التّمييز ضدّ غير اليهود في إسرائيل
مسيحيِّيْن كانوا أم مسلمين
إن السلام سيكون ثمرة العدل (أشعيا 17:32)
د. سامي عوض الذيب أبوساحلية
نيسان 2003
سامي عوض الذيب أبوساحلية، مسيحي من أصل فلسطيني وحامل الجنسيّة السويسريّة. ولد عام 1949 في الزبابدة، فلسطين. وهو مؤسس ورئيس "جمعية إعادة بناء قرية عمواس"، ومؤسس ورئيس "الجميعة لدولة ديمقراطية واحدة في فلسطين/إسرائيل".
أتم دراسته الجامعيّة في سويسرا حيث حصل على ليسانس ودكتوراه في القانون من جامعة فريبورغ، ودبلوم في العلوم السياسيّة من معهد الدراسات الجامعيّة العليا في جنيف. يعمل في المعهد السويسري للقانون المقارن في لوزان كمستشار قانوني مسئول عن القسم العربي والإسلامي منذ عام 1980. له عدة مؤلفات ومقالات في الشريعة والقانون العربي والسياسة. وألقى محاضرات عديدة في جامعات ومراكز عربيّة وغربيّة. ويجد القارئ قائمة منشوراته وبعض مقالاته على موقعه على الانترنيت http://go.to/samipage ومن بين كتبه
- أثر الدين على النظام القانوني في مصر: غير المسلمين في بلاد الإسلام، 1997 (بالفرنسيّة).
- التمييز ضد غير اليهود مسيحيّين ومسلمين في إسرائيل، 1992 (بالفرنسيّة).
- المسلمون وحقوق الإنسان: الدين والقانون والسياسة، دراسة ووثائق، 1994 (بالفرنسيّة).
- ختان الذكور والإناث عند اليهود والمسيحيّين والمسلمين، 2001 (بالفرنسيّة والإنكليزيّة).
- المقبرة الإسلاميّة في الغرب: النظم اليهوديّة والمسيحيّة والإسلاميّة، 2002 (بالفرنسيّة).
- المسلمون في الغرب بين الحقوق والواجبات، 2002 (بالفرنسيّة والإنكليزيّة).
- مؤامرة الصمت: ختان الذكور والإناث عند اليهود والمسيحيين والمسلمين: الجدل الديني والطبي والاجتماعي والقانوني، صادر عن دار الأوائل، دمشق, 2003.
نبذة عن المؤلف
الفهرس
مقدمة الطبعة العربية
مقدمة الطبعة الفرنسية
الفصل الأول معنى الحريَّة الدِّينيَّة
1) الحرية الدينية في الوثائق الدولية
2) الحرية الدينية في إعلان قيام دولة إسرائيل
الفصل الثاني ترحيل وتدمير بعد 1948
1) ترحيل غير اليهود
2) تدمير قرى غير اليهود
3) مصادرة أملاك غير اليهود
4) استعاضة غير اليهود باليهود
أ) حقُّ العودة لليهود
ب) إنكار حق العودة للفلسطينيِّيْن
الفصل الثالث طرد وتدمير بعد 1967
1) طرد
2) تدمير
3) مُخطَّط للتّرحيل العامّ
الفصل الرابع حقوق غير اليهود في الأرض المحتلة عام 1948
1) حقوق سياسيَّة
2) حقوق اقتصاديَّة
3) حقوق ثقافيَّة
الفصل الخامس حقوق غير اليهود في الأرض المحتلة عام 1967
1) حقوق سياسيَّة
2) حقوق اقتصاديَّة
3) حقوق ثقافيَّة
الفصل السادس مهزلة القضاء وقَمْع غير اليهود
1) ازدواج المعايير في القضاء
2) قَمْع أعمى
الفصل السابع أيُّ مستقبل لغير اليهود؟
1) قانون مَنْع التّبشير وحملات التهويد
2) مشروع قانون مشابه للقوانين النازية
3) قلق متزايد في الأوساط المسيحيَّة
4) جدار برلين الجديد
خلاصة
ملحق
نشرت هذا الكتيب باللغة الفرنسية عام 1992 منظمة "باكس كريستي" (سلام المسيح) العالمية في لوزان وقد وُزِّعت منه عدة آلاف من النسخ داخل وخارج سويسرا. ويجد القارئ النص الفرنسي الأصلي[1] مع ترجمة إنكليزية[2] وإيطالية[3] على شبكة الأنتيرنيت.
ورغم مرور عشر سنين على الطبعة الفرنسية فإن التمييز ضد غير اليهود في إسرائيل ما زال مستمراً، لا بل يزداد حدّة يوما بعد يوم. لذلك تبقى المسألة الأساسية التي يثيرها هذا الكتيب مطروحة وتتطلب حلاً جذرياً إذا ما أردنا الوصول إلى سلام عادل في الشرق الأوسط. وقد رأيت أن أقوم بتنقيح الطبعة الفرنسية وتحديثها حتى تواكب الوضع الحالي دون الإخلال بحجم الكتيب ليبقى في متناول الجميع.
ويأتي صدور هذا الكتيب في زمن انتكاسات سياسية خطيرة تواجهها الأمة العربية من قِبَل غزاة يكنّون لها البغض تحت ستار الديمقراطية. ولو كانت الديمقراطية هدف الغزاة الحقيقي لكان من واجبهم البدء بتعرية إسرائيل التي هدمت مئات القرى الفلسطينية وشردت أهاليها ليس لذنب إلا كونهم غير يهود. وما زال هذا الكيان العنصري يهدم البيوت ويشرد العائلات الفلسطينية بدعم مالي وعسكري وسياسي من الدول الغربية. والأنكى من ذلك هو أن الدول العربية لا تحرك ساكناً، لا بل تسمح بإقامة قواعد عسكرية غربية على أرضها وتأذن للقوات الغربية بغزو واستعمار البلاد العربية من جديد وزرع الدمار في المنطقة ونهب ثرواتها. فمهد العروبة وأقدس مقدساتها وأرض الكنانة أصبح حاميها حراميها! فيا للعار ويا للمذلة!
ورغم فظاعة المصيبة، على المواطن العربي التمسك بالمبادئ وعدم ترك العدو يزعزع إيمانه بأن السلام لا يمكن له أن يتحقق إلا من خلال العدل. وهذه هي الرسالة التي يريد أن يبلغها هذا الكتيب إلى أن تنقشع المحنة بفضل الأمناء من شعبنا الذين لا يبيعون ضمائرهم لمصالح مادية أو للمحافظة على كراسي حكم لا يستحقونها.
يجد الشّرق الأوسط نفسه اليوم أمام تحوُّل حاسم.
فعلى الفلسطينيِّيْن والإسرائيليِّيْن أنْ يعتمدوا ويُقرِّروا حلاً بين حلول سياسيَّة عديدة:
- تعايش بين دولتَيْن جارتَيْن، إسرائيل وفلسطين؛
- اتِّحاد إسرائيلي ـ فلسطيني حسب النّموذج السّويسري؛
- دولة إسرائيليَّة ـ فلسطينيَّة ثنائيَّة القوميَّة بعد ضمِّ الأراضي المُحتلَّة[4].
ولكن أيَّاً كان الحلُّ المُتبنَّى، سوف نجد أنفسنا أمام كيانات سياسيَّة مُتعدِّدَة الطّوائف. وهذا يطرح مسألة تعايش أفراد منتمين إلى ديانات مختلفة. وسيكون السّلام في المنطقة حين ذاك مرهوناً باحترام متبادل للحقوق، دون أيِّ تمييز. وخصوصاً على أساس الانتماء الدِّيني.
هذا الشّرط كان حاضراً عام 1948، في أذهان واضعي "إعلان إقامة دولة إسرائيل"، وإن لم يقصدوا أبداً احترامه. كما أنَّه حاضر في أذهان القادة الفلسطينيِّيْن. فقد أكَّد ياسر عرفات أمام المجلس الأوروبي في ستراسبورغ في 13 أيلول 1988، أنَّ الدّولة الفلسطينيَّة المستقبليَّة سوف تكون جمهوريَّة ديمقراطيَّة مُتعدِّدة الأحزاب، وسوف تحترم "الإعلان العالمي لحقوق الإنسان"، وسوف لن تمارس التّمييز بين مواطنيها على أساس اللَّون أو العرق أو الدّيانة[5]. وقد أُعيد تأكيد ذلك في إعلان استقلال الدّولة الفلسطينيَّة الذي نُوديَ به في الجزائر في 15 تشرين الثّاني 1988؛ حيثُ قيل فيه إنَّ هذه الدّولة تقوم على أساس
العدل الاجتماعي والمساواة وعدم التمييز في الحقوق العامة على أساس العرق أو الدين أو اللون أو بين المرأة والرجل في ظل دستور يؤمِّن سيادة القانون والقضاء المستقل وعلى أساس الوفاء الكامل لتراث فلسطين الروحي والحضاري في التسامح والتعايش السمح بين الأديان عبر القرون[6].
على أيِّ حال لا يمكن للمرء أنْ يرى كيف يمكن العيش بسلام على أرضٍ هي مهد الدّيانات السماوية الثّلاث، دون الاحترام المتبادل للمعتقدات من قبل الجميع.
تكفل الحريَّة الدِّينيَّة حقَّ الانتماء إلى ديانة معينة وممارسة الشعائر المنصوص عليها في تلك الدّيانة. وبالإضافة لذلك فهي تُحرِّم أيَّ تمييز بسبب الدِّين. هذا ما تؤكده الفقرة الثالثة من المادة الأولى من ميثاق الأمم المُتَّحدة والفقرة الأولي من المادة الثانية من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. وهذه الفقرة تقول:
لكل إنسان حق التمتع بجميع الحقوق والحريات المذكورة في هذا الإعلان، دونما تمييز من أي نوع، ولا سيما التمييز بسبب العنصر، أو اللون، أو الجنس، أو اللغة، أو الدين، أو الرأي سياسياً وغير سياسي، أو الأصل الوطني أو الاجتماعي، أو الثروة، أو المولد، أو أي وضع آخر.
وتضيف المادة 18 من هذا الإعلان:
لكل شخص حق في حرية الفكر والوجدان والدين، ويشمل هذا الحق حريته في تغيير دينه أو معتقده، وحريته في إظهار دينه ومعتقده بالتعبد وإقامة الشعائر والممارسة والتعليم، بمفرده أو مع جماعة، وأمام الملأ أو على حدة.
وقد جاء في الفقرة الأولى من المادة الرابعة لإعلان عام 1981 بشأن القضاء على جميع أشكال التعصب والتمييز القائمين على أساس الدين أو المعتقد:
تتخذ جميع الدول تدابير فعالة لمنع واستئصال أي تمييز، على أساس الدين أو المعتقد، في الاعتراف بحقوق الإنسان والحريات الأساسية في جميع مجالات الحياة المدنية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية، وفي التمتع بهذه الحقوق والحريات.
في 14 أيار 1948، وقَّع 37 عضواً في مجلس الشّعب المُؤقَّت إعلاناً يُصرِّحون فيه:
نحن أعضاء مجلس الشعب ممثلي الجالية اليهودية في أرض إسرائيل والحركة الصهيونية ... نجتمع لنعلن بذلك قيام الدولة اليهودية في أرض إسرائيل والتي سوف تدعى "دولة إسرائيل". وسوف تفتح دولة إسرائيل أبوابها أمام الهجرة اليهودية لتجميع شمل المنفيين وسوف ترعى تطور البلاد لمنفعة جميع سكانها دون تفرقة في الدين أو العنصر أو الجنس. وسوف تضمن حرية الدين والعقيدة واللغة والتعليم والثقافة. وسوف تحمي الأماكن المقدسة لجميع الديانات وسوف تكون وفيّة لمبادئ الأمم المتحدة[7].
هذا الإعلان، المُسمَّى بطريقة مغلوطة إعلان قيام دولة إسرائيل، هو في الواقع إعلان إنشاء دولة يهوديَّة على أرض إسرائيل، كما ورد في التّمهيد. وهو يسكت عمداً عن حدود هذه الدّولة، تلك الحدود التي لم تُحدَّد أبداً بعد ذلك.
إنَّ الجزء المُتعلِّق بمساواة الحقوق ليس له أيَّة قيمة قضائيَّة بما أنَّ هذا الإعلان لم يُصوَّت عليه أبداً، ولم يُقرُّه الكنيست[8]. وفوق ذلك لقد تمَّ تبنِّي قانون في 23 تموز 1980، مفاده:
عندما تواجه المحكمة مسألة قانونيَّة تتطلَّب قراراً، ولا تجد إجابة عنها في القانون، ولا في القضاء، أو ما يماثله، فيجب عليها أنْ تتَّخذ قرارها على ضوء مبادئ الحريَّة والعدالة والسّلام القائمة على تراث إسرائيل[9].
وأثناء المجادلات المُتعلِّقة بهذا القانون أشارت شولاميت آلوني في الكنيست إلى إنَّ تراث إسرائيل يتضمَّن أيضاً "الهلاخا" (وهي قواعد دينيَّة يهوديَّة) والتي تُؤكِّد على ما يلي:
أنتم فقط اليهود تُدعَون كائنات بشريَّة. أمّا أمم العالم فليسوا كائنات بشريَّة. وعليه فإنَّه غير مطلوب أنْ تمدَّ يد العون لغير يهودي إذ أن الوثنيُّين لا يُعدّون بشراً. كما أنه ممنوع أنْ تمدَّ يد العون إلى الأغيار/ غير اليهود يوم السّبت، لأنَّ خطر الحياة يلغي موانع السّبت، وذلك في حال تعرُّض الحياة اليهوديَّة للخطر فقط.
وقد اقترحت شولاميت آلوني إضافة عبارة "ما يقرّه إعلان قيام دولة إسرائيل" إلى عبارة "تراث إسرائيل" في القانون المذكور. واقترح نائب آخر إضافة عبارة "ما يقرّه التراث العالمي للبشريَّة". لكنَّ هذَيْن التّعديلَيْن قد رُفضا[10]. هذا وليس لإسرائيل دستور لأن رجال الدين اليهود يخشون أن يتضمن مادة تسن على المساواة بين الناس دون تمييز على أساس الدين. فهم يعتبرون اليهود فوق الجميع. وقد أعلن الحاخام الأشكنازي شلومو غورين أنَّه ضدّ تبنّي قانون مناهض للعنصريَّة لأنَّه يعني إلغاء الحدود الفاصلة بين غير يهود ويهود[11]. وفي عام 1992، تم تبنّي قانون حول كرامة وحرية الشخص، عُدِّل عام 1994، ضمن مجموعة قوانين تأخذ طابعاً دستورياً. ولكن هذا القانون، الذي هو بمثابة إعلان لحقوق الإنسان، لم ينص على حق المساواة، ولا يكفل أي حماية للمواطنين العرب الإسرائيليين ضد التمييز، ولم تصدر المحاكم الإسرائيلية أي قرار مبني على هذا القانون يلغي القوانين أو الممارسات العنصرية التي يعاني منها غير اليهود. لا بل أن المحاكم الإسرائيلية تبرر عامة التمييز ضد غير اليهود وتدافع عن تصرفات الحكومة الإسرائيلية في هذا المجال.
هذا والممارسات والقوانين التي تلت إعلان قيام دولة إسرائيل بيَّنت أكثر من أيِّ برهان آخر أنَّ فاعليها لم يكن لديهم النّيَّة أبداً في أنْ يتقيَّدوا بمبادئ المساواة وعدم التّمييز المُشار إليهما في إعلان قيام دولة إسرائيل.
أعلن بن غوريون عام 1937 ـ وهو أحد مُؤسِّسي إسرائيل ورئيس وزرائها ـ أنَّ فلسطين ليست ملكاً لسُكَّانها آنذاك، وأنَّ هذا البلد يجب ألا يحلَّ مشكلة الأغيار (أي غير اليهود)، إنَّما مشكلة أُمَّة واحدة، وهي يهود العالم كُلِّه[12].
يندرج إعلان بن غوريون هذا في خطِّ برنامج الحركة الصّهيونيَّة التي أسَّسها تيودور هيرتزل عام 1896، والذي كان يهدف إلى أنْ يجعل في فلسطين وطناً لليهود فقط. وقد تم توكيل تنفيذ هذا البرنامج للمجموعات الإرهابيَّة اليهودية التي نذكر منها "الشّتيرن" و"الإرغون" التي عملت على تهجير غير اليهود من ديارهم في فلسطين.
وقد زعمت الحكومة الإسرائيليَّة ولسنين عديدة أنَّ الفلسطينيِّيْن قد هجروا بلدهم بناءً على دعوة من القادة العرب. إلا أن إيرسكين شيلدرز ـ وهو صحفي إنكليزي ـ كان أوَّل مَنْ فَضَحَ في الغرب هذه المغالطة التّاريخيَّة. فقد فَحَصَ المراسلات اللاسلكيَّة المبثوثة في الشّرق الأوسط جميعها في تلك الفترة، فبرهنَ على أنَّ المراسلات الوحيدة التي كانت تُحرِّض الشّعب الفلسطيني على المغادرة هي ذات منشأ صهيوني. كانت هذه البرامج تُطوِّر وتزيد بشكل عمدي من تهديدات الإبادة التي تنتظر كُلَّ مَنْ يبقى في فلسطين[13]. وقد أكَّد مُؤرِّخون إسرائيليُّون (فلابان، وموريس، إلخ) لاحقاً أنَّها القُوَّات المسلَّحة الصّهيونيَّة هي بالتّأكيد مَنْ سبَّبَتْ رحيل الفلسطينيِّيْن من خلال التفجيرات والاعتداءات والمذابح، أشهرها مذبحة دير ياسين، والتي رواها سويسري اسمه جاك دي رينييه، رئيس بعثة الصّليب الأحمر الدّوليَّة عام 1948. فقد كَتَبَ:
كان في تلك القرية 400 إنساناً،خمسون منهم هربوا، وثلاثة لا يزالون أحياء. الباقي كُلُّهم ذُبحوا بمعرفة وتصميم؛ لأنَّني شاهدتُ تلك الزّمرة تقوم بعملها بيدها، ولا تُنفِّذ إلا بأوامر[14].
لقد اقتُرفت هذه المذبحة التي أودت بحياة 350 مدني مُؤلَّفين في غالبيتهم من الأطفال والنّساء والشّيوخ من قِبَلِ الحركتين الإرهابيتين "إرغون" (التي كان يقودها رئيس الوزراء الأسبق ميناحيم بيغن الحائز على جائزة نوبل للسَّلام) و"لِيهي" (التي كان يقودها إسحق شامير، رئيس الوزراء الأسبق)[15].
لم تكن حادثة دير ياسين حادثة فريدة منعزلة. فقد وصل عدد الذابح الإسرائيلية ما بين 1947 ونهاية 1948 ثمانون مذبحة. لكنَّ المعلومات بخصوص تلك المذابح لم تتسرّب إلا تدريجياً. فقد ذكرت صحيفة دافار الإسرائيليَّة فقط في 6 أيلول 1979، المذبحة التي اقتُرفت عام 1948، في قرية دويمة التي كان تعداد سُكَّانها 2700 نسمة[16]. وحتّى تحد من تسرب المعلومات عن هذه المذابح قرّرت إسرائيل عام 1985 الحجز على الوثائق المتعلقة بهجرة غير اليهود عشرين سنة أخرى[17].
هذا وقد صدر إعلان من ميناحيم بيغن في الولايات المُتَّحدة في صيف 1948، يشير كيف جرت الأحداث:
في الشّهر الذي سبق نهاية الانتداب قرَّرت الوكالة اليهوديَّة أنْ تقوم بمهمَّة صعبة وهي إخراج العرب من المدن قبل جلاء الفصائل البريطانيَّة ... وقد توصَّلت الوكالة اليهوديَّة إلى اتِّفاق معنا (إرغون) حتَّى نُنفِّذ هذه التّدابير بينما كانت هي تستنكر كُلَّ ما كُنَّا نفعله زاعمة أنَّنا عناصر مُنشقَّة كما كانت تفعل عندما كُنَّا نحارب الإنكليز. فعندها ضربنا بقُوَّة، وزرعنا الرّعب في قلب العرب، وبذلك أتممنا طرد السُّكَّان العرب من المناطق المُخصَّصة للدّولة اليهوديَّة[18].
استمرَّ ترحيل غير اليهود حتَّى بعد توقيع اتِّفاق الهدنة مع البلاد العربيَّة المجاورة. كانت هذه التّرحيلات تتمُّ إمَّا من منطقة إلى أخرى داخل إسرائيل أو من إسرائيل إلى بلد عربي مجاور[19].
وبهذه الإجراءات أفرغت دولة إسرائيل البلد من ثلاث أرباع سُكَّانه غير اليهود[20]، فلم يبقى في إسرائيل من مجمل 850000 فلسطيني إلا 130000، مع أنَّهم كانوا معتبرين في مشروع تقسيم الأمم المُتَّحدة عام 1947، كمواطنين في الدّولة اليهوديَّة. إنَّهم يعيشون الآن جزئيَّاً في 59 مُخيَّماً للاَّجئين، 27 مخيماً منها تتواجد في الأراضي التي احتلتها إسرائيل عام 1967[21].
ما حصل في فلسطين لخَّصه بشكل ليس فيه غموض شمعون بيريز في مقالة صدرت في صحيفة "لوموند" الفرنسية في 23 أيلول 1988:
ها قد مرَّت مئة عام، وقد كرَّست الحركة الصّهيونيَّة نفسها لتحقيق أغلبيَّة يهوديَّة في بلد واحد، بلد الشّعب اليهودي، الدّولة اليهوديَّة. هذا يعني دولة يكون فيها اليهود أغلبيَّة واضحة.
وبطبيعة الحال إذا ما أردنا جعل بلد أكثر سكانه غير يهود لبلد ذو أكثرية يهودية، لا بد من طرد غير اليهود وتدمير قراهم وجلب يهود يحلّون مكانهم. وهذا ما سوف نراه في النقاط التالية.
في وثيقة وُزِّعت في سويسرا في أيلول 1987، لجَمْع 6,000,000 فرنك سويسري لزرع غابة سويسريَّة في منطقة طبريَّا، يشكر الصّندوق القومي اليهودي سلفاً فاعلي الخير الذين بدعمهم "سوف يُسمح بتحويل أرض صحراويَّة إلى منطقة خضراء". هذا جزء من دعاية كاذبة مُنظَّمة بشكل واسع القصد منها ترسيخ الاعتقاد أنَّ فلسطين هي بلد قاحل صحراوي وقد أزهرتْهُ إسرائيل. لكنَّ هذه المُؤسَّسة لا تقول إنَّ تلك الغابات تقع غالباً مكان القرى الفلسطينيَّة المُدمَّرة. فبعد ترحيل الفلسطينيِّيْن دمَّرت دولة إسرائيل معظم القرى، وزرعت مكانها غابات كي تمحو آثارها. مُنحت الأراضي الزّراعيَّة إلى كيبوتزات وإلى موشافات يقطنها يهود فقط. وقد كَتَبَ البروفسور إسرائيل شاحاك في الجامعة العبريَّة في القدس بهذا الصّدد:
إنَّ الحقيقة حول السُّكَّان العرب كما كانت موجودة على أراضي دولة إسرائيل قبل عام 1948، هي أحد الأسرار التي كُتمت بشكل أفضل بكثير من غيرها من الأسرار المُتعلِّقة بالحياة الإسرائيليَّة. فلم يكن هناك لا نشرة ولا أيّ كتاب أو كُتيِّب يُعطي اسمهم أو مكان سُكناهم.
هدف هذا الصّمت بالتّأكيد هو توثيق الخرافة، عن أنَّ البلد صحراء والتي هي مقبولة رسميَّاً. هذه الخرافة دُرِّست وقُبلت في المدارس الإسرائيليَّة، وكُرِّرت للزّوَّار. إنَّ مثل هذا التّزوير للوقائع هو أحد أخطر خروقات القانون الأخلاقي وأحد أهمِّ العقبات التي تقف ضدّ أيِّ إمكانيَّة لإحلال السّلام. سلام لا يكون مبنيَّاً لا على القُوَّة ولا على القمع. وأكثر ما تكمن خطورة هذا التّزوير في رأيي أنَّه مقبول عالميَّاً خارج الشّرق الأوسط. وبما أنَّ القرى العربيَّة قد دُمِّرت بالكامل بما فيها من بيوت وأسوار، وحتَّى القبور والمدافن لم يبق منها حتَّى ولا حجر يمكن رؤيته، فأصبح من السّهل على الزّائر قبول فكرة أنَّه لم يكن هنا سوى صحراء[22].
إنَّ القائمة التي وضعها إسرائيل شاحاك ودَقَّقَهَا كريستوف أولينجير[23] تحتوي على 383 قرية فلسطينيَّة مُدمَّرة، وقد وزَّعها كما يلي:
منطقة القدس |
37 |
منطقة صفد |
76 |
منطقة بئر السّبع |
1 |
منطقة الخليل |
15 |
منطقة الرّملة |
54 |
منطقة غزَّة |
45 |
منطقة طولكرم |
10 |
منطقة يافا |
19 |
منطقة الرّملة |
54 |
منطقة غزَّة |
45 |
منطقة طولكرم |
10 |
منطقة يافا |
19 |
منطقة عكَّا |
25 |
منطقة حيفا |
45 |
منطقة جنين |
6 |
منطقة النّاصرة |
4 |
منطقة طبريَّا |
24 |
منطقة بيسان |
22 |
تُمثِّل هذه القرى المهدمة حوالي 81% من مجموع قرى سَكَن الفلسطينيِّيْن التي كانت موجودة داخل الحدود قبل عام 1967. ويُضاف إليها عدد كبير جدَّاً من القبائل التي طُردت أو ذُبحت والتي أدرج قائمة بها البروفسور شاحاك. وإضافة إلى ذلك فإنَّ غير اليهود في المدن مثل طبريَّا وصفد ومجدل وعسقلان وأشدود وبئر السّبع قد طُردوا بشكل كامل. وفي اللِّدِّ والرّملة ويافا وحيفا وعكَّا طُرد منها غالبيَّة غير اليهود، أمَّا الذين بقوا فقد أُسكنوا بالقُوَّة داخل حارات خاصة بهم[24].
ونشير هنا إلى أن هناك قوائم أخرى تتضمن أعداداً أكبر من القرى الفلسطينية التي هدّمتها إسرائيل. وتقوم مجموعات فلسطينية بجمع المعلومات والصور حول جرائم الحرب الإسرائيلية هذه[25].
وتعتبر حالة قرية برعم، وهي قرية مسيحيَّة في شمال إسرائيل، إحدى تلك القرى المهدمة التي كُتب عنها الكثير. فيروي الأب شكور وهو كاهن روم كاثوليك أصله من برعم، أنَّه عام 1948، كان سُكَّان هذه القرية يستقبلون اليهود الوافدين ليُظهروا لهم أنَّ في هذا العالم أناساً مستعدِّين لاستقبالهم بالتّرحاب والكرم بعد الاضطهادات النّازيَّة. فعندها أمر الجنود الإسرائيليُّون آباء العائلات بلَمِّ مفاتيح المنازل وتسليمهم إياها، وأنْ يغادروا المنازل لمدَّة قصيرة. فنام سُكَّان برعم في الكهوف والمغارات وتحت أشجار الزّيتون لمدَّة أسبوعَيْن. بعدها ذهب آباء العائلات والرّجال البالغون لمقابلة الجنود الإسرائيليِّيْن كي يتمكَّنوا من العودة لأنَّه كان معهم وعد مكتوب من الجيش الإسرائيلي بأنَّه مسموح لهم بالعودة إلى منازلهم بعد أسبوعَيْن، لكنَّهم لم يعودوا بعدها أبداً. لقد رُحِّلوا في سيارات شحن عسكريَّة حتَّى حدود إسرائيل، وهناك طُردوا خارجها. فذهبوا من نابلس إلى عمَّان، إلى دمشق، إلى بيروت، مثلهم مثل مئات الألوف غيرهم من الفلسطينيِّيْن. وقد استطاع بعضهم ـ مع ذلك ـ أنْ يتسلَّلَ خفية عبر الحدود الشّماليَّة لدولة إسرائيل الجديدة حتَّى يلتقوا بنسائهم وأطفالهم. أمَّا الباقون فأٍصبحوا لاجئين.
استمرَّ أهل برعم في المطالبة بحقِّ العودة لبلدهم. لقد ربحوا القضيَّة أمام المحاكم الإسرائيليَّة. ولكنْ حتى يتم إقناعهم أنَّه لا يوجد أيُّ أمل في العودة، أَمَرَ بن غوريون بتدمير القرية في 16 أيلول عام 1953. وفي عام 1987، أيْ أربعون عاماً بعد ترحيل السُّكَّان، زارت مجموعة الحاخام مائير كاهانا القرية، تحت حماية الشّرطة، وذلك من أجل إزالة أثر الصّلبان المنحوتة على أحجار البيوت المُهدَّمة، بهدف إزالة أيِّ علامة مسيحيَّة. وفي شهر أيلول من العام نفسه عادوا كي يُدمِّروا ما بقي من المدرسة، ولكي يُخرِّبوا جزءاً من الكنيسة. وفتحوا قبر الكاهن المتوفَّى منذ ثمانية أشهر، وكان مدفوناً في الكنيسة، فخرَّبوا قبره، ولم يُتَّخذ أيُّ إجراء رادع أو عقوبة من قِبَلِ الحكومة الإسرائيليَّة ضدّ هذه الأعمال الإجرامية.
وغنيٌّ عن القول إنَّه ليس فقط المنازل هي التي زالتْ عن الوجود في القرى الفلسطينية المهدّمة، بل أيضاً أماكن العبادة غير اليهوديَّة. أمَّا التي بقيت فقد امتُهنت ودُنِّست أحياناً. وهكذا تحوَّلت كنيسة أرثوذكسيَّة في عين كارم، وهي مكان زيارة العذراء للقدِّيسة إليزابيث، إلى مراحيض عامَّة[26]، وجامع صفد إلى قاعة عرض للفنون، وجامع قيصريَّة وعين هود إلى مطعم وحانة، وجامع بئر سبع إلى متحف. أمَّا فندق هيلتون في تلّ أبيب وفندق بلازا في القدس والمنتزهات المتاخمة فقد أُقيمت على مقابر مسلمة[27].
لم ينته بعد تدمير إسرائيل للقرى الفلسطينيَّة. يوجد 122 قرية فلسطينيَّة تضمُّ 44000 نسمة غير معترف بهم من قِبَلِ إسرائيل. إنَّها قرى لا تُؤمِّن لها السّلطات الإسرائيليَّة لا ماء ولا كهرباء ولا خدمات طبِّيَّة. إنَّها مُهدَّدَة بالخراب والتّرحيل من قِبَلِ إسرائيل حتَّى يتسنَّى لها بناء منازل جديدة للمهاجرين اليهود[28].
كان من بين الأهداف الرّئيسيَّة للحركة الصّهيونيَّة منذ تأسيسها في نهاية القرن التّاسع عشر هو الاستيلاء على أراضي فلسطين. وبينما كانت هذه الحركة حتَّى أعوام 1948، مُجبرَة على العمل بشكل سرِّيٍّ، متناوبة بين الخدع تارة إلى القمع تارة أخرى، وحتَّى إلى التّهديدات المُقنَّعة، أصبح من الممكن لها أنْ تطلق العنان بشكل حُرٍّ لأطماعها مباشرة بعد إنشاء دولة إسرائيل، وذلك من خلال إصدار عدد من القوانين المتكاملة ضدّ الفلسطينيِّيْن غير اليهود.
أهم هذه القوانين يعود إلى عام 1950، ويتضمَّن ثروات الملاَّكين الغائبين[29]. والذين كانوا يُعَدُّون غائبين، ليس فقط الذين طردتهم دولة إسرائيل أو الذين هربوا من المذابح، إنَّما أيضاً الأشخاص الذين انتقلوا من منطقة إلى أخرى أثناء الاعتداءات، أو من أجل قضاء أعمال. كان يكفي لغير اليهودي أنْ يغادر مكان إقامته لعدَّة أيام فقط حتَّى يُعَدُّ وكأنَّه غائب حتَّى لو عاد إلى منزله خلال تلك الفترة، بل كان يكفي أيضاً أنْ تُقدِّم الإدارة وثيقة مُصدَّقة تُؤكِّد فيها أنَّ هذا الشّخص أو ذاك يُعَدُّ غائباً، وذلك دون أنْ يكون حقيقة كذلك. وأضاف القانون أنَّه لا يمكن للإدارة أنْ تهاجَمَ أمام محكمة من أجل قرارها. كما أنَّ إسرائيل حجزت على أراضي البعض والأموال المنقولة للبعض الآخر، ووضعتها في عهدة وصي يتصرَّف بها كما يحلو له، وكان التصرف دائماً لصالح اليهود. وبحسب الدّليل السّنوي لحكومة 1959، بلغت الممتلكات الرّيفيَّة لملاَّكين غير يهود أُعلن أنَّهم غُيَّاب بـ 300 قرية مهجورة أو مهجورة جزئيَّاً، أمَّا بالنّسبة للأموال المدنيَّة فتتألَّف من 25416 مبنى مع 45497 شقَّة و10729 محل تجاري، وورشة عمل، إلخ[30].
والقانون الثّاني هو نظام طارئ للدِّفاع موروث عن الانتداب البريطاني وأعادت إسرائيل نفوذه. ويسمح البند 125 من هذا التّنظيم للسلطة أنْ تُعلن عن منطقة أنَّها مُغلَقة. وهكذا طردوا القرويِّيْن غير اليهود من قراهم المُعلَنة مناطق ممنوعة أو مُحرَّمة[31].
والقانون الثالث صادر عام 1949، سُمِّي نظاماً طارئا للدّفاع (منطقة آمنة)، يسمح للسّلطة بطرد سُكَّان قرية ما ومنعهم من الدّخول إليها إلا إذا كانوا يهود[32].
والقانون الرابع صادر عام 1949 يسمح لإسرائيل بنزع ملكيَّة أراضي الفلاَّحين غير اليهود بحجَّة أنَّهم أساؤوا استثمارها، وذلك حتَّى يعطوها للكيبوتزات[33].
والقانون الخامس صادر عام 1949 يهدف إلى سدِّ الفجوات التي قد تتضمنها القوانين السّابقة. فهو يسمح للسّلطة بحَجْز أراضي غير اليهود لدواعٍ أمنيَّة أو لأسباب أخرى وإعطائها لليهود[34].
والقانون السادس صادر عام 1953، تَوَّج القوانين الخمسة الأولى. فهو ينَظَّمَ نقل ملكيَّة الأراضي المصادرة بالقوانين السّابقة إلى سلطة التّطوير[35].
نسمع دوماً من يقول إنَّ الفلسطينيِّيْن قد باعوا أراضيهم للوكالة اليهوديَّة وللصّندوق القومي اليهودي. غير أنَّ هذه المُنظَّمات لم تستطع أنْ تتملَّك حتَّى نشوء دولة إسرائيل إلا 936000 دنم (1 دنم = 900 م2) بالحدِّ الأقصى وهو ما يُمثِّل 3,5% من فلسطين تحت الانتداب، أو حوالي 5% من أرض إسرائيل قبل عام 1967. ويُقدِّر الصّندوق القومي اليهودي الأراضي التي يملكها الفلسطينيُّون والتي وقعت بين يدَيْ الدّولة اليهوديَّة بحوالي 88% من مجموع أراضي فلسطين داخل حدود هدنة عام 1949[36].
وقد أنشأت إسرائيل مساكن جديدة، كيبوتزات أو موشاف على الأراضي التي هي ملك للفلسطينيِّيْن غير اليهود. ولا يستطيع غير اليهود الإقامة في هذه المساكن المبنيَّة على أراضيهم، ولا يُقبلون فيها إلا كعُمَّال.
يُعلَّل هذا المنع بمفهوم "فداء الأرض" الذي يُدرَّس في المدارس الإسرائيليَّة جميعها ابتداء من روضة الأطفال. عندما تنتقل أرض لغير يهودي، وتُصبح ملكاً ليهودي تُعَدُّ هذه الأرض وكأنَّها افتُديت في المعنى الدِّيني للكلمة، حتَّى لو أنَّها صودرت بالقُوَّة، وطُرد منها مالكها غير اليهودي. وهذه هي حال الغالبيَّة العظمى من أراضي إسرائيل (حوالي 92%). لا يمكن لهذه الأراضي لا أنْ تُباع ولا أنْ تُؤجَّر لغير يهودي. لا يمكن لأيِّ إنسان غير يهودي أنْ يفتتح فيها تجارة. وإذا انتهك يهوديٌّ هذا المنع يُلاحَق أمام المحاكم. وقد أجَّرَتْ بعضُ الجهات اليهوديّة أراضٍ للفلسطينيِّيْن لكي يزرعوها، فعوقبوا بشدَّة من جرَّاء ذلك. يبقى هذا المنع ساري المفعول في الكيبوتزات أيضاً، المبنيَّة بشكل عامٍّ على أراض انتُزعت من العرب. ومن النوادر التي تذكر في هذا المجال قصة صبيَّة يهوديَّة تقطن كيبوتزاً ومتزوِّجة بشاب فلسطيني، فمنعت من البقاء في هذا الكيبوتز، مع أنَّه يقع في مكان قرية زوجها المُدمَّرة[37].
وقد كَتَبَ إسرائيل شاحاك:
إنَّ الكيبوتزات بما فيها الملحقة بحزب المابام، هي الأكثر عنصريَّة في إسرائيل بعد القوميِّيْن المُتديِّنين؛ لأنَّهم يُخفون عنصريَّتهم بنوع من الخبث المقيت.
ويضيف لو أنَّ مثل تلك الممارسات التّمييزيَّة مورست ضدّ اليهود في بلدان أخرى فإنَّ هذا قد يثير ردود فعل فوريَّة وكثيفة واتهامات بمعاداة الساميَّة. فما هو الفرق إذن؟ يجيب:
في الواقع إنَّ الصّهاينة هنا (في إسرائيل) واللاساميُّون في الخارج يتواجدون في الجهة نفسها من الحاجز. إنَّ دولة إسرائيل والمُنظَّمات الصّهيونيَّة نجحوا هنا بفعل ما فشل اللاساميُّون في فعله في بلدان أخرى[38].
لنشير أيضاً إلى أنَّ مفهوم فداء الأرض ينطبق أيضاً على المستوطنات المُقامَة في الأراضي المُحتلَّة عام 1967. فاليهود فقط يستطيعون أنْ يصبحوا أعضاء في تلك المستوطنات، وأنْ يسكنوا فيها، ويفتتحوا عملاً تجاريَّاً.
إنَّ الطَّرْدَ الكثيف لغير اليهود كان هدفه إفراغ البلد. بعد الطَّرْد اختلقت إسرائيل جهازاً قانونياً لتجلب اليهود حتى يحلوا محل غير اليهود، ولكي تُؤمِّن لهم الأغلبيَّة في البلد.
إنَّ قانون العودة الصادر عام 1950، يمنح كُلَّ يهودي حقَّ الهجرة إلى إسرائيل[39]. وتعديل عام 1970 يُحدِّد: "من أجل مُتطلَّبات هذا القانون، يُعَدُّ يهوديَّاً كُلّ شخص وُلد من أمٍّ يهوديَّة، أو اهتدى إلى اليهوديَّة، ولا ينتمي إلى ديانة أخرى"[40].
ويمنح قانون عام 1952 الجنسيَّة أوتوماتيكيَّاً إلى كُلِّ يهودي كان موجوداً في فلسطين قبل إنشاء دولة إسرائيل وإلى كُلِّ يهودي يأتي بعد إنشائها[41]. وتعديل عام 1971، سمح بمَنْحِ الجنسيَّة الإسرائيليَّة دون ضرورة إلزام المجيء والإقامة في فلسطين[42]. وقد كَتَبَ كلود كلاين عام 1977: منذ تبنِّي هذا التّعديل يبدو أنْ عدَّة مئات من الأشخاص قد استفادوا من هذا الأسلوب الخاصّ جدَّاً لاكتساب الجنسيَّة[43]. ولم يكن مجيء اليهود إلى إسرائيل إراديَّاً دوماً. لقد استُخدمت عدَّة وسائل مختلفة في الضّغوط غير الشّرعيَّة لجذبهم والاحتفاظ بهم داخل إسرائيل. وقد صَرَّحَ آرييل شارون عام 1952:
لن أخجل من القول إنَّه لو كان لديَّ من القُوَّة بقدر ما لديَّ من الإرادة لاخترتُ عدداً من الشّباب الأذكياء والقادرين والمنتمين بشكل كامل للأيديولوجيَّة الصّهيونيَّة، ولكنتُ أرسلتُهُم إلى كُلِّ مكان من العالم: هؤلاء الشّبَّان سوف يخفون هويَّتهم اليهوديَّة، وسوف يقولون ليهود الشّتات: "أيُّها اليهود الدّمويُّون اذهبوا إلى فلسطين.
وأضاف أنَّ النّتائج سوف تكون أفضل بألف مرَّة من التي حصل عليها مُبشِّرونا الذين يتوجَّهون منذ عشرات السّنين إلى آذان صمَّاء[44].
وقد خضع اليهود السّوفييت لمثل هذه الضّغوط. فحتَّى عام 1988، عندما كان يهود الاتِّحاد السّوفييتي السّابق يغادرونه باتِّجاه إسرائيل، كان عليهم أنْ يمرّوا في بلدان ترانزيت. فكان 90% من هؤلاء اليهود يستغلون فرصة هذا المرور حتَّى يذهبوا إلى بلدان أخرى وخصوصاً إلى الولايات المُتَّحدة[45]. ولكنْ، في عام 1988، وُقِّع اتِّفاق بين الولايات المُتَّحدة والاتِّحاد السّوفييتي السّابق وإسرائيل ينصُّ على النّقاط التّالية:
فتح الحدود السّوفييتيَّة لكُلِّ اليهود الذين يودُّون الهجرة.
تصرُّف ذاتي حُرّ تامّ لإسرائيل ومُنظَّمات الشّتات اليهوديَّة التي تديرها إسرائيل، وذلك لتنظيم الهجرة.
تقليل الهجرة اليهوديَّة باتِّجاه الولايات المُتَّحدة.
وبعد هذا الاتِّفاق لم يعد يُسمح للمهاجرين من اليهود السّوفييت انتقاء وجهة أخرى غير إسرائيل. فقد كان هؤلاء المهاجرون من الاتِّحاد السّوفييتي السّابق يهاجرون باتِّجاه إسرائيل بوثيقة سفر إسرائيليَّة ليس لها قيمة إلا في إسرائيل. وعند وصولهم إلى هذا البلد يجب عليهم أنْ يُوقِّعوا على سجلٍّ من الوكالة اليهوديَّة يصبح وثيقتهم الرّسميَّة. وكُلُّ ما يجب عليهم تجاه الدّولة العبريَّة مُسجَّل في داخلها. كما أنَّهم يتوجَّب عليهم الالتزام خطّيَّاً بتسديد كُلِّ مبلغ يُصرف من أجلهم، أو يُعطى لهم بما فيها مصاريف سفرهم.
وعندما يصل هؤلاء المهاجرون إلى إسرائيل يكتشفون الحقيقة. لكنْ غالباً ما يكون قد فات الأوان. وخلال العام الذي يلي وصولهم لا يُسمح لهم باقتناء جواز سفر إسرائيلي. ولا يستطيعون مغادرة إسرائيل خلال خمس سنوات اعتباراً من وصولهم، إلا إذا دفعوا تعويضاً باهظاً قيمته ستَّة آلاف دولار عن الشّخص، أي أربعة وعشرون ألف دولار عن عائلة مُؤلَّفة من أربعة أشخاص. والذين يتمكَّنون من مغادرة إسرائيل يُجابَهون برفض استقبالهم من قِبَلِ البلاد الأوروبيَّة. وهكذا فإنَّ يهوداً سوفييت خرجوا من إسرائيل وطلبوا اللُّجوء السّياسي في هولندا، لكنَّ الحكومة الهولنديَّة رفضت ذلك تحت ضغط إسرائيل، ومارست عليهم عمليَّة طَرْد مُستعجَلَة. ففي ليلة 15 ـ 16 كانون الأوَّل عام 1991، حاصرت الشّرطة معسكر بيتريكسوود بواسطة الكلاب، فاصطدمت بمقاومة يائسة. قفز أحد اللاَّجئين من النّافذة حتَّى لا يُرحَّل، فوجد نفسه في المستشفى وجراحه خطيرة. 43 آخرون من رجال ونساء وأطفال قُيِّدوا بالأغلال، ورُحِّلوا بثياب النّوم والبيجاما إلى الطّائرة التي أقلَّتْهُم إلى تلِّ أبيب[46].
إنَّ السّهولة التي يحصل بها اليهودي على الجنسيَّة الإسرائيليَّة تتناقض مع الصّعوبة التي يلاقيها غير اليهودي حتَّى لو كان مولوداً في فلسطين. فلكي يحصل على الجنسية الإسرائيلية يجب على هذا الأخير أنْ يُتمِّم ثلاث شروط مجتمعة منصوص عليها في البند الثّالث من قانون الجنسيَّة:
أنْ يكون مُسجَّلاً في 10 آذار من عام 1952 بصفته قاطناً، وذلك حسب قانون إحصاء السُّكَّان لعام 1949.
أنْ يكون من سُكَّان إسرائيل في 14 تموز عام 1952، تاريخ سريان مفعول قانون الجنسيَّة.
أنْ يكون قد سكن في إسرائيل أو في الأراضي التي أصبحت إسرائيليَّة منذ 15 أيار 1948، حتَّى 14 تموز 1952، أو أنَّه قد دخل شرعيَّاً إلى إسرائيل خلال تلك الفترة[47].
هذه الشروط الجائرة تهدف إلى إلغاء حقِّ العودة وحقِّ الجنسيَّة للفلسطينيِّيْن الذين هربوا من المعارك أو الذين طُردوا. كما أنَّها تستثني أيضاً الفلسطينيِّيْن الذين بقوا في فلسطين ولا يُتمِّمُون الشّروط الثّلاث المذكورة أعلاه. وقد عُدِّل هذا الوضع دون أنْ يختفي تماماً، وذلك فقط عام 1980. أيْ بعد 32 سنة من ولادة دولة إسرائيل[48]. وقد أشار إليعيزر بيري في مناقشة الكنيست أنَّه بحسب قانون الجنسيَّة قبل التّعديل فإنَّ 90% من عرب إسرائيل يمكن عَدُّهم مُنعدمي الجنسيَّة (أو مُشرَّدين). أمَّا التّعديل المُوافَق عليه عام 1980، والمُعقَّد جدَّاً، يمكن أنْ يُستخدم دوماً ليحرم فلسطينيِّيْن وُلدوا في فلسطين من الجنسيَّة، ولم يغادروا إسرائيل بعد نشوئها[49].
ويضاف إلى مَنْع الحصول على الجنسيَّة الإسرائيليَّة للفلسطينيِّيْن الذين بقوا في البلاد عام 1948، مَنْع عودة اللاَّجئين الفلسطينيِّيْن إلى بلدهم. وهذا مخالف للقرارات الدولية وعلى رأسها قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194 بتاريخ 11 كانون الأول 1948 والذي جاء فيه:
إن الجمعية العامة ... تقرر وجوب السماح بالعودة، في أقرب وقت ممكن، للاجئين الراغبين في العودة إلى ديارهم والعيش بسلام مع جيرانهم، ووجوب دفع تعويضات عن ممتلكات الذين يقررون عدم العودة إلى ديارهم وعن كل مفقود أو مصاب بضرر، عندما يكون من الواجب، وفقاً لمبادئ القانون الدولي والإنصاف، أن يعوض عن ذلك الفقدان أو الضرر من قبل الحكومات أو السلطات المسؤولة.
وتصدر تعليماتها إلى لجنة التوفيق بتسهيل إعادة اللاجئين، وتوطينهم من جديد، وإعادة تأهيلهم الاقتصادي والاجتماعي، وكذلك دفع التعويضات.
وقد كان من أحد شروط القرار 273 بتاريخ 1949 الخاص بقبول إسرائيل عضواً في الأمم موافقتها على القرار رقم 194 بتاريخ 11 كانون الأول 1948 السبق الذكر. وتم المصادقة على حقِّ العودة من قِبَلِ الأمم المُتَّحدة في عدّة قرارات لاحقة. ولكن إسرائيل رُفضت دوماً الانصياع لهذا المطلب. وقد أصرَّ الكونت برنادوت الوسيط الخاصّ للأمم المُتَّحدة[50] على حقِّ عودة اللاَّجئين الفلسطينيِّيْن إلى أوطانهم، وكان إصراره أحد أسباب اغتياله من قِبل ثلاثة من قادة مجموعة ليهي الإرهابية والتي كان ضمنها إسحاق شامير رئيس وزراء إسرائيل الأسبق[51].
وقد حاول لاجئون فلسطينيُّون العودة إلى بلادهم عبر الحدود، لكنَّ دولة إسرائيل كانت تطردهم من جديد بعد أنْ تُصادر أموالهم وحليّهم وأوراقهم الثّبوتيَّة. ولمواجهة العدد المتزايد من هؤلاء المُتسلِّلين أُعطيت أوامر للجيش كي يطلق النار على كُلِّ شخص يحاول أنْ يعود إلى بيته[52]. وفي عام 1954، أُصدر قانون ينصُّ على عقوبات صارمة ضدّ المُتسلِّلين وإعادة طَرْدهم. ولم يُطبَّق هذا القانون إلا على غير اليهود الذين يعودون إلى بلدهم الأصلي[53].
ونوضح هنا إلى أن حركات السّلام الإسرائيليَّة المناهضة لسياسة الاحتلال الإسرائيليَّة ترفض الاعتراف بحقِّ العودة للاَّجئين الفلسطينيِّيْن. وهذا هو حال "المركز العالمي للسّلام في الشّرق الأوسط"، الذي يُنظِّم مؤتمرات عديدة حول المسألة الفلسطينيَّة دون التّكلُّم أبداً عن اللاَّجئين. فقد أكّد لي "أريه ياري" المدير الأكاديمي لهذا المركز في أحد المراسلات أنَّه لن يسمح للاَّجئين بالعودة إلى ديارهم، وذلك بغية الحفاظ على الطّابع اليهودي لدولة إسرائيل. ومثل هذا الرفض لحق اللاجئين الفلسطينيين في العودة أكَّداه أيضاً لي كل من آدام كيلير رئيس تحرير صحيفة "إسرائيل الأخرى" The other Israel التي تصدر عن المجلس الإسرائيلي من أجل السّلام الإسرائيلي ـ الفلسطيني (والذي يشترك فيه أوري أفينيري وماتي بيليد)، والأستاذ يوشع من جامعة حيفا وهو عضو في مجموعة مُثقّفين إسرائيليِّيْن مناهضين للسّياسة الإسرائيليَّة[54].
وهذا هو توزيع اللاَّجئين الفلسطينيُّين المُسجَّلين في الأونروا عام 2001[55]:
البلد |
المجموع |
في المُخيَّمات |
عدد المُخيَّمات |
لبنان |
382973 |
214728 |
12 |
سوريَّا |
391651 |
200054 |
10 |
الأردن |
1639718 |
287951 |
10 |
الضّفَّة الغربيَّة |
607770 |
170056 |
19 |
قطاع غزَّة |
852626 |
460031 |
8 |
المجموع |
3874738 |
1332820 |
59 |
هناك من يلوم البلاد العربيَّة بأنَّها تحجز اللاَّجئين الفلسطينيِّيْن في مُخيَّمات حتَّى تستغلَّهم سياسيَّاً، عوضاً عن أنْ تدمجهم. وأصحاب هذه الانتقادات يتجنَّبون التّحدُّث بشأن حقِّ العودة للاَّجئين الفلسطينيِّيْن إلى بلدهم الأصلي، وينسون أيضاً أنَّه في الحدود الحاليَّة التي تسيطر عليها إسرائيل يوجد 27 مخيماً للاجئين، منها 19 مخيماً في الضفة الغربية يعيش فيها 170056 لاجئ فلسطيني، و8 مخيمات في قطاع غزة يعيش فيها 460031 لاجئ فلسطيني. وهؤلاء اللاَّجئون وغيرهم من اللاجئين الذين يعيشون خارج المخيمات يتواجدون على بُعْد بضع كيلومترات من قراهم وأراضيهم الأصليَّة. وهؤلاء اللاجئين الذين يخضعون للسيطرة الإسرائيلية تمنعهم إسرائيل من العودة إلى ديارهم، وجرمهم الوحيد هو أنهم ليسوا يهوداً.
ونسمع غالباً حجَّة غريبة يُردِّدُها الدِّبلوماسيُّون الإسرائيليُّون. يقولون إنَّ إسرائيل قد استقبلت ألوف اليهود العرب. ومن هذا المنطلق يرون أن من واجب البلاد العربيَّة أنْ تأخذ غير اليهود من فلسطين كبديل عن اليهود العرب. إلا أنه هؤلاء الدبلوماسيون يتناسون أن غير اليهود في فلسطين هم في بلدهم الأصلي، ولم يقبلوا أبداً التّبادل بينهم وبين اليهود العرب المُستورَدين. من المُؤكَّد أنَّ اليهود العرب قد خضعوا لابتزازات من قِبَلِ الأنظمة العربيَّة الذين سبّبوا أحياناً رحيلهم. إلا أنَّ إسرائيل تتحمَّل مسؤوليَّة كبيرة في توتر العلاقات بين اليهود العرب وأنظمة بلادهم الأصلية. وقد قامت إسرائيل في دفع هؤلاء اليهود على مغادرة بلادهم وبعضهم حُمِّلوا بالقُوَّة على السّفن[56]، ووصل الأمر بالمخابرات الإسرائيليَّة إلى وضع قنابل في كنيس بغداد ليجعلوا اليهود يعتقدون أنَّهم مُضطَهدون في العراق[57]. أضف إلى ذلك أنَّ الفلسطينيِّيْن لا ينكرون على اليهود من العودة لبلادهم الأصلية.
وتجدر الإشارة أن حق العودة لا يخص فقط اللاجئين الفلسطينيين الذين طردتهم إسرائيل خارج حدودها، بل أيضاً اللاجئين الفلسطينيين المتواجدين داخلها، أي "مهجرو الداخل"، والذين صودرت أملاكهم ومنعوا من العودة إلى قراهم وبيوتهم. وهم يقومون بتنظيم أنفسهم للمطالبة بحقوقهم. وقد عقدوا أول اجتماع عام لهم في 11 آذار 1995 بمنتزه قصر السلام طريق شفاعمرو - طمرة حضره ممثلون عن 29 قرية مهجّرة، وحضره ما يقارب 280 شخصاً. وقد جاء في البيان الذي قدّمته اللجنة القطرية للدفاع عن حقوق المهجرين الى اجتماع جمعيات ولجان المهجرين الذي عقد في مقر جمعية الجليل في مدينة شفاعمرو بتاريخ 19/11/99:
- إننا نحن المهجرين الذين نؤلف حوالي 250,000 نسمة من الأقلية العربية الفلسطينية هنا مواطنون في هذه الدولة لم نهبط عليها من السماء أو نأتي إليها كمهاجرين، وإنما نحن موجودون هنا في وطننا الذي لا وطن لنا سواه. لذا، لا يحق لها أدبياً وأخلاقياً، وسياسياً وقانونياً أن تبقينا مهجرين مشردين في وطننا بعيدين عن قرانا وديارنا. فالشرعية الدولية أقرّت لنا بحق العودة، وحقنا الطبيعي أن نعود.
- إنّنا نحذر من الالتفاف على قضّية المهجرين من قبل حكومة إسرائيل، ونطالبها بفتح هذا الملف الذي لا يمكن أبداً طمسه إن كانت فعلاً تريد السلام. وتمهيداً لذلك نطالبها بإلغاء القانون "حاضر - غائب" وكافة القوانين العنصرية الظالمة وإرجاع المهجرين إلى ديارهم.
- تطالب اللجنة صيانة الأماكن المقدسة في جميع القرى التي دمرت والحفاظ على جميع الأماكن الأثرية.
- نناشد كافة الهيئات السياسية والأطر الوطنية والأهلية وسائر أبناء شعبنا وكل قوى الخير بالوقوف إلى جانبنا. فعودتنا هي تثبيت لنا جميعاً على أرضنا الطيبة.
ومن منطلق كوننا جزء لا يتجزأ من شعبنا العربي الفلسطيني نود أن نعلن عن موقفنا:
- قضية اللاجئين هي لب القضية الفلسطينية، وهي لب النزاع الإسرائيلي - الفلسطيني.
- إن حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى وطنهم وديارهم هو حق مقدس. ولا يتأتى ذلك إلا بتطبيق الشرعية الدولية وأولها قرار 194.
- نحذّر من المؤامرة الكبرى التي تحاك ضد قضية اللاجئين الفلسطينيين من أي طرف كان في السّر أو العلن، وتحت أية حجّة انتهازية كانت. ونقولها بصوت عالي للقاصي والدّاني أن السّلام لن يتحقق أبداً من دون حل قضية اللاجئين وبضمنهم المهجرين في وطنهم حلاً عادلاً يمكنهم من العودة إلى ديارهم[58].
خلال حرب السّتَّة أيَّام، كانت الطّائرات الإسرائيليَّة تطير على ارتفاع منخفض فوق المُخيَّمات الثّلاث للاَّجئين في سهل أريحا، فتسبّبت بهروب 70000 لاجئ فلسطيني باتِّجاه الضّفَّة الأخرى من نهر الأردن. لكنْ بعد الحرب لم يُسمح لهم بالعودة.
ويجب الإضافة إلى أنَّ 140000 فلسطيني قد غادروا الأراضي المُحتلَّة عام 1967. وأسباب رحيلهم مُتعدِّدة. فبعضهم ذهب للالتحاق بأعضاء عائلاتهم الذين كانوا مُتواجدين على الضّفَّة الأخرى من نهر الأردن، وكانوا يخشون الافتراق عنهم. وبعضهم الآخر، على العكس، أُجبر على الرّحيل قَسْراً. ولا نعرف إلا القليل عن هذا الرّحيل. وقد صرح الرّئيس الإسرائيلي هيرتسوك، وكان وقتها حاكم الضّفَّة الغربيَّة، أن رحيل الفلسطينيِّيْن كان طوعيَّاً. وقد خالفه جندي إسرائيلي كان مرابضاً خلال أربعة أشهر على الحدود التي تجتاز جسر اللنّبي على نهر الأردن. كان عمله هو جمع تواقيع اللاَّجئين الذين كانوا يرحلون. فكان يأخذ إبهامهم، ويغطسه في الحبر، ويطبعه على الوثيقة التي تحوي بنداً فحواه أنَّ الموقِّع يغادر البلد طوعيَّاً، ويتنازل عن مواطنيَّته، وليس له أيّ مطالبة تجاه دولة إسرائيل. وكان كُلُّ يوم يصل عشرات الباصات. وقال الجندي إنَّه من بين المغادرين كان هناك بالتّأكيد مَنْ كان يغادر طوعاً، لكنَّه أضاف أنَّ قسماً كبيراً كانوا مطرودين وكان عليهم أنْ يُوقِّعوا أنَّهم مغادرون طوعاً. أمَّا الذين كانوا يرفضون المغادرة، فقد كانوا يُجرّون خارج الباصات بضربات أخمص البندقيَّة وبلكمات الأيدي ويجبرون على بصم وثيقة الخروج. وعندما كان أحدهم يرفض أنْ يعطي يده لكي يُوقِّع، تأتي عصابة من حُرَّاس الحدود وفصائل المظلِّيِّيْن، ويبدأون بضربه. عندها يأخذ الجندي إصبعه بالقُوَّة ويغطسه بالحبر، ويجعله يبصم[59].
ومن بين الإجراءات الإسرائيلية لتفريغ البلد من سُكَّانه غير اليهود ترحيل نساء بدون هويَّات عسكريَّة إسرائيلية، مُتزوِّجات من فلسطينيِّيْن من الأراضي المُحتلَّة. وغالباً ما تكون النّساء قد وُلدنَ في الضّفَّة الغربيَّة، لكنَّهنَّ لم تَكُنَّ موجودات عندما احتلَّتها إسرائيل عام 1967. فَهُنَّ إذن لم يُحصَينَ من قِبَلِ السّلطات الإسرائيليَّة. وبعد ذلك كانت تعود بعض من تلك النّساء إلى قراهن الأصليَّة حين يتزوَّجن أبناء عمومتهنَّ حسب التّقاليد. إلا أن إسرائيل لا تَعُدّهنَّ إلا كزائرات عاديَّات بموجب إذن إقامة مُدَّته ثلاثة أشهر يُحصل عليه بعد دَفْع مبلغ معلوم. وفي أثناء ذلك تتَّخذ النّساء خطوات من أجل لَمِّ شمل العائلة، لكنَّ قليلاً منهنَّ يحصل على لم الشمل للبقاء مع أزواجهنَّ. وبعد الإخفاق الأوَّلي تحاول النّساء البقاء في البلد مُتأمِّلات الحصول على لم شمل العائلة لاحقاً. وتَعُدُّ إسرائيل مثل هذه الإقامة غير شرعيَّة. فَتُرحَّل النّساء مع أولادهنَّ، مُفرِّقة بذلك أعضاء العائلة الواحدة ذاتها. وهذا يحدث غالباً في الليل. فيُفرض مَنْع التّجوُّل وإطفاء الأنوار على القرية، ويحضر الجيش ويعطي المرأة عشر دقائق كي تُجَهَّز للرّحيل مع أولادها. ويُفرض عليها غرامة كبيرة بسبب الإقامة غير الشّرعيَّة. فتصل على جسر اللنّبي ليلاً حيث تنتظر حتَّى الصّباح لكي تمرَّ إلى الضّفَّة الأخرى من نهر الأردن.
ومع أنَّ الرَّقْم الدّقيق للطّلبات المرفوضة منذ 1967، هو رَقْم مجهول، فهناك إحصائيَّات من عام 1990، صدرت عن وزارة الدّفاع تشير إلى أنَّ على الأقلّ 64000 طلباً للجَمْع العائلي قد رُفضوا. وحسب مصادر مختلفة قد طال التّرحيل حوالي 200000 امرأة فلسطينيَّة مع أولادهنَّ[60].
بعد حرب 1967، عملت إسرائيل على تدمير قرى غير يهوديَّة، لكنْ بعدد أقلّ ممَّا فعلته عند تأسيسها.
ففي منطقة اللطرون، أُجبر سُكَّان بيت نوبا ويالو وعمواس على مغادرة قراهم قبل أنْ تسحق الجرّافات المنازل كُلَّها. أمَّا العجائز والمرضى الذين لم يستطيعوا المغادرة فقد قُتلوا أحياء تحت أنقاض بيوتهم. وسُلِّمت أراضيهم وآلاتهم الزّراعيَّة إلى الكيبوتزات المجاورة. وفي مكان هذه القرى زرعت إسرائيل غابة أسمَتْها منتزه كندا من أجل المُتنزِّهين، ومُوِّلت من كرم الاتِّحاد اليهودي الكندي. كَلَّف هذا المنتزه 15000000 دولار حسب البيان الذي يُوزَّع على الزّائرين. أمَّا بالنّسبة للسُّكَّان فلا يُسمح لهم بدفن أمواتهم بالقرب من أجدادهم. بعضهم اتَّخذ درب المنفى باتِّجاه الأردن، وآخرون وُضعوا في مُخيَّمات اللاَّجئين[61]. هذا ويجد القارئ في آخر الكتاب ثلاث صور لقرية عمواس قبل وبعد الهدم أخذها المرحوم الكاهن الفرنسي بيير ميديبييل من الإكليريكية اللاتينية في بيت جالا. كما يجد على الأنتيرنيت صور للجرّافات الإسرائيلية وهي تهدم البيوت وصور أخرى لأهل عمواس وهم يتركون بيوتهم. وقد أخذ هذه الصور جندي إسرائيلي شارك في العركة اسمه جوزيف عونان يسكن في كيبوتز قرب عمواس[62].
ولا تزال إسرائيل اليوم مُستمرَّة بسياستها في تدمير بيوت الفلسطينيِّيْن. وقد خصّصت "لجنة العدل والسلام" في القدس نشرتها في تموز 1989، لهذا الإجراء العقابي. ونورد هنا بعض المقتطفات من هذه النشرة:
بين 9 كانون الأوَّل عام 1987، (بداية الانتفاضة) و31 أيار 1989، يجد في مناطق فلسطين المحتلة ( الضفة الغربية وقطاع غزة )، ما يقارب 8000 شخص أنفسهم بغير مأوى نتيجة لهدم منازلهم أو إغلاقها. وهذه من أقسى الإجراءات التي يتخذها جيش الاحتلال الإسرائيلي كي يضع حدا للانتفاضة الفلسطينية.
وهذه هي الحجج التي تتذرع بها السلطات الإسرائيلية:
1) إن الحجّة الأولى لتبرير هذه الممارسة هي "الأسباب الأمنية". ولقد هدم استنادا إلى هذه الحجّة ما لا يقل عن 199 بيتا، وهذا ما يساوي 28% من الحالات المسجلة من بداية الانتفاضة.
و قد لغمت هذه البيوت أو هدمت بالآليات لان احد الساكنين فيها اتهم أو اشتبه بأنه ألقى قنبلة مولو توف – أو حجرا فقط في بعض الأحيان حتى في حالات لم ينجم عنها أية ضحايا أو أضرار مادية. ولقد هدمت بيوت في بعض الأحيان لا لسبب إلا لان زجاجة حارقة ألقيت بالقرب منها على سيارة عسكرية من غير أن يكون لأصحابها أو للساكنين فيها أية علاقة بالحادث. ولقد نسفت بيوت أخرى لان احد الساكنين فيها اتهم "بالتحريض" من غير أن يحدد مضمون هذا الاتهام تحديدا واضحا. وفي بعض الحالات نفذت بعض عمليات الهدم من غير أن يوقف المتهمون أو بالاحرى من يعتبرون كذلك أو كوسيلة ضغط على العائلات لإرغامها على الإبلاغ عن احد أفرادها الفارين. وفي كثير من الحالات أعطيت أوامر الهدم قبل أن يوجه أي اتهام للمشبوه بهم، لا بل قبل محاكمتهم. وإن مثل هذه الأوامر تنفذ بسرعة للحيلولة دون أي استئناف محتمل. وان هذه السرعة أدت بالفعل إلى ارتكاب عدة "أخطاء" لا يمكن تعويضها.
إن أكثر الحالات وضوحا هي حالة حمد بني شمس من قرية بيتا، وهي القرية التي قتلت فيها فتاة من مستعمرة أيلون مورية برصاصة بندقية احد الحراس الإسرائيليين في السادس من نيسان 1988 أثناء مواجهة بين مجموعة من المتجولين الإسرائيليين القادمين من المستعمرة وسكان القرية. لقد اتهم الرجل وسجن بالرغم من احتجاجاته على انه بريء وقضى في السجن 14 شهرا قبل أن تقبل المحكمة إثبات التغيب عن مكان الحادث الذي قدمه مستخدمه اليهودي والذي أكد أن المتهم كان في مكان عمله لديه عند وقوع الحادث ولقد أخرج أخير من السجن في حزيران 1989 ليجد عند عودته إلى زوجته وابنيه أن بيته نسف حالا بعد الحادث أسوة باثني عشر بيتا من القرية نفسها. من يستطيع أن يعوض وكيف يمكن أن تعوّض مظالم وألام من هذا النوع؟
2) إن الحجة التي كثيرا ما تتذرع بها السلطات الإسرائيلية لتبرير هدم المنازل هي عدم وجود رخصة بناء. في الثمانية عشر شهرا المذكورة لقي 479 بيتا هذا المصير وهذا ما يساوي 67% من الحالات المسجلة.
إن الازدياد الكبير لعدد البيوت التي هدمت بحجة بنائها من غير ترخيص يتسم، قبل كل شيء بالطابع السياسي. لنأخذ على سبيل المثال حالة عبد العزيز شحاتيت من خرسا (منطقة الخليل). إن المذكور هو عامل بناء يناهز عمره الثلاثين، ويعمل مع شركة بناء إسرائيلية في بئر السبع. بعد أن حصل على رخصة بناء لنفسه سنة 1983 راح عبد العزيز وهو أب لخمسة أولاد، يبني بيتا عائليا أثناء عطله فاستغرق البناء خمس سنوات وفي تموز 1987 تلقى رسالة من قسم التخطيط في الخليل بواسطة احد المستوطنين الإسرائيليين واسمه ماركوس، من المستعمرة المجاورة، تأمره بوقف البناء بحجة انه يقع ضمن محيط الأمن لهذه المستعمرة. فاستأنف لدى الإدارة المدنية الإسرائيلية في رام الله التي عينت له محاميا. بعد سنة من الإجراءات حصل المحامي على رفع القضية إلى محكمة العدل العليا. ومع ذلك فقد نسف بيته دون انتظار بدء الدعوى. وفي الخامس والعشرين من نيسان 1988 دفن عمله الذي استغرق خمس سنوات، في 15 دقيقة.
إن التهديد بهدم البيوت غير المرخصة يلّوح به بسهولة لتخويف أو لمعاقبة القرى الملتزمة بالانتفاضة التزاما نشطا. ففي قرية أدنا، في منطقة الخليل – و هي قرية نشطة سياسيا هددت السلطات الإسرائيلية "بكسرها" – تلقت 112 عائلة في أيار 1988 إشعارا بأن بيوتها ستهدم لأنها بنيت "من غير ترخي"
3) أخيرا، هدمت 5% من البيوت "لأسباب غير معينة".
كل هذا يؤدي إلى مجموع 706 بيت هدم و55 بيت شمع أو أغلق ما بين 9 كانون الأول 1987 و31 أيار 1989. بالإضافة إلى ذلك يجب ذكر أكثر من 45 منزلا هدمت بسبب وجودها بالقرب من المنازل المنسوفة[63].
ويستمرُّ التّدمير دون انقطاع. فحتّى 30 حزيران 1991، دمَّرت السّلطات الإسرائيليَّة بشكل كامل 467 منزلاً أو مبنى فلسطينيَّاً لدواعٍ أمنيَّة، وذلك جزئيَّاً أو بشكل كامل، وسدَّت 323 آخرين، ونسفت بالدِّيناميت 1108؛ لأنَّها كانت غير قانونيَّة[64].
ومنذ بداية الانتفاضة الثانية حتى شباط 2002 تم هدم 720 بيت وإلحاق الضرر في 11553 بيت وقد تضرر من هذا الهدم 73600 شخص منذ الانتفاضة الثانية حتى شباط 2003 . كما تم وقلع 34606 شجرة زيتون وأشجار مثمرة أخرى
وخلال الاجتياح الإسرائيلي في شهري آذار ونيسان 2002 تم هدم 881 بيت في المخيّمات وإلحاق الضرر في 2883 بيت وقد تضرر من هذا الهدم 22500 شخص[65].
وقد جاء في التقرير السنوي الثامن من الهيئة الفلسطينية المستقلة لحقوق المواطن لعام 2002:
لقد بالغت قوات الاحتلال خلال عام 2002 في تدمير الممتلكات الفلسطينية، الخاصة والعامة. فقامت بإلحاق الأضرار بما لا يقل عن 2000 وحدة سكنية، هدم منها بشكل كلي أكثر من 900 وحدة. كما هدمت قوات الاحتلال 80 منزلاً تملكها عائلات أشخاص قاموا بتنفيذ عمليات ضد أهداف إسرائيلية أو مطلوبين لقوات الاحتلال. واقتحمت قوات الاحتلال أيضاً أغلب مباني وزارات ومؤسسات السلطة الفلسطينية. فتم خلع أبواب البنايات وتخريب وسرقة محتوياتها. وطال الإعتداء أيضاً مؤسسات المجتمع المدني، التي تعرضت بدورها للاقتحام. كما الحق سير الدبابات والمدرعات على الشوارع والأرصفة أضراراً كبيرة بالبنية التحتية. وتم تدمير آلاف السيارات العامة والخاصة. واستهدف القصف الإسرائيلي المصانع والمنشآت الحرفية، بالإضافة إلى المحلات التجارية. كما دمّر القصف مقرات الأجهزة الأمنية الفلسطينية، بما فيها مقرات الرئاسة، الشرطة، القوات الـ 17 (أمن الرئاسة)، الشرطة البحرية، الأمن الوطني، المخابرات العامة، الأمن الوقائي، والسجون ومراكز التوقيف[66].
ترتفع الآن أصوات عديدة في إسرائيل مطالبة بطرد الفلسطينيِّيْن كُلِّهم من الأراضي التي احتلتها إسرائيل عام 1967. كانت هذه الأفكار قد تطوَّرت سابقاً في صحيفة "دافار" في 29 أيلول 1967، من قِبَلِ "جوزيف فايتس" نائب رئيس مجلس إدارة الصّندوق القومي اليهودي من عام 1951 إلى عام 1973. بالنّسبة له تتألَّف دولة إسرائيل أيضاً من الضّفَّة الغربيَّة وقطاع غزَّة وسيناء ومرتفعات الجولان، ويجب هذه أنْ تبقى دولة يهوديَّة مع أقلِّيَّة بسيطة غير يهوديَّة لا تتجاوز الـ 15%. وأضاف:
بصريح العبارة، يجب أنْ نكون واضحين، إنَّه لا يوجد مكان في البلد لشعبَيْن معاً. فمع العرب لا يمكن لنا أنْ نبلغ هدفنا بأنْ نكون شعباً مُستقلاً في هذا البلد. الحلُّ الوحيد هو أن تكون أرض إسرائيل بدون عرب، على الأقلّ في القسم الغربي من أرض إسرائيل. ولا يوجد وسائل أخرى إلا ترحيل العرب من هنا إلى البلاد المجاورة، ترحيلهم كُلّهم، جميعاً دون أنْ نترك قرية واحدة أو عشيرة واحدة. والتّرحيل يجب أنْ يتمَّ به نحو العراق وسوريَّا وشرق الأردن. ومن أجل هذا الهدف يجب إيجاد المال، كثير من المال. وبمثل هذا التّرحيل فقط يمكن للبلد أنْ يستوعب ملايين من إخواننا اليهود. لا يوجد بديل آخر[67].
لدى يوسف فايتس تسلسل في الأفكار. فهو منذ أيلول 1948، كان يعلن أنَّه يجب التحرش باستمرار باللاَّجئين الفلسطينيِّيْن حتَّى يتم إبعادهم أكثر ما يمكن عن أراضيهم[68].
وفي اجتماع أُقيم في تلِّ أبيب في شباط عام 1988، اقترح الجنرال الإسرائيلي زئيفي لحلِّ قضيَّة فلسطينيِّي الأراضي المُحتلَّة بترحيلهم إلى البلاد العربيَّة المجاورة مُؤكِّداً أنَّه لا يوجد حلٌّ أعدل وأكثر إنسانيَّة من هذا الحلِّ[69]. وقد كَرَّرَ هذا الجنرال مقترحاته عبر الإذاعة الإسرائيليَّة في 28 حزيران 1988[70]. لكنَّه لم يقل كيف ينوي إجراء ذلك إذا رفض الفلسطينيُّون مغادرة بلدهم. كما أنَّه لم يقل أيضاً ما هو الجُرْم الذي ارتكبه هؤلاء الفلسطينيُّون حتَّى يُرحَّلوا من بلدهم الأصلي، كما أنَّه لم يقل ماذا ينوي فعله بأراضيهم وأموالهم. وقد أغتيل زئيفي في 17 تشرين الأول 2001 عندما كان يشغل منصب وزير في حكومة شارون. وما زال حزب "موليديت" الذي أسسه هذا الجنرال يدرج ـ وبوضوح ـ في برنامجه السّياسي ضرورة ترحيل الفلسطينيِّيْن كُلِّهم الذين يعيشون في الضّفَّة الغربيَّة وغزَّة إلى البلاد العربيَّة[71].
وقد تناقلت الأخبار أن لدى مصر تقارير عن تخطيط المسؤولين الإسرائيليِّيْن لتنشيط وتشجيع العمل اليهودي المُتطرِّف ضدّ الفلسطينيِّيْن في الضّفَّة الغربيَّة وغزَّة. وقد اجتمع رئيس الوزراء شامير ووزير الدّفاع رابين مع قادة وجنود مُنظَّمات مثل كاخ، وغوش أمونيم، وأبناء اليهوديَّة، ومجموعة غاد، ومجموعة عنف ضدّ عنف. وقد ناقشوا مُخطَّطات عمل لتخويف الفلسطينيِّيْن وترهيبهم. وقد حصلت هذه المجموعات على ضمانات من جهة السّلطات بأنَّها لن تُلاحَق، حتَّى لو استخدمت العنف لإتمام مهمَّتها[72]. فالموضوع إذاً هو تكرار الاتِّفاق المُبرَم عام 1948، بين مجموعة الإرغون الإرهابية والوكالة اليهوديَّة بغية طَرْد الفلسطينيِّيْن. هذا يُفسِّر كيف أنَّ المستوطنين الإسرائيليِّيْن يقتلون ويجرحون الفلسطينيِّيْن بأسلحة ناريَّة وضعت تحت تصرُّفهم من قِبَلِ الجيش الإسرائيلي.
وتتزايد المخاوف من قيام إسرائيل بطرد العرب من الضفة الغربية يوماً بعد يوم. فسياسة هدم البيوت وقلع الأشجار وتجريف الأرض وتوسيع المستعمرات الموجودة حالياً وبناء مستعمرات جديدة لليهود في الضفة وقطاع غزّة ما هو إلا خطوات تحضيرية تكاد تكون يومية الهدف منها تفهيم غير اليهود بأن لا مكان لهم في هذا البلد وأن عليهم عاجلاً أم أجلاً الرحيل عنها. فنحن إذن على مشارف نكبة جديدة للشعب الفلسطيني. وفي غياب أي رادع عربي ودولي يصد إسرائيل عن تنفيذ سياسة الطرد وبفضل الدعم السياسي والاقتصادي والعسكري الذي تؤمِّنه لها الولايات المتحدة، فلا أحد يعرف إلى أي مدى سوف تذهب إسرائيل في سياسة تفريغ فلسطين من غير اليهود.
هذا ومخطط الترحيل لا يخص فقط الفلسطينيين من الضفة والقطاع بل قد يطول أيضاً عرب إسرائيل الذين يحملون الجنسية الإسرائيلية. فقد قال الوزير افيقدور ليبرمان في كانون الأول 2001 في التلفزيون الإسرائيلي أنه يجب عدم تجاهل الحقيقة التي تكمن في كون عرب إسرائيل يشكلون المشكلة رقم 1 في إسرائيل. وقد طالب بترحيل كل مواطن عربي من إسرائيل إذا ما اعتبر نفسه فلسطينياً. وأضاف أنه لا يعتبرهم مواطنين إسرائيليين[73]. وقد شبّه الجنرال الإسرائيلي العرب في إسرائيل بالسرطان وقنبلة موقوته وتهديد لوجود إسرائيل[74]. وفي 18 كانون الثاني 2001 نشرت صحيفة ههاريتس مقالاً يطالب بخصي عرب إسرائيل وتقديم مبلغ من المال لكل شاب عربي يقبل أن يخصى. كما يطالب بخصي كل موقوف فلسطيني من قِبَل الجيش الإسرائيلي وذلك لجبرهم على الرحيل من وطنهم. ويقترح على الحكومة تطبق سياسة تحديد نسل العرب بطفل واحد كما تفعل السلطات الصينية للحد من عددهم[75].
وفقاً لإحصاءات نهاية عام 2001، يعيش اليوم في إسرائيل 6508800 مواطن من بينهم 1227500 فلسطيني أي ما يوازي قرابة 19% من سكان إسرائيل الحاليين ينتشرون خاصة في ثلاث مناطق هي الجليل في الشمال، والمثلث في الوسط، والنقب في الجنوب. ويتكونون من 100400 مسلم ، 106300 درزي، و، 113100 مسيحي يضاف إليهم 25400 مسيحي غير عربي. وتطلق إسرائيل على الفلسطينيين لقب "عرب إسرائيل"، منكرة عليهم انتماءهم الفلسطيني. كما تدمج في الإحصاءات بين الفلسطينيين واللبنانيين المتواجدين في إسرائيل والذين بلغ عددهم في نهاية عام 2001 3600 شخص[76].
لقد لخّص تقرير الفدرالية الدولية لحقوق الإنسان وضع هذه الأقلية العربية في إسرائيل من خلال عنوانه البليغ: "أجانب في داخل بلدهم"[77]. هذا ما نريد عرضه باختصار في النقاط التالية.
أعلنت دولة إسرائيل منذ نشأتها عن إرادتها بأنْ تكون دولة يهوديَّة. هذا يعني، حسب تعبير شمعون بيريز ذاته: دولة يكون فيها اليهود أغلبيَّة واضحة، وصريحة[78]. وهذا يستتبع كما رأينا طَرْد الأغلبيَّة غير اليهوديَّة. ولذلك فإنه من المستحيل أنْ نتوقَّع من هذه الدّولة أنْ تُعامِل غير اليهود على قَدَم المساواة مع اليهود.
صحيح أنَّ حقَّ التّصويت وحقَّ التّرشيح هو شيء مُتاح ومُؤمَّن لغير اليهود الذين احتُلّوا عام 1948، وكذلك لسُكَّان القدس الشّرقيَّة. لكنَّ هذا الأمر يجب ألا يُضلِّلنا. فالأحزاب السّياسيَّة الإسرائيليَّة كُلُّها هي ذات أيديولوجيَّة صهيونيَّة عدا واحد أو اثنَيْن، وهما ليسا بذات أهمِّيَّة تُعتبر، وكُلُّها توصي وتطالب علناً بالتّمييز ضدّ غير اليهود. وهذه الأحزاب الصهيونية تحصل على أصوات غير اليهود بفضل ضغوط وابتزازات ووعود لمساعدات مادِّيَّة سرعان ما تتبخر بعد الانتخابات. وهذا ما يُفسِّر لماذا أنَّه حتَّى أحزاب اليمين تحصل على أصوات من بين غير اليهود. وعلى سبيل المثال يصوت عدد من فلسطيني القدس الشرقية لصالح شارون ولحزب الليكود لأنهم يعتمدون على المساعدات والتأمينات المالية الإسرائيلية التي لا يمكن للسلطة الفلسطينية أن تقدمها لهم.
يوجد اليوم في إسرائيل أحزابٌ عربيَّة، لكنَّها خاضعة لشرط هو ألا تُعلِن معارضتها للأيديولوجية الصّهيونيَّة. وقد حدّدت المحكمة العليا الإسرائيلية في قرار لها لعام 1988 أن هناك ثلاث نقاط لا يحق للأحزاب التعرض لها وإلا حرمت من خوض الإنتحابات: اعتبار أن إسرائيل ذات أغلبية يهودية، والأولوية الممنوحة لليهود في العودة لإسرائيل، والعلاقة الخاصة بين إسرائيل واليهود في العالم. وعليه لا يمكن معارضة قانون حق العودة لليهود أو المطالبة بحق اللاجئين الفلسطينيين بالعودة لديارهم.
وتتعرض هذه الأحزاب للتحرشات مثل أيِّ حزب يحظى بتأييد غير اليهود كالحزب الشيوعي الإسرائيلي. وتتم التحرشات عادة قبل الانتخابات. فمثلاً أُجريت محاكمة في 28 حزيران 1988، ضدّ سبعة أعضاء من اللَّجنة التّنفيذيَّة في اللاَّئحة التّقدُّميَّة من أجل السّلام، وكُلُّهم غير يهود من النّاصرة، وذلك بتهمة دَعْم الحركات الإرهابيَّة، وذلك بسبب مقالة غير مُوقَّعة نُشرت في حزيران 1985، في صحيفة إسرائيليَّة باللُّغة العربيَّة. وفي تلك الأثناء استُدعي عشرات من غير اليهود من هذا الحزب، واستُجوبوا من قِبَلِ جهاز الأمن الذي نصحهم أنْ يناضلوا في أحزاب أخرى. ومن جهة أخرى، فإنَّ الأموال الممنوحة لهذا الحزب من أجل حملته الانتخابيَّة جُمِّدت حتَّى قرار اللَّجنة المركزيَّة للانتخابات (المُؤلَّفة فقط من يهود) والتي لم تتدخَّل إلا في 8 تشرين الأوَّل 1988. وجرت الانتخابات الإسرائيليَّة في الأوَّل من تشرين الثاني 1988[79].
وآخر ما شهدته تلك الأحزاب من تحرشات هو ما جرى قبل انتخابات عام 2003 حيث حاولت لجنة الانتخابات منع كل من عزمي بشارة وأحمد طيبي من الترشيح. وقد أجبرا لرفع دعوى للمحكمة الإسرائيلية العليا التي سمحت لهم بذلك، مما أثار ضغينة أحزاب يهودية متطرفة تسعى لطرد العرب من فلسطين وحرمانهم من حقوقهم[80]. هذا ونشير إلى أن الأحزاب العربية الثلاثة لم تحصل إلا على ثمانية مقاعد من مجمل 120 مقعداً يتكون منها الكنيست الإسرائيلي رغم أن العرب يمثلون قرابة 20% من سكان إسرائيل. هذا وليس لأعضاء الكنيست العرب أيُّ مقدرة للتّأثير على السِّياسة الإسرائيليَّة: فلا يحق لهم أنْ يشاركوا باللِّجان البرلمانيَّة لمُجرَّد أنَّهم غير يهود. ومن هذا الواقع يمكننا أنْ نقول إنَّ مشاركتهم في الكنيست ليس لها إلا دور واحد وهو إعطاء صورة ظاهريَّة وهميَّة لديمقراطيَّة دولة إسرائيل. أضف إلى ذلك أن أعضاء الكنيست العرب كثيراً ما يكونوا عرضة للاعتداءات المتعمّدة من قبل الشرطة الإسرائيلية في المظاهرات التي يشتركون فيها، خاصة عند مصادرة السلطات الإسرائيلية للأراضي المتبقية في يد الفلسطينيين[81]. وقد قامت إسرائيل في 15 أيار 2002 بتعديل قانون الأحزاب السياسية وقانون الكنيست وقانون الانتخاب معطية سلطات أوسع للجنة الانتخابات المركزية لحرمان أفراد أو أحزاب من المشاركة في الانتخابات إذا ما اعتبرت أنهم يرفضون الطابع اليهودي لدولة إسرائيل أو يدعمون الكفاح المسلح ضد إسرائيل أو يساندون منظمات إرهابية. ولا يحق للأحزاب من اللجوء للمحاكم لنقض قرار اللجنة المذكورة. وقد وزع أحد نواب الكنيست اليهود في كانون الثاني 2001 ورقة للنواب اليهود يطالبهم فيها بترك القاعة كلّما صعد أحد النواب العرب على المنصة للتكلم وقد برر ذلك بأن البرلمان البريطاني لم يكن ليسمح لنواب المان في التكلم فيه خلال الحرب العالمي الثاني.
هذا والتمثيل العربي في الجهاز التّنفيذي والقضائي يكاد يكون معدوماً:
- لم يصبح أيُّ واحد غير يهودي رئيساً، أو رئيس وزراء، أو وزيراً.
- لم يُعيَّن أيُّ واحد غير يهودي كسفير لإسرائيل.
- حتى عام 1999 لم يكن هناك أي قاض عربي في المحكمة العليا الإسرائيلية. ففي ذاك العام تم تعيين عبد الرحمن الزعبي كقاضي بالإنابة وقد إنتهت مهمته. وفي عام 2003 تم تعيين سليم جبران كقاض عربي تحت التجربة وقد يصبح أول قاض عربي دائم إذا نجح في مرحلة التعيين التجريبي.
ولفَهْم الطّابع التّمييزي لهذا النّهج، يكفي أنْ نرى الوظائف التي يشغلها اليهود في فرنسا والولايات المُتَّحدة رغم صغر عددهم حيث لا يتجاوزون 2% من عدد السُّكَّان في هذَيْن البلدَيْن. ماذا يمكن أنْ يقول اليهود في هذَيْن البلدَيْن لو أنَّهم حرموا من وظائفهم المشار إليها أعلاه، بسبب ديانتهم؟
قامت إسرائيل بمصادرة أراضي الفلسطينيين بعد تشريدهم ووضعتها تحت تصرف اليهود فقط من خلال أجهزة خاصة مثل الصندوق القومي اليهودي والوكالة اليهودية، كما تقوم باستمرار بوضع يدها على ما تبقى من أرض بيد الفلسطينيين المتواجدين في إسرائيل. وهذا بطبيعة الحال أدّى إلى الضعف المادي للفلسطينيين. أضف إلى ذلك إنَّ 40% من تجمُّعات غير اليهود في إسرائيل لا يعرفون أيَّ نشاط صناعي. فالمعامل الموجودة تُنتج بشكل أساسي ثياباً وموادّ بناء. أمَّا التي في يد العرب الإسرائيليِّيْن فلا تُؤمِّن إلا 6% من اليد العاملة العربيَّة المحلِّيَّة.
وهكذا فإنَّ الغالبيَّة العظمى من اليد العاملة تذهب كُلّ يوم إلى المراكز اليهوديَّة لتعمل في البناء والصّناعة الخفيفة أو كخَدَم وطبَّاخين أو في التّنظيفات. أمَّا الفلسطينيُّون الذين يحاولون أنْ يقيموا في المناطق اليهوديَّة حيثُ يعملون، فيواجهون صعوبات كثيرة لإيجاد مالك مُستعدٍّ لأنْ يُؤجِّرهم مسكناً ويصطدمون غالباً بعداء الجيران ـ ولا يُستثنى من ذلك القنابل الحارقة ـ ويتعرضون لمداهمات الشّرطة أو مجموعات اليمين إذا كانوا في الشّارع في وقت مُتأخِّر من الليل. لذلك فأغلبيَّة العُمَّال ليس لهم خيار آخر إلا أنْ يقطعوا المسافة الطّويلة والمُكلفة ذهاباً وإياباً كُلّ يوم.
هناك دراسة للبروفسور نوفيلد من مركز السّلام العالمي في الشّرق الأوسط، تُبيِّن أنَّ 40% من العائلات الفلسطينيَّة في إسرائيل تعيش تحت عتبة الفقر.
وتفاقمَ الفقر الفردي من جرّاء التّمييز الرّسمي بما يخصُّ المعونات البلديَّة ومُخصَّصات الخدمات الاجتماعيَّة. فنقص أموال البلديَّة أدَّى إلى ظروف بائسة. وعلى سبيل المثال فإن الميزانيَّة السّنويَّة لمنطقة مثل "أمِّ الفحم" هي ربع مثيلتها في المنطقة اليهوديَّة، بينما تُساوي ميزانيَّة التّطوُّر العُشْر من معادلتها اليهوديَّة. وقد أشارت صحيفة هاداشوت في 1 نيسان 1988 أنَّه في ميزانية عام 1984 - 1985، حصلت مدينة أراد اليهوديَّة على مالٍ يساوي سبع مرَّات ما حصلت عليه بلديَّة مجّار، وأربع مرَّات أكثر من سخنين وتمرا، وخمس مرَّات أكثر من طيرة، وهي أربع مناطق عربيَّة بالأهمِّيَّة نفسها[82]. يضاف إلى ذلك أن تمويل البلديات مرتبط بحصيلة الضرائب التي تجنيها من الشركات والأفراد. ولكن بسبب تدني المستوى المعيشي للعرب ولعدم وجود شركات مهمّة في القطاع العربي فإن موارد البلديات العربية التي تصرف لاحتياجاتها الاجتماعية متدنية.
وتبين دراسة عن عامي 2001-2002 أن العرب يحصلون 4.9% من ميزانية التنمية رغم أن الوضع في المناطق العربية هو بحاجة أكبر للتنمية بسبب الإهمال المتواصل لتلك المناطق من قِبَل إسرائيل[83].
المعلومات التّالية تُبيِّن الفرق بين الوضع الاقتصادي اليهودي والوضع العربي في إسرائيل:
- وفيات الأطفال: هي 8/1000 بين اليهود مقابل 15/ 1000 بين العرب.
- عُمَّال اجتماعيِّون: يوجد عامل اجتماعي واحد لـ 1800 يهودي مقابل عامل اجتماعي واحد لـ 5000 عربي.
- معونات الأمومة: 56% من الأُمهَّات اليهوديَّات تحصَّلْنَ عليها ضدّ 6% من الأُمَّهات العربيَّات.
- معونة تأمين للأطفال: يحصل اليهودي أكثر من ضعف العربي.
- كثافة السّكن بالوحدة: 1.06 أشخاص لليهود مقابل 2.04 للعرب.
- بناء: 1% فقط من المشاريع المُنفَّذة من قِبَلِ وزارة الإسكان تُنفَّذ في المناطق العربيَّة[84].
وقد أدّت هجرة اليهود السّوفييت إلى إسرائيل إلى تدنّي الوضع الاقتصادي لغير اليهود. فنتيجة لهذه الهجرة يتم تّجريد ونَزْع الملكيَّة المُكثَّف لما بقي من أراض بين أيدي العرب. وهناك مُخطَّطات تهدف إلى زرع عدد كبير من المهاجرين الجُدُد مكان القرى العربيَّة غير المُعترَف بها والمحكوم عليها بالهدم (لقد أُحصي منها 122 حاليَّاً، وفيها 44000 نسمة). وحسب المُخطَّطات الرّسميَّة للحكومة، سوف يرافق هذا التدمير ترحيل 46000 نسمة أو أكثر باتِّجاه التّجمُّعات العربيَّة الكبيرة، مما سوف يزيد مشكلة السُّكَّان العرب سوءاً على سوء[85].
وتشير المعلومات بأن نسبة عرب إسرائيل في الوظائف العامة لا تزيد عن 6%. وتتذرع إسرائيل في أن عدداً من تلك الوظائف تشترط الخدمة العسكرية التي لا يقوم بها إلا عدد قليل من العرب، خاصة من الدروز، رغم أن لا علاقة بتلك الوظائف بالخدمة العسكرية. ويشار هنا إلى أن المتدينين اليهود يعفون أيضاً من الخدمة العسكرية ولكن لا يلاقون المتاعب مثل العرب في الحصول على الوظائف العامة والمعونات الاقتصادية.
وهذه الأرقام الخاصة بنسبة الموظفين العرب في الدوائر الحكومية تبين التمييز ضد غير اليهود في إسرائيل وفقاً لتقرير جمعية إسرائيلية عن عامي 1999-2000: 2.5% بوزارة البيئة، 6.3% بوزارة الصحة، 0.6% بوزارة الأمن المحلي، 1% بوزارة التشييد والإسكان، 4.8% بوزارة التعليم، 4.2% بوزارة الزراعة والتنمية الريفية، 4.3% بوزارة العلوم والثقافة والرياضة، 1.7% بوزارة العدل و 4.5% من القضاة، 4.8% بوزارة العمل، 7% بوزارة الشؤون الدينية، 2.8% بوزارة الشؤون المنزلية، 0.9 بوزارة السياحة، 0.76% بوزارة الصناعة والتجارة، 0% بوزارة الاتصالات ووسائل الإعلام. والوضع في الشركات الحكومية أكثر سوءً. فالشركة القومية للكهرباء يعمل فيها 6 موظفين عرب من بين 13000 موظف في عام 1998[86].
وتقدر نسبة الموظفين الحكوميين العرب في إسرائيل 5.7% من مجموع موظفي الدولة، حسب التقرير الرسمي لشهر نيسان 2001، وهذه الأرقام تتضمن موظفي الوزارات فقط ولا تتضمن الموظفين في الشركات الحكومية، والتعليم والخدمات الحكومية والتأمين الوطني وهيئات الحكومة الأخرى. ومن بين 668 رئيس شركات حكومية لا يوجد إلا 22 عربيي أي بنسبة 3.29%[87].
جاء في المادة 27 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية:
لا يجوز، في الدول التي توجد فيها أقليات اثنية أو دينية أو لغوية، أن يحرم الأشخاص المنتسبون إلى الأقليات المذكورة من حق التمتع بثقافتهم الخاصة أو المجاهرة بدينهم وإقامة شعائره أو استخدام لغتهم، بالاشتراك مع الأعضاء الآخرين في جماعتهم.
تجعل الأيدلوجية الصهيونية لدولة إسرائيل احترام هذا المبدأ بالغ الصعوبة لأنها تعتبر الدولة بمثابة الوطن القومي لليهود جمعاء. فهذه الدولة تستمد قيمها من التراث الديني اليهودي الذي هو بطبيعته تراث عنصري يعطي لليهودي الألوية كما هو الأمر في مجال اللغة والتعليم والأعياد الرسمية ووسائل الإعلام.
في مجال اللغة، تعتبر اللغة العربية مثلها مثل اللغة العبرية لغة رسمية. ولكن في الواقع تهيمن اللغة العبرية. فالقوانين واللوائح الوزارية وقرارات المحاكم لا تصدر إلا باللغة العبرية. وللحصول على الجنسية الإسرائيلية يشترط قانون الجنسية لعام 1952 الإلمام بمعرفة أساسية عن اللغة العبرية، ولا يفرض مشابهة بشأن معرفة اللغة العربية. ولم يبدأ إلا مؤخراً نشر إعلانات بعض الوظائف الشاغرة في القطاع العام وبعض العطاءات للأسواق العامة باللغة العربية.
واللغة العبرية إجبارية لغير اليهود في المدارس العربية في إسرائيل بينما اللغة العربية لغة اختيارية بالنسبة للطلاب اليهود في المدارس اليهودية، مما يجعل من اللغة العربية لغة ثانوية. أضف إلى ذلك أن التعليم في الجامعات الإسرائيلية يتم فقط باللغة العبرية حتى فيما يخص الأدب العربي. مما يجبر العرب في تعلم اللغة العبرية إذا ما أرادوا الالتحاق بتلك الجامعات.
بالإضافة إلى هذا التمييز على مستوى اللغة الذي له انعكاساته على التعليم، هناك تمييز في النظام التعليمي ذاته. وقد لخَّص دبلوماسي غربي التّمييز الإسرائيلي في مادّة التّربية عام 1989 بأربع نقاط:
- تحصل المُؤسَّسات المدرسيَّة العربيَّة في المُخصَّصات على مال أقلّ من المُؤسَّسات اليهوديَّة وأقلّ بشكل واضح من 20% من الميزانيَّة التّربويَّة التي تناسب النّسبة المئويَّة للتّلاميذ العرب بالنّسبة لغيرهم.
- إنَّ برنامج الدّروس تُحدِّده وزارة الدّاخليَّة، وقلَّة قليلة من العرب تُشارك في إعداده.
- إنَّ ساعات التّعليم في الصّفوف العربيَّة هي 16% أقلّ ممَّا في المدارس اليهوديَّة.
- لا يوجد جامعة عربيَّة في الجليل. وكُلُّ المقترحات المُوجَّهة لذلك رُفضت حتَّى اليوم من قِبَلِ مجلس التّربية الأعلى دون أنْ يُعلَّل هذا الرّفض المستمرَّ بشكل واضح[88].
وهذا الوضع لم يتغير حتى اليوم وهو وراء تدنّي نسبة الطلاب العرب في الجامعات الإسرائيلية التي تصل إلى 6% من عدد طلابها بينما نسبة العرب في إسرائيل تصل إلى قرابة 20%. ويضاف إلى الأسباب السابقة ارتفاع رسوم التسجيل الذي يبلغ حوالي 4000 دولار سنوي. وهذه العقبة لا يمكن للطالب العربي التغلب عليها إلا بحصوله على منح دراسية، ولكن ذلك مشروط بأداء الخدمة العسكرية وهو شرط لا يتمّه العرب الذين لا يخدمون في الجيش الإسرائيلي. وهذا أسلوب غير مباشر لممارسة التمييز ضد غير اليهود في إسرائيل.
ومن غير المدهش في هذه الأوضاع أنْ تكون نسبة العزوف عن الدّراسة في القطاع العربي هي 46% مقابل 6,3% في القطاع اليهودي. ونشير أيضاً إلى أنَّ 6,5% من المُدرِّسين في إسرائيل هم عرب، بينما عدد السُّكَّان العرب يُشَكِّل 17% من مجموع السُّكَّان العامّ[89]. من جهة أخرى فإن 20% من الطّلاَّب العرب يحصلون على التّعليم المهني مقابل 60% من الطّلاَّب اليهود[90].
وتبين دراسة مقارنة بين وضع التلاميذ العرب في سخنين العربية والتلاميذ اليهود في مسقاف اليهودية لعام 2001 أنه يتوفر كومبيوتر لكل 56 طالب عربي مقابل كمبيوتر واحد لكل 10 طلاب يهود، وأن عدد الأطفال العرب في دار الحضانة العربية يبلغ 33 طفلاً مقابل 21 طفل عربياً في دار الحضانة اليهودية[91]. كما تبين دراسة أخرى عن عامي 2001-2002 أن العرب يحصلون من وزارة العلوم والثقافة والرياضة على 4%% من ميزانية النشاطات الثقافية، وعلى 6.2% من ميزانية النشاطات الرياضية، وعلى 0.7% من ميزانية الأبحاث والتنمية. ويشير هذا التقرير أن المنح الحكومية في هذا المجال لا تعطى على أساس الانتماء القومي، بل على أساس التفوق، وهذا النظام يعمّق الفارق بين العرب واليهود لأن اليهود يتمتعون بإمكانيات تفوق أكبر من العرب، وكان على إسرائيل تخصيص نسبة من الميزانية في هذه المجالات لإعطاء غير اليهود إمكانية التفوق[92].
ولا بد هنا من التركيز على الطابع التمييزي في النظام التعليمي الإسرائيلي حيث يتم تعليم التلاميذ العرب والتلاميذ اليهود في مدارس منفصلة حتى في المدارس الحكومية العامة، ناهيك عن المدارس الدينية. وإن كان دور المدرسة في كل دول العالم هو خلق وحدة بين فئات الشعب، فإن دور المدرسة في إسرائيل هو تكريس الفصل العنصري. أضف إلى ذلك أن المناهج الدراسية حتى في المدارس العربية يتم وضعها من قِبَل اليهود دون مشاركة أو استشارة الجانب العربي.
وفيما يخص الأعياد الرسمية العامة في إسرائيل فإنها الأعياد اليهودية، بينما الأعياد الإسلامية والمسيحية فهي أعياد خاصة يحق لغير اليهود التعطيل فيها ولكن لا تفرض على الجميع، بخلاف الأعياد اليهودية.
وأخيراً نشير إلى أن التلفزيون العام الإسرائيلي لا يكرس أكثر من 2.5% من برامجه باللغة العربية.
يجب إجراء تمييز واضح بين اليهود الذين يسكنون المستوطنات في الأراضي المُحتلَّة وبين فلسطينيِّي هذه الأراضي.
يُعَدُّ المستوطنون اليهود مواطنين إسرائيليِّيْن، وينعمون بالحقوق كُلِّها التي ينعم بها يهود إسرائيل. فهم يستطيعون أنْ يُصوِّتوا، وأنْ يُنتَخبوا.
أمَّا بالنّسبة للفلسطينيِّيْن في الأراضي المُحتلَّة فهم محرومون من أيِّ حقًٍّّ سياسي، إنْ على الصّعيد الإسرائيلي أو على صعيد الأراضي التي يقطنونها. ليس لهم الحقُّ بتأليف أحزاب سياسيَّة. وهم مُحتَلُّون عسكريَّاً منذ 1967. فهم لا يخضعون لقوانين وضعتها إسرائيل فقط، إنَّما هذه الدّولة ترفض أنْ تمنحهم الحماية المنصوص عليها في اتِّفاقيات جنيف. حتَّى انتخابات البلديَّة ممنوعة عليهم. مرَّة واحدة فقط عام 1976، أُعطي هؤلاء السُّكَّان حقَّ انتخاب مخاتيرهم، لكنْ دولة إسرائيل أسرعت بإقالتهم من مهامِّهم واستعاضت عنهم بأشخاص ترضى هي عنهم. أمَّا المخاتير المُنتَخَبون فرُحِّلوا أو اضطُهدوا.
وقد كان هناك أمل عند الفلسطينيين بعد المفاوضات السرية الإسرائيلية الفلسطينية في أوسلو عام 1993 بأن يحصلوا تدريجياً على حقوقهم السياسية على الأرض التي احتلتها إسرائيل عام 1967. فقد حصل كل من قطاع غزّة ومدينة أريحا على الحكم الذاتي في تاريخ 4 أيار 1994. وعاد ياسر عرفات إلى غزّة في تموز من نفس العام. وقد تم إنسجاب الجيش الإسرائيلي من ثماني مدن فلسطينية عام 1995 وأقيمت انتخابات فلسطينية لأول مرّة عام 1996 انتخب فيها ياسر عرفات كرئيس للسلطة الفلسطينية. ولكن على إثر اغتيال رابين في تشرين الثاني 1995 من قِبل متطرف يهودي معارض للتنازلات الإسرائيلية، بدأ العد التنازلي لنهاية الأمل عند الفلسطينيين في ظل حكومات إسرائيلية يمينية متطرفة. وقد انتهى الأمر بتدمير البنية التحتية للسلطة الفلسطينية ووضع ياسر عرفات تحت الحصار في مبنى المقاطعة في رام الله وإعادة احتلال المدن الفلسطينية من قبل الجيش الإسرائيلي في شهر آذار 2002. وها نحن اليوم نشهد نهاية حكم ياسر عرفات الذي أجبر من قبل إسرائيل والدول الغربية والعربية على التخلي عن سلطته لصالح رئيس وزراء غير منتخب وهو أبو مازن الذي تأمل إسرائيل أن يكون أكثر طواعية في يدها من ياسر عرفات.
هنا، يجب أنْ نميِّز من جديد وبشكل واضح وصريح بين اليهود الذين يقطنون المستوطنات في الأراضي المُحتلَّة وفلسطينيِّي هذه الأراضي.
فالمستوطنون اليهود يستفيدون من الميزات كُلِّها التي ينالها اليهود في إسرائيل، وخصوصاً في ميدان التّأمينات الاجتماعيَّة. وفوق ذلك عندهم ميزات على صعيد المعونات الماليَّة والقروض الهادفة إلى تشجيعهم على استيطان الأراضي المُحتلَّة. هذه المعونات وهذه القروض تتحوَّل غالباً إلى هبات.
ويعيش حاليَّاً في الأراضي المُحتلَّة حوالي 1800000 عربي وحوالي 100000 مستوطن يهودي. وقد صادرت إسرائيل حوالي 60% من الأراضي لمصلحة هؤلاء المستوطنين، وتستمرُّ المصادرات كُلّ يوم. تُخصَّص الأراضي المُصادَرة لليهود فقط. فممنوع على الفلسطينيِّيْن سواء كانوا من الأراضي المُحتلَّة أو من داخل إسرائيل أنْ يشتروا أو يسكنوا فيها، أو يفتحوا محل تجارة تجارة في الأرض التي تصادرها إسرائيل. ويُعَلَّلُ هذا المنع بمعتقد فداء الأرض والذي يعني ضرورة نقل ملكيَّة الأرض من غير اليهود إلى اليهود ولو بالقُوَّة.
وأصبح الآن مشكلة اقتصاديَّة كبيرة تطرح نفسها بسبب وضع يد السّلطات الإسرائيليَّة على منابع المياه الفلسطينيَّة في الأراضي المُحتلَّة. فقد أمَّنت السّلطات سيطرتها دون منازع على هذه المنابع المائيَّة عند الاحتلال عام 1967.
ونشاهد اليوم ما يلي:
- 80% من مياه الضّفَّة الغربيَّة وقطاع غزَّة يستعملها المستوطنون الإسرائيليُّون، أو تُحوَّل إلى إسرائيل.
- يستخدم المستوطنون في الضّفَّة الغربيَّة عشرة أضعاف كميَّة المياه التي يستخدمها السُّكَّان الأصليُّون.
- يدفع المستوطنون ثمن المتر المُكعَّب للمياه الزّراعيَّة بنسبة 10%، بينما يدفع الفلاَّحون الفلسطينيُّون نسبة تعسُّفيَّة تصل من 34 إلى 60%.
- يمنح نادراً إذناً لحفر الآبار إلى الفلسطينيِّيْن، بينما يسمح للمستوطنين أنْ يحفروا بحريَّة وأحياناً بعمق كبير بحيث تنضب منابع وآبار الفلسطينيِّيْن التي هي أقلّ عمقاً.
- صُودر أكثر من 60% من أراضي الضّفَّة الغربيَّة، وهذا يتضمَّن مصادر المياه الموجودة فيها.
- في غزَّة التي يعيش فيها 800000 فلسطينيِّ صودر 40% من الأرض لمصلحة المستوطنين اليهود. لقد حدَّدَت السّلطات نسبة رسميَّة من المياه للسُّكَّان الأصليِّيْن تصل إلى 117 م3 بالسّنة. وتنقص المياه بشكل دائم في مُخيَّمات اللاَّجئين. أمَّا المستوطنون الإسرائيليُّون في غزَّة فيستخدمون بالمتوسط 7929 م3 للشخص الواحد سنويَّاً[93].
هذا والوضع الاقتصادي مأساوي بشكل خاصّ في قطاع غزَّة حيثُ يوجد فيض هائل من اليد العاملة. فمن جهة يوجد الكثافة السُّكَّانيَّة الهائلة في مُخيَّمات اللاَّجئين. ومن جهة أخرى فإنَّ مصادرة قسم كبير من الأراضي قد حوَّل العديد من الفلاَّحين إلى عُمَّال غير مُؤهَّلين.
قبل حرب الخليج الثانية كان سوق العمل الإسرائيلي هو الذي يمتصُّ هذا الفائض: 110000 عامل من غزَّة كانوا يذهبون للعمل في إسرائيل. وأثناء الشّهرَيْن اللَّذَيْن تليا اندلاع حرب الخليج الثانية أصبحت الأراضي المُحتلَّة كاملة تحت نظام مَنْع التّجوُّل وإطفاء الأنوار المستمرّ. استغلَّت السّلطات الإسرائيليَّة هذه الفرصة لكي تُبدِّل وبشكل واسع العُمَّال الفلسطينيِّيْن المُستخدَمين في إسرائيل بمهاجرين جُدُد.
وفي الوقت الحالي فقد تقلَّص بشكل كبير تشغيل الفلسطينيِّيْن في الأعمال الإسرائيليَّة: لقد مُنِح لعُمَّال غزَّة من 50 إلى 60000 إذن عمل في إسرائيل. ولكنْ، بسبب صعوبة المواصلات، فإن الذين يتمكنون من العمل فعلاً لا يزد عددهم عن 35000. ومنذئذ ارتفع مُعدَّل البطالة إلى 50%[94].
ولنشير هنا إلى أنَّ العُمَّال الفلسطينيِّيْن في الأراضي المُحتلَّة الذين يعملون في إسرائيل ليس لهم حقُّ التّعويض عن البطالة رغم أنَّهم يدفعون تأمين البطالة تماماً مثل زملائهم الإسرائيليِّيْن. ويُقدَّر مبلغ هذه الرّسوم بمليارَيْ دولار تستخدمها الإدارة المدنيَّة، فرع الإدارة العسكريَّة لهذه الأراضي. ونجهل مصير هذا المبلغ[95].
منذ عام 1967، تدَّعي السّلطات العسكريَّة الإسرائيليَّة في الأراضي المُحتلَّة حقَّ تحديد ما هو مقبول وما غير مقبول ليس فقط في مجال التّربية، إنَّما أيضاً في مجال الحياة الثّقافيَّة بمجملها.
وقد أغلقت هذه السّلطاتُ المدارس كُلَّها ابتداء من رياض الأطفال ولمدَّة 19 شهراً، تخلَّلها افتتاحيات قصيرة مُتفرِّقة، ثمَّ سمحوا بإعادة فَتْحها نظاميَّاً في آب 1990. وسائل التّربية الأخرى كُلُّها أُعلن أنَّها غير شرعيَّة وممنوعة.
يقولون غالباً في الصّحافة إنَّ إسرائيل قد أنشأت خمس جامعات للفلسطينيِّيْن في الأراضي المُحتلَّة، إلا أنَّهم نسوا أنَّ هذه الجامعات لم تُنشئها إسرائيل، إنَّما أنشأها الفلسطينيُّون أنفسهم. والفاتيكان يدعم جامعة بيت لحم.
أُغلقت الجامعات الفلسطينيَّة خلال ثلاث سنوات. وعندما حاولت هذه الجامعات تأمين الدراسة خارج مبانيها، أصبحت عرضة للمضايقات والتّنكيد. وقد مَنْعت المدارس الخاصَّة في القدس أنْ تُقدِّم صفوفها لجامعات الضّفَّة خارج أوقات الدّروس.
كما أنَّ عدداً كبيراً من المُدرِّسين والطُّلاَّب أُوقفوا دون توجيه أيَّة تهمة لهم. وخلال الثّلاث سنوات الجامعيَّة الأولى للانتفاضة (من تشرين الأوَّل 1987 إلى تشرين أوَّل 1990) أُوقف 520 طالباً ومُدرِّساً من جامعة بير زيت. وتجدر الإشارة إلى أنَّ عدد الطُّلاَّب المُسجَّلين في هذه الجامعة قبل الانتفاضة لم يكن إلا 1600[96]. وقد تمَّ ترحيل بعض الأساتذة. فحنَّا ناصر، رئيس جامعة بير زيت، وهو مسيحي، أُخذ ليلاً في الهيليكوبتر، ورُمي على الحدود اللبنانيَّة دون أوراقه الثّبوتيَّة مع مَنْع بالعودة إلى بلده الأصلي.
في الأراضي المُحتلَّة غياب بنية الدّولة المدنيَّة والصّعوبات العديدة المفروضة في وجه المبادرات الاقتصاديَّة الخاصَّة، تمنع خَلْقَ فُرَص عمل. ويبلغ تعداد الشّباب الجامعي المجاز وبدون عمل 10000 شاب[97].
وقد استمرت السلطات الإسرائيلية في اعتداءاتها على المدارس في الضفة الغربية وقطاع غزة خلال الانتفاضة الثانية. وهذه بعض الأرقام التي تبين مدى القمع الإسرائيلي من 28 أيلول 2000 إلى 17 نيسان 2003[98]:
تم إغلاق 850 مدرسة مؤقتاً
تم تحويل ثمان مدراس إلى معاقل عسكرية إسرائيلية
أطلقت القذائف المدفعية وطلقات نار على 185 مدرسة
تم تدمير 11 مدرسة بصورة تامّة
تم السطو على 9 مدراس
تحوّلت 15 مدرسة إلى مراكز اعتقال
تم قتل 132 طالباً فلسطينيا وجرح 2500 آخرين
تم فقد 1135 يوما دراسياً بسبب الهجمات الإسرائيلية
إنَّ التّمييز ضدّ غير اليهود لا يستثني الجهاز القضائي في إسرائيل.
في 29 تشرين الأوَّل عام 1956، امتدَّ نظام مَنْع التّجوُّل وإطفاء الأنوار على ثماني قرى في المثلث حتَّى يشمل الفترة بين الخامسة مساء والسّادسة صباحاً. أُعلم مختار كفر قاسم عن هذا النّظام في السّاعة الرّابعة والنّصف بعد الظّهر. فاحتجَّ لإنَّ هناك 400 قروي تقريباً يعملون خارج القرية، وليس لديهم أيَّة وسيلة ليعلموا أنَّهم قد يخرقون قانون مَنْع التّجوُّل عندما يعودون إلى منازلهم في المساء. فأكَّدوا له بدورهم أنَّ العُمَّال يُسمح لهم بالعودة سالمين إلى بيوتهم. وقد بدأ سريان قانون مَنْع التّجوُّل حسب النّظام في السّاعة 17. في أقلّ من ساعة قتل 47 قروي فلسطيني من قِبَلِ الجيش الإسرائيلي. قُتلوا بكُلِّ برود عندما اقتربوا من قريتهم. وأُجريت محاكمة تحت ضغط الرّأي العامّ. أُعلن أنَّ ثماني جنود مذنبين، وقد حُكم بالعقوبات القصوى على الكومندان شموئيل ميلينكي والملازم غافريئيل دهان اللَّذَيْن أُعلنا أنَّهما اقترفا جريمة قتل بحق 43 مدنيَّاً. حُكم على ميلينكي بالسّجن 17 عاماً وحكم على دهان بالسجن 15 عاماً. وكلاهما أُرجعا إلى رتبة جندي بسيط. إلا أنه تم الإعفاء عنهما في تشرين الثّاني عام 1959، أي بعد أنْ أمضيا ثلاث سنين سجن، وأُعيدت لهما رُتبهما العسكريَّة السّابقة، وأُعيدا في الجيش من جديد[99].
وقد كشف الإسرائيليون اليهود عن طبيعة تعاملهم مع غير اليهود في المظاهرات التي قام بها عرب إسرائيل عقب زيارة شارون التحرشية في 28 كانون الأول للحرم القدسي والقمع الوحشي الذي مارسه الجيش الإسرائيلي ضد المتظاهرين الفلسطينيين. فقد دعت لجنة عرب إسرائيل إلى إضراب عام والتظاهر في كل المدن العربية في يوم 1 تشرين الأول 2000. وقد صاحب هذه المظاهرات رمي الحجارة على شرطة الحدود الإسرائيلية التي ردت بإطلاق الرصاص والغاز المسيل للدموع مما أدى إلى وفاة 13 شخصاً، وإصابة 700، واعتقال 1000 شخص. وتحمل الفدرالية الدولية لحقوق الإنسان مسؤولية الأحداث على "التصرفات الوحشية والسلوك العنصري" للشرطة الإسرائيلية، حسب تعبيرها. فقد اندلعت المظاهرات وانتهت في هدوء في العديد من المدن التي لم تتدخل فيها الشرطة. ومن جهة أخرى تتعجب اللجنة "للسلبية الغريبة التي انتابت قوات الشرطة خلال أعمال العنف التي قام بها المتطرفون اليهود ضد السكان العرب، خاصة ما حدث في الناصرة في 8 تشرين الأول 2000، كما تتعجب من انتقال الشرطة من السلبية إلى القمع الوحشي لعر هذه المدينة في نفس اليوم". وتشير هذه اللجنة إلى أن "الشرطة منعت سيارات الإسعاف الوطنية من الدخول للمدن العربية في إسرائيل بعلة عجزهم عن توفير حماية لهم. فالشرطة الإسرائيلية كانت وراء تأخير سيارات الإسعاف وتحويل خط سيرها ومنعها من التحرك بوحشية، وذلك كله لمنع سيارات الإسعاف من نقل المصابين إلى أقرب مستشفى". هذا وحتى الآن لم تتخذ السلطات الإسرائيلية أي إجراء عقابي بخصوص المسؤولين عن هذا التقصير الجنائي ولم تُعوّض الضحايا[100].
وفي الأراضي المُحتلَّة عام 1967، القضاء هو أسوأ بكثير. تسمح إسرائيل للجنود بالتّصويب مباشرة على المتظاهرين الشّباب دون أنْ يخشوا القضاء. وتسمح للمستوطنين الإسرائيليِّيْن بحَمْل الأسلحة، لكنَّها ترفض أنْ يعمل الفلسطينيُّون بالمثل كي يدافعوا عن أنفسهم ضدّ هجمات هؤلاء المستوطنين.
وقد بيّن تقرير أُجري عام 1988، من قِبَلِ مجموعة إسرائيليَّة يقودها ميرون بنفينيستي، أنَّ القضاء في الأراضي المُحتلَّة يعمل بمعيارين، الأوَّل لغير اليهود والآخر لليهود. ويورد حالة المستوطن اليهودي بينشاز فالليرشتاين الذي قَتَلَ في كانون الثّاني 1988 شابَّاً فلسطينيَّاً عمره 17 سنة بالقرب من قرية بيتين. وادَّعى القاتل الدّفاعَ الشّرعيَّ عن النَّفْس، وزَعَمَ أنَّه قَتَلَ الشّاب الفلسطيني لأنَّه رمى سيارته بالحجارة. وقد أكَّد الشّهود أنَّ الشّاب قد قُتل برصاصة في ظهره أثناء هروبه. لم يُوجَّه للقاتل أيَّة تهمة. وعندما ادَّعت عائلة الضّحيَّة أمام المحكمة العليا، كان الحُكْم أنَّه قَتْلٌ غير مُتعمَّد، وأُفرج عنه بكفالة. بالمقارنة، فلسطينيُّون سُجنوا، ودُمِّرت منازلهم بسبب جنحة مماثلة للَّتي ارتكبها هذا اليهودي[101].
هناك حالة معروفة جيِّداً وهي حالة الحاخام موشيه ليفينغر، وهو يهودي سويسري الأصل من مدينة بازل ومُؤسِّس حركة المستوطنات اليهوديَّة. فهو لم يُحكم عليه إلا بخمس أشهر سجن لقتله فلسطيني في أيلول 1988. بالمقارنة حُكم على فلسطينيِّيْن بالسّجن لمدَّة سنة على الأقلّ من أجل رمي بسيط لحجر. وقد وضع عدد كبير من الفلسطينيِّيْن في السّجن لمدَّة ستة أشهر أو سنة لمُجرَّد الاشتباه بهم، وذلك دون أيَّة محاكمة.
هذا ويمكن إعطاء المئات من الأمثلة التي تبيّن كيف أن السلطات الإسرائيلية تستعمل القضاء كوسيلة شرعيَّة لتبرير سياستها الغاشمة ضد غير اليهود. وهذا الوضع يثير غضب اليهود أنفسهم. فعلى سبيل المثال قررت المحامية الإسرائيلية "فيليسيا لانغر"، وهي أقدم محامية إسرائيليَّة عن الفلسطينيِّيْن في الأراضي المُحتلَّة، أنْ تُغلق مكتبها في القدس الشّرقيَّة، وأنْ تغادر إسرائيل. وقد برّرت عملها هذا بقولها: "لا أعتقد أنَّه يوجد عدالة في وطني اليوم". وأنَّ "محاكمات الفلسطينيِّيْن أمام المحاكم العسكريَّة ليست إلا مهزلة للعدالة، تجعل وجود محام أمراً عديم الفائدة تماماً. وفي أفضل الأحوال ليست المحاكمات إلا مساومات مبتذلة بين الاتِّهام والدّفاع. فيكون الفلسطينيُّون مُجْبَرُون أنْ يكونوا مذنبين لجُنَح لم يقترفوها حتَّى يتجنَّبوا عقوبات أكثر شدَّة". وتضيف المحامية: "أُغلق مكتبي في المحاماة لأفضح نظاماً لا يُحتمل ... أرفض الاستمرار بإعطاء مصداقيَّة وشرعيَّة لنظام فاسد كُلِّيَّاً". وتعطي لانغر مثلاً عن شاب فلسطيني وُجد ميتاً في زنزانته، وقد حكمت المحكمة العليا على أساس التّحريَّات العسكريَّة أنَّه انتحر شانقاً نفسه بحبل لم يجدوه أبداً. كان الضّحيَّة مغلول اليدَيْن والقدمَيْن، وقد ضُرب ضرباً مُبرحاً، وقد حقنوه بمُهدِّئ، ورشّوا زنزانته بغاز (مُسيِّل للدّموع) بشكل مُكثَّف[102].
في 8 تشرين الأوَّل 1988، قال إسحق رابين، وزير الدّفاع الإسرائيلي إنَّه منذ كانون الأوَّل 1987، أصبح هناك 257 قتيلاً و7000 جريحاً و18000 موقوفاً من الفلسطينيِّيْن. وأضاف أنَّ التّوقيفات لم تكن تكفي، وأنَّ على الجيش من الآن فصاعداً أنْ يجرح أكبر عدد ممكن من الفلسطينيِّيْن[103]. وبعد سنة قدَّم هذا الوزير نفسه الأرقام التّالية: أكثر من 500 قتيل و15000 جريح و40000 موقوف من بين الفلسطينيِّيْن[104].
وهذه الأرقام التي لا تُمثِّل بالضّرورة الواقع، تُبَيِّن مدى اتِّساع القَمْع الإسرائيلي ضدّ الفلسطينيِّيْن. ومنذ بداية الانتفاضة عام 1987، استخدم الجيش الإسرائيلي الغاز المُسيِّل للدّموع ضدّ السُّكَّان غير اليهود. كان الهدف هو تفريق المتظاهرين الذين لم يترك لهم أيَّ بديل عن التّعبير. هذه القنابل تصيب الذين يقومون بمظاهرات عنيفة مثل الذين يقومون بمظاهرات سلميَّة. أمَّا هذا الغاز المستعمل، فهو بعكس اسمه، فهو لا يُسبِّب فقط سيلان الدّموع، إنَّما غالباً الاختناق، وأحياناً الموت. ولنا الحقُّ أنْ نسأل ما هو الهدف ممَّا ينتهجه الجنود عندما يقذفون قنابل الغاز المُسيِّل للدّموع داخل المستشفيات ودور التّوليد بعد أنْ يكسروا النّوافذ؟
في مستشفى الشّفا في غزَّة، وفي مدَّة أسبوع واحد، سَجَّلوا حالة 70 طفلاً ميتاً. وقد عُرف أيضاً أنَّ الجنود يرمون القنابل إلى داخل البيوت خلال فترة حظر التّجوال المفروض غالباً لعدَّة أيام وحتَّى أحياناً لعدَّة أسابيع. ويُخشى الآن من الآثار الجانبيَّة (الثّانويَّة) لاستخدام هذا الغاز: الموت المُبكِّر والعقم، إلخ.
وفي رسالة استلمتها من كاهن في القدس في 23 تشرين الثّاني 1988، قال فيها: لقد رأى شهود عيان غالباً الجيش يضرب الصّبيان على أعضائهم التّناسليَّة (أخيراً في رام الله وضواحيها). وهؤلاء لا يتجرَّؤون بالبوح عن ذلك، لكنَّهم لم يعودوا رجالاً، على حَدِّ قول أمهاتهم. أليس هذا شكلاً من أشكال الإبادة الجماعيَّة؟
أحد الإجراءات القمعيَّة التّمييزيَّة المُطبَّقة من قِبَلِ الإسرائيليِّيْن ضدّ غير اليهود في الأراضي المُحتلَّة، وضدّهم فقط، هو حظر التّجوال. أمَّا المستوطنات اليهوديَّة في الأراضي المُحتلَّة فلا تخضع له مطلقاً، حتَّى لو كانت هي سبب الاضطرابات وسبب هذا الإجراء. وقد وصفت لجنة العدل والسّلام في القدس في نشرتها لكانون الثّاني 1992 حظر التّجوال المُطبَّق خلال شهرَيْن في منطقة رام الله على 10000 فلسطيني. نُقدِّم فيما يلي بعض المقتطفات:
عندما يكون حظر التّجوال عامَّاً وكاملاً، 24 ساعة على 24، فإنَّه يُمنع الخروج من المنزل تحت طائلة التّوقيف أو دفع غرامة كبيرة. وليكون معلوماً أنَّ التّوقيف حتَّى لسبب خَرْق مَنْع التّجوال، يُحرم الشّخص المعني من هويَّته العاديَّة، ويُستعاض عنها بأخرى من لون مختلف وهكذا يتم دحره في أقصى تخوم مدينته أو قريته، ولفت الأنظار إليه في كُلِّ مكان بفضّل الاستعلامات.
وفي يوم حظر التّجوال العامّ يُمنع الذّهاب إلى مكان العمل. وهذا يعني خسارة الرّواتب، التي تُدفع عادة يوميَّاً بالنّسبة للعُمَّال. وفي حال المرض والمعالجات الطّبِّيَّة، فالصّعوبات كبيرة جدَّاً. أذونات التّنقُّل من الصّعب جدَّاً الحصول عليها. هناك نساء وَلَدنَ في مكاتب الحاكم العسكري، وهُنَّ تنتظرنَ إذناً للذّهاب إلى المستشفى.
كما أنَّه يُفرض حظر التّجوال أو يُعاد فرضه، بعد أنْ يُرفع لبضع ساعات، فجأة في ساعات العمل الصّباحيَّة. فَتُسدل المحلاَّت ستائرها، وتعجّ الطُّرُقات بالسّيَّارات والنّاس الذّاهبين إلى الاتِّجاهات جميعها محاولين الوصول إلى بيوتهم أو قراهم. وعلى تلامذة المدارس أنْ يغادروا مدارسهم، ويعودوا فوراً إلى بيوتهم؛ حيثُ قد لا يكون فيها أحد، إذ إنَّ الأهل يكونون قد ذهبوا إلى العمل.
خلال فترات حظر التّجوال تبدو تفتيشات الجيش والأمن الإسرائيلي ذات رعونة شديدة. فيكون الأشخاص أو العائلات وحدهم في مجابهتهم في عزِّ الليل، ولا جار ولا قريب بإمكانه الخروج من منزله ليأتي لنجدتهم. يستيقظ الأطفال من نومهم مذعورين ويرون أباهم أو أخاهم الكبير مضروباً وجروحه تنزف. هناك أب لعائلة أُخذ ليلاً من قِبَلِ قُوَّات الأمن بينما كانت زوجته في المستشفى، وبقي طفلاه بعمر أربع سنين وسنتان في المنزل وحدهما بقيَّة الليل يبكيان ويصرخان ويضربان على الباب. لا أحد أمكنه المجيء ليرى ماذا يجري، وذلك بسبب وجود الجيش في الحيِّ. وفي عدَّة بيوت كسَّرَ الجيشُ ورجال المخابرات الأبوابَ، واقتلعوا السّجَّاد (الموكيت)، وحتَّى اقتلعوا البلاط، وأحواض المرحاض، ومَزَّقوا الفراش والدّواوين والمخدَّات، وكسَّروا الأثاث.
أنهت لجنة العدل والسّلام نشرتها بصرخة يأس:
يوجد كثير من الوسائل لخَنْق شعب واستعباده أو دفعه إلى الهجرة. والوسائل الأكثر مكراً هي الأكثر فعاليَّة. سوف ينتهي الأمر بالرّأي العامّ إلى الاعتياد على ذلك وإلى عدم الاهتمام[105].
إنَّ القَمْعَ الإسرائيلي ضدّ الفلسطينيِّيْن يزداد يوماً بعد يوم. وحسب الصّحيفة اليوميَّة الإسرائيليَّة هاداشوت في 24 شباط 1992، ألَّفت الشّرطة الإسرائيليَّة منذ ثمانية عشر شهراً وحدة خاصَّة من المحقِّقين لجؤوا للتّعذيب في الضّفَّة الغربيَّة. استخدمت هذه الوحدة وسائل عنيفة جدَّاً لتحصل على اعترافات، مثل التّعذيب بالكهرباء على الأعضاء التّناسليَّة، أو الضَّرْب بقرورات زجاج. والمساجين ثيابهم مُمزَّقة لا يعودوا يستطيعون إلا الزّحف في نهاية الاستجواب. ويقوم مسؤولو الشّرطة والجيش بتغطية انتهاكات هذه المجموعة[106].
وفي 26 آذار 1992، قام فيصل الحسيني وهو شخصيَّة فلسطينيَّة هامَّة، باتِّهام الجيش الإسرائيلي بممارسة القَتْل الجماعي على الذين تَعُدّهم ناشطين عوضاً عن أنْ تُوقفهم وتُحاكمهم. وقد قامت وحدة خاصَّة بقَتْل ثمانية عشر فلسطينيَّاً منذ 9 كانون الأوَّل 1991. كما أنَّها مسؤولة عن قَتْل تسعة وستِّين فلسطينيَّاً آخرين منذ بداية كانون الثّاني 1989، إلى نهاية كانون الأوَّل 1991[107].
هذا وقد زادت حدّة القمع الإسرائيلي على الفلسطينيين منذ اندلاع الانتفاضة الثانية. وهذه بعض الأرقام التي تبين مدى القمع الإسرائيلي من 28 أيلول 2000 إلى 17 نيسان 2003[108]:
2405 شهيد، من بينهم 451 تحت سن الـ 18
41000 جريح
2500 معاق من بينهم 500 طفل
15000 موقوف ما زال منهم 6000 في السجن
وقد جاء في التقرير السنوي الثامن من الهيئة الفلسطينية المستقلة لحقوق المواطن لعام 2002 أن قوات الاحتلال قتلت خلال هذا العام ما لا يقل عن 1071 فلسطينيا، من بينهم 178 طفلاً و 48 إمرأة. ومن بين القتلى 82 شخصاً تم اغتيالهم، و70 قتلوا خلال عمليات بادروا إليها ضد أهداف إسرائيلية، أما الباقون فقد قتلوا نتيجة الاستخدام المفرط وغير المتناسب للقوة. هذا إلى جانب 58 فلسطينياً فجروا أنفسهم ضد أهداف إسرائيلية، و21 فلسطينياً قتلوا في ظروف غامضة، و12 حالة وفاة على الحواجز الإسرائيلية، وتجاوز عدد الجرحى ألفين، أصيب الكثيرون منهم بإعاقات دائمة[109].
وما زالت السلطات الإسرائيلية تدّعي بأنها لا تقوم إلا بالرد على ما تسميه الإرهاب الإرهاب الفلسطيني. وقد أجاب البطريرك ميشيل صبّاح على هذه الإدّعاءت في نص نشره في 2 أيار 2002 يقول فيه:
ليس الصراع بين الفلسطينيين والإسرائيليين قضية إرهاب فلسطيني يهدد أمن إسرائيل أو وجودها. بل القضية هي قضية الاحتلال الإسرائيلي العسكري الذي يستدعي المقاومة الفلسطينية. وترى إسرائيل من جهتها في هذه المقاومة تهديدا لأمنها.
ومن ثم فمن استمر في الكلام على الإرهاب الفلسطيني، ولم ير حق الفلسطينيين في حريتهم وفي نهاية الاحتلال، حكم على نفسه بعدم رؤية الحقيقة والواقع وبقي عاجزا عن وجود الحل المطلوب.
ولهذا لا بد أولا من العمل على استئصال العلة لإزالة المعلول، أعني لوضع حد لكل أعمال العنف. عبثا تُقاوَم مظاهر العنف الخارجية، سواء بالتنديد بها أو بأعمال الانتقام، أو حتى بالحرب المعلنة: ما زالت العلة قائمة، سوف يبقى المعلول قائما، وسوف يستمر قتل الأبرياء والمقاتلين، من كلا الطرفين.
سبب كل عمل عنف هو الاحتلال الإسرائيلي العسكري للأراضي الفلسطينية. فإذا ما وضع حد للاحتلال توقف كل عمل عنف. إن كانت إسرائيل تريد صادقة أن تضع حدا للعنف فإن الوسيلة لذلك ليست الحرب أو أعمال الانتقام، بل الوسيلة الوحيدة لذلك هي العمل الجادّ والسريع لوضع حد للاحتلال.
ولهذا يجب أن تعود إسرائيل والسلطة الفلسطينية والأسرة الدولية بأسرع ما يمكن إلى المفاوضات، ولكن على أن يكون فيها روح جديدة وصدق جديد، لتحقيق الهدف المطلوب.
يلح البعض أحيانا ويطالبون بالتصريحات المنددة بأعمال العنف. التنديد بالعنف أمر جيد. ولكن الأهم والأجدى من ذلك هو العمل على إزالة سبب العنف، أي الاحتلال. ثم إن الاستمرار في القول إن أعمال العنف من الجهة الفلسطينية هي إرهاب، ومن الجهة الإسرائيلية هي دفاع مشروع عن النفس، يفرغ كل التصريحات والتنديدات من كل معنى ويجعل وقف أعمال العنف أمرا مستحيلا. ولهذا، ما نحن بحاجة إليه الآن، أكثر من التصريحات والبيانات، هو عمل جاد يضع حدا لكل صورة من صور العنف بوضع حد لعلته الأولى أي الاحتلال[110].
وقد جاء في رسالته بمناسبة عيد الفصح في 15 نيسان 2003:
كل إنسان ذو إرادة صالحة يبكي اليوم على المدينة المقدسة ويتمنى لها أن ترى وأن يرى حكامها طريق السلام. لأن الطرق المتبعة حتى اليوم ليست لسلام أحد: الإجراءات العسكرية المفروضة على كافة المدن والقرى الفلسطينية والتي حولتها إلى سجون كبيرة، تمُتهن فيها كرامةُ الإنسان، ويكثر فيها قتل الإنسان وتدمير البيوت والأرزاق، كل هذا ليس طريق سلام، بل هو مولِّدٌ لمزيد من الموت والتدمير للإنسان ومن ثم لمزيد من الخوف وانعدام الأمن. منذ حصار كنيسة المهد قبل عام لم يتبدل شيء. حررت كنيسة المهد ولم يحرر الإنسان: بقي الفلسطيني تحت الحصار والمهانة والتجويع والفوضى. وبقي الإسرائيلي في الخوف وعدم الأمان.
وما نحن فيه هنا في الأرض المقدسة نراه قد بدأ في العراق أيضا.
في حرب العراق، قالوا إنها خطوة في طريق السلام. وقد قال قداسة البابا يوحنا بولس الثاني إن طريق السلام هي وحدها التي تؤدي إلى السلام. ولذلك فإن الأسرة الدولية بحاجة إلى أن تجدد نفسها لتضع حدا لقوة القوي ولتجنِّب الإنسانية ويلات حروب عالمية جديدة. الإرهاب يجب مكافحته حيث وجد، ولكن مكافحة الإرهاب تبدأ بمراجعة الموازين والقيم. أول خطوة في القضاء على الإرهاب هي الدخول إلى الذات والبحثُ فيها عن جذور الشر والموت الكامنة فيها والتي تسمح للقوي بالاعتداء على الضعيف وبفرض المظالم والحرمان على الشعوب. "أيها الملوك الآن تعقلوا، ويا قضاة الأرض اتعظوا. اعبدوا الرب بخشية" (مزمور 2: 10–11). عبادة الرب بخشية تعني السير في طرق العدل والسلام. وإن معاملة الشعوب بحسب مقتضيات العدل والسلام هي الوحيدة التي يمكنها أن تجنِّب المجتمعات كل أنواع الإرهاب.
رسالتنا لحكام هذه الأرض المقدسة هي التالية: انتخبكم الشعب لتضمنوا له السلام والأمن، ومن ثم لتتخذوا الوسائل الكفيلة بذلك. وحتى اليوم فإن الطرق التي اتبعتموها لم تصنع السلام والأمن لا للشعب الفلسطيني ولا للشعب الإسرائيلي. أنتم أيضا أصغوا إلى ما يقول الرب. إنه يقول إن السلام والعدل يتعانقان. اسمعوا كلمة الرب وبدِّلوا طرقكم. أزيلوا الخوف عن قلوب الشعب. وآمنوا بالسلام وبمقدرة الفلسطيني على العيش بسلام إذا ما أعيدت له حريته وحقوقه[111].
وفي 27 كانون الأوَّل 1977، تبنِّى الكنيست قانوناً اسمه "معاداة التّبشير"، ينصُّ على ما يلي[112]:
1) كل من يعطي أو يعد بإعطاء مال، أو ما يعادله؛ أو أيّ منفعة أخرى لجذب شخص حتَّى يُغيِّر دينه، أو حتَّى يدفع غيره لتغيير دينه، يعاقب بالسجن لمدة خمس سنوات، أو غرامة ماليَّة قدرها 50000 ليرة إسرائيلية.
2) كل من يتلقَّى أو يقبل بتلقِّي مال، أو ما يعادله؛ أو أيّ منفعة أخرى لقاء وعد بتغيير دينه، أو دَفَعَ شخصاً آخر لتغيير دينه يعاقب بالسجن لمدة ثلاث سنين، أو غرامة قدرها 30000 ليرة إسرائيلية.
قد يفهم من صيغة القانون أنَّ الهدف منه هو مَنْعُ أيِّ تحريض على تغيير الدين بإغراء مالي أو أيّ منافع أخرى. وفي الحقيقة، فإن هذا القانون يهدف فقط إلى مَنْع التحول من اليهوديَّة إلى المسيحيَّة. وقد كَتَبَتْ مجلة "الشّرق الأوسط المسيحي" أنَّ الجَدَل الذي سبق التّصويت على القانون كان "مهرجاناً ضدّ المسيحيَّة"؛ حيثُ لم يكن مشروع القانون إلا حجَّة للتعبير عن مشاعر العداء ضدّ المسيحيِّيْن. وتضيف:
ومُجرَّد أنَّ هذا القانون نفسه هو قليل الدّقَّة، وأنَّه خلال مناقشته سُمعت تصريحات لم تكن إلا تحريضاً على الحقد، يدلُّ بشكل مقلق على النّيَّة الحقيقيَّة للَّذين قدَّموا القانون: وتلك النية تكمن في جعل القانون سلاحاً فعَّالاً في حملتهم الطّويلة، والتي تصبح جذريَّة أكثر فأكثر، وذلك بغية إنهاء وجود شهود على الإيمان المسيحي في إسرائيل[113].
أمَّا النّائب البطريركي اللاَّتيني في إسرائيل، المونسنيور حنا كلداني، فقد قال ناقداً هذا القانون:
إنَّ من صلب القانون أنْ يحمي ـ قبل كُلِّ شيء ـ الضّعيف.و نتساءل ما إذا كان هذا القانون الجديد ... سوف يحمي المسيحيِّيْن الذين يعيشون وسط المجتمع اليهودي، ضدّ الضّغوط والإغراءات التي أدَّت بعدد لا يُستهان به منهم إلى تغيير الدّيانة، وذلك عكس قناعاتهم[114].
وخلال مناقشة هذا القانون أعلن نائب في الكنيست: الوكالة اليهوديَّة مُذنبة باستخدام مصالح مادِّيَّة لإجبار النّاس على التحول إلى اليهوديَّة. فحقوق ومنافع المهاجرين تُعطى فقط لليهود. وفي حال الزّواج المختلط، عندما تكون الزّوجة غير يهوديَّة، يُنذَرون أنَّه يجب عليها الاهتداء حتَّى تصبح مُؤهَّلة لأخذ الحقوق والمنافع. وقد أشار هذا النّائب إلى أنَّه في كُلِّ عام هناك مئات من غير اليهود يتحولون إلى اليهوديَّة ضدّ أربع أو خمس يهود يتحولن إلى المسيحيَّة[115].
ويستشهد البروفسور إسرائيل شاحاك بالحالة الآتية:
هناك حاخام من يافا اسمه حنانيا ديري مُوظَّف منذ عام 1967، من قِبَلِ الحاخاميَّة العليا الإسرائيليَّة (رسميَّاً)، ومن قِبَلِ السّلطات العسكريَّة للأراضي المُحتلَّة (شبه رسمي)، وذلك لإيجاد أناس بين السُّكَّان من ذوي الدّم اليهودي وإرجاعهم قَسْرَاً إلى ديانة أجدادهم.
وقد حدث أن أجبرت فتاة يهوديَّة في حيفا اسمها (ريّا) على التزوج من رجل عمره 50 سنة، فهربت مع شاب مسلم لتعيش مع عائلته هو في يافا. ثمَّ بسبب الحرب هربت إلى رام الله، حيثُ تزوَّجت خطيبها، وعاشت في حيِّ اللاَّجئين في رام الله مع الطّفلَيْن اللَّذَيْن وُلدا لهما. وقد فُضح أمرها أمام الحاخام حنانيا ديري عام 1972. فذهب في صبيحة ذات يوم إلى مسكن العائلة بسيارة إسرائيليَّة مُسلَّحة يرافقه جنود مُسلَّحون، وأمر ريّا بمرافقته إلى حيفا حيثُ وجدت نفسها مسجونة في منزل أخيها. وفي هذه الأثناء أخذت الشّرطة الإسرائيليَّة بالضّغط على الزّوج، فخيَّره الحاخام بين الطّلاق أو التحول إلى اليهوديَّة. كما أنَّهم قاموا بممارسة الضّغط على الولدَيْن حتَّى يتحولا لليهوديَّة. ولا يعرف ما جرى بعد ذلك. وبحسب إسرائيل شاحاك هذه واحدة من 80 حالة يتبجَّح بها الحاخام ديري[116].
ويجدر هنا ذكر حالة اليهود المُتزوِّجين من مسيحيِّيْن والذين يغادرون بلاد أوروبا الشّرقيَّة. فإنَّ مبعوثي الوكالة اليهوديَّة في فيينا ـ النّمسا، حاولوا تسهيل اهتداء الأفراد المسيحيِّيْن وذلك بإقناعهم خلال مرورهم بالنمسا أنَّ الاندماج المستقبلي في إسرائيل لهؤلاء الأزواج ولأولادهم ستكون مشروطة بتحولهم إلى اليهوديَّة. وقد تم تشكيل محكمة الحاخاميَّة تقوم بتحويل عشرات من غير اليهود من بينهم إلى اليهودية بطريقة يمكن أنْ نُسمِّيها "اليهوديَّة بدون دموع"، أي دون إجراء عملية الختان المؤلمة في عمرهم المتقدم[117].
ولمَّا وصل اليهود السّوفييت مباشرة إلى إسرائيل طُرحت مسألة الأزواج المختلطين بشكل جدِّي وخطير. فقد كَتَبَت ماريون سيكو بهذا الصّدد: لقد سمعتُ عشرات وعشرات الشّهادات المرعبة: يُعرَّى الأطفال قَسْرَاً حتَّى يُرَوا إنْ كانوا مُخنَّثين أم لا، ثمَّ يرمون الحجارة على مَنْ يحمل صليباً، ويُرفضون من العمل فور معرفتهم بأنَّهم غير يهود، وتُمارس ضغوط لتحريضهم على الطّلاق[118].
ومن المعروف أن عدداً كبيراً من الذين هاجروا من الإتحاد السوفييتي إلى إسرائيل ينتمون للديانة المسيحية بنسبة تتراوح بين 50 و70%. وهؤلاء يواجهون نقداً كبيراً من قبل رجال الدين اليهود الذين يتهمونهم بزرع الفساد وبيع لحم الخنزير. وكثير منهم يتحول لليهودية حتى يضمن بقاءه في إسرائيل. ويتخوف الإسرائيليون اليهود أن تفني موجة الهجرة الإتحاد السوفييتي الطابع اليهودي لإسرائيل قرابة عام 2010. وهذا يجعل إسرائيل أما تحدٍٍّ كبير: فإمّا أن تبقى دولة يهودية تمارس العنصرية نحو غير اليهود أو أن تصبح دولة ديمقراطية لجميع سكانها[119].
هذا وقد نشرت صحيفة القدس في 25 كانون الأول 2001 خبراً مفاده أن معلماً قد حرق في ساحة مدرسة بيت شيمش الكتاب المقدس المسيحي باللغة العبرية الذي وجده مع أحد التلاميذ حصل عليه من أحد المبشرين المسيحيين. وقد تم حرق الكتاب بعد استشارة مدير المدرسة الحاخام يائير. وقد أيّد هذا القرار الحاخام المسؤول عن التعليم الديني في تلك المدرسة مستشهداً بتعاليم حاخامات آخرين يعتبرون الكتاب المقدس المسيحي وسيلة لغسل الدماغ[120].
ونشير هنا إلى أن عدد من اليهود قد تحوّل إلى الإسلام داخل إسرائيل ذاتها[121]. ولكن السلطات الإسرائيلية ترفض تغيير الإشارة إلى تغيير ديانتهم في أوراقهم الثبوتية والعائلية، لا بل تقترح عليهم مراجعة الأطبّاء النفسيين معتبرة أن تغيير الديانة اليهودية نابع عن خلل عقلي[122].
وزّع عضو الكنيست المحافظ ميخائيل إيتان ورقة تقارن بين نصوص مشروع القانون إقترحه الحاخام مائير كهانا على الكنيست في أيلول عام 1984 وبين القانون الذي تبناه البرلمان الألماني في ظل حكم أدولف هِتْلَر عام 1935. وسوف نقتصر هنا على نصِّ مقترحات الحاخام كهانا التي تُشبه بشكل غريب مقترحات هتلر:
ـ لا يحق لغير اليهود أن يسكنوا قي مدينة القدس.
ـ ليس لغير اليهود حقوق قوميَّة، ولا مشاركة لهم في الحياة السّياسيَّة وسط دولة إسرائيل. ولا يحق تعيين أي شخص غير يهودي في أيِّ منصب له سلطة أو مشاركته في انتخابات الكنيست أو في أيِّ جهاز حكومي أو عام.
ـ يُحظَّر على اليهود المواطنين أو المقيمين في إسرائيل، رجالاً ونساءً، أنْ يتزوَّجوا من غير يهود داخل أو خارج إسرائيل، ومثل تلك الزّيجات المختلطة لا يعترف بها القانون.
ـ هناك فصل تامٌّ مطلق بين المُؤسَّسات التّعليميَّة اليهوديَّة وغير اليهوديَّة.
ـ يُحظَّر العلاقات الجنسيَّة كاملة أم جزئيَّة بين مواطنين يهود، رجالاً ونساءً، وبين غير يهود. وهذا يتضمَّن العلاقات الجنسية التي هي خارج نطاق الزّواج. وسوف تُعاقَب الخروقات بسنتَيْ سجن.
ـ إذا أقام شخص غير يهودي علاقات جنسيَّة مع عاهرة يهوديَّة، أو مع ذَكَر يهودي، فيعاقب بالسجن لمدة خمس سنوات. وإذا أقامت عاهرة يهوديَّة أو عاهر يهودي ذَكَر علاقات مع رجل غير يهودي، فيعاقب كل منهما بالسجن لمدة خمس سنوات.
ـ تُلغى كُلُّ مُخيَّمات العطل وكُلُّ النّشاطات الأخرى المختلطة بين يهود وعرب. وتُلغى كُلُّ برامج الزّيارات بين طُلاَّب يهود وطُلاَّب عرب في قراهم أو بيوتهم. وتُمنع الرّحلات إلى الخارج التي يكون فيها طفل يهودي ضيفاً على عائلة غير يهوديَّة، كما تُمنع زيارات غير اليهود المماثلة إلى إسرائيل
- يجب إقامة شواطئ لغير اليهود منفصلة عن شواطئ اليهود[123].
وبطبيعة الحال يمكن لمناصري إسرائيل الرد على مشروع قانون الحاخام كهانا بأن المحكمة العليا الإسرائيليَّة قد اعتبرته عنصرياً في 18 تشرين الأوَّل 1988، ومنعت حزبه "كاخ" من المشاركة بالانتخابات في ذاك العام ولكن علينا أن لا ننسا أنَّ الكنيست المنتخب عام 1988 كان يضم ثلاث أحزاب سياسيَّة أخرى تُشارك مائير كهانا أفكاره: تحيا (ثلاث مقاعد) تسوميت (مقعدَيْن) وموديليت (مقعدَيْن). وعلينا أيضاً أن لا ننسا أنَّ بعض آراء الحاخام كهانا توجد حتّى في البرامج السّياسيَّة لحزب الليكود وحزب العمل. فهذان الحزبان يُنكران على اللاَّجئين الفلسطينيِّيْن حقَّ العودة إلى بلدهم، لأنَّهم غير يهود. وتجدر الإشارة أيضاً إلى أنَّ كهانا كان قد دُعم من السّلطة الدِّينيَّة العليا الإسرائيليَّة مثل الحاخام الأشكنازي شلومو غورين. ونذكّر هنا إلى أن هذا الأخير قد وقف ضد تبني قانون مناهض للعنصريَّة في إسرائيل لأنَّه يهدف إلى إلغاء الحدود الفاصلة بين غير اليهود واليهود[124].
وآراء الحاخام كهانا لم تنبع من فراغ ولم يقم هو باختراعها، بل استقاها من تعاليم التوراة والتلمود ولها صدى في التعليم الديني في إسرائيل. وقد أجرى هاركابي، أستاذ العلاقات الدّوليَّة في الجامعة العبريَّة في القدس، تحليلاً مُفصَّلاً لإيديولوجيَّة القوميَّة الدِّينيَّة اليهوديَّة التي ينتمي إليها كهانا[125].
بالنّسبة لهذا التَّيَّار فإنَّ مُجرَّد وجود العرب على أرض إسرائيل يجعل منهم مجرمين. يجب إذاً طردهم، أو حتَّى إبادتهم. ويذكر هاركابي أن عدَّة حاخامات إسرائيليِّيْن يؤمنون بأن التّوراة تأمر بسلب حقوق كُلِّ سُكَّان أرض إسرائيل واستبدالهم بيهود. بحسب هؤلاء الحاخامات لا يحق لأي غير يهودي أنْ يقيم في القدس أو حتى على أرض إسرائيل، وإنَّ الإبقاء على غير اليهود داخل أرض إسرائيل هو تدنيس لاسم الله. وهم يشبهون العرب بالعماليق الذين يجب على اليهود محي ذكرهم من تحت السماء، حسب أمر يهوة في سفر تثنية الإشتراع الذي يقول:
إذا أراحك الرب إلهك من جميع أعدائك الذين حواليك في الأرض التي يعطيك الرب إلهك إياها ميراثاً لترثها، فامح ذكر عماليق من تحت السماء. لا تنس (الفصل 25، الآية 19).
أمَّا الحاخام إسرائيل هيس، وهو مُرشد الحَرَم الجامعي في جامعة بارإيلان في تل أبيب فقد نشر مقالة في مجلَّة الطُّلاَّب وعَنْوَنَهَا: "وصيَّة الإبادة الجماعيَّة في التّوراة"، ويقول فيها إنَّه سوف يأتي زمن يصبح فيه اليهود مدعوِّين لإتمام هذه الوصيَّة الإلهيَّة بتدمير عماليق. تستثني هذه الوصيَّة أيَّ رحمة، وتأمر بقتل وتدمير حتَّى الأطفال والرُّضَّع. ويستشهد هذا الحاخام بأقوال موسى ابن ميمون ليُؤكِّد أنَّ عمليَّة قتل غير اليهودي لا تخالف الوصيَّة القائلة: "لا تقتل"[126].
ويكتب هاركابي بشأن هذا التَّيَّار:
إنَّ إبادة الهولوكوست هي لطخة لا تُمحى في ألمانيا الهتلرية، وكون تلك الإبادة لم تثن بعض الأوساط الدِّينيَّة المُتطرِّفة عن المطالبة بإبادة العرب الذين يُشبّهون بـ "عماليق" هو أمر غير مفهوم بالنّسبة لي. وقد يقول البعض إنَّ مثل تلك الدّعوة إلى الإبادة هي أخطر بكثير من النّازيَّة؛ لأنَّها أتت بعدها[127].
ونشير هنا إلى أن التوراة تمنع الزواج المختلط بين اليهود وغير اليهود لأن ذلك يؤدّي إلى إفساد صفاء الدم اليهودي. ونجد هذا الفكر العنصري اليهودي في أجلى صوره في سفر عزرا الكاهن. فهذا الكاهن يهيج غضباً ضد اليهود الذين اتخذوا زوجات من خارج الشعب اليهودي "فاختلط النسل المقدّس بشعوب البلاد" (2:9). ويحكي لنا سفر عزرا كيف أنه مزّق ثيابه ونتف شعره ولحيته غيظاً (3:9) وطلب من جميع الشعب الاجتماع في ساحة الهيكل "وأن كل من لا يأتي في ثلاثة أيّام تحرّم كل أمواله" (7:10). فاجتمعوا هناك في يوم ممطر فقال لهم: "إنكم خالفتم واتخذتم نساء غريبات، لتزيدوا في إثم إسرائيل. فاحمدوا الآن الرب إله آبائكم وأعملوا بما يرضيه، وانفصلوا عن شعوب الأرض والنساء الغريبات" (11:10). وهذا الجزء من الكتاب المقدّس اليهودي كان قد ألهم القوانين العنصريّة النازية في عصرنا[128]. وبما أن تلك القوانين العنصرية تتفق والقوانين اليهودية بخصوص منع الزواج المختلط فلم يعارضها اليهود، وخاصة الصهاينة منهم[129]. وما زال رجال الدين اليهود يعادون الزواج المختلط حتى يومنا هذا في إسرائيل ومن يريد من اليهود إبرام مثل هذا العقد عليه القيام به خارجها.
هذا وتخرج علينا الصحف من وقت إلى آخر بتصريحات عنصرية لرجال الدين اليهود ضد العرب وتطالب بطردهم. وتلك التصريحات تصدر خاصة عن الحاخام الأكبر يوسف عوباديا لطائفة اليهود الشرقيين وهو من أصل مغربي. وقد وصف هذا الأخير الفلسطينيين بالأفاعي مضيفاً بأن الله نادم على خلقه الشعب الفلسطيني[130]. وبطبيعة الحال لم يقم هذا الحاخام باختراع مثل تلك التعابير بل استقاها من الكتب والتعاليم الدينية التي بين يديه. مما يعني ضرورة إخضاع تلك الكتب وتلك التعاليم الدينية لفحص دقيق وغربلتها من الشوائب العنصرية التي تزرع الفساد في عقل المسؤولين الدينيين والسياسيين الإسرائلييين.
بدأ الرّؤساء الدِّينيُّون في الطّوائف المسيحيَّة في الأرض المُقدَّسة بالقلق من جراء السِّياسة الإسرائيليَّة التي يبدو أنَّها تبنَّت نظريات الأصوليِّيْن اليهود المناهضة للوجود المسيحي في الأرض المُقدَّسة.
وحسب دراسة جرت عام 1990، وشَرَحَهَا ميشيل صبّاح بطريرك اللاَّتين في القدس، أنَّ هجرة المسيحيِّيْن من القدس والأراضي المُحتلَّة تزداد منذ بدء الانتفاضة، وكثيرة هي العائلات (20%) التي تنتظر الوقت المناسب حتَّى تغادر. لم يَعُدْ المسيحيُّون يُشَكِّلون أكثر من 3% من العرب في الأراضي المُحتلَّة؛ أيْ حوالي 50000 نسمة. وتدلُّ الدّراسة أنَّ العيش في الأراضي المُحتلَّة أصبح اليوم عبئاً ثقيلاً[131].
وفي 27 نيسان 1989، أصدر الرّؤساء الدِّينيُّون للطوائف المسيحيَّة في القدس بياناً مشتركاً أُعلنوا فيه:
في القدس والضّفَّة الغربيَّة وغزَّة يعاني شعبنا يوميَّاً من الحرمان المستمرِّ لحقوقه الأساسيَّة نتيجة الأفعال التّعسُّفيَّة المُتعمَّدة التي تَتَّخذها السّلطات. يخضع شعبنا بدون سبب إلى مضايقات ومحن.
ونحن مهتمُّون بشكل خاصٍّ بالهدر المأساوي وعديم الفائدة لحياة الفلسطينيِّيْن، وخصوصاً بين القاصرين. وعلى إثر استخدام السّلاح النّاري غير المُبرَّر قُتل أشخاص أبرياء، وعُزل، وجُرح مئات آخرون بسبب اللُّجوء المتزايد إلى العنف. نحن نحتجُّ ضدّ الحوادث المتكرِّرة والمُتسبِّبة عن طلقات بالقرب من الأماكن المُقدَّسة.
كما أنَّنا ندين ممارسة الاعتقالات الإداريَّة الجماعيَّة والسّجن المستمرِّ للبالغين والقاصرين دون محاكمات. كما أنَّنا ندين اللُّجوء إلى كُلِّ أشكال العقوبات الجماعيَّة بما فيها تدمير البيوت، والحرمان من الخدمات الأساسيَّة مثل الماء والكهرباء الذي يصيب تجمُّعات بأكملها.
ونطالب المجتمع الدّولي بدَعْم طلبنا لإعادة فتح مدارس وجامعات أُغلقت خلال الأشهر السّتَّة عشرة الأخيرة، حتَّى يتمكَّن ألوف الأطفال من الاستفادة من حقِّهم الأساسي في التّربية والتّعليم. ونطلب أيضاً من السّلطات احترام حقوق المؤمنين بالوصول بحريَّة إلى أمكنة العبادة جميعها أثناء الأعياد الدِّينيَّة للدّيانات كُلِّها.
وفي 14 كانون الثّاني 1992، نشروا بياناً ثانياً ينتقدون فيه السِّياسة المُتَّبعة من قِبَلِ إسرائيل تجاه السُّكَّان كما تجاه المؤسَّسات غير اليهوديَّة التي هي تحت إدارتها. ويدينون ـ بادئ ذي بدء ـ احتلال مستوطنين مدعومين بالأموال العامَّة عدَّة منازل تقطنها عائلات عربيَّة في "سلوان" عند سفح مدينة القدس القديمة. ويُشدِّدون على الموقف ذي المعيار المزدوج المُتبنَّى من قِبَلِ الحكومة الإسرائيليَّة تجاه السَّلْب والنَّهْب الذي يرتكبه المستوطنون الإسرائيليُّون. ويدينون قطعيَّاً كُلَّ محاولة لتعديل الوضع والطّابع الفريد والدِّيمغرافي للقدس. ويستنكرون العقوبات الجماعيَّة التي تستمرُّ ممارستها بشكل مُميِّز ضدّ السُّكَّان المدنيِّيْن الفلسطينيِّيْن. ويذكرون خصوصاً حالة رام الله، كما يذكرون المحظورات الجديدة المفروضة على مُدُن أخرى من الضّفَّة الغربيَّة وقطاع غزَّة. ويُحدِّد البيان أنَّ هذه المحظورات تتفاقم وتزيد من خطورة الموانع الصّارمة للحركة المفروضة على النّاس منذ بداية العام الماضي. وقد حدَّدوا ـ بشدَّة وحزم ـ حريَّة دخولهم إلى الأماكن المُقدَّسة في القدس خلال فترة الأعياد.
كما أنَّهم ينتقدون عدم الحفاظ على بعض المواقع الأثريَّة التي تهمُّهم وتعنيهم. وهكذا، فإن كثيراً من الآثار المسيحيَّة مثل دير القدِّيس جورج خارج باب يافا ومجمع القديس ستيفان الرهباني دفنت تحت الأوتوسترادات الجديدة. هناك فسيفساء بيزنطيَّة نادرة من القرن السّادس الميلادي خُرِّبت بشكل تامٍّ بلطخات مُتعمَّدة من الدّهان الأسود. كما أنَّ هناك غرفتَيْن جنائزيَّتَيْن أرمنيَّتَيْن من الحقبة الزّمنيَّة نفسها دُفنتا تحت كمِّيَّة هائلة من الصّخور رماها اليهود الأرثوذكس. وتطلب الكنائس من الحكومة الإسرائيليَّة الحفاظ على رفات القدِّيسين، وإذا لم تَتَّخذ إجراءات مناسبة ومُرضية فهم سوف يحاولون البحث عن حماية دوليَّة من اليونسكو[132].
وفي رسالة وجّهها إلى بابا الفاتيكان بتاريخ 13 كانون الأول 2001 حول وضع المسيحيين في الأرض المقدّسة[133]، يشير البطريرك ميشيل صبّاح أن هناك مجموعتين من المسيحيين: هناك المسيحيون الناطقون بالعبرية (وهي إشارة للمهاجرين المسيحيين من الإتحاد السوفييتي سابقاً) والمسيحيين الفلسطينيين الناطقين بالعربية. وهم مثلهم مثل جميع سكان الأرض المقدّسة يعانون من الوضع القائم. ولكن المسيحيون الفلسطينيون يعيشون مع المسلمين تحت وطأة احتلال إسرائيلي وفي حالة مقاومة لهذا الاحتلال مع ما يتضمنه من قهر وتدمير وإذلال وبطالة ومصادرة أملاك. وفيما يخص علاقتهم مع المسلمين، فالعلاقة بين المسؤولين الفلسطينيين والمسؤولين المسيحيين جيدة وهناك احترام متبادل وحوار مستمر. أما العلاقة بين الشعب على مستوى الشارع، فهناك بعض المشاكل التي تغتنمها وسائل الإعلام العالمية. إلا أن مصير المسيحيين لا ينفصل عن مصير المسلمين في هذه المنطقة وهم يشاركونهم الألم ويوماً ما سوف يحصلون على الحرّية معاً. وبسبب عدد المسيحيين الضئيل فإن الهجرة تهدد وجودهم في فلسطين المحتلة.
تتجلّى العنصرية الإسرائيلية هذه الأيام من خلال إقامة جدار فاصل بين اليهود وغير اليهود. ولا يكتفي هذا الجدار بفصل اليهود عن غيرهم، بل يصادر كثيراً من ممتلكات غير اليهود لصالح اليهود ويمنع الفلسطينيين من زراعة أراضيهم ويحد من تنقّلاتهم في المناطق الفلسطينية ذاتها. وقد يكون القصد من وراء بنائه في الحقيقة هو حرمان الفلسطينيين من حقوقهم وليس كما تدّعي إسرائيل حماية مواطنيها مما تسميه الهجمات الإرهابية من قِبَل الفلسطينيين. وهذا الجدار لا ينتقده فقط الفلسطينيون بل أيضاً المنظّمات الإسرائيلية التي تدافع عن حقوق الإنسان. وقد صدر عن بتسيلم، إحدى تلك المنظّمات، تقرير مطوّل بالإنكليزية في نيسان 2003 مع ملخص له يجدهما القارئ على الأنتيرنيت[134]. ونحن نقتصر هنا على نقل الملخص:
في شهر حزيران 2002 قررت حكومة إسرائيل إقامة جدار فاصل بين إسرائيل والضفة الغربية، وذلك بهدف منع دخول الفلسطينيين إلى داخل إسرائيل بلا رقابة. ووفقاً لقرار الحكومة فإن هذا الجدار سيطوّق جميع أراضي الضفة الغربية. وقد تم حتى هذه اللحظة اتخاذ قرارات تنفيذية فيما يتعلق بنحو 190 كيلومترًا فقط، كما أن الشروع بتفعيل الـ 145 كيلومترًا الأولى من هذا الجدار (المرحلة الأولى) من المفترض أن يبدأ في شهر حزيران القادم.
تم تخطيط معظم مسار المرحلة الأولى لهذا الجدار بحيث يمر داخل أراضي الضفة الغربية. ولذا فان إقامة هذا الجدار من شأنها المس بحقوق الإنسان لأكثر من 210,000 فلسطيني يسكنون في 67 قرية: اذ ستتحول 13 قرية يسكنها 11,700 مواطن إلى مناطق محصورة ما بين الجدار الفاصل وبين الخط الأخضر، كما أن المسار الملتوي لهذا الجدار، جنباً إلى جنب مع إقامة جدار آخر يسمى (جدار العمق) يقع إلى الشرق من الجدار الفاصل، ستحوّل 19 من البلدان الفلسطينية الأخرى، يسكنها نحو 128,500 مواطن فلسطيني إلى مقاطعات معزولة. هذا بالإضافة إلى أن 36 من البلدات الأخرى تقع إلى الشرق من الجدار الفاصل أو من جدار العمق، ويسكنها نحو 72,000 مواطن فلسطيني، ستفصل عن مناطق واسعة من أراضيها الزراعية التي ستبقى غربي الجدار الفاصل.
تعهدت إسرائيل بإقامة ممرات على طول الجدار الفاصل بحيث يستطيع السكان المتضررين العبور من خلال هذه الممرات بعد منحهم "تصاريح خاصة" لذلك. ولو افترضنا أنّ هذه الممرات ستقام فعلاً، ولو سُمِح للفلسطينيين التنقل عبرها، وهو أمر مشكوك فيه، سيظل السكان الفلسطينيون هناك معتمدين كلياً على حسن نوايا جهاز الأمن الإسرائيلي في إدارة شؤونهم الحياتية. وتشير التجارب السابقة إلى أن إسرائيل تستغل سلطتها على تقييد حركة المواطنين الفلسطينيين في الأراضي المحتلة، لا للاحتياجات الأمنية فحسب، بل ولتحقيق أهداف مرفوضة مبنية على اعتبارات غير موضوعية. ومن المحتمل أن تطبق إسرائيل هذه السياسة أيضا فيما يخص عبور المواطنين الفلسطينيين لهذه الممرات التي ستقام على طول الجدار الفاصل ومن المحتمل كذلك أن هذه الممرات لا تكفي لعدم المس بحرية الحركة لهؤلاء المواطنين.
إن تقييد حرية الحركة من شأنه التسبب بأضرار فادحة لآلاف المواطنين الفلسطينيين الذين سيجدون صعوبة في الوصول إلى أراضيهم الزراعية وتسويق محاصيلهم في باقي مناطق الضفة الغربية. وتعتبر الزراعة واحدة من أهم مصادر الدخل الرئيسية في تلك القرى التي ستتأثر بشكل سلبي من إقامة الجدار الفاصل في المرحلة الأولى، علماً بأن أراضي هذه القرى من أكثر أراضي الضفة الغربية خصوبة. فالمساس بقطاع الزراعة قد يؤدي إلى تردي الوضع الاقتصادي في الأراضي الفلسطينية المحتلة، والى تدهور حالة العديد من العائلات الفلسطينية ودفعها إلى خط الفقر.
ستؤثر إقامة الجدار الفاصل إلى حد كبير على وصول سكان القرى إلى المستشفيات في كل من طولكرم وقلقيلية والقدس الشرقية، إذ سيتم عزل هذه المدن عن باقي الضفة الغربية. بالإضافة إلى أنّ ذلك سيؤدي إلى عرقلة جهاز التعليم، بسبب اعتماد العديد من المدارس، وخصوصاً تلك الموجودة في القرى، على المعلمين الذين يصلون من خارجها.
إن إقامة الجدار الفاصل كوسيلة لمنع وقوع العمليات والتفجير داخل إسرائيل هو أكثر الحلول تطرفاً وأشدها ضرراً على المواطنين الفلسطينيين. فقد فضلت إسرائيل هذا الحل على العديد من الحلول البديلة المتوفرة لها، ذات الضرر الأقل على المواطنين الفلسطينيين متنكرة بذلك لتعهداتها باحترام القانون الدولي.
وبالرغم من أن معظم الفلسطينيين الذين قاموا بعمليات داخل إسرائيل كانوا قد مروا عبر الحواجز العسكرية المنصوبة على طول الخط الأخضر وليس عن طريق المساحات المفتوحة بينها، فقد امتنعت إسرائيل عن تصحيح الخلل فيما يتعلق بنجاعة هذه الحواجز قبل أن تقرر إقامة الجدار الفاصل. وبالإضافة إلى ذلك، قرر الجيش الإسرائيلي بأنّ اتخاذ إجراءات احتياطية على طول خط التماس، التي ربما كان باستطاعتها مراقبة دخول الفلسطينيين إلى إسرائيل، تقبع في أسفل سلم أولويات الجيش. وفي المقابل، فضّل الجيش الإسرائيلي وسائل أخرى، كحماية المستوطنات من جهة وقصف مؤسسات السلطة الفلسطينية من جهة أخرى.
وحتى لو أننا قبلنا بما تدعيه إسرائيل من أن الطريقة الوحيدة لمنع حدوث العمليات التفجيرية هي إقامة الجدار الفاصل، فانه يتوجب عليها ترسيم خطوط الجدار بطريقة تتجنب المس بحقوق الإنسان قدر الإمكان. ولكن على العكس من ذلك، فقد حددت إسرائيل مسار الجدار متجاهلة، بشكل تام تقريباً هذه القاعدة ومعتمدة على اعتبارات غير موضوعية. أحد هذه الاعتبارات الأساسية هو ضم أكبر عدد من المستوطنات إلى الغرب من الجدار الفاصل(الجهة الإسرائيلية)، بهدف تعجيل ضمها لإسرائيل. اعتبار إضافي كان من أسباب إقامة الجدار الفاصل داخل الضفة الغربية هو تجنب دفع الثمن السياسي المقرون بالاعتراف بالخط الأخضر كحدود دولة إسرائيل. وفي إحدى المناطق تم تغيير المسار نتيجة لضغوط مارسها سكان التجمع السكاني الاستيطاني الإسرائيلي "متان"، الذين طالبوا بالفصل ما بين مدينة قلقيلية وقرية حبلة الواقعة إلى الغرب منها، هادفين بذلك الحفاظ على "جودة حياتهم ورفاهيتهم". وفي مناطق أخرى تقرر نقل مسلك الجدار شمالاً من أجل الحفاظ على المواقع الأثرية. أما في منطقة بيت لحم فقد تقرر إقامة الجدار في وسط المدينة من أجل ضمان حرية وصول المصلين اليهود إلى قبر راحيل.
إنّ مجمل خصائص الجدار الفاصل والاعتبارات وراء ترسيم مساره، تجعلنا نشعر بأن إسرائيل تستند مرة أخرى وبشكل أحادي الجانب إلى ذرائع أمنية لخلق حقائق على ارض الواقع لها تأثيرها على تسوية مستقبلية بين إسرائيل والفلسطينيين. وقد انتهجت إسرائيل هذه السياسة في السابق، مبررة مصادرة الأراضي لغرض إقامة المستوطنات عليها بحجة "أغراض عسكرية ملحة" ومدعية بأن هذه الخطوات هي خطوات مؤقتة. وقد تحولت المستوطنات منذ زمن إلى امراً واقعاً لا مفر منه في الأراضي المحتلة بحيث تطلب إسرائيل اليوم ضم عدد منها داخل حدودها. وقد يشكل نفترض، كما هو الحال بالنسبة للمستوطنات، بأن يتحول الجدار الفاصل إلى واقع يعتبر مقدمة لمطالبة إسرائيل بضم أراضٍِ إضافية إلى حدودها في المستقبل.
وبناء عليه، تطالب منظمة بتسيلم حكومة إسرائيل بإلغاء قرارات الحكومة والمجلس الوزاري التي أصدرت حتى الآن فيما يتعلق بالجدار الفاصل والى وقف وتعليق جميع الأعمال التي يتم تنفيذها من أجل إقامته، ومن بينها مصادرة الأراضي، وإذا تقرر بأنه لا مفر من إقامة الجدار، يجب أن يمر هذا الجدار، من حيث المبدأ، على الخط الأخضر أو أن يقام داخل حدود دولة إسرائيل.
وبمناسبة مرور 40 سنة على الرسالة البابوي "السلام في الأرض"، والتي صدرت بعد بناء جدار برلين، كتب البطريرك ميشيل صبّاح رسالة بتاريخ 29 آذار 2003 يقول فيها[135]:
يتم الآن بناء نوع آخر من جدار برلين، ولكنه يفصل ما بين الإسرائيليين والفلسطينيين. فقد بدأت الحكومة الإسرائيلية عام 2002 بناء جدار يرتفع ثمانية أمتار على مدى الـ 350 كيلومتر التي تكون حدود الضفّة الغربية. والمقصود من هذا الجدار هو ضمان الحماية الجسدية للشعب الإسرائيلي ضد العمليات الانتحارية المحتملة التي قد يقوم بها الفلسطينيون. وقد قلنا بكل وضوح أن كل أعمال العنف مهما كان مصدرها يجب شجبها. ولكن مما لا شك فيه أن هذا الجدار سوف يتحول إلى حاجز نفسي وجسدي بين الشعبين، وهو بمثابة جدار انفصال عنصري (ابرتايد) . وسوف يتم بالفعل إغلاق الفلسطينيين في سجن مفتوح كبير. ومما لا شك فيه أن بعضهم سوف يكن للإسرائيليين بغضاً عميقاً مما سينتج عنه هجمات انتحارية متزايدة مع ردود فعل إسرائيلية، مؤدياً إلى استمرار دائرة العنف.
ورغم ذلك هناك كثير من الفلسطينيين الذين يعيشون على أمل حياة أفضل رغم تدمير منازلهم ومزارعهم، ورغم معاملتهم كأناس من طبقة ثانية ووضعهم تحت منع التجول وإذلالهم أمام نقاط التفتيش. إنهم يعيشون في أمل انتهاء الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين. وهذا الاحتلال هو السبب العميق والحقيقي للعنف.
لا شك في أن جدار برلين الجديد الذي يبنيه حكّام إسرائيل بملايين الدولارات هو نتيجة عمى البصيرة التي يعانون منها. وهذا الجدار سوف يسقط يوماً كما سقط جدار برلين عندما يفتح هؤلاء الحكام أعينهم وضمائرهم ليروا عنصرية أعمالهم ضد غير اليهود. لقد كان من المفضّل لحكام إسرائيل أن يستعلموا تلك الملايين لبناء القرى الفلسطينية التي هدّمتها إسرائيل وإرجاع اللاجئين إليها بدلاً من تعميق هوّة البغض بين شعوب المنطقة.
في خطاب أُلقي في 5 أيار 1991، أمام الكنيست الإسرائيلي، قال عازف الكمان الشهير يهودي مينوحين:
الذين يعيشون بالسّيف يموتون بالسّيف. والإرهاب والخوف يُولِّدان إرهاباً وخوفاً. الحقد والكراهيَّة هما أمران مُعديان بشكل حتمي ... هناك أمر واضح بشكل أكيد وكافٍ، هو أنَّ الأسلوب المُدمِّر في الحُكْم بواسطة الخوف وازدراء الكرامة الأساسيَّة للحياة، وهذا الاختناق المستمرُّ لشعب محتل يجب أنْ يكون آخر الأساليب المُتبنَّاة من قِبَلِ الذين هم أنفسهم يعرفون جيِّداً المعنى الرّهيب والألم الذي لا يُنسى لمثل هذا الوجود. هذا لا يليق بشعبي الكبير اليهود[136].
وفي مقابلة صحفيَّة مع الأب الياس شكور، وهو من سُكَّان برعم، إحدى القرى التي دمرها الإسرائيليِّون، قال:
نحن مواطنون من الدرجة الثّانية، نعم؛ هناك درجات. أعتقد في الواقع أنَّه في إسرائيل لا يوجد إلا درجة واحدة هي درجة المواطنة اليهوديَّة. ثمَّ يوجد من هم خارج الدرجات والمهمّشون أي غير اليهود الذين يتم التسامح معهم، لكنَّهم غير مقبولين، لأنَّ اليهود لا يجدون الحلَّ المناسب للتّخلُّص منهم. ولحُسْن الحظِّ أنَّه يوجد يهود، وهم قلَّة قليلة جدَّاً، لكنَّهم موجودون، يحتجُّون ضدّ هذا التّمييز والفصل. وأخشى أنَّه من الآن ولوقت قصير جدَّاً، إذا لم تُغيِّر إسرائيل جذريَّاً في سياستها ولا تهتدي، أيْ إذا لم تُغيِّر من نهجها السّياسي، أعتقد أنَّه سوف يكون هنا خيار واحد للاستمرار في العيش هنا، وهو الخيار العسكري. هذا لا يمكن أنْ يصنع جذوراً هنا، لأنَّ فلسطين منذ ما قبل إبراهيم، منذ ملكيصادق، لم تقبل أبداً مستعمراً لا يحاول أنْ يصنع جذوراً. فهم ليسوا بصدد القيام بصناعة جذور. إنَّهم يزرعون الحقد في قلب الفلسطينيِّيْن. يجب أنْ يتغيَّر ذلك إذا أرادوا أنْ يستمرّوا في العيش في مستوى حياة إنسانيَّة كريمة في الشّرق الأوسط[137].
لقد أكّد واضعو الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على مبدأ هام أدرجوه في ديباجته يقول:
من الأساسي أن تتمتع حقوق الإنسان بحماية النظام القانوني إذا أريد للبشر ألا يضطروا آخر الأمر إلى اللياذ بالتمرد على الطغيان والاضطهاد.
هذا التّصريح الواضح من واضعي الإعلان العالمي لحقوق الإنسان هو في حقيقته ترجمة صادقة لمقولة النّبي الشّاعر أشعيا منذ 2700 سنة:
إن السلام سيكون ثمرة العدل (أشعيا 17:32).
إذا كانت إسرائيل تبحث فعلاً عن السّلام في الشّرق الأوسط فيجب عليها أنْ تتقيَّد بمبدأ العدل عوضاً عن عنادها في سياستها المناهضة لحقوق الإنسان. فيجب عليها لذلك أنْ تسمح للاَّجئين الفلسطينيِّيْن بالعودة إلى وطنهم، وأنْ تُعامل الفلسطينيِّيْن على قَدَم المساواة مع اليهود.
لماذا كون الإنسان مسيحيَّاً أو مسلماً يخلق من الفلسطيني مُرشَّحاً لمُخيَّمات اللاَّجئين، أو السّجون، أو التّعذيب، أو التّرحيل، أو الموت؟ لماذا؟
في اليوم الذي ستعتبر فيه إسرائيلُ كل من المسيحيَّ والمسلمَ واليهوديَّ كائنات بشريَّة متساوية، وتُعاملهم على قَدَم المساواة، فإن ذلك اليوم سيصبح أوَّل يوم سلام في الشّرق الأوسط.
أنشر هنا نظام "الجمعية لدولة ديمقراطية واحدة في فلسطين/إسرائيل" التي قمت بتأسيسها في سويسرا في نيسان 2003. وتضم هذه الجمعية أعضاء من اليهود والمسيحيين والمسلمين وغيرهم من داخل وخارج فلسطين. ومن يهمه الالتحاق بالجمعية المذكورة يمكنه الاتصال بي على العنوان الإلكتروني aldeeb@bluewin.ch
المقدمة
منذ أكثر من نصف قرن، خيم شبح الموت والألم والدمار على فلسطين كما حددها للانتداب البريطاني مجلس عصبة الأمم عام 1922 (أدناه: فلسطين/إسرائيل)
وقد فشلت الحلول المقترحة لحل النزاع في فلسطين/إسرائيل لأنها استندت على تقسيم أرض لا يمكن تقسيمها دون خلق ظلم آخر. فالضيق الإقليمي والخليط السكاني والاعتماد المتبادل يجعل من المستحيل إقامة دولتين لهما طابع ديني ينبع عنه حتما تمييز ونزاعات دائمة.
واعتباراً لهذه الحقائق، فإن "الجمعية لدولة ديموقراطية واحدة في فلسطين/إسرائيل" (أدناه: الجمعية) متأكدة بأن إنشاء دولة ديموقراطية واحدة هو السبيل الوحيد على المدى البعيد لحل النزاع. ويتم إقامة دولة واحدة في فلسطين/إسرائيل من خلال دمج شخصيتين قانونيتين هما دولة إسرائيل والسلطة الفلسطينية في إطار دستوري وديمقراطي واحد يضمن حقوقاً وواجبات متساوية لكل مواطنيه بدون أي تمييز على أساس الدين أو الجنس أو الجنسية أو العرق أو اللغة. وقد تصبح هذه الدولة نموذجاً ونواة لنظام سياسي أكبر، يتضمن بلداناً أخرى في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
تخضع الجمعية للنظام التالي:
مادة 1: هدف الجمعية
تم تأسيس الجمعية بمقتضى المادة 60 وما بعدها من القانون المدني السويسري ومركزها في لوزان، سويسرا. وليس للجمعية أمد محدود. وتلتزم بالمقولة التالية: "إن السلام سيكون ثمرة العدل" (أشعيا 17:32).
وتهدف الجمعية إلى تقديم الدعم بالوسائل السلمية لإقامة دولة ديموقراطية واحدة في فلسطين/إسرائيل للمقيمين في دولة إسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 وللاجئين الفلسطينيين. على شرط أن تحترم هذه الدولة حقوق الإنسان ومبدأ عدم التمييز على أساس الدين أو الجنس أو الجنسية أو العرق أو اللغة (أدناه: مبدأ عدم التمييز).
مادة 2: المبادئ التي يجب مراعاتها لإنجاز هدف الجمعية
تعتبر الجمعية المبادئ التالية أساسية لإنشاء الدولة المقترحة:
1) للاجئين الفلسطينيين الحق في العودة والتعويض طبقاً لقرارات الأمم المتحدة. ويجب إيجاد حل منصف لمن يعيش في أرض ومنازل اللاجئين الفلسطينيين وفي المستعمرات التي بنيت بعد 1967. يجب تحرير جميع السجناء السياسيين وسجناء الحرب. ويجب تشكيل لجان هدفها معالجة وتعويض الضحايا من الجانبين. كما يجب إنشاء صندوق وطني لهذا الغرض. ويحق لمواطني الدولة الجديدة اختيار مكان إقامتهم ضمن حدودها وأن يقيموا في ممتلكاتهم الخاصة. وينظم قانون خاص المواطنة والهجرة مراعياً مبدأ عدم التمييز.
2) على الدولة أن يكون لها برلمان واحد وحكومة واحدة يتم انتخابهما ديموقراطياً. يجب على الأحزاب السياسية احترام مبدأ عدم التمييز في برامجها وعضويتها. وعلى الدولة أن يكون لها جيش موحد وقوة شرطة موحدة. ويقرر المواطنون دستوراً ديموقراطياً موحدا يحترم مبدأ عدم التمييز واسم البلد ونشيده الوطني وعلمه.
3) يجب توحيد الأنظمة القضائية والقانونية استناداً على مبدأ فصل الدين عن الدولة. وهذا يتضمن إلغاء جميع المحاكم والقوانين الدينية، خصوصاً في مجال قانون العائلة، وخلق محاكم مدنية، وتبني قانون عائلة موحد يحترم مبدأ عدم التمييز، وإنشاء سجل مدني، وتنظيم زواج مدني إلزامي مع إمكانية إقامة مراسم دينية لاحقة.
4) يجب على الدولة أن تحترم الحق في الحياة وسلامة الجسد. ويجب إلغاء عقوبة الموت والتعذيب. ولا يحق المس بسلامة الجسد إلا لأسباب طبية مهمة بعد موافقة الشخص المعني أو ولي أمره. وعلى الدولة احترام حرية الدين، بما فيه الحق في تغيير الدين.
5) على الدولة إنشاء نظام تعليمي يضمن اندماج كل مواطنيه. وهذا يتضمن إنشاء مدارس حكومية ابتدائية وثانوية وعليا موحدة وبرامج تعليمية تحترم مبدأ عدم التمييز، مع أمكانية تأسيس مدارس خاصة، بشرط أن تحترم مبدأ عدم التمييز. وتعتبر العربية والعبرية لغتين وطنيتين رسميتين. ويجب تشجيع مبادئ الحل السلمي للنزاعات.
6) يجب على الدولة أن تخلق نظاماً اجتماعيا واقتصاديا يستند على المساواة في الحقوق، ويضمن دمج كل مواطنيه ويحترم مبدأ عدم التمييز.
7) يجب على الدولة أن تتخذ إجراءات لدمج المواطنين بهدف المصالحة بين الجماعات المختلفة. وتتضمن هذه الإجراءات إنشاء مقابر موحدة يحق لأي شخص أن يدفن فيها، مع إمكانية إقامة مراسم دينية خاصة، وفتح المقابر الدينية الحالية بحيث يحق لأي شخص مهما كانت ديانته، وذلك أخذاً بمبدأ عدم التمييز.
8) يحق للدولة المقترحة أن ترتبط بالدول المجاورة في إتحاد فدرالي أو كونفدرالي، على أن تحترم تلك الدول المبادئ المذكورة أعلاه بصرامة. ويجب على مواطني الدول المعنية أن يقرروا بالاستفتاء العام ما إذا كانوا يقبلون مثل هذا الارتباط. كما أنه يجب تنظيم استفتاء عام قبل الانضمام إلى المنظمات الإقليمية أو الدولية.
مادة 3: الأعضاء المؤسسون
يعتبر عضو مؤسس كل من شارك في صياغة نظام الجمعية، وقبل به ووافق على دعم هدف الجمعية ومبادئها.
مادة 4: العضوية
يعتبر عضو في الجمعية كل من يوافق على هدف ومبادئ الجمعية ويرغب في دعمها. يتم إقرار العضوية وفقدانها بقرار من اللجنة.
مادة 5: الجمعية العمومية
تجتمع الجمعية العمومية العادية سنوياً. ويمكن أن يتم الاجتماع من خلال شبكة الإنترنت. ويحق للجنة أو لخمس أعضاء الجمعية الدعوة لجمعية عمومية خاصة. وللجمعية العمومية الصلاحيات التالية:
- الموافقة على التقرير السنوي ومحضر الجمعية السابقة والميزانية؛
- تغيير نظام الجمعية أو حلها؛
- صياغة إستراتيجية الجمعية؛
- النظر في حالة إلغاء عضوية؛
- تعين اللجنة والرئيس والمدققين لفترة سنتين.
تتخذ قرارات الجمعية العمومية بأغلبية الأصوات. وفي حالة المساواة بين الأصوات، يعتبر صوت الرئيس (أو ممثله) مزدوجاً. ويجب موافقة ثلاثة أرباع المصوتين لتغيير نظام الجمعية أو حلها.
مادة 6: اللجنة
تتكون اللجنة من ثلاثة إلى أحد عشر عضواً. وللجنة الصلاحيات التالية:
- تعيين نائب الرئيس؛
- الاتفاق عل جلساتها؛
- الإشراف على العمل لتحقيق الهدف ومبادئ الجمعية؛
- الدعوة للجمعية العمومية.
تلتزم الجمعية من خلال إمضاء الرئيس (أو نائبه في حالة تغيبه) وإمضاء أحد أعضاء اللجنة. وتتخذ قرارات اللجنة بأغلبية المصوتين الحاضرين. ويمكن أن يتم التصويت من خلال شبكة الإنترنت.
مادة 7: الأموال
تتضمن أموال الجمعية المساهمات الطوعية للأعضاء وغير الأعضاء. ولا تفرض الجمعية اشتراكات إلزامية على أعضائها. ومسؤولية الجمعية محدودة حصراً بأموالها فيما يخص كل النفقات والالتزامات التي تتحملها في إطار نشاطاتها. وفي حالة انحلال الجمعية، تقرر اللجنة العاملة مصير الأموال وفقاً لهدف ومبادئ الجمعية.
تم تبني هذا النظام من قبل الأعضاء المؤسسين وأعضاء الجمعية الذين شاركوا في انتخاب اللجنة، في 15 نيسان 2003.
أحد أوجه العنصرية الإسرائيلية: عمواس في 1958 و1968 (سنة بعد الهدم) و1978
[1] http://www.lpj.org/Nonviolence/Sami/articles/frn-articles/Discrim.htm
[2] http://www.lpj.org/Nonviolence/Sami/articles/eng-articles/discrimination.htm
[3] http://www.lpj.org/Nonviolence/Sami/articles/itl-articles/discriminazione.htm
[4] ويجد القارئ في نهاية هذا الكتيب نظام "الجمعية لدولة ديمقراطية واحدة في فلسطين/إسرائيل" التي أسسها المؤلف في سويسرا في نيسان 2003. وتضم هذه الجمعية أعضاء من اليهود والمسيحيين والمسلمين وغيرهم من داخل وخارج فلسطين.
[5] International Herald Tribune, 14 sept. 1988, p. 1
[6] النص العربي في http://www.palgates.com/subjects/details.asp?id=716
[7] النص العربي في http://www.palgates.com/subjects/details.asp?id=198
[8] Uri Davis: Israel an apartheid State, Zed books, London & New Jersey, 1987, p. 22
[9] Laws of the State of Israel, vol. 34, p. 181
[10] Uri Davis, op. cit., pp. 68-69
[11] Jerusalem Post, 24 mars 1986, p. 3
[12] Ben-Gurion: Zionistische Aussenpolitik, Berlin 1937, p. 28, cité dans V. Waltz & J. Zschiesche: Die Erde habt Ihr uns genommen, Berlin 1986, p. 30
[13] Erskine B. Childers: The Wordless Wish: From citizens to refugees, dans The Transformations of Palestine, Northwestern University Press, Evanston 1971, pp. 165-202
[14] Jacques de Reynier: 1948 à Jérusalem, Editions de la Baconnière, Neuchâtel 1969, p. 74
[15] في مجادلة في الكنيست، قال نائب إسرائيلي إنَّه غير خجل ممَّا جرى في دير ياسين، بما أنَّه كان هناك دير ياسين أُخريات قد حصلت. وأضاف أنَّهم ربحوا الحرب بفضل مذبحة هذه القرية Tom Segev: 1949, the first Israelis, The Free Press, Macmillan, New York & London 1986, p. 89.
[16] Uri Davis, op. cit., pp. 7-8
[17] Journal de Genève, 1-2 juin 1985
[18] Al-Hayah (Beyrouth), 20 déc. 1948, citée par Musa Alami: The lesson of Palestine, dans Middle-East Journal, vol. 3, oct. 1949, no. 4, pp. 381-382
[19] Sabri Geries: Les arabes en Israël, Maspero, Paris 1969, pp. 118-120
[20] أوضحت لجنة التّرحيل بالرّفض القطعي لعودة اللاَّجئين الفلسطينيِّيْن إلى قراهم مع إمكانية رجوعهم إلى المدن على أن ألا يزيدوا عن 15% من السُّكَّان اليهود. هذا إذا ما كانت إسرائيل مُضطَرَّة لقبول عودة اللاَّجئين (Tom Segev, op. cit., p. 30).
[21] حول خروج الفلسطينيِّيْن، انظر Amnon Kapeliouk: Nouvelles précisions sur l'exode des palestiniens, Le Monde diplomatique, déc. 1986, pp. 18-19
[22] Israel Shahak: Le racisme de l'Etat d'Israël, Authier, Paris 1975, p. 152
[23] Christoph Uehlinger: Localités palestiniennes détruites après 1948, 2ème édition, Association pour reconstruire Emmaüs, CH-1025 St-Sulpice, 1989. ويجد القارئ قائمة هذه القرى في عدة مواقع على الأنتيرنيت منها http://www.vanguardnewsnetwork.com/temp/TerrorTimeline_2/1989_SwissReportOnJewishTerror.htm
[24] Uri Davis, op. cit., pp. 17-18. أُجبر سُكَّان حيفا العرب على الانسحاب إلى داخل حارات خاصّة بهم تاركين منازلهم وأراضيهم لليهود (Tom Segev, op. cit., pp. 52-56).
[25] أنظر مثلاً http://www.palestineremembered.com/index.html
[26] A. M. Goichon: Jérusalem fin de la ville universelle?, Maisonneuve & Larose, Paris 1976, p. 135 لقد ذُكر في مجلس الأمن، مرجع S/8552 في 19 نيسان 1968 امتهانات أخرى لمقابر المسيحيِّيْن وكثير من الكنائس في إسرائيل.
[27] Uri Davis, op. cit., p. 24
[28] CICP (Genève), information no 39, 27 janvier 1992, p. 8
[29] Absentees' property law, Laws of the State of Israel, vol. 4, pp. 68-82
[30] Sabri Geries, op. cit., p. 122, note 6
[31] Ibid., pp. 125-127
[32] Ibid., pp. 127-130
[33] Emergency regulations ordonnance, Laws of the State of Israel, vol. 2, pp. 70-77
[34] Emergency land requisition law, Laws of the State of Israel, vol. 4, pp. 3-12
[35] Land acquisition law, Laws of the State of Israel, vol. 7, pp. 43-47. حول هذه القوانين انظر Sabri Geries, op. cit., pp. 117-144
[36] Uri Davis, op. cit., pp. 15 et 19
[37] Uri Davis, op. cit., pp. 98-101
[38] Israel Shahak: Collection: racism and discrimination in Israel, 1992, pp. 1-4
[39] Law of return, Laws of the State of Israel, vol. 4, pp. 28-29
[40] Law of return (amendment no 2), Laws of the State of Israel, vol. 24, p. 28
[41] Nationality law, Laws of the State of Israel, vol. 6, pp. 50-52
[42] Nationality (amendment no 3) law, Laws of the State of Israel, vol. 25, p. 117
[43] Claude Klein: Le caractère juif de l'Etat d'Israël, Edition Cujas, Paris 1977, p. 97
[44] Journal yiddish de New York, Kemper, 11 juillet 1952 أذاع راديو سويسرا الفرنسيَّة في 2 آذار 1983 الخبر التالي: في بازل حُدِّدت هويَّة المرتكب بعمل لاسامي. إنَّه شاب يهودي عمره 23 سنة يدرس الطّبَّ، وكان قد سُجن سجناً احترازيَّاً. لقد أرسل إلى طلاب يهود من شرذمته رسائل تهديد بالموت وأدبيات عنصريَّة أو نازيَّة، وكان قد هاجم ممتلكات تخصُّ عائلات يهوديَّة. وفي عام 1989، استجوبت الشّرطة الإسرائيليَّة ثمانية مستوطنين يهود مُتَّهمين بأنَّهم قد قذفوا على الأقلّ قنبلتَيْن حارقتَيْن على بيوت جيرانهم المستوطنين بقصد إثارة ردود فعل ضدّ العرب. (New York Times, 26 sept. 1989)، وفي أيار 1990، دُنِّس وامتُهن 300 قبر يهودي في مدفنَيْن في حيفا. وقد عبّر الجنرال زئيفي عن إقتناعه أنَّ الفاعلين هم عرب فأمر بطردهم، إلا أنَّ الشّرطة الإسرائيليَّة اكتشفت أنَّ المُدنِّسَيْن كانا يهوديَّان يأملان أنْ يُتَّهم العرب، ويُرتاب بهم، وأنْ يهاجمهم اليهود (International Herald Tribune, 14 et 18 mai 1990; Journal de Genève, 15 mai 1990). يجب أنْ يُؤدِّي هذا بالمحقِّقين إلى تروٍّ أكثر في إلصاق تُهَمِ المهاجمات والعداوات ضدّ اليهود بالمجموعات الفلسطينيَّة
[45] Le Monde, 21 juin 1988
[46] هذه المعلومات مرَّت بصمت من قِبَلِ وسائل الإعلام، لكنَّها أُخذت من منشور من الاتِّحاد من أجل الوحدة بين الشّعبَيْن اليهودي والفلسطيني في كانون الثّاني عام 1992. ويتضمن هذا المنشور إعلان عن محاضرة لماريون سيكو في 14 شباط 1992 في جنيف لصالح اليهود السّوفييت المجبرين قَسْراً على الهجرة إلى إسرائيل. انظر أيضاً أرض وشعبان 1 أيار 1991، ص 5 ـ 6. انظر بخصوص هؤلاء المهاجرين Israel & Palestine political report (Paris), no 157, mai 1990, pp. 4-8
[47] Nationality law, Laws of the State of Israel, vol. 6, pp. 50-52
[48] Nationality (amendment no 4) law, Laws of the State of Israel, vol. 34, pp. 254-262
[49] Uri Davis, op. cit., pp. 36-38
[50] Nations Unies: The right of return of the Palestinian people, St/SG/SER. F/2, New York, 1978
[51] S. O. Persson: Mediation and Assassination, Ithaca Press, London 1979, p. 208; NZZ, 12 sept. 1988, p. 4; Le Monde, 18-19 sept. 1988, p. 2
[52] Tom Segev, op. cit., pp. 61-63
[53] Prevention of infiltration law, Laws of the State of Israel, vol. 8, pp. 133-137
[54] رسالة ياري في شباط 1988، ورسالة يوشع في آذار 1988، ورسالة آدم كيلر في آب 1988. وهذه الأخيرة نُشرت سويَّة مع رسالتَيْن في The other Israel رَقْم 34 تشرين الثّاني ـ كانون الأوَّل 1988، ص 10 ـ 11. ويُكرِّر يوشع موقفه في International Herald Tribune du 7 mars 1988
[55] http://www.qudsway.com/akhbar/arshiv/2003/1-2003/report-01&27&11709.htm
[56] Tom Segev, op. cit., p. 170
[57] Ilan Halevi: De la terreur au massacre d'Etat, Papyrus, Paris 1984, pp. 112-113
[58] http://www.abnaa-elbalad.org/muhajareen.htm
[59] News from within, vol. VII, no 12, 5.12.1991; Une terre deux peuples, février 1992, pp. 7-9
[60] CICP (Genève), Information no 20, 17 sept. 1990; Hotline: Centre for the defense of the individual, 12 nov. 1991. وقد سلمت الجمعيَّة من أجل الاتِّحاد بين الشّعب اليهودي والشّعب الفلسطيني السّفارة الإسرائيليَّة في بيرن في 29 تشرين الثّاني 1996، رسالة مُتعلِّقة بهذه المسألة ومُوقَّعة من 29 مُنظَّمة غير حكوميَّة (Une terre deux peuples, déc. 1990).
[61] أسست في سويسرا جمعيَّة من أجل إعادة إعمار عمواس. هناك كُتيِّب حول هذه القرية عنوانه إعادة بناء عمواس رمز السّلام والعدالة، باللُّغة الفرنسيَّة والإنكليزيَّة والألمانيَّة.
[62] http://www.palestineremembered.com/al-Ramla/Imwas/Pictures
[63] هدم البيوت: عقاب جماعي لا إنساني و غير مقبول: موجة جديدة من اللاجئين ، لجنة العدل و السلام – القدس، تموز 1989.
[64] CICP (Genève), Information no 37, 25 oct. 1991, p. 6
[65] أنظر التفاصيل في http://www.palestinemonitor.org/factsheet/Palestinian_intifada_fact_sheet.htm
[66] أنظر ص 13 من التقرير http://www.piccr.org/report/annual2002.pdf
[67] Davar, 29 septembre 1967, cité par Uri Davis, op. cit., p. 5
[68] Tom Segev, op cit., p. 30
[69] Journal de Genève et Le Monde, 25 février 1988
[70] القدس (تونس) رَقْم 38، حزيران 1988، ص 32
[71] Return (London), no 2, mars 1990, p. 33; http://www.moledet.org.il/english/transfer.html
[72] Al-Qabas, 13 juillet 1988, cité par Jerusalem (Tunis), no 39, juillet 1988, p. 33
[73] يدعوت أحرونوت 42 كانون الأول 2001
[74] يدعوت أحرونوت 5 نيسان 2002
[75] أنظر التفاصيل في ص 48-50 من تقرير إسرائيلي http://www.sikkuy.org.il/report/Sikkuy%20Report%202002.doc
[76] http://www.cbs.gov.il/shnaton53/st02_01.pdf
[78] مقال بيريز في Le Monde, 23 septembre 1988
[79] The other Israel, août-sept. 1988, no 33, p. 7
[80] http://www.jajz-ed.org.il/actual/elections/2003/c1.html
[81] http://www.arabhra.org/SilencingDissentFinal.pdf
[82] CICP (Genève), Doc. de travail no 3/1989, les arabes de 1948, pp. 7-8
[83] http://www.sikkuy.org.il/report/Sikkuy%20Report%202002.doc002
[84] CICP, information no 39, 27 janvier 1992, p. 7
[85] Une terre deux peuples, février 1991
[86] http://www.sikkuy.org.il/Anglit/Parent.htm
[87] http://www.sikkuy.org.il/english/report2001eng.htm
[88] Place de la communauté arabe israélienne au sein de l'Etat hébreu, juillet 1989, p. 9
[89] CICP (Genève), Doc. de travail no 3/1989, les arabes de 1948, pp. 7-8
[90] CICP (Genève), Information no 37, 25 oct. 1991, p. 17
[91] http://www.sikkuy.org.il/Misgav2001/Misgav2001eng.htm
[92] http://www.sikkuy.org.il/report/Sikkuy%20Report%202002.doc
[93] CICP (Genève), Information no 38, 1er décembre 1991, p. 7
[94] Compte-rendu d'une mission en Israël et dans les territoires occupés, par P. Kessler et J. Parisi, dans Une terre deux peuples, février 1992, pp. 10-12
[95] Hotline for the protection of Workers' rights (Tel-Aviv), Newsletter, janvier-février 1991
[96] CICP (Genève), Information no 37, 25 oct. 1991, pp. 10-13
[97] انظر حول الإجراءات المُتَّخذة من قِبَلِ السّلطات الإسرائيليَّة ضدّ الجامعات الفلسطينيَّة Rapport établi par huit délégués estudiantins occidentaux en mission dans les territoires occupés du 10 au 17 février 1988, rapport adressé au Département des affaires étrangères suisse le 5 avril 1988
[98] أنظر التفاصيل في http://www.palestinemonitor.org/factsheet/Palestinian_intifada_fact_sheet.htm
[99] CICP (Genève), Doc. de travail no 3/1989, Les arabes de 1948, p. 4
[100] http://www.fidh.org/magmoyen/rapport/2001pdf/il1609z.pdf؛ أنظر حول هذه الأحداث http://www.adalah.org/eng/commission.php
[101] International Herald Tribune, 20.10.1988
[102] Le Matin (Lausanne), 8.5.1990; Rayna Moss: I took an oath, interview with veteran human rights lawyer Felicia Langer, Challenge (Tel-Aviv), no 3, juillet 1990, pp. 24-25
[103] Kol Israel, en français, 8 oct. 1988, 19 h 15
[104] Journal de Genève, 13 oct. 1989, p. 3
[105] Justice et Paix, Jérusalem, janvier 1992
[106] Le Monde, 26 février 1992
[107] Le Monde, 28 mars 1992
[108] أنظر التفاصيل في http://www.palestinemonitor.org/factsheet/Palestinian_intifada_fact_sheet.htm
[109] أنظر ص 13 من التقرير http://www.piccr.org/report/annual2002.pdf
[110] http://www.lpj.org/Nonviolence/Patriarch/PaleIsara.htm
[111] http://www.lpj.org/Nonviolence/Patriarch/EasterM03ara.htm
[112] Laws of the State of Israel, vol. 32, p. 62
[113] Proche-Orient chrétien, XXVII, 1977, III-IV, p. 346. انظر أيضاً Bulletin diocésain du patriarcat latin, no 1-2/1978, pp. 43-47 et no 3-4/1978, pp. 88-94
[114] Proche-Orient chrétien, XXVII, 1977, III-IV, p. 346
[115] Jerusalem Post du 7 et du 28 déc. 1978. نقلاً عنBulletin diocésain du patriarcat latin, no 1-2/1978, p. 45
[116] Israel Shahak, op. cit., pp. 89-91
[117] Haaretz, 24.2.1971, نقلاً عن Proche-Orient chrétien, XXI, 1971, II, pp. 183-184
[118] Une terre deux peuples, mars 1992, p. 2
[119] http://www.washington-report.org/backissues/042000/0004066.html; http://www.jafi.org.il/papers/2002/sep/jtasep10.htm; http://www.caspari.com/mediareview/2002/02-12-11.html; http://www.caspari.com/mediareview/index.html
[121] أنظر موقعهم على الأنتيرنيت: http://www.jewstoislam.com/
[122] Haaretz, 12 Dec. 2002: http://oznik.com/words/021212.html
[123] La Liberté (Fribourg), 31 oct./1er nov. 1985; MEI, 22 nov. 1985, p. 15; أنظر مقارنة بين مشروع قانون الحاخام كهانا والقوانين العنصرية النازية في http://www.davidmargolis.com/popup_journalism_kahaneheil_comparison.html
[124] Jerusalem Post, 24 mars 1986, p. 3
[125] Yehoshafat Harkabi: Israel's fateful decisions, Tauris, Londres 1988, pp. 141-199
[126] Harkabi, op. cit., pp. 151-154
[127] Harkabi, op. cit., p. 189
[128] أنظر في هذا الخصوص تصريحات مجرم الحرب جوليوس شتراخير أمام محكمة نيورينبيرغ في 26 نيسان 1946 في: Der Prozess gegen die Hauptkriegsverbrecher vor dem Internationalen Militärgerichtshof, Nüremberg 14. November 1945 - 1. Oktober 1946, Nüremberg, 1947, vol. 12, p. 343
[129] أنظر في هذا الخصوص مقابلة كاريسكي، رئيس الطائفة اليهودية في برلين، في: Jewish Chronicle (Londres), 3 janvier 1936, p. 16 وأنظر المذكرة التي بعث بها الإتحاد الصهيوني في ألمانيا للحوب النازي في 11 حزيران 1933 في: Dawidowicz, Lucy S.: A Holocaust Reader, Library of Jewish studies, Behrman, New York 1976, pp. 150-155
[130] http://www.middleeast.org/archives/8-00-13.htm
[131] Service oecuménique de presse et d'information, Genève, 21 septembre 1990, p. 16
[132] Le Monde, 19-20 janvier 1992
[133] http://www.lpj.org/Nonviolence/Patriarch/RonPope.html
[134] http://www.btselem.org/
[135] http://www.lpj.org/Nonviolence/Patriarch/APeace.htm
[136] Washington Report on Middle East affairs, July 1991: Address given by violinist Sir Yehudi Menuhin to the Knesset upon receiving Israel's highest honor for his accomplishments as a musician, May 5, 1991, in: http://www.washington-report.org/backissues/0791/9107039a.htm
[137] مقابلة صحفيَّة مُقدَّمة لوكالة الصّحافة العالميَّة الكاثوليكيَّة، أيار 1988