الصليب مرة اخرى

القارئ الفاضل

جلست صباح هذا اليوم باكراً في مكتبي ، وفتحت الكتاب المقدس كعادتي لأتزود بالبركة قبل أن يزحمني ضجيج النهار بأعماله . وبعد القراءة والتأمل في هدوء الصباح ، أغلقت الباب وجثوت على ركبتيَّ أمام خالقي ورفعت يدي إلى الله في صلاة شكرٍ ودعاء حتى ارتوت نفسي وغمرني شعور بالراحة والسلام . ثم قمت لعملي المعتاد وقد أشرق في قلبي أملٌ جديد ليوم جديد وعاد الصليب وتراءى أمامي من جديد .

في حديث سابق ربما تذكر عزيزى القارئ كنت تحدثت عن القيامة / قيامة المسيح من القبر بعد صلب وموت محقق . وقبل حديث القيامة كنت تحدثت عن الصليب والمصلوب ، وتساءلت مع كثيرين من القراء لماذا كان الصليب خاتمة حياة المسيح على الأرض؟.. وهل صحيح أن التوراة أشارت بوضوحٍ في نبواتها إلى حدث الصلب قبل ميلاد المسيح بمئات السنين؟.. ثم من هو الذي اعتلى خشبة الصليب ؟.. ولماذا اختلف الناس خارج الوسط المسيحي بخصوص حادثة الصلب أهي حقيقة أم وهم ؟.. وهل المسيح الذي صلب أم غيره ؟

فبينما أنا أخط بهذه الكلمات تتراءى أمامي على جدار المكان حيث أجلس لافتة كتب عليها بخط كبير تقول :

الشيطان لا ترعبه الرماح المسنونة ولا تخيفه السيوف البارقة ، ولكن أقصى ما يخشاه هو صليب المسيح ، لأن الصليب يحطّم القيود ويُكسِّر الأغلال ويحرر أسرى الخطية ، ويشفي القلوب الملوثة بالخطية ، ويصنع من الأشرار أبراراً ، ومن العصاة مؤمنين طائعين قديسين .

هذه هي الحقيقة !.. فهذا ما جاء المسيح لأجله ، جاء المسيح ليموت موت فداءٍ وليخلّص ويشفي النفوس التي سباها الشيطان ولوّثها الإثم ، وليصنع منهم شعباً مقدساً لله .

قارئ العزيز . .

هناك حقيقة لا تقبل المساومة وهي أن صليب المسيح يمثل مركز الدائرة في عمق العقيدة المسيحية. فالمسيح جاء ليصلب ولو لم يصلب قبل ألفي عام لما جاء ، ولما وطىء بقدميه أرض العالم . ورسم الصليب اليوم أينما تراءى للناس في العالم يذكّر الداني والقاصي بهذه الحقيقة .

قال أحدهم : المسيحية بلا صليب كسماءٍ بلا شمس ، بوصلة بلا ابرة ، ساعة بلا عقارب مصباح بلا زيت ، موسيقى بلا ألحان ، غيث بلا أمطار ، أو ككتاب بلا حروف .

ولذلك نقول أن الصليب هو نقطة الارتكاز في كامل عقائدنا المسيحية . إذ بالصليب خلاصنا من الخطية ، وبالصليب نجاتنا من عذاب النار ، وبالصليب نصرتنا على قوة الشيطان التي تحاول استمالتنا لعمل الإثم والانحراف عن الله . الصليب حررنا من قوى الشر في نفوسنا ، والصليب علّمنا كيف نسامح وكيف نرحم ، وكيف نغفر لمن أساء إلينا . وبالصليب شق المسيح أمامنا الطريق إلى أبديةٍ مشرقة مأمونة .

وهنا لديَّ ملاحظة هامة .. فعندما نقول الصليب ، لا نقصد مجسّمات الصليب المرئية والمنتشرة في الدنيا هنا وهناك ، فتلك مجرد رموز تذكرنا بصليب المسيح ، ولكننا نقصد جوهر عملية الصلب التي تمت في المسيح قبل ألفي عام ، إذ في اللحظة التي صُلب فيها المسيح ومات كُفِّرَ عن ذنوب المؤمنين ماضٍ وحاضرٍ ومستقبل ، فكل الديون التي تراكمت على كاهل البشرية حوّلها العدل الإلهي على حساب المصلوب ، و المصلوب كفيل بسدادها ، وسدادُها يتم في لحظة قبول الانسان الخاطي لفداء المسيح والإيمان به . وأنا أذكُرُ اليوم اللحظة التي قبلت فيها فداء المسيح لحياتي .. كان هذا في شهر حزيران / يونيو من عام 1954 حين كنت شاباً أعي الخطية وأحمل الكثير منها ، ومع أني كنت ومازلت مسيحياً ، لكن كنت كغيري من ملايين المسيحيين لا أفهم معنى الفداء الذي صار للبشرية بصلب المسيح وكنت أظن أنه طالما أنني مسيحي معمّد بالماء في طفولتي ، فالمسيح شملني برحمته وأمّن لي الحياة الأبدية رغم أني أعيش في الخطية وأمارس الخطية كل يوم !إلى أن جاءت اللحظة التي أشرق الله بها على قلبي فاستمعت إلى موعظة في إحدى الكنائس أنارت قلبي وفكري لفهم الحقيقة ، ودفعتني لاتخاذ القرار الحاسم بأن أفتح قلبي للمسيح ، وأتوب عن خطاياي .. صلّيت صلاتي بهذا المعنى ووعدت ربي أن لا أعود أسلك الإثم ، ولا أعود أتسكع في الضياع ، بل أنتمي لله .. أحبهُ وأطيعهُ وأسلُكُ بالنور ، وأهتدي بهدي انجيله .. وهذا ما حصل .

بعد صلاتي ارتحت ودفقٌ من السلام غمر قلبي وتغيّر سلوكي ، فلاحظ التغيير أصدقائي وزملائي من حولي ، وتساءلوا ما الذي حصل !.. واستمر التغيير ومازال حتى يومي هذا ، وها أنا اليوم بعد كل تلك السنين بما حملته من ظروف مختلفة ، مازلت أعيش فرح الإيمان والانتماء للمسيح ، وأحب الناس كل الناس سواء كانوا على عقيدتي أو على غيرها ، لأن الانجيل علّمني أن الله أحبَّ كل الناس عصاةً وصالحين .

هذا هو مفعول الصليب في حياة الناس . فالمسيح بصليبه فداني ، وغفر خطاياي وعفى عني ، ونفسي تشعر بهذا الامتياز في أعماقي ، ثم بالصليب قوة مغيرة غيرت حياتي والتغيير الذي أتحدث عنه تغيير جذري / تغيير معجزي لا يقدر عليه لا طبيب نفساني ، ولا عالم ديني لأنه انقلاب عجيب يصل إلى 180 درجة ، وأنا سعيد بذلك وقلبي في سلام ، وعندما أتذكر الأيام الأولى التي فيها تعرفت على المسيح أحياناً تدمع عيني ابتهاجاً بذكرى ما زلت أعيش حلاوتها خلال كل السنين الماضية . فبالصليب تذوقت فعلياً رحمة الله ، إذ لولا تأثير مفعول الصليب في حياتي لكنت طائشاً بلا هدف مثل الكثيرين .. كثيرون يلهجون برحمة الله وبغفران الله ، ويعيشون في الخطية ، ويصنعون لأنفسهم طرقاً ومبرراتٍ ، ووسائل متعددة يستمطرون بها مراحم الله بدون الصليبوإن استمروا لن يستفيقوا إلى الحقيقة إلا عند أبواب الأبدية ، وهناك سيرون المسيح الديان تصطف أمامه شعوب الأرض ، ليقول لكل التائهين عن الحق : أكرمتكم بموتي على الصليب لأفتديكم . متُّ أنا لتحيوا أنتم ، حملت خطاياكم على الصليب فاستحق عليّ القصاص بدلاً منكم نزل عليَّ سيف عدالة السماء فأخذ حقه مني لتنجوا أنتم ، أنتم أخطأتم وأنا دفعت الثمن لأني أحببتكم . أسمعتكم صوتي بشتى الوسائل لترجعوا وتتوبوا وتؤمنوا ، أرسلت روحي ليهمس في قلوبكم ويوقظ ضمائركم ، الإذاعات لم تقصّر في توصيل النور إليكم ، والمطبوعات وشواهد الحياة من حولكم فأبيتم وتقسَّيْتم وجادلتم ورفضتم فاستحق عليكم حكم الدينونة!..

أخي القارئ.. أختي القارئة

صليب المسيح وُجد لنجاتِك ، اقترب منه نادماً على خطاياك لتحيا بسلام .



العودة الي الصفحة الرئيسية