تعليقات على الإسلام

 

الفصل السادس

 الإباحة للعبد المستغفر ذنبه بعمل ما شاء

 

أولاً : مصادر البحث

1.      جاء في »صحيح مسلم« الجزء الخامس صفحه 323 ما يلي:{قال النبي أذنب عبدٌ ذنباً قال:"اللهم اغفر لي ذنبي". فقال تبارك وتعالى "أذنب عبدي وعلم أن له رباً يغفر الذنب ويأخذ بالذنب"، ثم عاد فأذنب فقال:"ربى اغفر لي ذنبي"، فقال تبارك وتعالى:"أذنب عبدي ذنباً علم أن له رباً يغفر الذنب ويأخذ بالذنب اعمل ما شئت فقد غفرتُ لك"}.

ثانياً : التعليق على ما سبق

قد تكاثرت الروايات والأحاديث المحمدية المفسحة للناس مجال ارتكاب الخطايا والمعاصي والجرائم، فإن كان نبي الإسلام قال ذلك بل الله كما يزعم، فلماذا يوجد حُكْم بقصاص الزاني والسارق والقاتل؟! هل يؤاخذ الإنسان بما أباحه الله له، كما رأيت في الرواية السالف ذكرها؟!

هل الله يأمر بالفسق؟!

من لا يقف عند هذه الإباحة:{اعمل ما شئت قد غفرتُ لك}. وقفة المنكر المتحيِّر، ومن لا يُبِّرأ الله القدوس من إباحته لمستغفره، وهو الناهي عن الظلم والفحشاء، والآمر بالمعروف والتقوى. والخلاصة نقول: ها لك أيها العبد المذنب والمستغفر ذنبك، بحسب هذا الحديث، إباحة مقترنة بالغفران لذنوبك السالفة، فاذهب وامرح كيف شئت ، لا يهمك بعد إن كان اسمك أحمد أو محمد، ولا فرق إن وفيت دينك أولم تفه، وإن كان مات لك صغار أولم يمُت. هل يصدق علماء المسلمين أن نبيهم تفوَّه بمثل هذا الحديث؟ لا جدال أن من صدَّق الروايات السالفة لا يصعب عليه تصديق هذه العقيدة؛ لأنها كلها من فصيلة واحدة ومعدن واحد، وبعد فنقول كمكرر الكلام وبأسلوب آخر لزيادة البيان والفائدة: لا أرى عاقل مسلم كان أو غير مسلم لا يرى القول عن فم الله تعالى للعبد المستغفر مراراً عن ذنب أتاه تكرار إلاَّ محض اختلاق وتقوُّل على الباري العظيم سبحانه وتعالى، الباغض للخطية الكاره للظلم، وهل لا يرى الناقد البصير أنه إذا كان حقيقة نبي الإسلام قائل تلك الأقوال والأقوال الواردة في الباب التالي ((بشأن دخول الجنة)) لا يبعد أنه هو القائل أيضاً هذا القول:{اعمل ما شئت قد غفرتُ لك}؛ لأن الروح في الكل واحد والنتيجة واحدة، وهى الاستخفاف بالمنكر واستحلال المحرم.

مقارنة بين تلك الأقوال وقول المسيح بعدم العودة للخطية.

قل لي أيها القاريء العزيز:هل الله القدوس الناهي عن الظلم والفحشاء يبيح للإنسان عمل ما شاء من الذنوب لأنه استغفره مرتين أو ثلاث مرات على ذنب ارتكبه؟! هل سبحانه وتعالى ضجر من تكرار استغفار ذلك العبد، فقال له "اعمل ما شئت قد غفرت لك"؟! حاشا، وما أعظم الفرق بين هذا القول وقول ربِّنا ومخلِّصنا يسوع المسيح للمرأة الزانية التي قُدِّمَت له ليحكم عليها :»ولا أنا أدينك اذهبي ولا تخطئي أيضاً«((يو 11:8)) وقوله للمفلوج :»ها أنت قد برأت فلا تخطيء أيضاً لئلا يكون لك أشرُّ«((يو 14:5))

التوبة الحقيقة النابعة من القلب هى السبيل الوحيد إلى السماء.

عزيزي القاريء ما أسهل مثل هذا الاستغفار على العبد المذنب. إن أشرَّ الناس وأسقطهم يستطيعونه على أثر ارتكابهم الذنوب، كما في أمر:{قل هو الله أحد عشر مرات} [1]، ولعل هذا الحديث هو سبب ما يُسْمَعُ كثيراً من سفلة القوم وسفهائهم على أثر سبهم الدين "استغفر الله استغفر الله" على غير خشية ولا توبة قلبية. وكم من أُناس يستغفرون الله بالتمتمة على حساب المسبحة بدون ما يدل على احساسات الخشوع والاتضاع أمام الله. وكأنهم يؤدون حساباً فُرِضَ عليهم أو وجب ذمتهم. الذين كثيرون منهم إذا حاكهم حاكٌ في أثناء ذلك بكلمة ما تحطُّ بكرامتهم تطايرت من عيونهم شرارات الشرِّ وقذفت أفواههم المستغفرة حِمَمَ اللعنات والشتائم غير اللائقة بالمؤمنين التوَّابين. ثم يعودوا مرة أُخرى إلى استكمال حساب الاستغفار-استغفر الله- وكأنهم يقولون في أنفسهم :لا بأس علينا من إتيان الذنوب وقلة الأدب، فنحن نقفوها باستغفارنا ربنا، وهو على حسب شهادة نبينا يغفر لعبده المذنب المستغفر ماضي ذنبه ومستقبله". على أني لا أرى عقلاء المسلمين يعيرون مثل هذه الأحاديث جانب الاعتبار والتصديق، وشاهدٌ على ذلك حُسن تقواهم وكراهيتهم للسفاهة وقلة الأدب، وتجنبهم على قد استطاعتهم أذيَّة عباد الله سواء كانوا مسلمين أو غير مسلمين.

عزيزي القاريء هل يُعقل عندك أن الباري تعالى يرتضى من الإنسان باستغفارات قلت أو كثرت وهي مقتصرة على الشفاه دون القلب؟! هل الله يقبل استغفارات وهي غير نابعة عن بغض الخطية وكره المعاصي وحب للصلاح؟! بل عن نفس لا تزال طامحة وجامحة إلى ارتكاب الآثام والمحارم، غير تائبة إلى ربها توبة حقيقية توبة الأسف والندم الحار على ما سلف منها من المعاصي والذنوب. لابد أنك تجيب حاشا لله القدوس أن يغفر ذنوب مَن لا يتوب إليه بكل قلبه هاجراً أوكار المعاصي ببكاءٍ وندم، طالباً السير أمام الله حسب سننه وأحكامه، حُبَّا في الله ربه. حسناً فمن أين جاءت هذه الأحاديث المنافية لقداسة الله وعدله، والتي لا يتوقع من امرئ خائف الله اعتبارها.


 

[1] انظر الباب القادم

الصفحة الرئيسية