خمس خلافات جوهرية بين الفكر الإسلامى والعقيدةالمسيحية
رابعا
:- عقيدة الصليب :-
من اكثر الخلافات الجوهرية بين
الاسلام والمسيحية عقيدة صلب السيد المسيح فمع ان القرآن يعترف بوفاة السيد
المسيح قبل ارتفاعه الى السماء كما جاء فى سورة آل عمران 55 ( انى متوفيك ورافعك
الى ) الا ان علماء الاسلام اختلفوا فى تفسير كلمة متوفيك ففريق منهم يقول ان
الوفاة هنا لاتعنى الموت بينما فريق اخر يقر بان المسيح مات فعلا ولهم فى ذلك
روايات شتى يوردونها بالاسناد عن علماء معتبرين وقد رايت انه لمن المفيد ان
اعرض بعضها نقلا عن المفسرين كالطبرى والرازى والزمخشرى وغيرهم :
1.
ان الموت يعنى النوم
:- عن المثنى قال
حدثنى اسحاق (انى متوفيك ) معناها وفاة النوم اى رفعه الله فى منامه
2.
الاستيفاء :-
عن على بن سهيل ،عن ضمرة بن
ربيعة ،عن ابن شوذب ،عن مطر الوراق فى القول " (انى متوفيك) قال متوفيك من الدنيا
وليس بوفاة موت .
3.
القبض :-
عن يونس ،قال اخبرنا ابن وهب ،عن ابن زيد فى قوله " انى متوفيك " قابضك .... ولم
يمت بعد حتى ياتى ويقتل الدجال وسيموت .
4.
المقدم الذى معناه
التاخير :- قال ابو
جعفر الطبرى بالاستناد على حديث متواتر عن محمد ، انه قال (ينزل عيسى ابن مريم
فيقتل الدجال ثم يمكث فى الارض مدة ،ذكرها واختلفت الرواية فى مبلغها – ثم يموت
فيصلى عليه المسلمون) .
أما الفريق الذى يقر بان
الوفاة هى الموت ،فلهم عدة روايات متباينة منها :
1-عن
المثنى ،قال حدثنا عبد الله بن صالح ،عن معاوية ، عن ابن عباس ،قوله " انى متوفيك
" . اى مميتك . 2- عن ابن حميد ، قال حدثنا سلمة ، عن ابن اسحاق ، عن
ابن وهب بن منبه انه قال توفى الله عيسى ابن مريم ثلاث ساعات حتى رفعه ( جامع
البيان 3: 289 – 292 ) .
اما الامام الرازى
شرح قائلا :-
انه فى تفسير الاية :"
اذ قال الله يا عيسى انى متوفيك ورافعك الى . " ، اعترف بأن الله :شرف عيسى فى
هذه الاية بصفات :
الصفة الاولى
:- انى متوفيك ونظيره قوله تعالى ، حكاية عنه " فلما توفيتنى كنت انت الرقيب
عليهم " .واختلف اهل التأويل فى هاتين الآيتين على طريقين (احدهما ) اجراء الآية
على ظاهرها من غير تقديم ولا تأخير . (والثانى ) فرض التقديم والتأخير فيها .
اما الطريق الاول فبيانه من
وجوه ( الاول ) معنى قوله "متوفيك " اى متمم عمرك ، فحينئذ اتوفاك .فلا اتركهم
،حتى يقتلوك ،بل انا رافعك الى سمائى ، ومقربك بملائكتى ، واصونك عن ان يتمكنوا
من قتلك .
والثانى (( متوفيك )) اى مميتك .
مروى عن بن العباس ، وحمد بن
اسحاق . قالوا والمقصود ، الا يصل اعدائة من اليهود الى قتله . ثم انه بعد ذلك ،
اكرمه بان رفعة الى السماء ، ثم اختلفوا عن ثلاثة اوجة :
اولهما : قال وهب : توفىّ ثلاث
ساعات ثم ر فع .
وثانيهما : قال محمد بن اسحاق
توفي سبع ساعات ثم احياه الله ورفعة .
والثالث :انه توفاه ثلاثة ايام
ورفعة الى السماء وقال : " الله يتوفى الانفس حين موتها والتى لم تمت فى منامها
" ( التفسير الكبير 8 : 67 )
فنظر لتضارب الاراء عند فقهاء
المسلمين واختلافهم فى تفسير ايات القران عن اخرة المسيح لا يستطيع الباحث الا ان
يتجة الى نصوص الانجيل ، التى لا تحتاج الى تاويل . لان لاتناقض فيها بخصوص موت
المسيح وقيامته وصعوده .
الصليب فى الانجيل والقرآن
:-
قال الرسول بولس فى"1 كو 1 : 22
– 24 " ( لان اليهود يسالون ايه واليونانيين يطلبون حكمة . ولكننا نحن نكرز
بالمسيح مصلوبا ، لليهود عثرة ولليونانين جهاله واما للمدعوين يهودا ويونانيين
فبالمسيح قوة الله وحكمة الله) و فى 1 كو 2 : 1 – 2 ( وانا لما اتيت اليكم
ايها الاخوة اتيت ليس بسموا الكلام او الحكمة مناديا لكم بشهادة الله. لانى لم
اعزم ان اعرف بينكم الا يسوع المسيح واياه مصلوبا ) .
واذا ما تاملنا فى اقوال الرسل
عامة ، نرى ان الانجيل الذى بشروا به منذ فجر المسيحية وقبله الناس وبه خلصوا
انما يقوم على موت السيد المسيح وقيامتة وقد لخصة بولس الرسول بهذه العباراة
الصريحة فى1 كو 15 : 1 – 4: (واعرفكم ايها الاخوة بالانجيل الذى بشرتكم به
وقبلتموه وتقومون فيه وبه ايضا تخلصون . ان المسيح مات من اجل خطايانا حسب الكتب
، وانه دفن وانه قام فى اليوم الثالث حسب الكتب ) .
ومع ذلك فبعد مرور ما يقر ب من
الخمسمائة عام على انتشار هذا الانجيل فى كل العالم جاء من يعترض على هذه الحقيقة
، وكانه يقول للمسيحين انتم على خطأ فى دينكم .
ولعل اصحاب هذا الاعتراض اخذوا
فكرتهم عن اهل البدع ، من اليهود المتنصرين ، الذين جاروا ابائهم بالاعتقاد بان
المسيح لا يموت . ونحن مديونون جدا ليوحنا البشيير الذى ذكر لنا هذا الامر فى
انجيلة ، اذ سجل لنا قول الفرسيين فى حوا رهم مع المسيح ( نحن سمعنا من الناموس
ان المسيح يبقى الى الابد فكيف تقول انت انه ينبغى ان يرتفع ابن الانسان ؟) يو
12 : 34 .
ويذكر لنا المؤرخون ان ضلاله
كانت شائعة عند نصارى الجزيرة العربية مفداها ان المسيح ، وهو القادر ان يتحول من
صورة الى صورة حين جاء اعدائه لالقاء القبض عليه ، القى شبهه على انسان اخر فصلب
بدلا منه . اما المسيح فقد ارتفع الى الذى ارسله ، هاذئا باعدائه .
فالنص القرانى عن اخرة المسيح ،
جاء متفقا مع الفكر الذى يقول انه بينما ظن اليهود انهم قتلوا المسيح ولكن فى
الواقع الاهوتى هم لم يقتلوه ( انا قتلنا المسيح عيسى بن مريم وما قتلوه وما
صلبوه لكن شبه لهم . وان الذين اختلفوا فيه لفى شك منه ما لهم به من علم الا
اتباع الظن . وما قتلوه يقينا بل رفعة الله اليه وكان الله عزيزا حكيما) . سوره
النساء 157 – 158 .
ولعلنا نفهم من ما رواه اهل
البدع الذين التصقوا بالمسيحية ان الصليب بالنسبه لهم ، لم يكن قضية تاريخ وعقيدة
فداء . بل مسائله رمزية كالنجم الذى اهتدى المجوس به الى مهد طفل المذود فى بيت
لحم ، وكهيئة الحمامه التى نزل بها الروح القدس على المسيح . اثناء عماده فى نهر
الاردن . اما الخشبة الضخمة التى علق يسوع عليها ، والتى هى مذبح الفداء ، الذى
قدم علية حمل الله ليرفع خطية العالم ، فلا اهمية لها عندهم لكنهم يرفضون الحقيقة
التى نادى بها بولس الرسول ( المسيح افتدانا من لعنة الناموس اذ صار لعنة لاجلنا
لانه مكتوب ملعون كل من علق على خشبة لتصير بركة ابراهيم للامم فى المسيح يسوع
لننال بالايمان موعد الروح)
ومما لاشك فيه ان الاسلام ورث
افكار اولئك الهراطقة الذين كانوا منتشرين فى الجزيرة العربية وقد اختلف فقهاء
الاسلام فى موضوع احلال الشبه وقالوا عدة روايات متباينة منها :-
1 – ان اليهود لما صمموا على قتل
عيسى رفعة الله الى السماء فخاف رؤسائهم من الشعب فاخذوا انسانا وقتلوه وصلبوه
2 – ان الله القى شبة عيسى على
انسان اخر فمات هذا بديلا عنه ولهذه الفكرة عدة اراء :-
أ- دخل تيطاوس اليهودى بيتا
ليعتقل المسيح فلم يجده فالقى الله شبه عيسى علية فظن اليهود انه عيسى فاخذوه
وصلبوه
ب – ان اليهود عندما اعتقلوا
عيسى اقاموا علية حارسا ولكن عيسى رفع الى السماء والقى الله شبه على الحارس
فاخذه اليهود وصلبوه وهو يصرخ انا لست بعيسى
جـ – وعد عيسى احد اصحابه بالجنه
فتطوع للموت عنه فالقى الله شبه عيسى فاخرج وصلب واما عيسى فرفع الى السماء
د- نافق احد تابعى عيسى اى يهوذا
وجاء مع اليهود ليدلهم علية فلما دخل معهم لاخذه القى الله عليه شبهه فاخذوا
يهوذا بدلا من عيسى وقتلوه وصلبوه
3– سرد ابو جعفر الطبرى فى كتابة
جامع البيان ( 6 : 12 – 14 ) عدة اراء :-
أ - لما احاطت اليهود بعيسى
وباصحابة وهم لا يعرفون عيسى فحول الله جميعهم فى صورة عيسى وخرج الى اليهود واحد
ممن كان فى البيت مع عيسى فقتلوه وهم يحسبوه عيسى
ب – حديث عن بن حميه عن يعقوب
القمى عن وهب بن منبه قال (اتى عيسى ومعه سبعة عشر من الحواريين فى بيت فلما
دخلوا صورهم الله كلهم على صورة عيسى فقالوا لهم سحرتمونا لتبرزنا لنا عيسى او
لنقتلنكم جميعا فقال عيسى لاصحابه من يشترى نفسه منكم اليوم بالجنه فقال رجلا
منهم انا فخرج اليهم فقال انا عيسى فاخذوه فقتلوه وصلبوه ورفع الله عيسى) .
جـ– فى حديث عن سلمة قال حدثنى
رجلا كان نصرانيا فاسلم ان عيسى حين جاءه من الله انى رافعك الي قال يامعشر
الحواريين ايكم يحب ان يكون رفيقى فى الجنه على ان يشبهنى امام القوم فيقتلوه
مكانى ؟ فقال سرجس انا ياروح الله قال اجلس فى مجلسى فجلس فيه ورفع عيسى فدخلوا
عليه فاخذوه وصلبوه
4 – جاء فى تفسير السنوى الجزء
الاول عن مالك : من المحتمل ان يكون المسيح مات حقيقة وانه سيحيا فى اخر الزمان
ويقتل الدجال
5 - جاء فى تفسير بن كثير عن
ادريس قال : مات المسيح ثلاث ايام ثم بعثة الله ورفعة .
6 – قال اخوان الصفا جزء 4 صـ 30
ان المسيح مات وصلب وقام وتراءى لخاصته بعد ذلك
7 – قال الجلالان فى تفسير مقالة
القراء صـ 135 : ( ولكن شبه لهم ) المقتول هو صاحبهم بعيسى اى القى الله عليه شبه
عيسى فظنوه اياه فقتلوه وصلبوه . _( وان الذين اختلفوا فيه لفى شك منه ) اى فى شك
من قتل عيسى لان بعضهم لما راوا المقتول قالوا الوجه وجه عيسى اما الجسد فليس
بجسده وقال بعض اخر انه هوهو
8 – قال البيضاوى ان اليهود لما
سبوا عيسى وامه دعى عليهم فمسخهم قرده وخنازير فاجتمعوا على قتله فاخبره الله
بانه يرفعه الى السماء فقال لاصحابه ايكم يرضى ان يلقى عليه شبهى فيقتل ويدخل
الجنه فقام رجلا منهم فالقى الله عليه شبه فقتل وصلب
9 – قال الزمخشرى : شبه لهم اى
خيل اليهم او توهموا او اوهموا انهم قتلوه وصلبوه فهو فى نظرهم ميت لا حىولكنه فى
الواقع هو حى لان الله رفعة اليه .
مما سبق نجد ان هناك :- روايات
كثيره مختلفة فتاره يرون ان الله تعالى القى شبهه على غيره فقتل بدلا منهم وتاره
انه رغب بعض اصحابه فالقى شبهه عليه حتى يقتل مكانه ويدخل الجنة
كما انهم اختلفوا فى اسم هذا
الشخص تيطاوس او يهوذا او سرجس او احد الحوريين او الحارس الذى كان يحرسه وهو
معتقل .
وهنا نسال إن كان الإسلام يعتبر
أن يهوذا هو الذى صلب بدلا من السيد المسيح فهل الله لم يكن له اسلوب آخر ينقذ به
السيد المسيح من يد اليهود سوى المكر والخداع وموت شخص بدلا منه ؟؟!.
ومع من يدرس الآية جيدا يكتشف أن
النفى لا يقع على حادثة الصليب بل على الأثر والنتيجة فعندما يتحدث الإسلام عن
موت الشهداء يقول أنهم أحياء ففى "آل عمران 169" (ولا تحسبن الذين قتلوا فى سبيل
الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون) إذن الشهداء ماتوا ولم يموتوا قتلوا ولم
يقتلوا أى أن المقصود من الموت لم يحدث لأنهم أحياء عند ربهم لذلك نرى أن إنكار
الصليب إنما أنكار على آثار الصليب وليس على حقيقة الصليب.
و
ان كان القران ينفى صلب المسيح فهو لم ينفى موته قبل ارتفاعه الى السماء فنحن نجد
ثلاثة نصوص قرانيه تؤكد موته :
1 – فى سوره مريم 33 ( السلام
عليى يوم ولدت ويوم اموت ويوم ابعث حيا ) ففى هذا النص اعتراف بان السيد المسيح
تجسد ومات وبعث .
2 – فى سوره ال عمران 55( واذ
قال الله ياعيسى بن مريم انى متوفيك ورافعك اليى ومطهرك من الذين كفروا وجاعل
الذين اتبعوك فوق الذين كفروا الى يوم القيامة ).
3 – فى سورة المائده 116 – 117
(واذ قال الله ياعيسى بن مريم اانت قلت للناس اتخذونى وامى الهين من دون الله ؟
..... قال سبحانك ما قلت لهم الا ماامرتنى به ان اعبد الله ربى وربكم فلما
توفيتنى كنت انت الرقيب عليهم )
ولهذا يمكننا ان نقبل نص القران شهادة عليهم ( وان الذين اختلفوا فيه لفى شك منه ما لهم به من علم الا اتباع الظن وما قتلوه يقينا ) " سوره النساء 157 – 158 لانه قام فى اليوم الثالث وخلال اربعين يوم كان يظهر لتلاميذه ثم صعد الى السماء وجلس عن يمين العظمه وبذلك ينطبق القول ( انى متوفيك ورافعك الي) ال عمران 55