وكان الكلمة الله هل الكلمة الله أم إله؟

القمص عبد المسيح بسيط أبو الخير

كاهن كنيسة السيدة العذراء الأثرية بمسطرد

 

الفهرس

1- كلمة الله في العهد القديم

2- الكلمة عند فلاسفة اليونان

3- اللوجوس عند فيلو الفيلسوف اليهودي

4- الكلمة كما جاء في الإنجيل للقديس يوحنا

5- إعتراض غير المؤمنين

6- كل شيء به كان (صار)

7- الكلمة الذي في حضن الآب ومن ذات الآب

8- هل كان للفلسفة اليونانية أو فلسفة فيلو تأثير على عقيدة اللوجوس في الإنجيل للقديس يوحنا؟

1- كلمة الله في العهد القديم

 

يتكلم الكتاب المقدس عن " كلمة الله " أو " كلام الله " الذي يرسله بالإعلان الإلهي عن طريق أنبيائه ورسله بالروح القدس، والذي كان يحمل رسالة لبني إسرائيل في العهد القديم ولما تجسد الرب يسوع المسيح حمل تلاميذه ورسله الإنجيل، كلمة الله، للعالم كله. وهذه الكلمة والكلام، كلام الإعلان الإلهي، يصفه الكتاب بقوله: " كلمة الرب التي صارت إلى ارميا النبي عن الأمم " (ار46: 1)، " كلمة الرب التي صارت إلى صفنيا " (صف1: 1)، " كانت كلمة الرب عن يد حجي النبي " (حج1: 1)، " وكانت كلمة الله تنمو وعدد التلاميذ يتكاثر جدا " (أع6: 7)، " أزمنة رد كل شيء التي تكلم عنها الله بفم جميع أنبيائه القديسين منذ الدهر " (أع3: 21)(1).

ولكن الكتاب المقدس، بعهديه، يتكلم أيضاً عن كلمة الله، الكائن في الذات الإلهية، والعامل في الكون، كخالقه ومدبره وفاديه وديانه، ومن ثم يستخدم الكتاب كلمة الله هنا بمعنى الكلمة التي تخرج من فم الله، ولكنها ليست ككلام الإنسان بل كلمة الله التي تعمل في الكون، وعندما يقول الله للشيء " كن " تعمل كلمته في الكون والمادة والطبيعة وتجعل الشيء موجوداً " يكون " وتعطي الحياة. ومن هنا نفهم حقيقة ما جاء في بداية سفر التكوين قوله: " في البدء خلق الله السموات والأرض ... وقال الله ليكن نور فكان نور ... وقال الله ليكن جلد في وسط المياه. وليكن فاصلا بين مياه ومياه ... وقال الله لتجتمع المياه تحت السماء إلى مكان واحد ولتظهر اليابسة. وكان كذلك. ... وقال الله لتنبت الأرض عشبا وبقلا يبزر بزرا وشجرا ذا ثمر يعمل ثمرا كجنسه بزره فيه على الأرض. وكان كذلك ... وقال الله لتكن أنوار في جلد السماء لتفصل بين النهار والليل. وتكون لآيات وأوقات وأيام وسنين ... وكان كذلك ... وقال الله لتفض المياه زحافات ذات نفس حية وليطر طير فوق الأرض على وجه جلد السماء ... وقال الله لتخرج الأرض ذوات أنفس حية كجنسها. بهائم ودبابات ووحوش ارض كأجناسها. وكان كذلك ... وقال الله نعمل الإنسان على صورتنا كشبهنا. فيتسلطون على سمك البحر وعلى طير السماء وعلى البهائم وعلى كل الأرض وعلى جميع الدبابات التي تدب على الأرض. فخلق الله الإنسان على صورته. على صورة الله خلقه. ذكرا وأنثى خلقهم " (تك1: 1-27).

وهنا يقول الله " كن "؛ " ليكن "، " لتجتمع "، " لتنبت " 00 الخ، ثم يقول: " وكان كذلك "، يعني أن عمل الخلق، كما فهمه علماء اليهود، قد تم ب " كلمته "، كلمة الله التي تعمل في الكون والخليقة وتقوم بعمل الخلق وإيجاد الخليقة من لاشيء، من العدم، وتعطي الحياة للخليقة. فالكلمة، كلمة الله، هنا هي كيان إلهي في ذات الله يقوم بعمل الخلق، ويقدم لنا المزمور (33) صورة وصفية واضحة وإشارة لعمل كلمة الله الخالق حيث يقول: " بكلمة الرب صنعت السموات وبنسمة فيه كل جنودها " (مز33: 6).

والكلمة هنا مشخصة، ككيان متمايز في الذات الإلهية، تقوم بعمل الخلق في الكون والطبيعة وتعطي الحياة. كما يوضح لنا الوحي الإلهي في سفر اشعياء وجود هذا الكلمة الإلهي في الذات الإلهية وكيف يرسلها الله لتعمل في الكون والخليقة بقوله: " لم أتكلم من البدء في الخفاء. منذ وجوده أنا هناك والآن السيد الرب أرسلني وروحه " (اش48: 16). وهذا الوصف لعمل كلمة الله يساوي قوله: " في البدء كان الكلمة (لوجوس – logoslo,goj) والكلمة كان عند الله وكان الكلمة الله ... والكلمة صار جسداً وحل بيننا " (يو1: 1و14). كما يوضح لنا كيفية عمله في الكون وكيفية خروج الكلمة من ذات الله، بدون انفصال، لتعمل ما يرسلها من أجله، بقوله: " كلمتي التي تخرج من فمي. لا ترجع إليّ فارغة بل تعمل ما سررت به وتنجح فيما أرسلتها له " (اش55: 11). أي أن الله يرسل كلمته من ذاته لتعمل إرادته وتنفذ العمل الذي أرسلها من أجله.

فالله في طبيعته وجوهره، كلي الوجود وكلي القدرة وكلي الحكمة والعلم وهو روح ونور غير مرئي وغير مدرك بالحواس ولذا يكشف ويعلن عن ذاته في الطبيعة وفي الناموس والأنبياء بواسطة كلمته ويعمل في الخليقة والكون بكلمته وحكمته.

وتظهر هذه العقيدة في العهد القديم في ثلاثة أوجه هي:

 

(1) الكلمة

كلمة الله في العهد القديم ترمز دائما لقوة الله وعمل الله في الكون والخليقة، فهي المنفذة لإرادته والموجودة والمتضمنة في ذاته الإلهية، وترتبط دائماً بعمل الله الخلاق، كما بينّا أعلاه: " وقال الله ليكن ... فكان ... وقال الله ليكن ... وليكن ... وكان كذلك ... وقال الله نعمل الإنسان على صورتنا كشبهنا ... فخلق الله الإنسان على صورته". وهي تظهر كأقنوم، مشخصة ومتمايزة في الذات الإلهية، كما يصورها الشعر العبري النبوي في العهد القديم(2)، التي تظهر في بعض فقراته، كالفاعل المحرك والفعال المنفذ للإرادة الإلهية كقوله(3): " أرسل كلمته (Arb'D>â- to.n lo,gon auvtou - His word) فشفاهم ونجاهم من تهلكاتهم " (مز107: 20)، والفاعل المنفذ في الطبيعة " يرسل كلمته (Ar*b'D> - o` lo,goj auvtou/) في الأرض سريعا جدا يجري قوله " (مز147: 15). وينسب إلي كلمة الله كل صفات الذات الإلهية لكونها كلمة الله الذاتي والإعلان الإلهي المستمر سواء في الطبيعة والكون أو الناموس والأنبياء " لأن كلمة الرب مستقيمة وكل صنعه بالأمانة " (مز33: 4)، " يبس العشب ذبل الزهر وأما كلمة إلهنا فتثبت إلى الأبد " (أش40: 8)، كما أن الكلمة هو الشافي " أرسل كلمته فشفاهم ونجاهم من تهلكاتهم " (مز107: 20)، بل ويقول أيضاً: " كلمتي التي تخرج من فمي. لا ترجع إليّ فارغة بل تعمل ما سررت به وتنجح فيما أرسلتها له " (اش55: 11)، وكذلك قوله في مزمور (147: 15) " يرسل كلمته في الأرض سريعا جدا يجري قوله". وقد جاءت عبارة " بكلمة الرب " في قوله: " بكلمة الرب (يهوه) صنعت السموات وبنسمة فيه كل جنودها " (مز33: 6) " בדבר יהוה - bdâbâr yhwh " والكلمة هنا " rb'D' - dâbâr "، لتؤكد هذا المعنى وهو أن الله خلق الكون وأعطاه الحياة بكلمته، كلمة الله، كلمة الرب (يهوه) " dâbâr yhwh".

وقد ترجمت عبارة " بكلمة الرب (يهوه) " في هذه الآية الأخيرة (مز33: 6) في اليونانية السبعينية " tw/| lo,gw| tou/ kuri,ou – بكلمة الرب "، وفي الإنجليزية "By the word of the LORD "، والكلمة هنا " lo,gw| = lo,goς = Word "(4). كما أن كلمة " rb'D' - dâbâr - الكلمة " ترجمت إلى اليونانية في كل العهد القديم إلى " lo,goj " و " r`h,ma "(5)، وترجمت " لوجوس – lo,goj " في كل الأسفار التاريخية. والكلمة نفسها في العبرية، كما يقول قاموس Kittel اللاهوتي، تقدم لنا المفهوم المادي للطاقة المحسوسة فتظهر كالقوة المادية التي تجرى القوة في المادة وتصنع الحياة. وكانت الكلمة في كل أسفار العهد القديم تعبر عن الإعلان الإلهي في الناموس والأنبياء. وفيما بعد السبي اجتمع الناموس في كل من أسفار موسى والأنبياء وهنا اتخذت الكلمة شكلا مكتوباً وتحول المفهوم النبوي لكلمة الرب (يهوه) " דבר יהוה - dâbâr yhwh " و " lo,gw| tou/ kuri,ou " إلى كلمة كلية جامعة، ولأن كلمة الرب (يهوه) تشير دائما للإعلان الإلهي في الناموس والأنبياء فقد استخدمها الكتاب لتشير أيضاً لإرادة الله المعلنة، كما يعلن الكتاب أن الكلمة لها مجال ثالث في الإعلان الإلهي هو خليقة الطبيعة والكون التي يقول الكتاب أنها خلقت بكلمة الرب (يهوه) (6).

وعندما تُرجم العهد القديم من العبرية إلى الآرامية وضُعت كلمة " ميمرا - מימרא Memra) كبديل ل " دابار - dâbâr)، لتشير إلى " كلمة الله " بل وإلى " الله " نفسه، بل ووضعت أيضاً كترجمة لقول الله " أنا "، وصارت اسم خاص لله. وكان هذا هو اعتقاد علماء اليهود، الربيين، منذ زمن عزرا في القرن الخامس قبل الميلاد وما تلاه. فتقول جذاذة ترجوم على التوراة (خر12: 42): " في الليلة الأولى عندما ظهر كلمة الرب (מימרא יהוה = Memra Yhwh) للعالم لكي يخلقه، كان العالم خالياً وخرباً وانتشرت الظلمة فوق كل اللاتكون وكان كلمة الرب (מימרא יהוה = Memra Yhwh) مشرقا ومنيراً ودعاها الليلة الأولى". ويقول ترجوم يوناثان على تكوين (1: 27) عن خلقة الإنسان: " فخلق كلمة الرب (מימרא יהוה = Memra Yhwh) الإنسان على صورته على صورة يهوه، يهوه خلقه "(7).

 

ومن ثم فقد استقر في التقليد اليهودي أن الله الخالق الذي خلق الكون وأعطاه الحياة، خلق بكلمته، وأن الخالق الفعلي هو كلمة الرب (يهوه)، وكلمة الله، كلمة الرب، متمايز في ذاته، فهو الله وهو كلمة الله الذي ينفذ إرادة الله ويعمل عمله في الكون والخليقة. جاء في كتاب " زوهار بيريشيت Zohar Bereshit ch. 1. p. 86: " بالعمل السري الصامت للإرادة الإلهية من نقطة النور الأولى التي أشعت الشرارة الحيوية المعطية الحياة، التي سادت وعملت في أشكال الكون الهائل، أصبح روح الكون (اللوجوس)، نبع وأصل الحياة والحركة الأرضية والوجود الأرضي، وبقي في عمله السري غير موصوف وغير مدرك ولا يمكن تعريفه، ثم أدرك كاللوجوس الإلهي، الكلمة، ودعي البدء (براشيت - Brashith - tyviÞarEB.)، لأنه هو نفسه كان في البدء عند الله "(8).

ثم يقول نفس الكتاب: " عندما أخذت الذبذبة الإلهية الأولية مكانها صنعت ونقلت حركة موجبة في الأثير الذي لا حد له والذي أحتوى بداخله كل أصوات الألف باء من الألف (A) إلى الياء (t تاء - تاف)(9). ويرمز لهذا العمل وهذا التأثير باتحاد هذين الحرفين المشكلين للألف والياء كما هما موجودين في كلمة " السموات - ها شمايم - ha-shamayyim ath- ~yIm: ßV'h; taeî; "، وهكذا " في البدء خلق الله السموات "، تعني: أنه الكائن غير المدرك وغير المعروف، فقد خلق الله المبدأ المثمر والمولد للسموات، واحد في الأصل ولكن مزدوج في العمل. وعلى ذلك يظهر أن الكلمة الإلهي، والجوهر المصصم بواسطة " أشر – rv<åa- الذي " يوجد بين المبدأ المولد والمثمر، كلاهما يرمز إليه بنفس الاسم " أهيه – hy<ßh.a " في الكنية، التسمية، الإلهية " hy<+h.a,(rv<åa] hy<ßh.a – أهيه الذي أهيه = أكون الذي أكون = أنا هو الكائن". أن الله كان اسمه " أهيه = أكون = الكائن "، واسم كلمته أيضا " أهيه "، فهو الكائن وكلمته هو الكائن، لأنه الله وكلمته واحد(10).

وكان عمل الكلمة الإلهي، كلمة الله الذي هو الله، واضحا في فترة ما بعد السبي البابلي. فعند عودة الدفعة الأخيرة من اليهود الذين كانوا مسببين في بابل بقيادة عزرا الكاهن والكاتب كان الشعب العائد من السبي لا يعرف الكثير عن اللغة العبرية المكتوبة بها أسفار العهد القديم، فقرأ عزرا وقادة الشعب لهم أسفار التوراة بالعبرية وفسروها لهم بالآرامية، يقول الكتاب: " وفتح عزرا السفر أمام كل الشعب لأنه كان فوق كل الشعب وعندما فتحه وقف كل الشعب. وبارك عزرا الرب الإله العظيم ... ويشوع وباني وشربيا ويامين وعقوب وشبتاي وهوديا ومعسيا وقليطا وعزريا ويوزاباد وحنان وفلايا واللاويون افهموا الشعب الشريعة والشعب في أماكنهم. وقرأوا في السفر في شريعة الله ببيان وفسروا المعنى وافهموهم القراءة " (نح8: 6-8). أي ترجم هؤلاء العلماء، كما يقول التقليد اليهودي، التوراة إلى الآرامية، وترجموا الكلمة هنا، الكلمة الإلهي، كلمة الله، في الترجوم(11) إلى " ميمرا – מימרא Memra أو ma'amar "(12) الآرامية أي بنفس المفهوم الذي يساوي " لوجوس – logos lo,goj "، في اليونانية كما استخدمها القديس يوحنا بالروح القدس، والذي استخدمها بمفهوم الكلمة الذي لا بدء له، الذي مع الآب وفي ذات الآب ومن نفس جوهره، الكلمة الذي " كل شيء به كان وبغيره لم يكن شيء مما كان " (يو1: 3). وكان مرشد هؤلاء العلماء في ترجمتها واستخدامهم لها هكذا هو فهمهم لمعناة من خلال آيات ونصوص أسفار العهد القديم وخاصة قوله: " ليكن 00 فكان كذلك " في الإصحاح الأول من سفر التكوين، إلى جانب قول المرنم في المزمور بالروح القدس: " بكلمة الرب خلقت السموات 00 " (مز33: 6)، والتي تؤكد بوضوح أن الله خلق الكون وكل الخليقة بكلمته، الكلمة الإلهي الخالق.

 

يقول كتاب (Mek., Beshalla, 10) مشيرا لهذه الآية: " الواحد القدوس المبارك خلق العالم بالكلمة " Ma'amar". كما يقول سفر يشوع بن سيراخ(13)، الذي يرجع للقرن الثاني قبل الميلاد: " بكلمة الرب وُجدت أعماله " (بن سيراخ42: 15). ويقول سفر الحكمة، الذي يرجع للقرن الثاني قبل الميلاد، يقول " بل كلمتك التي تشفي الجميع " (حك16: 12)، " حتى أنقضت كلمتك الجبارة من عرشك الملكي في السماء إلى تلك الأرض المنكوبة كالمحارب الشرس " (حك18: 15). وتقول المشناه(14) وهي تشير إلى خلق السموات في تكوين (ص1): " أقيمت السموات العليا معلقة بكلمتك الخلاقة (Creative Ma'amar)". بل ويقول اليهود في صلواتهم " أنت خلقت العالم بكلمتك وعينت الإنسان بحكمتك ليسود على الخليقة التي خلقتها". ويقول سفر عزدراس الرابع الأبوكريفي: " يا رب أنت قلت في اليوم الأول للخليقة: ليكن هناك سموات وأرض وقامت كلمتك بإنجاز العمل "(15).

وهكذا استخدم الترجوم كلمة (كلمة الرب – מימרא יהוה = Memra Yhwh) ليعلن بها عن القوة الإلهية أو كالممثل لله الذي يقوم بعمل الله، بل والمرادف لله نفسه، ومن ثم يترجم قوله: " لستم واثقين بالرب إلهكم " (تث1: 32)، إلى " لستم واثقين بكلمة الرب (מימרא יהוה = Memra Yhwh) "، و " ويكون أن الإنسان الذي لا يسمع لكلامي " (تث18: 1)، إلى " ويكون أن الإنسان الذي لا يسمع لكلمة الرب (מימרא יהוה = Memra Yhwh) "، و " الرب إلهك هو العابر أمامك نارا آكلة " (تث9: 3) إلى " كلمة الرب (מימרא יהוה = Memra Yhwh) هو العابر "، و " فضرب الرب الشعب " (خر32: 35)، إلى " فضرب كلمة الرب (מימרא יהוה = Memra Yhwh) "، و " واخرج موسى الشعب من المحلّة لملاقاة الله " (خر19: 17)، إلى " واخرج موسى الشعب من المحلّة لملاقاة كلمة الرب (מימרא יהוה = Memra Yhwh) "، " وأنا اجتمع بك هناك " (خر25: 22)، إلى " ويجتمع بك كلمة الرب (מימרא יהוה = Memra Yhwh) و " ويكون متى اجتاز مجدي أني أضعك في نقرة من الصخرة وأسترك بيدي حتى اجتاز " (خر33: 22)، إلى " وأسترك بكلمة الرب (מימרא יהוה = Memra Yhwh) "، و " وترذلكم نفسي " (لا 26: 30)، إلى " وترزلكم كلمتي Memra". وترجموا عبارة " صوت الرب " و " صوت السيد " في (تك3: 8؛ تث4: 33و36؛ اش6: 8)، إلى " صوت كلمة الرب (מימרא יהוה = Memra Yhwh) "، و " أنا كنت واقف بين الرب وبينكم " (تث5: 5)، إلى " أنا كنت واقف بين كلمة الرب (מימרא יהוה = Memra Yhwh) وبينكم "، و " لأنه علامة بيني وبينكم " (خر31: 13و17)، إلى " لأنه علامة بين كلمتي Memra وبينكم "، و " فجاء الله إلى ابيمالك في حلم الليل " (تك20: 3)، إلى " فجاء كلمة الرب (מימרא יהוה = Memra Yhwh) إلى ابيمالك في حلم الليل "، و " فوافى الله بلعام " (عد23: 4)، إلى " فوافى كلمة الرب (מימרא יהוה = Memra Yhwh) بلعام". وحول الترجوم كل العبارات الخاصة بمساعدة الله لإسرائيل وعمله للقوات والآيات والعجائب إلى كلمة الرب (מימרא יהוה = Memra Yhwh (أنظرعد23: 21؛ تث1: 30؛ 33: 3؛ اش63: 14؛ ار31: 1؛ هو9: 10)(16).

كما وصفوا كلمة الرب، ميمرا (מימרא יהוה = Memra Yhwh) بالوسيط الإلهي والظهور الإلهي كالشكينة التي هي مسكن مجد الله، أي أن كلمة الرب هو الكشف الإلهي لله والمعلن لذات الله فيعلق الترجوم على قوله: " لأنه أي شعب هو عظيم له آلهة قريبة منه كالرب إلهنا في كل ادعيتنا إليه " (تث4: 7)، قائلا: " كلمة الرب (ميمرا يهوه – מימרא יהוה = Memra Yhwh) يرفع إسرائيل عاليا إلى الله ويجلس على عرشه ليقبل صلوات إسرائيل".

 

(2) ملاك يهوه

وإلى جانب عمل الله الذي أدرك علماء اليهود أنه خاص بالكلمة، كلمة الرب (يهوه)، كلمة الله، الذي من ذات الله وفي ذاته، أدركوا أيضا أن كل الظهورات الإلهية التي ظهر خلالها الله للآباء والأنبياء في العهد القديم، خاصة أسفار موسى الخمسة؛ مثل ظهوره وحديثه مع آدم وإبراهيم واسحق ويعقوب وموسى النبي، والتي وصف فيها الإعلان الإلهي الظهور الإلهي بظهور ملاك الله؛ ملاك الرب (يهوه) وملاك حضرته (اش63: 9)، وملاك العهد (ملا3: 1)، هي ظهورات لكلمة الله، الكلمة الإلهي، الذي وصف في العهد الجديد ب " صورة الله غير المنظور " (كو1: 15)، خاصة وأن هذا الملاك يتحدث عن نفسه باعتباره الله، الرب (يهوه)، كما عرف والآباء وأدركوا بالفعل أنه الرب (يهوه)، وتكلموا عنه باعتباره ملاك الرب (يهوه)، وأنه هو نفسه الرب (يهوه)، الله. لذا فعندما بارك يعقوب أبنه يوسف قال له: " الله الذي سار أمامه أبواي إبراهيم واسحق. الله الذي رعاني منذ وجودي إلى هذا اليوم. الملاك الذي خلصني من كل شر يبارك الغلامين " (تك48: 15و16). وهو هنا يقول أن الله الذي سار أمامه هو وأبويه إبراهيم وإسحق ورعاهم، هو نفسه ملاك يهوه. يقول الربي كيمي (Kimchi): " الرب هو الملك المسيا، وهو أيضاً ملاك العهد". ويقول الربي ابن عزرا: " الرب هو العظمة الإلهية، وملاك العهد، لأن التعبير مزدوج". ويقول التلمود: " يوجد إنسان أن كان هو إنسان، فهو ملاك، هذا الملاك هو ميتاترون (Metatron = حارس) حارس إسرائيل؛ هو إنسان في صورة الله القدوس، مبارك هو، الذي هو انبثاق منه [ من الله ]؛ نعم فهو [the Metatron] يهوه. والذي لا يمكن أن يقال عنه أنه مخلوق أو تشكل أو صُنع؛ بل هو الانبثاق من الله؟(17).

ولأن الله بطبيعته وجوهر لاهوته، لا يرى لذا فقد أدرك علماء اليهود أنه كان يظهر للآباء والأنبياء بكلمته (ميمرا يهوه – מימרא יהוה = Memra Yhwh)، ومن ثم فعندما ترجموا العهد القديم للآرامية وضعوا عند ذكر الظهورات الإلهية، سواء لله أو لملاك يهوه، كلمة الرب (يهوه)؛ " מימרא יהוה = Memra Yhwh) "، والتي تعني " كلمة الله = كلمة الرب (يهوه) "، كبديل للرب (يهوه)، سواء في الظهورات أو في عمل الخلق. ويظهر تعبير " מימרא יהוה = Memra Yhwh " كتعبير عن الظهور الإلهي وعمل الله في الخليقة 596 مرة في الترجومات (أي الترجمات إلى الآرامية)، فيستخدم ترجوم أونكيلوس هذا التعبير 179 مرة، وفي ترجوم أورشليم 99 مرة، وفي ترجوم يوناثان 321 مرة. وعلى سبيل المثال فقد ترجموا قوله: " وسمعا صوت الرب الإله ماشيا في الجنة عند هبوب ريح النهار. فاختبأ آدم وامرأته من وجه الرب الإله في وسط شجر الجنة". وقد ورد تعبير " الرب الإله " في العبرية: " יהוה אלהים - Elohim Yhwh " إلى " كلمة الرب - מימרא יהוה = Memra Yhwh".

ومن ثم فعندما ظهر الله لموسى النبي في العليقة ظهر له في البداية كملاك الرب (يهوه) ولما اقترب موسى من العليقة تحدث معه باعتباره الله، " أهيه الذي أهيه - hy<+h.a,(rv<åa] hy<ßh.a,((Eheyeh asher Eheyeh) = أكون الذي أكون " والتي ترجمت في اليونانية " أنا هو الكائن - evgw, eivmi o` w;n "، يقول الكتاب: " وظهر له ملاك الرب بلهيب نار من وسط عليّقة ... فلما رأى الرب انه مال لينظر ناداه الله من وسط العليقة ... ثم قال أنا اله أبيك اله إبراهيم واله اسحق واله يعقوب. فغطى موسى وجهه لأنه خاف أن ينظر إلى الله " (خر3: 2-6)، " فقال موسى لله ها أنا آتي إلى بني إسرائيل وأقول لهم اله آبائكم أرسلني إليكم. فإذا قالوا لي ما اسمه فماذا أقول لهم. فقال الله لموسى أهيه الذي أهيه. وقال هكذا تقول لبني إسرائيل أهيه (hy<ßh.a,(- o` w'n = الكائن)(18) أرسلني إليكم وقال الله أيضا لموسى هكذا تقول لبني إسرائيل يهوه (hw"ùhy> - ku,rioj) اله آبائكم اله إبراهيم واله اسحق واله يعقوب أرسلني إليكم. هذا اسمي إلى الأبد وهذا ذكري إلى دور فدور " (خر3: 13-15). ويعلق ترجوم أورشليم: " وقال كلمة الرب (מימרא יהוה = Memra Yhwh) لموسى: أنا هو الذي قلت للعالم " كن " فكان: والذي سأقول له في المستقبل " كن " وسيكون. وقال: وتقول لبني إسرائيل: أنا هو أرسلني إليكم". ويقول ترجوم أورشليم على تكوين (16: 13) عن الظهور الإلهي لهاجر: " وشكرت هاجر وصلت باسم كلمة الرب (מימרא יהוה = Memra Yhwh) الذي كشف لها عن نفسه". وهكذا نسبوا كل ما لله، الرب، يهوه، لكلمة الرب، كلمة يهوه، ميمرا يهوه (Memra Yhwh)(19). ومن ثم يقول مدراش(20) راباه على تكوين (44: 1): " بعد هذه الأمور جاءت كلمة الرب (מימרא יהוה = Memra Yhwh) إلى إبراهيم في الرؤيا قائلا. لا تخف يا إبرام. أنا ترس لك. أجرك كثير جدا". لأنه مكتوب من جهة لإبراهيم أن طريقه كامل وكلمة الرب (מימרא יהוה = Memra Yhwh) نقية (2صم22: 31) ... وقد امتحن كلمة الرب (מימרא יהוה = Memra Yhwh) بشكل جوهري أن القدوس الذي أرضاه جربه في فرن نارية وكان ترسا لكل الذين التجئوا إليه (2صم22: 31) "(21).

ويقول ترجوم أونكيلوس على تكوين (15: 6): " فآمن إبراهيم بكلمة الرب (מימרא יהוה = Memra Yhwh) وحسب له ذلك برا". كما صلى إبراهيم باسم كلمة الرب: " وعبد إبراهيم الرب وصلى باسم كلمة الرب (מימרא יהוה = Memra Yhwh)، وقال أنت يهوه الذي يرى ولكنك لا يمكن تُرى". ويقول ترجوم أورشليم عن إبراهيم عندما قدم إسحق ابنه: " الله يرى له الخروف للمحرقة يا ابني " (تك22: 8)، والتي جاءت في الترجوم: " فقال إبراهيم كلمة الرب (מימרא יהוה = Memra Yhwh) يرى له الخروف للمحرقة يا ابني "(22).

ويقول ترجوم أونكيلوس على تكوين (28: 20و21): " أن كان كلمة الرب (מימרא יהוה = Memra Yhwh) معي ... يكون كلمة الرب (ميمرا يهوه – מימרא יהוה = Memra Yhwh) لي إلها " ... الخ

ويقول أيضاً على تكوين (28: 20-21): " ونذر يعقوب نذرا قائلا أن كان كلمة الرب (מימרא יהוה = Memra Yhwh) معيني وحفظني في هذا الطريق الذي أنا سائر فيه وأعطاني خبزا لآكل وثيابا لألبس ورجعت بسلام إلى بيت أبي يكون كلمة الرب (מימרא יהוה = Memra Yhwh) لي إلها "(23).

كما يقول ترجوم على مزمور (22: 9) أن الملك داود يحث شعب إسرائيل أن يثقوا في كلمة الرب: " ثقوا في كلمة الرب (מימרא Hy"å = Memra Yah) كل الأوقات يا شعب بيت إسرائيل! أسكبوا أمامه تنهدات قلوبكم يقول الله ثقتنا إلى الأبد "(24).

يقول جرشوم شوليم (Gershom Scholem) في كتابه في (شكل رأس إيلوهيم): " الميمرا ... مستخدمة في تفسير الترجومات، الترجمات الآرامية للكتاب المقدس، لتشير إلى كلمة الله (ميمرا إيلوهيم). الميمرا ليست مجرد حيلة لغوية لحل مشكلة تجسيمات الله، تشبيهه بصور بشرية؛ فهي لها مغزى لاهوتي حقيقي. الميمرا ... هي ... قوة مخترقة العالم، هي حقيقة في عالم المادة والعقل، الوجه الدائم لإيلوهيم، الذي يمسك كل الأشياء بقدرته ككلي الوجود "(25).

ويقول ترجوم أونكيلوس على تكوين (9: 17): " وقال يهوه لنوح هذه علامة الميثاق الذي أنا أقمته بين كلمتي (מימרא -Memra) وبين كل ذي جسد على الأرض". ويفسر قوله على تكوين (17: 7): " وأقيم عهدي بيني وبينك "، إلى " وأقيم عهدي بين كلمتي (מימרא -Memra) وبينك "(26).

ويقول ترجوم يوناثان على اشعياء (45: 17و25): " أما إسرائيل فيخلص بكلمة الرب (מימרא יהוה = Memra Yhwh) خلاصا أبديا ... بكلمة الرب (מימרא יהוה = Memra Yhwh) يتبرر إسرائيل "(27).

ويقول ترجوم الأنبياء الصغار، على زكريا (12: 5): " فتقول أمراء يهوذا في قلبهم أن سكان أورشليم قوة لي (بكلمة - Memra) رب الجنود إلههم "(28).

ويقول يوناثان بن أوزيل الذي كتب تفسير أورشليم، في تفسير (تث26: 17): " هذا اليوم قد جعلت كلمة الرب (מימרא יהוה = Memra Yhwh) أن يكون ملكاً عليكم ليكون لك إلها ويحكم عليكم كلمة الرب (מימרא יהוה = Memra Yhwh) له على يمينه (على اسمه) وثيقة على شعب محبوب، كما تكلم إليكم، أن تحفظوا وصاياه". كما يقول في تفسيره لعدد (10: 35و36): " وعند ارتحال التابوت وقف موسى ويداه مرفوعتان في صلاة، وقال: قم يا كلمة الرب (מימרא יהוה = Memra Yhwh) في قوة قدرتك ولتتبدد أعداء شعبك والذين يكرهونك يهربون من أمامك. وعند حلوله التابوت رفع موسى يديه في صلاة وقال ارجع يا كلمة الرب (מימרא יהוה = Memra Yhwh) عن غضبك وتعال إلينا في رحمتك الحسنة وبارك ربوات وألوف بني إسرائيل "(29).

ويقول أونكيلوس في تفسير قوله: " وآمنوا بالرب وبعبده موسى " (14: 31)، إلى " وآمنوا بكلمة الرب (מימרא יהוה = Memra Yhwh) وبعبده موسى".

ويقول يوناثان بن أوزيل في تفسيره لتثنية (6: 13): " الرب إلهك تتقي وإياه تعبد وباسمه تحلف "؛ " يجب أن تخشى قبل حضور الرب إلهكم، وأمامه يجب أن تعبد، وباسم كلمة الرب (מימרא יהוה = Memra Yhwh) تحلف بالحق". كما يفسر قوله: " فالآن احلفا لي بالرب وأعطياني علامة أمانة. لأني قد عملت معكما معروفا. بان تعملا أنتما أيضا مع بيت أبي معروفا " (يش2: 12)، بقوله: " الآن احلفا لي بكلمة الرب (מימרא יהוה = Memra Yhwh) لأني قد عملت معكما معروفا. بان تعملا أنتما أيضا مع بيت أبي معروفا، وتعطوني علامة حقيقية". ويفسر قوله في يشوع (9: 19): " فقال جميع الرؤساء لكل الجماعة أننا قد حلفنا لهم بكلمة الرب (מימרא יהוה = Memra Yhwh) اله إسرائيل. والآن لا نتمكن من مسّهم". كما يفسر قوله في قضاة (11: 10) كالآتي: " فقال شيوخ جلعاد ليفتاح كلمة الرب (מימרא יהוה = Memra Yhwh) يكون شاهداً بيننا أن كنا لا نفعل هكذا حسب كلامك "(30).

وهناك حقيقة مهمة وهي إيمان معظم آباء الكنيسة في القرون الثلاثة الأولى وما بعد ذلك أن كل الظهورات الإلهية التي كانت في العهد القديم والتي كلم فيها الله الآباء والأنبياء كانت ظهورات للكلمة، كلمة الله، المسيح قبل التجسد، وذلك بناء على ما أكده العهد الجديد أيضا أن المسيح هو الذي كلم الأنبياء في العهد القديم (أف4: 4و5؛1بط1: 11). وقد كان اليهود يدركون هذه الحقيقة جيدا باعتبار أن الذي عمل وظهر في العهد القديم هو كلمة الرب (מימרא יהוה = Memra Yhwh)، كما فهم هؤلاء الآباء العبارات التي تكلم فيها الله بصيغة الجمع مثل: " وقال الله نعمل الإنسان على صورتنا كشبهنا " (تك1: 26)، و" وقال الرب الإله هوذا الإنسان قد صار كواحد منا عارفا الخير والشر " (تك2: 22)، " هلم ننزل ونبلبل هناك لسانهم " (تك7: 11)، " فأمطر الرب على سدوم وعمورة كبريتا ونارا من عند الرب من السماء " (تك19: 24). على أنها تعبر عن التعدد في الذات الإلهية لله الواحد، وقالوا أن الله كان يتكلم مع كلمته وابنه. وعن الآية الأخيرة يقول ترجوم على تكوين (19: 4): " أرسل كلمة الرب (מימרא יהוה = Memra Yhwh) على شعب سدوم وعمورة ناراً وكبريتاً من يهوه (Yhwh) في السماء".

ففي حواره الطويل مع تريفو الفيلسوف اليهودي قال يوستينوس الشهيد (150م)، أن الله والرب الذي ظهر للآباء البطاركة هو ابن الله نفسه، الرب يسوع المسيح، فيقول: " تبين الأسماء المختلفة للمسيح، بحسب الطبيعتين أنه، هو الله الذي ظهر للآباء، وقد دعي مرة بملاك المشورة العظيم (ملا 1: 3)، ودعي إنساناً في حزقيال، ومثل ابن إنسان في دانيال، وولد في اشعياء، ودعاه داود مسيحاً وإلهاً ومعبوداً ... هو الله ابن الله غير المولود وغير المنطوق به، لأن موسى يقول الآتي في مكان ما في الخروج " تكلم الرب لموسى وقال له أنا الرب، أنا ظهرت لإبراهيم وأسحق ويعقوب بأني إلههم وأما اسمي فلم اكشف لهم، وقطعت عهدي معهم " (خر3: 6). ويقول أيضا أن إنساناً صارع مع يعقوب، ويؤكد أنه الله، رؤيا الله،، فقد قال يعقوب " نظرت الله وجها لوجه ونجيت نفسي " (تك24: 32-30)، ومكتوب أنه دعا اسم المكان الذي صارعه فيه وظهر له وباركه فيه وجه الله " فنيئيل " ... ودعي بالكلمة لأنه يحمل الأخبار من الآب للبشر ولكنه غير منقسم أو منفصل عن الآب أبدا كما يقال أن نور الشمس الذي على الأرض غير منقسم وغير منفصل عن الشمس في السماء ... أنه مولود من الآب بقوته وإرادته ولكن دون انفصال "(31).

وقال القديس إيريناؤس أسقف ليون (175م)، في كتابه الكرازة الرسولية: أن الكلمة، أي الرب يسوع المسيح، أيضًا يقول لموسى: " أنا هو الكائن (خر3: 14) " (ف2). ومثل كل آباء القرن الثاني وما بعده آمن أن جميع الظهورات الإلهية في العهد القديم كانت للابن، الكلمة، المسيح، فقال في نفس الكتاب: " كلمة الله (ابن الله) كان يتمشى هناك باستمرار يتحدث مع الإنسان عن الأمور العتيدة، بل حاول بالحري أن يوضح له أنه سيكون رفيقًا له ويتحدث ويتحاور معه، وأنه سوف يسكن مع البشر لكي يعلّمهم البر. لكن الإنسان كان طفلاً، لم يكن لديه بعد إرادة ناضجة، لذا خُدع بسهولة من المضلّل".

وقال: " صورة الله هي الابن، والذي على صورته خُلِق الإنسان. لذلك ظهر الابن في الأيام الأخيرة لكي يجعل الإنسان، الذي خُلِق على صورته، مشابهًا له (ف22).

وقال القديس كيرلس عمود الدين في تفسيره ليوحنا (1): " عن خلق الإنسان نسمع صوت الله يقول: " نخلق الإنسان على صورتنا كشبهنا " (تك 1: 16)، فلو كان الله أقنوماً واحداً بلا تعدد وليس ثلاثة أقانيم فمَنْ الذي كان يتكلم مع مَنْ؟ ويقول له " نخلق الإنسان على صورتنا " ولو كان الله أقنوماً واحداً لقال " أخلق الإنسان على صورتي". لكن الكتاب لم يذكر ذلك، ولكن حيث أن صيغة الجمع استخدمت " صورتنا " فإنها تعلن بصوت قوي أن أقانيم الثالوث هي، هي أكثر من واحد".

 

(3) الحكمة المشخصة

ويصف الكتاب المقدس أيضاً عمل الحكمة التي كانت في الذات الإلهية منذ الأزل بلا بداية والتي لا يعرف عنها أحد شيء سوى الله ذاته في سفري أيوب والأمثال، في الكون والخليقة، ويشخصها لنا الوحي الإلهي بطريقة شعرية، ولكن كالحكمة الإلهية، ويقول عنها أنها سر عظيم في الحياة لأنها مخفية في ذات الله. يقول سفر أيوب بأسلوب شعري: " أما الحكمة فمن أين توجد وأين هو مكان الفهم. لا يعرف الإنسان قيمتها ولا توجد في أرض الإحياء ... فمن أين تأتي الحكمة وأين هو مكان الفهم ... الله يفهم طريقها وهو عالم بمكانها " (أي28: 12و13و20و23). وهذه الحكمة تظهر بوضوح في سفر الأمثال، بل وتظهر أكثر تشخيصاً، ويصور لنا بأسلوب شعري كيف أمتلكها الله قبل أن يخلق العالم، قناها في بداية طريقه منذ الأزل وقبل كل بدء وخلق بها الكون والعالم: " الرب قناني أول طريقه من قبل أعماله منذ القدم. منذ الأزل مسحت منذ البدء منذ أوائل الأرض. إذ لم يكن غمر أبدئت إذ لم تكن ينابيع كثيرة المياه. من قبل أن تقررت الجبال قبل التلال أبدئت. إذ لم يكن قد صنع الأرض بعد ولا البراري ولا أول أعفار المسكونة. لما ثبت السموات كنت هناك أنا. لما رسم دائرة على وجه الغمر. لما اثبت السحب من فوق لما تشددت ينابيع الغمر. لما وضع للبحر حده فلا تتعدى المياه تخمه لما رسم أسس الأرض. كنت عنده صانعا وكنت كل يوم لذّته فرحة دائما قدامه " (أم8: 22-30).

واستخدم الكتاب هنا كلمة " قناني – ynIn"q Canani "، أي امتلكني، والتي تترجم في الإنجليزية " possessed me "، ولكنها ترجمت في اليونانية " e;ktise,n me ektisen me " والتي تعني صنعني (made me) أو خلقني (created me). ولكن هذه الترجمة لا تتفق مع الأصل العبري ولا تتفق مع كونها هي الخالق الذي خلق الله به الكون، فالخالق لا يمكن أن يكون مخلوقاً، بل ويذكر هذا الإصحاح وجودها قبل الخليقة خمس مرات. إذا فالنص العبري يقول قناني، أي امتلكني كما جاءت في الترجمات الإنجليزية "possessed me "، وليس خلقني أو صنعني. وهذه الترجمة، اليونانية السبعينية أستغلها آريوس والآريوسيين بشدة في محاولة لإثبات هرطقتهم ولكن القديس أثناسيوس الرسولي رد عليهم رداً حاسماً، وبين لهم العكس.

أما سفر الحكمة، من الأسفار القانونية الثانية، فيزداد المعنى فيه وضوحا وتظهر الحكمة مشخصة بصورة أكثر. فيصف السفر الحكمة بصفات الطبيعة الإلهية ويتكلم عنها كاسم مرادف للطبيعة الإلهية ويربطها بالمسيا، أي المسيح المنتظر، حيث يقول: " فإِنَّ فيها روحًا فَطِنًا قُدّوسًا وَحيدًا متَشَعِّبًا لَطيفًا مَحَرِّكًا ثاقِبًا طاهِرًا واضِحًا سَليمًا مُحِبًّا لِلخَيرِ حادًّا حُرًّا محسِنًا مُحِبًا لِلبَشَر ثابِتًا آمِنًا مُطمَئِنًّا يَقدُِر على كُل شيَءٍ ويْراقبُ كُلَّ شيء يَنفُذُ إِلى جَميعَ الأَرْواح الفَهِمَةِ مِنها والطَّاهِرَةِ والأشَدً لَطافَةً لأنَّ الحكمةَ أكثر حَرَكَةً مِن كُلِّ حَرَكَة فهي لِطَهارَتها تَختَرِقُ وتَنفُذُ كُل شيَء. فإنَّها نَفحَةٌ من قدرَةِ اللهِ واْنبعاثٌ خالصٌ مِن مَجدِ القَدير. فلِذَلك لا يَتَسرَبُ إِلَيها شيءٌ نَجِس لأنَّها اْنعِكاسٌ لِلنَّّورِ الأزَليَ ومِرآةٌ صافِيَةٌ لِعَمَلِ الله وصورَةٌ لِصَلاحه. تَقدِر على كُلِّ شيء وهي وَحدَها وتُجَدَدُ كلَّ شيَءٍ وهي ثابِتَةّ في ذاتها وعلى مَرِّ الأجْيالِ تَجْتاُز إِلى نُفوسٍ قِدِّيسة فتُنشئُ أَصدِقاءَ لِلهِ وأنبياء لأنَّ اللهَ لا يُحِبُّ إِلَّا مَن يُساكِنُ الحِكمَة. فإنَّها أَبْهى مِنَ الشَّمس وأَسْمى مِن كُلً مَجْموعةِ نجوم وإِذا قيست بِالنورِ ظَهَرَ تَفوَقُها لأنَّ النَّّورَ يَعقبه اللَّيل. أَمّا الحِكمَةُ فلا يَغلِبُها الشَرَ " (حكمة7: 22-30).

بل ويعطيها صفات الله الأزلي الخالق ويتكلم عن جلوسها معه على كرسيه ويربطها بصفات الابن الذي كل شيء به كان والمرسل إلى العالم لخلاص البشرية: " يا إِلهَ الآباءِ ويا رَبَ الرَحمَة يا صانع كُلِّ شيءٍ بكَلِمَتِكَ ومُكَوِّنَ الإِنْسانِ بِحِكَمَتِكَ لِكَي يَسودَ الخَلائِقَ الَّتي صَنَعتَها ويَسوسَ العالَمَ بِالقَداسةِ والبرّ ويُجرِيَ الحُكْمَ بِاْستِقامةِ النًّفْس هَبْ لِيَ الحِكمةَ الجالِسَةَ مَعَكَ إِلى عَرشِكَ ولا تَنبُذْني مِن بَين أَبْنائِكَ ... الحِكمَةُ الَّتي مِنكَ ... مَعكَ الحِكمةَ العَليمةَ بِأَعمالِكَ والَّتي كانَت حاضِرة حينَ صَنعتَ العالَم وهي عارِفةٌ ما المَرضِيُّ في عَينَيكَ والمُستَقيمُ بِحَسَبِ وَصاياكَ. فأَرسِلْها مِنَ السَّمواتِ المُقَدَّسة واْبعَثْها مِن عَرشِ مَجدِكَ لِكَي تَقِفَ إِلى جانِبي وتَجِدَّ معي وأَعلَمَ ما المَرضِيّ لَدَيكَ. فإِنَّها تَعلَمُ وتَفهَمُ كُلَّ شيَء فتَكونُ لي في أَفْعالي مُرشِدًا فَطينًا وبِمَجدِها تَحْميني ... مَنِ الَّذي عَلِمَ بمَشيئَتِكَ لو لم تُؤتِ الحِكمَة وترسِلْ مِنَ العُلى رُوحَكَ القُدُّوس؟ هكذا قُوِّمَت سُبُلُ الَّذينَ على الأَرض وتَعَلََّمَ النَّاسُ ما يُرضيكَ وبِالحِكمَةِ نالوا الخَلاص " (حكمة9).

---

(1) انظر أيضاً، على سبيل المثال؛ " كانت كلمة الرب إلى زكريا بن برخيا بن عدّو النبي " (زك1: 1)، " كانت كلمة الله على يوحنا بن زكريا " (لو3: 2)، " هكذا كانت كلمة الرب تنمو وتقوى بشدة " (أع19: 20)، " فكانت كلمة الرب إليّ قائلا " (ار1: 4)، " فكانت كلمة الرب عن يد حجي النبي قائلا " (حج1: 3)، " اسمعوا كلمة الرب يا بيت يعقوب " (ار2: 4)، " ولبيت ملك يهوذا تقول اسمعوا كلمة الرب " (ار21: 11)، " اسمعوا كلمة الرب أيها الأمم " (ار31: 10)، " كلام الرب بفم ارميا " (2أخ36: 21)، " كما تكلم بفم أنبيائه القديسين الذين هم منذ الدهر " (لو1: 70)، " ينبغي أن يتم هذا المكتوب الذي سبق الروح القدس فقاله بفم داود عن يهوذا " (أع1: 16).

(2) كتبت معظم النبوات في أسفار الأنبياء في العهد القديم شعرا ليسهل على الشعب حفظها في عصور كانت تعتمد بالدرجة الأولى على الحفظ وترديدها شفويا.

(3) George B Stevens, Johannine Theology p.77.

(4) Brenton. The Septuagint Version of The Old Testament With An English Translation. P,716.

(5) كلمة ريما " r`h,ma " مرادفة لكلمة لوجوس لكنها لم تستخدم ككلمة الله الذاتي مثل لوجوس. أنظر فيرلين د. فيربروج، القاموس الموسوعي للعهد الجديد. ص 604 و605.

(6) Kittel Theological Dictionary Of The New Testament. vol.iv.pp, 92-100.

(7) http://www.thevineone.org/download/rico/The_Memra_of_YHVH_English.ppt

(8) Ibid.

(9) في العبرية الألف والياء هما " A ألف و t تاء (تاف) = A, Th".

(10) وكان اليهود بعد عودتهم من السبي يخشون من نطق اسم الله " يهوه - יהוה " وذلك بسبب قداسة الاسم الشديدة

وعظمته ورهبته بالنسبة لهم، وذلك بسبب الخوف من تحذير الوصية الثالثة القائلة: " لا تنطق باسم يهوه إلهك باطلاً لأن يهوه لا يُبرى من نطق باسمه باطلاً " (خر7: 20). وأيضاً بسبب الخوف من الوقوع تحت عقوبة التجديف التي هي الموت رجماً: " ومن جدف على أسم يهوه فإنه يقتل " (لا 16: 24). ولذا فقد أمتنع اليهود عن النطق به نهائياً منذ ذلك الوقت حتى نسوا نطقه الصحيح، وبالغوا في ذلك كثيراً، ودعوه ب " الاسم الذي لا ينطق به ولا يصح ذكره "، ودعوه في اليونانية بالاسم ذي الأربعة أحرف " Tetragrammaton". وكانوا عند قراءة يهوه يستبدلونه في النطق ب " أدوناي Adonai " والذي يعنى " ربى My Lord "، ويضعون التشكيل والحركات التي للاسم " أدوناي " على الحروف الأربعة " ى- ه- و- ه " للاسم الذي لا ينطق به، وينطقونه " أدوناي".

(11) " ترجوم " كلمة آرامية من الأصل الفارسي " تورجمان " وهي تعني " ترجمة". ويُطلَق هذا المصطلح على الترجمات الآرامية للكتاب المقدَّس. وقد وُضعت هذه الترجمات في الفترة الواقعة بين أوائل القرن الثاني وأواخر القرن الخامس قبل الميلاد. وقد أصبحت مثل هذه الترجمة أمراً مهماً وحيوياً بالنسبة إلى اليهود، نظراً لأن الآرامية حلَّت محل العبرية بعد التهجير البابلي. فمنذ أيام عزرا، كانت تُضاف ترجمة آرامية بعد قراءة أجزاء من العهد القديم، وقد صار هذا تقليداً ثابتاً. ومن أشهر الترجمات الآرامية للكتاب المقدَّس: ترجوم أونكيلوس لأسفار موسى الخمسة وحدها، وترجوم يوناثان لبقية أسفار العهد القديم. ويُعتقَد أن آرامية الترجوم كانت مُتكلَّفة إلى حدٍّ ما. وسعت التراجم الآرامية إلى إضفاء مسْحَة من ثقافة عصرها على النص فقام المترجمون بإدخال مصطلحات مثل «الجن والملائكة» بديلاً عن الإشارة إلى الرب مجسداً. موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية، د. عبد الوهاب المسيري.

(12) تقول دائرة المعارف اليهودية أن كلمة " ميمرا " تعني الكلمة الخلاقة أو حديث الله الذي يعلن قوته في العالم

والمادة أو العقل. Jewish Encyclopedia " MEMRA". وقد كتبناها هنا بحروف عبرية وإنجليزية وليس آرامية للتسهيل في القراءة.

(13) سفر يشوع بن سيراخ وسفر الحكمة من الأسفار القانونية الثانية.

(14) " مشناه " كلمة عبرية مشتقة من الفعل العبري " شنَّاه " ومعناه " يُثنِّي " أو " يكرر". ولكن، تحت تأثير الفعل الآرامي " تانا "، صار معناها " يدرس". ثم أصبحت الكلمة تشير بشكلٍّ محدد إلى دراسة الشريعة الشفوية، وخصوصاً حفظها وتكرارها وتلخيصها. والمشناه مجموعة موسوعية من الشروح والتفاسير تتناول أسفار العهد القديم، وتتضمن مجموعة من الشرائع اليهودية التي وضعها معلمو المشناه (تنائيم) على مدى ستة أجيال (10 220). وتُعَدُّ المشناه مصدراً من المصادر الأساسية للشريعة، وتأتي في المقام الثاني بعد العهد القديم الذي يُطلَق عليه لفظ " مقرا " (من " قرأ ") باعتبار أن العهد القديم هو الشريعة المكتوبة التي تُقرأ. أما المشناه، فهي الشريعة الشفوية، أو التثنية الشفوية، التي تتناقلها الألسن، فهي إذن تكرار شفوي لشريعة موسى مع توضيح وتفسير ما التبس منها، ولابد من دراسته (وتسمية العهد القديم بالمقرا حدثت في العهد الإسلامي، وهي صدى للتفرقة بين القرآن والسنة، فظهرت التفرقة بين المقرا والمشناه). ولهذا، فإن المشناه تُسمَّى «الشريعة الثانية». وتتضارب الآراء المتصلة بمدلول كلمة " مشناه "، فيذهب البعض إلى أنها تشير إلى الشريعة الشفوية بكاملها (مدراش وهالاخاه وأجاداه). ولكن الرأي الآن مستقر على أن المشناه تعني الهالاخاه فقط، حتى أن كلمتي «مشناه» و«هالاخاه» أصبحتا مترادفتين تقريباً. ومع هذا، فإن هناك فقرات أجادية في نهاية كل قسم من أقسام المشناه. وعلى أية حال، فإن فقرة واحدة تتضمن سنة واحدة في الفقهيات التشريعية يُسمَّى «مشناه» وجمعها «مشنايوت». أما كتاب المشناه ككل فيشار إليه أحياناً بأنه «هالاخاه» وجمعها «هالاخوت».

وقد دوِّنت المشناه نتيجة تراكم فتاوى الحاخامات اليهود (معلمي المشناه) وتفسيراتهم وتضاعفها كمياً بحيث أصبح من المستحيل استظهارها، فبدأ تصنيفها على يد الحاخام هليل (القرن الأول الميلادي)، وبعده الحاخام عقيبا ثم مائير. أما الذي قيدها في وضعها الحالي كتابةً، فهو الحاخام يهودا الناسي (عام 189م) الذي دونها بعد أن زاد عليها إضافات من عنده (ولكن هناك من يقول إنه لم يدونها رغم اقترانها باسمه، وقد ظلت الأجيال تتناقلها حتى القرن الثامن الميلادي). ويتكون كل من التلمود الفلسطيني والتلمود البابلي من المشناه والجماراه. ووجه الاختلاف بينهما في الجماراه، أما المشناه فهي مشتركة بين التلمودين. والواقع أن لغة المشناه هي تلك اللغة العبرية التي أصبحت تحتوي على كلمات يونانية ولاتينية وعلى صيغ لغوية يظهر فيها تأثر عميق بقواعد الآرامية ومفرداتها، وتُسمَّى عبرية المشناه. ويصل حجم المشناه في الترجمة الإنجليزية إلى 789 صفحة. ولذا، ورغم أنها تعليق على العهد القديم، فإنها أكبر منه حجماً. ويجب التمييز بين المشناه والمدراش، فالمدراش (حتى التشريعي الهالاخي) تعليق على النصوص التوراتية نفسها، أما المشناه فتهدف إلى تقديم المضمون القانوني للشريعة الشفوية بشكل مجرد ودون العودة إلى النصوص التوراتية. د. عبد الوهاب المسيري.

(15) http://www.thevineone.org/download/rico/The_Memra_of_YHVH_English.ppt

(16) Jewish Encyclopedia " MEMRA".

(17) http://www.thevineone.org/download/rico/The_Memra_of_YHVH_English.ppt

(18) و " hy<ßh.a - أهيه – ehyeh- أكون " اسم يعبر عن كينونة الله وكيانه وجوهره، ويعبر عن وجوده الذاتي،

الدائم والمستمر، الوجود الأزلي الأبدي، الذي لا بداية له ولا نهاية، فوق الزمان، فهو غير الزمني. كما يعبر عن وجوده الذاتي، كالموجود بذاته بدون موجد، إذ أن وجوده في ذاته ومن ذاته. كما يعبر أيضاً عن وجوده كالموجود، الذي هو أصل وسبب ومصدر وعلة كل وجود، الموجود الذي يستمد منه كل وجود وجوده، فهو الموجود بذاته وخالق كل الموجودات، الكون كله من أصغر جزء في الذرة إلى أكبر المجرات، خالق الكون وفيه. يقول هامش الترجمة اليسوعية الحديثة (1989م): " أنا هو من هو أنا هو أرسلني إليكم". " بما أن الله يعنى نفسه فهو يستعمل صيغة المتكلم " أنا هو " ... لكن من الممكن أيضاً أن نترجم النص العبري حرفياً فنقول: " أنا هو من هو". وهذا يعنى بحسب قواعد الصرف والنحو العبرية " أنا هو الذي هو "، " أنا هو الكائن". وهكذا فهمه أصحاب الترجمة اليونانية السبعينية. فالله هو الكائن الوحيد حقاً ... يتضمن هذا المقطع مُسبقاً تلك التوسعات التي سيأتي بها الوحي (راجع رؤ8: 1): " أنه كائن وكان يأتي. وأنه القدير". أي " الكائن والذي كان والذي يأتي القادر على كل شيء".

كما ترجمها القديس أفرايم السرياني (القرن الرابع الميلادي) في تفسيره لسفر الخروج إلى: "أنا هو الكائن الكائن أرسلني" وفسرها: " أنا الأزلي الذي لا أول له ولا بدء ولا نهاية ولا عدم"(27).

وقد فهمت وأدركت جميع الترجمات القديمة والحديثة مغزى الاسم، " الكائن "، " أنا هو "، " أنا هو الكائن "، " أكون "، ومعناه وجوهره. فهو يعبر عن شخص الله وكينونته، كيانه، وجوهره وصفاته، ووجوده الدائم، المستمر، الأزلي الأبدي، الذي لا بداية له ولا نهاية. فهو الموجود الدائم، في الماضي والحاضر والمستقبل، أمس واليوم وإلى الأبد. (أنظر كتابنا: هل المسيح هو الله أم ابن الله أم هو بشر. الفصل الأول).

(19) http://www.thevineone.org/download/rico/The_Memra_of_YHVH_English.ppt

(20) " مدراش " من الكلمة العبرية " درش "، أي «استطلع» أو «بحث» أو «درس» أو «فحص» أو «محص». والكلمة تُستخدَم للإشارة إلى ما يلي: (1) منهج في تفسير العهد القديم يحاول التعمق في بعض آياته وكلماته، والتوسع في تخريج النصوص والألفاظ، والتوسع في الإضافات والتعليقات، وصولاً إلى المعاني الخفية التي قد تصل إلى سبعين أحياناً. وهناك قواعد مدراشية للوصول إلى هذه المعاني. ومثل هذه المعاني الخفية، تُذكَر دائماً مقابل ال «بيشات» أي «التفسير الحرفي». (2) ثمرة هذا المنهج من الدراسات والشروح، فالتلمود مثلاً يتضمن دراسات مدراشية عديدة، بمعنى أنها اتبعت المنهج المدراشي. ولكن هناك كتباً لا تتضمن سوى الأحكام والدراسات والتفسيرات المدراشية المختلفة ويُطلَق عليها أيضاً اسم «مدراش».

ويُفترَض أن مثل هذه الكتب المدراشية تعود إلى تواريخ قديمة شأنها في هذا شأن كل فروع الشريعة الشفوية. ويبدو أن العلماء المعروفين باسم الكتبة (سوفريم)، بدأوا بعد العودة من بابل بزعامة عزرا، في دراسة التفسيرات التقليدية للشريعة المكتوبة، وأخذوا يطبقونها على الاحتياجات اليومية للجماعة اليهودية، واستمروا في ذلك حتى بداية ظهور معلمي المشناه (تنائيم). وقد ازدهر الأدب المدراشي في عصر معلمي المشناه (تنائيم)، لكن البدء في تدوين كتب المدراش لم يحدث إلا بعد عدة قرون من إلقاء المواعظ. (موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية).

(21) http://www.thevineone.org/download/rico/The_Memra_of_YHVH_English.ppt

(22) Ibid.

(23) Ibid.

(24) Ibid.

(25) Ibid.

(26) Ibid.

(27) Ibid.

(28) Ibid.

(29) Ibid.

(30) Ibid.

(31) Dialogue With Trypho. 126 – 129

2- الكلمة (Λόγος ὁ - Logos) عند فلاسفة اليونان(32):

اختلف معنى الكلمة عند الفلاسفة اليونانيين عن معنى الكلمة في العهد القديم والتقليد اليهودي جوهرياً، فهي عندهم مبدأ عام أو مجموعة من المبادئ والمثل أو المُثل، كما أنها هي كلمة الإنسان، وكلمة العقل، بل والمبدأ الفاعل في الكون، ولكن بصورة غير واضحة لا تكاد تتضح معالمها، فهي تارة تبدوا كالكائن العاقل الذي أوجد الكون وتارة هي من الكون أو ضمن الكون، وأخرى تبدوا كمجرد مثال أو مبدأ عام!! أو مجموعة مُثل أو مبادئ!!

(1) اللوجوس عند هيراقليطس (Heraclitus):

يعتبر الفيلسوف الإغريقي هيراقليطس (Heraclitus - 535 – 475 ق م)، من أهم الفلاسفة الإغريق القدامى قبل سقراط وأفلاطون وأرسطو لأنه سبقهم جميعا ولذا فهو الأكثر تأثيرا على تشكيل العقل الأوربي بما فيه هؤلاء الفلاسفة أنفسهم فهو الذي وضع أساس كل التأملات الفلسفية في الفيزياء (physics – علم الطبيعة) والميتافيزيقا (metaphysics - ما وراء الطبيعة). وكانت فكرته تقوم أساساً على أن الكون في حالة تغير ثابت وأنه يوجد هناك عقل وراء هذا التغير هو اللوجوس (Logos)(33). ويرى أن اللوجوس يشكل كيان كل من الكون والإنسان فهو المبدأ الرابط الذي يشكل الكوبري والفهم بين (1) الإنسان والعالم وبين البشرية في ترتيبها السياسي، (2) وبين الإنسان والله، (3) وبين هذا العالم والعالم الذي فوق(34). ومن ثم فاللوجوس يشكل بالنسبة له أهمية كبرى. ولكن ما هو اللوجوس بالنسبة تحديا له؟ وهل يمكن للكائنات البشرية أن تحدده أو تدركه؟ كما أنه يقول أن اللوجوس مكون من أزواج متناقضة في الكون؟ وكيف يشرح اللوجوس التغيير؟ وما الفرق عنده بين اللوجوس ككلمة الإنسان واللوجوس الكوني، العقل الذي يقف وراء الطبيعة والكون؟ وقد فرق دارسو فلسفة هيراقليطس بين الكلمة (اللوجوس) العامة، والكلمة التي يتكلم بها الإنسان من خلال فقرتين من الفقرات التي ذكرها هيراقليطس عن اللوجوس وهما:

1- بالرغم من أن هذه الكلمة " اللوجوس " صادقة من الأزل، فان الناس لا يستطيعون فهمها، ليس ذلك قبل سماعها فحسب، بل بعد أن يسمعوها لأول مرة، حتى أننا نقول: انه بالرغم من أن كل الأشياء تحدث متطابقة مع هذه الكلمة " اللوجوس " فانه يبدو أن الناس ليس لديهم أية خبرة عنها، وذلك على الأقل أذا حكمنا عليهم في ضوء هذه الكلمات والأعمال التي سوف اقرها هنا. أن منهجي أن أميز كل شيء حسب طبيعته وأن أعين سلوكه، على العكس من ذلك، ينسى الآخرون ويهملون – في لحظات يقظتهم – ما يدور حولهم وما في داخلهم مثلما تكون حالتهم أثناء النوم(35).

2 - ينبغي أن نترك أنفسنا يقودها ما هو عام للمجتمع. وبالرغم من أن الكلمة " اللوجوس " عامة للجميع، فأن معظم الناس يعيشون وكان لكل منهم عقله الخاص.

ولقد ثار نقاش عنيف حول تفسير " الكلمة " عند هيراقليطس، وأنقسم الباحثون في ذلك إلى رأيين:

1- رأي يرى أن هيراقليطس يشير أساسا إلى الكلام الذي كان ينطقه.

2- والرأي الثاني يرى أن الإشارة إلى شيء أخر كلي سام. ومن الملاحظ أن سكستس امبريقوس يفسر " الكلمة " على أنها تحمل معنى كونيا، إذ يكتب قائلا: يؤكد هيراقليطس، أن الكلمة " اللوجوس " العامة الإلهية – التي بمشاركتنا فيها نصبح عقليين – أنما هي محك الحقيقة.

وبالإضافة إلى ذلك، يميز هيراقليطس بطريقة قاطعة – في الفقرة 118، بين الكلمة " اللوجوس " وبين كلامه هو، وذلك حين يقول:

لا تستمعوا إليّ لكن إلى الكلمة " اللوجوس". والفقرة الثانية توضح أن الكلمة " اللوجوس " تحمل نوعا من الدلالة الكونية الكلية، وتأكيدا لهذا المعنى يورد الدكتور على سامي النشار، فقرة لرجل معاصر قريب من هيراقليطس هو ابتيشارمس: أن الكلمة " اللوجوس " تهدى الناس وتحفظهم على الطريق الصحيح. أن الإنسان له قدرته على الحساب، لكن هناك أيضاً " الكلمة – اللوجوس " الإلهية. أن التفكير الإنساني ينبثق من الكلمة " اللوجوس " الإلهية التي تقدم لكل إنسان طريق الحياة والنمو، فالاحتمال الأقوى، هو أن هيراقليطس قد اعتبر الكلمة " اللوجوس " على أنها الحقيقة في صفاتها الموضوعية، وفوق الإنسانية وقد اعتبر نفسه مع ذلك أيضاً أنه مؤهل ومعد خاصة ليفصح عن طبيعة هذه الحقيقة. وفي أيام هيراقليطس كان الحكيم أو محب الحكمة هو ذلك الرجل الذي يجد نفسه مدعوا - بصوت حضور أعظم منه – أن ينطق بالحقيقة كما تتكشف له(36).

ويقول القاموس الموسوعي للعهد الجديد: " دمج هيراقليطس الذي كان معاصراً لبارمنيدس اللوجوس بفكر الفكر الخالص غير المشوش من المشاعر. وهكذا نقل عالم اللوجوس logos إلى الجانب الآخر للعالم الخادع للمظاهر، في عالم الوجود الصافي. ثلاثة أشياء تصبح واضحة للوهلة الأولى لمفهوم اللوجوس logos: الحجة المتناقضة، والثنائية، والهبوط بمفهوم اللوجوس logos إلى المجال الشخصي لنشاط التفكير والفكر نفسه(37).

 

(2) اللوجوس عند الرواقيين(38):

استخدم الرواقيون اللوجوس بمفهوم معادل لمفهوم الله وأيضاً بمفهوم معادل لمفهوم العناية والقدر(39)، فهو من جهة (بحسب كريسيبوس) عقل زيوس"(40)، كما أنه عقل العالم. وهو مرتبط عندهم بالقضاء والقدر الذي يشرح لنا الدكتور عثمان أمين نظريته، القضاء والقدر عند الرواقيين، كالآتي: لما كان الله هو مبدع الوجود كله فالعقل الكلى هو قانون به ربطت الأشياء بعضها رباطا لا فكاك منه. وهذا القانون الذي لا يمكن أن يجترح أبداً هو الذي يسمى بالقضاء والقدر. وهذا القضاء هو عبارة عن تسلسل العلل والأسباب تسلسلا يستلزم أن يكون كل حادث نتيجة لعلة، وكل علة مرتبطة بعلة أخرى وهكذا إلى غير نهاية. وهذا التسلسل يحكم الأشياء المستقبلة كما يحكم الأشياء الحاضرة والماضية. ولا شيء يحدث إلا وكان متضمنا من قبل في أصل الأشياء. فالقدر هو العقل الكلى من حيث هو علة عامة لجميع الموجودات، ومن حيث أنه يحدث التسلسل في العلل الخاصة الجزئية.

وحسب المفهوم الديني الشعبي، فأن كلمة " لوجوس " تعادل " زيوس، كما هو واضح من قصيدة كليانتس الشهيرة، حيث يقول كليانتس؛ أيا زيوس يا اجل الخالدين. ويا من يذكره الناس بشتى الأسماء والصفات يا مدبر الكون كله يا حاكم الأشياء جميعا وفق ناموسك وسنتك ويا من يخضع لك كل هذا العالم الذي يدور حول الأرض ويذعن بارادته لسلطانك.

من دونك لا شيء يحدث في الأرض ولا في البحر ولا في السماء، سوى أفعال الأشرار وسببها جهلهم وقلة إدراكهم وأنت لا يغرب عن علمك شيء، تؤلف ما افترق، وتنظم ما تتاثر وترتب الخيرات على قدر الشرور، وتعطى كل شيء بحساب(41).

+ اللوجوس إذاً هو المبدأ الذي خلق العالم، أي هو الذي نظمه وأنشأه، وهو الذي خلقه، جعله كائنا حيا عاقلا، أنه القوة التي تسرى خلال المادة، التي تعمل باطنا في جميع الأشياء. أن العالم هو فيض عظيم (للوجوس)، فهو (أي اللوجوس) مادي، لأن كل شيء عند الرواقيين هو مادي: النار. النفس. الأثير.

+ على أن اللوجوس، من حيث القوة التي تنشئ وتشكل المادة، وتعطى النمو للنبات والحركة للحيوان، فهو " لوجوس سبيرماتيكوس " أي مبدأ بذرى، ويشرح الدكتور فؤاد زكريا، فكرة المبادئ البذرية (Logoi Spermatichoi) كالآتي:

+ اللوجوس هو الذي يعطى للإنسان قوة المعرفة، كذلك هو الذي يمنح للإنسان قوة العمل الأخلاقي.

+ وحيث أن جميع القوى تخرج من اللوجوس، فأنها تعود إليه.

+ العقل الخاص بالإنسان هو جزء من العقل العام.

+ وبحسب هذا العقل الإلهي والإنساني المشترك، يعيش الإنسان حسب الطبيعة. ويتحقق هذا عند الفيلسوف.

+ يتحدث الرواقيون عن ثنائية في اللوجوس، للتمييز بين العقل الباطني (endiathetos) والكلام الذي يعبر عنه ظاهريا (prophorikos).

+ يرى الرواقيون، أن موافقة الطبيعة عند الإنسان، هي عبارة عن الحياة وفاقا للعقل. والعقل هو الجزء الرئيسي فينا الذي يقوم ماهيتنا بما نحن أناس ويلزم عن ذلك أن الحياة وفاقا للعقل. لكن الإنسان حين يحيا وفاقا للعقل لا يكون موافقا لنفسه فحسب، بل يكون موافقا لمجموع الأشياء أي للكون بأسره، لأن العقل لا يختص بالإنسان وحده، بل هو أيضاً من خصائص الوجود الكلى أي من خصائص الكون. والعقل الإنساني ليس إلا جزءاً من العقل الكلي الشامل. فبالعقل نحيا على وئام مع أنفسنا، كما نحيا على وئام مع العالم أجمع(42).

 

(3) اللوجوس عند السفسطائيين وسقراط وأفلاطون:

وبعد هيراقليطس والرواقيون طور السفسطائيين مفهوم اللوجوس وصار عندهم القوة العقلية الموجودة في الإنسان، قوة الحديث والفكر، وقد لعب اللوجوس في الحياة السياسية دوراً حاسماً كقوة الإقناع والتوجيه(43). كما قال سقراط عن اللوجوس في حواراته أنه يوجد حديث عام مع كلماته ومفاهيمه. فاللوجوس بالنسبة له هو الحقيقة الأساسية في كل الحياة في المجتمع، وهذه كانت النقطة الحاسمة في سياسات سقراط وأفلاطون، كما لو أن هناك نوع من الانسجام السابق الوجود بين لوجوس الروح المفكرة ولوجوس الأشياء. لذا يجب على الإنسان أن يكون محروسا لئلا يصير عدو للكلمة كما يكون آخر عدو للإنسان. فالحق يأتي عندما يفسر اللوجوس الظواهر ولكن اللوجوس يجب أن يسبقهم(44).

(أ) السفسطائيين (منتصف القرن الخامس)؛ قالوا عن اللوجوس أنه انعكاس فلسفي موجه نحو الإنسانية ونحو العلاقة بين الفرد والمجتمع. فمن خلال اللوجوس logos، الكلام يكون الناس قادرين على لعب دور معقول في الحياة السياسية. في هذه الخطة، يواجه اللوجوس logos معنى الطريقة الفردية للحجة. وهي الشيء الوحيد المهم للدفاع عن قضيته الخاصة. وكل لوجوس logos يشتمل على مضاد للوجوس logos، في حالة جدل متعارض (الخير والشر والحق والباطل) مُترف به كالمبدأ الأساسي للحوار. وبذا يرى الناس قوة عظيمة في اللوجوس logos، إذ لديه قدرة تربوية بها يوبخ الأشرار ويمدح الأخيار(45).

(ب) أما سقراط (384-322 ق م)؛ فنظر للمناقشة والجدال كنشاط منتج للمجتمع مادام الناس يكافحون من أجل الحقيقة. وليس هدفهم الكلام من أجل الكلام، لكن عن طريق التفكير من خلال الحوار لاكتشاف لوجوس logos الأشياء(46).

(ج) أفلاطون (حوالي424-384 ق م)؛ الذي تعلق فكره أولاً بمفهوم المثال والصورة، لم يضف جديداً حاسماً لموضوع اللوجوس logos. حتى مع أرسطو الذي لم يحرث له أرض جديدة، فالبشر وحدهم من يملكون اللوجوس logos، لأن أفعالهم محددة بالكلمة، وهم القادرون على الخطاب والفكر(47).

---

(32) هذا الجزء رجعنا فيه، بصفة رئيسية، للمراجع التالية:

Vencent,s Word Studies Of The New Testament. Vol.ii. pp.24-30.

Gerhard Kittel Theological Dictionary Of The New Testament. Vol. iv. Pp77-87.

http://en.wikipedia.org/wiki/Logos

Gerhard Kittel Theological Dictionary Of The New Testament. Vol. iv.

Jewish Encyclopedia.

Rev. J. S. Johanston, The Philosophy Of The Fourth Gospel.

Jacob Bryant. Sentiments Of Philo Judeus.

د. موريس تاوضروس، اللوجوس ص 60-67.

(33) http://www.wsu.edu/~dee/GREECE/HERAC.HTM

(34) Gerhard Kittel Theological Dictionary Of The New Testament. Vol. iv. Pp77-87.

(35) د. موريس تاوضروس، اللوغوس مفهوم (الكلمة) في العهد الجديد.

(36) المرجع السابق ص 62.

(37) فيرلين د. فيربروج القاموس الموسوعي للعهد الجديد ص 400.

(38) الفلسفة الرواقية أسسها زينو القبرصي (Zeno of Citium) حوالي سنة 300 ق م.

(39) CF. Zeno in Diog.L. VII, 68.

(40) زيوس في الأساطير اليونانية هو كبير الآلهة وحاكم جبل الأوليمب وإله السماء والرعد.

(41) دكتور عثمان أمين. ص 158 – 186.

(42) د. موريس تاوضروس ص 67 و د. عثمان أمين ص 204.

(43) Kittel. Vol.iv.p,82.

(44) Ibid. p,83.

(45) فيرلين د. فيربروج القاموس الموسوعي للعهد الجديد ص 400.

(46) المرجع السابق ص 400.

(47) السابق.

3- اللوجوس عند فيلو الفيلسوف اليهودي(48):

منذ عهد بطليموس الأول (323-285ق.) كان هناك يهود يعيشون بكثرة في مصر. وكانت الإسكندرية مركزهم الرئيسي ولقد دعت الحاجة إلى ترجمة العهد القديم من اللغة العبرية إلى اللغة اليونانية، وهى التي تعرف بالترجمة السبعينية. وقد أدى هذا إلى الربط بين الثقافة الغربية واليهودية، وبين إيمان العهد القديم والفلسفة اليونانية. وكان الفكر اليهودي في الإسكندرية يميل إلى تفسير العهد القديم تفسيرا رمزيا، وحول علماؤهم الحقائق الكتابية إلى رموز لمبادئ عقلية، وزعموا أن الفلاسفة اليونانيين قد اخذوا فلسفتهم أصلاً عن كتابات موسى النبي. وأشار ارسطوبولس (150ق. م) لوجود هذه الترجمة اليونانية المعروفة بالسبعينية والتي يقول التقليد اليهودي أنها ترجمت فيما بين (280 – 150 ق م). ونظرا لوجود معظم المدارس الفلسفية اليونانية بالإسكندرية، فقد تأثر بها اليهود وكانوا يفضلون المدرسة الأفلاطونية، وكان فيلو الفيلسوف اليهودي المعاصر للمسيح (20 ق م – المتوفى فيما بين 40 - 50م) متأثراً بهذه المدارس الفلسفة خاصة الأفلاطونية والأرسطوطالية والرواقية وغيرها. ومن ثم فقد خلط بين أفكار كل هذه المدارس بالفكر اليهودي، ولأن اعتقد مثل يهود عصره ومدينته أن هذه الفلسفات ترجع في أصولها إلى كتابات موسى النبي، لذا فقد جمع بين الفكر الكتابي اليهودي والفكر اليوناني، وهكذا تشكل مفهومه عن اللوجوس، الذي هو في مفهومه وكيل الله " والوسيط بين الأبدي والزائل، واللوجوس الذي، من وجهة نظره، يعكس نوراً من مظاهر لا تحصى "(49).

ولأن فيلو اليهودي جمع ما بين فكر العهد القديم والتقليد اليهودي والفلسفة اليونانية إلى جانب بعض العناصر الشرقية، لذا فكان فكره وعقيدته خليط بين اليهودية والفلسفة اليونانية. فكيهودي آمن بالله كما هو في العهد القديم، ونظرا لأن الفلسفة اليونانية ترى أن المادة أزلية مثل الله وأنها شر، وأن الله لا يتصل بهذه المادة التي هي شر، لذا فصل فيلو بين الله والعالم تماماً، وجعل الله بدون أي صلة بالعالم، وقال أنه لا توجد أي صلة بين الروح المحض (الله) والعالم المحسوس. ونظرا لأن هذا الفكر أوجد فجوة وهوة لا قرار لها بين اللاهوت السامي والفائق وغير المدرك وبين العالم المادي المحسوس، لذا فكر فيلو في إيجاد كوبري، وسيط، يعبر هذه الفجوة أو الهوة، وسيط يربط بين الله والمادة، ولكن لا بحسب الكتاب المقدس أو التقليد اليهودي بل بحسب فكرة القوات الوسيطة والمُثل الأفلاطونية. ونتيجة لذلك فقد قدم فكرة مصغرة لهذه القوات الفاعلة هي اللوجوس (Logos). هذا المصطلح الذي يحتمل أنه أخذه من العهد القديم ولكن بمحتوى وأسلوب وفكر غنوسي يوناني كما هو في فكر أفلاطون في الُمثل وفكر الرواقيين عن الأسباب والقوات.

ومن ثم يعني اللوجوس عند فيلو ويشير للمثال الأولي، الفكرة الأولية، التي تتفق مع عقل الله، العقل الملازم لله، وأيضاً مبدأ الإعلان في الطبيعة الإلهية. ويعتبر اللوجوس عنده هو العقل الجوهري الذي يوصل الفكر الغير منطوق به في الإنسان، هذا اللوجوس فائق وغير مدرك مثل الله نفسه، ولكن في وجهه الآخر فهو القوة والنشاط وموصل للفكر المنطوق به في الإنسان. اللوجوس هو وسيط الله الذاتي الذي يكشف به الله عن نفسه وعن عنايته الإلهية. هذا اللوجوس أو الكلمة المنطوقة هو الخالق الذي خلق به الله العالم وهو العامل في الكون باستمرار والفاعل فيه دائماً، وفيه توجد كل الحكمة الإلهية والخير الإلهي، بل هو الابن البكر لله، الملاك الأعلى والإله الثاني في الكون(50).

يقول في كتابه: " De Plant Noe ": " لأن أولئك الذين لا يستطيعون أن ينظروا للابن نفسه، ينظرونه في نوره المنعكس، حتى لو باعتباره صورة الله، الذي هو ملاكه، فاللوجوس (logos- Memra) كالله (Elohim) نفسه".

ويقول في كتابه " On The Confusion Of Tongues p. 247 "(51): " حتى لو لم يكن هناك من هو مستحق ليسمى بابن الله، ومع ذلك فهو يعمل بلا كلل ليكون مزيناً بحسب كلمته البكر [Logos]، أقدم ملائكته، كرئيس الملائكة العظيم ذو الأسماء الكثيرة؛ لأنه يدعى ذو السيادة واسم الله والكلمة [Logos]، وإنسان بحسب صورة الله والذي يرى إسرائيل".

ويقول في كتابه " Allegorical Interpretation, III. "(52): " ظل الله هو كلمته [Logos] الذي استخدمه كوسيلة عندما خلق العالم. وهذا الظل، وكما كان، نموذجاً، النموذج الأولي للأشياء الأخرى، لأنه كما أن الله نفسه النموذج لهذه الصورة الذي يدعى الآن الظل، هكذا أيضاً هذه الصورة هو النموذج للأشياء الأخرى. وكما بين عندما أوصى معطيا الناموس للإسرائيليين، وقال: " وعمل الله الإنسان على صورة الله (تك1: 26)، لأن الصورة كانت على نموذج الله، ولأن الإنسان كان على نموذج الصورة التي أُخذت، هكذا، قوة وصورة النموذج".

كما قال في كتاب: " On Dreams, 1, "(53): " لأنه يوجد، كما يبدو، هيكلان لله؛ واحد هو العالم، الذي فيه الكاهن الأعلى الذي هو الكلمة الإلهي [Logos]، ابنه البكر 00".

وقال في كتاب " On The Migration Of Abraham. P. 253 "(54): " كيف نتوقع الكلمة [Logos]، الذي هو أقدم من كل الأشياء التي كانت موضوعات الخليقة، وبأي وسيلة هو حاكم الكون 00 "(55).

ولكن النقطة التي لم يتفق فيها الدرسون هي؛ هل كان اللوجوس عنده، كشخص، منفصل تماما عن الله أم لا؟

وعموما فقد شكل اللوجوس بالنسبة له محورا جوهريا حيث استخدمه في كتاباته أكثر من 300 مرة، وأن كان بمعاني متناقضة ومتعارضة!! ويرى البعض أنه أخذه عن المفهوم الكتابي اليهودي ومن ثم فهو بالنسبة له هو " كلمة الله "، وقال البعض الآخر أنه تأثر بلوجوس الرواقيينlo,goj qeou/ وبنفس معنى " العقل الإلهي " مثال الحكمة الإلهية(56). وقد لخص لنا بعض الدارسين أفكاره كالآتي:

1 - أن الله هو الموجود المطلق " الذي يكون". وهو وحده الموجود بذاته، بدون خليط وبدون تعدد، الواحد والكل. وليس هناك اسم يمكن أن يناسبه وهو الموجود المطلق، أو ببساطة " يكون". وهو غير معروف في طبيعته.

وتقول دائرة المعارف اليهودية نقلا عن كتاباته أنه فيما يختص بعقيدته في الله فهو يتكلم في اتجاهين؛ سلبي وإيجابي، فمن الناحية السلبية يحاول أن يحدد طبيعة الله بالتضاد مع العالم. فهو، فيلو، يمكن أن يأخذ من العهد القديم نظرات محددة فيما يختص بسمو الله على العالم " لأن أفكاري ليست أفكاركم ولا طرقكم طرقي يقول الرب. لأنه كما علت السموات عن الأرض هكذا علت طرقي عن طرقكم وأفكاري عن أفكاركم " (اش55: 8و9)، وعدم استطاعة الإنسان رؤية الله " لأن الإنسان لا يراني ويعيش " (خر33: 20). ولكن بحسب المفهوم السائد في العهد القديم فالله يعمل باستمرار في العالم، ومليء بالغيرة ويتحرك بالتوبة ويأتي لمساعدة شعبه؛ ولذا فهو مختلف كلية عن الإله الذي يقدمه فيلو. وفيلو لا يعتبر أن الله مثيل بالسماء ولا بالعالم ولا بالإنسان؛ فالله بالنسبة له لا يوجد لا في الزمان ولا في الفراغ؛ وليس له صفات إنسانية ولا عواطف. حقا فهو بدون صفات وبالتالي فلا اسم له ولهذا السبب لا يمكن أن يدركه الإنسان، وهو لا يمكن أن يتغير ودائما على نفس حاله، ولا يحتاج لكائن آخر، ومكتف بنفسه، ولا يمكن أن يزول وهو ببساطة الموجود، وليس له أي علاقة مع أي كائن آخر(57).

2 - وخارج الله توجد المادة وهى لا شكل لها، في حالة لا تكون، وجوهرها شر. ولا يمكن لله الكائن الكامل أن يوجد في صلة مباشر مع الفساد وعدم الإحساس، مع المادة التي لا شكل لها ولذلك فهو لم يخلق العالم بشكل مباشر.

ومن هنا جاءت فكرة المبدأ المتوسط بين الله والمادة – العقل الإلهي، اللوجوس الذي تتضمن فيه كل الأشياء المحدودة، والذي خلق العالم المحسوس بأن جعل هذه الأفكار تتخلل المادة وتنفذ فيها.

وتقول دائرة المعارف اليهودية: " ولأن فيلو وصف المادة والعالم المادي كشر فقد وضع الله خارج العالم. ومن هنا أضطر أن يفصل من الكائن الإلهي الأنشطة التي كان من الواجب أن تكون في العالم وحولها إلى قوات إلهية، هذه القوات كان يقال أنها داخل الله وفي أحيان أخرى يقال أنها خارج الله. هذا الفكر تشكل من العناصر المختلفة التي للفلسفة اليونانية والمفاهيم الكتابية بل النظرات الوثنية إلى جانب اليهودية المتأخرة. وكان فيلو قد استعار من الفلسفة الأفلاطونية مُثل القوات الإلهية والتي عُرفت كأنماط أو نماذج لأشياء حقيقة (المُثل الأولية)، كما أخذ بعض أفكار الفلسفة الرواقية مثل القوات التي اعُتبرت كالأسباب الضرورية والتي لا تمثل النماذج فقط بل تنتجها وتأتي بها أيضاً. فقد ملئت هذه القوات كل العالم وفي داخلهم أحتوى كل كائن وكل الأشياء المتفردة.

وحاول فيلو أن يعمل تناغم وانسجام بين هذه المفاهيم والكتاب المقدس بتوصيفه هذه القوات كملائكة. كما تأثر فيلو بما جاء في أسفار الأنبياء وكتابات ما بين العهدين الرؤوية بما فيها من ظهورات لله جالسا على العرش وحوله الكاروبيم، قوات الله الجوهرية.

وقد اعتبر فيلو هذه القوات في مجموعها أيضاً وعاملها ككائن مفرد مستقل وصفه باللوجوس. وكان مفهوم فيلو عن اللوجوس متأثرا بهذه المدارس الفلسفية، فقد استعار من هيراقليطس مفهوم " اللوجوس الإلهي " الذي يدعو كل المواضيع المختلفة للوجود وذلك بمزج المتضادات. واستعار من الرواقيين وصف اللوجوس كالقوة الفاعلة والحيوية، واستعار من العناصر الأفلاطونية " مثال المثُل Idea of Ideas " والفكرة الأولية.

وذلك إلى جانب العناصر الكتابية حيث توجد فقرات كتابية فيها كلمة يهوه التي تعمل كقوة مستقلة وموجودة بذاتها مثل " هكذا تكون كلمتي التي تخرج من فمي. لا ترجع إليّ فارغة بل تعمل ما سررت به وتنجح فيما أرسلتها له " (اش55: 11)، ومثل هذه الآيات كشفت عن عقيدة الكلمة الإلهي خالق الكون، كما بينا أعلاه. كما استعار فيلو من الأسفار النبوية الرؤوية صورة العرش الإلهي ومركباته والبهاء والمجد الإلهي والشاروبيم واسم الله وأسماء الملائكة أيضاً، وذلك في تفصيل وإحكام عقيدته في اللوجوس. ومن ثم فقد دعى اللوجوس ب "رئيس الملائكة ذو الأسماء الكثيرة "، والقائد، و " اسم الله " أيضاً، و "أدم السمائي " والإنسان، وكلمة الإله الأبدي. كما وصف اللوجوس أيضاً ب " الكاهن الأعلى " وذلك في إشارة إلى المكانة العالية التي كان يحتلها رئيس الكهنة بعد السبي كالمركز الحقيقي للولاية اليهودية. فاللوجوس عنده مثل رئيس الكهنة، مكفر الخطايا والوسيط والمدافع.

ولكي يربط فيلو عقيدته هذه بأسفار العهد القديم فقد بني فكره أولياً على ما جاء في (تك1: 27) " فخلق الله الإنسان على صورته.على صورة الله خلقه "، ليصور العلاقة بين الله واللوجوس. وقد ترجم هذه الآية كالآتي: " فعمل الإنسان على صورة الله". مستنتجا من ذلك أن لله صورة موجودة، وقال أن صورة الله هي نموذج لكل الأشياء الأخرى " الفكرة الأولية – لأفلاطون "، ختم طبع على كل الأشياء. وقال أن اللوجوس نوع من الظل منبعث بواسطة الله، له كل الخطوط العريضة ولكن ليس النور المحتجب للكائن الإلهي(58).

وتلخص لنا الدكتورة أميرة حلمي جوهر تعليمه كالآتي: أن يهوه اله اليهود الذي امن به فيلو هو الإله المفارق للعالم المحسوس وهو الإله المتعالي اللامتناهى في صفات الكمال التي لا يمكن أن تحدد أو تحصر في عدد معين، لذلك فهو لا يمكن وصفه إلا بالسلب. غير أنه لفرط علوه عن العالم ولعظم الهوة التي تفصله عنه، لا يؤثر مباشرة في العالم، بل يؤثر عن طريق وسائط أو قوى إلهية. هذه الوسائط يختلف بعضها عن بعض بحسب الأعمال التي تقوم بها ولها أنواع أربعة، أولها وأهمها هي: الكلمة أو " اللوجوس "(59).

كما يوضح لنا البير ريفو فكره أيضا بقوله: أن الله واحد، وأنه قادر تام القدرة، وأنه لا نهاية له، وأنه الموجد لجميع الخلائق، وعنه تصدر بنوع من الإشعاع المنتشر في الكون، السلسة الهائلة الشاملة لشتى الخلائق، من ملائكة وجن وبشر وحيوان ونبات. وفيه نفسه المبدأ الأول لكل حياة، وبه يرتبط برباط الضرورة، كل ما هو كائن. والابتعاد عنه أنما هو ذهاب نحو العدم والموت. والاقتراب منه معناه الفوز بالحياة والوجود والكمال. وفي كل شيء جزئي خاص يوجد، حينئذ، شبه شرارة صغيرة أو كبيرة من مركز الضوء الإلهي. ومجموع هذه الأضواء الجزئية المنتشرة في الكون هي العقل أو " اللوجوس " التي تكون تحت مرتبة الله شبكة متشعبة معقدة من الإدراك الواضح ومن الحياة(60).

أي أنه إلى جانب الله فقد تحدث فيلو عن وجود وسيط بين الله والعالم هو العقل الإلهي أو اللوجوس الذي يحتوى على مثل أو أفكار الأشياء المحدودة. وقال أن الله المطلق محاط بقواته (dunamies) كما يحاط الملك بحاشيته. هذه القوات في لغة أفلاطون هي " المُثل "، وفي لغة اليهود هي " الملائكة "، ولكن جميعها في جوهرها واحد، ووحدتها من حيث هي توجد في الله وجميعها تصدر عنه، وهى تنتشر في العالم، ويعبر عنها باللوجوس. وعلى ذلك، فاللوجوس يبدو على وجهين:

1 - من حيث هو عقل الله الباطن، ويحوى في داخله مثال العالم، وهو – بينما لا وجود خارجي له – يشبه العقل الباطن في الإنسان، ويدعوه فيلو Logos endiathetos.

2 - من حيث هو الكلمة المقولة الصادرة عن الله وتظهر في العالم، وذلك عندما خرج اللوجوس من الله في خلقه العالم، ويدعوه فيلو Logos prophorikos أي اللوجوس المنطوق أو المسموع، كما هو الحال عند الإنسان، فأن الكلمة المقولة هي إظهار الفكر.

وبالنسبة للوجه الأول للوجوس، فأن اللوجوس يكون واحدا مع الكيان الإلهي غير المرئي. وبالنسبة للوجه الثاني، فأن اللوجوس يحيط بكل أعمال وإعلانات الله في العالم، ويقدم من نفسه الأفكار والقوى التي بها تمت صياغة العالم وتدعيمه. وهو الذي يملأ جميع الأشياء بالنور الإلهي والحياة، ويحكم الأشياء بالحكمة والمحبة والعدالة. أنه بداية الخليفة وهو الابن الأكبر للآب الأزلي (والعالم هو الابن الأصغر). هو صورة الله والوسيط بين الله والعالم، وهو الملاك الأعلى والإله الثاني.

وعلى ذلك فأن فكرة فيلو عن اللوجوس، تتبلور في أن اللوجوس هو الممارسة الحرة للقوة الإلهية جميعها. وهكذا فأن الله، إلى هذا الحد الذي يكشف فيه عن نفسه، يسمى " لوجوس " ثم أن اللوجوس، إلى هذا الحد الذي يعبر فيه عن الله، يسمى الله.

ونظرا لغموض فكر فيلو هذا فقد تناول كثير من الباحثين شرح مفهوم اللوجوس عنده، مع محاولة تحديد المصدر الذي يمكن أن يرد إليه فكر فيلو هذا عن اللوجوس، فمنهم من التمس المصدر عند هيراقليطس ومنهم من رده إلى أصول فيثاغورية أو رواقية أو أفلاطونية.

ومن دراسة الدارسين لفكر فيلو أتضح لهم أنه من المحال أن تكوّن أقواله هذه مذهبا منسجما، لأنها زئبقية لا ثبات فيها ولا استقرار، على ما فيها من جفاء وجدب، وعلى الخصوص مسألة اللوجوس التي تظهر في مجموعة من المناظر المختلفة التي تتعارض مع عقلنا: فتارة تبدو وكأنها شخصية متمايزة وك " ابن " الله، وتارة تبدو كأنها مجموعة من العقول الخاصة، وتارة تنطبق على الحكمة الإلهية التي تفيض عنه. وأيضاً مسالة الله عند فيلو، فهو مرة يصوره، لنا مساويا للمبدأ الخالد الذي لا يدنو منه شيء ولا يحاكيه في علمه شيء، ومرة يصوره لنا مساويا للرحمة السامية، وأخرى مساويا للخالق اللامتناهى القدرة. أنها أقوال مجردة من كل نظرة شاملة ومن كل تلخيص محدد. أنها أراء متوالية متفككة تثير الضجر، يتخللها بين الحين والحين برق خاطف من العاطفة والتقوى(61).

ويمكن أن نخرج من فكر فيلو بما يلي:

U أن اللوجوس أشبه بمثل أفلاطون إذ هو النموذج الذي يخلق الله العالم على مثاله. ويصفه بكل صفات الكمال من حق وخير وجمال.

U أما عن صلته بالله، فهو واسطة إلى الخلق ورسول إلى الناس، وهو أيضاً الذي ينقل إليه تضرعاتهم، فهو ابن الله ورسوله، وهو وسيلة في خلق العالم.

U أما الوسائط الأخرى التي تصورها فيلو بين الله والعالم إلى جانب اللوجوس، فهي القوى الإلهية: قوة الخير في الله التي يتم بها إيجاد العالم. وقوة القدرة التي يسيطر بها على العالم فهي قوة خيرة خلاقة، وهى أيضاً قوة حاكمة تنزل العقاب لتحقيق سيادة الله على خلقة، وهى أيضاً الحكمة التي يتحد بها الله لينتج عن اتحاده بها العالم. وكثيرا ما يرمز لهذه الحكمة الإلهية بأنها أم العالم، وقد تتصف بأنها زوج الإله.

ومن هذه الوسائط أيضاً الملائكة، وهى فكرة أخذها فيلو من اليهودية. وكذلك الجن والأرواح، فمنها النارية والأثيرية، وكلها تنفذ أوامر الله.

---

(48) هذا الجزء رجعنا فيه بصفة أساسية للمراجع التالية:

Vencent,s Word Studies Of The New Testament. Vol.ii. pp.24-30.

Gerhard Kittel Theological Dictionary Of The New Testament. Vol. iv. Pp77-87.

http://en.wikipedia.org/wiki/Logos

Gerhard Kittel Theological Dictionary Of The New Testament. Vol. iv

Jewish Encyclopedia

Rev. J. S. Johanston, The Philosophy Of The Fourth Gospel

Jacob Bryant. Sentiments Of Philo Judeus

د. موريس تاوضروس، اللوجوس ص 68-75.

(49) Vencent,s Word Studies Of The New Testament. Vol.ii. pp.24-30

Kittel Theological Dictionary Of The New Testament. Vol. iv. Pp88-90

(50) George B. Stevens. The Johannine Theology. P. 83, 84

(51) http://www.earlyjewishwritings.com/text/philo/book16.html

(52) http://www.earlyjewishwritings.com/text/philo/book4.html

(53) http://www.earlyjewishwritings.com/text/philo/book21.html

(54) http://www.earlyjewishwritings.com/text/philo/book16.html

(55) http://www.thevineone.org/download/rico/The_Memra_of_YHVH_English.ppt

(56) Kittel vol. iv. Pp. 88-89.

(57) Jewish Encyclopedia, Philo Judaeus.

(58) Jewish Encyclopedia. Philo Judaeus.

(59) د. موريس تاوضروس، اللوجوس ص 72.

(60) المرجع السابق.

(61) د. موريس تاوضروس، اللوجوس، والفلسفة اليونانية، أصولها وتطوراتها – ترجمة الدكتور عبد الحليم محمود وأبو بكر زكرى ص 259، 260.

4- الكلمة (o` lo,goj - Logos) كما جاء في الإنجيل للقديس يوحنا

وعلى عكس ما جاء في الفلسفة اليونانية وفلسفة فيلو عن اللوجوس فقد كتب القديس يوحنا بالروح القدس عن اللوجوس الإلهي، كلمة الله الذي من ذات الله وفي ذات الله، نطق الله العاقل وعقله الناطق. فقد كان القديس يوحنا هو التلميذ الحبيب " التلميذ الذي كان يسوع يحبه " (يو19: 26؛ 20: 2؛ 21: 7)، وهو الذي اتكأ على صدر المخلص " التلميذ الذي كان يسوع يحبه وهو أيضا الذي اتكأ على صدره وقت العشاء " (يو21: 29)، " فاتكأ ذاك على صدر يسوع " (يو13: 25)، ومن ثم فقد كان هو التلميذ المحبوب القريب من قلب الرب يسوع المسيح والذي ركز على حوارات الرب يسوع المسيح مع الكتبة والكهنة والفريسيين والتي أشار فيها كثيرا إلى لاهوته وتجسده. وقد عرف القديس يوحنا من خلال أحاديث الرب يسوع المسيح وحواراته مع هؤلاء في الهيكل أنه، الرب يسوع، هو " الكلمة "، " كلمة الله الأزلي الذي لا بداية له ولا نهاية "، وأنه " الله " أو " الكائن الإلهي "، و " الابن الذي من نفس جوهر الله الآب "، وأنه " الحياة "؛ " فيه كانت الحياة والحياة كانت نور الناس " (يو1: 4)، و " معطي الحياة "؛ " الذي يؤمن بالابن له حياة أبدية " (يو3: 36)، " الحق الحق أقول لكم من يؤمن بي فله حياة أبدية " (يو6: 47)، وأنه " نور العالم " (يو8: 12)، " النور الذي يضيء في الظلمة " (يو1: 5)، " أنا قد جئت نورا إلى العالم حتى كل من يؤمن بي لا يمكث في الظلمة " (يو12: 46)، و " الابن الوحيد الجنس الذي في حضن الآب " (يو1: 18)، والذي " من الآب "؛ " كما لوحيد من الآب " (يو1: 14)، وأنه " ابن الله "؛ " ونحن قد آمنّا وعرفنا انك أنت المسيح ابن الله الحي " (يو6: 69)، و " ابن الله الوحيد "؛ " الابن الوحيد الذي هو في حضن الآب " (يو1: 18)، " بهذا أظهرت محبة الله فينا أن الله قد أرسل ابنه الوحيد إلى العالم لكي نحيا به " (1يو4: 9)، الموجود قبل يوحنا المعمدان " هذا هو الذي قلت عنه يأتي بعدي رجل صار قدامي لأنه كان قبلي " (يو1: 30)، والموجود قبل إبراهيم: " قبل أن يكون إبراهيم أنا كائن " (يو8: 58)، والموجود " قبل الخليقة كالخالق "؛ " كان في العالم وكوّن العالم به ولم يعرفه العالم " (يو1: 10)، والموجود في الذات الإلهية، في ذات الآب " أنا في الآب والآب فيّ " (يو14: 10و11)، والذي يتبادل المجد المتساوي مع الآب " والآن مجدني أنت أيها الآب عند ذاتك بالمجد الذي كان لي عندك قبل كون العالم " (يو17: 5)، والذي يتبادل الحب الإلهي مع الآب في الذات الإلهية " لأنك أحببتني قبل أنشاء (كون – تأسيس) العالم " (يو17: 24)، والذي يرسل الروح القدس من ذات الآب " ومتى جاء المعزي الذي سأرسله أنا إليكم من الآب روح الحق الذي من عند الآب ينبثق فهو يشهد لي " (يو15: 26)، والذي يعمل كل أعمال الله الآب".لان مهما عمل ذاك (الآب) فهذا يعمله الابن كذلك " (يو5: 19)، " أبي يعمل حتى الآن وأنا اعمل " (يو5: 17)، وبالتالي فهو المساوي للآب في الجوهر بل ومن نفس الجوهر عينه الذي للآب " قال أيضا أن الله أبوه معادلاً (مساوياً) نفسه بالله " (يو5: 18)، والذي ناداه توما " ربي وإلهي " (يو20: 28). كما أدرك القديس يوحنا بالروح أنه " الإله الحق والحياة الأبدية " (1يو5: 20)، وأنه الذي كان من البدء ولكنه تجسد وظهر لنا على الأرض كإنسان " والكلمة صار جسدا وحلّ بيننا ورأينا مجده مجدا كما لوحيد من الآب مملوءا نعمة وحقا " (يو1: 14)، " الذي كان من البدء الذي سمعناه الذي رأيناه بعيوننا الذي شاهدناه ولمسته أيدينا من جهة كلمة الحياة. فان الحياة أظهرت وقد رأينا ونشهد ونخبركم بالحياة الأبدية التي كانت عند الآب وأظهرت لنا. الذي رأيناه وسمعناه نخبركم به لكي يكون لكم أيضا شركة معنا. وأما شركتنا نحن فهي مع الآب ومع ابنه يسوع المسيح " (1يو1: 1-3). وأنه جاء إلى العالم ليبذل نفسه فدية عن حياة العالم " هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية. لأنه لم يرسل الله ابنه إلى العالم ليدين العالم بل ليخلّص به العالم " (يو3: 16و17)، فقد كان " هو بالحقيقة المسيح مخلّص العالم " (يو4: 42)، ومن ثم فقد كتب القديس يوحنا بالروح: " يا أولادي اكتب إليكم هذا لكي لا تخطئوا. وان اخطأ احد فلنا شفيع عند الآب يسوع المسيح البار وهو كفارة لخطايانا.ليس لخطايانا فقط بل لخطايا كل العالم أيضا " (1يو1: 1و2).

كما وصف نفسه بالاسم الإلهي الذي عرّف الله به ذاته وكشف فيه عن كينونته ووجوده الدائم الأزلي الأبدي لموسى النبي عندما سأله، موسى، عن اسمه ومعناه ومغزاه: " فقال الله لموسى أهيه الذي أهيه. وقال هكذا تقول لبني إسرائيل أهيه (hy<ßh.a,(- o` w'n = الكائن) أرسلني إليكم وقال الله أيضا لموسى هكذا تقول لبني إسرائيل يهوه (hw"ùhy> - ku,rioj) اله آبائكم اله إبراهيم واله اسحق واله يعقوب أرسلني إليكم. هذا اسمي إلى الأبد وهذا ذكري إلى دور فدور " (خر3: 13-15). و تعني عبارة " أهيه الذي أهيه – hy<+h.a,(rv<åa] hy<ßh.a,("، " أكون الذي أكون " أو " الكائن الذي يكون "، وترجمت في اليونانية " أنا هو الكائن - evgw, eivmi o` w;n – إيجو إيمي هو أوُن "، ومنها اسم الفاعل " يهوه - hw"ùhy> " والذي ترجم في اليونانية " ku,rioj = رب = Lord". واسم " يهوه " هذا لم يستخدم لغير الله كما يقول الكتاب بلسان الله ذاته: " أنا الرب (يهوه) هذا اسمي ومجدي لا أعطيه لآخر " (اش42: 8). وقد عرف جميع الأنبياء بالروح وآمنوا أن " يهوه " هو اسم الله وحده: " ويعلموا انك اسمك يهوه " (مز83: 18)، " فيعرفون أن اسمي يهوه " (ار16: 21)، " يهوه اسمه " (ار33: 2)، " والرب اله الجنود يهوه اسمه " (هو12: 5)، " يهوه اله الجنود اسمه " (عا4: 13)، " يهوه اسمه " (عا5: 8؛ 9: 6).

وقد أعطى الرب يسوع المسيح لنفسه هذا الاسم مؤكدا أنه هو نفسه " يهوه " الرب الإله " كلمة يهوه: " قال لهم يسوع الحق الحق أقول لكم قبل أن يكون إبراهيم أنا كائن " (يو8: 58). وقد استخدم هنا نفس التعبير " evgw. eivmi, (ego eimi) = أنا كائن أو أكون "، والذي استخدمته الترجمة اليونانية لقول الله عن نفسه: " أنا كائن = evgw, eivmi o` w;n". وقد كرر الرب يسوع المسيح هذا التعبير أو هذا الاسم مرات كثيرة مرتبطا بكونه الإله وكلمة الله:

U " فقال لهم يسوع أنا هو (evgw. eivmi,) خبز الحياة " (يو6: 35).

U " أنا هو (evgw. eivmi,) الخبز الذي نزل من السماء " (يو6: 41).

U " أنا هو (Egw, eivmi) خبز الحياة " (يو6: 48).

U " أنا هو (evgw. eivmi) الخبز الحي الذي نزل من السماء " (يو6: 51).

U " أنا هو (evgw. eivmi) نور العالم " (يو8: 12).

U " أن لم تؤمنوا أني أنا هو (Egw, eivmi) تموتون في خطاياكم " (يو8: 24).

U " متى رفعتم ابن الإنسان فحينئذ تفهمون أني أنا هو (evgw. eivmi)" (يو8: 28).

U " أنا هو (evgw. eivmi) الباب " (يو9: 10).

U " أنا هو (Egw, eivmi) الراعي الصالح " (يو10: 11).

U " أنا هو (evgw. eivmi) القيامة والحياة. من آمن بي ولو مات فسيحيا " (يو11: 25).

U " أقول لكم الآن قبل أن يكون حتى متى كان تؤمنون أني أنا هو (evgw. eivmi) " (يو13: 19).

U " قال له يسوع أنا هو (evgw. eivmi) الطريق والحق والحياة " (يو14: 6).

U " أنا هو (Egw, eivmi) الألف والياء البداية والنهاية يقول الرب الكائن والذي كان والذي يأتي القادر على كل شيء " (رؤ1: 8).

U " لا تخف أنا هو (evgw. eivmi) الأول والآخر " (رؤ1: 17).

U " أني أنا هو (evgw. eivmi) الفاحص الكلى والقلوب " (رؤ2: 23).

U " أنا هو (evgw. eivmi) الألف والياء البداية والنهاية " (رؤ21: 6).

كما تكلم عن كونه الابن من الآب، الذي من الآب والذي في الآب، في حضن الآب والواحد مع الآب في الجوهر، وفي ذات الآب قبل كل خليقة، وعن حقيقة كونه ابن الله، الابن من الآب، هذه الحقيقة التي لا يعرفها أحد ولا يقدر أن يعلن عنها أحد غير الابن ذاته فقال مؤكداً: " كل شيء قد دفع إليّ من أبي. وليس احد يعرف من هو الابن إلا الآب ولا من هو الآب إلا الابن ومن أراد الابن أن يعلن له " (لو10: 22)، أي أن معرفة الآب والابن لا تتم إلا عن طريق الابن، لماذا؟ يعلل هو ذلك بأنه يعرف الآب لأنه منه " أنا أعرفه لأني منه " (يو7: 29)، فهو الذي " من الآب " و " في الآب "؛ " أني أنا في الآب والآب فيّ ... أني في الآب والآب فيّ " (يو14: 10و11)، " الابن الوحيد الذي في حضن الآب هو خبر " (يو1: 18)، والكائن في ذات الآب: " والآن مجدني أنت أيها الآب عند ذاتك بالمجد الذي كان لي عندك قبل كون العالم ... أيها الآب أريد أن هؤلاء الذين أعطيتني يكونون معي حيث أكون أنا لينظروا مجدي الذي أعطيتني لأنك أحببتني قبل إنشاء العالم " (يو5: 17و24)، والموجود قبل كل وجود " قبل أن يكون إبراهيم أنا أكون (كائن) " (يو8: 58)، وكما أعلن عن نفسه: " أنا هو الألف والياء البداية والنهاية " (رؤ21: 6)، " أنا الألف والياء. البداية والنهاية. الأول والآخر " (رؤ22: 13).

كما تكلم عن الآب باعتباره الآتي منه، من الآب، من عند الآب، من ذاته، وغير المنفصل عنه، الواحد معه، والمساوي له في كل شيء، بل واستخدم كلمة " الآب " باستمرار سواء في حديثه عن الله أو في حديثه مع الله بطريقة تؤكد العلاقة الفريدة بين الآب والابن؛ ففي الإنجيل للقديس مرقس (36: 14) ينادي الآب بالتعبير الآرامي " أبا "؛ " يا أبا الآب " الذي يعني " daddy"،أي أباه بصفة خاصة، أبيه الذي هو منه، وهو لقب لم ينادي به أحد الله من قبل (رو15: 8وغل6: 4). ودائما يقول " أبي وأبيكم " (يو17: 20) ولم يقل قط " أبانا". وقد فهم اليهود من أحاديثه عن علاقته الخاصة بالله الآب: " فأجابهم يسوع أبي يعمل حتى الآن وأنا اعمل. فمن اجل هذا كان اليهود يطلبون أكثر أن يقتلوه. لأنه لم ينقض السبت فقط بل قال أيضا أن الله أبوه معادلاً (مساوياً) نفسه بالله. فأجاب يسوع وقال لهم الحق الحق أقول لكم لا يقدر الابن أن يعمل من نفسه شيئا إلا ما ينظر الآب يعمل. لان مهما عمل ذاك فهذا يعمله الابن كذلك. لان الآب يحب الابن ويريه جميع ما هو يعمله. وسيريه أعمالا أعظم من هذه لتتعجبوا انتم. لأنه كما أن الآب يقيم الأموات ويحيي كذلك الابن أيضا يحيي من يشاء. لان الآب لا يدين أحدا بل قد أعطى كل الدينونة للابن " (يو17: 5-22)، " لأنه كما أن الآب له حياة في ذاته كذلك أعطى الابن أيضا أن تكون له حياة في ذاته " (يو26: 5)، ولما قال لهم: " أنا والآب واحد فتناول اليهود أيضا حجارة ليرجموه. أجابهم يسوع أعمالا كثيرة حسنة أريتكم من عند أبي. بسبب أي عمل منها ترجمونني. أجابه اليهود قائلين لسنا نرجمك لأجل عمل حسن بل لأجل تجديف. فانك وأنت إنسان تجعل نفسك إلها " (يو30: 10-33)، " ولكن أن كنت اعمل فان لم تؤمنوا بي فآمنوا بالأعمال لكي تعرفوا وتؤمنوا أن الآب فيّ وأنا فيه " (يو38: 10).

وكان يقول لهم: " لو كنتم قد عرفتموني لعرفتم أبي أيضا. ومن الآن تعرفونه وقد رأيتموه. قال له فيلبس يا سيد أرنا الآب وكفانا. قال له يسوع أنا معكم زمانا هذه مدته ولم تعرفني يا فيلبس. الذي رآني فقد رأي الآب فكيف تقول أنت أرنا الآب. ألست تؤمن أني أنا في الآب والآب فيّ. الكلام الذي أكلمكم به لست أتكلم به من نفسي لكن الآب الحال فيّ هو يعمل الأعمال " (يو7: 14-10)، " الذي يبغضني يبغض أبي أيضا " (يو23: 15). كما يؤكد أن كل ما للآب هو له: " كل ما للآب هو لي " (يو15: 16)، ويخاطب الآب بقوله: " وكل ما هو لي فهو لك. وما هو لك فهو لي " (يو10: 17و11).

ومن ثم فقد عرف القديس يوحنا، التلميذ الذي كان الرب يحبه والذي اتكأ على صدر الرب يسوع المسيح بالروح القدس، وعرف حقيقة لاهوته، وحقيقة كونه الكلمة، اللوجوس، كلمة الله، الذي في ذات الله والذي من نفس طبيعته وجوهره وواحد معه في الجوهر، أي له نفس الجوهر عينه الذي لله الآب، وكشف عنه بالروح القدس لذا لم يتأثر لا بالفلسفة اليونانية ولا بفلسفة فيلو بل بروح الله، روح الرب يسوع المسيح (في1: 19)، فقد عاش بنفسه ورأى وسمع ولمس " الكلمة "، " كلمة الحياة "؛ " الذي كان من البدء الذي سمعناه الذي رأيناه بعيوننا الذي شاهدناه ولمسته أيدينا من جهة كلمة الحياة. فان الحياة أظهرت وقد رأينا ونشهد ونخبركم بالحياة الأبدية التي كانت عند الآب وأظهرت لنا " (1يو1: 1و2).

وقد بدأ القديس يوحنا بالروح القدس مقدمة الإنجيل بقول الوحي الإلهي: " في البدء كان الكلمة والكلمة كان عند الله وكان الكلمة الله. هذا كان في البدء عند الله. كل شيء به كان وبغيره لم يكن شيء مما كان. فيه كانت الحياة " (يو1: 1-3). والكلمة هنا هو الرب يسوع المسيح نفسه حيث يقول في نفس الفقرة " والكلمة صار جسدا وحل بيننا ورأينا مجده مجدا كما لوحيد من الآب مملوء نعمة وحقاً " (يو1: 14)، كما جاء عنه في سفر الرؤيا " ويدعى اسمه كلمة الله " (رؤ19: 13).

والكلمة هنا، في حقيقته وجوهره، يختلف تماما عن الكلمة عند فلاسفة اليونان وعند فيلو اليهودي، كما بينّا أعلاه، فالكلمة عند هؤلاء الفلاسفة، غير واضحة المعالم سواء في تعريفها أو كينونتها. ولكن الكلمة هنا هو الذي كان أصلا مع الله، في ذات الله، بلا بداية، وكان هو الله، والواحد معه في الجوهر والطبيعة، ومع ذلك فهو كأقنوم مميز عن الله الآب. هو مُعلن الله الآب؛ " الله لم يره أحد قط الابن الوحيد الذي في حضن الآب هو خبر" (يو1: 18)، وصورة الله الآب غير المرئي " صورة الله غير المنظور " (كو1: 15)، وهو بهاء مجد الله وصورة جوهره " الذي وهو بهاء مجده ورسم جوهره " (عب1: 2)، والذي كلمنا الله به " كلمنا في هذه الأيام الأخيرة في أبنه " (عب1: 1)، هو الذي خلق كل شيء " الله خالق الجميع بيسوع المسيح " (أف3: 9)، كالمولود من الآب " الابن الوحيد الذي في حضن الآب "، والذي صار جسدا " والكلمة صار جسدا وحلّ بيننا ورأينا مجده مجدا كما لوحيد من الآب مملوءا نعمة وحقا " (يو1: 14). أنه " الكلمة الإلهي الذي في ذات الآب ومن ذات الآب، الكلمة الذي هو الله الابن".

وتعبر الآية الأولى من هذه الفقرة " في البدء كان الكلمة - Ven avrch/| h=n o` Lo,goj " عن وجود، الكلمة، الرب يسوع المسيح السابق وأزليته بصورة رائعة، ويتركز جوهر هذه الأزلية، وهذا الوجود الأزلي الأبدي في ثلاثة عناصر هي: " في البدء " و " كان " و " كل شيء به كان " إلى جانب كونه الحياة " فيه كانت الحياة " فهو معطي الحياة ومانحها. ويأتي اسم الكلمة هنا كفاعل ويتكرر كاسم الفاعل في هذه الفقرة ثلاث مرات، كما يستخدم الفعل " كان " اربع مرات للتعبير عن الكينونة أكثر من التعبير عن الزمن؛ " كان في البدء "، " كان مع الله "، " كان هو الله "، و " هذا كان في البدء عند الله".

(1) في البدء كان - Ven avrch/| h=n - en archee een ": والبدء هنا ليس بدءاً زمنياً، إنما هو بدء ما قبل البدء، أي البدء السابق للخليقة، البدء السابق لعملية الخلق ووجود المخلوقات. فالذي كان في البدء هو الخالق الذي خلق الخليقة " كل شيء به كان " (يو1: 3)، والذي كان قبل الكون، والذي قال عن نفسه أنه كان " قبل كون العالم " (يو17: 5). فهو الخالق الذي كان موجودا قبل الخليقة " الكل به وله قد خلق. الذي هو قبل كل شيء وفيه يقوم الكل " (كو1: 16و17)، " من قبل أن تولد الجبال أو أبدأت الأرض والمسكونة منذ الأزل إلى الأبد أنت الله " (مز90: 2).

وبالرغم أن البدء هنا يلمح إلى البدء في سفر التكوين " في البدء (tyviÞarEB. – براشيت – والذي هو مترجم في اليونانية evn avrch/|) خلق الله السموات والأرض " (تك1: 1)، وبرغم أنه وضع الكلمة (lo,goj) بدلاً من الله (~yhiÞla/ - إيلوهيم) كالخالق، مؤكداً أن الكلمة هو الخالق، فقد خلق الله الخليقة بكلمته " بكلمة الرب خلقت السموات " (مز33: 6)، إلا أن هذا " البدء " هنا، في هذه الآيات، يذهب إلى ما وراء، إلى ما قبل الزمن والخليقة(62)، البدء الذي يسبق بدء التكوين، بدء الخلق. ويستخدم هنا الفعل (كان - h=n - een) من فعل الكينونة (أكون - eivmi,) في الزمن الماضي الناقص، غير التام، والذي يفيد الاستمرار في الماضي إلى الوراء، إلى اللازمن والأبدية، البدء الذي لا يوصل لأي بداية لله أو الكلمة (الابن)، لأن الله لا بدء له. البدء في سفر التكوين هو؛ بدء التكوين، بدء الخلق، بدء عملية الخلق ذاتها، والذي يبدأ من هذه النقطة، الخلق، نازلاً إلى ما بعد ذلك في دورة الزمن. و " البدء " هنا، البدء الذي كان فيه الكلمة موجوداً، هو " بدء " ما قبل البدء، البدء الذي لا بداية له، لا بدء له، الأزل. أنه البدء الذي يذكر وجود الكلمة قبل الخليقة ويرجع للوراء إلى ما قبل الزمن، إلى الأزل الذي لا بداية له، إلى الأبدية. في هذا البدء كان الكلمة موجوداً " في البدء كان الكلمة "، أي أنه هو كائن وموجود وخالق الوجود قبل هذا البدء كما يقول الكتاب: " فانه فيه خلق الكل ما في السموات وما على الأرض ما يرى وما لا يرى سواء كان عروشا أم سيادات أم رياسات أم سلاطين. الكل به وله قد خلق. الذي هو قبل كل شيء وفيه يقوم الكل " (كو1: 16و17).

والكلمة الذي كان في البدء هو الكائن الأزلي الأبدي بلا بداية والذي وصف نفسه بالأول الذي ليس له قبل ولا بداية، قبله لا يوجد شيء، والبداية الذي بلا بداية لها ولا زمن: " أنا الألف والياء. البداية والنهاية. الأول والآخر " (رؤ22: 13)، أو كما نصلي في القداس الغريغوري: " غير المبتدىء الأبدي. غير الزمني. الذي لا يحد". وكما يقول عنه ميخا النبي بالروح القدس " ومخارجه منذ القديم منذ أيام الأزل " (مي5: 2).

يقول هيلاري أسقف بواتييه (315-67/368م): " ما هي قوة هذه الكلمات " في البدء كان الكلمة؟ "، قروناً ولت دهوراً أنقضت، أتخذ أي بدء تشاؤه ومع ذلك لا يمكن أن تشمله بزمن "(63).

ويقول القديس كيرلس عمود الدين في تفسيره لهذه الفقرة: " " في البدء كان الكلمة " لا يوجد ما سبق البدء. إذا ظل البدء بالحق بدءاً، لأن بدء البدء مستحيل، وإذا تصورنا أن شيئاً ما سبق البدء تغير البدء ولم يعد بدءاً بالمرة. وإذا تصورنا أن شيئاً يمكن أن يسبق البدء، فإن اللغة الإنسانية سوف لا تمكننا من الكلام لأن ما سبق البدء هو البدء المطلق والحقيقي ويصبح ما بعد ذلك ليس بدءاً بالمرة.

إذاً لا بدء للبدء حسب دقة المنطق، وتظل حقيقة البدء غير مدركة، لأن إدراكها يجعل البدء يفقد كونه أنه البدء. وحيث أننا مهما عدنا إلى الوراء فأننا نعجز عن الوصول إلى البدء مهما حاولنا، فإن هذا يعني أن الابن لم يخلق بالمرة، بل هو كائن مع الآب لأنه " كان في البدء". وإذا كان في البدء فأين هو العقل الذي يستطيع أن يتخطى كلمة " كان " ويتصور أن الابن جاء إلى الوجود في الزمان، إن كلمة " كان " سوف تظل كما هي " كان " تتحدى وتسبق كل البراهين، بل تجوز أمام كل الأفكار التي تحاول عبثاً أن تدركها.

ليس من الممكن أن نعتبر " البدء " خاصاً بزمان مهما كان، لأن الابن الوحيد هو قبل كل الدهور، والطبيعة الإلهية تغلق حدود الزمن، فهي كما هي لا تتغير حسبما قيل في المزمور عن الله: " أنت هو وسنوك لن تفنى " (مز102: 27)، فالبدء الذي يمكن قياسه بالزمان أو المسافات سوف يتعداه الابن، فهو لا يبدأ في زمان أو مكان بل هو بلا حدود فهو بالطبيعة الله ويصرخ " أنا هو الحياة " (يو14: 6)، ومع أن كل بداية لا يمكن أن تكون بلا نهاية لأن البداية تسمى بداءة من زاوية خاصة وهي وجود نهاية لها، وكذلك النهاية تسمى نهاية بسبب وجود بداية لها. وهذه البداية خاصة بالزمان والمسافة، ففي الزمان والمسافة. البداية تعني نهاية والعكس. أما بالنسبة للابن فالبدء ليس بدءاً زمنياً ولا جغرافياً، فهو أزلي وأقدم من كل الدهور، ولم يولد من الآب في الزمان لأنه " كان " مع الآب، مثل الماء في الينبوع، أو كما قال هو " خرجت من عند الآب وقد أتيت إلى العالم " (يو16: 28). فإذا اعتبرنا الآب المصدر أو الينبوع، فإن الكلمة كان فيه لأنه حكمته وقوته وصورة جوهره وشعاع مجده. وإذا لم يكن وقت كان الآب فيه بلا حكمة وكلمة وصورة وشعاع. فإنه من الواضح أن الابن الذي هو حكمة وكلمة وصورة الآب وشعاع مجده أمر لا يحتاج إلى إقرار منا، فهو أزلي مثل الآب الأزلي، وإلا كيف يوصف بأن صورته الكاملة ومثاله التام، إلا إذا كان له بوضوح ذات الجمال الذي هو على صورته "(64).

(2) و " كان الكلمة - h=n o` lo,goj - een ho logos "، والفعل " كان - ν - een " جاء في الزمن الماضي الناقص، غير التام، الدال على حالة كانت مستمرة في الماضي، ويتضمن هنا في هذه الآيات استمرار الوجود، الوجود المستمر في الماضي. إلا أن الفعل هنا لا يركز على الزمن بقدر ما يركز على كينونة الكلمة الدائمة في ذات الله الآب، فهو في كينونة دائمة خارج الزمن. وهذا يعنى أنه قبل أن يبدأ البدء كان الكلمة موجوداً، ويمكن أن تترجم الآية حرفياً " عندما بدأ البدء كان الكلمة موجوداً هناك "(65)، وهذا يعادل ويساوى القول " الكلمة يسبق الزمن أو الخليقة "(66). فكان هنا تشير إلى الوجود المطلق لارتباطها بالبدء وبالخالق. ومعنى نص الآية كاملاً: أنه في البدء، وقبل الخلق، كان الكلمة موجوداً وهو الخالق ذاته، الذي كان موجوداً من الأزل بلا بداية قبل أن يقوم بعملية الخلق، كان موجوداً، وكان هو العنصر الفعال، الخالق، بدء البدء. وقد بين الرب يسوع المسيح نفسه ذلك عندما خاطب الآب قائلاً: " والآن مجدني أنت أيها الآب عند ذاتك بالمجد الذي كان لي عندك قبل كون العالم ... لأنك أحببتني قبل إنشاء العالم " (يو17: 3و24). وهنا يتكلم عن وجوده السابق لتكوين وخلق العالم والمجد المتبادل بينه وبين الآب، في الذات الإلهية. ويتكرر الفعل " كان – ν - een " في هذه الآية، عن الكلمة، أربع مرات: " في البدء كان (ν) ... الكلمة كان (ν) ... وكان (ν) الكلمة ... هذا كان (ν) في البدء -ou-toj h=n evn avrch/| "، " عند الله pro.j to.n qeo,n".

وفي هذه المرات الأربع تشير إلى ما قبل الخلق والزمن إلى الأزل الذي لا بدء له، إلى الأبدية، فقد " كان - ν " هو في البدء عند الله، و " كان - ν " هو الله، و " كان - ν " قبل وجود الخليقة و " كان - ν " هو الخالق، " كل شيء به كان - pa,nta diV auvtou/ evge,neto "، أي بالكلمة، الرب يسوع المسيح، وكل شيء هنا تعني كل شيء بمفرده واحداً واحداً كقوله: فأنه فيه خلق الكل " (كو1: 15)، و " كان " في هذه الآية " كل شيء به كان " في أصلها اليوناني " evge,neto - egeneto – صار "، وحرفياً " جاء إلى الوجود "، " وبغيره لم يكن شيء مما كان (صار جاء إلى الوجود egeneto)؛ أي كل شيء به جاء إلى الوجود " به تكون كل شيء، وبغيره لم يتكون أي شيء مما تكون". إذاً، فهو الذي كان " موجوداً "، والخليقة لم تكن قد جاءت إلى الوجود، فهو الخالق، الذي خلق الخليقة؛ " كل شيء به كان (صار - جاء إلى الوجود) "، و " بغيره لم يكن شيء مما كان – صار (جاء إلى الوجود)".

يقول القديس إيريناؤس أسقف ليون " هل أنت أيها الإنسان كائن غير مخلوق وهل كنت موجودا مع الله دائماً كما كان كلمته "(67).

و " الكلمة – lo,goj هنا كما يؤكد الوحي الإلهي هو الرب يسوع المسيح، نبع الحياة ومصدرها بقوله " فيه الحياة كانت - evn auvtw/| zwh. h=n. " (يو1: 4)، فهو معطى الحياة للخليقة سواء كانت مادية (جسمانية) أو أخلاقية، وهو معطى الحياة الأبدية لكل من يؤمن به.

هو مصدر ونبع الحياة ومبدأها. وهذا ما عبر عنه القديس يوحنا الرسول بالروح القدس بقوله: " الذي كان من البدء (O h=n avpV avrch/j - ho een apo' archis arxis)، الذي سمعناه الذي رأيناه بعيوننا الذي شاهدناه ولمسته أيدينا من جهة كلمة الحياة. فان الحياة أظهرت ونشهد ونخبركم بالحياة الأبدية التي كانت عند الآب وأظهرت لنا " (1يو1: 1و2).

(3) " وكان الكلمة عند الله - kai.. o` lo,goj h=n pro.j to.n qeo,n ": وهنا يستخدم تعبيران " وكان الكلمة - kai.. o` lo,goj h=n " و " عند الله – Θεόν τὸν πρὸς "؛ فيستخدم نفس الفعل " كان - h=n een " الناقص، أي أنه كان عند الآب أو مع الآب بلا بداية، كما يستخدم حرف الجر " عند – pro.j pros "، وهذا الحرف المستخدم هنا " pro.j pros " لا يعني مجرد قرب بل علاقة شخصية حميمة، فيقول أحد العلماء " pro.j ... تعني أكثر من مجرد " مع "، وهي مستخدمة بانتظام للتعبير عن حضور شخص مع أخر(68). أي أن المعنى هنا هو أن الكلمة كان " عند " الله وهذا يؤكد المساواة بين الآب والابن في الوجود والجوهر. والذي يعني مع الله، في ذات الله، فالكلمة، كلمة الله، الرب يسوع المسيح " كان - h=n een " عند الله الآب، كان من البدء عند الله الآب، كان بلا بداية، من الأزل، كان أبداً، فهو الحياة الأبدية، الذي كان قبل كل شيء وهو الذي كون، خلق أوجد كل شيء هو الذي جاء بكل شيء إلى الوجود، خلق كل شيء(69).

يقول القديس كيرلس عمود الدين: " لندرك حذر هذا الذي حمل الروح في داخله، لقد كتب أن الكلمة كان " في البدء - evn avrch "، أي " في الله الآب "، ولكن لأن عين ذهنه قد استنارت، لم يجهل أن البعض سوف يقومون بجهل شديد ليدعوا أن الآب والابن واحد وأنهما غير متمايزين إلا في الأسماء فقط، وأنه وليس في الثالوث أقانيم. وتمايز الأقانيم يعني أن الآب هو فعلاً آب وليس أبناً وكذلك الابن هو ابن وليس أباً، حسب كلمة الحق ...0 وضد هذه الهرطقة يسلح نفسه لكي يقضى عليها ويهاجم من جانب بقوله " في البدء كان الكلمة " ثم يهاجم من جانب آخر بقوله " والكلمة كان عند الله " وفي كلتا العبارتين استخدم فعل " كان " لضرورة تأكيد أن ميلاده كان أزلياً. وبقوله " والكلمة كان عند الله " أكد أنه متمايز وأقنوم آخر غير أقنوم الآب الذي معه الكلمة.

والذين ينكرون الأقانيم لا يدركون أن الواحد الذي بلا أقانيم لا يمكن أن نقول أنه " معه " أو كان " معه"، فهو وحده بذاته. هذا الأمر يستدعي مناقشة الهرطوقي لكي يدرك أن ادعاءه لا يتفق مع المعرفة الصحيحة وسوف نعلم في المقاطع التالية من خلال أسئلة واضحة ومحددة خطأ الهراطقة ...

الابن هو من الجوهر نفسه مع الآب، والآب هو من الجوهر نفسه مع الابن، وكلاهما مساوي ومثل الآخر تماماً بلا تغيير حتى أننا نرى الآب في الابن، والابن في الآب. وكلاهما يشرق من خلال الآخر مثلما قال المخلص نفسه " الذي رآني فقد رأي الآب، وأنا في الآب والآب فيَّ " (يو14: 9، 10). ومع أن الابن في الآب والآب في الابن وهو مثل الآب الذي ولده تماماً في كل شيء، ويعلن الآب في ذاته بلا نقص، إلا أن هذا لا يعني أن الابن فقد أقنومه المتميز، ولا أن الآب فقد أقنومه الخاص به، فالتماثل التام بين الأقانيم لا يعني اختلاط الأقانيم حتى أن الآب الذي منه يولد الابن يصبح بعد ذلك أبناً، ولكن الطبيعة الإلهية الواحدة نفسها هي للأقنومين مع تمايز كل منهما حتى أن الآب هو الآب والابن هو الابن وأيضاً الروح القدس يحسب معهما إلهاً مثل الآب والابن "(70).

(4) ثم يقول " وكان الكلمة الله – kai. qeo.j h=n o` lo,goj أي أن الكلمة هو نفسه الله. وقد أفترض البعض بناء على ما زعمه آريوس وما ترجمه شهود يهوه لقوله في هذه العبارة، والتي ترجموها " وكان الكلمة إلهاً " على أساس أن كلمة " الله – qeo.j " هنا لا تسبقها أداة تعريف "، أي أن الكلمة هو إله بمعنى أنه ليس من جوهر الله بل أقل من الله وتالي له!! وهنا يقول العلماء، علماء اللغة واللاهوت:

تأتي كلمة " الله - qeo.j - theos " الأولى في هذه الآية " وكان الكلمة عند الله " معرفة بأداة التعريف " to.n qeo,n والتي تجعل الاسم يشير إلى الشخص، إلى شخصيته، وهذا غير موجود أمام theos الثانية الخاصة بالكلمة " وكان الكلمة الله - kai. qeo.j h=n o` lo,goj "، وهذا صحيح، ولكن يقول العلماء: " عندما وضعت أداة التعريف أمام كلمة ثيؤس (qeo.j - theos "؛ " to.n qeo,n "، الأولى قصد بها شخص الآب، وعندما لم توضع أداة التعريف أمام كلمة ثيؤس " qeo.j - theos " الخاصة بالكلمة " وكان الكلمة الله - kai. qeo.j h=n o` lo,goj " قصد الجوهر الإلهي ذاته "(71). أي أنه هنا يقصد أن الكلمة هو من نفس جوهر الله الآب ذاته، فهو الله، الكلمة. وهنا فرق بين أنه قصد الشخصية في الأولى وقصد الجوهر في الثانية، فالكلمة، الابن، في الذات الإلهية ليس هو الآب، بل هو في حضن الآب " الابن الوحيد الذي في حضن الآب " (يو1: 18)، وواحد مع الآب " أنا والآب واحد " (يو30: 10)، ومن ذات الآب " أنا في الآب والآب فيّ " (يو14: 10)، وفي ذات الآب ومن جوهر الآب، من نفس جوهر الآب، إذا فعندما يقول " وكان الكلمة الله " يركز على جوهره الإلهي وأنه من نفس جوهر الآب.

كما أن في قوله " وكان الكلمة الله - kai. qeo.j h=n o` lo,goj "، يقول علماء اللغة أن الفاعل هنا ليس هو " الله qeo.j qeo.j " بل " الكلمة - o` lo,goj " لذا وضع أداة التعريف أما الكلمة " o` lo,goj " لأنه الفاعل، فالكلمة مبتدأ والله خبر الجملة، ومن هنا فقد كان يعني أنه في لاهوته مثل الله الآب ومن نفس جوهره " He was the same as God "، وأيضا: " the Word was fully God".

كما أن هذا الإدعاء الكاذب مبني أساساً على فكر شهود يهوه المنحرف المثيل بفكر آريوس ومن تبعوه الذين اعتمدوا على الأسلوب الجدلي السفسطائي وتركوا الحق الإلهي فسقطوا في أخطاء لاهوتية ولغوية كثيرة جداً!!

1 – لأن في تركيب الجملة اليوناني في قوله " وكان الكلمة الله - kai. qeo.j h=n o` lo,goj " التعريف يكون لفاعل الجملة (the subject) ... وهو هنا " الكلمة - ο λογος - The Logos " وعليها يقع التعريف وليس كلمة " الله - qeo.j".

2 – كما أن هناك في اليونانية ما يسمى بقاعدة كولويل وتعريفها أن حالة الرفع عندما تأتي خبراً في الجملة (predicate nominative) يعرف بال التعريف إذا جاء، الاسم، بعد فعله، أما إذا جاء قبل فعله فلا يحتاج إلى أداة التعريف (وهنا يكون من الممكن وضعها أو عدم وضعها)، ويظل معرفا سواء بها أو بدونها. وهذا ينطبق على كلمة " qeo.j – الله - God " التي تسبق الفعل " h=n – كان " في الآية الأولى من يوحنا.

3 – وهناك ما يعرف بالاسم الكيفي (qualitative) أو الوصفي، وهذا الاسم لا يحتاج إلى أداة تعريف قبله، وهو هنا في هذه الفقرة " الله " لأنه يعطي للكلمة صفته ووصفه كالله.

ومن هنا فقد وردت في الترجمات اللاهوتية كالآتي:

In the beginning, the Word was existing

And the Word was in fellowship with God the Father

And the Word was as to His essence absolute deity

" في البدء كان الكلمة موجوداً. وكان الكلمة مع الله الآب. وكان للكلمة نفس جوهر لاهوته المطلق".

In the beginning the Word already existed

The Word was with God, and the Word was God

" في البدء كان الكلمة موجودا، وكان الكلمة عند الله، وكان الكلمة الله".

In the beginning was the one who is called the Word. The Word was with God and was truly God.

في البدء كان الذي يدعى الكلمة، وكان الكلمة عند الله وكان (الكلمة) إلها حقيقياً.

At the beginning God expressed himself. That personal expression, that word, was with God, and was God, and he existed with God from the beginning

في البدء عبر الله عن نفسه، وهذا التعبير الذاتي، الكلمة، كان عند الله، وكان الله، وكان موجودا مع الله منذ البدء.

In the beginning was the Word, and the Word was with God and the Word was fully God

في البدء كان الكلمة، وكان الكلمة عند الله، وكان الكلمة كاملاً في لاهوته.

THE Logos existed in the very beginning, the Logos was with God, the Logos was divine

كان الكلمة موجودا منذ البدء الباكر، وكان الكلمة عند الله، وكان الكلمة إلهياً.

in principio erat Verbum et Verbum erat apud Deum et Deus erat Verbum

وتقول الترجمة اللاتينية، الفولجاتا: " في البدء كان الكلمة (الفعل) وكان الكلمة عند الله وكان الله هو الكلمة "، واستخدمت الترجمة هنا تعبير " Verbum " والذي يعني في اللاتينية " الكلمة و العقل والفعل "(72)، من منطلق أن الكلمة هو الفاعل أو الخالق والخالق هو الله الذي خلق كل شيء بكلمته " كل شيء به كان " (يو1: 3)، " الكل به وله قد خلق. الذي هو قبل كل شيء وفيه يقوم الكل " (كو1: 16و17).

أما الترجمة القبطية والتي يعول عليها شهود يهوه فتقول:

ϧⲉⲛ ⳿ⲧⲁⲣⲭⲏ ⲛⲉ ⲡⲓⲥⲁϫⲓ ⲡⲉ ⲟⲩⲟϩ ⲡⲓⲥⲁϫⲓ ⲛⲁϥⲭⲏ ϧⲁⲧⲉⲛ ⲫϮ ⲟⲩⲟϩ ⲛⲉ ⲟⲩⲛⲟⲩϮ ⲡⲉ ⲡⲓⲥⲁϫⲓ.

في البدء كان الكلمة والكلمة كان عند الله وكان الكلمة إلها " ويقول علماء اللغة القبطية أن الترجمة استخدمت هنا كلمة " ⲟⲩⲛⲟⲩϮ - أونوتي " والتي تعني الإله كطبيعة، " اللاهوت "، أي وكان الكلمة إلهيا له نفس لاهوت الآب.

ومن ثم يقول القديس كيرلس عمود الدين: " ليس فقط بأن " الكلمة عند الله " بل " وكان الكلمة الله " لكي تعلن وجوده مع الله وتمايزه عن الآب وأنه أقنوم آخر غير أقنوم الآب، ولكن في نفس الوقت الله، ومن الجوهر نفسه الذي للآب وهو منه بالطبيعة لأنه إله من إله. لأنه من غير المعقول أن يكون اللاهوت واحداً ولا يكون هناك تماثل تام في الصفات الإلهية بين الأقانيم أو أن لا تكون الأقانيم متساوية، لذلك يقول عن الابن أنه " كان الله " ولم يصبح كذلك في وقت معين، بل كان دائماً وأزلياً الله، لأن ما يحدث في الزمان أو ما لا وجود أزلي له، ثم يوجد بعد ذلك، لا يكون إلهاً بالطبيعة.

فإذا كان الكلمة موجوداً منذ الأزل " بكلمة كان " ومساوً للآب في الجوهر لأنه الله، فمن ذا الذي يشك في ألوهيته ولا يحل به العقاب. أو من يظن أنه أقل من الآب أو مختلف عن الآب الذي ولد منه، فمن لا يرتعد من هذا الانحدار في الكفر ويتجاسر وينطق بهذه الأمور للآخرين وهم " لا يفهمون ما يقولون ولا ما يقررونه " (1تي 1: 7)(73).

(5) كما أن هناك حقيقة جوهرية وهي أن كلمة " الله – qeo.j - God " والتي تعني الله ذاته، لا يأتي دائما قبلها أداة تعريف بل وردت في حالات كثيرة بدون أداة تعريف وكانت تعني الله، الذات الإلهية، وليس مجرد " إله " وترجمت في جميع الترجمات " الله – God". وفيما يلي نذكر أربعة أمثلة من عشرات الأمثلة في العهد الجديد لكلمة " الله – qeo.j - God " التي أتت غير معرفة بأداة التعريف (ο, η, τό) تؤكد هذه الحقيقية:

(1) " وأما الله فما سبق وأنبأ به بأفواه جميع أنبيائه أن يتألم المسيح قد تممه هكذا " (أع3: 18)، وهنا يستخدم " o` de. (also) qeo.j – الله أيضاً "، بدون أداة تعريف.

(2) " والله العارف القلوب شهد لهم معطيا لهم الروح القدس كما لنا أيضاً " (أع15: 8). وتأتي كلمة " الله " هنا (kai. o` kardiognw,sthj qeo.j) وعبارة " kai. o` kardiognw,sthj "، تعني " العارف القلوب – heart knower". وقد ترجمها شهود يهوه في العربية " أما الله " (ص 223) وفي الإنجليزية " God has fulfilled " (1184)، ولم يترجموها " إله أو a god " لأنه لم تسبقها أداة تعريف.

(3) " ولكن أن كان أثمنا يبيّن بر الله فماذا نقول ألعل الله الذي يجلب الغضب ظالم " (رو3: 5)، وهنا تترجم كلمة " qeou/ dikaiosu,nhn " التي وردت فيها كلمة " الله - qeou " بدون أداة تعريف " الله " وليس " إله – a god". وترجمتها ترجمة شهود يهوه " بر الله – God righteousness,s " ولم تترجمه " إله أو a god " لأنه لم تسبقها أداة تعريف.

(4) " من سيشتكي على مختاري الله. الله هو الذي يبرر " (رو8: 33)، وقد وردت كلمة " الله " هنا بدون أي أداة تعريف: " evklektw/n qeou/". وقد ترجمها شهود يهوه " مختاري الله، الله هو – God,s Chosen ones? God is The One "، هكذا " الله " وليس " إله أو a god "(74).

كما قام شهود يهوه في ترجمتهم المعروفة بترجمة العالم الجديد سواء الإنجليزية أو العربية بترجمة العديد من الآيات تضم كلمة " الله " التي وردت بدون أداة تعريف، خاصة في حالة الإضافة حيث يأتي المضاف إليه بدون أداة تعريف، وترجموا " الله - God " وليس " إله - a god "، وفيما يلي خمسة أمثلة من هذه الآيات كما ترجموها في ترجمتهم العربية والإنجليزية:

(1) " من بولس، عبد يسوع المسيح المدعو ليكون رسولا، والمفرز لبشارة الله " (رو1: 1)، والتي وردت في اليونانية " euvagge,lion qeou/ "، وترجموها في الإنجليزية " God,s good news "، أي ترجموها " الله - God " وليس " إله - a god".

(2) " إلى جميع من هم في روما من أحباء الله " (رو1: 7)، و " الله " في اليونانية " avgaphtoi/j qeou/ " بدون أداة تعريف، وترجموها في الإنجليزية " God,s beloved ones".

(3) " لأني لا أخجل بالبشارة؛ أنها قدرة الله للخلاص " (رو1: 16)، وهي في اليونانية " du,namij ga.r qeou/ "، قدرة الله أو قوة الله، بدون أداة تعريف، وترجموها في الإنجليزية " God,s power".

(4) " فأنه فيه يكشف بر الله " (رو1: 17)، والتي وردت في اليونانية " dikaiosu,nh ga.r qeou/ "، وفي الإنجليزية " God, Righteousness".

(5) " الله لم يره أحد قط " (يو1: 18)، والتي جاءت في اليونانية " Qeo.n ouvdei.j e`w,raken pw,pote "، وفي الإنجليزية " no man has seen God at any time".

وفي جميع هذه الأمثلة وغيرها الكثير ترجموا كلمة " Θεὸς " التي جاءت غير معرفة أو مسبوقة بأداة تعريف " الله " بالعربية " God " مبتدئة بحرف كبير Capital letter وتعني الله، ولم يترجموها لا " إله " بالعربية ولا " a god " بالإنجليزية.

والغريب أن شهود يهوه أنفسهم ترجموا قول توما للمسيح " ربي وإلهي - ο Κύριός μου καὶ ο Θεός μου " في العربية " ربي وإلهي " وفي الإنجليزية " my Lord and my God "، وأوقعوا أنفسهم في تناقض غريب!!

---

(62) Robertson New Testament Word pictures. John. 1.1

(63) N & P. Fath. 2 nd S. Vol. 10 P.209

(64) مركز دراسات الآباء، شرح إنجيل يوحنا ج1.

(65) Vencent’s W. S. NT P. 29

(66) Ibid

(67) Ag. Hear. B.2.25.3

(68) The Gospel of St. John,” The Expositors Greek Testament 1: 684

(69) يقول العالم شناكنبرج: إن " عند = pro.j " لا تفيد هنا الحركة تجاه هدف ما بل إن pro.j تأتي معادلة والتبادل أحياناً مع para. tw/ qew/|/| كما قالها المسيح في صلاته: " والآن مجدني أنت أيها الآب عند ذاتك = para. seautw/| بالمجد الذي كان لي عندك = para. Soi قبل كون العالم " (يو17: 5). الآب متى المسكين شرح إنجيل القديس يوحنا. ص 33.

(70) شرح إنجيل يوحنا ج 1.

(71) H.E. Dana and Julius Mantey, in their A Manual Grammar of the Greek New Testament,

(72) D. P. Simpson, M. A. Classic Latin Dictionary, 635.

(73) شرح إنجيل يوحنا.

(74) وهذا الشكل اللغوي شائع الاستخدام في العهد الجديد.

5- إعتراض غير المؤمنين

والغريب بل والأغرب أن بعض الكتاب من الأخوة المسلمين وبعض القنوات الفضائية التي لا هم لها سوى الهجوم على المسيحية ومحاولة التشكيك في صحتها استغلوا ما قاله آريوس وشهود يهوه وزعموا قائلين أن الآية هنا تقول " وكان الكلمة إلهاً "، ولكنهم خرجوا بنتيجة لا تتفق لا مع عقيدة آريوس ولا شهود يهوه في المسيح، ولا تتفق مع المنطق ولا مع العقل ولا مع سياق الكلام وموضوع الآيات، فقالوا أن المسيح دعي هنا إلهاً كما دعي موسي أيضاً " إلهاً " في العهد القديم عندما قال له الله: " أنا جعلتك إلها لفرعون. وهرون أخوك يكون نبيّك " (خر7: 1)، ومن ثم يكون المسيح مثل موسى وبما أن موسى مجرد نبي وإنسان وليس إلهاً بالحقيقة يكون المسيح أيضاً مثل موسى مجرد إنسان!!

هذا الكلام كما قلنا لا قيمة له ولا معني لأنه غير مبني على أصول علمية ولا على منهج علمي أو منطق، بل مبني على الهوى ومجرد إدعاء كاذب لا يهتم بالبحث العلمي ولا بالحقائق الجوهرية بل مبني على جدل كلامي، سفسطائي، عقيم لا هدف له سوى التشكيك لمجرد التشكيك!! فهم لا يؤمنون بلاهوت المسيح ولا بكونه الخالق، خالق الكون، كما آمن آريوس وكما يؤمن شهود يهوه، بل يؤمنون بأنه مجرد إنسان نبي، لذا يحاولون أن يطبقوا منهج كتابهم هم وليس منهج الكتاب المقدس الذي يستشهدون بآياته!! لأنهم أصلاً لا يؤمنون بالكتاب المقدس بل يحاولون أن يتخذوا من نصوصه وآياته مجرد حجة يشككون بها ولو أمكن البسطاء.

ونقول لهؤلاء ومن تبع خطواتهم وسار على فكرهم من الذين لا هم لهم سوى التشكيك لمجرد التشكيك أن المقارنة هنا بين موسى والمسيح لا تصلح على الإطلاق بصرف النظر عن معنى الكلمة سواء كان " الله " أم " إله". لأن موسى معروف أنه إنسان وهذا أمر لا جدال فيه ولا نقاش وقد أعطاه الله هذا اللقب ليجعله سيداً على فرعون ملك مصر: " وكان يوم كلم الرب موسى في ارض مصر أن الرب كلمه قائلا أنا الرب. كلم فرعون ملك مصر بكل ما أنا أكلمك به. فقال موسى أمام الرب ها أنا اغلف الشفتين. فكيف يسمع لي فرعون فقال الرب لموسى انظر. أنا جعلتك إلها لفرعون. وهرون أخوك يكون نبيّك. أنت تتكلم بكل ما آمرك. وهرون أخوك يكلم فرعون ليطلق بني إسرائيل من أرضه " (خر6: 28-7: 2). وكان موسى قد خاف من الوقوف أمام فرعون: " فقال موسى للّه من أنا حتى اذهب إلى فرعون وحتى اخرج بني إسرائيل من مصر " (خر3: 11). وهنا شجعه الله وقال له " أنا جعلتك إلها لفرعون "، أي جعلت لك السيادة على فرعون بكلماتي التي تنقلها إلى فرعون وبالمعجزات التي تجعلك متفوقا عليه وعلى كل سحرة مصر. ولكنه لم يكن إلها بالحقيقة.

أما الرب يسوع المسيح، الكلمة، الكلمة الإلهي، كلمة الله، فكما تقول الآيات وكما أوضحنا تفصيليا، أعلاه، فقد كان موجودا قبل الخليقة، بل وقبل كل وجود، وكان موجودا مع الله، في ذات الله، وهو خالق الخليقة ومعطي الحياة، كما تقول هذه الآيات: " كل شيء به كان وبغيره لم يكن شيء مما كان فيه كانت الحياة". فهل كان موسى موجودا قبل الخليقة؟!! وهل كان موجودا مع الله قبل الكون؟!! وهل خلق موسى الخليقة والكون وكل ما فيه؟!! وهل أعطى موسى الحياة للبشرية والكون؟!! كما تقول الآيات أن الابن، الكلمة كان عند الله، وكان موجوداً دائماً في حضن الآب، وأنه من الآب، فهل كان موسى عند الله من الأزل؟!! وهل هو موجود دائما في حضن الآب كالابن الوحيد؟!! وهل هو من الآب، من نفس طبيعته وجوهره؟!! وهل كان موسى إلها بحسب الطبيعة والجوهر، أي من نفس جوهر الله الآب وله طبيعته، كما تقول الآيات؟!! وهل كان موسى في السماء قبل أن تحبل به أمه؟!! وهل نزل من السماء كما قال المسيح عن نفسه!! وهل موسى هو ابن الله الوحيد الذي من الآب وفي حضن الآب؟!!

والكتاب واضح وصريح في هذا الأمر، ففي مقارنة بين الرب يسوع المسيح وموسى النبي يقول الكتاب: " فَإِنَّ هَذَا (أي المسيح) قَدْ حُسِبَ أَهْلاً لِمَجْدٍ أَكْثَرَ مِنْ مُوسَى، بِمِقْدَارِ مَا لِبَانِي الْبَيْتِ مِنْ كَرَامَةٍ أَكْثَرَ مِنَ الْبَيْتِ. لأَنَّ كُلَّ بَيْتٍ يَبْنِيهِ إِنْسَانٌ مَا، وَلَكِنَّ بَانِيَ الْكُلِّ هُوَ اللهُ. وَمُوسَى كَانَ أَمِيناً فِي كُلِّ بَيْتِهِ كَخَادِمٍ، شَهَادَةً لِلْعَتِيدِ أَنْ يُتَكَلَّمَ بِهِ. وَأَمَّا الْمَسِيحُ فَكَابْنٍ عَلَى بَيْتِهِ. وَبَيْتُهُ نَحْنُ إِنْ تَمَسَّكْنَا بِثِقَةِ الرَّجَاءِ وَافْتِخَارِهِ ثَابِتَةً إِلَى النِّهَايَةِ " (عب3: 3 -6). كان موسى النبي خادماً في عمل الله، أما المسيح، الابن، فهو كصاحب البيت لأنه أبن صاحب البيت وبالتالي له حق ملكية ما للآب. لأن الآب والابن واحد والابن من الآب وفي ذات الآب. فالابن هنا هو باني البيت، وهذا البيت هو نحن، أي مخلوقاته، وباني الكل، أو خالق الكل، هو الله، والمسيح، الابن، هو باني البيت، ومن ثم فقد كان موسى أمينا في هذا البيت والباني هو المسيح، ومن ثم فقد حسب لمجد أعظم من موسى باعتباره الابن على بيته (as he who hath builded)، الابن باني البيت الذي هو بيته، هو خالق البيت كما يقول الكتاب " اللهِ خَالِقِ الْجَمِيعِ بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ " (أف3: 9)، وموسى أحد خلائق الله وبالتالي فهو مخلوق بواسطة المسيح، وقد جاء موسى لليهود بالناموس، وكان غاية الناموس هو المسيح: " لان غاية الناموس هي المسيح للبر لكل من يؤمن " (رو10: 4)، " كان الناموس مؤدبنا إلى المسيح لكي نتبرر بالإيمان " (غل3: 24).

6- كل شيء به كان (صار)

ثم يقول: " هذا (الكلمة) كان في البدء عند الله " (يو1: 2). وهنا يستخدم نفس تعبيرات الآية الأولى " في البدء – evn avrch/| " و (كان - ν) و (عند – pro.j " و " الله – to.n qeo,n". وقوله " هذا كان " يشير إلى الكلمة الذي كان في البدء والذي كان عند الله، لذا فقد ترجمت في الإنجليزية كالآتي:

The Word was with God in the beginning

This One was in the beginning with God

This Word existed with God from the beginning

The same was in the beginning with God

This Word was from the first in relation with God

From the very beginning the Word was with God

He existed in the beginning with God

He was with God in the beginning

وكلها تترجم في سياق قوله: " وكان الكلمة عند الله منذ البدء، وكان الكلمة موجوداً عند الله منذ البدء".

ثم يقول: " كل شيء به كان وبغيره لم يكن شيء مما كان " (يو1: 3). وهنا يستخدم التعبير: " كل شئ به كان (evge,neto -egeneto) وبغيره لم يكن (evge,neto) شئ مما كان " (يو3: 1). وكلمة " كان " هنا هي: (evge,neto -egeneto - ايجينيتو) وتعني " كان بعد أن لم يكن – صار من حالة اللا وجود (عدم الوجود) إلى حالة الوجود "، أي جاء إلى الوجود - came into existence". وهي هنا عكس كلمة " كان (ν) " التي استخدمت عن الابن، الكلمة، لتعني وجوده الأزلي بلا بداية. فالكلمة كان بلا بداية، أما كل شيء فقد وجد عن طريق الابن. وكلمه " كل شيء - pa,nta panta "، تعني كل ما في الكون من خلائق كقول الكتاب: " الله خالق الجميع (ta. pa,nta ta panta) بيسوع المسيح " (أف3: 9)، " الذي هو صورة الله غير المنظور بكر (رأس) كل خليقة.

فانه فيه خلق الكل (ta. pa,nta - ta panta) ما في السموات وما على الأرض ما يرى وما لا يرى سواء كان عروشا أم سيادات أم رياسات أم سلاطين. الكل (pa,ntwn - pantwn) به وله قد خلق. الذي هو قبل كل شيء وفيه يقوم الكل (ta. pa,nta - ta panta) " (كو1: 15-17). أو كما يقول الكتاب أيضاً: أن الله " كلمنا في هذه الأيام الأخيرة في ابنه الذي جعله وارثا لكل شيء الذي به أيضا عمل العالمين الذي وهو بهاء مجده ورسم جوهره وحامل كل الأشياء بكلمة قدرته بعدما صنع بنفسه تطهيرا لخطايانا جلس في يمين العظمة في الأعالي " (عب1: 2و3).

ثم يقول: " فيه كانت الحياة والحياة كانت نور الناس. والنور يضيء في الظلمة والظلمة لم تدركه " (يو1: 4و5). ويستخدم القديس يوحنا كلمة " الحياة – zwh. – zwi " 37 مرة وكلها تقريبا أو معظمها عن الحياة التي في الرب يسوع المسيح أو التي يعطيها الرب يسوع المسيح، ومنها 13 مرة عن الحياة الأبدية التي في المسيح نفسه، فهو معطي الحياة والخلود (1تي6: 16) ومعطي الحياة الأبدية:

U " لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية " (يو3: 15).

U " لأنه هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية " (يو3: 16).

U " فأجابه سمعان بطرس يا رب إلى من نذهب. كلام الحياة الأبدية عندك " (يو6: 68).

U " الذي يؤمن بالابن له حياة أبدية " (يو3: 36).

U " ولكن من يشرب من الماء الذي أعطيه أنا فلن يعطش إلى الأبد. بل الماء الذي أعطيه يصير فيه ينبوع ماء ينبع إلى حياة أبدية " (يو4: 14).

U " من يسمع كلامي ويؤمن بالذي أرسلني فله حياة أبدية " (يو5: 24).

U " أن كل من يرى الابن ويؤمن به تكون له حياة أبدية " (يو6: 40).

U " الحق الحق أقول لكم من يؤمن بي فله حياة أبدية " (يو6: 47).

U " من يأكل جسدي ويشرب دمي فله حياة أبدية وأنا أقيمه في اليوم الأخير " (يو6: 54).

U " وأنا أعطيها حياة أبدية ولن تهلك إلى الأبد ولا يخطفها احد من يدي " (يو10: 28).

U " إذ أعطيته سلطانا على كل جسد ليعطي حياة أبدية لكل من أعطيته " (يو17: 2).

U " وهذه هي الشهادة أن الله أعطانا حياة أبدية وهذه الحياة هي في ابنه " (1يو5: 11).

ثم يكمل بعد ذلك الحديث عن الرب يسوع المسيح، الكلمة باعتباره النور الذي ينير كل إنسان، كما قال عن نفسه أنه هو نور العالم: " ثم كلمهم يسوع أيضا قائلا أنا هو نور العالم. من يتبعني فلا يمشي في الظلمة بل يكون له نور الحياة " (يو8: 12)، " ما دمت في العالم فانا نور العالم " (يو9: 5)، " أنا قد جئت نورا إلى العالم حتى كل من يؤمن بي لا يمكث في الظلمة " (يو12: 46). وقال القديس يوحنا عن المعمدان: " لم يكن هو النور بل ليشهد للنور (المسيح) كان النور الحقيقي الذي ينير كل إنسان آتيا إلى العالم " (يو1: 8و9). ووصف الرب يسوع المسيح نفسه ب " النور (الذي) قد جاء إلى العالم وأحب الناس الظلمة أكثر من النور لان أعمالهم كانت شريرة " (يو3: 19). وقال لتلاميذه عن نفسه: " النور معكم زمانا قليلا بعد. فسيروا ما دام لكم النور لئلا يدرككم الظلام " (يو12: 35).

وهذا النور هو الذي " كون العالم "، خلق العالم "؛ " كان النور الحقيقي الذي ينير كل إنسان آتياً إلى العالم. كان في العالم وكوّن (evge,neto) العالم به ولم يعرفه العالم " (يو1: 9و10)، أي أن العالم " كون به "، "خلق به "، " صار (evge,neto) به "؛ " كان النور الحقيقي الذي ينير كل إنسان آتياً إلى العالم. كان في (evn tw/| ko,smw| h=n) العالم وكوّن (evge,neto) العالم به ولم يعرفه العالم " (يو1: 9و10)، أي أن العالم " كون به "، " خلق به "، " صار (evge,neto) به". وهنا يستخدم عن وجوده " كان – h=n "، وعن خلقته للعالم " صار – كون". تأكيدا على أزليته وصيرورة العالم وخلقه بعد أن لم يكن.

7- الكلمة الذي في حضن الآب ومن ذات الآب

وتكملة لما سبق يقول القديس يوحنا بالروح " والكلمة صار جسدا وحل بيننا ورأينا مجده مجدا كما لوحيد من الآب مملوءا نعمة وحقا ... الله لم يره أحد قط الابن الوحيد الذي في حضن الآب هو خبر " (يو1: 14و18).

وقد جاء قوله " والكلمة صار جسدا " وفي قوله " صار " استخدم التعبير اليوناني: " evge,neto - egeneto "، والذي ورد في العهد الجديد مرات عديدة، وهو من الفعل (γίνομαι - ginomai) والذي يعني بالدرجة الأولى " يصير أو يكون "، وهذا يساوي قوله؛ في الآيات التالية: " كل شئ به كان (evge,neto -egeneto) وبغيره لم يكن (evge,neto) شئ مما كان " (يو3: 1)، " كان في العالم وكون (evge,neto -egeneto) العالم به " (يو10: 1)، " قبل أن يكون (gene,sqai -genesthai) إبراهيم أنا أكون " (يو58: 8).

وهنا يقدم لنا إيضاحا كافياً باستخدامه لكلمة " كان - h=n " الدال على الكينونة الدائمة للكلمة مع الآب وفي ذات الآب: " في البدء كان (h=n) ... والكلمة كان (h=n) ... وكان (h=n) الكلمة ... هذا كان (h=n) في البدء "، والذي استخدم فيه الزمن الماضي الناقص الذي يدل في هذه الآيات على الكينونة الأبدية، وبين استخدامه لكلمة (evge,neto -egeneto - صار) عند الحديث عن التجسد " والكلمة صار "، في ملء الزمان " ولما جاء ملء الزمان أرسل الله ابنه مولوداً (geno,menon - genomenon) من امرأة مولودا تحت الناموس " (غل4: 4). فهناك فارق ضخم بين الكينونة الدائمة والتجسد في ملء الزمان.

يقول القديس بولس بالروح: " الذي إذا كان في صورة الله لم يحسب خلسة أن يكون مساوياً لله لكنه أخلي نفسه أخذاً صورة عبد صائرا (γενόμενος- genomenos) في شبه الناس " (في7: 2). وهنا استخدم في قوله: " الذي إذ كان في صورة الله " الفعل " u`pa,rcw " والذي يعني موجود، استخدم الزمن المضارع الدال على الاستمرار والدوام. كما استخدم في قوله " صورة الله " النص اليوناني " مورفي - morfh/| - Morehe – صورة " والذي يعبر عن طبيعة الكيان وشخصه(75)، والذي يشير إلى الظهور الخارجي الذي يوصل للجوهر(76)، وهنا يُعبر عن الكيان الجوهري لله(77)، ولذا فالتعبير " صورة الله " في هذه الآية مترجم في NIV " في نفس طبيعة الله In The Very Nature Of God" أي " الذي إذ كان في نفس طبيعة الله "(78).

ويستخدم الكتاب في قوله " لم يحسب خلسة أن يكون مساويا لله " i=sa qew "، كلمة " i=sa - isa) "، والتي تعني " يساوي – يعادل "، وهي نفس الكلمة التي استخدمها اليهود في تعليقهم على قول الرب يسوع المسيح أنه ابن الله " قال أيضا إن الله أبوه معادلا " i;son -ison " نفسه بالله". وقد استخدم الكتاب في كلتا الآيتين نفس التعبير " مساو أو معادل من الفعل " أيسوس - isoj - isos " والذي يعني مساو أو معادل.

أي أنه وهو صورة الله المعبر عن الكيان الجوهري للذات الإلهية " صورة الله غير المنظور " (كو15: 1)، الذي هو الله، الله الكلمة المساوي لله الآب " بهاء مجده ورسم جوهره وحامل كل الأشياء بكلمة قدرته " (عب3: 1)، لم تحسب مساواته للآب اختلاساً بل هي من صميم ذاته ولكنه حجبها في ناسوته متخذا صور عبد.

وعندما يتكلم عن كينونته الدائمة ومجده الأزلي يقول " كما لوحيد من الآب "، وكلمة " وحيد " هنا في اليونانية " monogenou/j - مونوجينيس – monogenes "، وتعنى حرفياً؛ واحد في النوع، واحد فقط، فريد، وتركز في ارتباطها بلقب " أبن الله " علي حقيقة أن المسيح، كلمة الله، هو الابن الوحيد لله الآب، والذي لا يوجد ابن لله غيره أو سواه أو مثله، لا يوجد أبن لله في نوعه وتفرده كالابن من الآب ومن طبيعته وجوهره. هو وحده الذي من ذات الله الآب ومن طبيعته وجوهره والمساوي له في كل ماله. هو وحده صورة الله، صورة طبق الأصل، والمعلن له، كلمة الله، الله ناطقاً.

سأل أحدهم السؤال التالي قائلاً: كيف تبرهنون على أن المسيح هو ابن الله الوحيد؟ ولماذا لا يكون لله أبن ثانٍ وثالث ورابع 00 الخ؟ وللإجابة على هذا السؤال السُفسطائي (الجدلي) نوضح هنا أن الرب يسوع المسيح هو " كلمة الله "، نطق الله العاقل وعقله الناطق، و" صورة الله غير المنظور " و" بهاء مجد الله ورسم جوهره "، أي النور والضياء الصادر من ذات الله وصورة جوهر الله، حكمة الله وقوة الله " فبالمسيح قوة الله وحكمة الله " (1كو1: 24)، والذي " فيه يحل كل ملء اللاهوت جسديا " (كو2: 9)، كما أنه " الله الظاهر في الجسد " (1تي3: 16). والله غير محدود وكلمته " يحل كل ملء اللاهوت جسديا "، أي غير محدود، وعقله (عقل الله) غير محدود هو ابنه الوحيد الذي في حضنه وحضن الآب غير محدود وابنه الذي في حضنه غير محدود، ولذا لا يمكن أن يكون لله الواحد سوى كلمة واحد وعقل واحد وصورة واحدة هو ابنه الوحيد غير المحدود لأنه يملأ حضن الآب غير المحدود.

كما تركز كلمة " الوحيد " علي الكيان الشخصي لكلمة الله، المسيح، باعتباره كلمة الله وصورته وإشعاع مجده ورسم جوهره، فهو أبن الله الوحيد، الفريد والمتفرد، الذي هو الله ناطقاً الله ذاته معلناً.

و قوله " الابن الوحيد الذي في حضن الآب "، في اليونانية يقدم لنا عدة حقائق جوهرية؛ (1) " الابن الوحيد - o` monogenh.j ui`o,j"، والتي تترجم في جميع الترجمات الإنجليزية " The only begotten ، أي المولود الوحيد " أو الوحيد في نوعه، وحيد الجنس، كما أن عبارة الابن الوحيد وردت في أقدم المخطوطات (خاصة؛ a, B, C, L) "monogenh.j qeo.j = the only begotten God = الإله الوحيد الجنس أو الإله المولود الوحيد". وسواء كان الكلمة هو الابن الوحيد أو الإله الوحيد فالمعنى واحد لأن الكلمة هو الله " وكان الكلمة الله".

(2) " الذي في حضن الآب "، والتعبير المترجم في العربية " الذي " هو " حرفياً " ν = الكائن "، وهو مضارع بلا زمن، مما يشرح الوجود الأبدي للابن في الآب، بلا زمن، أي الكائن على الدوام في ذات الآب.

(3) وحرف الجر المستخدم هنا " في – eivj - eis" يعني حرفيا " في وإلى ونحو "، أي الذي في الآب، ويعود إلى الآب، ومتجه نحو الآب.

(4) و " حضن الآب = to.n ko,lpon tou/ patro,j "، يؤكد العلاقة بين الآب والابن في الذات الإلهية، فالابن هو الكائن أبداً، بلا زمن في حضن الآب والمتجه نحو الآب والذي يعود إلى الآب، وهذا تأكيد لقوله " والكلمة كان عند الله". كما أن الله الآب غير محدود وحضنه غير محدود، وقد بين لنا الرب يسوع المسيح نفسه أنه هناك تبادل في الحب والمجد والعطاء في الذات الإلهية لله الواحد، ومن هذا التبادل في العطاء هو أن الآب يعطي الابن ذاتيا، في الذات الإلهية لله الواحد، أن يعمل عمل الله لأنه كلمة الله فيقول المسيح " أبي يعمل حتى الآن وأنا أعمل. فمن اجل هذا كان اليهود يطلبون أكثر أن يقتلوه. لأنه لم ينقض السبت فقط بل قال أيضا أن الله أبوه معادلا نفسه بالله فأجاب يسوع وقال لهم الحق الحق أقول لكم لا يقدر الابن أن يعمل من نفسه شيئا إلا ما ينظر الآب يعمل. لأن مهما عمل ذاك فهذا يعمله الابن كذلك. لأن الآب يحب الابن ويريه جميع ما هو يعمله. وسيريه أعمالا أعظم من هذه لتتعجبوا انتم. لأنه كما أن الآب يقيم الأموات ويحيي كذلك الابن أيضا يحيي من يشاء. لأن الآب لا يدين أحدا بل قد أعطى كل الدينونة للابن. لكي يكرم الجميع الابن كما يكرمون الآب. من لا يكرم الابن لا يكرم الآب الذي أرسله الحق الحق أقول لكم أن من يسمع كلامي ويؤمن بالذي أرسلني فله حياة أبدية ولا يأتي إلى دينونة بل قد انتقل من الموت إلى الحياة. الحق الحق أقول لكم انه تأتي ساعة وهي الآن حين يسمع الأموات صوت ابن الله والسامعون يحيون. لأنه كما أن الآب له حياة في ذاته كذلك اعطى الابن ايضا ان تكون له حياة في ذاته. وأعطاه سلطانا أن يدين أيضا لأنه ابن الإنسان. لا تتعجبوا من هذا.فانه تأتي ساعة فيها يسمع جميع الذين في القبور صوته. فيخرج الذين فعلوا الصالحات إلى قيامة الحياة والذين عملوا السيّآت إلى قيامة الدينونة " (يو5: 18-29).

ويدلنا كلام الرب يسوع المسيح هذا على أنه يتكلم عن وحدة ومساواة في الذات الإلهية بين الآب والابن وهذا ما فهمه اليهود من كلامه، الأخير هذا، لذا أرادوا أن يرجموه " فمن اجل هذا كان اليهود يطلبون أكثر أن يقتلوه. لأنه لم ينقض السبت

فقط بل قال أيضا أن الله أبوه معادلا نفسه بالله".

ومن منطلق لاهوتي داخل الذات الإلهية لله الواحد يؤكد على أن كل ما يعمله الآب يعمله الابن وأن الابن له نفس ما للآب بما في ذلك الحياة، ففي الذات الإلهية الابن في حضن الآب ومن ذات الآب ومن الطبيعي أن يكون كل ما للآب هو للابن كما قال المسيح نفسه في حديثه عن الروح القدس " ذاك (يقصد الروح القدس) يمجدني لأنه يأخذ مما لي ويخبركم. كل ما للآب هو لي. لهذا قلت انه يأخذ مما لي ويخبركم " (يو16: 14و15).

ومن هنا يركز القديس يوحنا بصفة جوهرية على الوحدة الأزلية والعلاقة الجوهرية بين الآب والابن في الذات الإلهية لله الواحد وينقل الكثير من الآيات التي قالها الرب يسوع المسيح وأوضح بها حقيقة وحدته مع الآب في الجوهر وكونه في الآب والآب فيه، وأنه من الآب وله كل ما للآب، وفيما يلي بعض هذه الآيات:

U " الآب يحب الابن وقد دفع كل شيء في يده " (يو3: 35).

U " لأن الآب لا يدين أحدا بل قد أعطى كل الدينونة للابن " (يو5: 22).

U " لأنه كما أن الآب له حياة في ذاته كذلك أعطى الابن أيضاً أن تكون له حياة في ذاته " (يو5: 26).

U " ليس أن أحدا رأى الآب إلا الذي من الله. هذا قد رأى الآب " (يو6: 46).

U " ولكن أن كنت اعمل فان لم تؤمنوا بي فآمنوا بالأعمال لكي تعرفوا وتؤمنوا أن الآب فيّ وأنا فيه " (يو10: 38).

U " يسوع وهو عالم أن الآب قد دفع كل شيء إلى يديه وانه من عند الله خرج وإلى الله يمضي " (يو13: 3).

U " قال له يسوع أنا هو الطريق والحق والحياة. ليس احد يأتي إلى الآب إلا بي " (يو14: 16).

U " قال له فيلبس يا سيد أرنا الآب وكفانا. قال له يسوع أنا معكم زمانا هذه مدته ولم تعرفني يا فيلبس.الذي رآني فقد رأى الآب فكيف تقول أنت أرنا الآب. ألست تؤمن أني أنا في الآب والآب فيّ. الكلام الذي أكلمكم به لست أتكلم به من نفسي لكن الآب الحال فيّ هو يعمل الأعمال. صدقوني أني في الآب والآب فيّ. وإلا فصدقوني لسبب الأعمال نفسها " (يو14: 8 -11).

U " ومتى جاء المعزي الذي سأرسله أنا إليكم من الآب روح الحق الذي من عند الآب ينبثق فهو يشهد لي " (يو15: 26).

U " لأن الآب نفسه يحبكم لأنكم قد أحببتموني وآمنتم أني من عند الله خرجت. خرجت من عند الآب وقد أتيت إلى العالم وأيضاً اترك العالم واذهب إلى الآب " (يو16: 27و28).

U " والآن مجدني أنت أيها الآب عند ذاتك بالمجد الذي كان لي عندك قبل كون العالم " (يو17: 5).

---

(76) Marvin R. Vencent’s Word Study in the New Testament Vol. 3 P. 431

(76) Frank A. Gaebelein the Expositors Bible Commentary Vol. 11 P. 123

(77) Vencent’s Vol. 3 P. 431

(78) New International Version

8- هل كان للفلسفة اليونانية أو فلسفة فيلو تأثير على عقيدة اللوجوس في الإنجيل للقديس يوحنا؟

يختلف اللوجوس عند كل من القديس يوحنا والفلاسفة اليونانيين من جهة ومع لوجوس فيلو من جهة أخرى. وهذا الاختلاف لا تشابه فيه ولا تقارب إلا في الاسم فقط " اللوجوس".

فالفلاسفة الإغريق يرون أن الله أزلي وسامي وغير مدرك وغير معروف ولا يحتاج لغيره ومكتف بذاته، وأنه خير كلي. وأن المادة أزلية ولا بداية لها وهي شر ولا يمكن لله أن يلمس هذه المادة الشر أو يتعامل معها، ومن ثم دعت الحاجة لوجود وسيط بين الله والمادة ليقوم بتصنيعها وليس خلقها لأنها، في نظرهم أزلية، هذا الوسيط هو اللوجوس، وهذا اللوجوس، كما سبق أن أوضحنا هو مجموعة من المثل أو المبادئ أو المبدأ الكلي أو القوات أو الأفكار، وهو في كل الأحوال غير الله وعميله في الكون وأن كانوا لم يحددوا له شخصية أو هوية معينة، فهو عندهم ليس بشخص أو كيان متمايز بل مجموعة من القوات أو المثل أو الأفكار والمبادئ، أو كلمة الإنسان التي تخرج من عقله 00 الخ.

وبنفس الطريقة عند فيلو اليهودي؛ فاللوجوس عنده مجرد عقل وإرادة، إرادة الله، مثل الأفلاطونية، ولكنه لا يميز بين العقل والإرادة بل وتختفي عنده الإرادة في العقل. كما أن اللوجوس عنده ليس شخص أو كيان متميز، أقنوم، وبالرغم من أن اللوجوس عنده يبدو وكأنه مشخص إلا أنه لا شخصية له، وعلى سبيل المثال فعندما يتكلم عنه كملاك يعود بهاجر إلى سارة لا نتصور أنه شخص بل على العكس، فهاجر بالنسبة له مجرد فكرة مجردة، فهو لا يقصد بهاجر المرأة، خادمة سارة، بل أنه يرى في اسمها رمز " للفنون والعلوم الإنسانية التي عادت إلى الفضيلة "، بل ويربط بين اللوجوس والكون فيقول: " الكون الفسيح ليس شيء أخر غير لوجوس الله عندما يرتبط بعمل الكون؛ وأي مدينة فسيحة ليست شيء سوى انعكاس للمعمار عندما ينوي العمل في المدينة". فاللوجوس بالنسبة له مجموعة الأفكار التي تقيم في العالم، اللوجوس عنده هو مجموعة من القوات التي يمكن أن تتحد أو تنكسر بطريقة أو بأخرى. كما أن العلاقة بين الإله غير المدرك واللوجوس غير واضحة عند فيلو بالرغم من أنه يؤمن مثل الفلاسفة اليونانيين بأنه لا صلة بينه، اللوجوس، وبين المادة، فهو بالنسبة له فكرة أو أفكار ومُثل أكثر من كونه إله ثان أو أقل من الله ويبدو غير كامل في ذاته.

أما اللوجوس في الإنجيل للقديس يوحنا فهو، كما بينّا، فهو كلمة الله الذي من ذات الله وفي ذات الله ولكنه متميز في الذات الإلهية لله الواحد، وهو كائن حي عاقل وقد خلق الكون ككلمة الآب الخالق وهو الذي يديره ويدبره، كما أنه تجسد في صورة إنسان وحل بين البشر " والكلمة صار جسدا وحل بيننا ورأينا مجده مجدا كما لوحيد من الآب مملوءا نعمة وحقا " (يو1: 14)، على الأرض، وظهر للملائكة والبشر " عظيم هو سرّ التقوى الله ظهر في الجسد تبرر في الروح تراءى لملائكة كرز به بين الأمم أومن به في العالم رفع في المجد " (1تي3: 16)، وقام بإعطاء العالم شريعة الحب والقداسة والكمال بعد أن أتم وأكمل ناموس العهد القديم وقدم للبشرية الفداء الأبدي بموته، كإنسان، على الصليب " لأنه هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية " (يو1: 16)، وقام من الأموات وظهر لتلاميذه وصعد إلى السموات أمامهم وسوف يأتي في نهاية الأيام ليأخذ المؤمنين على السحاب ويقيم الأموات الذين ماتوا من آدم إلى يوم المجيء الثاني، وسيجلس على كرسي مجده، عرش الديان، ويدين المسكونة بالعدل ويجازي كل واحد بحسب أعماله، وسيكون مع الأبرار في الفردوس: " ومتى جاء ابن الإنسان في مجده وجميع الملائكة القديسين معه فحينئذ يجلس على كرسي مجده. ويجتمع أمامه جميع الشعوب فيميّز بعضهم من بعض كما يميّز الراعي الخراف من الجداء. فيقيم الخراف عن يمينه والجداء عن اليسار. ثم يقول الملك للذين عن يمينه تعالوا يا مباركي أبي رثوا الملكوت المعد لكم منذ تأسيس العالم " (مت25 31-33). وهو دائماً مع شعبة وكنيسة في كل مكان وزمان " وها أنا معكم كل الأيام إلى انقضاء الدهر " (مت28: 20).

الصفحة الرئيسية