تعليقات على الإسلام

 

الفصل الأول

سِحْر اليهودي لهُ

 

أولاً : مصادر البحث

 

1.      جاء في كتاب »السيرة النبوية الملكية« لزيني دحلان صفحة200 ما يلي:]إن لبيداً بن الأعصم اليهودي سحر النبيe، وكان يُخيَّل له أنه يفعل الشيء وهو لا يفعله، مما لا تعلُّق له بالوحي، كالأكل والشرب وغير ذلك من لوازم البشرية. ومكث في ذلك سنة أو ستة أشهر على ما قيل، حتى جاءهُ جبريل، وأخبره عن ذلك السحر ومكانه، فأرسل محمد واستحضره وحلَّ عقده ففك عنه السحر ثم رقاه جبريل[.

2.      جاء في كتاب»العقد الفريد« لابن عبد ربه، الجزء الثالث صفحة 370 ما يلي:]وفى مسند بن أبي شيبة، أن رجلاً من اليهود سحر النبيe، فاشتكى لذلك أيام، فأتاه جبريل فقال له:"إن رجلاً من اليهود سحرك. عقد لك عقداً وجعلها في مكان كذا، فأرسلeفاستخرجها وجاءه بها؛ فجعل يحلٌّها، فكلما حلَّ عقدة وجد رسول الله خفة، ثم قام رسول الله كأنما نشط من عقال[.

3.      جاء في »صحيح البخاري« الجزء الرابع صفحة 17، 18 ما يلي:]عن عائشة زوجة محمد أنها قالت:"كان رسول اللهeسُحِرَ حتى كان يرى أنه يأتي النساء ولا يأتيهن". قال سفيان:"هذا أشد ما يكون من السحر". فقال"يا عائشة، أعلمت أن الله أفتاني فيما استفتيته فيه، أتاني رجلان فقعد إحداهما عند رأسي والآخر عند قدمي، فقال الذي عند رأسي للآخر:"ما بال الرجل؟"، فقال الآخر:"مطبوب –مسحور-"، قال:"ومن طبه؟"، قال:"لبيد بن الأعصم رجلاً من بنى زريق حليف اليهود كان منافقاً". قال:"وفيما"، قال:"في مشط ومشاقة". قال:"وأين؟"، قال:"في جف طلعة في بئر ذروان". قالت:"فأتى النبي البئر حتى أخرجه[.

 

 

ثانياً : التعليق على ما سبق

 

جواز السحر على الأنبياء يرفع الثقة والأمان بما يقولونه.

من أغرب ما يكون اعتقاد المسلمين بسحر نبيهم من لبيد اليهودي، لما في هذا الاعتقاد من الحطة بشأن النبي والإسلام. فأتقدم إلى المفكرين ومستنيري العقول منهم بالسؤال:أيجوز السحر على أنبياء الله؟! فإن أجابوا:"يجوز"، قلت لهم:"لماذا لم يجز إذاً على أحد من أنبياء الله السالفين كموسى، ويشوع وصموئيل وغيرهم من أنبياء الله ورسله، حتى يذهب برشدهم فيهيمون على غير هوى، حتى ليخال لهم أنهم يفعلون الشيء وهم لا يفعلونه، كما قيل في أمر محمد. وإن كان للشيطان سبيل إليهم ألا ترتفع الثقة بما يقولونه ويدَّعونه؟!

نسبة السحر إلى الأنبياء أمرٌ مشين.

وإن قالوا:"لا يجوز"، قلنا:كيف إذاً جاز على محمد وهو أفضل نبي وأعظم رسول-كما يدَّعون- ألا ترون أن المسألة بكل وجوهها ماسة دعوى محمد بالنبوَّة والرسالة من عند الله؟! ومن لا يتعجَّب من مؤرِّخي الإسلام، كيف رأوا أن يدوِّنوا في كتبهم ما حدث لنبيهم المحبوب كحادث هكذا لا ريب فيه؟! هل لأنهم إذ لم يستطيعوا إخفاء ما عرض له من الأعراض السابق ذكرها المشينة، نسبوا ذلك إلى سِحْر ساحر طرأ عليه. فأحدث تلك الأوهام والتخيلات الباطلة، شأنهم في ذلك شأن القوم البرابرة والجاهلية، الذين كثيراً ما ينسبون الأمراض الرديئة التي تصيبهم إلى سحر ساحر. أما كان الأحرى بهم لو اعتبروا ذلك مرضاً جسدياً من أن ينسبوه إلى السحر؟!

ضياع رشد محمد !!

ثم لننظر في القول:]فكان يُخَّيل له أنه يفعل الشيء ولا يفعله مما لا تعلُّق له بالوحي[. نقول:"إذا كان مرادهم بكلمة ]مما لا تعلٌّق له بالوحي[ إنه مدة استيلاء السحر عليه التي كانت كما يقولون سنة أو ستة أشهر لم يوحَ إليه ولا فاه بكلمة بدعوى أنها منزَّلة من عند الله، فهو نوع ما مقبول، أما إذا كان مرادهم بها أن الوحي لم ينقطع عنه في هذه المدة ، وإن ذلك الوهم والتخيٌّل منه كان في كل شئ تقريباً ماعدا الوحي، نستطرد في القول:إن ذلك مردوداً؛ لأنه ما من عاقل يرى تجريد ضياع رشد محمد عما يذهب إليه، وهو على تلك الحالة من الوهم والتخيُّل في محله؛ لأنه إذا كان الشيطان قدر أن يفعل بذهنه هكذا بواسطة سحر ساحر، بحيث أمسى يُخال له ما ليس بصحيحٍ صحيحاً، فلماذا لا يخال له أنه يوحي إليه؟ وإن استطاع الشيطان أن يفعل مثل ذلك بأذهان الأنبياء تكون لا محالة غايته في ذلك تعطيل نبوءتهم، وإحباط مسعاهم؛ لأنه لا يهمه أمرهم من حيث الأكل والشرب وغير ذلك مما يختص بالجسد، إنما يهمه القدح في دعواهم كأنبياء ومرسلين. ومعلوم لنا أن الإنسان مهما كان فاضلاً في حال تعطيل قواه الذهنية لا يحسن ضبط كلامه والثبات على أقواله، لأنه في الغالب لا يعي ما يقول، ولا يثق بصحة ما قيل له أنه قال.

موسى أم محمد ؟!

ومما يحسن الالتفات إليه هنا، هو أنه ليس فقط لم يجيء في الكتاب المقدس أي إشارة إلى وقوع السحر على أحد من أنبياء الله ولا في القرآن ولا في السُّنَّة أقل إلماع إلى ذلك، بل بالعكس أن موسى كليم الله ورسوله إلى فرعون ردَّ كيد سحراء مصر في نحورهم، إذ بعد أن أعجزهم عن معارضته، ابتلاهم بإذن الله بعشر ضربات حتى لم يستطيعوا الوقوف أمام موسى؛ ولم يسعهم إلاَّ أن قالوا لفرعون :»هذا إصبع الله«((خر8: 18،19 و9: 10،11))[1]

يسوع أم محمد ؟!

ويسوع المسيح كلمة الله، قد قهر الشياطين بإخراجه إيَّاهم عنوة من المجانين، آمراً إيَّاهم ألاَّ يدخلوهم بعد، فانظر ما أعظم الفرق بين المسحور على يد يهودي وهذيْن المكيدين السحرة و الشياطين. حقا إني أحتار فيما أقوله حرصاً على إحساسات القاريء العزيز من المسلمين من أن تُخدَش، فلا أرى لي أنسب والحالة هذه من تحويل المسألة إليهم وسؤالي إياهم الحكم فيها:ماذا ترى يا صاحبي؟ إذا كان محمد كما تقولون نبي الله الأعظم ورسوله الأكرم، أيجوز أن يُصاب بسحر شيطاني كهذا دون أنبياء الله كافة؟! علمت أن موسى أعجز سحرة مصر وابتلاهم بالوبال، وعيسى أرهب الشياطين، و نبي الإسلام كِيدَ من الشيطان بسحره سحراً هائلاً ومعيباً جداً، ليس يوم ولا شهر بل سنة،.أفلا ترى ذلك حطة كلية له عن مصاف الأنبياء والأولياء؟ هل يصح عندك إذا كان محمد رسول الله تعالى يتركه كل هذه المدة تحت سطوة السحر الشيطاني متعذِّباً ومشوَّش الذهن إلى درجة لا يدري بها ما يقول وما يفعل. ماذا ترى؟ وعلام يدل هذا؟ كيف تحكم بنفسك في هذا الأمر؟ هل لا يحدثك العقل بكون ذلك سبيلاً للشك بنبوَّة ورسالة محمد من عند الله.

العقل والمنطق يقتضيان صحة النبي جسدياً وذهنياً.

ثم لأنه عقلاً غير جائز السحر على أنبياء الله ورسله القديسين؛ لأنه يلزم بالضرورة أن يكونوا دائما في غاية الصحة وسلامة الذهن؛ ليتمكنوا في كل وقت من حق القيام بمهام إرسالياتهم من الله؛ ولكي لا يكون ما يدعو إلى القدح في دعواهم بالنبوَّة والرسالة من عند الله، ألا ترى أنه ينتج من ذلك بالضرورة أن من يؤخذ بسحر ساحر، ليس هو من مصاف أنبياء الله ورسله.

اعتراض والردّ عليه

جاء في كتاب »الأنوار المحمدية«:"لا يجوز على محمد الجنون والإغماء الطويل الزمن"[2]. فيلحظ من ذلك أنه اعترى محمد حيناً ما خاله القوم جنوناً، فقالوا المشركون من قريش:“وما محمد بن عبد الله إلا مجنونُ" فردَّ عليهم القرآن بالنصين الآتيين:)فذكِّر فما أنت بكاهن ولا مجنون( (سورة الطور 29:52).)وما صاحبكم بمجنون((سورة التكور 22:82).

سحر أم جنون؟!

إنك ترى عزيزي القاريء أن الجنون ونوع السحر المتناول في هذه القضية هما شيئان متشابهان جداً؛ لأن كليهما تعطيل للذهن وتشويش الحياة. فأعراض أحدهما كأعراض الآخر؛ وبناء عليه، لا يلام الملا من قريش إن حسبوا ذلك من محمد جنوناً.

الإغماء سواء كان قصيراً أم طويلاً فالنتيجة واحدة!!

أما الإغماء فمؤلف »الأنوار المحمدية« لا ينفيه عن محمد، فقط عنهٌ الإغماء الطويل الزمن؛ لأنه مؤكد أنه كان يعتري نبي الإسلام الإغماء بعض الأحيان، وهو مرض يصيب كثيرين من الناس. غير أنه إن كان يجوز الإغماء على محمد يجوز أن تطول مدته في بعض النوبات. والذي يُعقل أنهم حين رأوا الإغماء ينتاب محمداً، استدركوا ذلك بنفيهم عنهُ الإغماء الطويل الزمن. ما دعاهم يا تُرى إلى هذا الاستدراك ليس إلاَّ لفكرهم أن طول مدة الإغماء عليه ينكدّ عليه كنبي أو يقدح نوعاً ما في نبوَّته. عزيزي القاريء، إذا كان على قولهم لا يجوز على محمد كنبي الله الإغماء الطويل لكونه نبي، فكيف إذا جاز عليه السحر الطويل الزمن حوالي سنة أو ستة أشهر وكما تقولون. إن السحر أشرُّ من الإغماء؛ لأن محمداً لم يكن يدرى ما يفعل، ثم أنه يندر أن تكون مدة الإغماء أطول من نصف ساعة أو ساعة بالكثير، فإن الإغماء نحو ساعة يقدح في نبوته، فماذا تقول في السحر الذي تقلَّب فيه محمد نحو سنة؟!

نقد لابد منه

أيُلام المرء مسلماً كان أم غير مسلم إن انتقد هذه القضية، التي تؤكدون حدوثها لنبيكم والمدوّنة في كتاب تاريخ حياته؟!، وأنتم تعلمون أن الانتقاد من لزوم العقل، ولابد منه للعاقل المتدبر في كل قضية ورأي ومسألة، إن لم يكن بالقلم ففي الذهن والقلب.

 


 

[1] راجع كتاب »موسى كليم الله« للدكتور القس : منيس عبد النور.

[2] كتاب »الأنوار المحمدية« ليوسف النبهاني صفحة 318

الصفحة الرئيسية