القادة الأوائل لحركات الإصلاح

 

إن أول مصلح دعا الأمة الإسلامية إلى الرفع بمستواها الحضاري والروحي في مواجهة السياسة التوسعية للغرب المستعمر هو جمال الدين الأفغاني (1839-1897) رغم أنه لم يهدف بتاتاً إلى تحديث نظري للإسلام بمعنى تخطي الأصل. لقد رأى أن من واجبه الأساسي الاعتناء بنظام التدريس? وطالب بإدخال العلوم الحديثة في البرامج المدرسية? كما أشار إلى ما للفلسفة من أهمية كمادة للتدريس. ودافع بقوة وهو يجادل علماء الشريعة المقلِّدين عن العلوم الحديثة والعقل قائلاً إن العقل وكل ما يصدر عنه يلائم مبادئ الإسلام الأساسية. أو نراه يقول إن على المرء يعتني بتربية خصاله الحسنة ويحب الناس ويخدمهم بِتفانٍ.

تبنَّى المصلح المصري محمد عبده هذا المزج من الأحكام القرآنية عن الأخلاق والنزعة الإنسانية الحديثة وأعطاه طابعاً معاصراً. وقام العالم الهندي سيد على خان أيضاً بتمثيل الأفكار نفسها: إن لم نتخلّ عن هذا التقليد البغيض ولم نَسْعَ إلى استضاءة أنفسنا وغيرنا من القرآن والسنّة فقط? فليس للإسلام في الهند مستقبل .

كان سيد على خان متأثراً بالتفسير الحديث إلى حد بعيد? حيث حاول أن يجد لكل اختراع في عالم العلم آية في القرآن تخبرنا بذلك? مما جلب انتقاد المسلمين الشديد. هذه النزعة الغريبة التي تبحث عن وصفة مفصَّلة في القرآن لكل ما استجدّ في ميدان العلوم تجد حتى في أيامنا هذه أَتباعاً لها. أظن أن عدم وجود معجزات أو خوارق للعادة في حياة النبي محمد هو السبب الأساسي لهذا التحري الدؤوب. فإن الأخبار التي تُنسَب إلى محمد والتي تنقل لنا ما تمَّ على يديه من معجزات مشكوك في أمرها? والأحاديث بهذا الشأن أغلبها ضعيفة وموضوعة.

أما عميد كلية الأزهر السابق الشيخ محمد عبده فتجرأ وقال إن الإسلام لا يناقض العقل? ما لم يتجاوزا حدودهما! فهو كان أكثر واقعياً من علي خان . لقد قوبلت آراء عبده المنفتحة بل الثورية في مجال الشريعة والتي أوردها في دروسه ومجالسه بأسلوب ليِّن وبترحاب? ووجدت أَتباعاً لها بين المثقَّفين. وليس من المشجع أن نرى أن ما كان من الممكن في أوائل العشرينات من هذا القرن? قد يستحيل علينا اليوم ونحن على عتبة القرن الحادي والعشرين!

 

الصفحة الرئيسية