الفرح المستديم من الله أم من الإنسان؟
في عدد 9 من أصحاح 2 من الانجيل بحسب البشير يوحنا يقول الكتاب المقدس: " فلما ذاق رئيس المتكأ الماء المتحول الى خمرا ولم يكن يعلم من اين هي، لكن الخدام الذين كانوا قد أستقوا الماء علموا. دعا رئيس المتكأ العريس وقال له: كل أنسان أنما يضع الخمر الجيدة أولا ومتى سكروا فحينئذ الدون. أما أنت فقد أبقيت الخمر الجيدة الى الان" فهل ممكن أن تتفضل بشرح هذه الآيات لنا؟
القصة ببساطة وفي كلمات هي ان السيد المسيح تبارك أسمه دعي هو وتلاميذه وأمه المطوبة الى عرس في قرية قانا الجليل وفرغت الخمر التي كان المدعون حسب عادة اليهود في تلك الايام يشربونها. فتدخل السيد المسيح تبارك اسمه وعمل معجزة بأن طلب من الخدم أن يملؤا ستة أجران كانت موجودة في بيت العريس بالماء. ثم أمرهم أن يستقوا من هذا الماء الذي حوله القدير على كل شيء الى خمر، وأن يقدموا الى رئيس المتكأ. فتعجب رئيس المتكأ من تلك الخمر التي قدمها له الخدم اذ وجدها خمر جيدة، بل أجود من تلك التي كانوا يشربونها أولا حتى فرغت.
لماذا تعجب رئيس المتكأ من أن الخمر التي حولها السيد المسيح تبارك اسمه كانت أجود من تلك التي كانوا يشربونها؟
تعجب وفقا لما ذكره تنزيل الحكيم العليم لكتاب المقدس لسببين، أولهما أنه لم يكن يعلم من أين جاءت هذه الخمر الجيدة. فهو لم ير السيد المبارك له المجد وهو يصنع المعجزة ويحول الماء الى خمر. الخدم فقط هم الذين علموا بهذه المعجزة لأنهم هم الذين ملؤا الاجران ماء بايديهم، وهم الذين كانوا يعرفون ان الخمر الاولى التي كانوا يقدمونها للناس قد فرغت، وهم الذين أستقوا بأيديهم وقدموها لرئيس المتكا. أما رئيس المتكأ فلم يكن يعلم شيء من هذا.
وما هو السبب الثاني لتعجب رئيس المتكأ من هذا الخمر؟ السبب الثاني وهو ما عبر عنه رئيس المتكا في قوله للعريس: " كل أنسان انما يضع الخمر الجيدة أولا ومتى سكروا فحينئذ الدون" والموضوع ببساطة ان العرس في العهد القديم في أسرائيل كان يمتد لعدة أيام ولعدة ساعات في الليلة الواحدة، وكانت الخمر( وهي غير المسكر) تقدم للحاضرين ليشربوها كالماء. فكان العريس الذي لا يستطيع أن يؤمن خمرا من نوع جيد بكميات كبيرة لكل المدعوين ليشربوها طوال العرس لنقص أمكانياته المادية مثلا، كان عادة يقدم العريس الخمر الجيدة في البداية فيشرب منها الناس بكثرة حتى يبتدؤا يسكرون. وعندما يسكروا لن يعودوا يميزون بين الانواع الجيدة من الخمر والانواع الرديئة منه. فكان العريس يقدم عندها الخمر غير الجيدة أو كما عرفها رئيس المتكأ هنا بالخمر الدون.
وماذا عمل هذا العريس، هل قدم الخمر الدون في البداية قبل ان يسكر الحاضرون، هل هذا معقول؟ لا، لم يقدم العريس خمرا دون في البداية، بل قدم خمرا جيدا. لكن هذه الخمر الجيدة فرغت حتى قبل أن يسكر الحاضرون، لأن واضح أن رئيس المتكأ قد سكر بعد وكان هو الذي يشرب عادة أكثر من الحاضرين من الخمر. لكن الخمر التي حولها السيد تبارك اسمه كانت جيدة ليست بالمقارنة بالخمر الدون التي كان الحاضرين يتوقعونها بعد ان يسكروا بل كانت أجود من أجود خمر شربها الحاضرون في ذلك العرس.
هل هناك تعاليم روحية مستقاة من هذه المقارنة بين الخمر الدون والخمر الجيدة؟ بالطبع هناك العديد من التعاليم الروحية التي تغير حياة المرء أن كان من الفاطنين لما يريد المولى عز وجل أن يشرحه له. فالخمر في كتاب العزيز الحكيم الكتاب المقدس تشير الى الفرح والملذات والسرور، وهنا يمكن أن تحدث مقارنة بين الخمر أو الفرح والملذات والسرور التي يقدمها لي العالم وما فيه من أصدقاء وأقرباء وأهل حتى أن كانت أفراح وملذات وسرورجيد وليس رديء، وبين الفرح الملذات الروحية والسرور والسعادة الروحية التي يقدمها لي شخص السيد المبارك يسوع المسيح تبارك اسمه. فسرور العالم وملذاته ستنتهي يوما ما، كما فرغت الخمر من العرس، تنتهي وأنا في وسط العرس في وسط فرحي وسعادتي ولذاتي وسأقع في ورطة قد تنتهي معها صحتي وشبابي. ولكن السعادة التي يقدمها السيد المسيح للذين يتعرفون عليه مخلصاً شخصياً له تنقذني من هذه الورطة. لأنها خمرا جيدة دائمة لا يمكن ان تفرغ من حياتي. فحالة الفراغ التي يعاني منها كل انسان يعتمد على ملذات العالم حالة رهيبة لا يعرفها الا المجربون. لكن حالة الفرح والسرور التي يملأ السيد المسيح بها القلب حالة الفرح لا ينطق به ومجيد. حالة الفرح والسعادة الارضية هي حالة يصفها الكتاب بالخمر الدون على عكس ما يقدم لنا المولى تبارك اسمه.
هل هناك دروس روحية اخرى من هذه المعجزة يمكن ان نتعلمها؟
عند فراغ الخمر أي السعادة والفرح والملذات الارضية من حياتك وعند هلاك صحتك وتباعد الاهل والاصحاب عنك لن تجد سوى السيد الرب يسوع المسيح تبارك اسمه هو وحده الذي يستطيع أن ينقذك من حالة التدهور النفسي والروحي والجسدي الذي ستعاني منه. لأنه هو وحده تبارك اسمه صانع المعجزات لكن عليك أن تدعوه الى حياتك الان ليدخل الى أفراحك وملذاتك الدون، فيحولها الى أفراح سماوية وملذات روحية وسعادة أبدية من عنده.
أن كنت تريد ان تنقذ زواجك من الانهيار والانفصال بينك وبين شريك عمرك، أدع الرب يسوع الى هذه الحالة. قل له ياسيدي ان عرسي وفرحي قد تحول الى خلاف دائم مزمن لا علاج له، أحلامي في زواجي أنهارت وسروري بأولادي قد تبخر وليس لدي القدرة على تقويم الامور. فتعال الى قلبي وأدخل الى بيتي وانقذ عرسي. وعندها سيأتي السيد من خلال تلاميذه الى الارض ويحولون الندامة الى كرامة والحزن الى فرح، والفشل الى آمل وسيصنع لك خمرا جديدة وأفراح جديدة وسعادة دائمة ليست دون، فتفرح عندما ينقذك.
يقول الانجيل كما دونه البشير يوحنا في الآية 11 من الاصحاح الثاني عن هذه المعجزة التي نحن بصددها هذه بداية الايات فعلها يسوع في قانا الجليل واظهر مجده فآمن به تلاميذه، وعندي ثلاثة اسئلة على الثلاثة مقاطع في هذه الآية وهي: "وأظهر مجده، فآمن به تلاميذه". فهل هذه هي اول معجزة يجريها السيد الرب في حياته؟
في راي الخاص أن الكلام هنا يعني هذه اول الايات العلنية التي أجراها السيد المبارك تبارك أسمه أمام الناس، أو هي أول الايات التي اظهر بها مجده علانية للناس ولتلاميذه فآمنوا به. فواضح ان مجرد طلب القديسة العذراء مريم المطوبة منه أن يصنع معجزة وينقذ العرس من ورطة فراغ الخمر، تقول انها كانت تعلم أن أبنها بالجسد الرب يسوع صانع معجزات. لا شك انها رأت في حياته معها طيلة الثلاثين عام ورأت فيه معجزة مجسمة لأنه كان يختلف تماما عن كل البشر. فهو لم يحتج لمن يرفع عنه وزره أو يغفر له ذنبه، وهو لم يعمل خطية أو معصية طيلة حياته، لا قبل خروجه للخدمة ولا بعدها. وكما قال أحدهم أن أعظم معجزة أن يصمت رب المعجزات طول حياته وقبل أن يحول الماء الى خمر.
ما معنى أنه أظهر مجده؟ اي مجد في صنع هذه المعجزة؟
أظهر مجده تعني اظهر عظمته وقدرته وجلاله أمام الناس. وكلمة مجده لا تعطي الا المولى الجالس على العرش سبحانه وتعالى. فمن له المجد والكرامة والعظمة والقدرة والجلال هو من لا شريك لله سبحانه، والملاحظ هنا ان السيد المسيح تبارك اسمه أظهر مجده هو ، ولم يقل الكتاب المقدس ان السيد المسيح اظهر مجد الله اوعظمة وقدرة وجلال المولى تبارك اسمه. والمعروف أن الله سبحانه وتعالى لا يعطي مجده وعظمته لأنسان مهما كان هذا الانسان. فلو كان السيد المسيح تبارك اسمه مجرد أنسان كأي أنسان، لما سمح له المولى القدير أن يظهر مجد نفسه ولكان السيد المسيح والعياذ به منه، من المغضوب عليهم والضالين. لأنه لم يعط المجد للمولى عز وجل ولم يظهر مجد الخالق فأختطفه المخلوق. الامر الذي لما شرع فيه أبليس وأراد أن يساوي نفسه بالله وهو مازال ملاكا في عرس الله، أسقطه المولى تبارك أسمه في لحظة الى الارض، وحفضه مغضوب عليه الى يوم الدين بلا رجاء أو خلاص. فكم وكم يكون الانسان المخلوق من طين حتى لو كان السيد المسيح. لكن كونه أنه وهو الذي لم يعمل خطية يظهر مجده وهو ليس مجد الله، وقد تركه المولى دون عقاب. فهذه خير شهادة على أن السيد المسيح هو الله نفسه ظاهرا في جسد انسان.
هل تنفرد هذه المعجزة بشيء عجيب يمكن ان يظهر فيه السيد المسيح نفسه ومجده وعظمته؟
هذه المعجزة كما قلنا من حرفيتها هي معجزة خلق، والخالق واحد وهو الله سبحانه وتعالى. ومن معانيها الروحية هي معجزة خلق ايضا. ففي حرفيتها أن حرفية تحويل الماء الى خمر يتضح أن مكونات الماء ليست هي مكونات الخمر، والماء موجود كل حين في كل مكان قبل خلق الانسان والنبات وبعده. أما الخمر فلا بد له من عنب والعنب لا بد له أن يزرع وينمو ويحصد ويعصر ويخمر فيصير الخمر. فعناصر هذه المعجزة لم تكن موجودة فلم يكن هناك عنب عصره السيد المبارك وأخرج منه خمرا، بل تخطى كل هذه لأنه هو المكتوب عنه له المجد انه خالق كل الاشياء بكلمة قدرته. لذا امر بعملية خلق للخمر من الماء، فأطاعته المياه وأطاعه الخمر وخلق دون وجود مكوناته الاساسية.
هذه هي المعجزة في حرفيتها وماذا عن معناها الروحي، كيف تكون معجزة خلق ايضا؟
تشير هذه المعجزة الى تغيير الطبيعة القديمة في الانسان، طبيعة الانسان التي ولد بها، والى الطبيعة الجديدة التي يهبها له الرب يسوع المسيح بعد ان يحوله الى أنسان روحي ويملأ حياته بالسلام الروحي والسعادة الروحية كما قلنا. فكما يسميها الكتاب المقدس عملية ولادة جديدة واقصد هنا عن عملية تغيير الحياة الجسدية الانسانية الى حياة روحية بقدرة الله سبحانه وتعالى، كما اطلق الكتاب المقدس أيضا الخليقة الجديدة.
في المقطع الثالث الخاص بهذه المعجزة يقول الانجيل بحسب البشير يوحنا أصحاح2 وعدد 11 هذه بداية الايات فعلها يسوع في قانا الجليل وأظهر مجده فآمن به تلاميذه، وأقصد باالمقطع الثالث فآمن به تلاميذه. هل تلاميذ الرب يسوع المسيح لم يكونوا يؤمنون به الى أن أجرى هذه المعجزة أمامهم؟
هناك نوعان من الايمان، الايمان بالتعاليم والعقائد التي كان السيد المبارك يقدمها لتلاميذه والايمان به هو أنه قادر على صنع المعجزات. وبالمناسبة كان اليهود كما هو الحال مع بقية البشر حتى الى الان يؤمنون أنه ليس أحد يستطيع أن يعمل المعجزات أن لم يكن مرسلا من الله سبحانه وتعالى توازره قوة المولى تبارك اسمه. فمن جهة أيمان التلاميذ بتعاليم السيد المسيح كان التلاميذ مؤمنين بها قبل هذه المعجزة بدليل انهم تركوا كل شيء كانوا يعملونه وتبعوا الرب يسوع اينما كان يمضي. لكن رؤية هذه المعجزة جعلتهم يصدقون ويؤمنون أنه حقا أتى من الله سبحانه وتعالى وأنه قادر على صنع المعجزات العظام، فآمنوا به.
هل تعتقد أن الرب يسوع المسيح تبارك أسمه عمل هذه المعجزة لكي يؤمن به تلاميذه او عملها لينقذ العرس من أزمته؟
لا، لم يعمل الرب يسوع تبارك اسمه اي معجزة وكان هدفها أن يظهر مجده أو لكي يؤمن به تلاميذه، فهو قائم بذاته لا ولن يسمح للأنسان ان يحكم عليه او يدفعه لإظهار مجده او محاولة اثبات نفسه لتلاميذه ليؤمنوا به. لدرجة أنه عندما طلب منه قوم وهو في حياته أن يأتيهم بمعجزة لكي يروا ويؤمنوا لم يجبهم الى طلبهم مع أنه هو صانع المعجزات العظام، لكنه صنع هذه المعجزة لينقذ العريس من ورطة والعرس من آزمته. لكن أظهار مجده وأيمان تلاميذه به كان نتيجة طبيعية وتلقائية لعمل المعجزة. وهناك فرق أن يقول الكتاب المقدس" هذه بداية الايات فعلها يسوع في قانا الجليل وأظهر مجده فآمن به تلاميذه" وأن يقول: " هذه بداية الايات فعلها يسوع في قانا الجليل ليظهر بها مجده وليؤمن تلاميذه به". لا لم يقل الكتاب المقدس الثانية بل الاولى.
أشارة الى عبارة "فآمن به تلاميذه" توارد سؤال على ذهني الان، هل لا بد لكل نبي يرسله الله الى البشر أن يزوده المولى سبحانه وتعالى بعمل المعجزات والايات الخارقة ليؤمن به الناس؟
هناك ثلاثة اوصاف أو صفات أو أمور لا بد بها المولى سبحانه وتعالى أي نبي يرسله جل شأنه الى الناس وخاصة أذا كانت مهمة هذا النبي أن يقدم عهدا جديدا بين الناس والمولى تبارك اسمه أو سيغير من دينهم أو معتقداتهم أو تعاليم سابقية من الانبياء. هذه الثلاثة أشياء هي:
أولا: رسالة جديدة تؤكد سابقتها وتتفق معها في كونها منزلة من عند الله سبحانه وتعالى ولا تنسخها أو تغير او تبدل في مضمونها أو كلماتها. فلا تجدد لسنة الله تبدلا ولا مغير لكلمات الله.
ثانيا: نبوات يذكرها النبي يكون مصدرها المولى عز وجل وليس كتب الاولين أو كتاباتهم وأشعارهم ولا حتى ممارساتهم الدينية من صلاة وزكاة وحج وغيرها. ولا بد أن تتحق هذه النبوات.
ثالثا: آيات بينات تؤيد وتؤكد رسالة هذا النبي انها من عند الله سبحانه وتعالى. هذا بالاضافة الى بعض الصفات الشخصية التي لابد أن يتمتع بها النبي او الرسول والتي لا مجال لذكرها في هذا المقام.
يظهر أن الثلاثة عناصر السابقة ستدخلنا في مناقشة جذابة حولها. أذن دعني أسألك كيف تطبق هذه الاوصاف الثلاث على كليم الله موسى والسيد الرب يسوع المسيح تبارك اسمه كأنبياء ورسل من القدير الى البشر أجمعين؟
بالنسبة للعنصر الاول وهو الحديث عن الرسالة الجديدة التي تؤكد سابقتها وتتفق معها في كونها منزلة من عند الله سبحانه وتعالى ولا تنسخها او تبدل او تغير مضمونها أو كلماتها. فنرى أنه منذ اليوم الذي سقط فيه الانسان الاول آدم في المعصية أن الله سبحانه وتعالى كساه جلداً بعد أن أكتشف هو وأمنا حواء أنهما عريانان. أي سترهما بالجلد والجلد مأخوذ ولا شك من الذبيحة، وقد علمهما أن الذبيحة التي تقدم عنهما وعن أولادهما هي الطريق الوحيد لغفران الله لخطايا ومعاصي البشر. وبدون تقديم ذبيحة وفدية للمولى نيابة عن الانسان مرتكب المعصية لا يمكن أن تحدث مغفرة لهذه الخطية. وهذا واضح من تقديم هذه الذبائح من أول قابيل الصديق وحتى خليل الله أبراهيم، ثم أمتدت الى يعقوب وأسحق والاسباط حتى وصلت الى موسى الكليم. فأرسله المولى بوصايا عشر لا تتعارض في مضمونها أو ممارستها لما كان قبلا ولم تنسخها أو تبدل بها. أما كونها رسالة جديدة فرسالة موسى الكليم كانت أن يعلن للناس أن المولى أختار شعبا لنفسه سوف يريهم آياته، لعلهم يتذكرون وأرسل التوراة والزبور هدى ورحمة فيها موعظة حسنة لمن يفقهون.
لكن هذا لم يتوفر في السيد المسيح تبارك اسمه، فقد جاء ونسخ ما قبله برسالته الجديدة وأبطل الذبائح والممارسات اليهودية؟
لا هذا ليس صحيحا على الاطلاق، فلقد جاء السيد المسيح برسالة جديدة للبشرية مفادها أن الله ليس لشعب واحد أو أمة واحدة بل هو رب العباد آجمعين. وقال عن نفسه بفمه الطاهر المنزه: " لم آت لأنقض الناموس بل لأكمله" أي ان مجيء السيد تبارك اسمه برسالته الجديدة كانت ليكمل الناموس ويؤكده بدليل أن التوراة وكتب اليهود في العهد القديم مازالت هي بعينها كتاب النصارى حتى هذه الساعة.
لكن ماذا فيما يختص بتقديم الذبائح، ألم ينسخها السيد المسيح تبارك اسمه؟
لا لم ينسخها بل أكدها وأكد أنها فريضة موحى بها من الله سبحانه وتعالى ولم يبطلها، بدليل أنه هو قدم نفسه كما يقول الكتاب المقدس ذبيحة لأجلنا. فوجد فداءاً أبديا. فلو كان مجيء السيد المسيح الى الارض لينسخ الذبائح لما قدم نفسه ذبيحة. لكن نظراً لكماله هو فتقديمه نفسه لا يصلح بعده أن تقدم ذبيحة أخرى لله بعده، وهذا هو الجديد في رسالته.
ما هو العنصر الثاني الذي لا بد من توافره في النبي وهو أثباته بنبوات تتحقق؟
معنى كلمة نبي أنه مخبربالغيب، فالنبي لا بد أن يتنبأ أي يخبر تابعيه عن غيبيات لم يذكرها غيره. ولا يمكن الكهن بها. والكتاب المقدس كتاب الله تنزيل الحكيم العليم مليء بالنبوات التي قد تحققت وتتحقق كل يوم. خاصة ماقاله موسى الكليم والسيد المسيح تبارك أسمه. أما ان يأتي نبي بلا نبوات فهذا ليس وارد في شرع المولى تبارك أسمه.
وماذا عن الايات البينات والمعجزات التي تتبع النبي؟
الله يعرف ضعف الانسان ويعرف عدم أيمانه، وهو سبحانه وتعالى يريد ان يساعد الناس على الايمان به، فالدين يسر لا عسر. هو يعرف انه عندما سيرسل رسولاً أو نبياً الى العالم لا بد ان الناس ستسأله أن يأتي بعجيبة تفوق توقعاتهم حتى يثبت لهم انه من عند الله. ولم يرى المولى تبارك اسمه أي عيب في أن يطلب الناس هذا الطلب من الانبياء، بل بالعكس عندما سأله موسى الكليم قائلا ماذا يقدم للناس من دليل على صدق رسالته وأصالة مصدرها؟ زوده المولى تبارك أسمه بالآيات البينات ولم يقل له انك بشر مثلهم وما أنت الا مبشرا ونذيرا فلا تسمع لهم فيما يطلبون منك.
واضح ان السيد الرب يسوع المسيح تبارك اسمه عمل العديد من المعجزات؟
هذا واضح بالطبع، لكن الاغرب من ذلك فان رسل السيد المسيح تبارك اسمه او الحواريين، زودهم السيد المسيح نفسه بالآيات البينات قبل أن يرسلهم لمواجهة الناس ونشر رسالتهم. فتلاميذ المسيد المسيح بطرس وبولس ويوحنا وغيرهم كانت تتبعهم العجائب. فكانوا يخرجون الشياطين من الناس ويشفون المرض ويقيمون الموتى وهذا مدون بسفر أعمال الرسل في العهد الجديد. ليس ذلك فقط بل بعض أتباع المسيح تبارك أسمه لم يكونوا من الحواريين الاثنا عشر. لكنه زودهم أيضا بهذه الايات البينات الذين منهم فيلبس المبشر. وهذا نقرأ عنه في سفر أعمال الرسل أصحاح 18 أنه كان يصنع المعجزات والقوات بأسم السيد المسيح ويقول الكتاب المقدس عنه: " وكان الجموع يصغون بنفس واحدة الى ما يقوله فيلبس عند استماعهم ونظرهم الايات التي صنعها، لأن كثيرين من الذين لهم أرواح نجسة كانت تخرج صارخة بصوت عظيم. وكثيرين من المفلوجين والعرج شفوا". أذا فمن يأتي بغير هذه الطريقة ولا تتوفر فيه هذه العناصر الثلاث لابد أن تشك فيه الناس وتتسائل عن مصدر أرساليته.