هل ينحاز المولى تبارك اسمه لشعب واحد دون بقية خلائقه؟
الحقيقة أن دراسة الكتاب المقدس شيء مهم وخطير جداً يستحق منا كل اهتمام؛ لذا نحن على استعداد أن نرسل لك نسخة مجانية من الإنجيل بحسب البشير يوحنا؛ لكي تتابع معنا هذه الدراسة. دكتور ناجي، في بداية دراستنا للإنجيل بحسب البشير يوحنا أريد أن أسألك ما معنى كلمة إنجيل؟ وهل يختلف الإنجيل عن الكتاب المقدس؟
كلمة إنجيل معناها خبر سار، وهي مأخوذة من الكلمة اليونانية أونجيلون. وتطلق كلمة إنجيل على كل الكتابات الموحى بها من الله (سبحانه وتعالى) بعد مجيء السيد المسيح (له المجد) منذ ألفي عام تقريبًا. وهي تختلف عن عبارة الكتاب المقدس، فالكتاب المقدس يضم بين ضفتيه كل ما أوحى الله (سبحانه وتعالى) به منذ بدء الخليقة الى نهاية ما أوحى به (تبارك اسمه) في الإنجيل، أي التوراة، والأنبياء، والزابور، والإنجيل. ويطلق على الإنجيل العهد الجديد، كما يطلق على بقية الأسفار العهد القديم. والكتاب المقدس يضم الأسفار الموحى بها في العهدين: الجديد، والقديم.
ما المقصود بالعهد القديم، هل هو فترة زمنية أم مجموعة أسفار أو كتب ؟
المقصود بالعهد القديم هو فترة زمنية، وأيضاً مجموعة الأسفار أو الكتب التي يتكون منها الكتاب المقدس. بالنسبة للفترة الزمنية فهي تبدأ من أول خليقة الإنسان الأول آدم حتى موت السيد المسيح (له المجد) وقيامته ورفعه الى السماء. وهذه الفترة تتحدث عن خلق السموات والأرض وأختلاف الليل والنهار كما هى الحال أيضاً مع خلق كل ما في السماوات والأرض من نجوم وكواكب وشمس وقمر، وما على الأرض، من حيوانات وطيور ومزروعات وغيرها. ثم سقوط الإنسان في ما امتحنه به المولى (تبارك اسمه)، وأكله من الشجرة المحرمة، ثم ظهور الشر في الإنسان وتكاثره على كل الأرض، وهكذا تتوالى الأحداث حتى نصل الى مجيء السيد المسيح (تبارك اسمه).
هذا عن العهد القديم كفترة زمنية، وماذا عن العهد القديم كمجموعة كتب أو أسفار؟
العهد القديم مجموعة أسفار تبدأ بما يعرف بأسفار موسى كليم المولى عز وجل الخمسة. وهذه الأسفار هي التكوين، والخروج، واللاويين، والعدد، والتثنية. وبعد ذلك سفر يشوع والقضاة، ثم الأسفار المعروفة بالأسفار التاريخية، والأسفار النبوية، وسفر المزامير.
العهد القديم كله يتكلم عن شعب واحد فقط، ودولة واحدة بالذات، أو هو شعب إسرائيل. وسؤالي هو: لماذا يركز أكثر من نصف الكتاب المقدس على دولة واحدة فقط، وشعب واحد، وينسى بقية الشعوب؟ ألا ترى أن هذا تعصب وتفريق عنصري، وهل المولى (تبارك اسمه) ينحاز لشعب واحد دون بقية خلائقه؟
هذا صحيح لكن أريد أن ألفت انتباهك لعدة أمور مهمة. أولا ليس عند المولى (تبارك اسمه) أي انحياز أو تحيز أو تفريق عنصري بين شعب وأخر، أو أمة وأخرى. فالكل خليقة يديه، وعمل أصابعه (جل شأنه). فعندما خلق المولى (تبارك اسمه) أبوينا الأولين: آدم، وحواء لم يخلقهما يهوديين بل كانا يمثلان أمامه كل الجنس البشري. وحاول المولى (سبحانه وتعالى) أن يحفظ الإنسان في جنات تجري من تحتها الأنهار ليستمتع بها، ولم يكن نبي الله آدم وزوجته حواء يعرفان إلا الخير فقط. ولم يكونا قد تعرضا لمعرفة الشر؛ لذلك نهاهم المولى القدير عن الأكل من شجرة معينة لكي لا يموتا، لكنهما صدَّقا غواية الشيطان الرجيم، وأكلا من الشجرة المحرمة.
لكن واضح أنهم لم يموتا كما قال لهما المولى عز وجل؟
لا، بل ماتا.
ماتا، كيف ألم يطردهما الله سبحانه وتعالى من الجنة؟
وهذا هو المقصود بموتهما، فكلمة تموتا التي قالها المولى (سبحانه وتعالى) لأبوينا الأولين تعني أنه يوم تأكلا من هذه الشجرة ستنفصلان عن الله، وستعرفان الشر أيضاً لا الخير فقط، وسيصبح من المحتم عليكما أن تختارا بين اتباع الخير، والتوبة الصادقة من القلب، والرجوع للمولى (سبحانه وتعالى) لطلب العفو والغفران، أو أن تختارا الشر فتكونا والعياذ بالله من الخاسرين. واختارا الأبوان الأولان أن يأكلا من الشجرة المحرمة- كما قلنا- وعرفا الشر، وانفصلا عن المولى القدير بطردهما من الجنة، ونزولهما إلى الأرض في خوف وحزن وتعب؛ ليعملا الأرض التي لعنها المولى القدير (تبارك اسمه) نتيجة لخطيتهما.
لماذا اختار الله شعب واحد بالذات؟
بعد أن سقط الإنسان، وكثر في الأرض أصبح هناك فريقان من البشر: فريق يعرف المولى القدير، ويريد الاتصال به، وهو المتمثل في نبي الله نوح، وفريق أخر اختار الشر، ورفض القدير جل شأنه. فأنقذ الله (تبارك اسمه) عبده نوح من الطوفان الذي أهلك الأرض، واستمرت الحال إلى أن دعى المولى (عز وجل) خليله إبراهيم، وطلب منه أن يترك أور الكلدانيين- ومكانها العراق الآن- ويذهب ويستوطن في أرض كنعان. وأراد الله (جل شأنه) أن يعلن للإنسان خلاصه من الخطية والمعاصي وورود النار, في شخص السيد المسيح (تبارك اسمه). لكن بني إسرائيل- إسرائيل هو يعقوب ابن أسحق ابن خليل المولى إبراهيم- ظنوا أنه بإمكانهم إرضاء المولى (تبارك اسمه) وعمل كل ما يوصيهم به، فأرسل لهم نبيه موسى بالتوراة لامتحانهم هل يسلكوا في فرائضه أم لا. وما كان اختيار الله لشعب إسرائيل في القديم سوى عينة لفشل الجنس البشري في الخضوع للمولى (تبارك اسمه) حتى يعرفوا احتياجهم لمخلص هو المسيح الرب.
لماذا ركز العهد القديم على إسرائيل وحدهم؟
كما قلت لأن الله اتخذهم عينة للبشر؛ ليثبت لهم (تبارك اسمه) أن الإنسان لا يستطيع أن يرضي المولى (عز وجل) بقدرته الذاتية. فكم من مرة أحسن الرب إليهم بأن أرسل مخلصًا، فخلصهم من عبودية المصريين، وكم من مرة سقاهم مياه من الصخر، وأرسل لهم طعامًا من السماء، وحماهم ونصرهم على أعدائهم، لكنهم ظلوا على عنادهم وعصيانهم له. فالعهد القديم لا يركز على شعب واحد لمجرد تكريم لهذا الشعب، بل قصة شعب إسرائيل هي قصة الإنسان والبشرية جمعاء، وفيها تبدو رحمة الله سبحانه بمحاولة مساعدة الإنسان. لكن الإنسان يبتعد فيؤدبه المولى (عز وجل) فيرجع اليه الإنسان؛ فيعفوا سبحانه عن الإنسان، ويحسن إليه. فيعود الإنسان للمعاصي والشرور مرة أخرى؛ فيحمي غضب المولى (تبارك اسمه) عليه، فيعود الإنسان للتوبة وهكذا. وإن اختار المولى عز وجل شعب، مثل: الكلدانيين، أو الأشوريين، أو المصريين لكي يظهر فيهم غني رحمته وصبره وإمهاله عليهم، لتساءلنا أيضًا لماذا هذا الشعب بالذات. وأريد أيضًا أن أقول إن العهد القديم تكلم عن بلاد كثيرة كمصر وأشور وغيرها، ووعد خليله إبراهيم أن إسماعيل أيضًا سيصير أمة عظيمة، وليس إسحق فقط، وهذا ما صار اليوم. وعلى كل حال أبطل العهد الجديد أشياء كثيرة مما كانت في العهد القديم.
هل من الممكن أن تشرح لي الجملة الأخيرة؟ وما معنى العهد الجديد؟ ولماذا سمي العهد الجديد بهذا الاسم؟
معنى العهد الجديد هو أن المولى (تبارك اسمه) دخل في عهد مع البشرية يختلف كل الاختلاف عن العهد القديم. فالعهد القديم كان بين المولى (عز وجل) وبني إسرائيل كممثلين للبشر. وقد فشلوا في كل ما امتحنهم فيه المولى (تبارك اسمه) حتى اليوم، فأرسل الله (سبحانه وتعالى) الرب يسوع المسيح (تبارك اسمه) بخطة أخرى، وعهد آخر للبشرية. عهد لا فضل فيه لعربي على أعجمي إلا بالتقوى. وكما صرح بطرس تلميذ السيد المسيح (له المجد) في سفر أعمال الرسل حين قال: "بالحق أنا أرى أن الله لا يحابي الوجوه، بل في كل أمة الذي يصنع البر مقبول عنده". فأصبح شعب الله اليوم هم كل من يؤمن بالرب يسوع المسيح (تبارك اسمه) كالمخلص الشخصي له. وأنه هو الذي جاء بعهد جديد يختلف عن العهد الأول مع بني أسرائيل.
هل تقصد أن شعب الله المختار الآن هم المسيحيون بدلا من إسرائيل؟
كما جاوبت في سؤالي السابق، لم يعد لدى المولى القدير شعبًا أرضيًّا واحدًا هو الذي يقال عنه إنه الشعب المختار. وليس من الصحيح أن نعمم القول إن المسيحيين هم شعبه المختار في العهد الجديد، إلا إذا عرفنا من هم المسيحيون. فكلمة مسيحي هي في أصلها تعني من آمن بالسيد المسيح (تبارك اسمه) كالمخلص الوحيد للبشرية من المعاصي والذنوب، ومن سيقبل شفاعته يوم الدين، يوم لا ينفع مال ولا بنون، ومن أعطي اسم فوق كل اسم، لأنه ليس اسم آخر غير اسم المسيح تحت السماء قد أعطي بين الناس به ينبغي أن نخلص. هؤلاء هم المسيحيون، وهؤلاء موجودون في كافة أديان الارض، وهؤلاء هم شعب الله اليوم من الناحية الروحية، وليس الجسدية بالطبع. فقد نجد واحدًا اسمه أحمد أو محمد، وتنطبق عليه الحالة السابقة، فهو من شعب الله (تبارك اسمه) وقد نجد عبد المسيح أو يوحنا ولا يؤمن بالسيد (له المجد) كما شرحت سابقًا، ولا يمكن اعتباره من شعب الله المختار الروحي اليوم. الله (تبارك اسمه) ليس عنده تحيز أو تفرقة عنصرية لشعب دون الآخر، فالكتاب يقول: "أن في كل أمة الذي يصنع البر مقبول عنده".
ما معنى عبارة " الخبر السار"؟ هذا الخبر السار؟
الخبر السار معناه خبر مفرح، ومبهج، وأطلق هذا على كتابات الإنجيل؛ لأنه يحوي أهم وأعظم خبر مفرح ومبهج للبشرية جمعاء، وهو أن العهد القديم- عهد الناموس والفرائض والوصايا والذبائح الدموية- قد انتهى، وبدأ عهد جديد فيه يستطيع الانسان المقيد في سجن خطاياه ومعاصيه أن يحصل على حريته الكاملة بالإيمان بشخص السيد المسيح يسوع (تبارك اسمه). فينتقل من الموت- أي الانفصال عن القدير جل شأنه- إلى الحياة الجديدة في المسيح يسوع له المجد. ولم يعد هناك شعبًا واحدًا يستطيع أن يتقدم إلى المولى القدير (تبارك اسمه) ليقدم ذبائح لغفران خطاياه، بل الخبر المفرح أن السيد المسيح (له المجد) قدم نفسه لله ذبيحة عن خطايا البشر، فوجد لنا فداء أبديًا. الخبر السار يعني أيضًا أن المولى (تبارك اسمه) أعطى أتباعه المخلصين أن يهزموا الموت وعذاب القبر والنار والوسواس الخناس من خلال شخص السيد المسيح له المجد.
من الذي كتب الإنجيل، أو هذا الخبر السار؟
إجابة على هذا السؤال يجب أن يسبقها تحديد المقصود بكلمة الكاتب. إن كان المقصود بكلمة الكاتب بمعنى المنشئ أو المؤلف أو المصدر فهو بالطبع المولى (تبارك اسمه) الذي "أوحى إلى موسى الكتاب ثم المسيح مصدقًا لما بين يديه من التوراة والزابور، "أما إذا كان المقصود من الذي أمسك بالقلم والورقة، أو بالمسمار والحجر والجلد والبردي للكتابة عليها ما أملاه عليه (سبحانه وتعالى) فهؤلاء كثيرون: القديس متى، ومرقس، ولوقا، ويوحنا، وبولس. وكلمة قديس هنا لا تعني أفضيلة خاصة لهؤلاء الناس عن غيرهم من البشر، بل تعني أنهم مقدسون، أي مفروزون أو مخصصون للحياة وخدمة المولى (تبارك اسمه).
لماذا سمينا الأناجيل بحسب البشير متى، وحسب البشير مرقس وغيرها؟ وهل هو إنجيل واحد أم عدة أناجيل؟
الانجيل هو إنجيل واحد؛ لأن الخبر السار هو خبر واحد متكرر في الأربع كتابات للإنجيل الواحد، لكن لكل إنجيل أسلوبه وأسباب نزوله. فمع أن هناك الإنجيل بحسب البشير متى، والإنجيل بحسب البشير مرقس، وغيرها، إلا أنها كتابات فقط، وليست أناجيل متنوعة أو مختلفة من حيث مادتها، لكنها مختلفة من حيث من استأمنه الله (تبارك اسمه) على تدوينها وفقًا لما أملاه عليه القدير (جل شأنه). وقد يطلق عليها إنجيل متى ومرقس ولوقا ويوحنا، لكن هذا لا يعني أنهم هم الذين أنشئوا، أو هم مصدر هذا الخبر السار.
لماذا لم يكتب السيد المسيح (له المجد) الإنجيل وهو على الارض في كتاب واحد؟
لم تكن دعوة السيد المسيح (تبارك اسمه) على الأرض أن يكتب كتابًا يتلوه أتباعه من بعده، ويحفظوه عن ظهر قلب، بل كانت إرساليته تتلخص كما قال الإنجيل إنه كان يجول يصنع خيرًا، ويشفي جميع المتسلط عليهم إبليس، ويعلم تلاميذه مبادئ العهد الجديد، وكيف يتقرب الناس الى المولى (تبارك اسمه). وأخذ تلاميذه في تدريب عملي على محبة الناس، وصنع المعجزات بينهم، وبذلك كتب (له المجد) إنجيله لا بحبر على ورق، بل بقدرته وتأثيره ومثاله على قلوبهم. وعندما أراد المولى القدير تدوين هذا الإنجيل على الورق، استخدم أناس الله، أي تلاميذ السيد المسيح (له المجد) مسوقين بروحه (جل شأنه) لتدوين هذا الإنجيل.