اجابات أسئلة


الرد:
لماذا جاء المسيح؟.. وادعاء التحريف… سؤال يتردد كثيراً في الأذهان … لماذا جاء !.. والإجابة في الغالب تأتي إجابة تقليدية بعيدة عن الحقيقة فنحن غالباً سطحيون في كثير من القضايا الهامة في حياتنا ، مستعدون للإجابة عن أي سؤال بدون عمق .
لماذا جاء المسيح ؟
.. سؤال طرح علينا ، يقول : لماذا جاء ؟.. أما يكفي ما جاء به من الأنبياء من قبله من تعاليم وإرشادات وشرائع وسنن ، وأنظمة وتقاليد دينية ؟… فقبل الإجابة على السؤال ماذا لو طرحناه بدورنا على مجموعة من الناس في الشارع العام ، أتوقع أن لو حصل ذلك لسمعنا خليطاً من الأجوبة التقليدية التي غالباً ما تكون بعيدة عن جوهر ما جاء المسيح لأجله . قال أحدهم : أنبياء كثيرون جاؤا قبل المسيح والأنبياء متشابهون في إرسالياتهم ، فكلهم/ عن بكرة أبيهم/ دعوا للتوبة والرجوع إلى الله ، ونقلوا كلام الله لشعوبهم ، والمسيح واحد منهم لم يتميّز عنهم بشيء . وقال آخر : جاء المسيح لقومٍ معين ليهديهم إلى الحق . وما سبقه من أنبياء جاؤا لأقوامٍ أُخر ولغرضٍ مماثل . وقال ثالث : جاء المسيح رسول من الرسل ليذكر الناس بعبادة الله ويهديهم للحق . هذه عينات من الأجوبة التي تحاول أن تُفسِّر :
" لماذا جاء المسيح " ؟
أجوبة تقليدية سهلة تتحدث عن صورة عامة لم يحاول أصحابها أن يتحملوا عناء الغوص في دراسةٍ جادة للكشف عن لغزٍ يبدو غامضاً في أذهان الكثيرين خارج الوسط المسيحي . وهذا بالتالي أبقى على الغموض في مَنْ تُرى يكون المسيح ؟ أهو مجرد نبي ؟.. أو ماذا ؟.. فالغموض الديني والإبهام والوهم صورٌ مستقرة في حياتنا الدينية في الشرق ، نورثها من جيل إلى جيل ، إذ أنَّ الكثير من معتقداتنا الممارسة لا تستند على نصوص الوحي بل تعتمد على أعرافٍ متوارثة وتقاليد اجتماعية تتناقلها الأجيال دون أن نتفحَّص هذا المعتقد أو ذاك هل هو مبني على علم صحيح ، أو مجرد فكرة طرحها خطيب متحمس فلاقت رواجاً فتناقلتها العامة وكأنها منزلة من عند الله !… فالعقائد المسيحية في الشرق يحف بها الغموض والإبهام في أذهان غير المسيحية ، وهناك أقاويلٌ وهمية يتناقلها الناس من حولنا بخصوص عقائدنا لا أساس لها من الصحة ، ومنها مقولة تدعي بأن التوراة والإنجيل محرفان . وعند محاورة أصحاب مثل هذه المقولة الخيالية لإثبات الادعاء ، يبكم الأفواه دون أن تقدم حجة علمية أو وثائقية أو منطقية تكون في مستوى الادعاء المعقول . إنما الفكرة موجودة في رؤوس الملايين وليس من يقدم حجةً واحدة تثبت صحة الادعاء ، وكل ما هنالك أنها مقولة مُخَزَّنة في أذهان الناس لا تدعمها حجة . فهذا الواقع الذي تتكرر مشاهده من حولنا يجعلنا أن نقول لأصحاب الادعاء : هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين ، فالادعاء بتحريف التوراة والإنجيل ادعاء خطير ، وجريمة كهذه لابد أن تترك وراءها آثاراً يدل عليها . إذ يقال أن المجرم يترك دائماً وراءه آثاراً تدل عليه . ثم نتساءل لماذا يُحرَّف الكتاب المقدس ؟.. ومن يستفيد من تحريفه ؟.. وهل عندما حرفه محرفوه خففوا مثلاً من أحكام الله فيه كي يسهل عليهم ارتكاب الإثم ؟.. ولكن كتاب التوراة والإنجيل شديد على الكفار من زناةٍ وسارقين وكاذبين وظالمين ، وخاطئين وجاحدين لنعم الله . ثم كيف يُحرِّف انسانٌ مؤمنٌ كتابَهْ !.. ولو حصل ، أين الله من هذا المجرم الرديء؟.. وأخيراً نقول لو كان التحريف في نسخةِ كتابٍ واحدٍ فريدْ فقد تَمُرُّ العملية ، لكننا أمام ملايين النسخ من التوراة والإنجيل المنتشرة بلغات العالم ، فكيف يُوَفَّقْ من حرَّف الكتاب أن يُحرِّفَ كلَّ تلك النسخ ، فتأتي متطابقة كنسخة واحدة . لأن التوراة والإنجيل كانت منتشرة قبل الإسلام بمئات السنين ، وبلغات العالم المعروفة آنذاك . ثم إنَّ الكتاب المحرف كتاب فاسد ، وهذا لا يربي شعوباً راقية لها حضاراتها وأنظمتها وقوانينها ، كالذي نراه اليوم في الشعوب المسيحية في العالم… فالشعوب المسيحية وأنظمة الحكم فيها معروفة لكل العالم ، شعوب تؤمن بحرية الفرد وتحافظ على حقوق الإنسان وكرامته ، وتهتم بخدمة البشرية ، وتعنى بالعلم ، فمن الوسط المسيحي انبثقت المؤسسات الإنسانية التي تعنى بالفقراء والمعاقين ودور العجزة وبيوت الأيتام ، وحضانات الأطفال، والمستشفيات العامة والاهتمام بأسرى الحروب وغيرها من خدمات إنسانية انتشرت فيما بعد لباقي دول العالم ، والشعوب المسيحية كما نلاحظ تستقبل المهاجرين والمشردين من شعوب الأرض ، فتعتني بهم وتأويهم وتصرف عليهم ، ولا تُكْره أو تُحْرج أحداً على اتباع دين أو عقيدة ، بل تحترم معتقدات الناس ولا تكفِّرُها . فلكلٍ دينه ، والمهم لديهم أن يكون الفرد مواطن صالح مخلص لا يؤذي غيره . أما عقيدته فبينه وبين ربه . فهذه المبادىء السلوكية قارئي الكريم هي مبادئ نابعة من إنجيل المسيح تعلمها الشعب والحكام من إنجيلهم … وهنا لابد من الإشارة إلى أنَّ الآباء والأجداد السابقين في الشعوب المسيحية هم الذين رسخوا تلك المبادئ وأنظمة الحكم والقوانين الإنسانية المريحة لشعوبهم . فأولئك الرواد كانوا حقيقة أكثر قرباً لجوهر المسيحية من الأجيال الحاضرة ، وأجيال اليوم تنعم بمبادئ الحرية والديمقراطية والعدالة ورعاية الشيخوخة ، والضمان الصحي والاجتماعي وغير ذلك من خدمات أساسها المبادئ المسيحية العادلة لخدمة شعوبها . وهذا أدى بشعوبهم إلى ضمان معيشةٍ كريمة واستقرار الأوضاع بطمأنينةٍ وثقةٍ بمستقبل آمن . نعود إلى موضوعنا/ فادعاء التحريف يُتْهم أمماً راقية لها كتابْ سماويْ ، هَذَّبَ شعوبها ، وصَقَلَ مواهبها ، ودفعها لتكون في الطليعة بين أمم العالم . فالمدعي بالتحريف يقول لهذه الشعوب : كتابكم الذي أسس حضاراتكم كتابٌ محرَّف . شيء معيب فعلاً ، والعيب فيه يقع على من يدعي التحريف لأنه يمس عقيدة الغير في الصميم دون حياء ، وهذه بحدِّ ذاتها علامة تخلُّف ، قد لا يكون تخلّف عقلي بقدر ما يكون تخلّف أخلاقي. ثم إن الأمر معيب فعلاً لأن من يدّعي بتحريف كتب غيره لا يقبل تهمة الغير لكتابه هو . فهو لا يعامل الناس كما يريدهم أن يعاملوه ، هو يتكلم بفظاظه لتشويه كتب الغير ، والغير لا يعامله بالمثل ، _لا عن ضعف _ بل لأن الغير هذّبته تعاليم الإنجيل ، وصقلته أقوال المسيح ، وعلّمته أن الكلمة الطيبة أفضل من المسيئة ، وأن رابح المعركة هو المتسامح الذي لا يرد الإساءة بالإساءة . ونحن بهذا لا نسيء إلى دين بعينة لكن نشير بالإصبع إلى تصرفات الناس المخطئة بحق الجوار ، فالمشكل أننا على اختلاف عقائدنا ودياناتنا نحن نُلْبس الدين ما ليس فيه … ونرسم صوراً ترقى إلى مستوى العقيدة ونخزِّنُها في أذهان شعوبنا ، ولا ذكر بها في كتبنا/ كتب الوحي/ ونعلِّم الأجيال البريئة ما ليس له وجود في عقائدنا الأساسية . وهنا يبدأ الإنحراف عن جادة الدين وأصالته .
عزيزي القارئ …
يُلاحظْ أنَّ فكرة التحريف شبه عامة لدى إخواننا من المسلمين _ لكن الملاحظة الأهم أن القرآن لم يقل شيئاً في تحريف التوراة والانجيل ، بل شهد لهما وحث على اتباعهما . فبشهادة القرآن للتوراة والإنجيل نستنتج أن التحريف حتى قيام الإسلام لم يكن قد حصل ، أي أنَّ قرابة الستماية سنة التي سبقت الإسلام كانت التوراة والإنجيل خالية من التحريف …والإنجيل في مثل هذا الزمن الطويل كان قد انتشر بملايين النسخ وبلغات العالم المعروف آنذاك . فكيف سيتم التحريف لكتاب منتشر بين الشعوب وبلغاتها المتعددة !.. منطق التحريف منطقٌ ساقط ، لذلك نقول أنه عند الحوار مع من يدّعي التحريف تُبْكم الأفواه لأن لا حجة لدى الغير تثبت سلامة الإدعاء ، فلا تسمع سوى أن " الكتاب محرّف " . أما كيف حرّف.. ومتى حرِّف.. وأين حرّف.. ولماذا حرّف.. والإثبات على تحريفه … فتلك لا إجابة عليها لأن القضية مجرد ادعاء . فهو ادعاء غبي ، وادعاء غير مؤدّب ، ولا يُعير انتباه لمشاعر الآخرين . لديَّ ملاحظة أخرى / كيف تَثْبُتُ فكرة التحريف أمام عشرات الألوف من النسخ الأثرية القديمة للتوراة والإنجيل وهي محفوظة في متاحف الدنيا اليوم ، وتعود للقرون الأربعة الأولى للمسيحية ، وكلها متطابقة لما بين أيدينا اليوم ، وتشهد لسلامة الكتاب المقدس من التحريف . هذه لوحدها حجة علمية دافعة ، فالقضية لا ينقصها حجج .. واحدة منها تكفي لو حسنت النوايا .
عزيزى القارئ …
لا أظنك تخشى الكلمة الصريحة المقدمة بحجةٍ دافعة إنما لا تخرج عن إطار الأدب . والآن قبل أن أصل وإياك إلى ختام الإجابة على هذا السؤال ، لدي استفسار : ما رأيك بأن كل ما تدّعيه المسيحية مستندة على إنجيل الله هو حق !… وكيف سيكون موقفك في يوم الدين عندما تتفجر الحقيقة قدام عينيك ، وتسقط كل الإدعاءات المعاكسة التي تمسكت بها في حياتك كما تسقط أوراق الخريف لتحملها الرياح إلى الفناء !… ولعلمك ففي يوم الدين لا فرصة هناك لإعادة النظر في المواقف المخطئة . فذلك يومٌ يدينُ الله فيه سرائر الناس ، فلا فرصة للتوبة ولا لتعديل المسار . وأريد أن أقولها بصراحة هنا أننا نحن كمسيحيين نعلم علم اليقين صحة ما نؤمن به ، نسمع النقد ونعلم أنه باطل فالأبدية على الأبواب وهناك ستنقشع الأوهام . ثم من جهة أخرى فنحن بحياتنا وسلوكنا وتعاملنا مع كل الناس نقدم الشهادة الحية لصحة ما نؤمن به . ونحن نثق بالله أنه لا يخذل أحبابه .




العودة الي صفحة إجابات أسئلة


العودة الي الصفحة الرئيسية