يوم قبل وفاة محمد

هل كان محمد نصرانيا



إنما قبل التفصيل في هذه البدع لا بد من البحث في ديانة نبي الإسلام قبل أن يتولى تبليغ رسالته. فهل كان وثنيا ؟ … أم أنه كان على واحدة من هذه البدع التي ذكرت ؟! أم أنه قبل الرسالة كان حائرا بين هذه البدع المختلفة فما أن صدع بالرسالة حتى تولى أمر تسوية تلك الخلافات؟ !! وفي هذا الاحتمال الأخير نشير إلى أن الخطاب القرآني طالبه صراحة بأن يكون الحكم الفيصل كل خلافات الأحزاب، بل وخصصت سورة لمثل ذلك وحملت اسم "الأحزاب" وأشير هنا بالذات إلى آية صريحة وردت في الخطاب القرآني ، وفيها قوله: "فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكّموك بما شجر بينهم"(1).
إن سلسلة نسب نبي الإسلام تنفي الوثنية عن جدوده بدءا من اسم أبيه، عبد الله الذي لا يعقل أن يتسمى به وثني ، وانتهاءا ب "الياس" بن فهر الذي لا يمكن أن يكون إلا نصرانيا.
كذلك معروف عن قبيلة "بني النجار"، وهي القبيلة التي تنتسب إليها أمه ، آمنة بنت وهب أنها من قبائل النصارى العرب. وأن أمه ماتت على نصرا نيتها، وأن نبي الإسلام حاول أن يستغفر لها ، وأن يطلب لها الحياة مجددا لفترة قصيرة ، وبما يكفي لها أن تتوب ، لولا أن الله لم يسمح بذلك بحسب الحديث المنسوب إليه.
ولقد حاول نبي الإسلام أن يقنع عمه أبا طالب بهجر البدعة النصرانية التي كان عليها ـ وأعتقد أنها النسطورية ـ لكن التأريخ الإسلامي يذكر لنا أنه أبن ذلك.
بيد أن الدليل الحاسم على نصرانية نبي الإسلام ، قبيل اضطلاعه بالرسالة الإسلامية ، يكمن في حادثة زواجه الأول من خديجة بنت خويلد. ذلك أنه من الثابت تاريخيا أن القس ورقة بن نوفل هو الذي تولى عقد القران ، بحضور عم محمد بن أبي طالب الذي ألقى قصيدة شهيرة في المناسبة. والقس ورقة، كما يدل عليه لقبه ، يتولى مسؤولية كهنوتية ، وبغض النظر عن البدعة النصرانية التي ينتمي إليها ـ وسنبحث في تفصيل ذلك لاحقا ـ فإن الرجل ولا شك كاهن نصراني (2)، وينتمي إلى قبيلة أسد النصرانية والتي تنتمي إليها خديجة نفسها.
هنا نصل منطقيا إلى تحديد تاريخي لا يمكن تجاهله أو الحياد عنه. وذلك للأسباب التالية:
1 - من الثابت أن الذي تولى عقد القرآن كان قسيس (3)
2 - وأن هذا القسيس هو ابن عم خديجة (العروس)
3 - وأن عقد القرآن تم قبل تكليف محمد بالرسالة بسنوات. وهذا يعني أن كاهنا قسيسا سيزوج ابنة أخيه ، أو ابنة عمه (هناك روايتان بهذا الصدد) بشاب لم يكن مسلما بعد، فان كان نصرانيا تم تعميده في تاريخ سابق فانه لا مشكلة تعترض القسيس الكاهن لإتمام مراسم الزواج ، وان كان وثنيا وقتذاك - على سبيل الافتراض ـ فان القس ورقة النصراني والكاهن ما كان يقبل إتمام مراسم الزواج قبل أن يعتنق العريس النصرانية وأن يتم تعميده أصولا. وفي كل الاحتمالات نجد أنفسنا مجبرين على التأكيد بأن محمدا كان نصرانيا، عندما تزوج خديجة، ولا يمكن ترجيح احتمال آخر (4).
ولكن النصرانية في الأيام ، بل السنوات القليلة التي أعقبت ضلوع محمد برسالة الإسلام، كانت شيعا وأحزابا وبدعا ، وتحديد البدعة التي كان عليها نبي الإسلام قبل إسلامه، يقتضينا أن نعود مجددا إلى تحديد الطبيعة العقائدية لكل بدعة ، من تلك التي كانت فاعلة قبيل وإبان ظهور الإسلام كما أسلفنا.

الأبيونية

يذكر بعض اللاهوتيين المسيحيين أن يوحنا الرسول كتب إنجيله خصيصا ليفند ضلال هذه البدعة.
ويمكن إيجاز هذه البدعة التي خرج بها أبيون في أورشليم (القدس) خلال القرن الأول للميلاد بمسألتين:
• المسيح كان بشرا ، ولد من يوسف ومريم ، ولكنه أحرز الفضائل ، فاختاره الله ابنا له يوم عماده
• آمن بعض اتباعه بأن العذراء حبلت بالمسيح بفضل الروح القدس ، لكنهم أنكروا أنه مساو للآب
والواقع أن أبيون هذا يهودي متنصر، وكان يقيم مع أتباعه إنجيل متى فقط وكانوا يسمونه: "الإنجيل بحسب العبرانيين"، وهو إنجيل متى الأرامي لكنه ناقص ومحرّف ، وأما فروضهم فتتركز على الاغتسال الدائم بالماء للوضوء والتطهير ، وعلى تحريم الذبائح ، والتشديد على أعمال البر ورعاية الأيتام والعناية بالفقراء والمساكين وأبناء السبيل. وهكذا كان اعتقادهم لا يريد "المغالاة" في المسيح بتأليهه.

الأريوسي

بنسبة إلى أريوس (القرن الرابع للميلاد)، وهو مصري ولد في ليبيا ، حرمته مجامع الكنسية لكنه دأب على دعوته وتتلخص بدعته في ما يلي:
• المسيح ابن الله غير مساو للآب في الجوهر
• (المسيح) الكلمة ـ أخذ في تجسده الجسد دون النفس ، وكان يمكنه اقتراف الآثام كباقي الناس، لكنه تسامى بالفضائل فعصمه الله منها.
• أنكر الوهية المسيح

البيلاجوسي

ظهرت سنة 404 على يد راهب بريطاني يدعى بيلاجيوس ، زار روما وقرطاجنة ، وافريقية ، وفلسطين ، وكان له أتباع كثيرون ، وتتلخص بدعته في ما يلي:
• خلق الله آدم وحواء مائتين. ولم يحمّل خطيئتهما لذريتهما بل لنفسيهما ، وهذا يعتبر نقضا للخطيئة الأصلية.
• نعمة الله ليست ضرورية للانسان ليعمل بوصايا الله بل تكفيه حريته الشخصية.
• الانقياد للشهوة ليس إثما ولا شرا. والفضائل مواهب طبيعية لا دخل لنعمة الله فيها.
• الأطفال يموتون لعلم الله المسبق بالخير أو الشر الذي كانوا سيصنعونه.

النسطورية
هي من أكثر البدع انتشارا وبقاءا في تاريخ الكنيسة كله، ومؤسسها كاهن إسمه نسطور من مرعش. نشأ في نواحي أنطاكية وعرف بورعه وعلمه، أصبح بطريكيا لقسطنطينية ، حارب البدع والهرطقات ثم أظهر بدعته فقد قال مرة في احدى خطبه: كيف يكون لله أم ؟، فان صح ذلك كان معثرة للوثنيين بإتيانهم بأمهات آلهتهم اإلى هياكلهم. كلا ان مريم لم تلد إلها، إذ لا يلد الجسد إلا الجسد. وأما ما يلده الروح فهو روح ، لا تستطيع الخليقة أن تلد الخالق ، بل ولدت انسانا هو آلة الله. وكان ذلك سنة 428. توفي في إفريقيا ، وفي موته قصص كثيرة. وتتلخص بدعته في التالي:
• الإنسان الذي تجسد في أحشاء العذراء هو غير كلمة الله الوحيد
• ما التجسد إلا حلول كلمة الله في ذلك الانسان بمنزله هيكل له
• المسيح ليس اإلها بل هيكلا لله
• العذراء لا تدعى أم الله بل أم المسيح
• أرسل الله المسيح اإلى العالم كأحد الرسل والأنبياء
ويعرف أصحاب هذه البدعة بالنسطوريين ، وسمي من عاد منهم اإلى الكنيسة بالكلدان الكاثوليك.

اليعاقبة
وهي من أهم البدع التي انتشرت في القرن السادس ، وأسسها الراهب يعقوب البردعي وكان راهبا في دير بالرها ورقّي إلى أسقفيتها عام 541م ولقب بيعقوب البردعي لأنه كان يلبس البردعة ويتقشف في لباسه. وقيل عنه أنه سافر في الدنيا كلها ودخل بلاد الشرق فمصر والشام وبلاد الحبشة والنوبة.
أما ما جاء به البردعي فلم يكن جديدا. فلشدة اإيمانه بفكرة اوطيخا (7) القائلة بطبيعة المسيح الواحدة ، حاول جمع ألأوطاخيين والأريوسيين والنساطرة في كنيسة واحدة. وأضاف Yنه ما دام للمسيح طبيعة واحدة فهو لا شك يملك مشيئة واحدة. ونجح الى حد ما في مهمة جمع الأوطاخيين والأريوسيين والنساطرة في كنيسة واحدة ، لكنها ما لبثت أن انشطرت الى كنيسة أنطاكية اليعقوبية. وكنيسة الإسكندرية التي دعيت فيما بعد: "القبطية" ، ومن هذه الأخيرة الحبشة وكان مليكها "النجاشي".

المريميون
انتشرت هذه البدعة في جهات العرب ، وكان أصحابها يبالغون في عبادة مريم العذراء ، فيقدمون لها نوعا من القرابين أخصها أقراص العجين والفطائر دعاهم إبن البطريق ب "المريمية
والبربرانية"، وذكر أنهم كانوا يقولون بأن المسيح وأمه إلهان من دون الله. وقد ذكرهم أيضا إبن تيمية، فسماهم ب "المريامانيين" وعلى هذا الأساس شرح مفسرو القرآن قوله: "يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي الهين من دون الله" ……… (5). وكذلك شرحوا قوله في سورة النساء "ولا تقولوا ثلثة" أي لا تقولوا الآلهة ثلاثة: الله والمسيح ومريم ، وهكذا ورد في شرح البيضوي والزمخشري وغيرهما.

الكسائية:
شيعة نصرانية انتشرت في الجزيرة العربية. وقد مدحت السيرة الحلبية أتباعها، لكثرة ما يعرفون عن الحق "ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق" (6) ، وهم أهل العلم في القرآن، وهم النصارى المسلمون قبل المسلمين "وأوتينا العلم من قبلها وكنا مسلمين" ……… (7).

حمل هذا الكتاب

الصفحة الرئيسية

 مقدمـــــة

مدخــــل

ما هي هذه الحكمة الخفية

صورة الفكر اليهودي والمسيحي إبان ظهور الاسلام

وضع اليهود عامة إبان ظهور الإسلام

الإسرائيليات في الإسلام

الأسفار الحكمية والحديث

صورة الفكر النصراني قبيل وإبان ظهور الإسلام

مأساة الكنيسة

هل كان محمد نصرانيا

متاعب الكنيسة في الغرب

الحنيفية والكسائية

موقف نبي الاسلام من المسيحية

والقرطاس عليه الصليب

الصليب ليس وثنا

الآثار النصرانية في العبادات الإسلامية

الانجيل في الحديث والأمثال والحكم

الوثنية قبيل وإبان ظهور الإسلام

مواطن تأثر الإسلام بالوثنية

المرأة وتعدد الزوجات

تمييز العربي عن غيره

خاتمة الجزء الأول

حمل هذا الكتاب

الصفحة الرئيسية