صليب المسيح حقيقة أم وهم؟!

قال أحد الأصدقاء : استمتعت بما تقدمونه ، فأسلوبكم شيق والحجة قوية ومقنعة ويقول البعض: صليب المسيح أحقيقة أم وهم؟.. فإن كان حقيقة ، ما هي الضرورة التي حتَّمت الصلب على المسيح ؟.. ما الفلسفة التي تعتمدها رسالة الصليب ؟.. ثم ما هو موقف الله من حقيقة الصلب أهو مع أم ضد؟..

وهل يتناقض وحي الله فيما يختص بالصليب فيؤكد حقيقة الصلب مرة ويناقضها في مرة أخرى؟..

ونحن في بحثنا هذا نوضح ما لدينا من علم صحيح نثق به ، وفي توضيحنا الصريح لا نخرج عن إطار أدب الحديث .

الانجيل المقدس مفتوح أمامي الآن على رسالة كورنثوس الأولى والأصحاح الأول ، أقرأ الكلمات التالية :

" فإن كلمة الصليب عند الهالكين جهالة ، وأما عندنا نحن المخلَّصين فهي قوةُ الله ، لأنه مكتوب سأبيد حكمة الحكماء وأرفض فهم الفهماء ".

ثم يقول :" ولكننا نحن نكرز بالمسيح مصلوباً لليهود عثرة ولليونانيين جهالة " .

هذه الكلمات كانت في حينها تهدف اليونانيين واليهود ، أما عن اليونانيين فلأنهم استخفوا بفكرة أن يُصْلَب شخصٌ ليفدي البشرية ، ففي استخفافهم بالأمر اعتبروا فكرة الصلب بأنها جهالة سخروا بها . وهذا أعثرهم من أن يُقْبلوا إلى المسيحية لوقتٍ ما من الزمن ..

أما عن اليهود فهم أيضاً رفضوا فلسفة الصليب القائلة بأن المسيح صُلب لفداء البشرية . فالصليب عندهم كان معثرة جعلت الكثيرين منهم أن يرفضوا الانخراط في المسيحية . بل لقد عادوها لأسباب مختلفة لا مجال لبحثها الآن .

فاليونانيون الوثنيون في القرن الأول الميلادي استخفوا بفلسفة الصليب ، ثم اليهود أيضاً أعثرتهم فكرةُ الصلب ورفضوا المسيحية .الآية المشار إليها نطق الوحي بها على فم بولس الرسول بعد محاولاتٍ جادةٍ منه في تبشير اليونانيين واليهود ليؤمنوا بالمسيح .

فاليونانيون استخفوا بفكرة الصلب ، واليهود أزعجهم الأمر وتعثروا به ورفضوه.

لكن عندما وصف الوحي وقع رسالة الصليب على قلوب المؤمنين المسيحيين قال : " كلمة الصليب عند الهالكين جهالة ، وأما عندنا نحن المخلّصين فهي قوة الله " .

فمن هم الهالكون هنا ومن هم المخلّصون ؟..

الهالكون هم الوثنيون من اليونانيين في حينه لأنهم رفضوا خطة الله لفداء البشرية التي تمثلت بالصليب ، وفي رفضهم لها سخروا بالصليب واعتبروا الأمر جهالة !..

واليوم بعض المسيحيين يقعون في نفس المطب . قال لي رجل مسيحي متقدم بالسن : المسيح الذي صنع المعجزات العظيمة كيف استسلم لليهود فقوَوا عليه وصلبوه !!..أما كان باستطاعته أن يلاشيهم من أمامه بكلمة منه ؟..

أليست هذه اليوم جهالة ؟؟

والهالكون الذين قصدهم الوحي هم أيضاً المتعصبون من اليهود الذين في عنادهم ومقاوتهم للحق تاهوا وتعثروا ، فكلمة الصليب عند هؤلاء وأولئك جهالةٌ مُعْثرة ، بينما كلمة الصليب لدى المؤمنين المسيحيين فهي قوة الله ... ولماذا ؟.. لأنه في الصليب تمثلت لهم قوة الله في نجاتهم من الخطية وتحررهم من قيود الشر ، لأن في الصليب قوة جبارة حطَّمت قوة العدو إبليس في قلوبهم ، الصليب فك أسرهم من سلطانه

فالفارق كبير بين من يَسْخَرَ بالصليب ويعتبرَهُ جهالة وبين من يرى في الصليب قوة الله المحررة !..

قارئ الكريم . .

هذا الكلام الذي نقوله ليس مجرد كلمات مكتوبة على ورق أو تقال باللسان . مئات الملايين في العالم اليوم وعلى مر التاريخ وجدت بصليب المسيح قوة خارقة غيرت ما بهم من خطية وإثم ، فاستناروا وتحرروا من أسر الشيطان .

وأنا الذي أحدثك بهذا ... فهذه حقيقة اختبرتها في حياتي . صليب المسيح غيّرني ، طهرني ، نزع من قلبي فساد الخطية والإثم ، جدد حياتي ، ألهب قلبي بحب الله ، وغرس في قلبي الحب لكل الناس .

نعود الآن ثانية لنص الآية التي تقول : " فإن كلمة الصليب عند الهالكين جهالة ، وأما عندنا نحن المخلّصين فهي قوة الله " .

ثم يقول : " لأنه مكتوب سأبيد حكمة الحكماء وأرفض فهم الفهماء " . السؤال الآن:

من هم الحكماء ؟.. ومن هم الفهماء هنا ؟..

الحكماء هم مدّعوا الحكمة من الفلاسفة اليونان ، أما الفهماء فهم اليهود في زمن بولس الذين اعتدّوا بالمعرفة لأن لديهم التوراة بينما باقي الشعوب كانت تعيش الوثنية فكانوا في نظر أنفسهم الأفهم والأدرى بين الأمم نظرة الاستعلاء هذه بين بعض شعوب الأرض اليوم ما زالت موجودة لم تختفِ .

يقول الله : "سأبيد حكمة الحكماء وأرفض فهم الفهماء " . أي أنه يقول لأدعياء الحكمة والفهم والاستعلاء / سواء استعلاء ديني أو عرقي / يقول لهم : سأبيد حكمتكم التي تَدَّعون ، وسأرفضُ فَهْمَكُمْ الذي به تسخرون بالآخرين .

قارئ العزيز . .

هذه الكلمات التي نطق بها الوحي كانت تعني اليونانيين واليهود ، لكن السؤال الآن هل ينحصر حكم الآية وعبر التاريخ كله على أولئك الأوائل فقط ، فاليونانيون دخلوا المسيحية فيما بعد ، واليهود ملايين منهم آمنت بالمسيح وانسلخت عن جسم اليهودية عبر العشرين قرن الماضية .

فاليوم حكم الآية مازال قائماً ونافذاً في من حَذَوْا حَذْوَ أولئك.

ما زال الصليب وسيبقى هو مفتاح الرجاء للحياة الأبدية ، وهو نبع الفداء لكل من يرجو أن يحيا في عالم الخلود في الأبدية بسلام بلا عذاب لأن المصلوب حمل العذاب عن كل من لجأ إليه

ويشاركنا الشاعر ناصيف اليازجي في وصفه للمسيح وصليب المسيح بما يلي من أبيات شعرية :

قد جـاء لا سيـف ولا رمـح ولا

فـرس ولا شـيء يبـاع بـدرهَمِ

يأوَى المغـارةَ مثل راعي الضـأنِ لا

راعي المـمالكِ في السـرير الأعظمِ

وتعـلقوا بحبــال مسكـينٍ أتـى

بالـذلِ مثـل السـائل المسـترحمِ

قالـوا هو ابن الله جهـراً والعـدى

مـن حـولهم مثـل الذئابِ الحـوَّمِ

والنــاسُ بين عـوازل وعـواذرٍ

لهــمو وبـين محــللٍ ومحــرَّمِ

ما غرَّكـم يـا قـومُ فـيه أسيفـهُ

أم جـاهـهُ أم مـالـهُ في الأنعـمِ

هـو سـاحرٌ يُطغي ؟ فقالـوا لم نجدْ

من سـاحـرٍ يحيي الـرميمَ بطلسمِ

كـانتْ رجــالُ اللهِ تحـيي ميتـاً

بصــلاتها ودعــائهـا المتقـدم

ونــراه يحـيي المـيتين بـأمـره

فهـو الإلـه ومـن تشـكك ينـدمِ

لـزمتْ بـه ثقة الجميـعِ بـأنـهُ

حــق وغيرَ الحــق لم يتـكلـمِ

هـذا مسيح الله فـادينـا الـذي

صـلبته طـائفة اليهــود كمجـرمِ

بطبيعــةٍ بشـريـةٍ قـد أُلـمتْ

ولجــوهـرِ اللاهــوتِ لم يتـألمِ

حمـلَ الجـراحَ بنفسـه متعمـداً

حـتى تكـون لجـرحنـا كالمـرهمِ

قـد كـان ذلك منه طوعاً وهو قد

وافى لـه يفـدي بـه الـدمَ بالـدمِ

فـإذا اعتبرنا مـا ذكـرتُ بدا لنا

بالحــق وجـهُ الحـق غـيرَ ملثـمِ

وهـو الـدليلُ لـنا على إثباتـه

كـالشمس تطلـعُ في سمــاء الأنجمِ

ولـكـل معترضٍ علــينا منـةً

إن كـان يـدحضـهُ بقــولٍ ملزمِ



العودة الي الصفحة الرئيسية