" مستعدين دائما لمجاوبة كل من يسألكم عن سبب الرجاء الذي فيكم بوداعة "
أسئلة عن المسيح (2) هل تنبّأ أنبياء العهد القديم عن لاهوت المسيح؟
القس عبد المسيح بسيط أبوالخير كاهن كنيسة العذراء بمسطرد
المحتويات:
نسل المرأة الذي يسحق رأس الشيطان:
نسل إبراهيم الكائن قبل إبراهيم:
ربّ داود الجالس عـن يمين الله:
وتنبّـأ عـنه أشعياء النبي كـ " إله قـدير ":
10- وتنبّـأ إرميـا أنَّه " الربّ يـرّنـا ":
11- الـذي يُـولد من أمّ عـذراء وهـو" الله معـنا ":
12- ولادتـه في قـريـة " بيت لحم ":
13- شـبه ابن الإنسان المعـبود من جميع الخلائـق:
ـ 7 ـ
هل تنبأ أنبياء العهد القديم
عن لاهوت المسيح ؟
تنبّأ العهد القديم عن جميع تفاصيل ودقائق حياة الربّ يسوع المسيح، بل وامتلأت أسفار التوراة والمزامير وأسفار الأنبياء، بالنبوّات والإشارات والتلميحات والرموز عن شخصه المبارك الآتي، في ملء الزمان ليُقيم ملكوت الله، ملكوت السموات، ويُعيد الإنسان إلي الفردوس الذي طُرد منه، وقد دعاه الإعلان الإلهي في الكتاب المقدس ووصفه بألقاب عديدة منها ؛ النسل الآتي، نسل المرأة، ونسل إبراهيم وإسحق ويعقوب، والقضيب الآتي من سبط يهوذا، والكوكب الذي يبرز من يعقوب، ونسل داود، والمخلّص، والمسيح، والمسيح الرب، والمسيح الرئيس، وشبه ابن إنسان ..... إلخ. والذي سيُولد من عذراء، في بيت لحم.
كما تنبّأ العهد القديم عن كل صفاته وأعماله وما سيحدث منه وما سيحدث له وكيف ستنتهي أيام تجسّده علي الأرض، بصورة تفصيليّة
ـ 8 ـ
ودقيقة لدرجة مذهلة .
? فهل جاء ضمن هذه النبوّات ما يُشير إلي لاهوته؟.
? وهل قالت النبوّات أنَّه الله أو الإله أو الربّ بمعني يهوه أي الله ذاته؟.
والإجابة هي؛ نعم! فقد أكّد الإعلان الإلهي مرّات عديدة أنَّه الربّ الأزليّ الأبديّ، الذي لا بداية له ولا نهاية، المعبود من الخليقة كلّها في الكون كلّه، والإله القدير الذي هو الله نفسه !!
لما طُرد آدم وحواء من جنّة عدن بسبب تعدّيهما علي وصيّة الله وعصيانهما له، أعطاهما الله الوعد بالعودة مرّة أخري إلي الفردوس بواسطة وعن طريق نسل سيُولد من المرأة وبدون زرع بشر ، ستلده المرأة فقط ولا يكون للرجل دور في ولادته. ومن ثمّ فقد دُعي بنسل المرأة الآتي ليسحق رأس الحيّة القديمة، الشيطان ( رؤ12/9 ). ولذا قال الله للحيّة ؛ " وَاضَعُ عَدَاوَةً بَيْنَكِ وَبَيْنَ الْمَرْاةِ وَبَيْنَ نَسْلِكِ وَنَسْلِهَا. هُوَ يَسْحَقُ رَاسَكِ وَانْتِ تَسْحَقِينَ عَقِبَهُ " ( تك3/15 ). فمن هو هذا النسل الآتي الذي سيسحق رأس الحيّة ومن هي الحيّة ؟
جاء في سفر الرؤيا أنَّ الحيّة هي إبليس " فَطُرِحَ التِّنِّينُ الْعَظِيمُ، الْحَيَّةُ
- 9-
الْقَدِيمَةُ الْمَدْعُوُّ إِبْلِيسَ وَالشَّيْطَانَ، الَّذِي يُضِلُّ الْعَالَمَ كُلَّهُ "( رؤ12/9 ) ، وأنَّ هذا النسل هو المسيح نفسه " وَإِلَهُ السَّلاَمِ سَيَسْحَقُ الشَّيْطَانَ تَحْتَ أَرْجُلِكُمْ سَرِيعاً. نِعْمَةُ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ مَعَكُمْ " ( رو16/20 )، وأنَّه الولد الذي حُبلت به المرأة ولكنّه صاحب العرش السمائي " فَوَلَدَتِ ابْناً ذَكَراً عَتِيداً أَنْ يَرْعَى جَمِيعَ الأُمَمِ بِعَصاً مِنْ حَدِيدٍ. وَاخْتُطِفَ وَلَدُهَا إِلَى اللهِ وَإِلَى عَرْشِهِ " ( رؤ12/5 ). هو ابن الله كما يقول الكتاب بالروح " وَلَكِنْ لَمَّا جَاءَ مِلْءُ الزَّمَانِ، أَرْسَلَ اللهُ ابْنَهُ مَوْلُوداً مِنِ امْرَأَةٍ " ( غل 4/4 ).
وبعد انتظار آدم وحواء ومن جاء بعدهما لهذا النسل الموعود جاء الطوفان وأهلك كل من كان علي الأرض عدا نوح وأولاده، وعاد أبناء نوح من جديد ينتظرون هذا النسل الموعود من جديد. وبعد فترة انتظار استمرّت عشرة أجيال إختار الله إبراهيم الحادي عشر من نوح ليكون هو الجدّ الأكبر لهذا النسل الموعود، وقال له : " اذْهَبْ مِنْ أَرْضِكَ وَمِنْ عَشِيرَتِكَ وَمِنْ بَيْتِ أَبِيكَ إِلَى الأَرْضِ الَّتِي أُرِيكَ. فَأَجْعَلَكَ أُمَّةً عَظِيمَةً وَأُبَارِكَكَ وَأُعَظِّمَ اسْمَكَ وَتَكُونَ بَرَكَةً. وَأُبَارِكُ مُبَارِكِيكَ وَلاَعِنَكَ أَلْعَنُهُ. وَتَتَبَارَكُ فِيكَ جَمِيعُ قَبَائِلِ الأَرْضِ " ( تك12/1-3 ) . وقال له أيضًا " وَإِبْرَاهِيمُ يَكُونُ أُمَّةً كَبِيرَةً وَقَوِيَّةً وَيَتَبَارَكُ بِهِ جَمِيعُ أُمَمِ الأَرْضِ "
ـ 10 ـ
( تك18/18 ). وبعد طاعته لله وتقديمه لأسحق ذبيحة لله ، يقول الكتاب " وَنَادَى مَلاَكُ الرَّبِّ إِبْرَاهِيمَ ثَانِيَةً مِنَ السَّمَاءِ وَقَالَ: بِذَاتِي أَقْسَمْتُ يَقُولُ الرَّبُّ أَنِّي مِنْ أَجْلِ أَنَّكَ فَعَلْتَ هَذَا الأَمْرَ وَلَمْ تُمْسِكِ اِبْنَكَ وَحِيدَكَ. أُبَارِكُكَ مُبَارَكَةً وَأُكَثِّرُ نَسْلَكَ تَكْثِيراً كَنُجُومِ اَلسَّمَاءِ وَكَالرَّمْلِ اَلَّذِي عَلَى شَاطِئِ اَلْبَحْرِ وَيَرِثُ نَسْلُكَ بَابَ أَعْدَائِهِ. وَيَتَبَارَكُ فِي نَسْلِكَ جَمِيعُ أُمَمِ اَلأَرْضِ مِنْ أَجْلِ أَنَّكَ سَمِعْتَ لِقَوْلِي " ( تك 22/15-18 ) .
ونلاحظ في الآيتين الأولي والثانية قول الله له " وَيَتَبَارَكُ فِيكَ جَمِيعُ أُمَمِ اَلأَرْضِ " أي في إبراهيم ، " وَيَتَبَارَكُ بِهِ جَمِيعُ أُمَمِ الأَرْضِ " أي بإبراهيم، فكيف تتبارك الأمم في إبراهيم وبإبراهيم، يقول العهد الجديد " لِتَصِيرَ بَرَكَةُ إِبْرَاهِيمَ لِلأُمَمِ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ ، لِنَنَالَ بِالإِيمَانِ مَوْعِدَ الرُّوحِ " ( غل3/14 ) ، أما في الثالثة فهو أكثر تحديدا فيقول " وَيَتَبَارَكُ فِي نَسْلِكَ جَمِيعُ أُمَمِ اَلأَرْضِ " .
? فمن هو هذا النسل الآتي من إبراهيم لتتبارك به جميع أمم الأرض؟
يقول القديس بولس بالروح القدس " وَأَمَّا الْمَوَاعِيدُ فَقِيلَتْ فِي «إِبْرَاهِيمَ وَفِي نَسْلِهِ». لاَ يَقُولُ «وَفِي الأَنْسَالِ» كَأَنَّهُ عَنْ كَثِيرِينَ، بَلْ كَأَنَّهُ عَنْ وَاحِدٍ. وَ«فِي نَسْلِكَ» الَّذِي هُوَ الْمَسِيحُ. " ( غل3/16 ). إنَّه نسل واحد فقط من أبناء إبراهيم الذي ستتبارك به جميع الأمم والقبائل والشعوب، هذا النسل
ـ 11 ـ
هو الربّ يسوع المسيح وليس غيره أو سواه.
ولم يُنْجِب إبراهيم نسلاً مطلقًا حتّي شاب وكانت امرأته عاقرًا . فأشارت عليه امرأته سارة، التي شكّت في مواعيد الله، أنْ يدخل علي جاريتها المصريّة هاجر، حسب عادة ذلك الزمان، لكي يُرزق منها بنين ناسية وعد الله لإبراهيم. وسمع إبراهيم لكلامها وهو يتصوّر بذلك أنَّه سيحقّق وعد الله الذي وعده به !! فهل يعجز الله عن تحقيق وعوده حتّي يتصوّر بشر ما أنَّه سينجح فيما تصوّر، الإنسان، أنَّ الله فشل فيه ؟!! وحبلت هاجر وولدت إسماعيل ( تك6/1-15 ).
وكان إسماعيل ابن المشورة البشريّة وليس ابن الموعد المقصود بحسب إرادة الله ومشورته وعلمه السابق ، فلم يُشرْ الله علي إبراهيم أنْ يدخل علي هاجر وإنمّا هذه كانت مشورة سارّة والتي لم تكنْ بحسب إرادة الله بل والتي لم تثقْ، سارّة، في مواعيد الله !! وكان ذلك خطأ من إبراهيم أنَّه سمع لسارّة ولم ينتظرْ الله ليحقق مواعيده له بحسب إرادته الإلهية ! فالله ليس في حاجة لمشورة البشر ولا للأفكار البشريّة المحدودة وقصيرة النظر ليحقّق وعوده.
ولنا هنا سؤال جوهري وهو " هل كان الله عاجزًا عن تحقيق وعوده
ـ 12 ـ
للإنسان حتي يتصوّر، الإنسان، أنَّه يحقّق لله ما تصوّر أنَّ الله عجز عنه ؟!! وهل يزعم أحد أنَّه أدرك فكر الله أو طرقه أو أنَّه فهم ما يدور في مشورته الإلهيّة؟!!، يقول الكتاب :
" يَا لَعُمْقِ غِنَى اللهِ وَحِكْمَتِهِ وَعِلْمِهِ! مَا أَبْعَدَ أَحْكَامَهُ عَنِ الْفَحْصِ وَطُرُقَهُ عَنِ الاسْتِقْصَاءِ! لأَنْ مَنْ عَرَفَ فِكْرَ الرَّبِّ أَوْ مَنْ صَارَ لَهُ مُشِيراً؟ أَوْ مَنْ سَبَقَ فَأَعْطَاهُ فَيُكَافَأَ؟ لأَنَّ مِنْهُ وَبِهِ وَلَهُ كُلَّ الأَشْيَاءِ. لَهُ الْمَجْدُ إِلَى الأَبَدِ. آمِينَ " ( رو11/33-36 ) .
كانت مشورة سارّة، البشريّة، شيء وإرادة الله شيء آخر. كانت إرادة الله أنْ يُولد ابن الموعد، الذي ستمتدّ في ذريته النبوّة ويأتي منه النسل الموعود الذي ستتبارك به جميع البشريّة، ويأتي بمعجزة، فقد أراد الله أنْ تحبل العاقر وتلده العجوز المسنّة، التي تعدّت التسعين سنة !!
" وَقَالَ اللهُ لإِبْرَاهِيمَ: «سَارَايُ امْرَأَتُكَ لاَ تَدْعُو اسْمَهَا سَارَايَ بَلِ اسْمُهَا سَارَةُ ( أي أميرة ) . وَأُبَارِكُهَا وَأُعْطِيكَ أَيْضاً مِنْهَا ابْناً. أُبَارِكُهَا فَتَكُونُ أُمَماً وَمُلُوكُ شُعُوبٍ مِنْهَا يَكُونُونَ». فَسَقَطَ إِبْرَاهِيمُ عَلَى وَجْهِهِ وَضَحِكَ وَقَالَ فِي قَلْبِهِ: «هَلْ يُولَدُ لابْنِ مِئَةِ سَنَةٍ؟ وَهَلْ تَلِدُ سَارَةُ وَهِيَ بِنْتُ تِسْعِينَ سَنَةً؟». وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ لِلَّهِ: « لَيْتَ إِسْمَاعِيلَ يَعِيشُ أَمَامَكَ! . فَقَالَ اللهُ بَلْ سَارَةُ اِمْرَأَتُكَ تَلِدُ لَكَ اِبْناً وَتَدْعُو اِسْمَهُ إِسْحَاقَ. وَأُقِيمُ عَهْدِي مَعَهُ عَهْداً أَبَدِيّاً
ـ 13 ـ
لِنَسْلِهِ مِنْ بَعْدِهِ . وَأَمَّا إِسْمَاعِيلُ فَقَدْ سَمِعْتُ لَكَ فِيهِ. هَا أَنَا أُبَارِكُهُ وَأُثْمِرُهُ وَأُكَثِّرُهُ كَثِيراً جِدّاً. اِثْنَيْ عَشَرَ رَئِيساً يَلِدُ وَأَجْعَلُهُ أُمَّةً كَبِيرَةً. وَلَكِنْ عَهْدِي أُقِيمُهُ مَعَ إِسْحَاقَ الَّذِي تَلِدُهُ لَكَ سَارَةُ فِي هَذَا اَلْوَقْتِ فِي اَلسَّنَةِ اَلآتِيَة ِ " ( تك17/15-21 ) .
ضحك إبراهيم لأنَّه لم يتصوّر أنَّ امرأته ذات التسعين عامًا والعاقر التي لم تلدْ في شبابها يمُكن أنْ تلد !! وقال لله " لَيْتَ إِسْمَاعِيلَ يَعِيشُ أَمَامَكَ " !! ولكن الله أكد له أن " غَيْرُ الْمُسْتَطَاعِ عِنْدَ النَّاسِ مُسْتَطَاعٌ عِنْدَ اللهِ " ( لو18/27 ). وأنَّ ما سبق أنْ وعده به لابدّ أنْ يحقّقه هو بنفسه. كما استغربت سارّة أيضًا التي لم تتصوّر أنَّ وعد الله سيتمّ بهذه الصورة وضحكت عندما عاد الله ليؤكّد ما سبق أنْ وعد به ويُجدّد الموعد، موعد ولادة ابن الموعد " فَقَالَ: «إِنِّي أَرْجِعُ إِلَيْكَ نَحْوَ زَمَانِ الْحَيَاةِ وَيَكُونُ لِسَارَةَ اِِِمْرَأَتِكَ اِبْنٌ». وَكَانَتْ سَارَةُ سَامِعَةً فِي .... فَضَحِكَتْ سَارَةُ فِي بَاطِنِهَا قَائِلَةً: «أَبَعْدَ فَنَائِي يَكُونُ لِي تَنَعُّمٌ وَسَيِّدِي قَدْ شَاخَ!». فَقَالَ اَلرَّبُّ لإِبْرَاهِيمَ: «لِمَاذَا ضَحِكَتْ سَارَةُ قَائِلَةً: أَفَبِالْحَقِيقَةِ أَلِدُ وَأَنَا قَدْ شِخْتُ؟ هَلْ يَسْتَحِيلُ عَلَى اَلرَّبِّ شَيْءٌ؟ فِي اَلْمِيعَادِ أَرْجِعُ إِلَيْكَ نَحْوَ زَمَانِ اَلْحَيَاةِ وَيَكُونُ لِسَارَةَ اِبْنٌ» " ( تك18/10-14 ) .
وبعد وفاة سارّة تزوّج إبراهيم بامرأة أخري اسمها قطّورة وأنجب منها ست بنين، يقول الكتاب " وَعَادَ إِبْرَاهِيمُ فَأَخَذَ زَوْجَةً اِسْمُهَا قَطُورَةُ.
ـ 14 ـ
فَوَلَدَتْ لَهُ زِمْرَانَ وَيَقْشَانَ وَمَدَانَ وَمِدْيَانَ وَيِشْبَاقَ وَشُوحاً ." (تك 25/1-2 ). ولم يكن لأي منهم علاقة بالنسل الآتي والموعود أو بالنبوّة .
لقد كان إسحق فقط، من بين أولاد إبراهيم الثمانية، هو ابن الموعد الذي وعد الله أنَّه سيُحَقّق مواعيده الخاصّة بالنسل الآتي من خلاله. يقول الكتاب " وَلَكِنْ لَيْسَ هَكَذَا حَتَّى إِنَّ كَلِمَةَ اللهِ قَدْ سَقَطَتْ. لأَنْ لَيْسَ جَمِيعُ الَّذِينَ مِنْ إِسْرَائِيلَ هُمْ إِسْرَائِيلِيُّونَ. وَلاَ لأَنَّهُمْ مِنْ نَسْلِ إِبْرَاهِيمَ هُمْ جَمِيعاً أَوْلاَدٌ. بَلْ « بِإِسْحَاقَ يُدْعَى لَكَ نَسْلٌ ». أَيْ لَيْسَ أَوْلاَدُ الْجَسَدِ هُمْ أَوْلاَدَ اللهِ بَلْ أَوْلاَدُ الْمَوْعِدِ يُحْسَبُونَ نَسْلاً. لأَنَّ كَلِمَةَ الْمَوْعِدِ هِيَ هَذِهِ: «أَنَا آتِي نَحْوَ هَذَا الْوَقْتِ وَيَكُونُ لِسَارَةَ ابْنٌ» . " ( رو9/6-9 ).
وبعد وفاة إبراهيم يقول الكتاب " وَكَانَ بَعْدَ مَوْتِ إِبْرَاهِيمَ أَنَّ اللهَ بَارَكَ إِسْحَاقَ اِبْنَهُ. " ( تك25/11 ) ، وأعطاه البركة وأكّد له الوعد من جديد : " وَظَهَرَ لَهُ الرَّبُّ وَقَالَ: «لاَ تَنْزِلْ إِلَى مِصْرَ. اسْكُنْ فِي الأَرْضِ الَّتِي أَقُولُ لَكَ. 3 تَغَرَّبْ فِي هَذِهِ الأَرْضِ فَأَكُونَ مَعَكَ وَأُبَارِكَكَ لأَنِّي لَكَ وَلِنَسْلِكَ أُعْطِي جَمِيعَ هَذِهِ الْبِلاَدِ وَأَفِي بِالْقَسَمِ الَّذِي أَقْسَمْتُ لإِبْرَاهِيمَ أَبِيكَ. 4 وَأُكَثِّرُ نَسْلَكَ كَنُجُومِ السَّمَاءِ وَأُعْطِي نَسْلَكَ جَمِيعَ هَذِهِ الْبِلاَدِ وَتَتَبَارَكُ فِي نَسْلِكَ جَمِيعُ أُمَمِ الأَرْضِ . " ( تك26/2-4 ) .
ـ 15 ـ
وأنجب إسحق يعقوب وعيسو من رفقة في بطنٍ واحدةٍ ولكن الله ، بحسب علمه السابق ومشورته الأزليّة ، إختار يعقوب وحده ليأتي منه النسل الموعود وتمتدّ في ذريّته النبوّة، " يَقُولُ الرَّبُّ وَأَحْبَبْتُ يَعْقُوبَ وَأَبْغَضْتُ عِيسُوَ " ( ملا1/2-3 ) . ومن ثمّ فقد جدّد الله الوعد ليعقوب قائلاً " أَنَا الرَّبُّ إِلَهُ إِبْرَاهِيمَ أَبِيكَ وَإِلَهُ إِسْحَاقَ. الأَرْضُ الَّتِي أَنْتَ مُضْطَجِعٌ عَلَيْهَا أُعْطِيهَا لَكَ وَلِنَسْلِكَ. وَيَكُونُ نَسْلُكَ كَتُرَابِ الأَرْضِ وَتَمْتَدُّ غَرْباً وَشَرْقاً وَشِمَالاً وَجَنُوباً. وَيَتَبَارَكُ فِيكَ وَفِي نَسْلِكَ جَمِيعُ قَبَائِلِ الأَرْضِ . " ( تك28/13-14 ) .
وبعد يعقوب بعدة أجيال تنبّأ بلعام بن بعور عن هذا النسل الموعود والفادي المنتظر قائلاً بالروح القدس : " أَرَاهُ وَلكِنْ ليْسَ الآنَ. أُبْصِرُهُ وَلكِنْ ليْسَ قَرِيباً. يَبْرُزُ كَوْكَبٌ مِنْ يَعْقُوبَ وَيَقُومُ قَضِيبٌ مِنْ إِسْرَائِيل فَيُحَطِّمُ طَرَفَيْ مُوآبَ وَيُهْلِكُ كُل بَنِي الوَغَى. " ( عد24/17 ).
ومن بين أبناء يعقوب الإثني عشر إختار الله يهوذا ليأتي منه هذا
ـ 16 ـ
النسل الموعود والفادي المنتظر ، فتنبّأ يعقوب لابنه يهوذا قائلاً بالروح " يَهُوذَا إِيَّاكَ يَحْمَدُ إِخْوَتُكَ. يَدُكَ عَلَى قَفَا أَعْدَائِكَ. يَسْجُدُ لَكَ بَنُو أَبِيكَ. يَهُوذَا جَرْوُ أَسَدٍ. مِنْ فَرِيسَةٍ صَعِدْتَ يَا ابْنِي. جَثَا وَرَبَضَ كَأَسَدٍ وَكَلَبْوَةٍ. مَنْ يُنْهِضُهُ؟ لاَ يَزُولُ قَضِيبٌ مِنْ يَهُوذَا وَمُشْتَرِعٌ مِنْ بَيْنِ رِجْلَيْهِ حَتَّى يَأْتِيَ شِيلُونُ وَلَهُ يَكُونُ خُضُوعُ شُعُوبٍ . " ( تك 49/8ـ10 ). و" شيلون " حرفيًا هو " شيلوه " ومعناها " الذي له " ، أي الذي سيكون له الحكم والسلطان كقول النبوة " وَلَهُ يَكُونُ خُضُوعُ شُعُوبٍ " . وهذا ما أشار إليه الروح القدس في سفر حزقيال النبي قائلا " مُنْقَلِباً مُنْقَلِباً مُنْقَلِباً أَجْعَلُهُ. هَذَا أَيْضاً لاَ يَكُونُ حَتَّى يَأْتِيَ الَّذِي لَهُ الْحُكْمُ فَأُعْطِيَهُ إِيَّاهُ. " ( حز21/27 ).
وفي هذه النبوة يتضح لنا بوضوح أنَّه لن يكون مُجرّد ملكًا لأمّة واحدة فقط إنما هو ملكٍ لشعوب عديدة " وَلَهُ يَكُونُ خُضُوعُ شُعُوبٍ ".
ومن بين أبناء سبط يهوذا إختار الله داود بن يسّى الذي قال عنه " وَجَدْتُ دَاوُدَ بْنَ يَسَّى رَجُلاً حَسَبَ قَلْبِي الَّذِي سَيَصْنَعُ كُلَّ مَشِيئَتِي. " ( أع13/22 )، يقول الله لداود بالروح " قَطَعْتُ عَهْدًا مَعَ مُخْتَارِيَ حَلَفْتُ لِدَاودِ عَبْدِي إلي اَلدَهْرِ أثَبّتُ نَسْلَكَ واَبْنِي إِلَي دُورٍ فَدُورٍ كُرْسِيكَ سلاه
ـ 17 ـ
.... وَجَدْتُ دَاوُدَ عَبْدِي بِدِهْنِ قُدْسِيّ مَسَحْتَهُ ... إِلَي اَلْدَهْرِ اَحْفَظُ لَه رَحْمَتِي وَعَهْدِي يَثْبُتْ لَه وَاَجْعَلُ إِلي اَلأبَدِ نَسْلَهُ وَكُرْسِيه مِثْلَ أَيَّامِ اَلسَمَوَاتِ ... مَرّة حَلَفْتُ بِقُدْسِي أَنِّي لا أكْذِب لِدَاوُد نَسْلَه إِلَي اَلدَهْرِ يَكُونُ وَكُرْسِيه كَالشَمْسِ أَمَامِي مِثْل اَلقَمَرِ يَثْبُتْ إِلَي اَلْدَهْرِ وَاَلشَاهِد فِي اَلسَمَاءِ أمِينٌ " ( مز89/3، 4، 20، 28، 29، 35، 37، 38 ) . وأيضًا : " مَتَى كَمِلَتْ أَيَّامُكَ وَاضْطَجَعْتَ مَعَ آبَائِكَ أُقِيمُ بَعْدَكَ نَسْلَكَ الَّذِي يَخْرُجُ مِنْ أَحْشَائِكَ وَأُثَبِّتُ مَمْلَكَتَهُ. هُوَ يَبْنِي بَيْتاً لاِسْمِي، وَأَنَا أُثَبِّتُ كُرْسِيَّ مَمْلَكَتِهِ إِلَى الأَبَدِ. أَنَا أَكُونُ لَهُ أَباً وَهُوَ يَكُونُ لِيَ ابْناً . " ( 2صم7/12-14 ).
هذا الابن أو النسل الآتي ليس مجرد بشر بل يقول عنه الروح القدس لداود " يَكُونُ اسْمُهُ إِلَى الدَّهْرِ. قُدَّامَ الشَّمْسِ يَمْتَدُّ اسْمُهُ. وَيَتَبَارَكُونَ بِهِ. كُلُّ أُمَمِ الأَرْضِ يُطَوِّبُونَهُ. " ( مز72/17 ).
وقد تحقّق هذا الوعد جزئيًا في سليمان الحكيم ابن داود الذي جلس علي كرسيه بعده مباشرة ، ولكنّه تحقّق فعليًا وعمليًا في شخص الربّ يسوع المسيح كقول القديس بولس بالروح " اَللهُ، بَعْدَ مَا كَلَّمَ الآبَاءَ بِالأَنْبِيَاءِ قَدِيماً، بِأَنْوَاعٍ وَطُرُقٍ كَثِيرَةٍ، كَلَّمَنَا فِي هَذِهِ الأَيَّامِ الأَخِيرَةِ فِي ابْنِهِ - الَّذِي جَعَلَهُ وَارِثاً لِكُلِّ شَيْءٍ، الَّذِي بِهِ أَيْضاً عَمِلَ الْعَالَمِينَ. الَّذِي، وَهُوَ بَهَاءُ مَجْدِهِ، وَرَسْمُ جَوْهَرِهِ، وَحَامِلٌ كُلَّ الأَشْيَاءِ بِكَلِمَةِ قُدْرَتِهِ، بَعْدَ مَا صَنَعَ بِنَفْسِهِ تَطْهِيراً لِخَطَايَانَا، جَلَسَ فِي يَمِينِ الْعَظَمَةِ فِي الأَعَالِي،
ـ 18 ـ
صَائِراً أَعْظَمَ مِنَ الْمَلاَئِكَةِ بِمِقْدَارِ مَا وَرِثَ اسْماً أَفْضَلَ مِنْهُمْ. لأَنَّهُ لِمَنْ مِنَ الْمَلاَئِكَةِ قَالَ قَطُّ: " أَنْتَ ابْنِي أَنَا الْيَوْمَ وَلَدْتُكَ "؟ وَأَيْضاً: " أَنَا أَكُونُ لَهُ أَباً وَهُوَ يَكُونُ لِيَ ابْناً "؟ وَأَيْضاً مَتَى أَدْخَلَ الْبِكْرَ إِلَى الْعَالَمِ يَقُولُ: "وَلْتَسْجُدْ لَهُ كُلُّ مَلاَئِكَةِ اللهِ" " ( عب1/ 1-6 ).
فمن هذا الذي تسجد له جميع ملائكة الله ؟ إنَّه الذي تنبّأ عنه أيضا قائلاً " فَيُثَبَّتُ الْكُرْسِيُّ بِالرَّحْمَةِ وَيَجْلِسُ عَلَيْهِ بِالأَمَانَةِ فِي خَيْمَةِ دَاوُدَ قَاضٍ وَيَطْلُبُ الْحَقَّ وَيُبَادِرُ بِالْعَدْلِ . " ( اش16/5 ). وأيضًا " وَأَجْعَلُ مِفْتَاحَ بَيْتِ دَاوُدَ عَلَى كَتِفِهِ فَيَفْتَحُ وَلَيْسَ مَنْ يُغْلِقُ وَيُغْلِقُ وَلَيْسَ مَنْ يَفْتَحُ . " ( اش22/22 ). ويقول الكتاب بالروح أنَّ الذي له مفتاح داود هو " الْقُدُّوسُ الْحَقُّ، الَّذِي لَهُ مِفْتَاحُ دَاوُدَ، الَّذِي يَفْتَحُ وَلاَ أَحَدٌ يُغْلِقُ، وَيُغْلِقُ وَلاَ أَحَدٌ يَفْتَحُ " ( رؤ3/7 ) . وأيضًا " أَمِيلُوا آذَانَكُمْ وَهَلُمُّوا إِلَيَّ. اسْمَعُوا فَتَحْيَا أَنْفُسُكُمْ. وَأَقْطَعَ لَكُمْ عَهْداً أَبَدِيّاً مَرَاحِمَ دَاوُدَ الصَّادِقَةَ. " ( اش55/3 ). كما تنبّأ عنه أيضًا كابن يسى والد داود " وَيَخْرُجُ قَضِيبٌ مِنْ جِذْعِ يَسَّى وَيَنْبُتُ غُصْنٌ مِنْ أُصُولِهِ. وَيَحِلُّ عَلَيْهِ رُوحُ الرَّبِّ رُوحُ الْحِكْمَةِ وَالْفَهْمِ رُوحُ الْمَشُورَةِ وَالْقُوَّةِ رُوحُ الْمَعْرِفَةِ وَمَخَافَةِ الرَّبِّ. وَلَذَّتُهُ تَكُونُ فِي مَخَافَةِ الرَّبِّ فَلاَ يَقْضِي بِحَسَبِ نَظَرِ عَيْنَيْهِ وَلاَ يَحْكُمُ بِحَسَبِ سَمْعِ أُذُنَيْهِ . بَلْ يَقْضِي بِالْعَدْلِ لِلْمَسَاكِينِ وَيَحْكُمُ بِالإِنْصَافِ لِبَائِسِي الأَرْضِ وَيَضْرِبُ الأَرْضَ بِقَضِيبِ فَمِهِ وَيُمِيتُ الْمُنَافِقَ بِنَفْخَةِ شَفَتَيْهِ. وَيَكُونُ الْبِرُّ مِنْطَقَةَ
ـ 19 ـ
مَتْنَيْهِ وَالأَمَانَةُ مِنْطَقَةَ حَقَوَيْهِ.... وَيَكُونُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ أَنَّ أَصْلَ يَسَّى الْقَائِمَ رَايَةً لِلشُّعُوبِ إِيَّاهُ تَطْلُبُ الأُمَمُ وَيَكُونُ مَحَلُّهُ مَجْداً. " ( اش11/1-5،10 ).
وتنبأ داود النبي نفسه بالروح القدس أن هذا الآتي هو الرب نفسه ، رب داود وليس مجرد بشر فقال " اجْلِسْ عَنْ يَمِينِي حَتَّى أَضَعَ أَعْدَاءَكَ مَوْطِئاً لِقَدَمَيْكَ " ( مز110/1 ).
وفي هذه النبوة يتكلّم عن الرب " ، الله ، الذي يخاطب الرب ، الابن ، ويجلسه عن يمين العظمة . والمعني هنا هو أنّ الله الآب يُخاطب الله الابن الذي سبق داود النبي وتنبّأ عنه قائلاً بالروح القدس " قَالَ لِي: أَنْتَ ابْنِي. أَنَا الْيَوْمَ وَلَدْتُكَ. " ( مز2/7 ). وقد أشار الربّ يسوع المسيح نفسه إلي هذه النبوّة مؤكّداً علي حقيقتين ؛ الأولى ، هي أنَّه هو المقصود بالربّ الذي يجلس عن يمين الآب في هذه النبوّة ؛ والثانية ، هي أنَّه هو " ربّ داود " ، الجالس علي عرش الله ، في يمين العظمة في السماء . وهذا ما أوضحه بنفسه في الحوار الذي دار بينه وبين رؤساء اليهود قَال: " مَاذَا تَظُنُّونَ فِي الْمَسِيحِ؟ ابْنُ مَنْ هُوَ؟، قَالُوا لَهُ: ابْنُ دَاوُدَ. قَالَ لَهُمْ: فَكَيْفَ يَدْعُوهُ دَاوُدُ بِالرُّوحِ رَبّاً قَائِلاً: قَالَ الرَّبُّ لِرَبِّي اجْلِسْ
ـ 20 ـ
عَنْ يَمِينِي حَتَّى أَضَعَ أَعْدَاءَكَ مَوْطِئاً لِقَدَمَيْكَ؟ فَإِنْ كَانَ دَاوُدُ يَدْعُوهُ رَبّاً فَكَيْفَ يَكُونُ ابْنَهُ؟ . فَلَمْ يَسْتَطِعْ أَحَدٌ أَنْ يُجِيبَهُ بِكَلِمَةٍ. وَمِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ لَمْ يَجْسُرْ أَحَدٌ أَنْ يَسْأَلَهُ بَتَّةً. " ( مت22/42-46 ).
أكّد الربّ يسوع المسيح أنَّه هو الرب ،ربّ داود ، ربّ الكل ، وأنَّه هو الجالس في يمين العظمة ، علي عرش الله في السماء . كما قال أيضًا" مِنَ الآنَ تُبْصِرُونَ ابْنَ الإِنْسَانِ جَالِساً عَنْ يَمِينِ الْقُوَّةِ "( مت26/64؛ مر14/64 ). ويقول القديس بطرس بالروح " فَإِذْ كَانَ نَبِيّاً (داود) وَعَلِمَ أَنَّ اللهَ حَلَفَ لَهُ بِقَسَمٍ أَنَّهُ مِنْ ثَمَرَةِ صُلْبِهِ يُقِيمُ الْمَسِيحَ حَسَبَ الْجَسَدِ لِيَجْلِسَ عَلَى كُرْسِيِّهِ " ( أع2/30 ).
وعن صعوده يقول الكتاب بالروح :
? " ثُمَّ إِنَّ الرَّبَّ بَعْدَمَا كَلَّمَهُمُ (تلاميذه ورسله) ارْتَفَعَ إِلَى السَّمَاءِ وَجَلَسَ عَنْ يَمِينِ اللَّهِ. " ( مر16/19 ) .
? " ارْتَفَعَ بِيَمِينِ اللهِ " ( أع2/33 و 5/31 ) .
? " الَّذِي هُوَ أَيْضاً عَنْ يَمِينِ اللهِ " ( رو 8/34 ) .
? " الْمَسِيحُ جَالِسٌ عَنْ يَمِينِ اللهِ " ( كو3/1 ) .
? " جَلَسَ فِي يَمِينِ عَرْشِ الْعَظَمَةِ فِي السَّمَاوَاتِ "( عب 8/1 ).
? " فَجَلَسَ فِي يَمِينِ عَرْشِ اللهِ. " ( عب12/2 ) .
? " وَأَجْلَسَهُ عَنْ يَمِينِهِ فِي السَّمَاوِيَّاتِ، " ( أف1/20 ) .
ـ 21 ـ
? " وَيَسُوعَ قَائِماً عَنْ يَمِينِ اللهِ . " ( أع7/55 ) .
وقد جاء الرب يسوع المسيح من نسل داود بالجسد ( مت22/43-45 و رو1/3 و رؤر3/7، 5/5 و يو7/42 ) ، ولُقب بابن داود ( مت1:1،20 1/1 و 21/23 و 20/30 و 15/22 و 22/42...إلخ ) ، ولكنه في نفس الوقت هو رب داود كما قال عن نفسه " أَنَا أَصْلُ وَذُرِّيَّةُ دَاوُدَ . " ( رؤ22/16 ) ! فهو أصل داود باعتباره ربّه ، وذريّة داود باعتباره مولود منه بالجسد " الَّذِي صَارَ مِنْ نَسْلِ دَاوُدَ مِنْ جِهَةِ الْجَسَدِ " ( رو1/3 ) .
وتنبأ عنه اشعياء النبي بالروح قائلاً : " لأَنَّهُ يُولَدُ لَنَا وَلَدٌ وَنُعْطَى ابْناً وَتَكُونُ الرِّيَاسَةُ عَلَى كَتِفِهِ وَيُدْعَى اسْمُهُ عَجِيباً مُشِيراً إِلَهاً قَدِيراً أَباً أَبَدِيّاً رَئِيسَ السَّلاَمِ. لِنُمُوِّ رِيَاسَتِهِ وَلِلسَّلاَمِ لاَ نِهَايَةَ عَلَى كُرْسِيِّ دَاوُدَ وَعَلَى مَمْلَكَتِهِ لِيُثَبِّتَهَا وَيَعْضُدَهَا بِالْحَقِّ وَالْبِرِّ مِنَ الآنَ إِلَى الأَبَدِ. غَيْرَةُ رَبِّ الْجُنُودِ تَصْنَعُ هَذَا. " ( اش9/6-7 ) .
وفى هذه النبوّة يتحدّث الكتاب بالروح عن نسل داود الذي سيجلس علي عرشه ، هذا العرش الأبديّ الذي يمتد ّفي حكمه وملكوته إلى ما لا نهاية " نَسْلُهُ إِلَى الدَّهْرِ يَكُونُ وَكُرْسِيُّهُ (عرشه) كَالشَّمْسِ أَمَامِي. مِثْلَ الْقَمَرِ يُثَبَّتُ إِلَى الدَّهْرِ . " ( مز89/36-37 ) ، " للسلام لا نهاية علي
ـ 22 ـ
كرسي داود وعلي مملكته " . هذا الملك الآتي ، النسل الآتي ، المسيح المنتظر ابن داود ، لن يكون مجرّد بشر ، فهو يلقّب بخمسة ألقاب إلهيّة " عجيبًا ، مشيرًا ، إلهًا قديرًا ، أبًا أبديًا ، رئيس السلام " ، وهذه الألقاب لا يمكن أنْ يتّصف بها بشر أو يُلقّب بها، فهو " الإله القدير" ، الآب الأبديّ الذي لا بداية له ولا نهاية .
ويستخدم هنا لقب " إيل " وهو لقب الله الذاتي ويضيف لقب " القدير " والذي هو في العبرية " جيبور " ، أي القدير أو الجبّار . و" إيل جيبور " والمترجم هنا " إلهًا قديرًا هو حرفياً " الإله الجبار " ، وهو لقب الله وحده الذي لم يُطلق علي غيره أبدًا، مطلقًا.
? " إيل " هو لقب الله ويعني " القدير " ، " كلّيّ القدرة "، إلي جانب أنَّه يعني " الله " و " اللاهوت " ويُشير إلي الألوهيّة، اللاهوت بمعناه الكامل والدقيق " إله " ، " الله " ويُعبّر عن الله ذاته " أَنَا اللَّهُ (إيل) وَلَيْسَ آخَرُ. الإِلَهُ (إيلوهيم) وَلَيْسَ مِثْلِي "( اش46/9 ) . واللقب " إيل جيبور " يعني الله الكلّي القدرة الجبار ولم يُطلق إلاَّ علي الله وحده فقط ولم يُطلق علي غيره :
? " الإِلَهُ الْعَظِيمُ الْجَبَّارُ رَبُّ الْجُنُودِ ( يهوه صبؤوت ) اسْمُهُ " ( ار32/18 ) .
? " لأَنَّ الرَّبَّ إِلهَكُمْ هُوَ إِلهُ الآلِهَةِ وَرَبُّ الأَرْبَابِ الإِلهُ (إيل) العَظِيمُ الجَبَّارُ المَهِيبُ " ( تث10/17 ) .
ـ 23 ـ
? " يَا إِلَهَنَا الإِلَهَ الْعَظِيمَ الْجَبَّارَ الْمَخُوفَ " ( نح9/32 ) .
الله وحده هو الإله الجبار، القدير، المخوف ، إله الإلهة ورب الأرباب . والرب يسوع المسيح في هذه النبوّة هو " الإله " ، " القدير " ، " كلّي القدرة " ، " الجبّار " .
ويُطلق عليه الكتاب بالروح أيضًا " أبًا أبديًا " وحرفيًا " الآب الأبديّ" أبو الأبد ، الذي لا بداية له ولا نهاية ، الأزليّ الأبديّ .
فقال بالروح القدس " هَا أَيَّامٌ تَأْتِي يَقُولُ الرَّبُّ وَأُقِيمُ لِدَاوُدَ غُصْنَ بِرٍّ فَيَمْلِكُ مَلِكٌ وَيَنْجَحُ وَيُجْرِي حَقّاً وَعَدْلاً فِي الأَرْضِ. فِي أَيَّامِهِ يُخَلَّصُ يَهُوذَا وَيَسْكُنُ إِسْرَائِيلُ آمِناً وَهَذَا هُوَ اسْمُهُ الَّذِي يَدْعُونَهُ بِهِ: الرَّبُّ بِرُّنَا . ... فِي تِلْكَ الأَيَّامِ يَخْلُصُ يَهُوذَا وَتَسْكُنُ أُورُشَلِيمُ آمِنَةً وَهَذَا مَا تَتَسَمَّى بِهِ الرَّبُّ بِرُّنَا .... قَدْ أَخْرَجَ الرَّبُّ بِرَّنَا . هَلُمَّ فَنَقُصُّ فِي صِهْيَوْنَ عَمَلَ الرَّبِّ إِلَهِنَا. " ( ار23/5-6 و 33/16 و 51/10 ) . كما تنبأ حزقيال النبي قائلاً " وَأُقِيمُ عَلَيْهَا رَاعِياً وَاحِداً فَيَرْعَاهَا عَبْدِي دَاوُدُ. هُوَ يَرْعَاهَا وَهُوَ يَكُونُ لَهَا رَاعِياً. " ( حز34/23 ) ، " وَأَنَا الرَّبُّ أَكُونُ لَهُمْ إِلَهاً, وَعَبْدِي دَاوُدُ رَئِيساً فِي وَسَطِهِمْ. أَنَا الرَّبُّ تَكَلَّمْتُ. " ( حز34/24 ) ، " وَدَاوُدُ عَبْدِي يَكُونُ مَلِكاً عَلَيْهِمْ, وَيَكُونُ لِجَمِيعِهِمْ رَاعٍ وَاحِدٌ, فَيَسْلُكُونَ فِي
ـ 24 ـ
أَحْكَامِي وَيَحْفَظُونَ فَرَائِضِي وَيَعْمَلُونَ بِهَا. وَيَسْكُنُونَ فِي الأَرْضِ الَّتِي أَعْطَيْتُ عَبْدِي يَعْقُوبَ إِيَّاهَا, الَّتِي سَكَنَهَا آبَاؤُكُمْ, وَيَسْكُنُونَ فِيهَا هُمْ وَبَنُوهُمْ وَبَنُو بَنِيهِمْ إِلَى الأَبَدِ, وَعَبْدِي دَاوُدُ رَئِيسٌ عَلَيْهِمْ إِلَى الأَبَدِ. " ( حز37/24-25 ). كما تنبّأ هوشع النبي قائلاً بالروح القدس : " بَعْدَ ذَلِكَ يَعُودُ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَيَطْلُبُونَ الرَّبَّ إِلَهَهُمْ وَدَاوُدَ مَلِكَهُمْ وَيَفْزَعُونَ إِلَى الرَّبِّ وَإِلَى جُودِهِ فِي آخِرِ الأَيَّامِ " ( هو5/3 ) .
فهو هنا يُوصف بعبد الربّ بسبب تجسّده ، ظهوره في الجسد ، اتّخاذه صورة العبد ، لكنّه في حقيقته هو الربّ ، الربّ برّنا .
وكما حدّد الكتاب الآباء الذين سيُولد منهم هذا النسل الموعود والفادي المنتظر بالجسد ، فقد حدّد أيضًا الأمّ التي سيُولد منها بالجسد وقال عنها أنَّها عذراء من بيت داود ، ستحبل به وتلده بدون زرع بشر ، فقال إشعياء النبي بالروح " وَلَكِنْ يُعْطِيكُمُ السَّيِّدُ نَفْسُهُ آيَةً: هَا الْعَذْرَاءُ تَحْبَلُ وَتَلِدُ ابْناً وَتَدْعُو اسْمَهُ «عِمَّانُوئِيلَ» " ( اش7/14 ) . ولما وُلد الربّ يسوع المسيح من العذراء القديسة مريم يقول الكتاب " وَهَذَا كُلُّهُ كَانَ لِكَيْ يَتِمَّ مَا قِيلَ مِنَ الرَّبِّ بِالنَّبِيِّ: هُوَذَا الْعَذْرَاءُ تَحْبَلُ وَتَلِدُ ابْناً وَيَدْعُونَ اسْمَهُ عِمَّانُوئِيلَ» الَّذِي تَفْسِيرُهُ: اَللَّهُ مَعَنَا " ( مت1/22-23 ) . إنَّه الله
ـ 25 ـ
معنا ، الله ظهر على الأرض في الجسد .
ثم عيّن الله في مشورته الأزليّة وعلمه السابق أنْ يُولد هذا النسل الآتي والفادي المنتظر في قرية صغيرة هي بيت لحم، مع تأكيده أنَّه الإله الأزلي الموجود قبل الزمان فقال " أَمَّا أَنْتِ يَا بَيْتَ لَحْمَِ أَفْرَاتَةَ وَأَنْتِ صَغِيرَةٌ أَنْ تَكُونِي بَيْنَ أُلُوفِ يَهُوذَا فَمِنْكِ يَخْرُجُ لِي الَّذِي يَكُونُ مُتَسَلِّطاً عَلَى إِسْرَائِيلَ وَمَخَارِجُهُ مُنْذُ الْقَدِيمِ مُنْذُ أَيَّامِ الأَزَلِ " ( مي5/2 ). وقد أكّد الإنجيل للقدّيس متّي أنَّ هذه النبوّة تخصّ المسيح الذي وُلد فعلاً في بيت لحم ، وكان علماء اليهود يعرفون جيدًا أنَّ هذه النبوّة تخصّ المسيح الآتي وأشاروا إلي هذه الحقيقة عندما سألهم هيرودس الملك " أَيْنَ يُولَدُ الْمَسِيحُ؟. فَقَالُوا لَهُ: « فِي بَيْتِ لَحْمِ الْيَهُودِيَّةِ لأَنَّهُ هَكَذَا مَكْتُوبٌ بِالنَّبِيِّ: وَأَنْتِ يَا بَيْتَ لَحْمٍ أَرْضَ يَهُوذَا لَسْتِ الصُّغْرَى بَيْنَ رُؤَسَاءِ يَهُوذَا لأَنْ مِنْكِ يَخْرُجُ مُدَبِّرٌ يَرْعَى شَعْبِي إِسْرَائِيلَ . " ( مت2/4-6 ).
ويؤكّد الكتاب بالروح في هذه النبوّة أنَّ المسيح الذي وُلد في زمن مُعيّن في بيت لحم موجود منذ الأزل بلا بداية وأنَّ ميلاده من العذراء في بيت لحم ليس هو بداية وجوده . إنَّه الموجود " مُنْذُ الْقَدِيمِ مُنْذُ أَيَّامِ
ـ 26 ـ
الأَزَلِ " . ويستخدم الروح في هذه النبوّة ثلاثة تعبيرات لها مغزاها الهام :
أ ـ " مَخَارِجُهُ " وتعني أصوله، أصل وجوده، ليس ميلاده في بيت لحم .
ب ـ " مُنْذُ الْقَدِيمِ " وتعني كلمة " القديم " هنا، القديم السحيق في الأبديّة، الأزل الذي لا بداية له. وهى مستخدمة عن الله الأزلي الذي لا بداية له " الإلَه اَلْقَدِيمُ لَنَا مَلْجَأ " ( تث33/27 ) ، وعن القدم الأزلي قبل الزمن وقبل الخليقة " مِنْ قِبَلِ أَعْمَالِه مُنْذُ اَلقِدَمِ " ( أم8/23 ) . ومن ثم فهي تؤكّد وجود المسيح القديم السابق لميلاده والسابق للخليقة والزمن، تؤكّد لنا وجوده الأزليّ بلا بداية.
جـ ـ كما تعني عبارة " مُنْذُ أَيَّامِ الأَزَلِ " في العبريّة القِدَم العظيم والأبديّة، الأزل. والنبوّة بجملتها تؤكّد لنا معني واحد ، وهو أنّ المسيح الآتي الذي سيُولد في زمن مُحدّد ومكان مُحدّد هو بيت لحم، هو الموجود منذ الأزل بلا بداية، القديم الموجود منذ القدم قبل الزمن وقبل الخليقة.
يقول دانيال النبيّ بالروح " كُنْتُ أَرَى فِي رُؤَى اللَّيْلِ وَإِذَا مَعَ سُحُبِ
ـ 27 ـ
السَّمَاءِ مِثْلُ ابْنِ إِنْسَانٍ أَتَى وَجَاءَ إِلَى الْقَدِيمِ الأَيَّامِ فَقَرَّبُوهُ قُدَّامَهُ. فَأُعْطِيَ سُلْطَاناً وَمَجْداً وَمَلَكُوتاً لِتَتَعَبَّدَ لَهُ كُلُّ الشُّعُوبِ وَالأُمَمِ وَالأَلْسِنَةِ. سُلْطَانُهُ سُلْطَانٌ أَبَدِيٌّ مَا لَنْ يَزُولَ وَمَلَكُوتُهُ مَا لاَ يَنْقَرِضُ. " ( دا7/13-14 ) .
وابن الإنسان هو لقب المسيح بعد التجسّد، وقديم الأيّام، أي الأزليّ، وهو الله الآب. وقد أخذ الربّ يسوع المسيح، الله الابن، من الآب كلّ سلطان في السماء وعلي الأرض، كما قال هو نفسه " دُفِعَ إِلَيَّ كُلُّ سُلْطَانٍ فِي السَّمَاءِ وَعَلَى الأَرْضِ " ( مت28/18 )، وقال الرسل عنه أيضًا بالروح القدس:
? " لأَنَّهُ أَخْضَعَ كُلَّ شَيْءٍ تَحْتَ قَدَمَيْهِ. " ( 1كو15/27 ) .
? " لِكَيْ يَسُودَ عَلَى الأَحْيَاءِ وَالأَمْوَاتِ. " ( رو14/9 ) .
? " الَّذِي هُوَ رَأْسُ كُلِّ رِيَاسَةٍ وَسُلْطَانٍ. " ( كو2/10 ) .
? " وَأَجْلَسَهُ عَنْ يَمِينِهِ فِي السَّمَاوِيَّاتِ، فَوْقَ كُلِّ رِيَاسَةٍ وَسُلْطَانٍ وَقُوَّةٍ وَسِيَادَةٍ، .... وَأَخْضَعَ كُلَّ شَيْءٍ تَحْتَ قَدَمَيْهِ ، " ( أف1/20ـ22 ) .
? " لِذَلِكَ رَفَّعَهُ اللهُ أَيْضاً، وَأَعْطَاهُ اسْماً فَوْقَ كُلِّ اسْمٍ لِكَيْ تَجْثُوَ بِاسْمِ يَسُوعَ كُلُّ رُكْبَةٍ مِمَّنْ فِي السَّمَاءِ وَمَنْ عَلَى الأَرْضِ وَمَنْ تَحْتَ الأَرْضِ " ( في2/9-10 ) .
هو " المعبود " من كلّ الخلائق في الكون كلّه، الملك الأبديّ، ملك الملوك ورب الأرباب، الذي له السلطان الأبديّ والملكوت الذي لا
ـ 28 ـ
يزول ولا ينقرض، والذي تنبّأ عنه داود النبيّ بالروح القدس قائلاً : " وَيَسْجُدُ لَهُ كُلُّ الْمُلُوكِ. كُلُّ الأُمَمِ تَتَعَبَّدُ لَهُ " ( مز72/11 ) ، وأيضًا دانيّال النبيّ: " مَلَكُوتُهُ مَلَكُوتٌ أَبَدِيٌّ وَجَمِيعُ السَّلاَطِينِ إِيَّاهُ يَعْبُدُونَ وَيُطِيعُونَ. " ( دا 7/27 ). وهذا ما قيل عن الله الآب " هُوَ الإِلَهُ الْحَيُّ الْقَيُّومُ إِلَى الأَبَدِ وَمَلَكُوتُهُ لَنْ يَزُولَ وَسُلْطَانُهُ إِلَى الْمُنْتَهَى. " ( دا 6/26 ) . وهذا ما تقوله الخليقة كلّها في الكون كلّه للآب وللربّ يسوع المسيح :
? " أَنْتَ مُسْتَحِقٌّ أَيُّهَا الرَّبُّ أَنْ تَأْخُذَ الْمَجْدَ وَالْكَرَامَةَ وَالْقُدْرَةَ، لأَنَّكَ أَنْتَ خَلَقْتَ كُلَّ الأَشْيَاءِ، وَهِيَ بِإِرَادَتِكَ كَائِنَةٌ وَخُلِقَتْ " ( رؤ4/11 ) .
? " مُسْتَحِقٌّ هُوَ الْحَمَلُ الْمَذْبُوحُ (المسيح) أَنْ يَأْخُذَ الْقُدْرَةَ وَالْغِنَى وَالْحِكْمَةَ وَالْقُوَّةَ وَالْكَرَامَةَ وَالْمَجْدَ وَالْبَرَكَةَ . وَكُلُّ خَلِيقَةٍ مِمَّا فِي السَّمَاءِ وَعَلَى الأَرْضِ وَتَحْتَ الأَرْضِ، وَمَا عَلَى الْبَحْرِ، كُلُّ مَا فِيهَا، سَمِعْتُهَا قَائِلَةً: «لِلْجَالِسِ عَلَى الْعَرْشِ وَلِلْحَمَلِ الْبَرَكَةُ وَالْكَرَامَةُ وَالْمَجْدُ وَالسُّلْطَانُ إِلَى أَبَدِ الآبِدِينَ». " ( رؤ5/12-13 ) .
وتنبّأ العهد القديم عن شخص يسبق المسيح قائلاً :
? " صَوْتُ صَارِخٍ فِي الْبَرِّيَّةِ: أَعِدُّوا طَرِيقَ الرَّبِّ. (يهوه) " ( اش40/3 ) .
? " هَئَنَذَا أُرْسِلُ إِلَيْكُمْ إِيلِيَّا النَّبِيَّ قَبْلَ مَجِيءِ يَوْمِ الرَّبِّ (يهوه) الْيَوْمِ
ـ 29 ـ
الْعَظِيمِ وَالْمَخُوفِ " ( ملا4/5 ) .
وأكّد الروح القدس في العهد الجديد أنَّ هاتين النبوّتين عن يوحنا المعمدان، فهو الصوت الصارخ في البريّة الذي جاء بروح إيليّا وقوّته ليُعِدّ طريق الربّ، يهوه، ويهوه هذا هو الربّ يسوع المسيح. قال الملاك عن يوحنا لأبيه زكريا الكاهن وهو يبشّره بالحبل به وميلاده " امْرَأَتُكَ أَلِيصَابَاتُ سَتَلِدُ لَكَ ابْناً وَتُسَمِّيهِ يُوحَنَّا.... يَكُونُ عَظِيماً أَمَامَ الرَّبِّ... وَيَتَقَدَّمُ أَمَامَهُ (أمام الرب) بِرُوحِ إِيلِيَّا وَقُوَّتِهِ .... لِكَيْ يُهَيِّئَ لِلرَّبِّ شَعْباً مُسْتَعِدّاً " ( لو 1/13ـ17 ) . وقد أكّد الإنجيل بأوجهه الأربعة، بالروح القدس، أنَّ يوحنّا المعمدان هو المقصود بالنبوّة الأولي. وأكّد السيّد المسيح أنَّه هو، المعمدان، المقصود بالنبوّة الثانية فقال " وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَقْبَلُوا فَهَذَا هُوَ (يوحنا المعمدان) إِيلِيَّا الْمُزْمِعُ أَنْ يَأْتِيَ. " ( مت11/14 ) .
أي أنَّ العهد القديم قد تنبّأ أنَّ المعمدان سيُعِدّ طريق الربّ، " يهوه "، وهو يقصد بالربّ هنا، الرب يسوع المسيح ، ويؤكّد أنَّه هو " يهوه "، الله الواحد. وأعلن أنَّه سيُعِدّ طريق الربّ " يهوه "، وقد جاء يوحنّا المعمدان ليُعِدّ طريق الربّ " يسوع المسيح "، مؤكّدًا أنَّه هو " يهوه " الله. وما يُبرهن علي ذلك، أيضًا، هو إعلان المعمدان نفسه عن الربّ الذي جاء يُعِدّ طريقه، الربّ يسوع المسيح بقوله:
ـ 30 ـ
? " الَّذِي يَأْتِي بَعْدِي هُوَ أَقْوَى مِنِّي الَّذِي لَسْتُ أَهْلاً أَنْ أَحْمِلَ حِذَاءَهُ ." ( مت3/11 ).
? " الَّذِي يَأْتِي بَعْدِي الَّذِي صَارَ قُدَّامِي الَّذِي لَسْتُ بِمُسْتَحِقٍّ أَنْ أَحُلَّ سُيُورَ حِذَائِهِ " ( يو1/27 ).
? " اَلَّذِي يَأْتِي مِنْ فَوْقُ هُوَ فَوْقَ الْجَمِيعِ.... اَلَّذِي يَأْتِي مِنَ السَّمَاءِ هُوَ فَوْقَ الْجَمِيعِ..... اَلآبُ يُحِبُّ الاِبْنَ وَقَدْ دَفَعَ كُلَّ شَيْءٍ فِي يَدِهِ. " ( يو3/31-35 ) .
فهو يُعلن مؤكدًا أنَّ المسيح هو " الأقوي " وأنَّه هو شخصيًا، المعمدان، ليس أهلاً ولا مستحقًا أنْ ينحني ويحلّ سيور حذائه أو يحمل حذاءه، لماذا ؟ لأنَّ المسيح، الربّ يسوع المسيح، صار قدّامه لأنَّه كان قبله، كيف كان قبله علمًا بأنَّ يوحنّا مولود قبل المسيح بستة شهور؟ والإجابة هي أنَّه، المسيح، كان موجودًا بلاهوته قبل التجسّد، كان فوق، في السماء، فهو الآتي من فوق، النازل من السماء هو فوق الجميع، لماذا ؟ لأنَّه ربّ الجميع، فهو ابن الله الذي من ذات الله وهو الذي في يديّه السلطان علي كلّ شيء، في السماء وعلي الأرض. إنَّه الربّ " يهوه " في العهد القديم، ويسوع المسيح في العهد الجديد، "يهوه" متجسّدًا.
ـ 31 ـ
والخلاصة هي أنَّ أنبياء العهد القديم تنبّأوا عن جميع تفاصيل حياة المسيح علي الأرض وأكّدوا أنَّه ربّ داود وربّ الكلّ، الإله القدير، الله معنا، الربّ الأزليّ الذي لا بداية له ولا نهاية.