هل من تناقض بين الآيات القرآنية بخصوص صلب المسيح

مقدمة السلسة

مدخل

بين سورة النساء وبقية آيات الصلب

الادعاء بنفي قتل المسيح وصلبه

الادعاء بتكذيب شائعة صلب المسيح

الادعاء بنسخ الآية لبقية الآيات

التفسير السليم لآية النساء

الجانب اللغوي

الجانب الموضوعي

الجانب البلاغي

الجانب المنطقي

الخاتمة

حمل هذا الكتاب

عودة للرئيسية

الفصل الأول

الجانب الأول: هو الجانب اللغوي

 

    من الناحية اللغوية يفهم معنى شبه لهم الواردة بآية النساء (157) بمفهوم أنه قد ظنوا أنهم قتلوه وصلبوه وتخلصوا منه ومن رسالته إلى الأبد. وليس بمعنى أن الله قد ألقى شبهه على إنسان آخر كما سبق أن أوضحنا في لقاءاتنا السابقة. هذا ما أكده كل من:

 (1) الإمام الزمخشري: الذي قال في تفسيره الشهير: (ما معنى قول القرآن "شبِّه لهم"؟ [شبه] مسند إلى ماذا؟ [أي يرجع إلى ماذا؟]

 1ـ إن جعلته مسند إلى المسيح؟ [أي إن رجعت الكلمة على المسيح؟] فالمسيح مشبه به وليس مشبه، (بمعنى آخر إن كانت الكلمة "شبِّه" تعود على المسيح فيكون السؤال هنا: بمن شبه المسيح؟؟ أي شبَهُ من وقع على المسيح؟؟ وبالتأكيد القرآن لا يريد أن يقول ذلك، بل يريد المفسرون الآخرين أن يقولوا عكس هذا المعنى وهو أن شبه المسيح هو الذي وقع على شخص آخر. فهل هذا صحيح في التركيب اللغوي لعبارة "شبه لهم" دعنا نصغي إلى ما قاله الزمخشري بخصوص ذلك) قال:

 2ـ وإن أسندته إلى المقتول. [أي إن جعلت عبارة "شُبِّه لهم" تعود على الشخص الذي قُتل بدل المسيح وهو ما ذهب إليه بعض المفسرين وهذا ما أكده الزمخشري بقوله] : لقد زعموا [أي زعم بعضُ المفسرين] أن اليهود قتلوا رجلا آخر شبيها بعيسى. [ويكمل الزمخشري قائلا:] فالمقتول لم يجر له ذكر [أي لم يسبق ذكره في الآية الكريمة].

    وخلص الإمام الزمخشري من ذلك إلى حقيقة هامة جدا أوضحت المعنى الحقيقي من الآية الكريمة، ونفت أن يكون في القرآن اختلاف أو تناقض إذ قال: عبارة "شبه" مسند إلى الجار والمجرور أي مسند إلى "لهم" كقولك "خيل لهم" )

  هذا هو التركيب اللغوي للآية الكريمة. ونعرض أيضا قول:

 (2) الإمام الرازي: الذي علق على رأي المفسرين أصحاب فكرة أ، شبه المسيح ألقي على شخص آخر فقال:

في إلقاء شبه على الغير إشكالات:

الإشكال الأول: أنه إن جاز أن يقال أن الله تعالى يلقي شبه إنسان على إنسان آخر، فهذا يفتح باب السفسطة، وأيضا يفضي إلى القدح في التواتر (أي في المسلمات) ففتح هذا الباب أوله سفسطة وآخره إبطال النبوات بالكلية.

والإشكال الثاني: أن الله أيده بروح القدس، جبريل، فهل عجز هنا عن تأييده؟ وهو الذي كان قادرا على إحياء الموتى، فهل عجز عن حماية نفسه؟

الإشكال الثالث: أنه تعالى كان قادرا على تخليصه برفعه إلى السماء، فما الفائدة بإلقاء شبهه على غيره؟ وهل فيه إلا إلقاء مسكين في القتل من غير فائدة إليه؟

الإشكال الرابع: بإلقاء الشبه على غيره اعتقدوا (أي اليهود) أن هذا الغير هو عيسى، مع أنه ما كان عيسى، فهذا كان إلقاء لهم في الجهل والتلبيس (التمويه) وهذا لا يليق بحكمة الله.

الإشكال الخامس: أن النصارى واليهود على كثرتهم في مشارق الأرض ومغاربها وشدة محبتهم للمسيح (وبغضة اليهود له) وغلوهم في أمره شاهدوه مقتولا ومصلوبا، فلو أنكرنا ذلك، كان طعنا فيما ثبت بالتواتر، والطعن في التواتر يوجب الطعن في نبوة محمد وعيسى وسائر الأنبياء.

والإشكال السادس: ألا يقدر المشبوه به أن يدافع عن نفسه أنه ليس بعيسى؟ ولو ذكر ذلك لاشتهر عند الخلف هذا المعنى. فلما لم يوجد شيء من ذلك علمنا أن الأمر ليس على ما ذكر أولئك المفسرون.

هذا تحليل لنص الآية القرآنية بقلم إمامين عظيمين من أئمة تفسير القرآن الكريم. والنتيجة التي خلصوا إليها هي أن عبارة شبه لهم لا تعني أن شبه المسيح وقع على شخص آخر صلب بدل المسيح، بل أنه شبه لليهود أو خيل إليهم أنهم قضوا على المسيح نهائيا والواقع أنه بعدما مات على الصليب رفع إلى السماء وهو حي باق إلى الأبد.

    كان هذا عن الجانب الأول لفهم الآية وهو الجانب اللغوي. ونأتي إلى الجانب الثاني وهو: