صليب المسيح مفتاحك للأبدية

مررت في قراءتي الصباحية اليوم على آيةٍ استوقفتني طويلاً … وكلما حاولت التقدم عنها عاد الفكر وشدني إليها من جديد . والآية نطق بها الوحي على فم بولس الرسول وهو يتحدث بوحي الله إلى كنيسة غلاطية ، وكان الوحي هناك يشير إلى جماعة المؤمنين في غلاطية الذين انحرفوا عن الحق في بعض العقائد بسبب ملابساتٍ يهودية اخترقت صفوفهم وأزعجتهم ، فاقتضى تنبيههم وتصويب الأمور . وفي نهاية حديثه ختم الرسول بولس كلامه بخاتمةٍ هامة تُلَخَّصُ ما كان يودّ توصيله إلى أذهانهم فقال :

" وأما من جهتي فحاشا لي أن أفتخر إلا بصليب ربنا يسوع المسيح الذي به قد صلب العالم لي وأنا للعالم "…

هنا خطر ببالي سؤالان : السؤال الأول يقول : كان لبولس الرسول مصادر كثيرة ليفتخر بها ويعتز ، فقد كان بولس عالماً وفيلسوفاً كبير . وكان يملك من الشهرة ما لا ينافسه بها أحد ، وكانت له شعبية هائلة من أجناسٍ وشعوبٍ متعددة مر بهم في جولاته التبشيرية في أوروبا والشرق الأوسط ، ولكن بولس أغفل هذه كُلَّها وحدد فخرَهُ بصليب المسيح وحده !… لماذا ؟.. وكيف يمكن أن يفتخر أحدٌ بآلة الموت أو المقصلة التي أودت بحياة سيده ، ويُشْهر افتخاره ذاك للملأ … والرسول بولس العالم واللاهوتي والفيلسوف الكبير لا ينطق عن هوى ، وهو القائل: إني عالمٌ بمن آمنت . فما السر في ذلك يا ترى ؟..

نعم .. قد يكون في هذا سرٌ مبهمٌ للبعض ، لكنه ليس كذلك لمن تذوَّقَ حلاوة ثمرة الصليب في حياته ، وما فعله صليب المسيح فيه من تغيير عجيب مسَّ عمق القلب وجوهر الحياة ، فبدد ماضيها الضائع وألبسها ثوباً جديداً من اليقين والعزَّة !.. ثم خطر ببالي سؤال آخر : هل كان في زمن بولس من أنكر حقيقة الصلب ؟؟..أو شكَّك فيها ؟..

فجاء الجواب من حكم التاريخ .. لا لم يكن في زمن بولس ولا بعده من أنكر حقيقة الصلب ، ولا من شكك في شخصية المصلوب .. فحدث الصلب ذاع صيته في أرجاء الامبراطورية الرومانية آنذاك ، وسجلات الدولة دونت الواقعة بكل دقة وموضوعية ، وهناك أصحاب الدعوى / المشتكون على المسيح من اليهود ، فهؤلاء شهدوا أيضاً أن رغبتهم قد نُفِّذَتْ وأن المسيح قد صُلب فعلاً استجابةً لشكواهم .

ثم أن جسد المسيح المصلوب بقي على الصليب يرشح دماً على تلّةٍ بجوار الطريق العام لساعاتٍ طوال مما أعطى الفرصة لجموعٍ غفيرةٍ أن تراه وتتحقق من هويته ..

وتلاميذ المسيح ( الحواريين ) وأمه مريم والمؤمنات الأخريات ، فقد لازموا صليبه وهو معلّق عليه يندبن بصمتٍ وأسى ويراقبن كل حركة قام بها المصلوب وهو يتلوى فوق الخشبة ، والأم تعرف ابنها جيداً وصديقاتها معها يعرفنه بكل وضوح .

ثم هناك يوسف الرامي ذاك الذي طلب جسد المسيح بعد صلبه ، طلبه من بيلاطس الحاكم واستجيب طلبُهُ ، فأخذ جسده ودفنه بمعرفة السلطات الحاكمة في قبرٍ كان قبلاً قد حفره في الصخر ليُدْفن هو فيه . لكنه وهو من أتباع المسيح قرر إكراماً للمسيح أن يدفنه في قبره الذي جهزه لنفسه .

وهناك أيضاً نيقوديموس الكاهن اليهودي الذي سبق وآمن بالمسيح سراً كما ورد عنه في انجيل يوحنا الاصحاح الثالث ، فهذا أيضاً رغب أن يتعاون مع يوسف الرامي بتكفين جسد المسيح ودفنه ، فالاثنان تعاونا فحملا الجسد وكان بين أيديهم لفترة كافية من الزمن … وهما أيضاً شهدا أن الذي كان بين أيديهم وكفناه هو هو المسيح الذي عرفاه ..

وماذا نقول أيضاً عن توما أحدْ تلاميذ المسيح الذي وصل به اليأس بعدما تحقق أن المسيح قد صلب ، فانعزل ولم يعد يلتقي برفاقه التلاميذ الآخرين في بيت العزاء كعادة الناس . . وعندما قيل لتوما أن المسيح قام من الموت لم يصدق لأن اليأس بسبب مشهد الصلب المحقق أمامه نزع من قلبه كل بارقة أمل حتى قال : إن لم أبصر في يديه أثر المسامير وأضع إصبعي في أثر المسامير وأضع يدي في جنبه لا أومن أنه قام … فقالوا له تعال وانظر ، فحضر بعد أسبوع من قيامة المسيح ورأى وآمن ..

ويسجل الانجيل المقدس أن من بين ظهورات المسيح بعد قيامته ظهور لأكثر من خمسماية مؤمن .. فكل هؤلاء شهود على صحة واقعة الصلب التي نُفِّذَتْ في المسيح ، ولم يمر ببال أحد أن يشكك أو يجادل في صحة الواقعة لا من أتباع المسيح ، ولا من غيرهم .

وفوق هذا كله هناك نبوات التوراة التي سبقت الانجيل وهي كثيرة وصريحة ، وقد أنبأت بحتمية مجيء المسيح وولادته من عذراء وذلك قبل ميلاده بمئات السنين ، كما أنبأت بأنه سيموت موتاً كفارياً فدية عن كثيرين ، وأشارت بصريح العبارة إلى ثقب يديه ورجليه ، الشيء الذي لا يعقل أن يتم بغير الصلب . ومن لا علم له في هذا فليرجع إلى سفر المزامير الاصحاح الثاني والعشرين ويقرأ ذلك بنفسه .

علماً بأن كتاب المزامير هو فصل من فصول التوراة ، والتوراة توراة اليهود ، ونحن كمسيحيين في خلافٍ ديني مع اليهود ، فهم أنكروا المسيح ورفضوه وهم حتى اليوم لا يؤمنون بأن المسيح قبل ألفي عام هو المسيح الذي ينتظرونه ..

لكنَّ توراتَهُمْ ها هي بين أيدينا مترجمهْ حرفياً لكل لغات العالم ، ومن توراتهم نسْتشهد بالآيات الواضحة الصريحة التي أنبأت عن المسيح قبل أن يأتي فأوضحت أنه سيولد من عذراء في بيت لحم وسيصلب بثقب يديه ورجليه ليكون فدية عن كثيرين ، وأنه سيقوم ولن يبقى في القبر.

أما لماذا اليهود لم يؤمنوا بالمسيح رغم وضوح نبوات توراتهم ، فهذا يرجع لأكثر من سبب لا مكان لبحثه الآن ، إنما نشير إلى السبب الأهم وهو فتوى قادتهم الدينيين ، فرجال الدين قالوا : لا هذا ليس المسيح الذي ننتظر ، فقال الشعب من ورائهم آمين … وهنا تقع الجهالة .

قارئى الكريم . .

أنت مسئول روحياً عن نفسك ، لا تتبنى فكر غيرك بلا تفحص واستدلالٍ صحيح . ففي يوم الدين لن يقف معك شخص ليدفع عنك الأذى ، فلا تخاطر وتتخذ مساراً دينياً تتبناه في إثر غيرك دون فحص . فأنت وحدك تتحمل المسئولية في يوم الدين .

وقبل أن أصل إلى ختام حديثى أقول لك أن صليب المسيح هو مفتاحك للأبدية . فالمسيح بصليبه دفع عنك دين خطاياك ، كما دفع عني ، فأنا قبلت واستفدت من عطائه. وماذا عنك ؟.

اقرأ معي ماذا قالت التوراة عن المسيح المصلوب في سفر اشعياء النبي اصحاح 53 :

" وهو مجروح لأجل معاصينا . مسحوق لأجل آثامنا .. تأديب سلامنا عليه ، وبحبره شفينا . أي بجروحه شفينا " .




العودة الي الصفحة الرئيسية