يوم قبل وفاة محمد

مواطن تأثر الإسلام بالوثنية



قد يدهش الكثير من القراء عند ما يعرف أن الإسلام قد أخذ من الجاهلية كثيرا من الشؤون الدينية الشعائرية من الحياة الوثنية.
ففي الخطاب القرآني ورد ذكر كثير من أصنام العرب في معرض التنديد غالبا. وأحيانا في معرض الإشارة كتلك الآية المنسوخة من سورة النجم والتي ورد فيها: "واللاة والعزى
ومناة الثالثة الأخرى……… تلك الغرانيق العلى وإن شفاعتهن لترتجى". وهي الآية التي يذكر المفسرون أن الشيطان ألقاها في فم محمد عندما كان جبريل يلقنه الوحي. حتى أنه ورد في الخطاب القرآني ما يبرر نسخها بقوله: "وما أرسلنا قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته. فينسخ الله ما يلقي الشيطان، ثم يحكم الله آياته والله عليم حكيم" (15).
ومن ذلك ما ورد في الخطاب القرآني من تسمية زوج المرأة ب "البعل" تعظيما لمكانته وسطوته عليها. وجاء ذلك في أكثر من آية. ومثال ذلك قوله: "وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا فلا جناح عليهما ان يصلحا بينهما……… "، وقوله: "قا لت يا ويلتي أألد وأنا عجوز وهذا بعلي شيخا" (17). وقوله: "وبعولتهن أحق بردهن في ذلك إن أرادوا إصلاحا" (18). وقوله: "ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن…… "(19).
ولكن البيان القرآني الذي يسمى الرجل الزوج بعلا للتدليل على علو مكانته وتميزه عن زوجته، يندد ببعل الإله الصنم في آية أخرى فيتسائل مستنكرا: "أتدعون بعلا وتذرون أحسن الخالقين" (20). والغريب في هذه الآية أنها تشير إلى تعدد الخا لقين. وإلى أن الله هو أحسنهم، وذلك عند تناولها التنديد ببعل.
أما الإله الصنم عزيز وهو ذكر "العزى" فقد تحول إسمه في الخطاب القرآني إلى "عزيز"، وربما كان سبب الإختلاف هو التنقيط الذي أدخل على حروف القرآن. بل إن الخطاب القرآني اشتق من "عزيز" فعل التعزير كقوله: "… لئن أقمتم الصلاة وآتيتم الزكاة وآمنتم برسلي وعزرتموهم…… " (21). والمقصود ب "عزرتموهم" هو (قبلتم أن رسلي هم من عزير).
وتكرر الفعل المشتق من عزير في الآية القائلة: "فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور … " (22). وكذلك في قوله: "لتؤمنوا بالله ورسوله وتعزروه … " (23).
وأنكر الخطاب القرآني في الآن ذاته على اليهود أن يزعموا بأن العزيز (عزير) هو إبن الله: "وقالت اليهود عزير ابن الله" (24).
وإذ نكتفي من الخطاب القرآني بما أوردناه، ننتقل إلى الشعائر التعبدية الموروثة وفي طليعتها تعظيم البيت الحرام (الكعبة)


الحج قبل الإسلام


جاء الإسلام وأبقى على تقديس الكعبة ومكة وأطلق عليها البيان القرآني ما أطلـق من ألقاب التشريف والتي لا نرى موجبا لذكرها نظرا لكثرتها. ومن الثابت أن العرب قبل الإسلام كانوا يحجون في شهر ذي الحجة من كل عام. وكانوا يقومون بذات المناسك التي يقوم بها المسلمون حتى اليوم.
فالتلبية في الحج هي نفسها (مع حذف بعض عبارات فيها شرك بالله). ولم يتبدل الإحرام ولا ارتداء ملابس الإحرام، ولا سوق الهدى وإشعاره، ولا الوقوف بعرفة أو الدفع إلى مزدلفة. كذلك لم يتبدل التوجه إلى منى لرمي الجمرات ولا النحر ولا الطواف حول الكعبة سبعة أشواط. فكل ذلك لم يزد أو ينقض في الإسلام. واستمرت عادة تقبيل الحجر تعظيما له. كما استمر السعي بين الصفا والمروة.
جاء الإسلام وورث من العرب قبله هذه الفريضة بذات المناسـك واستخـدم الألفا ظ نفسها في التلبية بعد أن طهرها من عبارات الشرك، وأضاف عليها عبارات التوحيد. ورغم ذلك فإن الطواف يستمر حول حجر أسود، والسعي بين الصفا والمروة يبقى سعيا بين الصنمين "أساف" و "نائله". لقد كان قدامى الوثنيين العرب إذا اغتسلوا وتوضأوا طافوا حول الصنم دفعات معدودة ويستلمون الصنم فيقبلونه، أو يتقربون منه بتلبية معلومة، ومنها تلبية ذو الكفين وهو صنم دوس وقد رواها ابن حبيب على الشكل التالي:
"لبيك اللهم لبيك. إن جرهما عبادك. الناس طرف وهم تلادك ونحن أولى منهم بولائك".
وروى تلبية الصنم "نسر" كذلك فذكر أنهم كانوا يقولون في طوافهم: "لبيك اللهم لبيك لأننا عبيد. وكلنا ميسرة وأنت ربنا الحميد".
كذلك روى تلبية شمس، صنم بني تميم كما يلي:
لبيك اللهم لبيك، ما نهارنا نجرّه. أزلامه وحرّه وقرّه. لا نتقي شيئا ولا نضره، حجا لرب مستقيم برّه".
واستبدل المسلم في حجه الصنم بالله، وعبارات الشرك بعبارات التوحيد، وأبقى التمجيد في التلبية لإله واحد لا شريك له. وفي ما عدا ذلك بقيت الشعائر والمناسك نفسها من قص النواصي وحلق الشعور، ورمي الجمرات أو الحصى. إنما ألغى الإسلام طواف العذارى عاريات حول أصنام الكعبة، فقد كن يرقصن مسبلات ذيولهن كمـا روى امرؤ القيس:
فعنّ لنا سرب كأن نعاجه عذارى دوار في ملاء مذيل.
والواقع أن نساء بعض العرب كنّ يفعلن ذلك لا من باب الإنحلال الخلقي، كما يحاول أن يوهم بعض الدعاة، وإنما لشدة تقديسهن للكعبة، خشية أن يطفن بها، ويقبّلن الحجر الأسود، بالثياب التي كنّ قارفن فيها ذنوبا وآثاما.
وسيتبادر لذهن القارىء هنا أنني أتحدث عن أصول وثنية للحج فيما كنت تحدثت عن أصول نصرانية للكعبة، والواقع أن الجذور الوثنية سبقت وعاصرت الأصول المسيحية. وهذه الأصول لم تتوحد، بل أظهرت تناقضا ملموسا، وكان هذا من جملة أسباب ظهور الحمس المتحنفين ثيابا يطوفون بها حول الكعبة، باعتبار أن المتحنفين متشددون ومتطهرون.
الأشهر الحرم والوثنية
وأبقى الإسلام كذلك على عادة الوثنيين في تحريم الأشهر الحرم. والواقع أن العرب قاطبة، يهودا ونصارى ووثنيين كانوا يعتبرون أشهر ذي القعدة، وذي الحجة، ومحرم، ورجب أشهرا حرما. أما شهر رجب قبل الإسلام فهو شهر العمرة. وما زلنا حتى الآن نسمع عن "الرجيبة" وهي العمرة التي تتم في شهر رجب. وكان العرب يسمونه الفرد فيقولون: "ثلاثة سرد وواحد فرد".


يوم الجمعة

ولم يكن هناك في الإسلام ما يقال له يوم الجمعة حتى استحدثها كعب بن لؤي. فقد كان يقال ليوم الجمعة "يوم العروبة" (25). وكان يوم اجتماع عام تناقش فيه القبائـل أوضاعها السياسية والإجتماعية، وكان بمثابة مؤتمر عام. وقد حافظ المسلمون الأوائل على هذه الصفة إلى أن تحول "الجمعة" إلى يوم عبادة يستسلم فيه المسلم لمواعظ وفتاوى الفقيه، الذي سبق واتعظ قبل ذلك من الحاكم أو الوالي.


الرقى والتعاويذ

ويلتقى الإسلام مع الوثنية، كذلك، في الرقى والتعاويذ. فلقد كان العرب قبل الإسلام يتلون العزائم لأصنامهم ويرقون لإخراج الشياطين والجان. وأكثر ما استعمل العرب الرقى قبل الإسلام، كان في الشفاء من لدغ الثعبان والعقرب والنملة. وكانت "الشفّاء بنت عبد الله ترقى قبل مبعث محمد من لدغ النملة، وهي ممن بايعن محمدا بن عبد
الله وهاجرت معه إلى المدينة. وقد طلب منها نبي الإسلام أن تعلم رقية النملة إلى زوجه حفصة بنت عمر، فإنه لم يجد شركا في كلمات الرقية (26). وكان آل حزم
كذلك ممن يرقون من لدغ الأفعى، وقد طلب نبي المسلمين من عمارة بن حزم أن يرقى بعض أصحابه بعد أن راجع نص الرقية فلم يجد به شركا (27).


الحسد

وانتقلت من الوثنية إلى الإسلام عادة الإيمان بالحسد وتأثير الحاسد. وأقر بذلك الخطاب القرآني في قوله: "قل أعوذ برب الفلق ومن شر
ما خلق. ومن شر غاسق إذا وقب. ومن شر النفاثات في العقد. ومن شر حاسد إذا حسد" (28).


العين

وانتقل إلى الإسلام من الوثنية الإعتقاد بتأثير العين، وهي بخلاف الحسد. ويقول "ابن قيم الجوزية أن "كل عائن حاسد وليس كل حاسد عائن" (29). وفي حديث عن نبي الإسلام روي عن أبي هريرة في الصحيحين قوله: "العين حق". كما ورد في الصحيحين عن عائشة قولها: "أمرني النبي صلعم أن نسترقي من العين". كما أخرج البـزار بسند حسن رفعه عن جابر قول نبي الإسلام: "إن العين لتدخل الرجل القبر والجمـل القدر".


النفث

ومن الوثنية انتقل إلى الإسلام الإعتقاد بتأثير "النفث في العقد" وهو من ضروب السحر ويقال عنه أنه "أشد من النفخ وأقل من القفل" فقد قال قبل الإسلام متمم بن نويرة:
نفثت في الخيط شبيه الرقى من خشية الجنة والحاسد
وقال عنترة بن شداد:
فإن يبرأ فلم أنفث عليه وإن يفقد فحق له المفقود
وأقر الخطاب القرآني بذلك في سورة "الفلق" التي ورد ذكرها آنفا. بل إن المعوذتين وهما سورة "الفلق" و "سورة الناس" قد أنزلتا بوحي إلى نبي المسلمين لترقيه بهما أصغر زوجاته عائشة فقد كان ـ حسب ما روته ـ "يشعر بأنه يأتي النساء ولا يأتيهن" (30).

حمل هذا الكتاب

الصفحة الرئيسية

 مقدمـــــة

مدخــــل

ما هي هذه الحكمة الخفية

صورة الفكر اليهودي والمسيحي إبان ظهور الاسلام

وضع اليهود عامة إبان ظهور الإسلام

الإسرائيليات في الإسلام

الأسفار الحكمية والحديث

صورة الفكر النصراني قبيل وإبان ظهور الإسلام

مأساة الكنيسة

هل كان محمد نصرانيا

متاعب الكنيسة في الغرب

الحنيفية والكسائية

موقف نبي الاسلام من المسيحية

والقرطاس عليه الصليب

الصليب ليس وثنا

الآثار النصرانية في العبادات الإسلامية

الانجيل في الحديث والأمثال والحكم

الوثنية قبيل وإبان ظهور الإسلام

مواطن تأثر الإسلام بالوثنية

المرأة وتعدد الزوجات

تمييز العربي عن غيره

خاتمة الجزء الأول

الصفحة الرئيسية