اليوم سندرس كلمة حقا في عبارة مملؤا نعمة وحقا. وسؤالي هو ما معنى كلمة الحق وما هو الحق؟
الحق هو مالا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه. وكلمة الحق يقصد بها في تنزيل الحكيم العليم الكتاب المقدس أكثر من معنى. فالحق هو أسم من أسماء الله الحسنى، والحق أيضا هو شخص المسيح يسوع له كل المجد. فقد قال عن نفسه: " أنا هو الطريق والحق والحياة". والحق أيضا هو كلام الله سبحانه وتعالى فقد خاطبه جل شأنه السيد المسيح له المجد بالقول: " قدسهم في حقك، كلامك هو حق". فالله جل شأنه وكلمته والسيد المسيح تبارك اسمه كلها تعرف بكلمة الحق، وهؤلاء الثلاثة هم واحد.
مامعنى أن هؤلاء الثلاثة هم واحد ومن هم هؤلاء الثلاث؟ الثلاث هم المولى تبارك اسمه والسيد المسيح له المجد وكلمة الله جل جلاله وهم واحد. فالمولى تبارك اسمه هو الحق وهذا متفق عليه، وبما أننا اثبتنا في حلقات سابقة ان السيد المسيح له المجد هو الله ظاهرا في جسد أنسان، يكون السيد المسيح له المجد هو ايضا الحق. لذلك قال عن نفسه كما ذكرت سابقا أنه هو الطريق والحق والحياة. وبما أن كلمة الله المتجسد السيد المسيح له المجد او كلمته المكتوبة هما أعلان عن ذات المولى تبارك اسمه، فيكون كلمته المتجسد وكلمته المكتوبة هما الحق، اذا فالثلاثة واحد وهو الحق.
في عالم كثر فيه الضلال والمضلين حتى كاد الحق يختفي من الارض، يأتي سؤال مهم وهو كيف يعرف الانسان الحق؟
الحق سبحانه وتعالى ليس اله صامت بعيدا عن عباده منفصل عنهم، بل هو أقرب من حبل الوريد لكل من يدعوه من القلب الليل وأطراف النهار، ولقد دون الحق سبحانه وتعالى الحق في كتابه كل الحق. فما على الانسان الا أن يقرأ كتاب العزيز الحكيم الكتاب المقدس، فيعرف الحق ويهتدي الى سواء السبيل. وان يفتح قلبه وعقله للسيد المسيح تبارك اسمه وهو الحق الحقيق لكي ما يغير ما بداخله من نفس أمارة بالسوء ويضمه سبحانه وتعالى الى عباده الصالحين. ومن لم يعرف السيد المسيح تبارك أسمه ويقرأ كتاب التوراة والانجيل ماعرف الحق ولعاش في ضلال مبين.
دعنا ننتقل الى العدد الخامس عشر من الاصحاح الاول من الانجيل بحسب البشير يوحنا، حيث يقول الوحي يوحنا شهد له ونادى قائلا: " هذا هو الذي قلت عنه أنه الذي يأتي بعدي، صار قدامي لأنه كان قبلي". الحقيقة عندي مجموعة أسئلة في هذه الاية تبدو غامضة وتحتاج الى شرح تفصيلي. فمن هو يوحنا المكتوب عنه في هذه الاية؟ فهل هو يوحنا من أستخدمه المولى تبارك أسمه في كتابة انجيل يوحنا ام هو يوحنا المعروف بالمعمدان، ولمن شهد يوحنا ؟
يوحنا هو يوحنا أبن زكريا المعروف عنه بأنه يوحنا المعمدان، وهذا قمنا بالحديث عنه في حلقة سابقة. وهو بالطبع غير البشير يوحنا الذي أستخدمه الحق سبحانه وتعالى في كتابة الانجيل بحسب البشير يوحنا الذي نحن بصدده. والحقيقة هناك أهمية كبرى لشهادة يوحنا المعمدان للسيد المسيح تبارك أسمه وهو المقصود بلفظة له في هذه الاية في القول: شهد له.
ما هي اهمية شهادة يوحنا المعمدان للسيد المسيح تبارك أسمه؟ يوحنا أبن زكريا نبي القدير تبارك أسمه قيل عنه في الانجيل وعلى فم الطاهر سيدنا الرب يسوع المسيح أنه ليس بين المولودين من النساء من هو أعظم من يوحنا. ومعروف أنه هو أيضا ولد بطريقة معجزية بعد ان بلغ ابيه من السن عتيا، وكانت أمه عاقر وبشر به الملاك زكريا وهو في المحراب الى أخر قصته المعروفة. وهو أيضا من تنبأت عنه التوراة قبل مولده. اذا فهذا النبي عندما يشهد للسيد المسيح تبارك اسمه تكون لشهادته قيمتها ووزنها. ونلاحظ هنا ان الوحي المبارك قال في هذه الاية عن يوحنا ابن زكريا ليس فقط أنه شهد للرب يسوع تبارك أسمه بل نادى قائلا فشهادته لم تكن خاصة بين جماعة قليلة النفر بل على الملأ بأعلى صوته. وهذا دليل على صدقه من ناحية، وعن ثقته وايمانه في المشهود له وهو السيد المسيح له المجد.
ما معنى الكلمات: " أن الذي يأتي بعدي صار قدامي لأنه كان قبلي". فكيف يكون السيد المسيح له المجد بعد يوحنا أبن زكريا وصار قدامه وهو كان قبله؟
عندما قال وشهد يوحنا ابن زكريا نبي القدير تبارك اسمه للسيد المسيح له المجد، أستخدم ثلاثة أزمنة فقال أن الذي يأتي بعدي- والكلام هنا عن السيد المسيح تبارك اسمه- فهناك ترتيب زمني. فمعروف ان ولادة السيد المسيح ممن أصطفاها الله وفضلها جل شأنه على نساء العالمين كان زمنيا بعد ولادة يوحنا أبن زكريا من أمه اليصابات. أما معنى صار قدامي فهي تتكلم عن مكانته تبارك أسمه. فبالرغم أنه له المجد ولد بعد نبي الله زكريا ألا أنه في المكانة صار قدامه. حتى قال عنه يوحنا نفسه: " ينبغي أن هذا( اي السيد المسيح له المجد) يزيد وأني أنا أنقص".
وماذا عن الجملة الثالثة لأنه كان قبلي، فما معنى أنه آتى بعده وكان قبله؟ هذا اللغز يفهم عندما نعرف ان السيد المسيح تبارك أسمه كما وضحنا في حلقة سابقة كان كائن منذ الازل. فهو لم يتكون يوم حبل به في أحشاء القديسة المطوبة بل كان كائنا بذاته قبل الازمنة الازلية. لذلك قال عنه المعمدان يوحنا أبن زكريا هو في الترتيب الزمني لمجيئه تبارك أسمه على الارض اتى بعدي. اما في مكانته فهو قدامي لكن وجوده أزليا لذلك فأنه كان قبلي.
هل قال السيد المسيح عن نفسه أنه كان منذ الازل، أي قبل مجيء يوحنا أبن زكريا مع أنه آتى الى الارض وتمثل لنا بشرا سويا بعد مجيء يوحنا؟
لم يقل الرب يسوع المسيح تبارك اسمه انه كائن بذاته قبل مجيء يوحنا أبن زكريا فحسب، بل قال انه كائن قبل مجيء أبونا أبراهيم خليل الله. وهذا الكلام وارد في الاصحاح الثامن من الانجيل بحسب البشير يوحنا والعدد 56 . وكان السيد المسيح له المجد يتكلم لليهود فقال لهم: " أبوكم أبراهيم تهلل بأن يرى يومي فرأى وفرح. فقال له اليهود ليس لك خمسون سنة بعد افرأيت ابراهيم؟ قال لهم يسوع: " الحق الحق أقول لكم قبل أن يكون ابراهيم أنا كائن". وكلمة أنا كائن معناها أنا موجود بذاتي اي أزلي حتى قبل أن يولد أبراهيم.
في العدد اسادس عشر من الاصحاح الاول من الانجيل بحسب البشير يوحنا يقول تنزيل الحكيم العليم عن السيد المسيح تبارك اسمه: " ومن ملئه نحن جميعا أخذنا. ونعمة فوق نعمة". وسؤالي هنا من هو قائل هذه العبارة؟ ومن هم المقصودين بالكلمات ونحن جميعا؟
قائل هذه العبارة ومن ملئه نحن جميعا اخذنا، ونعمة فوق نعمة هو يوحنا البشير الذي استخدمه المولى تبارك اسمه في كتابة هذا الانجيل الذي نحن بصدده. فكلام يوحنا أبن زكريا أنتهى عند القول: " هذا هو الذي قلت عنه أن الذي يأتي بعدي صار قدامي لأنه كان قبلي". ثم يضيف يوحنا البشير: " ومن ملئه نحن جميعا أخذنا". والكلمات نحن جميعا أخذنا تشير الى جميع الذين آمنوا بالسيد المسيح تبارك اسمه ربا ومخلصا وفاديا. فهم جميعا يشتركون مع يوحنا البشير في أنهم أخذوا من ملئه، وملئه هنا تشير الى نعمه. فالعدد الرابع عشر من ألاصحاح الاول من الانجيل بحسب البشير يوحنا الذي نحن بصدده يقول عن السيد المسيح تبارك اسمه: " أنه مملؤ نعمة وحقا". وهذا ما فسرناه في حلقة سابقة ومن ملئه نحن، أي المؤمنين تبارك اسمه أخذونا.
حضرتك قلت ان اهم النعمة التي جاد بها المولى تبارك اسمه على الجنس البشري هي نعمة غفران الخطايا والمعاصي والافلات من عذاب القبر والنار، فهل الكلمات " ومن ملئه نحن جميعا أخذنا" تتكلم هنا عن نفس هذه النعمة السابقة؟
بالطبع تتكلم هذه العبارة عن نعمة الغفران، فالاصل اليوناني هنا لكلمة نعمة تعني فيما تعني الفضل المجاني الذي غمر الخطاة. وكلمة ملئه تعني مجموعة الهبات والكمالات الالهية والتي منها بالطبع النعمة والحق. والمعنى هنا أننا أي كل من آمن بالسيد المسيح تبارك اسمه أخذ نعمة الغفران والافلات من النار وضمان النعيم الذي أعده تعالى للمتقين الشاكرين الصابرين. وعرفنا ايضا الحق فمعرفة السيد المسيح كالسيد والمخلص هو اعلان الحق. وهي ليست نعمة واحدة فقط بل نعمة تؤدي الى نعمة تنتج نعمة وهكذا. لذلك قال الوحي ونعمة فوق نعمة.
في قول الوحي " ونعمة فوق نعمة" أعتقد أنه يعني أنه اكثر من مجرد نعمة الغفران والفضل المجاني الذي يغمر الخطاة، فما هي النعم الاخرى التي يمكن ان تأخذها ومذخرة لنا في السيد المسيح تبارك اسمه؟
الحقيقة ليس بأمكاننا ان نعد نعم الله سبحانه وتعالى علينا التي أعطاها لنا في السيد المسيح له المجد. فألى جانب نعمة الغفران والافلات من عذاب القبر والنار وضمان النعيم الابدي، فقد اعطى لنا نعمة السلام. قيوم مولده قالت الملائكة: " المجد لله في الاعالي، وعلى الارض السلام وبالناس المسرة". وهنا نرى نعمة السلام والمسرة وهما نعمتان طالما سعى اليهما الانسان. فالسلام مع النفس ومع الغير ومع المولى تبارك اسمه ، مطلب عزيز للأنسان يحاول جاهدا ان يجده. مع انه موجود ومتوافر في شخص السيد المسيح تبارك أسمه. فلو عرفت الشعوب والحكومات والرؤساء والسلاطين والملوك بغض النظر عن خلفيتهم وأديانهم، لو عرفوا السيد المسيح تبارك اسمه واختبروه كالمخلص الوحيد لهم والطريق الوحيد الى السماء، والحل الوحيد لمشاكلهم وهمومهم وأتعابهم لحصلوا على السلام الذي يفوق كل عقل. ولوحد بين قلوبهم فأصبحوا بنعمته اخوان فهو رب السلام بل هو السلام الحقيقي.
هل هناك نعم أخرى؟ هناك نعمة الفرح والسرور أيضا، فلم تبشر الملائكة يوم مولده بالسلام فقط بل قالت: " وعلى الارض السلام وبالناس المسرة". فميلاد السلام له المجد في قلوب الناس يملأهم بالسرور بالرغم مهما يحيط بهم من ضيقات ومشاكل وهموم. فكيف لا يفرح ويسر سجين كان محكوم عليه بالعذاب الابدي من جهنم النار وبئس المصير، وقد اخذ عفوا عن خطاياه ومعاصيه من القادر الذي يقول للشيء كن فيكون. وكيف لا يفرح من يتمتع بسلام مع نفسه واخيه وربه. ثم هناك نعمة المحبة التي يسكبها تبارك أسمه في قلوب المؤمنين به حتى لأعدائهم ومضطهديهم. ثم نعمة الصبر والعفو عند المقدرة، ثم نعمة الايمان الذي يعطي معنى للحياة الدنيا والاخرة. وغيرها من النعم الكثيرة المتوفرة لنا في شخص السيد المسيح يسوع تبارك اسمه اذا ما رفعنا القلب له طالبين عفوه وغفرانه ونعمه.
الاية 17 من الاصحاح الاول من الانجيل بحسب البشير يوحنا تقول: " لأن الناموس بموسى أعطي. أما النعمة والحق فبيسوع المسيح صارا". اولا أحب أن أسألك ما معنى كلمة الناموس؟
كلمة الناموس تعني مجموعة الوصايا والاوامر والنواهي والمحللات والمحرمات التي أنزلها تبارك أسمه على عبده موسى. وهي التي دونها نبي الله موسى في التوراة وتشمل ايضا طرق تقديم الذبائح وانواعها. وينقسم الناموس الى قسمين، قسم يعرف رالناموس الادبي ويتمثل في الوصايا العشر التي أنزلها المولى لكي يسير عليها عباده الصالحين في العهد القديم. والمذكورة في سفر الخروج وغيره والتي منها: " أنا الرب ألهك لا يكن لك ألهة أخرى أمامي. لا تنطق بأسم الرب الهك باطلا. أكرم اباك وامك، لا تقتل، لا تزن، لاتسرق" وغيرها. وهذه الوصايا او هذا الناموس الادبي نحن المسيحيين مطالبين بحفظه وأقامته مؤيدين بقوة روح الله وحلول المسيح يسوع تبارك أسمه بالايمان في قلوبنا ليعطينا أمكانية تنفيذه.
وماهو النوع الثاني او القسم الثاني من هذا الناموس؟ النوع الثاني من الناموس ويعرف بالناموس الطقسي وهو الخاص بتقديم الذبائح والقرابين بكل ما يحيط بها من هيكل وغسلات وطقوس. وهذه كلها بطلت بعد أن قدم السيد الرب يسوع المسيح تبارك اسمه نفسه عنا كذبيحة وكفارة فأكملها الى الابد، ولم يعد هناك حاجة لممارستها. اذ قدم نفسه لله عنا مرة واحدة فوجد لنا فداء أبديا.
لماذا قارن المولى تبارك اسمه بين الناموس والنعمة والحق وبين موسى والسيد المسيح تبارك أسمه؟ في هذه الاية يلخص الوحي المقدس والمنزه عن كل باطل مضمون الكتاب المقدس كله بعهديه القديم والجديد. فوسيط العهد القديم لأستلام الناموس كان هو كليم الله موسى، لكن لم يكن هو منشيء الناموس او واضعه. بل فقط هو من تسلمه من المولى عز وجل وأعطاه لبني أسرائيل. لذلك قيل ان الناموس بموسى أعطي. اما الرب يسوع المسيح تبارك أسمه فهو ليس مجرد وسيط للنعمة والحق بل بحلوله بيننا صارت هناك نعمة وصار حق. فهو نفسه منشيء النعمة والحق وهو مصدرهما لذلك قيل ام النعمة والحق. النعمة والحق فبيسوع المسيح صارا ولم يقل اعطيا كما قيل عن الناموس. وواضح ان الناموس مختلف.
هل من الممكن ان تشرح لنا الجملة الاخيرة، مامعنى ان الناموس مختلف عن النعمة والحق؟ الناموس هو قانون يآمر الناس بفرائض ووصايا ومحللات ومحرمات كما قلنا. ويأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر، لكن لا يعطي القدرة للأنسان على تنفيذ هذه الوصايا والفرائض. وبالتالي فالناموس يعرف الانسان بأنه خاطيء لا محالة ويأمره أن لا يسرق او يحلف او يقتل او يزن، والا لكان في الاخرة من الخاسرين. لكن لا يعينه عن الامتناع عن هذه المعاصي، وبالتالي فحسب تنزيل الحكيم العليم لم يوجد ولا واحد من المولودين من اب وأم منذ آدم وحواء الى نهاية الخليقة استطاع ان يحفظ ويتمم الناموس، فكل أبن آدم خطاء. بالطبع فيما عدا الرب يسوع المسيح تبارك اسمه لأنه ليس أبن آدم، بل هو المولود بكلمة الله. بل هو كلمة الله المتجسد كما شرحنا سابقا. وهو الوحيد الذي لم يرث فساد الطبيعة البشرية فهو الوحيد الذي تمم كل الوصايا والفرائض.
وماذا عن النعمة؟ النعمة وهي كما قلنا الفضل المجاني الذي غمر
الخطاة. فبمجيء السيد الرب يسوع المسيح الى الارض وموته نيابة عنا ودفعه ثمن وعقاب
خطايانا أعطانا هذه النعمة. ان نفلت كما قلنا من عذاب النار ليس ذلك فقط بل
بالايمان به سيدا ومخلصا. فهو يعطي لنا قدرة وقوة على تنفيذ وصاياه وينصرنا على
نفوسنا الامارة بالسوء. ويجعلنا بنعمته من آل بيته تبارك أسمه. وهذا هو الاختلاف
بين الناموس يطالب بتوقيع اقصى العقوبات، والنعمة تعطي اقصى البركات. الناموس يضع
الانسان في قفص الاتهام اما النعمة فتفح الابواب فيصبح حرا طليقا.
الاترى حضرتك والعياذ بالله ان النعمة يمكن ان تكون مرادفة للتسيب وتجعل الانسان
يخطيء ولا يعاقب على خطيته، وبالتالي يمكن أن تؤدي الى فساد المجتمع البشري وهنا
يكون ممارسة الناموس أفضل. فاذا قال الله سبحانه وتعالى أنه عين بعين وسن بسن وجرح
بجرح وغيرها، او حتى امر بقطع يد السارق وجلد الزاني والزانية، يكون أفضل من حالة
التسيب التي يتمتع بها الانسان في ظل النعمة؟
النعمة لا تؤدي الى التسيب، فلو لاحظتي أنه في كل مرة تذكر فيها كلمة النعمة يذكر بعدها الحق. ففي الاية 14 يقول الوحي عن السيد المسيح: " مملؤا نعمة وحقا". وفي الاية 17 يقول تنزيل الحكيم العليم: " لأن الناموس بموسى أعطي اما النعمة والحق فبيسوع المسيح صارا". وهنا يوضح الوحي بأن المولى القدير تبارك اسمه مع انه هو الحق، لكنه الزم نفسه جل شانه ان لايعطي النعمة للأنسان بناء واستفادا على الحق. فالمولى القدير لا يغفر للناس الخطايا والمعاصي لمجرد انه يريد ذلك. ولايهدي من يشاء ويضل من يشاء بغير حساب، ولا يعتبر الحسنة بعشرة أمثالها ويضاعف لمن يشاء بغير حساب، هذا مالاتعلمه المسيحية. بل هو يعمل كل شيء وفقا للحق الذي الزم نفسه به وما كان ليلزمه أحد وهو الفعال لما يريد.
اذا ماهو الحق الذي ألزم المولى نفسه به فيما يتعلق بنعمته التي يعطيها للمؤمنين به؟ يقول الحق سبحانه وتعالى: " ان أجرة الخطية موت". وقد وضع في كتابه الكريم انه بدون سفك دم لا تحصل مغفرة للخطايا والمعاصي. وعدالة المولى تبارك اسمه وحقه كان يطالب بموت الانسان لأنه أخطأ او ينوب عنه أخر بلا خطية، والا لن يغفر القدير ذنوب العباد ابدا. لذلك عندما قدم السيد المسيح تبارك اسمه للمولى القدير ذبيحة على الصليب، وفي حق المولى المعلن في كتابه العزيز، ومات وهو الذي ما عرف الخطية نيابة عن من أخطأوا واناب عنهم وسفك دمه الزكي الكريم عن عباد الله أجمعين. لذا وضع الله سبحانه وتعالى قانونا في كتابه المبين: " ان كل من يؤمن به ينال بأسمه غفران الخطايا". فالامر ليس تسيبا بل هذا كلف السيد المسيح له المجد أن يأتي من سماه ويموت لأجلنا ليوفي حق الله. ليس ذلك فقط بل كل من يؤمن به له المجد انه مات نيابة عنه يعطيه تبارك أسمه طبيعة تكره الخطية. واذا ما أغواه الوسواس الخناس ألتجأ الى فاديه ومخلصه فأصلح ما بقلبه من هوى. وبالتالي فقد انقذ جنسنا البشري الضعيف الخطاء من قطع اليد او الرجل او الجلد بأن أصلح موضع الداء وهو القلب. كل هذا تم بالحق وليس بغير حساب.