تمموا خلاصكم

مقدمة
الباب الأول: إمكانية الارتــداد الروحي
الفصل الأول: خطـر الارتداد
الفصل الثاني: المؤمن والارتداد
الفصل الثالث: أسباب الارتداد
الفصل الرابع: تأديبات الارتداد
الفصل الخامس: علاج الارتداد
الباب الثاني: حتمية الجهاد الروحي
الفصل الأول: ضرورة الجهاد
الفصل الثاني: مفهوم الجهاد
الفصل الثالث: عناصر الجهاد
الفصل الرابع: ميـدان الجهاد
الباب الثالث: ضرورة التدريب الروحي
أولاً: ضرورة التدريبات
ثانياً: مفهـوم التدريبات
ثالثاً: ممارسة التدريبات
رابعاً: مجـال التدريبات
الخاتمة
حمل هذا الكتاب

عودة للصفحة الرئيسية

ثـالـثاً:- ممارسة التدريبات



بعد أن عرفت يا أخي مفهوم التدريبات، بقي أن تعرف كيفية ممارستها حتى تكون لها ثمار مباركة:-


( 1 ) التغصب:

فأنت تعلم يا أخي أن الجسد يشتهى ضد الروح.(غل17:5) ولهذا يجب أن نغصب الجسد ليخضع لرغبة الروح. فمثلا قد تقف للصلاة فيجذبك الجسد إلى حب الراحة، فلا تستسلم لرغباته بل أغصبه على المثول أمام الرب حتى تنتعش الروح … وثق أن هذه المحاولات التي تقوم بها لغصب الجسد إنما هي حرب مقدسة يذكرها لك الرب ويكافئك عنها، ففي هذا قال القديس مقاريوس الكبير:-

{حينما يرى الرب نية الإنسان واجتهاده، وكيف يغصب ذاته لذكره وعبادته، وكيف يرغم قلبه سواء رضى أو لم يرض … وكيف هو يبذل كل ما في وسعه، يتحنن الرب عليه ويظهر له رحمته ويخلصه من أعدائه ومن سلطان الخطية ويملأه من الروح القدس.}

وإن كانت الحياة الروحية تحتاج في بدايتها إلى شئ من التغصب فإن الرب يتحنن على المؤمن ويعطيه الحياة الروحانية التي بلا تغصب، هذا هو ما وضحه أيضا القديس مقاريوس الكبير بقوله:-

{ كل ما يغصب (المؤمن) نفسه لأجله ويعمل وهو متألم بقلب نافر غير راض، سوف يأتي عليه يوم يعمله برضى وقبول.}



وقال أيضا:-

"يجب على الإنسان أن يغصب ذاته إلى كل ما هو صالح، ولو كان رغما عن ميـول قلبه. مترقبا الرحمة من الله بإيمان غير مرتاب … فعندما يرى الله جهاده وتغصبه، يعطيه الصلاة الروحانية الحقيقية التي بلا تغصب".

وقد كتب القديس يوحنا (من كرونستادت) في هذا الصدد قائلا:- "تعلم كيف تصلى واغصب ذاتك على الصلاة، في البداءة سيكون الأمر شاقاً. في بدايته يحتاج إلى أن يغصب الإنسان نفسه عليه".

وفي الواقع يا أخي إن الحياة مع الله تحتاج إلى تمرن وممارسة عادات الإنسان الجديد الذي لبسه "ولبستم الإنسان الجديد" (كو3:10). حتى تصبح هذه العادات الجديدة طبيعة فيك تؤدى تلقائيا بلا تغصب. فلا تيأس يا أخي ولا تفشل إن كنت مبتدئا في الطريق بل كن راسخا في الإيمان مطالبا الرب بحياة العمق الانسيابية.

وفي ممارسة التدريبات ينبغي أن تكون لنا أيضاً:



( 2 ) المثابرة:

أي الاحتمال والاستمرار. فإن كنت لم تشعر بعد بحلاوة الطريق، فلا ترتد سريعا، بل تقدم إلى الأمام في مثابرة وصبر باحثا عمن تحبه نفسك، فلا بد أن تجده وتتمتع به.

وتأمل العروس في نشيد الإنشاد كيف صبرت واحتملت حتى وجدت عريسها من أحبته، فأصغ إلى اختباراتها في هذا الطريق كما تسجله بلسانها: " في الليل على فراشي طلبت من تحبه نفسي. طلبته فما وجدته."(نش1:3). فهل هذا أسقطها في اليأس؟! اسمعها تقول:

"أقوم وأطوف في المدينة في الأسواق وفي الشوارع أطلب من تحبه نفسي طلبته فما وجدته."(نش2:3).

لقد بحثت عنه في المدينة فلم تجده فهل أرجعها ذلك إلى حيث كانت تجر أذيال الخيبة والفشل؟! يحسن أن نسمعها تجيب على ذلك وهى مستطردة في الحديث فتقول:-

"وجدني الحرس الطائف في المدينة. فقلت أرأيتم من تحبه نفسي؟"(نش3:3). فهذا تصرف حكيم منها أن تسال الحرس الذي يقوم بحراسة المدينة فهم أدرى الناس بأولئك الذين يسيرون في الطرقات. ولكنها لم تجد جوأبا لسؤالها! بل واعجب من هذا فإنها في جولة مماثلة للبحث عن حبيبها تمر بهم وبحرس الأسوار، "حفظة الأسوار" واسمع ما تقوله العروس عما فعلوا بها: "وجدني الحرس الطائف في المدينة، ضربوني وجرحوني. حفظة الأسوار رفعوا إزاري عنى (أي جردوها من الثياب)."(نش7:5).

عجباً! لقد كان من المفروض أن يقوم الحرس بحمايتها ولكنهم أهانوها واستهزءوا بها!! العل هذا كان كافيا لرجوعها بعين ذليلة ونفس كسيرة؟ كلا فهي لم تبالي بكل هذا وإنما تسير في إصرار وتـتقدم في صبر جادة في البحث عمن سلب القلب بحبه.

وإذ يرى الرب مثابرتها وجهودها يظهر لها. واسمعها تحكى لنا هذا اللقاء بعد ما فعله معها حرس المدينة وحفظة الأسوار قائلة:- " فما جاوزتهم إلا قليلا حتى وجدت من تحبه نفسي. فأمسكته ولم أرخه حتى أدخلته بيت أمي وحجرة من حبلت بي."(نش4:3).

فهل لك يا مبارك مثل هذه الروح المثابرة الصابرة على مشقات الطريق؟ فلماذا يخامرك الوهن سريعا؟ ولماذا تتضارب في رأسك الشكوك؟ ولماذا تخور قواك هكذا سريعا؟ ولماذا تستسلم لظنون الخيبة والفشل؟

دع عنك يا أخي كل هذه المعطلات وتقدم في ثقة وفي مثابرة فالرب قريب ...


وفي ممارسة التدريب يجب أن نراعى أيضاً:


( 3 ) التـدقـيـق:

فبولس الرسول يوصى أهل أفسـس قائلا "انظروا كيف تسلكون بالتدقيق لا كجهلاء بل كحكماء."(أف 15:5).

وبطرس الرسول يوصي النساء قائلا "ملاحظين سيرتكن الطاهرة بخوف."(1بط2:3).

ولهذا نرى بولس الرسول يؤكد على تلميذه تيموثاوس قائلا "لاحظ نفسك"(1تى16:4).

فممارسة التدريبات تحتاج إلى التدقيق في سلوكنا وسيرتنا. ويحتاج الأمر إلى فرض رقابة شديدة على تصرفات النفس طول اليوم، وما أحوجنا أن نحرس مداخل ومخارج مدينتنا حتى لا يتسرب إليها العدو فيهلكنا.

لهذا فيجب أن نحاسب أنفسنا على كل تصرف. هل هذا يليق بأولاد الله؟ وبالدعوة التي إليها دعينا؟

كما يجب مراعاة عنصر الالتصاق بالرب لممارسة التدريب:



(4) الالتصاق بالرب:

لا يمكن أن ننجح في تدريب أنفسنا على ممارسة هذه الفضائل إن لم نداوم علي الالتصاق بالرب الذي يميت في داخلنا حركات جسد الخطية … لهذا نقول في صلوات الأجبية (كتاب صلوات المزامير):

"أمت حواسنا الجسمانية أيها المسيح إلهنا وخلصـنا"

وإذ نداوم على الالتصاق بالرب نشبع به، وإذ نشبع بالرب تدوس نفوسنا الخطية مهما كانت لذيذة، فسليمان الحكيم يقول: النفس الشبعانة تدوس العسل."(أم27: 7).

كما وأنه طالما نحن ملتصقين بالرب تفيض في دواخلنا ينابيع ماء حي تروى بذار الروح فتثمر لحساب مجد المسيح.

هذا فضلا عن أنه إذ نكون في اتصال بالرب نتحد بروح القوة الذي كتب عنه بولس الرسول قائلا:"كذلك الروح أيضا يعين ضعفاتنا."(رو26:8).