هل ظهر المولى تبارك اسمه لأحد عباده

قبل مجيء السيد المسيح على الأرض؟

يقول الوحي:" كل شيء به كان، وبغيره لم يكن شيء مما كان". فما معنى هذه الكلمات؟

هذه الكلمات تعني أن كل ما خلق في العالمين، وليس فقط في عالمنا المحدود أو الكرة الأرضية الصغيرة، بل كل ما خلق في هذا الكون الفسيح من جماد، وإنسان، وحيوان، ونبات، وغيرها، كل شيء خلق بالسيد المسيح، أي بواسطته أو من خلاله. وهذا تأكيد لما ذكرناه في الحلقات السابقة من أن السيد المسيح (تبارك اسمه) هو الله الظاهر في جسد إنسان؛ لأن الخالق لا يمكن إلا أن يكون واحد (سبحانه وتعالى) وهو الله. فإن كان الكتاب المقدس يشهد أن السيد المسيح هو الخالق، إذن فالسيد المسيح (له المجد) هو الله.

هل فكرة أن السيد المسيح (تبارك اسمه) هو الله الظاهر في الجسد بدأت أيام كتابة الانجيل بحسب البشير يوحنا، أي في الفترة القريبة من سنة 70 ميلادية، أم إنها كانت معروفة قبل هذا الزمان في أيام الرب يسوع نفسه؟

منذ بداية خدمة السيد المسيح (تبارك اسمه) على الأرض كانت هذه الحقيقة يعلم بها (له المجد) وأتباعه والمحيطين به. ففي كلامه مع فيلبس أحد تلاميذه عندما طلب منه هذا التلميذ أن يريهم الآب، أي الله الجالس على العرش (سبحانه وتعالى)، قال له السيد المسيح (له المجد): "أنا معكم زماناً هذه مدته، ولم تعرفني يا فيلبس. الذي رآني فقد رأى الاب، فكيف تقول أنت أرنا الآب، ألست تؤمن أني أنا في الآب، والآب فيّ". وهنا يقول السيد المسيح (تبارك اسمه) من رأني فقد رأى الله، أنا في الله، والله فيّ. هذا كلام خطير لا يصح أن يصرح به سوى الله نفسه (تبارك اسمه).

هل ذكر السيد المسيح بلسانه (تبارك اسمه) في مواضع أخرى أنه هو والآب أو الله الواحد (جل شأنه) شخص واحد؟

قال السيد المسيح (له المجد) الكلمات الشهيرة: "أنا والآب واحد". وهذا الكلام وارد في الأصحاح العاشر، وعدد 30 من الإنجيل بحسب البشير يوحنا. وقال عن نفسه أيضاً إنه "ابن الله"، وقد شرحنا معنى كلمة ابن الله في الحلقة السابقة. فحيث إن الله واحد لا شريك أو مثيل له، وهو لم يلد، ولم يولد، ولم يكن له كفؤاً أحداً، فما قصده السيد (تبارك اسمه) بكلمة "ابن الله" هو أنني أنا الله (جل شأنه) نفسه، وليس سواه. وهذه الكلمات وردت على لسان الرب يسوع المسيح (تبارك اسمه) عندما أراد اليهود رجمه؛ لأنه قال عن نفسه إنه ابن الله، أي الله الظاهر في الجسد وأنه مساوٍ لله، وهذا معناه أيضاً أنه هو الله. ففي الأعداد من 31 إلى 37 من الأصحاح الحادي عشر من الإنجيل بحسب البشير يوحنا يقول الوحي:" فتناول اليهود أيضاً حجارة ليرجموه، فقال يسوع: "أعمالاً كثيرة حسنة أريتكم من عند أبي- بسبب أي عمل منها ترجمونني؟" أجابه اليهود: " لسنا نرجمك لأجل عمل حسن، بل لأجل تجديف، فإنك وأنت إنسان تجعل نفسك إلهاً" أجابهم يسوع: "أليس مكتوباً في ناموسكم: أنا قلت إنكم آلهة؟ إن قال آلهة لأولئك الذين صارت اليهم كلمة الله، ولا يمكن أن ينقض المكتوب، فالذي قدَّسه الآب، وأرسله إلى العالم، أتقولون له: إنك تجدف، لأني قلت إني ابن الله؟" فهذا ما قاله المسيح عن نفسه.

ماذا لو لم أصدق أن السيد المسيح (تبارك اسمه)، هو ابن الله، أي الله الظاهر في الجسد، وآمنت بكل شيء آخر تقوله المسيحية، هل هذا يكفي؟

هل تقصد انك لا تريد أن تصدق أو أنك غير قادر أن تصدق؟

لنفرض أني لا أريد أن أصدق وأرفض تصديق هذه الحقيقة، وبعدها نبحث فيما اذا كنت غير قادر أن أصدقها.

لا تريد أن تصدق معناه أنك تكذب ما نطق به الصادق الأمين الرب يسوع المسيح (تبارك اسمه) عن نفسه. وكأنك تقول له والعياذ بالله، هذا الكلام غير صادق، وأنا أرفضه، وبالتالي لن يشرح لك المولى (تبارك اسمه) صدرك بالإيمان به. فالذين يقدم لهم المولى (عز وجل) الحق بطريقة بسيطة، ويرفضونه، ولا يصدقوه، يسلمهم إلى الذهن المرفوض، وعمل الضلال، فيضلهم الوسواس الخناس، ويصدهم عن الايمان بالحق جزاء من عند ربهم. فالذين كذبوا بآياته (جل وعلا) لهم في الآخرة عذاب أليم. والنقطة الثانية التي أريد أن ألفت انتباهك إليها هي ليست هناك مسيحية إلا إذا كان السيد المسيح (تبارك اسمه) هو الله الظاهر في الجسد. فلن تستطيع أن ترفض هذه الجزئية، وتقبل غيرها من تعاليم المسيحية. فإما أن تقبل المسيح يسوع (تبارك اسمه) بكل ما عمل وعلم، أو ترفضه كله.

لماذا لا يكون هناك مسيحية إلا إذا ما صدَّق المرء بأن السيد المسيح (تبارك اسمه) هو الله الظاهر في جسد إنسان، فالمسيحية فيها الكثير من التعاليم العظيمة التي إذا ما اتبعها الإنسان أرضى ربه، وأتم دينه؟

الأمر ليس تعاليم وفرائض ووصايا ونواهي، فالأمر المعروف والنهي عن المنكر موجود في كل الأديان. ومحاولة الصراع والتمسك بتعاليم المولى (عز وجل) متوفر حتى عند كثير من الفلاسفة والمصلحين الاجتماعيين. لكن الأمر هو مغفرة الخطايا، وستر للذنوب والمعاصي، ونجاة من عذاب أعده المولى للآثمين، ومن لا يتمتع بفداء المولى وغفرانه لخطاياه، حشر في النار واصطلى فيها أبداً. وفداء الإنسان متوقف على وجود مخلص وفادي، ولا يصلح أحد لهذه المهمة الخطيرة سوى السيد (تبارك اسمه) الرب يسوع المسيح.

ولماذا السيد المسيح فقط هو الذي يصلح لذلك وليس آخر؟

لأنه الوحيد الذي توفرت فيه الصفات الخاصة بالفادي، أو من يصلح ليفدي البشرية الساقطة، وهي:

أولاً- ألا يكون قد ورث فساد الطبيعة الإنسانية، وهذا مستحيل. فكل مولود من اجتماع رجل وامرأة دخل إلى العالم وارثاً للطبيعة البشرية الفاسدة. فلابد من وجود إنسان يولد له كل صفات الإنسان: جسد، ولحم، ودم، ونفس، وغيرها. بشرط أن يولد بغير الطريقة الطبيعية التي اشترك رجل وامرأة في إنجابه، وهذا الشرط لم يتوفر إلا في شخص السيد الرب يسوع المسيح (تبارك اسمه). فهو مولود من عذراء اصطفاها الله، وفضلها على نساء العالمين، فلم يمسها بشر، ولم تكن بغي. فجاء منها سيد كل الأرض الرب يسوع المسيح (تبارك اسمه) دون أن يرث فساد الطبيعة الإنسانية.

ثانياً- لابد لمن يصلح لفدائنا أن يكون بلا خطية، أي أنه لم يرتكب خطية واحدة في حياته. وهذا واضح أنه لم ينطبق إلا على السيد المسيح (تبارك اسمه) دون سواه من الرسل والأنبياء. فلقد شهد (له المجد) عن نفسه عندما سأل الجموع المحيطة به قائلاً: "من منكم يبكتني على خطية؟"، أي من منكم يذكر لي خطية ارتكبتها. وبالطبع لم يجرؤ أحد أن يذكر له أية خطية قام بها، وهو الوحيد الذي ما أستغفر المولى (سبحانه وتعالى) على قول أو فعل، ولم يحتاج لمن يغفر له ذنبه، ويرفع عنه وزره. فما سمعناه يوماً يقول ربي أستغفرك وأتوب إليك، فهو الوحيد الذي لم يستطع الشيطان أن يمسه، بل هو من عاش وجيهاً في الدنيا والآخرة.

لماذا لابد من توافر الشرط الثاني، أي لابد للفادي أن يكون بلا خطية؟

لأنه لو كان له خطية واحدة لما صلح لعملية الفداء، بل لاحتاج إلى من يفديه، ويكفر عن خطيته، ولانتظر لمخلص يأتي بعده بلا خطية لكي يمحو خطيته.

ما الشروط الأخرى الواجب توافرها فيمن يصلح ليفدينا غير أنه يولد بغير الطريقة الطبيعية من أب وأم، وإنه يكون بلا خطية منذ مولده حتى تقديم نفسه كفارة لأجلنا؟

الشرط الثالث هو أن هذا الفادي لابد أن يكون مساوياً لله في جوهره حتى يستطيع أن يرضي عدالة الله، وتُقبل ذبيحته، وحتى يكون أهلاً أن يتوسط بين الله (سبحانه وتعالى) والإنسان. فمن ناحية المولى (تبارك اسمه) لابد للفادي أن يكون مساوياً له، ومن ناحية الانسان لابد أن يكون الفادي أيضاً مساوياً له، وهذا لم يتوفر إطلاقاً إلا في السيد المسيح (له المجد) المذكور عنه انه كلمة الله، وروح منه. فيوم بشر الملاك بمولده للقديسة العذراء مريم تعجبت من كلام الملاك وبشارته لها بغلام زكي وجيهاً في الدنيا والآخرة، وسألته: "كيف يكون هذا وأنا لا أعرف رجلاً!" فأجابها الملاك: "الروح القدس (أي روح المولى القدير نفسه تبارك اسمه) يحل عليك وقوة العلي تظللك؛ لذلك القدوس المولود منك يدعى ابن الله". وهنا نعود مرة ثانية لأساس تسمية السيد المسيح بابن الله؛ لأنه كان نتيجة لحلول روح الله القدوس الطاهر على العذراء القديسة مريم. فلكل رسول أو نبي عاش على الأرض، أب أرضي كان سبباً مباشراً في مجيئه إلى عالمنا إلا السيد المسيح (له المجد) فقد جاء بمشيئة الله، فسمي ابن الله.

هل من شروط أخرى ينبغي أن تتوافر فيمن يصلح لفداء البشرية؟

الشرط الرابع والأخير فيمن يصلح لفداء الإنسان هو أن يموت بدلاً عن الإنسان طوعاً واختياراً، لا قهراً وإجباراً. وأن يتحمل هذا البريء الذي ما عرف الخطيئة نتيجة وعقاب خطايا البشر أجمعين، ويتم فيه قانون الحق (سبحانه وتعالى) أن أجرة الخطية موت. فلابد لهذا الشخص أن يموت، فيوفي بذلك دين الإنسان، ويحقق عدالة المولى العادل سبحانه، ويكفر عن خطية الإنسان العاجز عن فداء نفسه، فينقذه من عذاب أليم ما كان ليمحوه منه أي بشر؛ لأن كل ابن آدم خطاء. وكما قلت إن نظرة بسيطة لطبيعة السيد المسيح (تبارك اسمه) كإنسان مولود من امرأة تحت الآلام مثلنا، وككلمة الله وروح منه، وكصاحب الحياة الطاهرة النقية منذ ولادته حتى رفعه إلى السماء وأخيراً بموته الاختياري عن بني البشر، يكون هو الوحيد الذي تنطبق عليه صفات الفادي التي أعلنها المولى (تبارك اسمه) في كتابه العزيز منذ بدء الخليقة، ولا تنطبق على سواه. لذلك فنحن لسنا بمغالين أو متجنبين الصواب عندما نقول إن السيد المسيح (تبارك اسمه) هو الطريق الوحيد إلى السماء.

هذه كانت إجابتك في حالة إذا كنت أنا رافض تصديق حقيقة أن السيد المسيح (له المجد) هو ابن الله، لكن ماذا لو كنت غير رافض هذه الحقيقة لكنها صعبة عليّ، وغير قادرة أن أعرف كيف أؤمن بها، وأصدقها وخصوصاً إذا كان الرب يسوع (تبارك اسمه) هو الطريق الوحيد إلى السماء كما تفضلت بالقول؟

الله (سبحانه وتعالى) موجود لكي يساعد الناس على قبول الحقائق الكتابية الإلهية التي قد تبدو أنها فوق المنطق أو العقل البشري. وما على المرء إلا أن يكون لديه الاستعداد لتصديق ما أنزله المولى القدير جل شأنه في كتابه العزيز من حقائق إلهية، وأنه على استعداد لقبولها وفتح القلب والعقل له (سبحانه وتعالى)، والاستعداد لتغيير كل فكرة عقيمة بالية اقتنع بها الإنسان وليس لها أساس في كتابه العزيز الحكيم. في هذه الحالة ما على المرء إلا رفع قلبه بالدعاء للقدير؛ لأنه أرحم الراحمين وهو (تبارك اسمه) على استعداد أن يعلن الحق المبين، وعندها سيشدوا الإنسان: "قل جاء الحق وزهق الباطل، إن الباطل كان زهوقاً".

في العدد الرابع والخامس من الأصحاح الأول من الإنجيل بحسب البشير يوحنا يقول الوحي عن السيد المسيح: "فيه كانت الحياة، والحياة كانت نور الناس، والنور يضيء في الظلمة، والظلمة لم تدركه." فما معنى هذه الكلمات؟

هذه الآيات تتكون من أربعة مقاطع يبدأ بما ينتهي به سابقه، فتبدو وكأنها عقد منظوم. فالمقطع الأول: "فيه" (أي في شخص السيد المسيح) كانت الحياة"، وتنزيل الحكيم العليم يقول هنا إن السيد المسيح كان هو الحياة، لكل ما فيه حياة في هذا الكون الفسيح المترامي الأطراف. وهذا يذكرنا بما نطق به (تبارك اسمه) عن نفسه عندما قال: "أنا هو الطريق والحق والحياة، من آمن بي ولو مات فسيحيا، وكل من كان حياً، وآمن بي فلن يرى الموت". وهذا المقطع يتكلم أيضاً عن الحياة الروحية الخالدة التي يعطيها السيد المسيح لكل من يؤمنون به. وقد جاء السيد المسيح بالحياة الروحية لتنير للناس الطريق، وتعرفهم كيف يحيون في النور، وهذا معنى الكلمات: "والحياة كانت نور الناس".

في المقطع الثالث والرابع يقول: "والنور يضيء في الظلمة، والظلمة لم تدركه" فما المقصود بأن الظلمة لم تدرك النور؟

كما يقولون في المثل: "وبضدها تبين الأشياء"، فقد جاء السيد المسيح (تبارك اسمه) كالنور الحقيقي الذي ينير ظلمة النفس البشرية الخطَّائة. فبسبب الخطية عاش الإنسان، بل أصبح هو نفسه ظلمة كما قال المولى القدير للناس: "لأنكم كنتم قبلاً ظلمة". وهذا الكلام وارد في رسالة (أفسس 5: 28). وواضح أن هناك ارتباط بين فعل الخطية وبين الظلمة، فكل ابن آدم يحاول إخفاء ما بقلبه من حقد وغيرة و حسد وخصام وكبرياء وأفكار شريرة وزنى وفسق، بأن يغلق عليها قلبه وحياته وكأنها محجوبة عن الآخرين في غرفة مظلمة مغلقة. أما المسيح يسوع (تبارك اسمه) فقد جاء لينير هذه الظلمة، ويخلص الإنسان من شروره، لكن الانسان أخفق في أن يدرك أو يعرف هذا النور الحقيقي، فتباعد عنه، وهذا واحد من معاني كلمة تدركه عن الظلمة. أما المعنى الآخر فإن ظلمة الإنسان لم تستطع أن تغلب وتنتصر على قوة النور الذي جاء في السيد المسيح يسوع إلى الأرض. فبمجيئه وفي محضره يعرف الإنسان أن قلبه مظلم شرير، ويالسعادة من يسأله له المجد أن ينير خفايا قلبه، ويقشع ظلمته!.

في العدد السادس من الأصحاح الأول من الإنجيل بحسب البشير يوحنا، وبعدما كان الوحي يتكلم عن السيد المسيح (تبارك اسمه) في الآيات الخمس الأولى، بدأ يتكلم عن شخصية جديدة، وهي شخصية يوحنا، وعن إرساليته، فمن يوحنا؟ هل هو خاطط هذا الإنجيل المعروف باسمه؟

هذه الشخصية العظيمة المذكورة في العدد السادس من الأصحاح الأول من الإنجيل بحسب البشير يوحنا هو غير يوحنا الشخص الذي استخدمه المولى القدير في كتابة أو خط هذا الإنجيل الذي نحن بصدده. فيوحنا خاطط هذا الإنجيل هو المعروف بيوحنا الحبيب، وهو أحد تلاميذ السيد المسيح المقربين إليه، بل أقول أقربهم إليه. فهو الشخص الذي ائتمنه السيد (له المجد) على أمه القديسة العذراء مريم بعد موته. وهو الوحيد الذي بقي معه في محاكمته عند الصليب. وهو أول من أسرع ليرى قبره الفارغ بعد قيامته (له المجد) من الأموات. أما يوحنا المذكور في العدد السادس الذي نحن بصدده، فهو المعروف بيوحنا المعمدان، وهو يوحنا بن زكريا وأمه أليصابات. وهو الذي ولد بعد أن تقدم زكريا وأليصابات في الأيام، وأمه هي قريبة العذراء المطوبة مريم أم السيد المسيح حسب الجسد. والمعمدان هو أول من سجد للسيد المسيح، وارتكض فرحاً عند مجيئه إليه.

أين ذكر أن يوحنا بن زكريا هو أول من سجد وارتكض فرحاً بالسيد المسيح؟

هذه الحادثة واردة في الأصحاح الأول من الإنجيل بحسب البشير لوقا. فعندما كانت القديسة العذراء مريم حبلى بالسيد (تبارك اسمه) ذهبت لزيارة قريبتها أليصابات أم يوحنا المعمدان، وكانت هي أيضاً لا تزال حبلى به. ويذكر تنزيل الحكيم العليم هذه الكلمات في عدد 36 من الأصحاح الأول من الإنجيل بحسب البشير لوقا: "فقامت مريم في تلك الأيام (بعد أن بشرها ملاك الله بغلامها الزكي) وذهبت مسرعة إلى الجبال إلى مدينة يهوذا، ودخلت بيت زكريا، وسلمت على أليصابات. فلما سمعت أليصابات سلام مريم، ارتكض الجنين في بطنها (والجنين هو يوحنا بن زكريا) وامتلاءت اليصابات من الروح القدس، وصرخت بصوت عظيم، وقالت: "مباركة أنت من النساء، ومباركة هي ثمرة بطنك! فمن أين لي أن تأتي أم ربي إليّ؟ فهوذا حين صار صوت سلامك في أذني ارتكض الجنين بابتهاج في بطني".

لماذا جاء يوحنا المعمدان كنبي ورسول قبل مجيء السيد المسيح (له المجد)، وما أهمية مجيئه على أية حال؟

يقول تنزيل العزيز العليم في العدد السادس من الأصحاح الأول من الإنجيل بحسب البشير يوحنا: "كان إنسان مرسل من الله اسمه يوحنا". وهذا يوضح أن هناك فرق بين يوحنا بن زكريا، وبين السيد المسيح (له المجد). فيوحنا بن زكريا قال عنه الوحي"إنسان" كأي إنسان، أما السيد المسيح، فقال عنه أنه "كلمة الله". وقال أيضاً كان الكلمة الله، أي أن السيد المسيح (له المجد) هو ابن الله. وقال أيضاً تنزيل العليم إن يوحنا بن زكريا مرسل من الله، أما السيد المسيح فهو الله نفسه كما قلنا. أما اسم يوحنا فمعناه "الرب يتحنن"، أما اسم سيدي (تبارك اسمه) يسوع، "أي المخلص"، والمسيح بتعريف الألف واللام، أي الممسوح. وأيضاً سمي عمانوئيل الذي تفسيره "الله معنا". أما أهمية مجيئه قبل السيد المسيح (تبارك اسمه) فهي كثيرة على أية حال.

أولاً- ليعلن حسب المفهوم من اسمه أن الرب يتحنن على شعبه. فقد تركهم المولى القدير لعصيانهم وارتدادهم عنه لمدة 400 سنة قبل مجيء السيد المسيح. فجاء يوحنا ليقول للناس إن الرب تحنن عليكم، وها هو مرسل لكم المخلص يسوع المسيح الرب.

ثانياً- جاء ليشهد للنور، لم يكن هو النور كما يقول الوحي، بل جاء ليشهد للنور. والنور هنا هو شخص السيد المسيح (تبارك اسمه)، فهو نور من نور، إله حق من إله حق.

ثالثاً- جاء ليدعوا الناس إلى التوبة والقيام من غفلتهم التي دامت طويلاً نظراً لانقطاع الأنبياء فيهم، وليعلن أنه بمجيء السيد المسيح يسوع (تبارك اسمه) إلى الأرض، فإن الفأس قد وضعت على أصل الشجر. فكل شجرة ردية لا تصنع ثمراً لابد أن تقطع وتلقى في النار. أي أن كل من لم يقبل الرب يسوع المسيح كالمخلص الوحيد من خطاياه، وكالطريق الوحيد إلى السماء، وكغافر المعاصي والذنوب- يشبه شجرة رديئة غرسها المولى (تبارك اسمه) في أرضه، وسقاها شراباً طهوراً من مياهه سبحانه، لكنها ظلت يابسة جافة عاصية رافضة لمولاها القدير، فحق عليها أن تقطع وتلقى في جهنم النار التي أعدها تعالى للكافرين.

عودة للفهرس