" مستعدين دائما لمجاوبة كل من يسألكم عن سبب الرجاء الذي فيكم بوداعة "
" أسئلة عن المسيح " (6) هل آمنت الكنيسة الأولي بأنَّ المسيح هو اللَّه؟
القس عبد المسيح بسيط أبو الخير كاهن كنيسة السيدة العذراء الأثرية بمسطرد
ــــــــــــــــــــ
- 7 -
هل آمنت الكنيسة الأولي بأن المسيح هو الله ؟
يتصوَّر بعض الكتاب ونقَّاد المسيحيّضة ويزعمون أنَّ الكنيسة المسيحيَّة الأولي لم تؤمنْ بلاهوت المسيح!! وأنَّ هذه العقيدة، عقيدة لاهوت المسيح، لم تثبتْ في الكنيسة المسيحيَّة إلاَّ بعد مجمع نيقية وبعد أنْ تأثَّر بعض من قادة الكنيسة بالفكر اليونانيّ والفكر الوثنيّ الذي كان منتشرًا في العالم الوثنيّ الذي كرَّزوا فيه بالمسيحيَّة!!
كما يزعم هؤلاء النقَّاد والكتاب أنَّه كان هناك مسيحيُّون حقيقيُّون يُسَمُّونهم بالموحِّدين مثل الأبيونيِّين (1) وبولس السموساطي (2) وأريوس ونسطوريوس!! وهؤلاء رفضت الكنيسة فكرهم لأنَّه لا يتَّفق مع فكرها!!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) خرجت هذه الفئة بعد خراب الهيكل ودمار أورشليم سنة 70م من جماعة تدعى اليهود المتنصرين ، أو كما سماهم بعض العلماء ، مثل هيبوليتوس ، المسيحيين اليهود ، لتمسكهم بالعوائد والتقاليد اليهودية والناموس وحفظهم للسبت على الرغم من احتفالهم بالأحد مع المسيحيين ! وقد دعاهم رجال الكنيسة بالابيونيين من كلمة ابيون بالعبرية وجمعها ابيونيم والتي تعني الفقراء لفقر تعاليمهم وحقارتها . يقول عنهم المؤرخ الكنسي يوسابيوس القيصري " وقد كان الأقدمون محقين إذ دعوهم " ابيونيين " لأنهم اعتقدوا في المسيح اعتقادات فقيرة ووضيعة " ( يوسابيوس ك 3 : 27) .
(2) كان بولس السموساطي أسقفا لإنطاكية (في الفترة من 260إلى 268م) وكان له نفوذ سياسي في الإمبراطورية الرومانية ، كما كان نائبا للملكة زنوبيا ملكة تدمر (بالميرا) والتي كانت تتبعها إنطاكية في ذلك الوقت . وقد نادى بأن المسيح مجرد بشر وقد صار إلهاً ، ولكي يوفق بين قوله هذا وبين آيات الكتاب المقدس التي تؤكد على حقيقة لاهوت المسيح قال أنه صار إلها بالتبني . ويلخص العلماء أفكاره كالآتي :
1 - أن الله واحد وحدانية مطلقة في أقنوم واحد ومع ذلك يمكن أن نميز فيه الكلمة (اللوجوس) والحكمة ، كصفتان أو قوتان مثل العقل والفكر في الإنسان ( Schaff Vol. 2 : 581 )، وأن اللوجوس خرج من الله وهو يعمل في الأنبياء وقد حل في المسيح الإنسان منذ ميلاده ولكن بقوة أكبر من الأنبياء ، وهو هنا يميز بين الكلمة ويسوع .
2 - أن الابن لم يكن موجوداً دائما وأنه أقل من ال- ( Logos- λογος) وأن اتحاد الابن مع الكلمة هو اتحاد عن طريق التعليم وليس اتحادا وجوديا Ontological ، كما أن الابن وجد قبل الأزمنة في علم الله السابق ، وأن الآب وحده هو الله أما الابن فإله بالنعمة ، وبالتبني لأن الله تبناه( The Search for p. 70 . ).
ــــــــــــــــــــ
- 8 -
وهذا الكلام الذي يقوله ويزعمه هؤلاء الكتَّاب والنقَّاد ومن يسير علي دروبِهم هو كلامٌ غير حقيقيّ لا يستطيع أنْ يُواجه الدليل المنطقيّ الحقيقيّ الموثَّق، إنَّما هو كلام متأثِّر بفكر المدارس النقديَّة، خاصَّة مدرسة النقد الألمانيَّة، التي لا تؤمنْ أصلاً بوجود اللَّه! والتي تُنكر الوحي الإلهيّ وكل ما له صلة باللَّه! كما أنَّه متأثِّر أيضًا بعقائدهم الخاصَّة التي يؤمنون بها ويتمنُّون ويرجون أنْ تكون هي العقائد الصحيحة، علي حساب المسيحيَّة ! ومن ثمَّ راحوا يعملون بكلِّ جهدهم لإلتقاط جملة من هنا وفقرة من هناك، بصرف النظر عن قائلها!!
ــــــــــــــــــــ
- 9 -
وموقفه من عقائدهم! لمحاولة تصوير العقيدة المسيحيَّة في لاهوت المسيح علي أنَّها ليست أصيلة في المسيحيَّة وأنَّها ذات أصلٍ وثنيٍّ!!
ونؤكِّد لهم أيضًا، وبالدليل الماديّ العلميّ الموثَّق، أنَّ هذه العقيدة، عقيدة لاهوت المسيح، راسخة في الكتاب المقدَّس بعهدَيه وفي تقليد الكنيسة المسلَّم مرَّة للقدِّيسين من الربِّ يسوع المسيح نفسه مباشرة والتي ثبَّتها لهم بحلول الروح القدس عليهم، وقد سلَّموها، هم، بدورهم، بالروح القدس، لتلاميذهم وخلفائهم الذين تعلَّموا علي أيديهم، وهؤلاء سلَّموها بدورهم لخلفائهم حتَّي مجمع نيقية وما بعده. وأنَّ أولئك الذين زعموا أنَّهم المسيحيُّون الحقيقيُّون، والذين وصفوهم بالموحِّدين لم يكونوا هم أصحاب العقيدة المسيحيَّة الصحيحة، كما زعموا، بل كانوا خارجين عن المسيحيَّة وفكر الكتاب المقدَّس، وأصحاب بدع وهرطقات، وبالرغم من أنَّهم خرجوا عن العقيدة الصحيحة وفكر الكتاب المقدَّس إلاَّ أنَّهم لم يستطيعوا أنْ يُنكروا عقيدة لاهوت المسيح نهائيًا، بل آمنوا بلاهوته بصورٍ مختلفةٍ ! فعلي الرغم من إنكار الأبيونيِّين، وكذلك بولس السموساطي لوجود المسيح الأزليّ بلا بداية، فقد آمنوا أنَّه سَمَا وإرتقي وصار أعلي من البشر والملائكة، صار رئيسًا للملائكة وإلهًا بالتبنِّي وإستحقَّ أنْ يكون ديَّان
ــــــــــــــــــــ
- 10 -
البشريَّة في يوم الدينونة!! فهل يقبل هؤلاء النقَّاد مثل هذا الفكر، الذي يزعمون أنَّه الفكر المسيحيّ الصحيح، والذي لا يوصلهم لما يهدفون إليه ويسعون من أجله؟!
كما آمن آريوس بأنَّ المسيح هو الإله الذي خلق الكون ومدبِّره وديَّانه، حيث يقول أنَّ اللَّه الذي يسمو علي كلِّ خليقة وغير المدرك بصورةٍ مطلقةٍ خلق كائنًا وسطًا بينه وبين الخليقة من جوهر شبيه بجوهره، واستخدم تعبير " شبيه بالآب (الله) في الجوهر "!! هذا الكائن هو إله ولكن ليس هو اللَّه، وقد خلق اللَّه كلّ ما في الكون بواسطته فصار هو الإله الفعليّ الذي خَلق الكون ويدبِّره، بل هو الإله الحقيقيّ المعروف من الخليقة لأنَّ اللَّه غير معروف ولا مُدرك نهائيًا إلاَّ بواسطة هذا الإله المعروف الذي هو المسيح!!
أمَّا نسطوريوس فلم يُنكر لاهوت المسيح ولا أزليَّته كما يتوهَّم هؤلاء الكتَّاب والنقَّاد، بل علي العكس تمامًا، فهو يُؤمن بلاهوت المسيح وأزليَّته وأنَّه هو اللَّه، ولكنَّه أساء التعبير عن سرِّ التجسُّد وكيفية ظهور اللَّه في الجسد، فبدلاَ من أنْ يستخدم تعبير اتحاد اللاهوت بالناسوت الذي يُؤكِّد وحدة شخص المسيح كالإله المتجسِّد، إستخدم تعبير مصاحبة اللاهوت للناسوت الذي يُوحي بوجود مسيحَيْن، المسيح الإله والمسيح الإنسان
ــــــــــــــــــــ
- 11 -
اللذان اتحدا في بطن مريم العذراء منذ اللحظة الأولي للحبل (3) .
فهل يقبل هؤلاء هذا الفكر أيضًا، سواء الذي نادي به آريوس القسّ الإسكندري أو الذي نادي به نسطوريوس بطريرك القسطنطينيَّة؟ وكلاهما يُؤمن بلاهوت المسيح ولكن بفكرٍ منحرفٍ عن فكر الكتاب المقدَّس؟.
والإجابة هي؛ كلا، لأنَّ هذا الفكر سواء الخاصّ بآريوس والذي يُؤمن بأنَّ المسيح هو إله الكون وخالقه، أو الخاصّ بنسطوريوس والذي يُؤمن بلاهوت المسيح، المسيح الإله، كما جاء في الكتاب المقدَّس، ولكن لم يستطعْ التعبير الصحيح عن عقيدة التجسُّد، لا يُناسب فكر هؤلاء الكتَّاب والنقَّاد ولا يُفسح المجال بأيَّة صورة من الصور لأيَّة عقيدة أخري غير المسيحيَّة!!
1- الإيمان المسلَّم مرَّة للقدِّيسين :
فقد آمن تلاميذ المسيح ورسله منذ البدء بما علَّمه لهم الربّ يسوع المسيح وسلَّمه لهم شخصيًا ثمَّ ثبَّته لهم بالروح القدس الذي أرسله من الآب وحلَّ عليهم بعد صعوده إلي السماء (4) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(3) أنظر كتابنا " عقيدة المسيح عبر التاريخ " .
(4) وكان الرب يسوع المسيح قد وعد تلاميذه بأن يرسل لهم الروح القدس ليقودهم ويرشدهم ويذكرهم بكل ما علمه لهم ، بل ويعلمهم أمور جديدة " يعلمكم كل شيء ويذكركم بكل ما قلته لكم" (يو26:14) ، " يرشدكم إلى جميع الحق 000 ويخبركم بأمور آتية " (يو14:16) ، لذا قال لهم " أقيموا في مدينة أورشليم إلى أن تلبسوا قوةً من الأعالي " (لو49:24) ، " لكنكم ستنالون قوة متى حل الروح القدس عليكم وتكونون لي شهودا في أورشليم وفي كل اليهودية والسامرة وإلى أقصى الأرض " (أع8:1)
ــــــــــــــــــــ
- 12 -
وكان إيمان التلاميذ، والذي تسلَّموه من الربِّ يسوع المسيح نفسه، أنَّ المسيح هو كلمة اللَّه الذي هو اللَّه، الإله القدير، الإله الكائن علي الكلِّ، الإله المبارك، اللَّه الجالس علي العرش، الإله العظيم والمخلِّص، الإله الحقّ الذي في حضن الآب بلا بداية ولا نهاية، كلمة اللَّه وصورة جوهره، الواحد مع الآب في الجوهر، الذي له كلّ ما للآب من طبيعة وصفات وأسماء وعظمة ومجد وكرامة، وأنَّ الروح القدس الذي هو روح اللَّه هو روح الاِبن أيضًا كما يقول الكتاب " رُوحَ ابْنِهِ " ( غل4/6 )، " رُوحِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ " ( في1/19 )، وأنَّه هو الذي يُرسل الروح القدس كما يُرسله الآب " الْمُعَزِّي الَّذِي سَأُرْسِلُهُ أَنَا إِلَيْكُمْ مِنَ الآبِ رُوحُ الْحَقِّ الَّذِي مِنْ عِنْدِ الآبِ يَنْبَثِقُ فَهُوَ يَشْهَدُ لِي " ( يو15/26 ). وفيما يلي بعض الآيات التي تؤكِّد ذلك بوضوح:
† " لأَنَّهُ يُولَدُ لَنَا وَلَدٌ وَنُعْطَى ابْناً وَتَكُونُ الرِّيَاسَةُ عَلَى كَتِفِهِ وَيُدْعَى اسْمُهُ عَجِيباً مُشِيراً إِلَهاً قَدِيراً أَباً أَبَدِيّاً رَئِيسَ السَّلاَمِ " ( اش9/6 ).
† " لِتَرْعُوا كَنِيسَةَ اللهِ الَّتِي اقْتَنَاهَا بِدَمِهِ " ( أع20/28 ).
ــــــــــــــــــــ
- 13 -
† " وَنَحْنُ فِي الْحَقِّ فِي ابْنِهِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ. هَذَا هُوَ الإِلَهُ الْحَقُّ وَالْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ " ( 1يو5/20 ).
† " مَجْدِ اللهِ الْعَظِيمِ وَمُخَلِّصِنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ " ( تي2/13 ) .
† " وَمِنْهُمُ الْمَسِيحُ حَسَبَ الْجَسَدِ الْكَائِنُ عَلَى الْكُلِّ إِلَهاً مُبَارَكاً إِلَى الأَبَدِ " ( رو9/5 ) .
† " وَأَمَّا عَنْ الاِبْنِ: كُرْسِيُّكَ يَا أَللهُ إِلَى دَهْرِ الدُّهُورِ " ( عب1 /8 ) .
† " أَجَابَ تُومَا: (ليسوع المسيح) «رَبِّي وَإِلَهِي» " ( يو2 0/28 ) .
† " يَسُوعُ الْمَسِيحُ هُوَ هُوَ أَمْساً وَالْيَوْمَ وَإِلَى الأَبَدِ " ( عب13/8 ).
† " أَنَا هُوَ الأَلِفُ وَالْيَاءُ، الْبَِدَايَةُ وَالنِّهَايَةُ، يَقُولُ الرَّبُّ الْكَائِنُ وَالَّذِي كَانَ وَالَّذِي يَأْتِي، الْقَادِرُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ " ( رؤ1/8 ).
† " فِي الْبَدْءِ كَانَ الْكَلِمَةُ وَالْكَلِمَةُ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَكَانَ الْكَلِمَةُ اللَّهَ. هَذَا كَانَ فِي الْبَدْءِ عِنْدَ اللَّهِ. كُلُّ شَيْءٍ بِهِ كَانَ وَبِغَيْرِهِ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِمَّا كَانَ . " ( يو1/1-3 ).
† " اَلَّذِي هُوَ صُورَةُ اللهِ غَيْرِ الْمَنْظُورِ، بِكْرُ كُلِّ خَلِيقَةٍ. فَإِنَّهُ فِيهِ خُلِقَ الْكُلُّ: مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا عَلَى الأَرْضِ، مَا يُرَى وَمَا لاَ يُرَى، سَوَاءٌ كَانَ عُرُوشاً امْ سِيَادَاتٍ امْ رِيَاسَاتٍ امْ سَلاَطِينَ. الْكُلُّ بِهِ وَلَهُ قَدْ خُلِقَ. اَلَّذِي هُوَ قَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ، وَفِيهِ يَقُومُ الْكُلُّ " ( كو1/15-17 ).
ــــــــــــــــــــ
- 14 -
† " اَللهُ، بَعْدَ مَا كَلَّمَ الآبَاءَ بِالأَنْبِيَاءِ قَدِيماً، بِأَنْوَاعٍ وَطُرُقٍ كَثِيرَةٍ، كَلَّمَنَا فِي هَذِهِ الأَيَّامِ الأَخِيرَةِ فِي ابْنِهِ - الَّذِي جَعَلَهُ وَارِثاً لِكُلِّ شَيْءٍ، الَّذِي بِهِ أَيْضاً عَمِلَ الْعَالَمِينَ.الَّذِي، وَهُوَ بَهَاءُ مَجْدِهِ، وَرَسْمُ جَوْهَرِهِ، وَحَامِلٌ كُلَّ الأَشْيَاءِ بِكَلِمَةِ قُدْرَتِهِ ، " ( عب1/1-3 ).
† " وَلَيْسَ أَحَدٌ صَعِدَ إِلَى السَّمَاءِ إِلاَّ الَّذِي نَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ ابْنُ الإِنْسَانِ الَّذِي هُوَ فِي السَّمَاءِ " ( يو3/13 ).
† " اَللَّهُ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ قَطُّ. اَلاِبْنُ الْوَحِيدُ الَّذِي هُوَ فِي حِضْنِ الآبِ هُوَ خَبَّ رَ" ( يو1/18 ).
فهو اِبن اللَّه المولود من الآب والموجود في ذات الآب قبل كلِّ الدهور، نورٌ من نورِ إله حقّ من إله حقّ؛ يقول الكتاب عنه " اَلاِبْنُ الْوَحِيدُ الَّذِي هُوَ فِي حِضْنِ الآبِ هُوَ خَبَّ رَ" ( يو1/18 ). " لأَنَّهُ لِمَنْ مِنَ الْمَلاَئِكَةِ قَالَ قَطُّ: «أَنْتَ ابْنِي أَنَا الْيَوْمَ وَلَدْتُكَ»؟ وَأَيْضاً: «أَنَا أَكُونُ لَهُ أَباً وَهُوَ يَكُونُ لِيَ ابْناً»؟ " ( عب1/ 5)، ويقول هو عن نفسه " أَنَا أَعْرِفُهُ (الآب) لأَنِّي مِنْهُ وَهُوَ أَرْسَلَنِي " ( يو7/29 )، " أَنَا فِي الآبِ وَالآبَ فِيَّ 000 صَدِّقُونِي أَنِّي فِي الآبِ وَالآبَ فِيَّ وَإِلاَّ فَصَدِّقُونِي لِسَبَبِ الأَعْمَالِ نَفْسِهَا. " ( يو14/10-11 )، والواحد مع الآب " أَنَا وَالآبُ وَاحِدٌ " ( يو10/30 ) ، وناداه صوت الآب " هَذَا هُوَ ابْنِي الْحَبِيبُ الَّذِي بِهِ سُرِرْتُ " ( مت3/17؛17/ 5)، وقال له القدِّيس بطرس بالروح " أَنْتَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ الْحَيِّ " ( مت16/16 )، وكذلك مرثا أخت لعازر " أَنَّكَ أَنْتَ الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ الآتِي إِلَى الْعَالَمِ "( يو11/27 )،
ــــــــــــــــــــ
- 15 -
وعندما سأله رئيس الكهنة " هَلْ أَنْتَ الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ؟» قَالَ لَهُ يَسُوعُ: «أَنْتَ قُلْتَ! وَأَيْضاً أَقُولُ لَكُمْ: مِنَ الآنَ تُبْصِرُونَ ابْنَ الإِنْسَانِ جَالِساً عَنْ يَمِينِ الْقُوَّةِ وَآتِياً عَلَى سَحَابِ السَّمَاءِ» " ( مت26/63- 64 ).
هذا الإعلان الإلهيّ عن لاهوت المسيح هو ما جعل اليهود يحاولون قتله مرَّات عديدة ؛ " فَأَجَابَهُمْ يَسُوعُ: « أَبِي يَعْمَلُ حَتَّى الآنَ وَأَنَا أَعْمَلُ ».فَمِنْ أَجْلِ هَذَا كَانَ الْيَهُودُ يَطْلُبُونَ أَكْثَرَ أَنْ يَقْتُلُوهُ لأَنَّهُ لَمْ يَنْقُضِ السَّبْتَ فَقَطْ بَلْ قَالَ أَيْضاً إِنَّ اللَّهَ أَبُوهُ مُعَادِلاً نَفْسَهُ بِاللَّهِ . فَقَالَ يَسُوعُ لَهُمُ: «الْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: لاَ يَقْدِرُ الاِبْنُ أَنْ يَعْمَلَ مِنْ نَفْسِهِ شَيْئاً إِلاَّ مَا يَنْظُرُ الآبَ يَعْمَلُ. لأَنْ مَهْمَا عَمِلَ ذَاكَ فَهَذَا يَعْمَلُهُ الاِبْنُ كَذَلِكَ . لأَنَّ الآبَ يُحِبُّ الاِبْنَ وَيُرِيهِ جَمِيعَ مَا هُوَ يَعْمَلُهُ وَسَيُرِيهِ أَعْمَالاً أَعْظَمَ مِنْ هَذِهِ لِتَتَعَجَّبُوا أَنْتُمْ. لأَنَّهُ كَمَا أَنَّ الآبَ يُقِيمُ الأَمْوَاتَ وَيُحْيِي كَذَلِكَ الاِبْنُ أَيْضاً يُحْيِي مَنْ يَشَاءُ. لأَنَّ الآبَ لاَ يَدِينُ أَحَداً بَلْ قَدْ أَعْطَى كُلَّ الدَّيْنُونَةِ لِلاِبْنِ لِكَيْ يُكْرِمَ الْجَمِيعُ الاِبْنَ كَمَا يُكْرِمُونَ الآبَ. مَنْ لاَ يُكْرِمُ الاِبْنَ لاَ يُكْرِمُ الآبَ الَّذِي أَرْسَلَهُ000لأَنَّهُ كَمَا أَنَّ الآبَ لَهُ حَيَاةٌ فِي ذَاتِهِ كَذَلِكَ أَعْطَى الاِبْنَ أَيْضاً أَنْ تَكُونَ لَهُ حَيَاةٌ فِي ذَاتِهِ وَأَعْطَاهُ سُلْطَاناً أَنْ يَدِينَ أَيْضاً لأَنَّهُ ابْنُ الإِنْسَانِ. لاَ تَتَعَجَّبُوا مِنْ هَذَا فَإِنَّهُ تَأْتِي سَاعَةٌ فِيهَا يَسْمَعُ جَمِيعُ الَّذِينَ فِي الْقُبُورِ صَوْتَهُ فَيَخْرُجُ الَّذِينَ فَعَلُوا الصَّالِحَاتِ إِلَى قِيَامَةِ الْحَيَاةِ وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ إِلَى قِيَامَةِ الدَّيْنُونَةِ . "( يو5/17-29 ).
ــــــــــــــــــــ
- 16 -
فالمسيح إذًُا هو اِبن اللَّه الحيّ، اِبن اللَّه الوحيد، الابن الحبيب، كلمة اللَّه وصورة اللَّه غير المنظور، بهاء مجد اللَّه ورسم جوهره، الإله القدير والإله الحق، الإله العظيم، الإله المبارك إلي الأبد، ولكنَّه ظهر علي الأرض بعد أنْ تجسَّد ، إتَّخذ جسدًا، صار جسدًا، ظهر في الجسد بولادته من امرأة، إتَّخذ صورة اللَّه صورة العبد وصار مثلنا، شابهنا في كلِّ شيء ما عدا الخطيئة، صار إنسانًا بالمعني الكامل للكلمة له كلّ ما للبشر من صفاتٍ وخواصٍ، ويعمل كلّ أعمال البشر يقول الكتاب:
† " وَبِالإِجْمَاعِ عَظِيمٌ هُوَ سِرُّ التَّقْوَى: اللهُ ظَهَرَ فِي الْجَسَدِ " ( 1تي3/16 ) .
† " وَالْكَلِمَةُ صَارَ جَسَداً وَحَلَّ بَيْنَنَا وَرَأَيْنَا مَجْدَهُ مَجْداً كَمَا لِوَحِيدٍ مِنَ الآبِ مَمْلُوءاً نِعْمَةً وَحَقّا ً" ( يو1/14 ).
† " وَلَكِنْ لَمَّا جَاءَ مِلْءُ الزَّمَانِ، أَرْسَلَ اللهُ ابْنَهُ مَوْلُوداً مِنِ امْرَأَةٍ " ( غل4/4 ).
† " الَّذِي إِذْ كَانَ فِي صُورَةِ اللهِ، لَمْ يَحْسِبْ خُلْسَةً أَنْ يَكُونَ مُعَادِلاً لِلَّهِ. لَكِنَّهُ أَخْلَى نَفْسَهُ، آخِذاً صُورَةَ عَبْدٍ ، صَائِراً فِي شِبْهِ النَّاسِ. وَإِذْ وُجِدَ فِي الْهَيْئَةِ كَإِنْسَانٍ ، وَضَعَ نَفْسَهُ وَأَطَاعَ حَتَّى الْمَوْتَ مَوْتَ الصَّلِيبِ . " ( في 2/6-8 ) .
† " فَإِذْ قَدْ تَشَارَكَ الأَوْلاَدُ فِي اللَّحْمِ وَالدَّمِ اشْتَرَكَ هُوَ أَيْضاً كَذَلِكَ فِيهِمَا " ( عب2/14 )، وأنَّه " مُجَرَّبٌ فِي كُلِّ شَيْءٍ مِثْلُنَا، بِلاَ خَطِيَّةٍ " ( عب4/15 ).
ــــــــــــــــــــ
- 17 -
† " لأَنَّهُ يُوجَدُ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَوَسِيطٌ وَاحِدٌ بَيْنَ اللهِ وَالنَّاسِ: الإِنْسَانُ يَسُوعُ الْمَسِيحُ " ( 1تي5/2 ).
وبعد أنْ إتَّخذ صورة اللَّه صورة العبد وصار الكلمة جسدًا، ظهر اللَّه في الجسد، وشابهنا في كلِّ شيءٍ ما عدا الخطيئة، فقد إحتمل في هذا الجسد، لا بإعتباره الإله ولكن بإعتباره الإله المتجسِّد، كإنسانٍ، كلّ ما يمكن أنْ يتحمَّله الإنسان من جوعٍ وعطشٍ وألمٍ 00إلخ حتَّب الموت! لذا يقول الكتاب:
† أنَّه حلَّ بلاهوته في الجسد " لأَنَّهُ فِيهِ (جسده) سُرَّ انْ يَحِلَّ كُلُّ الْمِلْءِ " ( كو1/19 ).
† " فِيهِ يَحِلُّ كُلُّ مِلْءِ اللاَّهُوتِ جَسَدِيّاً . " ( كو2/9 ) .
† جاء في الجسد " يَسُوعَ الْمَسِيحِ أَنَّهُ قَدْ جَاءَ فِي الْجَسَدِ " ( 1يو4/2 ).
† " يَسُوعَ الْمَسِيحِ آتِياً فِي الْجَسَدِ " ( 2يو7 ).
† جاء من اليهود ومن نسل داود بحسب الجسد " مِنْهُمُ (اليهود) الْمَسِيحُ حَسَبَ الْجَسَدِ الْكَائِنُ عَلَى الْكُلِّ إِلَهاً مُبَارَكاً إِلَى الأَبَدِ " ( رو9/5 ) .
† " ابْنِهِ. الَّذِي صَارَ مِنْ نَسْلِ دَاوُدَ مِنْ جِهَةِ الْجَسَدِ "( رو1/3 ).
† وأنَّه تألَّم في الجسد " فَإِنَّ الْمَسِيحَ أَيْضاً تَأَلَّمَ مَرَّةً وَاحِدَةً مِنْ أَجْلِ الْخَطَايَا، 000 مُمَاتاً فِي الْجَسَدِ وَلَكِنْ مُحْيىً فِي الرُّوحِ " ( 1بط3/18 ).
† " قَدْ صَالَحَكُمُ الآنَ فِي جِسْمِ بَشَرِيَّتِهِ بِالْمَوْتِ " ( كو1/21-22 ) .
† " الَّذِي، فِي أَيَّامِ جَسَدِهِ ، إِذْ قَدَّمَ بِصُرَاخٍ شَدِيدٍ وَدُمُوعٍ طِلْبَاتٍ " ( عب5/7 ) .
ــــــــــــــــــــ
- 18 -
وذلك في إيمانٍ بسيطٍ دون استخدام مصطلحات لاهوتيَّة أو صياغات لغويَّة أو مناظرات فلسفيَّة. وهكذا كان أيضًا إيمان الآباء الرسوليِّين، تلاميذ الرسل وخلفائهم، والذين علَّموا بأسلوبهم وقدَّموا الإيمان في بساطته، كما تسلَّموه من الرسل.
2- التسليم الرسوليّ للإيمان المسلَّم مرَّة للقدِّيسين:
آمن الآباء الرسوليُّون، تلاميذ الرسل وخلفاؤهم، ومن بعدهم تلاميذهم وأيضًا خلفاؤهم الذين لُقِّبوا بآباء الكنيسة، خاصَّة المدافعين عن الإيمان القويم (الأرثوذكسي) والعقيدة المسلَّمة مرَّة، بنفس ما آمن به وسلَّمه لهم الرسل، سواء من خلال الكلمة المكتوبة بالروح القدس، العهد الجديد إلي جانب العهد القديم، أو ما سلَّموه لهم شفاهةً، أيّ بالتقليد المسلَّم مرّضة للقدِّيسين كما يقول القدِّيس يهوذا أخو يعقوب بن حلفي بالروح القدس " الْمُسَلَّمِ مَرَّةً لِلْقِدِّيسِينَ " ( يه3 )، والذي سلَّمه الرسل لتلاميذهم وخلفائهم بكلِّ دقةٍ وأمانةٍ.
فقد كان تلاميذ المسيح ورسله يسلِّمون الإيمان المسيحيّ لتلاميذهم بكلِّ حرصٍ وأمانةٍ وبكلِّ دقّةٍ، بالروح القدس، ويطلبوا من هؤلاء التلاميذ أنْ يعلِّموا هم أيضًا ويسلِّموا ما تعلَّموه وتسلَّموه لأناسٍ آخرين، أمناء ولهم الكفاءة لتسليمه لآخرين:
ــــــــــــــــــــ
- 19 -
? يقول القدِّيس بولس الرسول لتلميذه تيموثاوس بالروح " وَمَا سَمِعْتَهُ مِنِّي بِشُهُودٍ كَثِيرِينَ، أَوْدِعْهُ أُنَاساً أُمَنَاءَ، يَكُونُونَ أَكْفَاءً أَنْ يُعَلِّمُوا آخَرِينَ أَيْضاً " ( 2تي2/2 )، ويحذِّره من الفكر الهرطوقيّ الذي " يُقَاوِمُ التَّعْلِيمَ الصَّحِيحَ، حَسَبَ إِنْجِيلِ مَجْدِ اللهِ الْمُبَارَكِ الَّذِي اؤْتُمِنْتُ أَنَا عَلَيْهِ " ( 1تي1/10-11 )، ويقول له " إِنْ كَانَ أَحَدٌ يُعَلِّمُ تَعْلِيماً آخَرَ، وَلاَ يُوافِقُ كَلِمَاتِ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ الصَّحِيحَةَ، وَالتَّعْلِيمَ الَّذِي هُوَ حَسَبَ التَّقْوَى فَقَدْ تَصَلَّفَ " ( 1تي6/3-4 )، " لأَنَّهُ سَيَكُونُ وَقْتٌ لاَ يَحْتَمِلُونَ فِيهِ التَّعْلِيمَ الصَّحِيحَ، بَلْ حَسَبَ شَهَوَاتِهِمُ الْخَاصَّةِ يَجْمَعُونَ لَهُمْ مُعَلِّمِينَ مُسْتَحِكَّةً مَسَامِعُهُمْ (يَقُولُونَ لَهُمْ كَلاَماً يُدَاعِبُ الآذَانَ ) " ( 2تي 4/3 ). ويقول له أيضًا، مشدِّدًا " يَا تِيمُوثَاوُسُ، احْفَظِ الْوَدِيعَةَ، مُعْرِضاً عَنِ الْكَلاَمِ الْبَاطِلِ الدَّنِسِ، وَمُخَالَفَاتِ الْعِلْمِ الْكَاذِبِ الاِسْمِ " ( 1تي6/20 )، " اِحْفَظِ الْوَدِيعَةَ الصَّالِحَةَ بِالرُّوحِ الْقُدُسِ السَّاكِنِ فِينَا. " ( 2تي 1/14 ).
? ويقول لأهل كورنثوس:" فَأَمْدَحُكُمْ أَيُّهَا الإِخْوَةُ عَلَى أَنَّكُمْ تَذْكُرُونَنِي فِي كُلِّ شَيْءٍ وَتَحْفَظُونَ التَّعَالِيمَ كَمَا سَلَّمْتُهَا إِلَيْكُمْ " ( 1كو11/2 ).
? ويقول لأهل فيلبي: " وَمَا تَعَلَّمْتُمُوهُ، وَتَسَلَّمْتُمُوهُ، وَسَمِعْتُمُوهُ، وَرَأَيْتُمُوهُ فِيَّ، فَهَذَا افْعَلُوا، وَإِلَهُ السَّلاَمِ يَكُونُ مَعَكُمْ " (في4/9).
ــــــــــــــــــــ
- 20 -
? ويقول لتلميذه تيطس أنَّه يجب أنْ يكون الأسقف " مُلاَزِماً لِلْكَلِمَةِ الصَّادِقَةِ الَّتِي بِحَسَبِ التَّعْلِيمِ، لِكَيْ يَكُونَ قَادِراً أَنْ يَعِظَ بِالتَّعْلِيمِ الصَّحِيحِ وَيُوَبِّخَ الْمُنَاقِضِينَ "( تي1/9 ). ويقول له " وَأَمَّا أَنْتَ فَتَكَلَّمْ بِمَا يَلِيقُ بِالتَّعْلِيمِ الصَّحِيحِ " ( تي2/1 ). ثمَّ يُحذِّره من الهراطقة قائلاً " اَلرَّجُلُ الْمُبْتَدِعُ بَعْدَ الإِنْذَارِ مَرَّةً وَمَرَّتَيْنِ أَعْرِضْ عَنْهُ. عَالِماً أَنَّ مِثْلَ هَذَا قَدِ انْحَرَفَ، وَهُوَ يُخْطِئُ مَحْكُوماً عَلَيْهِ مِنْ نَفْسِهِ " ( تي3/10-11 ).
كما يًحذِّر من قبول أي تعليم آخر غير الذي استلموه من تلاميذ المسيح ورسله ويقول لهم " وَلَكِنْ إِنْ بَشَّرْنَاكُمْ نَحْنُ أَوْ مَلاَكٌ مِنَ السَّمَاءِ بِغَيْرِ مَا بَشَّرْنَاكُمْ، فَلْيَكُنْ «أَنَاثِيمَا». (محرومًا) " ( غل1/8 ).
وهكذا سلَّم الرسل ما تسلَّموه من المسيح لتلاميذهم وخلفائهم وسلَّمه تلاميذهم وخلفاؤهم أيضًا للأجيال التالية لهم بكلِّ دقَّةٍ.
? يقول بابياس أسقف هيرابوليس بفرجية في آسيا الصغرى (60 - 130م) والذي يقول عنه القديس أريناؤس أسقف ليون (5) ، وكذلك القديس جيروم (6) ، أنَّه كان تلميذًا للقدِّيس يوحنَّا ورفيقًا لبوليكاربوس، ويقول يوسابيوس القيصريّ، نقلاً عن إريناؤس " هو أحد الأقدمين، أستمع ليوحنَّا، وكان زميلاً لبوليكاربوس 000 وأنَّه تلقَّي تعاليم الإيمان عن أصدقائهم (أي أصدقاء الرسل)،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(5) Adv. Hear. B 5; 33 .
(6) مشاهير الرجال ف 18 .
ــــــــــــــــــــ
- 21 -
عن كيفيَّة استلامه للتقليد " ولكنني لا أتردَّد أيضًا عن أنْ أضع أمامكم مع تفسيري كلّ ما تعلمته بحرصٍ من الشيوخ ( أي آباء الكنيسة ) 000 وكلَّما أتي أحدٌ ممن كان يتبع المشايخ سألته عن أقوالهم، عمَّا قاله إندراوس أو بطرس، عمَّا قاله فيلبُّس أو توما أو يعقوب أو يوحنَّا أو متَّي، أو أي أحدٍ آخر من تلاميذ الربِّ أو عمَّا قاله أريستون أو القسّ يوحنَّا أو تلاميذ الربِّ. لأنني أعتقد أنَّ ما تحصل عليه من الكتب يُفيدني بقدر ما يصلْ إليّ من الصوت الحيّ الدائم " (7) .
? ويقول أريناؤس أسقف ليون (120 - 202م)؛ " المعرفة الحقيقيَّة قائمة في تعليم الرُسل وقيام الكنيسة في العالم كلّه ، وفي امتياز استعلان جسد المسيح بواسطة تتابع الأساقفة الذين أعطوا الكنيسة القائمة في كلِّ مكان أنْ تكون محروسة ومُصانة دون أي تزييف أو ابتداع في الأسفار بسبب طريقة التعليم الكاملة والمتقنة التي لم تُستهدف لأيّ إضافه أو حذف ، وذلك بقراءتها بغير تزوير مع مواظبة شرحها باجتهاد بطريقة قانونيَّة تلتزم بالأسفار دون أيّ خطورة من جهة التجديف، وبواسطة المحبَّة الفائقة التي هي أكثر قيمة من المعرفة وأعظم من النبوّة والتي تفوق كلّ ما عداها من المواهب " (8) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(7) يوسابيوس ك3:39 .
(8) Adv. Hear. B 5; 33.
ــــــــــــــــــــ
- 22 -
? كما يسجِّل ذلك القدِّيس إكليمندس الإسكندري (150- 215م)، الذي كان مديرًا لمدرسة الإسكندريَّة اللاهوتيَّة والذي كان، كما يصفه المؤرِّخ الكنسيّ يوسابيوس القيصري (264- 340م) والمعاصر لمجمع نيقية سنة 325م، " متمرسًا في الأسفار المقدَّسة " (9) . وينقل يوسابيوس عن كتابه "وصف المناظر" أنَّه إستلم التقليد بكلِّ دقَّةٍ من الذين تسلَّموه من الرسل " التقاليد التي سمعها من الشيوخ الأقدمين "، فقد كان هو نفسه خليفة تلاميذ الرسل أو كما يقول هو عن نفسه إنَّه " التالي لخلفاء الرسل " (10) ، " ويعترف بأنَّ أصدقاءه قد طلبوا منه بإلحاح أنْ يكتب من أجل - الأجيال المتعاقبة - التقاليد التي سمعها من الشيوخ الأقدمين " (11) ، وذلك باعتباره أحد خلفائهم. ومن ثمَّ فقد سجَّل التقليد الشفويّ الذي سمعه ورآه وتعلَّمه وعاشه وحوَّله إلي تقليدٍ مكتوبٍ، كما شرحه ودافع عنه. وينقل عنه يوسابيوس، أيضًا، قوله عن معلِّميه الذين إستلم منهم التقليد " وقد حافظ هؤلاء الأشخاص علي التقليد الحقيقيّ للتعليم المبارك، المسلَّم مباشرة من الرسل القدِّيسين بطرس ويعقوب ويوحنَّا وبولس، إذ كان الابن يتسلَّمه عن أبيه 000 حتَّي وصل إلينا بإرادة اللَّه لنحافظ علي هذه البذار الرسوليَّة " (12) .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(9) يوسابيوس ك 5 ف1 .
(10) يوسابيوس ك 6 ف 13 .
(11) ك 6 ف 13 : 8 .
(12) ك 5 ف 11 : 5 .
ــــــــــــــــــــ
- 23 -
3ـ الآباء الرسوليون ومدافعو القرن الثاني ولاهوت المسيح
هؤلاء الآباء آمنوا بنفس إيمان الرسل، والذي تسلَّموه منهم، وتكلَّموا عن الربِّ يسوع المسيح، عن لاهوته وكيفيَّة تجسُّده، بنفس أسلوب الرسل وبساطته. وقاموا بدورٍ حاسمٍ في الردّ علي الأبيونيِّين، الذين قالوا أنَّ المسيح إنسان فقط ولكنَّه ارتقي وسما وصار إلهًا بالتبنِّي!! والغنوسيِّين (13) الذين ركَّزوا علي لاهوته فقط وقالوا أنَّ المسيح إله وقد نزل من السماء وظهر علي الأرض في شبه وهيئة وشكل الإنسان في الظاهر فقط !! وقد كان أولئك وهؤلاء من خارج دائرة الكنيسة، والإعلان الإلهي ، ولم يتعلَّموا علي أيدي تلاميذ المسيح ورسله ولم يتسلَّموا التعليم الصحيح منهم، ولم يُشكِّلوا خطورة تُذكر علي إيمان الكنيسة في المسيح. ومن ثمَّ فقد شرح هؤلاء الآباء لاهوت المسيح وناسوته بدقَّةٍ وبساطةٍ، كالإله المتجسِّد ، مؤكِّدين علي أنَّه هو الإله الذي لا بداية له ولا نهاية، والذي كان غير مرئي ولكنَّه ظهر في الجسد الذي إتَّخذه من مريم العذراء.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(13) أنظر كتابنا " عقيدة المسيح عبر التاريخ " .
ــــــــــــــــــــ
- 24 -
" لقد كان الفكر اللاهوتيّ - في فترة ما قبل نيقية - مركَّزًا علي التعليم بأنَّ المسيح هو اللَّه المتجسِّد، والفادي للعالم. وكان هذا التعليم هو الأساس لكلِّ العقائد المتعلِّقة بالتجديد بالمعموديَّة، بل وكان مطبوعًا علي الحياة العامَّة، فكان دستور عبادة الكنيسة الأولي. فلم يكنْ الأمر مجرَّد تأكيد الآباء علي لاهوت المسيح في مواجهة الهراطقة، ولكن كما يقول " شاف " المؤرِّخ الكنسيّ كان هذا الإيمان يُعلن في العبادة اليوميَّة والأسبوعيَّة وفي الاحتفال بالعماد، وفي العشاء الربَّانيّ، وفي الأعياد السنويَّة، ولا سيِّما في عيد القيامة. وقد وجد هذا الإيمان مكانه في الصلوات والتسابيح 000 وكانت الترانيم التي يكتبها الإخوة تشهد بأنَّ المسيح هو " كلمة اللَّه "، وكانوا يؤكِّدون علي ألوهيَّته، وقد دفع كثيرون من المؤمنين حياتهم ثمنًا لشهادتهم بأنَّ المسيح هو اِبن اللَّه 000 فهم يرون أنَّ المسيح سابق للوجود، فقد كان هو فكر الآب أو عقله الناطق " (14) .
(1) فقد سجلوا في كتاب الدياديكية أو تعاليم الرسل الأثني عشر (كتب حوالي سنة 100م) أنَّ المسيح هو اِبن اللَّه وهو الربُّ الذي سيأتي علي السحاب ومعه الملائكة القدِّيسون (7:16)، وكانوا يُعمِّدون المؤمنين الجدد علي اسم الثالوث الأقدس
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(14) موسوعة آباء الكنيسة ج- 1: 227 .
ــــــــــــــــــــ
- 25 -
" وبعد أنْ تعلّموا كلّ ما سبق عمَّدوا كما يأتي " باسم الآب والابن والروح القدس بماء جارٍ (1:7)، كما قال الرب يسوع المسيح لتلاميذه " وَعَمِّدُوهُمْ بِاسْمِ الآبِ وَالاِبْنِ وَالرُّوحِ الْقُدُسِ " ( مت28/19 ).
(2) وجاء في رسالة برنابا (من 90 - 100م تقريبا)، قوله " يا إخوتي إذا كان السيِّد قد احتمل أنْ يتألَّم من أجل نفوسنا وهو ربّ المسكونة وله قال الربّ " لنصنعن الإنسان علي صورتنا ومثالنا " فكيف قبل أنْ يتألَّم علي أيدي الناس، فتعلَّموا أنَّ الأنبياء بالنعمة التي أعطوها من عنده تنبأوا عنه. ولكي يُبطل الموت ويُبرهن القيامة من الأموات ظهر بالجسد وإحتمل الآلام " (5:4،6)، ثم يضيف الكاتب " لو لم يأتِ بالجسد لما استطاع البشر أنْ ينظروا خلاصهم. إذا كانوا لا يستطيعون أنْ ينظروا إلي الشمس التي هي من أعمال يديه فهل يمكنهم أنْ يحدِّقوا إليه لو كان قد جاءهم بغير الجسد . إذا كان اِبن اللَّه قد أتي بالجسد فلأنَّه أراد أنْ يضع حدًا لخطيئة أولئك الذين اضطهدوا أنبياءه " (10:4،11) .
ثم يشرح التجسُّد بأكثر دقَّةٍ وتفصيلٍ فيقول " للمرَّة الثانية يظهر يسوع لا كاِبن للبشر بل كاِبن للَّه ظهر بشكل جسديّ وبما أنَّه سيُقال أنَّ المسيح هو اِبن داود فإنَّ داود يُسرع ويتنبَّأ قائلاً " قال الربُّ لربِّي إجلس عن يميني حتَّي أجعل أعداءك موطئا لقدميك ". خوفًا من أنْ
ــــــــــــــــــــ
- 26 -
يسيء الخطاة فهم بنوَّة يسوع 000 فهل رأيتم كيف يعطيه داود اسم الربّ لا اسم الابن ؟ " (10:12،11) (15) .
(3) ويتكلم القديس إكليمندس الرومانيّ، والذي كان أسقفًا لروما (من سنة92 إلى 100م) (16) ، كما كان أحد مساعدي القدِّيس بولس الرسول والذي قال عنه أنَّه جاهد معه في نشر الإنجيل ( في4/3 )، كما تعرَّف علي الكثيرين من رسل المسيح واستمع إليهم، ويقول عنه القدِّيس إيريناؤس واحد تلاميذ الآباء الرسوليِّين وحلقة الوصل بينهم وبين من جاء بعده من آباء الكنيسة، أنَّه " رأى الرسل الطوباويِّين، وتحدَّث معهم وكانت كرازتهم لا تزال تدوي في أذنَيه وتقليدهم ماثل أمامه " (17) ، في رسالته إلي كورنثوس حوالي سنة 96م، عن لاهوت المسيح بنفس أسلوب وطريقة القدِّيس بولس:
? فيتكلم عن المسيح الذي أخفي عظمته الإلهيَّة وجاء متضعًا " أنَّ صولجان جلال اللَّه، الربّ يسوع المسيح ، لم يأتِ متسربلاً بجلال عظمته - كما كان في استطاعته - بل جاء متواضعًا كما تنبَّأ عنه الروح القدس " (ف 16).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
15) أما كتاب الرعي لرهرماس والذي كتب في نهاية القرن الأول أو بداية القرن الثاني فيصف المسيح بابن الله وسيد كل البشر " أنه سيد كل البشر وقد أعطاه أبوه كل سلطان " (مثل 6:5) ، وأنه الموجود مع الآب قبل الخليقة " أن ابن الله هو قبل كل الخليقة وكان مستشار أبيه في عمل الخليقة لذلك هو أزلي 000 لأن ابن الله ظهر في الأيام الأخيرة من انتهاء العالم وقد عمل ليدخل معه إلى الملكوت السماوي الذين يخلصون 000 يسوع المسيح ابن الله الحبيب " (مثل 2:9،5) .
(16) يوسابيوس ك 3 ف15 .
(17) Adv. Haer. b. 3:31.
ــــــــــــــــــــ
- 27 -
? وأيضًا يكتب نفس ما جاء في بداية الرسالة إلي العبرانيِّين " الذي هو بهاء مجده ، صار أعظم من الملائكة بمقدار ما ورث أفضل منهم . فقد كتب " الصانع ملائكته أرواحًا وخدَّامه لهيب نار. ويقول الربّ عن ابنه " أنت ابني أنا اليوم ولدتك 000 ويقول له أيضا " اجلس عن يميني حتى أضع أعداءك تحت قدميك " (ف36).
? كما يُشير إلي ملكوته السماويّ فيقول " كلُّ الأجيال من آدم إلي يومنا هذا قد عبرت، أمَّا المتكلِّمون في الحبِّ بالنعمة الإلهيَّة فيجلسون في مجالس القدِّيسين ويظهرون عند إعلان ملكوت المسيح " (ف50) .
? وأشار إلي عقيدة الثالوث، الآب والابن والروح القدس بأسلوب الرسل دون أنْ يقصد أيّ شرح، لأنَّ هذا الموضوع لم يكنْ قد أُثير بعد، فيقول " أليس لنا إلهٌ واحدٌ، ومسيحٌ واحدٌ، وروحُ نعمةٍ واحدٍ سُكب علينا " (ف46)، " حيّ هو اللَّه، حيّ هو يسوع المسيح ربنا، وحيّ هو الروح القدس " (ف58) .
? ويصف المسيح باِبن اللَّه الحبيب والوحيد " ابنه الحبيب يسوع المسيح 000 بيسوع المسيح ابنك الوحيد 000 أنَّك أنت هو اللَّه ويسوع المسيح هو اِبنك "(ف59) .
ــــــــــــــــــــ
- 28 -
? ويختم رسالته بنفس أسلوب الرسل " نعمة ربنا يسوع المسيح تكون معكم ومع جميع الذين دعاهم لله في كل موضع بالمسيح الذي له ومعه المجد والكرامة والسلطان والعظمة والعرش الأبدي من جبل إلى جيل ، آمين " .
(4) ويشرح القديس أغناطيوس (35 - 107م)، الذي كان أسقفًا لأنطاكية وتلميذًا للقدِّيس بطرس الرسول، وقال عنه المؤرِّخ الكنسي يوسابيوس القيصريّ " أغناطيوس الذي اختير أسقفاً خلفاً لبطرس، والذي لا تزال شهرته ذائعة بين الكثيرين " (18) ، إيمان الكنيسة في عصره، فيُوضِّح كيف أنَّ الربّ يسوع المسيح هو اللَّه ولكنَّه، ظهر في الجسد، تجسد وصار إنسانًا حقيقيًا، هو الإله المتجسِّد " إنَّه المسيح المصلوب هو الإله المتجسِّد ":
? فيقول في مقدِّمة رسالته إلي الرومان " تحيَّة لا شائبة فيها في يسوع المسيح إلهنا ". ويقول في نفس الرسالة أيضًا " وإلهنا يسوع المسيح عاد إلي حضن أبيه وبذلك صار يتجلَّي لنا بمزيد من الوضوح " (ف 30 : 3). ويقول في رسالته إلي أفسس " أنَّه حالٌّ فينا ونحن هياكله وهو إلهنا الساكن فينا " (أفسس 15 : 3) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(18) يوسابيوس ك 3 ف 2:36 .
ــــــــــــــــــــ
- 28 -
? وفي رسالته إلي روما " وإلهنا كلنا يسوع المسيح " (روما53:3)، وفي رسالته إلي سميرنا " المسيح إلهنا " (سميرنا 1:107). ويختم رسالته إلي بوليكاربوس بقوله " وداعًا في إلهنا يسوع المسيح " (بوليكاربوس1:1).
? ويقول أيضًا أنَّه اللَّه الذي تجسَّد وصار إنسانًا " لقد صار اللَّه إنسانًا لتجديد الحياة الأبديَّة " (أفسس3:19). ووصفه بالإله المتجسِّد فيقول " لأنَّ إلهنا يسوع المسيح قد حبلت به مريم حسب تدبير اللَّه " (أفسس2:18). كما يصف الدم الذي سفكه المسيح بأنَّه دم اللَّه فيقول " وقد أكملت عمل الإخوة حتى النهاية بدم اللَّه " (أفسس1:1). وأنَّ آلامه هي الآم اللَّه " دعوني أفتدي بآلام إلهي " (روما 6 : 3).
? ويؤكِّد علي حقيقة تجسُّده وكمال ناسوته حيث إتَّخذ جسدًا حقيقيًا، فيقول " المسيح يسوع الذي من نسل داود والمولود من مريم، الذي وُلد حقًا وأكل حقًا وشرب حقًا، وصُلب حقًا علي عهد بيلاطس البنطي، ومات حقًا أمام السمائيِّين والأرضيِّين " (ترالس 9)، " أشكر يسوع المسيح الإله 000 الذي وُلد حقًا من نسل داود حسب الجسد " (ازمير1) .
? ويؤكِّد علي حقيقة كونه إلهًا وإنسانًا في آنٍ واحدٍ " يُوجد طبيبٌ واحدٌ هو في الوقت نفسه جسدٌ وروحٌ (إنسانٌ وإلهٌ)، مولود وغير
ــــــــــــــــــــ
- 29 -
مولود، الله صار جسدًا ، حياة حقيقيَّة في الموت، من مريم ومن اللَّه ، في البدء كان قابلاً للألم وأصبح الآن غير قابلٍ للألم، هو يسوع المسيح ربُّنا " (أفسس8 : 2)، وأيضًا " إيمانٌ واحدٌ بيسوع المسيح الذي من نسل داود حسب الجسد؛ ابن الإنسان وابن اللَّه " (أفسس20 : 2)، وأيضًا " يسوع المسيح الكائن قبل الدهور مع الآب وقد ظهر في ملء الزمان " (مغنيسيا 6 : 1). وأيضًا " وليكن نظرك علي من لا يتغيَّر أي ذاك الذي يعلو الزمان ولا يُريى وقد صار مرئيًا لأجلنا، لا يلمس ولا يتألَّم ولكنه قد صار ملموسًا ومتألمًا وإحتمل كلّ شيء لأجلنا " (بوليكاربوس 3 : 2).
وهكذا قدَّم لنا يسوع المسيح في لاهوته وناسوته، كالإله المتجسِّد، بصورةٍ دقيقةٍ ومتطابقةٍ مع الكتاب المقدَّس تمامًا. وكان في أقواله هذه الردّ الكافي والحاسم علي كلٍّ من الأبيونيِّين والغنوسيِّين.
(5) ويقول القديس بوليكاربوس أسقف أزمير (65- 155م)، والذي كان تلميذًا للقدِّيس يوحنَّا الرسول وبعض الرسل الذين أقاموه أسقفًا علي أزمير بآسيا الصغري، كما يقول إريناؤس أسقف ليون والمؤرِّخ الكنسي يوسابيوس القيصري (19) والقديس جيروم (20) ،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(19) يوسابيوس ك3 ف 1:26، ك4 ف 3:14 .
(20) مشاهير الرجال ف 17 .
ــــــــــــــــــــ
- 30 -
والذي استلم التقليد الرسولّى من الرسل. في رسالته القصيرة التي كتبها (فيما بين 108 - 110م)، " من لا يعترف بأنَّ يسوع قد جاء في الجسد فهو ضد المسيح " (ف 7 : 7). وهذا نفس ما قاله القدِّيس يوحنَّا والذي ردَّ به، بالروح، على الأبيونيَّة والغنوسيَّة معًا.
وكان هذا هو نفس إيمان رسل المسيح وتلاميذه والذي كان معروفًا عنهم في القرن الأوَّل الميلاديّّ سواء من الوثنيِّين أو اليهود. فقد كتب بلِّيني في رسالة له للإمبراطور تراجان " أن المسيحيين يعبدون المسيح كاللَّه أو اِبن اللَّه " (21) . وأيضًا " عادة يجتمع المسيحيُّون قبيل الفجر في يوم محدَّد لإكرام المسيح إلههم بالترانيم " (22) . ويذكر المؤرِّخ الكنسي يوسابيوس القيصريّ أنَّه جاء في رسالة لأبجر ملك اديسا موجهًا للربِّ يسوع المسيح قوله " وإذ سمعت عنك كل هذه الأمور استنتجت أنَّه لابد أنْ يكون أحد هذَين الأمرَين صحيحًا، إمَّا أنْ تكون أنت اللَّه وقد نزلت من السماء تصنع هذه الأمور، أو تكون أنت اِبن اللَّه وصنعت هذه الأمور " (23) .
6- يوستينوس الشهيد (100 إلى 165م): عاش يوستينوس الشهيد في بداية القرن الثاني، وكرَّس حياته للدفاع عن المسيحيَّة وكان أوَّل المدافعين عنها،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(21) Theological Dic. NT vol. 3 p. 106.
(22) تارخ الفكر جـ 1 : 155 .
(23) Ibid, 106 . أنظر أيضا تفسير المشرقي جـ 2
ــــــــــــــــــــ
- 31 -
وقد بقى لنا من كتاباته دفاعان عن المسيحيَّة وجَّههما للإمبراطور الرومانيّ أنطونيوس بيوس (138 - 161م) والسانتوس الروماني (24) ، وحوار مع الفيلسوف اليهوديّ فيلو والذي شرح فيه التسليم الرسوليّ، المسلَّم من رسل المسيح للكنيسة، فيقول " لأنَّه كما آمن إبراهيم بصوت اللَّه وحُسب له ذلك برًا، ونحن بنفس الطريقة آمنا بصوت اللَّه الذي تحدَّث لنا بواسطة رسل المسيح وأُعلن لنا بواسطة الأنبياء حتَّي الموت لأنَّ إيماننا تبرَّأ بكلِّ ما في العالم " (25) ، ويقول عنه الدارسون أنَّه يصف تكرارًا التقليد كما تسلَّمه عن المسيح (26).
وقد تكلَّم عن المسيح باعتباره كلمة اللَّه الذي كان موجودًا قبل كلِّ خليقة وهو نفسه اللَّه الذي ظهر للآباء البطاركة في العهد القديم وكلَّمهم بإعتباره إله إبراهيم وإسحق ويعقوب، وأنَّه ابن اللَّه الوحيد الذي من ذات اللَّه وغير المنفصل عنه مثلما لا ينفصل نور الشمس عن الشمس، والذي صار إنسانا بولادته من عذراء وتألَّم في عهد بيلاطس البنطي لأجل خلاصنا. ومن أقواله، علي سبيل المثال :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(24) يوسابيوس ك 4 ف 12و18 .
(25) Dialogue 76 .
(26) Jesus After the Gospels p. 59 .
ــــــــــــــــــــ
- 33 -
? " مكتوب في مذكرات رسله (أي الأناجيل) أنَّه ابن اللَّه، ولأننا ندعوه الابن، فقد أدركنا أنَّه وُلد من الآب قبل كلِّ الخلائق بقوَّته وإرادته 000 وصار إنسانًا من العذراء لكي يدمِّر العصيان الذي نتج بسبب الحيَّة " (27) .
? " تعلَّمنا أنَّ الخبز والخمر كانا جسد ودم يسوع الذي صار جسد ًا " (28) .
? " يسوع المسيح هو الابن الوحيد المولود من اللَّه لكونه كلمته ( Logos - λογος) وبكره وصار جسدًا بحسب إرادته " (29) .
? " نعبد ونحب الكلمة ( Logos - λογος) الذي من اللَّه غير المولود وغير المنطوق به، فقد صار بشرًا لأجلنا " (30) .
? " الكلمة ( Logos – λογος) ذاته الذي إتَّخذ شكلاً وصار بشرًأ ودُعي يسوع المسيح " (31) .
? " قال يسوع وليس أحد يعرف الابن إلاَّ الآب ولا الآب إلاَّ الابن، ومن أراد الابن يُعلن له، لأنًَّ اليهود لم يعرفوا من هو الآب ولا من هو الابن 000 والآن نقول، كما قلَّنا سابقًا، كلمة اللَّه هو اِبنه " (32) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(27) Dial. 100 .
(28) Dial.. 66 .
(29) Apology 1:23 . ـ
(30) Apology 2:13 .
(31) Apology 1:
(32) Apology 1:63 .
ــــــــــــــــــــ
- 34 -
وفي حواره الطويل مع تريفو الفيلسوف اليهودي يؤكِّد له أنَّ اللَّه والربّ الذي ظهر للآباء البطاركة هو ابن اللَّه نفسه، الربّ يسوع المسيح، فيقول " تُبيَّن الأسماء المختلفة للمسيح، بحسب الطبيعتَين أنَّه، هو اللَّه الذي ظهر للآباء ، وقد دُعي مرَّة بملاك المشورة العظيم (ملا 3/1)، ودُعي إنسانًا في حزقيال، ومثل اِبن إنسان في دانيال، ووُلد في أشعياء، ودعاه داود مسيح وإله ومعبود 000 هو اللَّه ابن اللَّه الغير مولود وغير المنطوق به، لأنَّ موسي يقول الآتي في مكان ما في الخروج " وَأنَا ظَهَرْتُ لابْرَاهِيمَ وَاسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ بِانِّي الْالَهُ الْقَادِرُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ. وَامَّا بِاسْمِي «يَهْوَهْ» فَلَمْ اعْرَفْ عِنْدَهُمْو وَأَيْضًا اقَمْتُ مَعَهُمْ عَهْدِي " ( خر6/3-4 ). ويقول أيضًا أنَّ إنسانًا صارع مع يعقوب، ويؤكِّد أنَّه اللَّه، رؤيا اللَّه، فقد قال يعقوب " نَظَرْتُ اللهَ وَجْها لِوَجْهٍ وَنُجِّيَتْ نَفْسِي " ( تك32/24-30 )، ومكتوب أنَّه دعا اسم المكان الذي صارعه فيه وظهر له وباركه فيه وجه اللَّه " فنيئيل " 000 ودعي بالكلمة لأنَّه يحمل الأخبار من الآب للبشر ولكنه غير منقسم أو منفصل عن الآب أبدًا كما يُقال أنَّ نور الشمس الذي علي الأرض غير مُنقسم وغير مُنفصل عن الشمس في السماء 000 إنَّه مولود من الآب بقوَّته وإرادته ولكن دون انفصال " (33) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(33) Dial. 126 – 129 .
ــــــــــــــــــــ
- 35 -
? وقال عن ناسوته " دعي يسوع نفسه اِبن الإنسان أمَّا بسبب ولادته من خلال عذراء أو لأنَّه جاء من نسل داود والبطاركة " (34) .
7 - ايريناؤس (120-202م) أسقف ليون : كان إيريناؤس أسقف ليون بالغال (فرنسا حاليًا) هو أحد تلاميذ تلاميذ الرسل وخلفائهم وحلقة الوصل بين تلاميذ الرسل ومن جاءوا بعده، فقد شاهد واستمع لتلاميذ الرسل، خاصَّة بوليكاربوس الذي استمع إليه ورآه في شبابه، ويقول عنه " أنَّه إلي الآن لم يزلْ ثابتًا في مخيَّلتي نوع الاحتشام والرصانة الذي كان يتَّصف به القدِّيس بوليكاربوس مع احترام هيئته ووقار طلعته وقداسة سيرته، وتلك الإرشادات الإلهيَّة التي كان يعلِّم بها رعيَّته وأبلغ من ذلك كأنِّي أسمع ألفاظه التي كان ينطق بها عن الأحاديث التي تمت بينه وبين القدِّيس يوحنَّا الإنجيليّ وغيره من القدِّيسين الذين شاهدوا يسوع المسيح علي الأرض وتردُّدوا معه وعن الحقائق التي تعلذَمها وتسلَّمها منهم " (35) .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(34) Dial. 100.3 .
(35) الآباء الرسوليين للقمص تادرس يعقوب ص 126 أنظر أيضا Ag. Haer. 3:3, 4
ــــــــــــــــــــ
- 36 -
وقد كتب مجموعة من الكتب " ضد الهراطقة " دافع فيها عن المسيحيَّة وأسفارها المقدَّسة وردّ علي هرطقة الغنوسيِّين وهرطقة الأبيونيِّين وشرح الإيمان المسيحيّ في عصره كما تسلَّمه من تلاميذ الرسل " الإيمان المسلّم مرة للقديسين " ( يه3 ). وأكَّد من خلال آيات الكتاب المقدَّس أنَّ الرب يسوع المسيح هو ابن اللَّه الوحيد، اللَّه الابن، وكلمته وحكمته وقوَّته، الموجود مع الآب، في ذات الآب، بلا بداية، الذي خلق به كل شيء في الكون. كما أكَّد علي حقيقة تجسُّده، إتخاذه جسدًا، وكان من أوائل آباء الكنيسة الذين استخدموا تعبير " التجسُّد - sarkosis ، σαρκσις أو ensarkosis ، ενσαρκοσς" ، أي إتَّخذ جسدًا من تعبير القدِّيس يوحنَّا " والكلمة صار جسدا - και ό λογος σαρκς εγενετο - kai ho logos sarx egeneto " (36) . وأنَّ المسيح بتجسُّده إتَّخذ الطبيعة الإنسانيَّة الكاملة بكلِّ ما تحمله الكلمة من معني، كما أنَّه لم يتَّخذْ جسدًا من طبيعة أخري غير طبيعة الإنسان، من لحمٍ ودمٍ وروحٍ إنسانيَّة (37) . ويؤكِّد علي أنَّه كان له روح بشريَّة كالتي لنا " كما أننا مُكَوَّنين من جسد مأخوذ من التراب ومن نفس تُقبل روح من اللَّه .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(36) Catholic Encyclopedia, Incarnation...
(37) Adv.Her. 5:12, 2 .
ــــــــــــــــــــ
- 37 -
فهذا ما صار إليه كلمة الله متخذا لنفسه صنعة يديه وعلى هذا الأساس أعترف بنفسه كابن الإنسان ". (38) وفيما يلي بعض من أقوله :
? " تسلَّمت الكنيسة 000 من الرسل ومن تلاميذهم هذا الإيمان [ فهي تؤمن ] بإلهٍ واحدٍ الآب القدير خالق السماء والأرض والبحر وكلّ ما فيها، وبيسوع المسيح الواحد، ابن اللَّه الذي تجسَّد لأجل خلاصنا " (39) .
? " صار الله إنسانًا والرب نفسه خلَّصنا معطيًا لنا علامة العذراء " (40)
? " كلمة اللَّه ربّنا يسوع المسيح الذي صار إنسانًا بين البشر في الأيام الأخيرة ليُوحِّد النهاية في البداية، أي اللَّه بالإنسان " (41) .
? " لأجل خلاصنا ، يسوع المسيح ربنا " (42) .
? " كان الكلمة موجودًا في البدء مع اللَّه، وبه خلق كلّ شيء وكان دائمًا موجودًا مع الجنس البشريّ، وحديثًا جدًا، في لحظة معيَّنة من الآب، اتحد مع صنعة يديه وبه صار إنسانًا خاضعًا للألم " (43) .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(38) B5:14, 2 .
(39) B 1:10, 1 .
(40) B3:21, 1 .
(41) B4:20, 4 .
(42) B3:16, 2 .
(43) B3:18, 1.
ــــــــــــــــــــ
- 38 -
وقد شرح القدِّيس إيريناؤس التجسُّد ووحدة شخص المسيح الواحد، من خلال حديثه عن حلول الروح القدس علي العذراء وولادة عمانوئيل الذي هو اللَّه معنا منها، في مجمل ردِّه علي الغنوسيِّين " وُلد ابن اللَّه من عذراءٍ، وهو نفسه المسيح المخلِّص الذي تنبَّأ عنه الأنبياء، ليس كما يقول هؤلاء الناس (أي الغنوسيِّين) أنَّ يسوع هو الذي وُلد من مريم ولكن المسيح هو الذي نزل من فوق " . ثم يقول أنَّ متَّي لم يقلْ " أّمّا ولادة يسوع فكانت هكذا " إنَّما قال " أَمَّا وِلاَدَةُ يَسُوعَ الْمَسِيحِ فَكَانَتْ هَكَذَا " ( مت1/18 )، " وهو عمانوئيل لئلا نتخيَّل أنَّه مجرَّد إنسان: لأنَّه ليس من مشيئة جسد ولا من مشيئة إنسان، بل بإرادة اللَّه صار الكلمة جسدًا. ويجب أنْ لا نتخيَّل أنَّ يسوع واحد والمسيح آخر، ولكن يجب أنْ نعرف أنَّهما نفس الواحد " (44) .
? كما ردَّ علي الأبيونيِّين قائلاً " وباطل أيضًا الأبيونيين الذين لم يقبلوا الإيمان لنفوسهم في اتحاد اللَّه والإنسان 000 ولم يريدوا أنْ يفهموا أنَّ الروح القدس حلَّ علي العذراء وأنَّ قوة العليّ ظلَّلتها ، ولذا فالذي وُلد هو قدوس وابن اللَّه العليّ أبو الكلِّ ، ونتج التجسُّد " (45) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(44) B3:16, 2 .
(45) B5:1, 3 .
ــــــــــــــــــــ
- 39 -
? ومثل أغناطيوس الأنطاكي الذي شرح كيفيَّة قبول المسيح للحدود البشريَّة " من لا يتغيَّر، أي ذاك الذي يعلو الزمان والمكان ولا يري ولكن صار مرئيًا لأجلنا، لا يُلمس ولا يتألَّم ولكنه صار ملموسًا ومتألمًا وإحتمل كلِّ شيء لأجلنا "، فقال " أنَّ الربّ يسوع المسيح من أجلنا قبل الحدود الجسديَّة والإنسانيَّة، الذي كان غير مرئي صار مرئيًا، غير المتألِّم صار متألمًا لأجلنا، غير المدرك صار مدركًا لأجلنا " (46) .
وهكذا قدَّم آباء الكنيسة، خلفاء الرسل، الذين تسلَّموا منهم " الإيمان المسلَّم مرة للقدِّيسين "، الإيمان الصحيح والعقيدة القويمة (الأرثوذكسيَّة) للكنيسة الواحدة الجامعة الرسوليَّة في لاهوت المسيح، وأنَّه هو اللَّه الذي تجسَّد وظهر علي الأرض في الجسد، كلمة اللَّه إتَّخذ جسدًا، صار جسدًا، حلّ بملء لاهوته في الجسد، صورة اللَّه إتَّخذ صورة العبد ووُلد من امرأة في ملء الزمان، وردوا علي هرطقات القرنين الأوّل والثاني، والتي أتت من خارج الكنيسة وأظهروا فساد أفكارها وبدعها.
وها نحن أيضًا نُبرز إيمانهم ونُوضِّح عقيدتهم وإيمانهم بأنَّ المسيح هو اللَّه، ونردّ علي النقَّاد والكتَّاب الذين خمَّنوا وأفتوا فيما لا يعلمون.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(46) See B3:16, 6. And Jesus after the Gospels p. 102.
ــــــــــــــــــــ
- 40 -
4ـ قوانين إيمان الرسل حتى مجمع نيقية
قبل صعوده إلي السموات لخَّص الربّ يسوع المسيح الإيمان المسيحيّ في عبارةٍ واحدةٍ هي: " بِاسْمِ الآبِ وَالاِبْنِ وَالرُّوحِ الْقُدُسِ " وقال لتلاميذه " فَاذْهَبُوا وَتَلْمِذُوا جَمِيعَ الأُمَمِ وَعَمِّدُوهُمْ بِاسْمِ الآبِ وَالاِبْنِ وَالرُّوحِ الْقُدُسِ . وَعَلِّمُوهُمْ أَنْ يَحْفَظُوا جَمِيعَ مَا أَوْصَيْتُكُمْ بِهِ. وَهَا أَنَا مَعَكُمْ كُلَّ الأَيَّامِ إِلَى انْقِضَاءِ الدَّهْرِ »" ( مت28/19-20 ). وكانت هذه الصيغة " وَعَمِّدُوهُمْ بِاسْمِ الآبِ وَالاِبْنِ وَالرُّوحِ الْقُدُسِ "، مع بساطتها في تلخيص جوهر الإيمان المسيحيّ كما سلَّمه الربّ يسوع المسيح نفسه للكنيسة من خلال الرسل، هي قانون الإيمان الأوَّل في الكنيسة المسيحيَّة الجامعة الرسوليَّة في كلِّ البلاد والأماكن التي انتشرت فيها المسيحيَّة في القرون الثلاثة الأولي للمسيحيَّة. كما قدَّم لنا القدِّيس بولس، بالروح القدس، صيغة خاصَّة بالآب والابن في مواجهة آلهة العالم الوثنيّ تقول " لأَنَّهُ وَإِنْ وُجِدَ مَا يُسَمَّى آلِهَةً سِوَاءٌ كَانَ فِي السَّمَاءِ أَوْ عَلَى الأَرْضِ كَمَا يُوجَدُ آلِهَةٌ كَثِيرُونَ وَأَرْبَابٌ كَثِيرُونَ. لَكِنْ لَنَا إِلَهٌ وَاحِدٌ: الآبُ الَّذِي مِنْهُ جَمِيعُ الأَشْيَاءِ وَنَحْنُ لَهُ. وَرَبٌّ وَاحِدٌ: يَسُوعُ الْمَسِيحُ الَّذِي بِهِ جَمِيعُ الأَشْيَاءِ وَنَحْنُ بِهِ ." ( 1كو8/5-6 ).
ــــــــــــــــــــ
- 41 -
وكان هذا الإيمان، مع بساطته، هو الذي نادت به الكنيسة في كلَّ مكانٍ، شرقًا وغربًا وشمالاً وجنوبًا، والذي إتَّخذت منه، خاصَّة الآيتَين الأخيرتَين، قوانين إيمان يتلوها المعمَّد قبل معموديَّته مباشرة. وقد لخص لنا فيليب شاف المؤرِّخ الكنسيّ (47) هذه القوانين كما جاءت في كتابات آباء الكنيسة شرقًا وغربًا ونُضيف إليها ملخَّص إيمان أريوس الذي كان السبب في عقد مجمع نيقية، وننقلها مترجمة كما يلي:
1 - قانون إيمان الرسل (القرن الأول) "
1- أؤمن باللَّه الآب ضابط الكلّ (خالق السماء والأرض) ؛ 2- وبيسوع المسيح، اٍبنه الوحيد، ربنا ، 3- الذي (حُبل) به بالروح القدس، وُلد من العذراء مريم؛ 4- (تألم) في عهد بيلاطس البنطي، وصُلب (ومات) ودُفن ؛ 5 - (ونزل إلى الجحيم). وفي اليوم الثالث قام من الأموات؛ 6- صعد إلي السموات وجلس عن يمين (الله) الآب (ضابط الكل) ؛ 7- من ثمَّ يأتي ليدين الأحياء والأموات . 8- و(أومن) بالروح القدس؛ 9 - والكنيسة المقدَّسة (الجامعة)، (وشركة القديسين)؛ 10- وغفران الخطايا؛ 11- وقيامة الجسد؛ 12- (والحياة الأبدية) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(47) Philip Schaff History of the Christian Church vol. 2: 536 – 537. See also قانون الإيمان للرسل - الدياديكية للقمص تادرس يعقوب ملطي ص 15 - 19 .
ــــــــــــــــــــ
- 42 -
2- قانون إيمان القديس إيريناؤس (عام 170م)"
1 - نؤمن 000 بإلهٍ واحدٍ الآب ضابط الكلّ، خالق السماء والأرض والبحر وكلّ ما فيها؛ 2- وبيسوع المسيح، الواحد، ابن اللَّه (ربنا) ، 3- الذي صار جسد|ًا (من العذراء ) لأجل خلاصنا؛ 4- وآلامه (في عهد بيلاطس البنطي)، 5- وقيامته من الأموات؛ 6- وصعوده إلي السموات جسديًا؛ 7- ومجيئه من السموات في مجد الآب لكي يضم كل الأشياء في رأس واحد 00 ويجري حكمًا عادلاً على الجميع . 8- وبالروح القدس 000 ؛ 11- وأنَّ المسيح سيأتي من السموات ليُقيم كلّ جسد 000 وليدين الأشرار والظالمين في نار الأبديَّة، 12- ويُعطي المستقيمين والقدِّيسين خلودًا ومجدًا أبدي ًا ".
3 - العلامة ترتليان ، من شمال أفريقيا (200م) "
1- نؤمن بإله واحد، خالق العالم، الذي أوجد الكلّ من عدم 000؛ 2- وبالكلمة اِبنه يسوع المسيح؛ 3- الذي نزل إلي العذراء من خلال روح اللَّه الآب وقوته، وصار جسدًا في أحشائها وولد منها ؛ 4- ثُبّت على الصليب (في عهد بيلاطس البنطي)، مات ودُفن؛ 5- قام في اليوم الثالث؛ 6- رُفع إلى السموات وجلس عن يمين اللَّه الآب؛ 7- سيأتي ليدين الأحياء والأموات. 11- وأن المسيح سيتقبل قديسيه بعد استعادة الجسد ؛ 12- في متعة الحياة الأبديَّة، ومواعيد السماء، ويدين الأشرار بنار أبديَّة " .
ــــــــــــــــــــ
- 43 -
4- القديس كبريانوس ، من قرطاجنة (250م) :
1- نؤمن باللَّه الآب، 2- وبابنه المسيح ، 8- بالروح القدس، 9- أومن بغفران الخطايا، 12- والحياة الأبدية خلال الكنيسة المقدسة.
5 - نوفاتيان ، من روما (250م) :
1- نؤمن بالله الآب والرب ضابط الكل. 2- بابن الله ، يسوع المسيح ، الله ربنا ، 8- بالروح القدس (الموعود به منذ القديم للكنيسة، وأعطي في الوقت المعين والمناسب).
6- العلامة أوريجانوس، من الإسكندرية (230م):
نؤمن بإله واحد، الذي خلق وأوجد كلّ شيء. الذي في آخر الأيام أرسل 2- ربنا يسوع المسيح. مولودًا من الآب قبل كل الخليقة . 3- مولودًا من العذراء ومن الروح القدس. تجسَّد وهو لا يزال اللَّه . 4- تألَّم حقًا، ومات، 5- قام من الأموات 6- ورُفع 00 8- الروح القدس، متَّحدًا في كرامة وجلال الآب والابن.
7- أغريغوريوس أسقف قيصرية الجديدة:
1- نؤمن بالله الآب، 2- برب واحد. إله من إله، صورة وشكل اللاهوت. الحكمة والقدرة التي أوجدت كل الخليقة، الابن الحقيقيّ للآب الحقيقيّ .
ــــــــــــــــــــ
- 44 -
8 - بروح قدسٍ واحدٍ، خادم التقديس، فيه يعلن الله الآب، الذي فوق كلّ الأشياء، ويُعلن اللَّه الابن الذي هو خلال كل الأشياء. ثالوث كامل، غير منقسم ولا مختلف في المجد، والأبديَّة والسلطان.
8- لوقيانوس، أو لوسيان (مُعلم أريوس)، إنطاكية (300م):
1- نؤمن بإله واحد، الآب ضابط الكلّ، خالق كلّ شيء، والمعتني بكل شيء؛ 2- وبربٍ واحدٍ يسوع المسيح اِبنه، المولود من الآب قبل كلّ الدهور، إله من إله، الحكمة، الحياة، النور . 3- الذي وُلد من عذراء حسب الكتب، وتأنَّس؛ 4- الذي تألَّم من أجلنا، 5- وقام من أجلنا في اليوم الثالث؛ 6- وصعد إلي السموات، وجلس عن يمين الله الآب؛ 7- وسيأتي أيضًا بقوَّة ومجدٍ ليَدين الأحياء والأموات. 8- وبالروح القدس، المعطي للتعزية والتقديس والكمال للذين يؤمنون .
9- يوسابيوس، أسقف قيصرية (325م):
1- نؤمن بإله واحد، الآب ضابط الكلّ، خالق كلّ شيء، ما يرى وما لا يرى؛ 2- وبربٍ واحدٍ يسوع المسيح، كلمة اللَّه، إله من إله، نور من نور، حياة من حياة، الابن الوحيد، بكر كلّ الخليقة، مولود من الآب قبل كلِّ الدهور، به كان كلّ شيء. 3- الذي من أجل خلاصنا صار جسدًا بين البشر؛ 4- وتألم، 5- وقام في اليوم الثالث؛ 6- وصعد إلي الآب؛ 7- وسيأتي بمجدٍ ليَدين الأحياء والأموات. 8- نؤمن أيضًا بالروح القدس.
ــــــــــــــــــــ
- 45 -
10- إقرار الإيمان كما قدمه أريوس للملك قسطنطين(48)!
وأخيراً نقدِّم إقرار إيمان أريوس الذي أثار زوبعة شديدة وعُقد بسببه مجمع نيقية، يقول أريوس في إقراره " - نؤمن بإلهٍ واحدٍ، الآب القدير؛ 2- وبالربِّ يسوع المسيح اِبنه، المولود منه قبل كلِّ الدهور، اللَّه الكلمة الذي به صنع كلّ شيء، ما في السموات وما علي الأرض . 3- الذي نزل من السماء وصار متجسِّدًا؛ 4- وتألَّم، 5- وقام ثانية؛ 6- وصعد إلي السموات؛ 7- وسيأتي ثانية ليدين الأحياء والأموات. 8- [ونؤمن] أيضًا بالروح القدس. 9- وبقيامة الجسد وحياة الدهر الآتي، وبملكوت السموات، 10- وبكنيسة اللَّه الواحدة الجامعة، الممتدة من أقصي الأرض إلي أقصاها.
الإيمان الذي استلمناه من الأناجيل المقدَّسة، حيث يقول الرب لتلاميذه - " اذْهَبُوا وَتَلْمِذُوا جَمِيعَ الأُمَمِ وَعَمِّدُوهُمْ بِاسْمِ الآبِ وَالاِبْنِ وَالرُّوحِ الْقُدُسِ . ". وإذا كنَّا لا نؤمن هكذا ونقبل حقًا الآب والابن والروح القدس، مثل كلّ الكنيسة الجامعة وكما تُعلِّم الأسفار المقدَّسة (التي نؤمن بها ونوقِّرها جدًا)، فاللَّه دياننا الآن وفي الدينونة الآتية ".
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(48) Socrates Church History 1:26.
ــــــــــــــــــــ
- 46 -
وتبدو هذه الصيغ العشرة للإيمان متشابهة ومتماثلة في جوهرها، بما فيها إقرارات إيمان لوسيان ويوسابيوس أسقف قيصرية وأريوس، إلي حدٍ كبيرٍ، والفروق بينها طفيفة جدًا وغير جوهريَّة . وجميعها مأخوذة من آيات الكتاب المقدَّس، أو مبنِّية علي أساس آياته الإلهيَّة.
وكان الخلاف بين آريوس ومن شايعه وبقيَّة آباء الكنيسة ليس في لاهوت المسيح وحقيقة كونه اِبن اللَّه وإله الكون وخالقه ومدبِّره وديانه، وإنما في عبارة " المولود من الآب قبل كلّ الدهور " والتي آمن آباء الكنيسة أنَّها ولادة في ذات اللَّه الآب بلا بداية وبلا نهاية، مثل ولادة النور من النور، كقول الكتاب " اَلاِبْنُ الْوَحِيدُ الَّذِي هُوَ فِي حِضْنِ الآبِ هُوَ خَبَّرَ " ( يو1/18 ). أمَّا آريوس فقد إعتقد أنَّ هذه الولادة قد بدأت في نقطة ما قبل كلّ الدهور ! قبل الزمن والخليقة! بمعني أنَّه كان هناك وقت لم يكنْ فيه الابن! ثمَّ ولد اللَّه الابن بمعني أوجده قبل الزمان والخليقة ليخلق به الكون ويدبِّره!! مناقضًا بذلك قول المسيح نفسه " أَنَا الأَلِفُ وَالْيَاءُ، الْبِدَايَةُ وَالنِّهَايَةُ، الأَوَّلُ وَالآخِر ُ " ( رؤ22/13 ).
ومع ذلك فهل يُؤمن هؤلاء النقَّاد والكتّّاب بما آمن به آريوس من أنَّ المسيح هو إله الكون وخالقه ومدبِّره وديَّانه وأنَّه ربّ الأنبياء ومُرسلهم وأنَّهم جميعًا رُسله وخدَّامه؟!