفضل لهم أن يفعلوا هكذا. فلو كان الإفرايميون قد حصلوا على ما يريدون لكان ذلك قد شجعهم على الكسل والعجرفة وعدم احترام سيادة الرب. لذا فإن تشجيع أفرايم على الكد والاجتهاد كان من شأنه أن ينمي فيهم احترامهم لأنفسهم. وهكذا أبدى يشوع تواضعا حقيقيا وخضوعا للرب بأن وقف أمام الضغوط من قادة سبطه. فمن الحكمة أن نرفض مساعدة أولئك الذين لا يساعدون أنفسهم.

وعلى العكس تماما، اختار يشوع أن يكون الأخير في طلب أرض لنفسه (49:19). لقد كان القائد وكان من المتوقع أن يختار أولا ويأخذ أفضل الأراضي، ولكن يشوع اختار لنفسه قرية صغيرة جدا بالقرب من شيلوه حيث أقيمت خيمة الاجتماع. كان يشوع يرمز حقا إلى المسيح الذي علمنا قائلا: طوبى للودعاء لأنهم يرثون الأرض (متى 5:5).

إن رجال الله العظماء لا يشتكون أبدا ولا يكون لديهم طمع. فإن أهدافهم وأشواقهم لا تكون متجهة إلى العظمة المادية، وإنما يجدون شبعهم في إتمام مشيئة الرب.

إن الإشفاق على الذات والكبرياء والميل إلى الشكوى، كل هذه، هي في الواقع طرق للتهرب من إتمام قصد الله الأمثل. وأسفاه على أمثال هؤلاء الأفرايميين المعاصرين الذين يتوقعون تحقيق وعود الله بدون أن يقدموا المجهود اللازم من أجل تحويلها إلى واقع. إن العظمة الحقيقية ليست في أن تطلب أو تتوقع من الآخرين أن يخدموك، بل كما قال الرب يسوع: وأكبركم يكون خادما لكم (متى 11:23).

إعلان عن المسيح: من خلال شيلوه. اجتمع كل جماعة بني إسرائيل في شيلوه ونصبوا هناك خيمة الاجتماع (يشوع 1:18). كان شيلوه هو مكان سكنى الرب داخل خيمة العبادة ويرمز هذا المكان إلى ربنا الآتي في الجسد، كما سبق وأنبأ في تكوين 10:49 قائلا: حتى يأتي شيلون .

أفكار من جهة الصلاة: عندما تشعر بالخوف ثق واعتمد على الرب (مزمور 3:56-4).

اقرأ يشوع 20 -- 21

لم يعطَ لسبط لاوي أرضا مثل باقي أسباط إسرائيل (يشوع 33:13؛ 3:14؛ 7:18)، لأن الرب قال: ليس للاويين قسم في وسطكم لأن كهنوت الرب هو نصيبهم. وبعد أن تم تخصيص الأرض للأسباط، تقدم رؤساء آباء اللاويين إلى ألعازار الكاهن وإلى يشوع بن نون وإلى رؤساء أسباط بني إسرائيل، وكلموهم في شيلوه في أرض كنعان قائلين: قد أمر الرب على يد موسى أن نعطى مدنا للسكن مع مسارحها [أي مراعيها أو ضواحيها] لبهائمنا. فأعطى بنو إسرائيل اللاويين من نصيبهم حسب قول الرب هذه المدن مع مسارحها (1:21-3). وهكذا تم إعطاؤهم 48 مدينة متفرقة وسط كل أسباط إسرائيل.

فتم تقسيم اللاويين إلى ثلاث مجموعات - هم نسل أبناء لاوي الثلاثة: جرشون، وقهات، ومراري. ولكن فقط الإسرائيليون الذين كانوا من نسل هارون الابن الأكبر لقهات، كان يحق لهم أن يكونوا كهنة وأن يخدموا في خيمة الاجتماع. وحتى هؤلاء كان بعضهم غير مؤهلين جسمانيا أن يكونوا خداما للمذبح وذلك بسبب وجود عاهات، وبعضهم كانوا غير مؤهلين روحيا بسبب انتهاك بعض الوصايا (لاويين 1:21-23). لقد كان الكهنة مسئولين عن حفظ الناموس وكتابته وشرحه. كما كانوا أيضا مسئولين مدنيا عن تطبيق الناموس (تثنية 9:17-12؛ 9:31،12،26). فجميع اللاويين كانوا يشتركون في العشور التي يقدمها سائر الأسباط الأحد عشرة، وليس فقط المسئولين عن العبادة في خيمة الاجتماع.

كان على كل سبط أن يدعم ماديا الكهنة الموجودين في أرضه. ولم يكن ذلك متروكا لرغبة الشعب بل كان أمرا من الرب. وكان من الواضح أيضا أنه لم يكن بحسب مشيئة الرب أن الأشخاص الذين دعاهم للخدمة الروحية ينشغلون ويرتبكون بالاهتمامات الزمنية والمادية.

وقد خصص الرب 45 عددا، جميعها من الأصحاح الحادي والعشرين من سفر يشوع للتأكيد على ضرورة تدعيم خدمة الكلمة. فلا يوجد شخص فقير إلى درجة أن يستثنى من تقديم العشور. وعندما كان إسرائيل أمينا في مسئوليته، كان الرب يباركه بشدة. وعندما كانت الأمة تقصر في هذا الأمر، كانت تعاني أشد المعاناة. إن هذا المبدأ لا يزال ينطبق على جميع المسيحيين الحقيقيين اليوم.

فالرسول بولس يصور ذلك قائلا: من تجند قط بنفقة نفسه؟ ومن يغرس كرما ومن ثمره لا يأكل؟ أو من يرعى رعية ومن لبن الرعية لا يأكل؟ ألعلّي أتكلم بهذا كإنسان؟ أم ليس الناموس أيضا يقول هذا؟ فإنه مكتوب في ناموس موسى: لا تكم ثورا دارسا. ألعل الله تهمه الثيران [أي يهتم فقط بالثيران] ؟ أم يقول مطلقا من أجلنا؟ فمع أن الرسول بولس لم يكن الخادم المحلي لتلك الكنيسة، إلا أنه كتب قائلا: إن كنا قد زرعنا لكم الروحيات أفعظيم إن حصدنا منكم الجسديات ؟ إن كان آخرون شركاء في السلطان عليكم أفلسنا نحن بالأولى؟ ... هكذا أيضا أمر الرب أن الذين ينادون بالإنجيل من الإنجيل يعيشون (1 كورنثوس 7:9-14).

إعلان عن المسيح: من خلال ألعازار رئيس الكهنة (يشوع 1:21). المسيح هو رئيس كهنتنا (عبرانيين 1:3).

أفكار من جهة الصلاة: سبح الرب من أجل محبته (مزمور 3:63).

اقرأ يشوع 22 -- 24

بعد فترة قصيرة، ربما سبع سنوات، كان 31 ملكا قد انهزموا وقتلوا، تاركين أرض الموعد في قبضة بني إسرائيل. بعد ذلك جمع يشوع الشعب عند خيمة الاجتماع، وصرف رجال سبطي رأوبين وجاد ونصف سبط منسى لكي يعودوا إلى بيوتهم على الجانب الشرقي من نهر الأردن (يشوع 2:22-4).

وكانت كلمات يشوع الوداعية هي هذه: احرصوا جدا أن تعملوا الوصية والشريعة التي أمركم بها موسى عبد الرب أن تحبوا الرب إلهكم وتسيروا في كل طرقه وتحفظوا وصاياه وتلصقوا به وتعبدوه بكل قلبكم وبكل نفسكم (5:22).

وبلا شك أن الخطر الأكبر على بني إسرائيل كان لا يزال ينتظرهم - وهو الافتراض بأنه طالما أن يشوع قد هزم جميع ملوك كنعان فلم تعد عليهم أي التزامات أخرى. ولكن يشوع كان قد قال للشعب: إذا تركتم الرب وعبدتم آلهة غريبة يرجع فيسيء إليكم ويفنيكم بعد أن أحسن إليكم ... فالآن انزعوا الآلهة الغريبة التي في وسطكم وأميلوا قلوبكم إلى الرب إله إسرائيل (19:24-20،23).

عندما قيل ليشوع أن كل موضع تدوسه بطون أقدامكم لكم أعطيته (3:1)، فهذا لم يكن يعني أن يتجه فقط إلى كنعان ويجلس هناك "ويثق في الرب" بأن الكنعانيين سيعطونه الأرض بإرادتهم. وإنما الواقع، هو أن بني إسرائيل اضطروا أن يحاربوا من أجل كل شبر فيها.

يا لها من مأساة أن كثيرين يفترضون أنهم بمجرد أن يقبلوا المسيح مخلصا لهم، فلا يتوجّب عليهم سوى أن "يتركوا كل شيء في يدي الرب". إن الرب في الواقع قد وضع على عاتقنا أن نلبس سلاح الله الكامل (أفسس 10:6-18) حتى نقدر أن نقاوم الشر. وعند الاحتياج إلى ما هو أكثر من القوة البشرية، فإن الرب سيزودنا بقوة إضافية وإرشاد من عنده كما فعل مع يشوع عندما سقط البرد من السماء (يشوع 11:10). إن المشكلة مع بعض المسيحيين الحقيقيين هي عدم قدرتهم على تحقيق انتصار صريح على الشهوة المختفية عن الأنظار لأنهم يعلمون أن ذلك سيتطلب إنكار الذات وربما أيضا التضحية بإحدى العادات أو الخطايا المحببة، وأن الأمر يعني بالنسبة لهم أن يبذلوا مجهودا خاصا لإنكار الذات وأن يدفعوا ثمن رفض مصالحهم في العالم. إن الكثيرين يضيّعون ببساطة بركاتهم المستقبلية وذلك لأنهم لا يبذلون أقصى جهدهم لامتلاك ما ذخره الرب لهم.

إن يسوع، الذي يرمز إليه "يشوع"، قد حررنا من الخطية بموته على الصليب وبقيامته الانتصارية. ومع ذلك، فالمسيحي الحقيقي مسئول أن يقاوم يوميا أعداء نفسه، مثل الشهوة والطمع والبغضة والغيرة والحسد والخصام، مستأسرا كل فكر إلى طاعة المسيح (2 كورنثوس 5:10). فمع كون الإنسان مولودا ولادة ثانية من الروح القدس ومفديا بدم المسيح، فإنه يظل معرضا أن يجرب من جهة التساهل في كلمة الله، وبذلك فإنه قد يفقد نصرته ويضيع على نفسه النصيب الأفضل الذي أعده الرب له، تماما مثلما حدث مع بني إسرائيل عندما صنعوا صداقات مع الكنعانيين.

نحن أيضا نحتاج يوميا أن نتذكر هذه النصيحة: أميلوا قلوبكم إلى الرب (يشوع 23:24). فمن خلال التأمل في كلمة الله سنتعلم ونتقوى لكي نهدم ظنونا وكل علو يرتفع ضد معرفة الله (2 كورنثوس 5:10).

إعلان عن المسيح: من خلال ذبيحة السلامة (يشوع 27:22). لقد قدم الرب نفسه لله لكي يكون لنا سلام مع الله (رومية 1:5).

أفكار من جهة الصلاة: صل إلى الرب من قلب نقي (مزمور 18:66).

 

عودة للفهرس