الإتقان في تحريف القران

هل كان المصحف العثماني مجرد نسخة عن مصحف أبي بكر

أمورا خطيرة أحدثها عثمان في القران أثناء جمعه له التغاضي عنها يعتبر خيانة للدين وللتاريخ .

الذي يفهم من رواية البخاري هو أنـهم نسخوا المصحف العثماني من جمع أبي بكر ، وهذا لا يمكن قبوله بـهذه البساطة لأمور :

 

1-  قالوا إن جمع أبي بكر كان يشتمل على الأحرف السبعة ومصحف عثمان ينقص عنه بستة أضعاف ، فكيف يصح القول أن المصحف العثماني كان مجرد نسخة عن جمع أبي بكر ؟!

 

قال ابن جرير الطبري ، قريب العهد من تلك الوقائع :" والآثار الدالة على أن إمام المسلمين وأمير المؤمنين عثمان بن عفان رحمة الله عليه جمع المسلمين نظرا منه لهم[1]، وإشفاقا منه عليهم ، ورأفة منه بـهم ، حذار الردة من بعضهم بعد الإسلام والدخول في الكفر بعد الإيمان إذ ظهر من بعضهم بحضرته وفي عصره التكذيب ببعض الأحرف السبعة التي نزل عليها القرآن مع سماع أصحاب رسول الله  النهي عن التكذيب بشيء منها وإخباره إياهم أن المراء فيها كفر،  فحملهم رحمة الله عليه إذ رأى ذلك المراء بينهم في عصره وبحداثة عهدهم بنـزول القرآن وفراق رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم بما آمن عليهم معه عظيم البلاء في الدين من تلاوة القرآن على حرف واحد ، وجمعهم على مصحف مخالفا المصحف الذي جمعهم عليه أن يحرقه ، فاستوثقت له الأمة على ذلك بالطاعة ورأت أن فيما فعل من ذلك الرشد والهداية ، فتركت القراءة بالأحرف الستة التي عزم عليها إمامها العادل في تركها طاعة منها له ونظرا منها لأنفسها ولمن بعدها من سائر أهل ملتها ، حتى درست من الأمة معرفتها وتعفت آثارها ، فلا سبيل لأحد اليوم إلى القراءة بـها لندورها وعفوّ آثارها وتتابع المسلمين على رفض القراءة بـها من غير جحود منها بصحتها وصحة شيء منها ، ولكن نظراً منها لأنفسها ولسائر أهل الدنيا فلا قراءة اليوم للمسلمين إلا بالحرف الواحد الذي اختاره لهم إمامهم الشفيق الناصح (!) دون ما عداها من الأحرف الستة الباقية . تفسير الطبري ج 1/22

 

قال مكي بن أبي طالب القيسي : " إن هذه القراءات كلّها التي يقرأ بـها الناس اليوم وصحّت روايتها عن الأئمة إما هو جزء من الأحرف السبعة التي نزل بـها القرآن ووافق اللفظ بـها خط المصحف -إلى قوله- وإذا كان المصحف بلا اختلاف كتب على حرف واحد من الأحرف السبعة التي نزل بـها القرآن على لغة واحدة ، والقراءة التي يقرأ بـها لا يخرج شيء منها عن خط المصحف ، فليست هي إذاً هي السبعة الأحرف التي نزل بـها القرآن كلها . ولو كانت هي السبعة كلها وهي موافقة للمصحف لكان المصحف قد كتب على سبع قراءاتٍ ، ولكان عثمان رضي الله عنه قد أبقى الاختلاف الذي كرِهَه، وإنما جمع الناس على المصحف ليزول الاختلاف . راجع : الابانة عن معاني القراءات . لمكي بن طالب القيسي ص 2-4 .

 

قال ابن القيم الجوزية : " ومن ذلك جمع عثمان رضي الله عنه الناس على حرف واحد من الأحرف السبعة ، التي أطلق لهم رسول الله  القراءة بـها لما كان ذلك مصلحة [2]، فلما خاف الصحابة على الأمة أن يختلفوا في القرآن ورأوا أن جمعهم على حرف واحد أسلم وأبعد من وقوع الاختلاف ، فعلوا ذلك ومنعوا الناس من القراءة بغيره "[3].الطرق الحكمية في السياسة لشرعية ص 16 .

 

وقال في تاريخ القرآن : " فخلاصة ما تقدم أن أبا بكر أول من جمع القرآن بإشارة عمر وكان جمعه بالأحرف السبعة كلها التي نزل بـها القرآن ، وسببه الخوف من ضياعه بقتل القراء في الغزوات ، ثم في خلافة عثمان كثر اختلاف الناس في قراءة القرآن فخشي عاقبة هذا الأمر الخطير وقام بجمع القرآن على حرف واحد من الأحرف السبعة وهو حرف قريش وترك الأحرف الستة الباقية حرصا منه على جمع المسلمين على مصحف واحد وقراءة واحدة ، وعزم على كل من كان عنده مصحف مخالف لمصحفه الذي جمعه أن يحرقه فأطاعوه واستصوبوا رأيه ، فالمصحف العثماني لم يجمع إلا بحرف واحد من الأحرف السبعة وان القراءات المعروفة الآن جميعها في حدود ذلك الحرف الواحد فقط و أما الأحرف الستة فقد اندرست بتاتا من الأمة "[4] .تاريخ القران الكريم ص 44-45.

قال د فهد عبد الرحمن الرومي استاذ الدراسات القرانية في كلية المعلمين بالرياض:" إن جمع أبي بكر (رض) على الأحرف السبعة ، أما جمعه في عهد عثمان فقد كان على حرف واحد ". راجع : دراسات في علوم القران الكريم .

 

قال القاضي ابو بكر في الانتصار : لم يقصد عثمان قصد ابو بكر في جمع نفس القران بين لوحين، وانما قصد جمعهم على القراءات الثابتة المعروفة عن النبي، وإلغاء ما ليس كذلك ، أخذهم بمصحف لا تقديم فيه  ولا تأخير ولا تأويل اثبت مع التنزيل ، ولا منسوخ تلاوته . .راجع الاتقان: 1/79.

وقال الحارث 00 وانما حمل عثمان الناس على القراءة بوجه واحد. راجع الاتقان: 1/79-80 .

وقد ذهب الطبري والطحاوي وابن حبان والحارث المحاسبي وآبو عمر بن عبد البر وأبو عبد الله بن ابي صفرة . إلى ان أمير المؤمنين عثمان بن عفان لما استنسخ الصحف من عند حفصة ؛ آمر ان يكون ذلك على حرف 000 وبذلك تم جمع الأمة على حرف واحد ، أتمر انا بترك ما سواه فتتابع المسلمون على تلاوة هذا الحرف ، وبذلك اندثرت الأحرف الستة وعفت آثارها ، فلا سبيل اليوم إلى القراءة بها . راجع: شرح النووي على صحيح مسلم 6/100 والبرهان للزركشي 1/241و 224و 226و239 وتفسير الطبري 1/63-65 النشر في القراءات العشر 1/31.

أنّ عثمان قد جمع الناس على قراءةٍ واحدةٍ ، ومنعهم من سائر القراءات الأخرى، وأحرق سائر المصاحف التي تخالف مصحفه ، وكتب إلى الأمصار أن يحرقوا ما عندهم منها ، ونهى المسلمين عن الاختلاف في القراءة .

قال الحارث المحاسبي : « المشهور عند الناس أنّ جامع القرآن عثمان ، وليس كذلك ، إنّما حمل عثمان الناس على القراءة بوجهٍ واحدٍ ، على اختيارٍ وقع بينه وبين من شهده من المهاجرين والأنصار ، لمّا خشي الفتنة عند اختلاف أهل العراق والشام في حروف القراءات» . راجع : الاتقان 1 : 211 .

عن الطبري : فلما فرغ عثمان من المصاحف كتب عثمان إلى اهل الأمصار : آني قد صنعت كذا وكذا ومحوت ما عندي فامحوا ما عندكم. طبري 1/62.

 

2- توجد روايات تحكي وقوع النـزاع بين الجامعين في بعض الآيات التي كتبت في صحف أبي بكر فكانوا يتركون الآيات التي وقع فيها النـزاع ليأتي من سمعها من النبي ليكتبوها على ما سمعه ! فكيف يكون المصحف العثماني مجرد نسخة ؟!

قال في الإتقان : " أخرج ابن أبي داود من طريق محمد بن سيرين عن كثير بن أفلح قال : لما أراد عثمان أن يكتب المصاحف جمع له اثني عشر رجلا من قريش والأنصار فبعثوا إلى الربعة التي في بيت عمر فجيء بـها ، وكان عثمان يتعاهدهم فكانوا إذا تدارؤوا في شيء أخروه. الاتقان 1/165.

وكذا  " أخرج ابن أشته من طريق أيوب عن أبي قلابة قال : حدثني رجل من بني عامر يقال له أنس بن مالك ، قال : اختلفوا في القراءة على عهد عثمان حتى اقتتل الغلمان والمعلمون فبلغ ذلك عثمان بن عفان فقال عندي تكذبون به وتلحنون فيه ؟! فمن نأى عني كان أشد تكذيبا وأكثر لـحنا ، يا أصحاب محمد اجتمعوا فاكتبوا للناس إماما . فاجتمعوا فكتبوا فكانوا إذا اختلفوا وتدارؤوا في آية ، قالوا : هذه أقرأها رسول الله فلانا . فيرسل إليه وهو على رأس ثلاث من المدينة ، فقال له : كيف أقرأك رسول الله آية كذا وكذا فيقول كذا وكذا فيكتبونـها وقد تركوا لذلك مكانا.

 



[1] ابتدأ الأسلوب الشاعري ، فلاحظ !

[2] قول ابن القيم أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد أطلق لهم القراءة بـها أمر صريح بحسب برواياتـهم ، فيمكنك تغيير مفردات الآيات على مزاجك وكله قرآن منـزل من عند الله عز وجل ، وتغافل ابن القيم أن الإطلاق والترخيص بالقراءة بـها لا يعني الترخيص بحذفها وإلغائها من المصاحف فإن هذا التخريق والتحريق تحريف للقرآن ومحو لآثاره ، فمثلا من يقول بأنك مخير بين القصر والتمام في ظهر يوم عرفة مثلا لا يعني جواز إلغاء القصر ومنع الناس من أدائها فيه فإن هذا تحريف لأحكام الله عز وجل ، والأمر واضح .

[3] الطرق الحكمية في السياسة الشرعية ص16 .

[4] تاريخ القرآن الكريم ص44-45 ، للكردي الخطاط.

الصفحة الرئيسية