تعليقات على الإسلام

 

الفصل الرابع [1]

زواج المتعة

 

ما كنتُ لأرض لنبي الإسلام بهذا الحادث المحدَّث عنه من أصحابه ورجاله، ولا لأُجارى القوم بخطه في هذا الكتاب، ولا الإقدام على النظر فيه لانتقاده؛ لولا مسيس الحاجة. فعفواً ومعذرة للمسلم النبيل الذي لا أراهُ راضياً عنه، بل لابد أنه ينكِّت عليه في قلبه إن لم يستطع بلسانه أو قلمه.

أولاً : مصادر البحث

1.      جاء في »صحيح مسلم« الجزء الثالث صفحة 310{روى عن عبد الله أنه قال:"كنا نغزو مع رسول الله وليس لنا نساء. فقلنا ألا نستخصي يا رسول الله؟! فنهانا عن ذلك ثم رخَّص لنا أن ننكح المرأة بالثوب (أي إعطاؤها ثوبا على سبيل الأُجرة). أباح ذلك يوم خيبر، ثم حرَّمه، ثم أباحه يوم الفتح (فتح مكة)، ثم حرَّمه تحريما مطلقا"}

2.      جاء في »صحيح مسلم« الجزء الثاني، صفحة 1022 {حدثنا جرير عن إسماعيل عن قيس قال عبد الله:"كنا نغزو مع النبي وليس لنا نساء، فقلنا ألا نستخصي؟ فنها عن ذلك، ثم رخَّص لنا أن ننكح المرأة بالثوب، ثم قرأ علينا:{يا أيها الذين لا تحرِّموا طيبات ما أحلَّ الله لكم ولا تعتدوا إن الله لا بحب المعتدين}(سورة المائدة 87:5).

3.      جاء في »صحيح البخاري« الجزء الثالث صفحة 203،204{حدثنا شعبة عن أبى حمزة قال:"سمعت ابن عباس سُئِلَ عن متعة النساء، فقال له مولى له عبد رق:"إنما ذلك في الحال الشديد وفى النساء قلة أو نحوه"، فقال ابن عباس:"نعم"، وحدثنا سفيان قال عمرو عن الحسن بن محمد عن جابر عبد الله وسلمة بن الأكوع قالا:"كنا في جيش فأتانا رسول اللهe فقال:" قد أُذِنَ لكم اليوم أن تستمعتوا فاستمتعوا"، وحدثنا أياس بن سلمة بن الأكوع عن أبيه عن رسول الله e "أيُّما رجل وامرأة توافقا فعشرة ما بينهما ثلاث ليال، فإن أحبَّا أن يتزايدا تزايدا، وإن أحبَّا أن يتتاركا تتاركا. فما أدرى أشىء كان لنا خاصة، أم للناس عامة؟! قال أبو عبدالله وبيَّنة عليٌّ عن النبي أنه منسوخ}.

ثانياً : التعليق على ما سبق

1- لزوم النقد

عزيزي القاريء، انظر إلى تواتر الروايات من قدماء المسلمين، عن هذا الحادث المرخَّص به من بنيهم لرجاله في بعض الغزوات، وتشهيره لعامه المسلمين في مؤلفاتهم المنتشرة، وعدم تصدِّى أئمة الإسلام وعلمائهم لتكذيبه ودحضه، بل إن الرسول رخَّصهُ وأباحه لرجاله، وأذن لهم به، ثم حرَّمه ثم حلَّله، ثم حرَّمه تحريماً مطلقا،ً والحديث عنه أنه قال:{أيُّما رجل و امرأة توافقا. الخ} هي أمور لا مفرّ للعقل من انتقادها، باطناً، أو باطناً وظاهراً، لسانا،ً أو لساناً وقلماً، مسلم وغير مسلم. فإني أتقدم إلى ذلك مضطراً بما يُستطاع من الدقة والحشمة، هدانا الله إلى ما هو للخير والفائدة وهو حسبنا ونعم الهادي.

مسلَّم أن النزوع إلى الانتقاد هو من غرائز الإنسان، فهو مفطور على وزن وانتقاد ما يعرض على لحواسه، أو يُقدَّم إليه سواء كان من الماديات أو الأدبيات كالآراء والعقائد والتأليف والحكايات. وإذا تحاشى أحياناً انتقاد ما يُسمع ويُقرأ بلسانه وقلمه لحذر الخطر والضرر، أو مسّ إحساسات ذلك الخطيب، أو الكاتب لا يؤخذ دليلاً على عدم الانتقاد منه باطناً، والانتقاد واحد في جوهره باطناً أم ظاهراً.

وبعد : فإني أحتار في الحكم على فكر محمد والمحدثين عنه هذه الأحاديث من حيثية إباحته ما أباح، وإبداء القوم هكذا ما أتى ورخص، هل كان فكرهم عدم جواز الانتقاد عليها، أو لا بأس من وضعها موضع الانتقاد، فعلى كلا الوجهين ليس من متعقل يرى هذا الفكر في محله لأنه من جهة:

الوجه الأول أقول : من المحال تقييد العقل على نقد كل ما يعرض عليه كما أشرنا قبلاً، سواء كان ذلك من نبي أو عامي، والعاقل لا يفرِّق من هذه الحيثية بين أمور مذهبه الذي وُلِدَ فيه ونشأ عليه وبين باقي المذاهب، ولا مانع يمنعه من الحكم بصوابية الأمور. بغض النظر عن الأقدمية والحديثة والتغلبية، مهما كان ميله وانعطافه إلى ما ورثه ورُبِيَ عليه من العقيدة والرأي، ويبدو أن هذه السجية المتغلِّبة على الناس كثيراً ما توقف حكم العقل المنتقد عن بروزه من مكمنه، وتعدمه ثمرته، ولكنها لا تستطيع أبداً أن تخنقه، وعلية لابد أن كثيرين من المسلمين أُولى العقول الثاقبة والعقول النيرة على سبيل المثال: المستشار : محمد  سعيد العشماوي، والدكتور: فرج فودة، والصحفي: إبراهيم عيسى، والفيلسوف: ذكى نجيب محمود، وعميد الأدب العربي الدكتور: طه حسين، ومصطفى جحا، وعلاء حامد، وأخيراً الدكتور: نصر حامد أبو زيد، يرون ما يراهُ غير المسلم من سيء الأمور، وعدم جدارتها بأنبياء الله ومرسليه.

الوجه الثاني أقول:»الزنى بأمر القرآن!!«

إن بأساً كبيراً على نبي الإسلام من إشهارها ونقدها، فيا ذا العقل المستنير والفكر الحر الذي لا يخشى في الله لومة لائم، تعالى ننظر بخلو الغرض في أمر إباحة وترخيص نبي الإسلام لجنده وأصحابه في ظروف وأحوال خاصة، مضاجعة النساء بأجرة متاع ما، أو كما يسميه البعض نكاح بالثوب، لنرى هل ذلك يوافق الحق والآدب.

إنك لتعلم يا صاحبي أن معاشرة النساء ومضاجعتهن على سبيل الأُجرة هو أمر كثير الشيوع في العالم، وهو معروف لدنيا بالزنى ويُمارس في "أوكار وبيوت الدعارة" وهو معروف عند كل الأمم بزنى، ومُحرَّم في كتب الوحي، ومُنكر من زوي الآدب والعفاف، وضار جداً بالهيئة الاجتماعية والسمعة العائلية والمحلية على السواء، ومعلوم أن اللواتي يبعن أعراضهن بأثمان، إما بنقود أو بحلي أو بثياب أو غير ذلك من متاع الدنيا. وكثيراً جداً نجد المرأة تبيح نفسها، وكافة الزواني في العالم على هذا المجرى. فهل ذلك في عرف المسلمين حلالا؟! وهل أدبائهم وثقاتهم يرضون بمومسات في بلدتهم أو جيرانهم؟.كلا، لا يرضون بذلك، وليس من مسلم تقي يخاف الله إلاَّ و ينكر ذلك ويستحرمه. فقل لي أيها القارئ العزيز لماذا أباحه محمد لرجاله؟! ألم يرد في القرآن والسُّنَّة أمر قصاص الزاني والزانية رجماً وجلداً ونفياً بدون التفات إلى الأجرة وعدمها، فإن كانت الأٌجرة تجعل مضاجعة النساء حلال، فلماذا لم يقل والزانية تُرْجَمُ أو تُجْلَدُ أو تُنْفَى إذا أتت ذلك مجاناً ‍؟ وإن كان ذلك منها بأجرة متاع لا حرج عليها ولا على من فعل ذلك معها. فالإسلام إذاً يعتبر إتيان المرأة بدون عقد النكاح أو بدون أن تكون ملك يمينه (سرية ) زنى، بأُجرة كان أم بغير أُجرة لا فرق، ويفرض على مرتكبيه القصاص الصارم. ومن يا ترى يرى أن بذل المال والمتاع يحلل الحرام‍‍‍‍‍‍‍‍‍؟! ويعجبك ما جاء في رواية جرير بعد قوله ثم رخص لنا أن ننكح المرأة بالثوب ثم قرأ علينا {يا أيها الذين لا تحرموا ما أحلَّ الله لكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين}(سورة المائدة 5 :87). قف هنا قليلاً عزيزي القارئ وتأمل في قراءة نبي الإسلام على قومه هذا النص، على أثر ذلك الترخيص وتأمَّل، ألا ترى أن محمداً أراد بهذه القراءة أن الله أحلَّ لرجاله التمتع بالنساء بالمتاع، بشرط ألاَّ يأتى الرجل ذلك على سبيل التعدي (أي الاغتصاب)، فإذا كان هذا هو المراد من النص الذي يزعم أنه كلام الله إليه، فلم عاد فحرَّم ذلك حسب رواية عبد الله ثم أباحه ثم حرمه تحريماً مطلقاً، إنه لا يُشتمُّ قط من هذه القراءة رائحة الموَّقِت؛ لأنه لا يُقال فيها "لا تحرموا الآن ما أُحلَّ الله. إلى يوم أو يومين أو شهر، بل لا تحرِّموا طبيات" كلام مطلق غير مقيد بزمان أو مكان، و لِمَا لَمْ يقف عند حد هذا النهي "لا تحرموا" بل على ذمة الراوي عاد فحرَّمه بعد أن قضى رجاله شهوتهم من هاتيك النساء متجاوزاً ذلك الحد. ولماذا يحرِّمه المسلمون الآن؟ فإذا كان النص (المائد87:5) يعلن إباحة محمد لرجاله مضاجعة النساء بأجرة متاع لها؛ فجاز للمسلمين دوام هذا الأمر،.ألا ترى أيها القارئ العزيز من خلال القول:{ولا تحرموا طيبات ما أحلَّ الله لكم}(المائدة 87:5) إنكار فريق من أصحاب محمد عليه تلك الإباحة والترخيص لهم بما أجمعت كتب الأنبياء على تحريمه. فكأني به إذ رأى نفسه أنه سقط في أيدي عقلاء أصحابه بإباحته لهم المحرَّم في التوراة والإنجيل والقرآن، وليس لديه حجه يحتج بها على ما كان منه. عمد إلى أُسلوب ما يسميه الوحي، وأتى منه بهذه القراءة كحجة الله له على ما أباحه ورخصه، فأسكت أولئك المعارضين الذين كأنهم ذهبوا يقولون ما هذا؟ أهكذا يحلل الله الحرام لعباده مجاراة لميولهم الحيوانية؟! ويظهر لك من حديث شبعة أن ابن عباس توقَّف عن مجاوبة سائله عن متعة النساء؛ فكأن السائل سأل ابن العباس:"ما قولك في المتعة التي أذن بها محمد لأصحابه يوم فتح خيبر ومكة، وقرأ عليهم وحي الله بخصوصها و هو نص (سورة المائدة 87:5) أجائزة بعد للمسلمين؟" لماذا ارتجَّ الجواب على ابن عباس؟! ولاحظ ذلك عبده فجاوب عنه:{إنما ذلك في الحال الشديد وفى النساء قلة أو نحوة} فاستحسن سيده الجواب وصادق عليه بقوله "نعم"؛ فيلوح لك من كلا السؤال والجواب أن نبي الإسلام لم يحرِّم المتعة بالنساء بعد أن رخَّص بها لرجاله، وأعلن كونها حلالاً لهم من الله بما قرأ عليهم كوحي من الله إليه، وإنه متى كان المسلمون في مثل الحال والظروف التي كانوا فيها يومي خيبر ومكة، أي في حالة اشتداد شوقهم إلى النساء والنساء قليلات جاز لهم استعمالها، ولو كان الأمر بخلاف ذلك أي أن نبي الإسلام حرَّم مضاجعة النساء بالثوب بعد أن رخَّص به، لأجاب ابن عباس ذلك السائل على الفور إن رسول الله ألقى أمر المتعة بالنساء وحرَّمها بعد أن أباحها يومي خيبر ومكة تحريماً مطلقاً، ولما أنه لم يجاوب وصادق على كلام عبده تبيَّن أن باب المتعة كان لم يزل مفتوحاً، وإن كره البعض ذلك. وعدد كثير من الباحثين المسلمين يؤكِّدون أن النبي مات ولم يحرِّم المتعة، والزعم بأنه حرمها بعد إباحتها يومي خيبر ومكة لا يُعار شيئاً من الاعتبار؛ لخلوه من البرهان؛ لأنه لا حديث عن النبي أنه قال يوماً بتحريمها، ولا نص قرآني ناسخ لذلك النص الذي أعلن كونها حلالاً طيباً للمسلمين، بل إن هناك آية تجعل من نكاح النساء بالمتعة والأجرة باباً مفتوحاً وواسعاً في الإسلام وهو ما ورد في سورة النساء {فما استمتعتم به منهن فأتوهن أجورهن فريضة ولا جناح عليكم} (سورة النساء 24:4). وعددٌ كبيرٌ من مؤرخي الإسلام يؤكدون بكل صدق وشجاعة هذه الرواية:{إنه قام سوق الجدال بهذا الموضوع في إمارة عمر بن الخطاب، ولما احتج بعضهم بحضرته أن النبيe أجاز نكاح المرأة بالثوب أو المتاع ومات ولم يحرِّمه. أجاب عمر بن الخطاب:"حرَّمه أو لم يحرِّمه، لا أعلم، فأنا أنهي عنه، وأعلوا بسيفي هذا عنق من أتاهُ}[2]. ويُقال أنه تجدد هذا الجدال في خلافة المأمون ولم يُفْصَلُ الخلاف على وجه ما قيل إن أهل الشيعة لا يزالون يفعلون ذلك في حال اغترابهم عن أولادهم. هذا ولعل القول:"إن محمداً حرَّمهُ بتاتاً يوم فتح مكة ناشئ عن رؤية ثقاة المسلمين وأدبائهم فظاعة الأمر وشر بقاء المسلمين عليه".

التعليق على الشطر الآخر من النص{ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين} المراد به النهي عن مضاجعة النساء على سبيل الاغتصاب والقهر.

أولاً: ربما المرأة التي أُغْرِيَتْ بالأجرة على تسليم نفسها ذلك لعدة أسباب.1-إما لفقرها .2- أو لخفة في عقلها قبلت بتسليم عرضها وشرفها بتلك الأجرة. ألا يكون مباشرتها بذلك تعديا على حقوق زوجها، فأين إذا القول:{ولا تعتدوا}

ثانيا : إن الاعتداء على المرأة متزوجة كانت أم عذراء بمباشرتها عن طريق الاغتصاب، مُنكر طبعاً وشرعاً عند كل الأمم، ومؤكد أن الأمم الجاهلية التي تبيح الفواحش كالرومان واليونان قبل اعتناقهم الديانة المسيحية والهنود والعرب، كانوا يعاقبون بصرامة من اغتصب امرأة، وكثيراً ما نشأ عن مثل التعدِّي حروبٌ مهلكة، كما يروى في أخبار العرب عن طُسم وجديس. إذاً محمد بقوله من هذه الحيثية لم يأتِ بجديد.

فإن لك من حديث ابن الأكوع أن محمد تدرج في أمر المتعة إلى نوع الموافقة بين الرجل والمرأة، مجرداً عن الإشارة إلى إعطاء متاعاً ما كأجرة لها بقوله على عهدة الراوي:{وأيُّما رجل وامرأة توافقا فعشرة ما بينهما ثلاث ليال، فإن أحبَّا أن يتزيدا تزايدا، وإن أحبَّا أن يتتاركا تتاركا} قال الراوي:{فما أدري أشيء كان لنا خاصة أم للناس عامة؟!}. عزيزي القارئ، ألم ترَ أن نبي الإسلام بهذه الإباحة قد وسَّع من دائرة ارتكاب هذا المحرَّم؟، وهكذا أطلق العنان للنفس الشهوانية الجامحة إلى الآثام لترتكب بنعومة بال خطية الفجور؟! انظر أنه باعتبار هذه الرواية اقتصر على الموافقة. لماذا؟، لأن الموافقة أعمُّ من المتعة، وأشمل، وأوسع؛ لأنه قد تكون الموافقة المذكورة من عامل الحب والغرام بين الطرفين،  بمعزل عن الأجرة، وقد تكون بأُجرة وبغير أُجرة، وربما كانت الأُجرة من المرأة للرجل لا من الرجل للمرأة؛ فبحسب هذا الرأي أمر مضاجعة الرجل لامرأة غير زوجته على سبيل التوافق بينهما. فمن يا ترى لا يرى شؤم هذا الأمر المضرّ بالهيئة الاجتماعية، والمفسد للنظام العائلي المقدَّس، ومعلوم أنه يندر جداً ارتكاب فاحشة بدون اتفاق على ذلك بين الفاعليْن، فهل بهذا الاعتبار لا تعتبر فاحشة، وأي شهم كريم يصادق على ذلك،.دعني أسألك أيها المسلم الكريم: أحق هذا الترخيص والرياء من نبي الإسلام، أم باطل؟ فإن قال:"حق"، قلنا:"لا حرج على من يأتيه اليوم"، وإن قال:"لا يجوز-إن لم يقل باطلاً-"، قلنا:"كيف إذا جوَّز نبي الإسلام مالا يجوز، وارتأى مالا يحق"، وإن قال:"أباحه مؤقتاً مراعاة لضرورة الحال ثم حرَّمه"، قلنا:"أولاً: قد تبيَّن فيما تقدَّم أنه مات ولم يحرِّمه. ثانياً: إن محارم الله الأدبية كالزنى وعبادة الأوثان، لا تحللها الظروف والميول، ولم يجيء قط في الكتاب المقدَّس تحليل شيء من قبل ذلك لشعب الله في ظرف من الظروف وحال من الأحوال؛ فالحرام كان حراماً دائماً، والحلال كان حلالاً دائماً. فالمكان والزمان والعواطف لا تبيح المحظورات، ولا تحلل المحرَّمات. ثالثاً : إن ذات السبب الذي دعى نبي الإسلام إلى ذلك، قد يكون في كل زمان، ولاسيما في هذا العصر الذي زاد على كل العصور بكثرة الاغتراب ومفارقة الأهل طلباً للرزق أو للحرب، فعلى جواب عبد بن عباس وتنعيم سيده عليه، وبناء على الزعم أن محمداً أباحه مؤقتاً لضرورة الحال متى وُجِدَ سبباً جازت هذه الإباحة، فهل يعترف مسلموا زماننا بجواز ذلك؟ وهل يرتضون بالسير علية؟ لا أراهم يرتضون به ولا يسلمون. وإذا كانوا لا يعترفون بجوازه ولا يرتضونه لأنفسهم وأخواتهم مهما كانت الدواعي؛ فذلك منهم بالنتيجة اللازمة، وهى عدم الجواز  بما رخص به محمد وأباحه لرجاله بداعي فرط اشتياقهم إلى النساء أفلا يكون ذلك سهماً قادحاً بدعواه النبوَّة والرسالة من عند الله؟.

أما القول عن لسان أبى عبد الله بخصوص تلك الموافقة التي ارتآها نبي الإسلام بين الرجل والمرأة {أن عليّ بن أبى طالب بيَّنه عن النبي أنه منسوخ} . فهذا القول لا يُعار جانب الاعتبار لسببين:

السبب الأول : إنه لا يُشمّ قط من كلام محمد رائحة الموقِّت؛ لأنه لم يعلِّقهُ على أسباب ودواعي، ولأنه كلام معمم لا مخصص بقوله {أيُّما رجل وامرأة} يعنى أي رجل كان وأي امرأة كانت، بغض النظر عن الظروف والأحوال.

السبب الثاني : لا رواية ولا حديث عن لسان محمد أنه نسخ ذلك، أي لم يرو عنه أنه قال:"إني نسختُ كلامي السالف بخصوص إباحتي نكاح المتعة" أو حتى وحياً نزل عليه بذلك.

والراجح الدعوى بذلك مختلفة منشأها استهجان ذلك الرياء لمنافاته الكتب المقدسة، وتنكيده على النظام العائلي الشريف، ولم يسعهم نكران هذه الرواية؛ دفعتهم الحسرة إلى وضع ذلك القول:{وقال أبو عبد الله وبيَّنه عليّ أنه منسوخ}. وخلاصة الأمر ينجلي لك مما تقدم أن تصرُّف محمد هكذا ليس بتصرف نبي من الله، بل كتصرف قائد ماهر، جارى به ميول قوم دعاهم إلى نصرته وشدة أزره. يرغب منهم الاستماتة في سبيل الأخذ بناصره، والتهالك في بسط يده وإعلاء شأنه.

 

 

تذييل لهذا الفصل

 

لك أيها القارئ العزيز كما رأيت أربع حوادث لنبي الإسلام الأولى : عن شدة خوفه ورهبته مما وراء الموت. الثانية : عن عظم شعوره بخطاياه وثقل أوزاره، أما الأخريان فهما: فِعْل وإباحة ما هو محرَّم ومُنكر، فلا أدري أي من الاثنين من هاتيك الأربع متقدمتين على الأخريين، غير أنه يُرَجَّح من كثرة استعاذته بالله من عذابي القبر والنار، واستغفار الله ذنوبه أن الحادثتين المتأخرتين في هذا الباب هما  الأوليان، وهما من أسباب ذلك الخوف الصادر عنه تلك الاستعاذة والاستغفار الكثير. وعلى كل حال لاتهم كثيراً معرفة أيهما المتقدم وأيهما المتأخر، ويكفينا أن وجودهما يدل على نفس متعَبة خائفة. ثم أقول يصعب التصديق جداً بوجود شخص بين المسلمين متعقِّل مستنير، يهضم عقله مثل هذه الأمور في الحادثتين المتأخرتين في هذا الباب، حتى لا يحسبها غير لائقة ولا جديرة بأي نبي من أنبياء الله، بل لا أراهُ إلاَّ متأفِّفاً منها كل التأفُّف، ولكن ما هو يا ترى اعتبارهم عند مسلمي هذا العصر؟ هل يعدُّونها امتيازات لنبيهم امتاز بها عما سواه من أنبياء الله ومرسليه؟ وكيف؟

وبعد فأقول عجباً لنبي الإسلام، ينهي عن أمرٍ ويأتيه، ويأمر ببرٍ وينافيه. فما هذا أيها القارئ العزيز، إن هذه المخاتلة غير جديرة بالألباء والأدباء فكم بالأولى الأنبياء الكرماء. ماذا ترى أيها القاريء العزيز، هل هو حقٌّ وخليق بالنبي الناهي عن الفحشاء، إذا شكي إليه رجاله في حالة ابتعادهم عن أهلهم شدة اشتياقهم إلى النساء، أن يبيح لهم هكذا مضاجعة نساء القوم المهزومين منهم في الحرب بأجرة متاع ما، مسميا ذلك نكاح بالثوب، وهاتيك النساء بحالة الذل لسبب فتكهم برجالهن وابنائهن وأخوتهن؟ أذلك إتمام العمل؟ أي بعد الإثخان بالرجال واغتنام المال، هتك العروض؟! ومن يقول بقبول هاتيك النساء هذا الأمر عن طيبة خاطر. والفاعلون بهن أعدائهن، الفاتكون بزويهن ومخرِّبوا ديارهن-كما هو الحال على الأخص بيوم خيبر-ومن أين ذلك الثوب والمتاع الذي كان جند محمد يعطونه للنساء كأجرة عروضهن، أليس هو في الغالب من مالهنَّ الذي اغتنموه؟! أمِنْ مالهن يعطوهن أُجرة نفوسهن؟! أهكذا يفعل أنبياء الله الصالحون ورجاله المؤمنون؟!

وعجباً لنبي الإسلام أبمجرد شكوى رجاله له بهيجان الشهوة الجسدية فيهم، حين رأوا غانيات خيبر وحُسَّان مكة سائبات مذعورات من عنف الحرب وكثرة الفتك، أذن لهم بإذلالهن بشرط إعطائهن أولاً ثوب. وهذا أغرب وأعجب ما دُوِّنَ في التاريخ وخاصة تاريخ قواد الجيوش الفاتحين؛ لأنه ما جاء في التاريخ عن الإسكندر الأكبر، أو تيطس فاتح أورشليم، أو الإمبراطور: نابليون بونابرت، أو هتلر، أو سواهم من مشاهير القواد أباح لجنوده ما أباحه محمد لرجاله، أثناء كون أُولئك كثيراً ما كانوا في البُعد عن بلدتهم ونسائهم أضعاف بُعد جيش محمد حين أباح لهم ذلك، ولاسيما خيبر التي هي بجوار يثرب.

بين الكتاب المقدَّس و القرآن

وإذا أتينا إلى تاريخ شعب الله القديم بنى إسرائيل، لا نرى في حروبهم الكثيرة والعظيمة ولاسيما في عهد يشوع بن نون قائدهم الأكبر وفاتح أرض كنعان، وملكهم المظفر داود، أنهم شكوا مرَّة إلى أحد قوادهم ما شكاه رجال محمد إليه بشأن النساء. ولا أن أحداً من قوادهم من قضاة بنى إسرائيل أباح لهم يوماً ما بالتمتع بنساء القوم المهزومين منهم في الحرب، وكل ما يقوله شرع الله لموسى من هذه الحيثية هو ما جاء في ((سفر التثنية 21 : 10 -13)).»إذا خرجت لمحاربة أعدائك، ودفعهم الرب إلهك إلى يدك، وسبيت منهم سبياً، ورأيت في السبي امرأة جميلة الصورة، والتصقت بها واتخذتها لك زوجة، فحين تدخلها إلى بيتك تحلق رأسها وتقلِّم أظفارها وتنزع ثياب سبيها عنها، وتقعد في بيتك وتبكي أباها وأمها شهراً من الزمان، ثم بعد ذلك تدخل عليها وتتزوج بها فتكون لك زوجه«.

تأمل لم يسمح الله له أن يدخل عليها وهى مخلوعة القلب حزينة الروح على هلاك زويها في الحرب، بل فرض سبحانه لها شهراً من الزمان أيام حِداد ثم يتزوجها. فكيف صحَّ في عيني نبي الإسلام وفى أعين رجاله الدخول هكذا على نساء القوم المقهورين بالحرب والجرح دامي القلوب، غرقى في بحار الحزن، فيالشئوم هذا، ويالقداسة شرع الله في كتابه. وباللفرق الشاسع بين نص التوراة ((تث 10:21 -13)) وبين النص الذي قرأهُ نبي الإسلام على رجاله (سورة المائدة 87:5).

أترى يا صاحبي أن محمداً في مثل هذه الإباحة قد شذَّ شذوا كلياً عن أنبياء الله ومرسليه، وقواد جنده؛ وبالتالي قد نافى به شرعه الذي شرَّعه، أو لا يلوح لك من ذلك أنه لم يكن يهم نبي الإسلام شيئا إلاَّ مرضاة أصحابه، ومسرتهم الذين عرف طباعهم وعدم صبرهم طويلاً عن النساء. رأى من الحكمة مجاراتهم في أمر قضاء شهوتهم على سبيل الأجرة أو كما يسميه نكاح بالثوب[3]. فكأن القوم حين نظروا نساء العدو في قبضة يدهم، هوت إليهم نفوسهم. ولم يروا أن يمسوهن إلا بإذن من نبيهم، فشكوا إليه الحال فسارع لهم في هواهم، وأجابهم إلى منيتهم. إنما بالثوب كمهر أو أُجرة لهن. فتأمل يا أخي العزيز واحكم. والله ولي الهداية.


 

[1] سيصدر قريباً بحثً لي في هذا الموضوع باسم »زواج المتعة«.

[2] راجع كتاب»تاريخ الأمم والملوك«، للإمام الطبري، الجزء الثالث، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت لبنان. وكتاب»مروِّج الذهب« للمسعودي، الجزء الرابع، دار المعرفة بيروت لبنان

[3] انظر كتاب »مجتمع يثرب« د:خليل عبد الكريم، دار سينا، القاهرة، 1997.

الصفحة الرئيسية