يوم قبل وفاة محمد

مأساة الكنيسة



لم تثر عقيدة دينية من الخلاف والنقاش ما أثارته العقيدة المسيحية في جوهر وطبيعة مؤسسها. ربما لأنهم أرادوا للمسيحية أن تكون دينا فيما يسوع أرادها حركة حياة. وهكذا مرت عليها نحو سبعة قرون منذ تأسيسها وهي في حالة حرب مستمرة مع نفسها ومع مؤيديها ومع أعدائها.
والظاهرة الملفتة فعلا ، أن أكثر ما صادف المسيحية من حركات هرطوقية وزندقة في تلك الحقبة كان مصدره الشرق، الذي ورث عن اليونان شغفهم بتحديد ما لا حدّ له. ولن نستطيع أن نبحث ظروف نشوء البدع النصرانية ، في الشرق خاصة، ما لم نعرض للإشكالات التي وقع فيها أتباع المسيح وهي في أساسها لغوية ـ كما أعتقد جازما. وذات الله التي "تأنست فصارت إنسانا وصلبت على عهد بيلاطوس البنطي". كانت مثار لبس وغموض في ذهن المسيحي الشرقي في القرون السبعة الأولى ، ولم يستطيع منطقه اللغوي بالتالي قبول "الله الواحد في ثلاثة أقانيم"، ولم يستطع أن يؤمن كيف أن الله "الآب ضابط الكل خالق السماء والأرض ، كل ما يرى وما لا يرى"، هو نفسه "الرب الابن" الذي أسلمه يهوذا الأسخريوطي إلى الجلادين فعذب وصلب ومات "وقام في اليوم الثالث كما في الكتب". وهو نفسه الروح القدس "الرب المحيي" الذي أرسله الإبن إلى الرسل فحلّ فيهم. فنطقوا بكل لغة قوم دخلوا أرضهم.
وما حيّر ذهن المسيحي في تلك الحقبة أن المسيح نفسه ، في تعاليمه وإنجيله، ينطق مرة بلسان الآب، وينطق ثانية بلسان الإنسان. وهو حسب المعتقد الكاثوليكي بطبيعتين ومشيئتين:
" ليس كل من يقول لي: يا رب، يا رب يدخل ملكوت السموات بل الذي يعمل إرادة أبي الذي في السموات. كثيرون سيقولون لي في ذلك اليوم: يا رب يا رب ، ألم بكن باسمك قد تنبأنا وباسمك قد أخرجنا الشياطين ، وباسمك صنعنا عجائب كثيرة ؟ فحينئذ أعلن لهم أني ما عرفتكم قط ، أبعدوا عني يا فاعلي الإثم" (متى 21:7).
"أما ذلك اليوم وتلك الساعة ، فلا يعلمها أحد، ولا ملائكة السموات ولا الإبن ، إلا الآب وحده"
"يا أبتاه إن أمكن فلتجز عني هذه الكأس ، ولكن ليس ما أريد أنا بل ما تريد أنت" (متى 36:24 و 39:26)
وهكذا نرى أن المسيح يظهر في هذه الآيات وغيرها ، مرة على أنه هو الله: (ليس كل من يقول لي يا رب يا رب) ثم فجأة يتحول إلى إنسان عادي: (بل الذي يعمل إرادة أبي الذي في السموات) ولقد أدى ذلك مثلا إلى خلاف حول طبيعة المسيح ومشيئته ، وأدى بالتالي إلى انقسام الكنيسة ، فظهرت بدع عديدة على أيدي رجالات من الكنيسة. ومن هذه البدع ما اندثر ، ومنها ما بقي واستمر إلى اليومز ولست بصدد ذكر هذه البدع جميعها، وتفصيل معتقداتها ، وإنما سأكتفي منها بما كان مؤثرا منها على ساحة التفاعل المسيحي ـ الإسلامي. وهكذا سأهمل كلا من بدعة "سيمون"، وبدعة "ساتورنينوس" (في القرن الأول للميلاد)، وكذلك كلا من "شردون" و "والتيتنوس" و "تاسيان" و "منتانوس" (في القرن الثاني للميلاد)، و "بولس السميساطي" و "المانوية" (في القرن الثالث للميلاد)، وسأكتفي بالبحث في كل من "الأبيونية"، "ألأريوسية" و "البيلاجوسية" ، "النسطورية" ، و "اليعاقبة" ، إضافة إلى "المريمانية" و " الكسائية" لأن هذه البدع كانت فاعلة قبيل وإبّان ظهور الإسلام.

حمل هذا الكتاب

الصفحة الرئيسية

 مقدمـــــة

مدخــــل

ما هي هذه الحكمة الخفية

صورة الفكر اليهودي والمسيحي إبان ظهور الاسلام

وضع اليهود عامة إبان ظهور الإسلام

الإسرائيليات في الإسلام

الأسفار الحكمية والحديث

صورة الفكر النصراني قبيل وإبان ظهور الإسلام

مأساة الكنيسة

هل كان محمد نصرانيا

متاعب الكنيسة في الغرب

الحنيفية والكسائية

موقف نبي الاسلام من المسيحية

والقرطاس عليه الصليب

الصليب ليس وثنا

الآثار النصرانية في العبادات الإسلامية

الانجيل في الحديث والأمثال والحكم

الوثنية قبيل وإبان ظهور الإسلام

مواطن تأثر الإسلام بالوثنية

المرأة وتعدد الزوجات

تمييز العربي عن غيره

خاتمة الجزء الأول

حمل هذا الكتاب

الصفحة الرئيسية