تعليقات على الإسلام

 

الفصل الثالث

إتيان نبي الإسلام ما قد نُهي عنه

تأبى النفس الأبية خط هذه الحادثة، والجولة في أطرافها، ولكن الحاجة الماسة مرغمة إلى ذلك؛ لأنها شهيرة في كتب علماء الإسلام كالحديث للبخاري ومسلم كأمور لا بأس بها، وغير منكدة على نبي الإسلام، ونوع هذا المؤلَّف يستدعى ذلك.

 

أولاً : مصادر البحث

1.              أعلم أن محمداً قد نهي في شرعه عن إتيان النساء في حالة حيضهن، وفي أيام الصوم فقد جاء في القرآن 1-{ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتذلوا النساء في حالة المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله، إن الله يحب التوَّابين ويحب المتطهرين} (سوره البقرة 222:2)

2.      جاء في »صحيح البخاري« الجزء الأول ص247 ما يلي {عن أبى هريرة قال:" قال رسول الله e: قال الله كل عمل بنى آدم لهُ إلاَّ الصيام فإنه لي وأنا أجزى به وإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث - يجامع- ولا يخصب}.زعموا أن إتيان النساء كان محرماً على المسلمين ليلة الصيام كما على أهل الكتاب قبلهم بداعي الآية:{كُتِبَ عليكم الصيام كما كُتِبَ على الذين من قبلكم}(سورة البقرة 183:2).ثم أُحلَّ ذلك لهم ليلاً، وعليه فالمسلمون يعتقدون حرمان إتيان النساء في حالة حيضهن وحالة الصوم، ولكن للأسف وإنكماد عقلاء المسلمين قد أتى نبيهم ذلك بدون مسوغ شرعي كما رُوِىَ عنه.

3.      جاء في »صحيح مسلم«، الجزء الثالث، ص86، 87{عن عائشة قالت: كان رسول الله e يقبِّل إحدى نسائه وهو صائم . ثم تضحك} وجاء أيضاً بعد هذا الحديث ما يلي:{حدثني عليّ بن حجر السعدي وبن أبى عمر قالا حدثنا سفيان .قال. قلت لعبد الرحمن بن قاسم:أسمعت أباك يحدث عن عائشة أن النبي كان يقبِّلها وهو صائم؟ فسكت ساعة ثم قال:نعم}.

4.      وجاء أيضاً في »صحيح مسلم«، الجزء الثاني، ص87 {عن عائشة قالت:كان رسول الله يقبلني وهو صائم. وأيكم يملك إربه كما كان رسول الله يملك إربه}. وجاء أيضاً بعد هذا الحديث:{عن عائشة قالت كان رسول الله يقبّل وهو صائم ويباشر وهو صائم ولكنه أملككم لإربه}.

5.      وجاء في »صحيح البخاري«، الجزء الثاني ص 44.ما يلي:{رُوِىَ عن عائشة أنها قالت:كان النبي يأمرني فأتزر فيباشرني وأنا حائض}.وعنها أيضاً:{إذا كانت إحدانا حائضاً فأراد رسول الله أن يباشرها أمرها أن تتزر في فور حيضها ثم يباشرها قالت:وأيكم يملك إربه كما كان النبي يملك إربه}.

6.      وأيضاً جاء في »صحيح البخاري«، الجزء الثاني ص 262{وروى أيضاً عنها -عائشة- قالت:{كان النبي يباشرني وأنا حائض وكان يخرج رأسه وهو معتكف فأغسله وأنا حائض}.{وعن السيدة عائشة أن رسول الله كان إذا أراد من الحائض شيئاً ألقى على فَرْجِهَا إزار ثم صنع ما أراد}.

ثانياً : التعليق على ما سبق

1-محمد تحت الشرع

من لا يؤخذ بالعجب من تفوُّه عائشة زوجة نبي الإسلام بمثل هذا الكلام عن زوجها على مسامع المسلمين، ما دعاها يا تُرى إلى إفشاء أمور كثيرة عنه منافية للشرع، هل ذلك من باب التعظيم له أنه كنبي الله أُبيح له ما لم يبح لسواهُ؟ وإنه هو فوق الشرع، وإنه يلوح لك من قولها للقوم على أثر إخباركم تلك الأمور {وأيكم يملك إربه كما كان الرسول يملك إربه، وكان أملككم لإربه}، نوع من المباهاة بأفعال محمد كخصائص امتاز بها عما سواه من الناس، ثم أنه لم يجيء قط في القرآن أن محمد بن عبد الله فوق الشرع أي ليس تحت أوامر ونواهي القرآن، بل إن كل قارئ متدبر ذكى يرى أن أسلوب القرآن يبيِّن أن محمد كعبد لله هو أيضاً تحت الشرع ملتزم بالقيام بفرائضه وأحكامه. ألم يكن يصوم رمضان ويتوضأ ويقيم الصلاة حسب الفروض، ويستقبل الكعبة، ويحج إليها كواحد من المسلمين، ويتعبد بقراءة القرآن. بلى إذاً هو تحت الشرع لا فوقه، أو ليس أن استغفار الله ذنوبه على نحو ما رأيت في الفصل السابق دليلٌ راهنٌ على أنه مسئول عن القيام بالشرع الذي جاء به كإنزال الله ومؤاخذ بكل تعدٍّ منه على أحكامه، لأنه لو كان معفى من القيام بأحكام القرآن وحدود الشرع لما حُسِبَ له ذنباً مهما فعل، ولا كان له من داع لاستغفار الله ذنوبه مئات المرات على ممر الأيام حتى الموت، ولكن إذا كان كما يُرى شديد الشعور بذنوبه، وآثامه، وعظم مسئوليته من جراها إلى ربه حتى كان من أول المستغفرين إياه، دلَّ ذلك على كونه كباقي الناس تحت الشرع. زعموا أن للنبي مباحات أُبيحت له من الله كإباحة المكث في المسجد جنباً، والزواج بأكثر من أربع نساء، والزواج بغير رضا المرأة، فلو رغب في التزوُّج بامرأة لزمها الإجابة وحرَّم على غيره خطبتها، والتزوج بلا وليّ و لا شهود، وحل الجمع بين المرأة وعمتها وخالتها [1]..فمن أين هذه الإباحيات؟ ومن أباحها لمحمد؟ وأين أجد هذه الإباحيات في القرآن؟ لقد بحثتُ عنها ولم أجدها لا في سورة ولا في آية؛ لأننا لا نرى القرآن يستثنى محمد من مثل هذه الأحكام فكيف استثنى نفسه منها، وعلى أي مسوغ، لا نعلم، ولا مراء أن كل مسلم لبيب يرى أنه لو كانت أمثال هذه المذكورات مُباحة للنبي من دون المسلمين لأُشير إليها في القرآن، ولما لم يكن في القرآن إشارة دلَّ ذلك علىأن أحكامه عامة ومن ثم تكون هذه الإباحيات موضوعة، وما هي إلاَّ وسيلة إخراج محمد من وصمة هذا العار. وبعد امتلاك المرء إربه بعمل ما ينافي الشرع وتعدي حدود الله باعتبار حرية إرادته إذا وافقته الظروف؛ يجعله قادراً على فعل ذلك -آه وما أكثر المالكين أربهم بعمل ما ينافي إرادة ربهم ونواهي إلههم- فأي محل إذاً المباهاة عائشة بما كان يأتي زوجها من محرمات القرآن بقولها على إثر إخبارهم القوم "وكان أملككم لأربه" وأي أعجوبة في ذلك، وألا علمت أيها القاري العزيز أن عائشة  بقولها ما قالت عن زوجها قد أحطَّت من اعتباره كثيراً في عيون ذوي النزاهة والتعقل من المسلمين، وأعطت مثالاً كبيراً للجسديين من أتباعه ليأتوا بمثل ما أتى من اختراق حدود الشرع متى شاءوا قائلين:"حسبنا بذلك نبينا كحسب التلميذ لمعلمه والتابع لمتبوعه".

2- حوار خيالي أدبي

ثم لندع عائشة، ونوجه خطابنا قليلاً إلى ذات نبي الإسلام كما لو كان حياً ونحن لديه جلوساً :»يا أبا القاسم ألم تقل إن الآية:{أُحلَّ لكم ليلة صيامكم الرفث إلى نسائكم فهنَّ لباس لكم وأنتم لباس لهن علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم فتاب الله عليكم وعفا عنكم فالآن باشروهنَّ} (سورة البقرة 187:2).إنما نزلت لأن جماعة من المسلمين خانوا أنفسهم بأن أتوا نسائهم ليلة الصيام إذ كان ذلك محرَّماً عليهم بآية {كُتِبَ عليكم الصيام كما كُتِبَ على الذين من قبلكم} (سورة البقرة 183:2).ومنهم عمر بن الخطاب حتى قلت له لائماً:"لم تكن بذلك جديراً يا عمر" [2]. فالنص أعلن خيانة القوم بما أتوا وأُحِلَ لهم رأفة بضعفهم، ما كان محرماً عليهم من مباشرة النساء ليلة الصيام بقى محرَّماً عليهم مباشرتهن حالة الصوم، وأنت على حسب ما روت عنك زوجتك عائشة، وكما هو مُسطر عنك في كتب الأحاديث استبحت لنفسك هذا المُحرَّم بمباشرتك نسائك في حالة الصوم بدون آية قرآنية تسوِّغ لك ذلك، فكيف استجب ما كان خليقاً بك أن تكون أول متجنِّب له، وأنت أول المسلمين على قولك، أتلوم عمر على مباشرته زوجته حال الفطر وأنت تفعل مثل ذلك في حالة الصيام؟! فإن كان لا يجدر ذلك بصاحبك وتابعك فبالأولى لا يجدر بك، فقل لنا أيحق لك أن تحمِّل أصحابك وأتباعك حملاً لا تستطيع حمله؟! أهذا شأن المشرِّع؟«

3- القدوة الحسنة والصالحة.

ذلك كان حال علماء اليهود في أيام السيد المسيح، فويَّلهم على ذلك بقوله لهم »ويل لكم أيها الناموسيون لأنكم تحمِّلون الناس أحمالاً عثرة الحمل وأنتم لا تمسون الأحمال بإحدى أصابعكم« (لو 46:11)،.وهل جاء في التوارة عن موسى كليم الله الذي به أعطى الله الناموس لبني إسرائيل، أنه يوماً ما استباح لنفسه حكماً من أحكامه، واستحلَّ حراماً من محرماته، أو ادَّعى بإباحيات له من ربه ؟! كلا، بل كان من أول القائمين بأحكام الشريعة التي جاء بها من الله، وهكذا الحال بالنسبة للسيد المسيح ذاك الموصي حواريه وأتباعه بالحب الخالص حتى حب الأعداء، وعدم مقاومة الشر، وبالإحسان والمواساة إلى المبغضين والمسيئين وبركة اللاعنين، ولزوم جانب النزاهة والعفاف والصدق والأمانة والحلم والوداعة والصبر، لقد كان السيد المسيح لتلاميذه المثال الأكمل في القيام بما أوصاهم به، جاعلاً سيرته المعصومة من العيب والمنزَّهة عن الخطاء.وحياته الصالحة الخيِّرَة قاعد لسلوكهم وحياتهم في الدنيا؛ وعليه فقد دعاهم للتعليم منة والإقتداء به قائلا»تعالوا إليَّ يا جميع المتعبين 000وتعلَّموا مني فإني وديعٌ ومتواضع القلب فتجدوا راحةً لنفوسكم«(مت  11،29:28)،.وقد قصد السيد المسيح بكلمة تعلَّموا مني ليس الكلام، بل سجيته وسيرته ومحبته وتواضعه ووداعته وصبره وعفافه وصلاحه، وبعد أن غسل أرجل تلاميذه في آخر يوم معهم قبل آلامه قال لهم:»إني بذلك أعطيتكم مثالاً حتى كما صنعت أنا بكم تصنعون أنتم أيضاً« (يو 13:15) [3]

أليس الخليق بأنبياء الله ورسله ولاسيما المشرعين منهم أن يكونوا للناس مثالاً وقدوة حسنة بالقيام بما جاءوا به من الله من الشرائع والأحكام؟ إذاً أما هو خليق بك وأنت تزعم أنك نبي الله الأعظم ورسوله الأكرم أن تكون أول القائمين بما جئت به من الأحكام والفرائض. أيخلق بك أن تنهي عن أمرٍ كنهي الله وتأتي بمثله وتأمر أتباعك بالقيام بما لا تقوم به وتحمِّل مالا تستطيع أو لا تريد حمله، وأنت تزعم أنه حكم الله؟ أفلا يكون ذلك عدولاً عن سواء السبيل؟

4- الفرق بين موسى كمشرِّع ومحمد كمشرِّع .

وبعد فقد جاء في »صحيح البخاري« الجزء الثاني ص 132،133 ما يلي {جاء رجل إلى النبي e فقال:"هلكت يا رسول الله"، قال النبي:"ما شأنك؟"، قال:"وقعت على امرأتي في رمضان"، قال له:"تستطيع أن تعتق رقبة -تحرر رقيقاً-"، قال:"لا". فقال الرسول:"فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين"، قال:"لا"، فقال الرسول:"فهل تستطيع أن تطعم ستين مسكيناً"، قال:"لا"، فقال رسول الله:"اجلس"، فجلس، فأتى النبي e بعرق فيه تمر قال:"خذ هذا فتصدق به قال على أفقر مني"، فضحك e حتى بدت نوا جده قال أطعمه عيالك}. عجباً لهذا التصرف من رجلٍ شهير كنبي الإسلام، يا تُرى أيستطيع القاريء والمطالع اللبيب من المسلمين بعد اطلاعه على روايات عائشة السالف ذكرها، ورواية أبي هريرة وشرح الآية {علم الله أنكم كنتم  تختانون أنفسكم}الهروب من الانتقاد على أمور نبي الإسلام هذه؟ لا أراه يستطيع الهروب؛ لأن الانتقاد من لزوم العقل الحر. فانظر يا عزيزي القارئ لما ومحمد هكذا حين شكي إليه ذلك الرجل هلاكه قائلا:"هلكت يا رسول الله لأني وقعت على امرأتي في رمضان".لم يقل له محمد:"لا، لا باس عليك ليس كذلك يا صاحبي بجرم مهلك، ولكن لا عُدْتَ تأتيه"، بل أخذ يعرض عليه شتى أنواع وأعمال التكفير عن ذنبه، عمل وراء عمل، وذاك يتعذر بعدم الاستطاعة وهو يتساهل معه ويخفف عليه حتى أسفرت المسألة على لا شيء لم يا تُرى ؟

هل كان في عُرْف محمد أن إتيان الرجل امرأته في رمضان ليس بذنب مهلك. ولكن إذا كان قد سلف منه تحريمه على المسلمين بنص كمنزل من عند الله، يرى بعد مناسباً الترخيص به ولاسيما بعد ذلك التساهل المار ذكره، فاكتفى بالملاينة والتساهل مع الرجل المعترف بذلته حتى إلى درجة إعفائه من كل عمل تكفيري عن تلك الزلة، بل زاد أن تكرَّم عليه بعرق تمرٍ إلى عياله. أمثل هذه المساومة من حق النبي المشرِّع؟ أليس الحق إذا تقدمت دعوى للنبي المشرِّع، وأُشكل عليه حق الحكم فيها، أن يسأل الله إعلان الحكم كما كان الأمر مع موسى بشأن ابن الإسرائيلية الذي جدَّف على الاسم المبارك وسبَّ فأمر موسى أن يوضع في المَحْرًس ليعلن لهم عن فم الرب الحُكم فيه»فكلَّم الرب موسى و أمرهُ بقتل المجدِّف رجماً« (لاويين 10:24-14). وبعد فأقول هل لا يخالج ذهن العاقل البصير لدى إمعان فكره بهذه الأمور الفكر بأن لابد لمحمد بن عبد الله المشرِّع من أمرين إما أن يكون متيقناً نزول القرآن عليه من الله، أو لا.

فإن كان الأول : فكيف تأتَّى له أن يتعدَّى حكمه بإتيانه ما قد نُهي عنه فيه، ولا نسخ فيه لذلك النهي ولا أجازة له بذلك، ولا تحليل كما في نص تحليل إيمانه بسبب المسألة المشهورة بينه وبين زوجاته مارية و حفصة وعائشة كما ترى في (سورة التحريم 1:66-3) [4] ألا يُعَدُّ ذلك استخفافاً منه بأوامر الله و نواهيه.

وإن كان الثاني : فلم ادَّعى أنه من عند الله، وألزم أصحابه بالقيام به ككلام الله وشرعه. إني أعلم أن هذه الكلمات ثقيلة جداً على خاطر المسلم البسيط الذي يعتبر محمد اعتباراً يقرب من اعتباره بالله، ولكن النبيل الفطن من المسلمين يستدل من استباحة نبي الإسلام لنفسه سراً ما نهي القرآن على ريب في نفسه (يونس 10: 94) بكون القرآن الذي فاه به بأجمعه ليس من عند الله!!.

5- نتيجة لابد منها .

وبكل الوجوه أن هذه الأمور في هذه الحادثة وما قبلها باعث إلى الريب بكون الإسلام من عند الله، وداعية إلى الإعراض عن القرآن والسُّنَّة، كما أنها داعية أيضاً إلى كتاب الله بأيدي أهله اليهود والنصارى، المشهود له في القرآن أنة على التي هي أحسن نوراً وهدى و تفصيلاً لكل شيء، والذي قد أورثه الله لبني إسرائيل كما في (سورة غافر 53:40،54) للإيمان بما أنزل الله فيه عن كلمته ومسيحه فادي الخطاة وصاحب الوجاهة في الدنيا والآخرة، والوسيط الوحيد بين الله والناس (1تي 5:2) لسلامة وحياة الأبدية.


 

[1]  »كتاب الأنوار المحمدية« ص 308

[2] راجع ا»لفخر الرازي« مجلد 2 ص197-210

[3] «THE LIFE OF CHRIST» George Ford. Call of Hope. Stuttgart. W. Germany.

[4] انظر الشرح في »الفخر الرازي« مجلد 8 وجه 231،232)

الصفحة الرئيسية