الفصل الخامس

 

مختصر المقالة وملحقها ، للصفي بن العسال

 

1 – الصفي بن العسال وإنتاجه

 

     إن صفي الدولة أبا الفضائل ابن العسال من كبار آباء الكنيسة القبطية . عاش في القاهرة ، وسافر إلى الشام حيث كانت للأسرة دار ، وازدهر في الثلث الثاني من القرن الثالث عشر (نحو سنة 1236م) .

 

     واشتهر الصفي ، شرقا وغربا ، بفضل مجموع القوانين الذي وضعه سنة 1236م ، وعرف باسمه : "المجموع الصفوي"(1) . كما برع في الدفاع عن الإيمان المسيحي ، فألّف أربع مؤلفات قيمة في هذا المعنى ، طبع منها اثنان : "الصحائح في جواب النصائح" و "نهج السبيل في تخجيل محرفي الإنجيل" . وله أيضا مؤلفات لاهوتية وفلسفية ممتازة ، ومواعظ ، وكتب روحية(2) .

 

     وكان للصفي قدرة غير عادية على "التركيب" (synthése) ، يستخلص في لحظة الأفكار الأساسية ، ويرتبها ترتيبا واضحا بينا . فاستخدم هذه الهبة في "اختصار" عشرات الكتب القديمة ، من فلسفة أو لاهوت ، وتعليم روحي أو أدبي .

 

     ومما اختصره الصفي 41 مقالة أو قولا صغيرا ، من مقالات أو أقوال للشيخ أبي زكريا يحيى بن عدي . وجدير بالذكر أن 13 من هذه المقالات لم توجد حتى الآن في الأصل المطول ! فقد أنقذ هكذا من الضياع جزءا لا بأس به من فكر يحيى بن عدي .

 

     وهذه المختصرات محصورة كلها في التأليف اللاهوتي ليحيى . فلم يختصر الصفي المؤلفات الفلسفية المحضة ، وإن كانت الفلسفة داخلة في جميع مؤلفات يحيى بن عدي . 

____________

 

1)       ألف الصفي ابن العسال هذا المجموع سنة 1236م ، في دمشق . ثم اختصره وعدله سنة 1238م ، في القاهرة وأصبح النص الثاني أساس القانون الكنسي في الكنيستين القبطية والحبشية ، إذ قام أحد الأحباش بترجمته إلى اللغة الجعزية في القرن الرابع عشر . كما أصبح فيما بعد النواة الأساسية للقانون الكنسي الماروني . وترجم النص الحبشي إلى الإيطالية والإنجليزية في القرن العشرين .

2)       راجع جراف ج 2 ص 387 – 403 ، لا سيما ص 396 – 397 (رقم 6) .


 

أما النهج الذي اتبعه الصفي في اختصاره ، فهو النهج السائر عند المؤلفين العرب في العصور الوسطى . وهو أن يقتبس المختصر جملا وفقرات وعبارات من النص الأصلي ، دون أي تغيير فيها ، ويلخص أحيانا ، بكلمة أو عبارة ، ما تركه . أي أنه يكاد لا يضيف من عنده شيئا ، بل يستعمل قدر الاستطاعة لغة المؤلف الأصلية وأسلوبه . وسنرى فورا نموذجا يوضح كلامنا هذا .

 

2 – مخطوطات المختصر

 

     إن جميع مختصرات الصفي لمقالات يحيى بن عدي موجودة في ثلاثة مخطوطات ، أحدها مستودع اليوم في مكتبتين مختلفتين :

 

(1)        مكتبة الفاتيكان عربي 134 ؛

(2)        مكتبة ميونيخ عربي 948 / الفاتيكان عربي 115 ؛

(3)        مكتبة دير الشرفة للسريان الكاثوليك (في لبنان) عربي 5/4 .

 

     وهذه المخطوطات الثلاثة لنساخ أقباط . ولما كان المخطوط الثالث لا يحتوي على "المقالة في التوحيد" ، أو على ملحقها ، تركناه ولم نصفه هنا . أما المخطوطان الآخران فهما منقولان بإتقان بالغ ، في القرن الثالث عشر الميلادي ، أي في عصر الصفي ابن العسال نفسه . بل إن المخطوط الثاني المنسوخ سنة 1260م ، أي قبل وفاة الصفي ابن العسال ، قد يكون راجعه مؤلفه بنفسه .

 

     وإليك وصفا وجيزا للمخطوطين :

 

أ – مخطوط الفاتيكان عربي 134(3)

     توجد المقالة في التوحيد وملحقها في ورقة 2 - 10 ظ . وقد فقد هذا المخطوط الكراس الأول(4) ، أي أكثر من نصف المقالة . فالنص يبتدئ فيه برقم 227 من طبعتنا . وهو

____________

 

3)       بخصوص هذا المخطوط ، راجع أنجلو ماي Angelo MAI, Scriptorum veterum nova collectio e vaticanis codicibus, t. 4, codices Arabici vel a Christianis scripti vel ad religionem christianam spectantes (Roma 1831), p. 259-260 (وجدير بالذكر أن واضع هذا الفهرس هو إسطفان عواد السمعاني ، العلامة الماروني ، كما جاء في ص   من المقدمة) – وراجع أيضا PERIER ص 20 – 21 .

4)       قال PERIER (ص 20 في الحاشية) إن المخطوط فقد 10 ورقات . أما ENDRESS (ص 72) ، فيقول إنه فقد ورقة واحدة . وفي الحقيقة ، إذا قارنا النص المفقود بنظيره في مخطوط ميونيخ عربي 242م (= ورقة 55 1 إلى 59 17) يتضح أن مخطوط الفاتيكان فقد 8 ورقات ، لا أكثر ولا أقل ، إلا إذ سبقه فهرس للمخطوطات ، كما في مخطوط ميونيخ ، فيضاف إلى هذا العدد . ويلاحظ أيضا أن الورقة رقم 2 معكوسة ، إذ الظهر سبق الوجه . فيجب قراءة النص إذا هكذا : 2 ظ – 2 - 3 - 3 ظ – الخ .


 

أجمل المخطوطات ليحيى بن عدي (أو قُل للصفي) ، وأوضحها ، وأضبطها . يرجع تاريخه ، في تقديرنا ، إلى منتصف القرن الثالث عشر .

 

ب – مخطوط ميونيخ عربي 948(5) والفاتيكان عربي 115(6)

     يتألف مخطوط ميونيخ من جزءين ، لا علاقة بينهما . الجزء الأول منهما لا يهمنا هنا (ورقة 1-50) . أما الجزء الثاني (ورقة 51-122) ، فهو مختصر ابن العسال ليحيى ابن عدي . ويلاحظ أن هذا الجزء قد رتب ترتيبا خاطئا عند التجليد(7) .

 

     ويتألف مخطوط الفاتيكان من ثلاثة أجزاء ، مكتوبة بنفس الخط ، وكلها مختصرات وضعها الصفي ابن العسال .

 

     فالجزء الأول (ورقة 1-158) يحتوي على مختصر "تبيين غلط محمد بن هارون ، المعروف بأبي عيسى الوراق ، عما ذكره في كتابه في الرد على الثلاث فرق من النصارى"(8).    

 

     والجزء الثاني (ورقة 159-192) ما هو إلا تكملة مخطوط ميونيخ .

 

     أما الجزء الثالث (ورقة 193-295) ، فيحتوي على مختصرات لمؤلفات يحيى بن عدي وغيره من المؤلفين ، وضع الشيخ الصفي .

* * *

 

     وعلى هذا ، فالمخطوط الأصلي كان يتركب من ثلاثة أجزاء أو مجموعات :

 

1-  فاتيكان ورقة 1- 158

2-  ميونيخ ورقة 51-122(9) + فاتيكان ورقة 159- 192

3- فاتيكان ورقة 193- 295

     والمجموع 367 ورقة ، بالإضافة إلى بعض الأوراق المفقودة .

____________

 

5)       راجع Joseph AUMER, Catalogus codicum manuscriptorum Bibliothecae Monacensis, tomus I, pars 5: Verzeichnis der orientalischen Handschriften der königlichem Hofund Staatsbibliothek in Müchen ... nebst Anhang zum Verzeichnis der arabischen und persischen Handschriften (München, 1875), p. 155 (N. 948).                                                                                                       

6)        راجع MAI (انظر حاشية 3) ص 234- 235 . و PERIER ص 18- 19 . راجع أيضا مقال الأب PLATTI . (أنظر الببليوغرافية الفرنسية رقم 112) وتعليقنا عليه (رقم 117 من الببليوغرافية) .

7)        ها هو الترتيب الصحيح : ورقة 51 ، ثم 53 ، ثم 55-62 ، ثم 54 ، ثم 63-122 ، ثم 52 .

8)       راجع الفصل الثالث ، رقم 102 من قائمة مؤلفاته .

9)       مع ملاحظة ترتيب الورقات ، كما أشرنا إليه في حاشية 7 .


 

       أما مقالتنا في التوحيد وملحقها ، فتوجد في الجزء الثاني ، في مخطوط ميونيخ ، ورقة 55 - 62 ظ ، ثم 54(10) ، ثم 63 .

 

     وفي ورقة 295 (11) من مخطوط الفاتيكان نجد تاريخ نسخ هذا المخطوط النفيس : "وكان الفراغ منه بتاريخ السادس والعشرون [كذا] من شهر برموده ، سنة ستة وسبعون [كذا] وتسعمائة للشهداء" . وهذا التاريخ يوافق يوم 23/4/1260م .

 

     أما الناسخ ، فهو مجهول(12) . وقد نسخه للشيخ الأجل الرئيس الشماس سعيد ، كما جاء في ورقة 294 ظ(13) .

 

     وهذه المعلومات تنطبق على جملة المخطوطين (ميونيخ والفاتيكان) . لأن الأوراق ا 72 المحفوظة في ميونيخ وا 295 المحفوظة في الفاتيكان مكتوبة بنفس الخط . وهو خط جميل منتظم ، إلا أن كثيرا من الحروف تركت مهملة (أي بدون نقط) . وقد أتقن الناسخ عمله ، وأضاف حواشي الصفي ابن العسال (بينما ناسخ مخطوط الفاتيكان عربي 134 لم يضفها دائما).

 

3 – مقارنة نص يحيى الكامل بنص الصفي المختصر

 

     كي يكوّن القارئ رأيا شخصيا في العلاقة بين النصين (الكامل والمختصر) رأينا أن أوضح طريقة وأبسطها هي نشر جزء من المقالة ، على سبيل المثال ، على عمودين . فإليك القسم

___________

 

10)          قال ENDRESS (ص 105 رقم 8/19 ، 1) إن المخطوط ناقص هنا . وفي الواقع ، لا يوجد أي نقص في المخطوط .

11)          قال MAI (انظر حاشية 3) ، في ص 235 و PERIER (ص 19) إن التاريخ موجود في ورقة 164 . وهذا خطأ .

12)          قال PERIER (ص 19) إن الناسخ هو الشماس سعيد .  "Tel est l'ouvrage que le diacre Sa‛id s'est chargé de transcrire" فلم يفهم كلمة "اهتم " راجع حاشية 13 .

13)           إليك نص الملاحظة الختامية (colophon) : "هذا ما اهتم به الشيخ الأجل الريس [كذا] الشماس سعيد المعلم [هنا بياض نحو 4 سم ، ثم كلمتان] الريس .

"الرب ينفعه به ، وينور عيني قلبه ، ويعضده بالقوة السمائية [كذا] ، ويكمله بالنعمة الروحانية ، ويؤهله لإرث ملكوته الأبدية ، بشفاعة ذات الشفاعات ومعدن الطهر والبركات ، مريم البتول ، وماري مرقس الإنجيلي الرسول . آمين . آمين . آمين" . ومعلوم أن "المهتم" ، في لغة المخطوطات ، هو الذي يكلف ناسخا بنسخ مخطوط ، ويدفع إليه مبلغا لذلك ، لذلك ، يشكره يشكره الناسخ هنا ، ويدعو من أجله .

 


 

الأول من الباب الثامن(14) ، الموافق لرقم 242 - 268 من طبعتنا . نضع النص الأصلي على عمود اليمين ، والمختصر على عمود اليسار .


 

 

مختصر ابن العسال

 

 

 

وبعد هذا ،

 

ننظر في أقسام

الواحد ،

 

 

 

 

 

 

 

 

 

فنقول : إنه من المحال أن تكون العلة الأولى واحدة جنسا ، ولا نوعا .

 

 

لأن الأجناس والأنواع محتاجة ، في وجودها وجودا ذاتيا ، إلى الأشخاص . فهي علل وجودها . * وعلة العلل لا علة  م 60 لوجودها ، بل هي علة وجود كل موجود سواها .

 

 

 

 

 

 

 

 

نص يحيى الأصلي

 

242                                 وإذ قد تبين أنه واجب ضرورة أن تكون العلة واحدة من جهة ما ، وأكثر من واحدة من جهة أخرى ،

 

243                                 فلنُتْلِ ذلك بإبانة القسم من أقسام الواحد التي يصح أن ينعت به ، والجهات التي هي بها واحد ، والجهات التي هي بها أكثر من واحد ،

 

244                                 والأقسام والجهات (من أقسام وجهات الواحد والكثير) التي يستحيل أن ينعت بها ومنها أنها واحدة وأكثر من واحدة .

 

245                                 فنقول : إنه من المحال أن تكون العلة الأولى (عز وجل) واحدا جنسا ، ولا واحدا نوعا .

 

246                                 وذلك أن الأجناس والأنواع محتاجة ، في وجودها وجودا ذاتيا ، إلى الأشخاص . فهي علل وجودها . وعلة العلل لا علة لوجودها ، بل هي علة وجود كل موجود سواها .

 

247                                 فيجب أن تكون العلة معلولة ، من قِبل وضعها جنسا ونوعا ، وألا تكون معلولة ، من قِِبل خاصة علل العلل .

____________


 

14)   اخترنا هذا القسم لأن مخطوط الفاتيكان عربي 134 يبدأ برقم 227 ، بالإضافة إلى أن الصفحة الأولى مخرومة وملوثة .


 

 


 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

وبهذه السبيل يمتنع أن تكون العلة واحدا نسبة .

 

لأن النسبة * عَرَض في المنسوب .   ف 3

والعرض محتاج في وجوده إلى جوهر يوجد فيه . والمحتاج في وجوده إلى شئ غيره ، معلول .

 

وغير ممكن أيضا أن تكون العلة واحدة كالمتصل .

 

إذ ليس يمكن أن يكون جسما ، كما بيّن أرسطو في المقالة الثانية من "السماع الطبيعي" ، بيانا ظاهرا صحيحا ، يغني عن إطالة هذه المقالة به .

 

 

 

ولا سطحا ، ولا خطّا ، ولا مكانا ، ولا زمانا ، إذ جميع هذه أعراض ، والأعراض معلولة .

 

 

ولا يمكن أيضا أن يكون واحدا غير منقسم .

 

 

248                                 فتكون إذا العلة معلولة ولا معلولة معا . وهذا محال .

 

249                                 فما لزم وضعه هذا المحال ، فهو محال . والذي لزم وضعه هذا المحال ، هو أن العلة واحد ، جنسا و نوعا ، فأن تكون العلة إذا واحدا ، جنسا أو نوعا ، محال .

 

250                                 وبهذه السبيل يلزم هذا المحال بعينه وضع العلة واحدا نسبة .

 

251                                 وذلك أن النسبة عَرَض في المنسوب . والعَرَض محتاج في وجوده إلى جوهر يوجد فيه . والمحتاج في وجوده لغيره ، معلول.

 

252                                 وغير ممكن أيضا أن تكون العلة واحدا كالمتصل .

 

253                                 إذ ليس يمكن أن يكون جسما . فقد بيّن ذلك أرسطوطاليس في المقالة الثانية من كتابه الموسوم بالسماع الطبيعي ، بيانا ظاهرا صحيحا ، يغنينا قرب تناوله من موضعه عن إطالة هذه المقالة به .

 

254                                 ولا سطحا ، ولا خطّا ، ولا مكانا ، ولا زمانا ، إذ جميع هذه أعراض . ويلزم وضعها المحال الذي لزم وضعها نسبة ، من قِبَل أنها عَرَض.

 

255                                 ويستحيل أيضا أن يكون واحدا غير منقسم .

 


 


 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

هو مبدأ للمنقسم

 

 

 

 

 

 

 

لأن كل واحد من أقسامه (كالوحدة والنقطة ، والآن * ومبدأ الحركة) ،              ف 3 ظ

 

 

إنما قوامه ووجوده

إذ كان قولنا "غير منقسم" يدل على معنيين:

 

256                                 أحدهما بمعنى السلب ، وهو الشئ الذي سلب الانقسام منه لا يقتضي معنى مقابلا للانقسام (كاللون والطعم ، وبالجملة الكيفيات ، وسائر الأعراض ، سوى الكمية ومبادئها) .

 

257                                 وهذا القول مناسب لقولنا ، في الصوت والطعم : إنه غير مرئي . وليس إلى هذا المعنى نذهب في قولنا في الواحد غير المنقسم .

 

258                                 والمعنى الثاني من معنى "غير المنقسم" (وهو الذي نشير بقولنا "واحد غير منقسم") هو الذي ، مع أنه غير منقسم ، هو مبدأ لما ينقسم ، من قبل أنه من شأنه أن يكون منه ما هو منقسم .

 

259                                 وهو ضربان : أحدهم بذاته ، وعلى القصد الأول (كالوحدة والنقطة) ، والثاني بالعَرَض وعلى القصد الثاني (كالآن ومبدأ الحركة) .

 

260                                 وذلك أن جميع هذه (أعني : الوحدة والنقطة ، والآن ومبدأ الحركة) تكون منها أقدار منقسمة(15) .

 

 


 

فيما هو له مبدأ .


 

  ___________

 

15)                  العبارة الناقصة هنا (بالنسبة للمختصر) توجد في رقم 265 .


 


 

أما الوحدة ، فإنها ، إذا تكررت ، تقوم عدد.

وأما النقطة ، إذا تحركت ، تقوم(16) خط . والآن يتقوم منه الزمان ، ومبدأ الحركة يتقوم منه الحركة .

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

كلها أعراض ،

والأعراض معلولة .

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

261                                 أما الوحدة ، فإنها ، إذا تكررت ، يقوم عدد . وأما النقطة ، فإذا تحركت ، يقوم خط . وكذلك الآن يتقوم منه الزمان ، ومبدأ الحركة يتقوم منه الحركة .

 

262                                 فإن وُضع أن العلة واحد غير منقسم ، بالمعنى الأول الذي هو سلب المنقسم ، لم يكن لواحد بمعنى غير منقسم معنى خاص .

 

263                                 وإنما يحصل المعاني الباقية من معاني الواحد التي عددناها ، وأفسدنا نعت الواحد بأكثرها ، وبقي علينا الفحص عن اثنين منها .

 

264                                 وليس يمكن أن تكون العلة واحدا غير منقسم بالمعنى الثاني . وذلك أنه لا يمكن أن يكون وحدة ، على ما بيّنا ، ولا نقطة ، ولا آن ، ولا مبدأ حركة .

 

265                                 إذ كان كل واحد من هذه ، إنما قوامه ووجوده فيما هو له مبدأ . وكل هذا عَرَض ، فالعَرَض عل لوجودها . وهي معلولة له ، واالعَرَض معلول ، فهي معلولة لمعلول .

 

266                                 وقد بيّنا أن العلة الأولى لا يمكن أن تكون معلولة . فغير ممكن إذا أن تكون واحدة بمعنى غير منقسم .

 

267                                 وإذ قد استحالت من الستة الأقسام (التي يدل عليها اسم الواحد) خمسة

____________

 

16)   في مخطوط ميونيخ (م) : "يقوم" .


 

 


 

 

 

 


 

 

 

فما بقي إلا

الواحد بالحد .

 

فالحد (وإن شئت ، القول الواصف) للعلة الأولى واحد .

 

 

 

(وهي : الجنس ، والنوع ، والنسبة ، والمتصل ، وغير المنقسم) ، فقد وجب القسم الباقي ، وهو الواحد الحد .

 

268                                 وذلك أن الحد (وإن شئت ، فقل "القول الواصف") للعلة الأولى واحد .

 


 

4 – الخلاصة

 

     يتضح من هذا المثال أن صفي الدولة أبا الفضائل ابن العسال لم يترك شيئا من معاني المقالة ، وإن كان قد حذف نصف نص المقالة تقريبا ، وأحيانا أكثر . وهذا يرجع إلى أن أسلوب يحيى بن عدي فيه بسط وتحليل كثير ، بل إطناب أحيانا .

 

     وفي رأينا أن مختصر ابن العسال أفضل من نص يحيى الأصلي ، إذ إنه كثيرا ما تضيع الفكرة في مقالة يحيى ، بينما المختصر يلتقي العناصر الأساسية ويترك جانبا الثانوية منها ، فيوضح الفكرة . وهذا يفترض عند ابن العسال مقدرة على استخلاص الأساس ، ومعرفة للفلسفة ، وقوة على الإيجاز .