Apologetics اللاهوت الدفاعيّ (1)
هَلْ تَنَبّأَ الكِتَابُ المُقدّس عَنْ نَبِيٍّ آَخَرٍ يَأتِي بَعْدَ المَسِيحِ؟
القس عـبد المسيح بسيط أبو الخير كاهن كنيسة السيدة العـذراء الأثرية بمسطرد
هـل تنبأ الكتاب المقدس عـن نبي آخر يأتي بعـد المسيح؟ .
من هـو شيلوه في نبوّة يعـقوب؟ .
أرض فاران وتيمان بين سيناء والحجاز.
الأسماء والصفات المشتقة من كلمات شبيهة بالحمد.
نبوات من سفر المزامير، ومن هو المسيح المنتظر ؟
نبوات سفر دانيال النبي وحقيقة ملكوت السموات .
الباراقليط هل هو الروح القدس أم إنسان نبي؟.
تاريخ استخدام كلمة الباراقليط ومعناها وترجماتها المختلفة.
تكرّر كثيرًا في الأيام الأخيرة في الأفلام والمسلسلات الدينيّة استخدام آيات من الكتاب المقدّس بعهديه القديم والجديد على أنها نبوات تدلّ على نبوّة نبي يأتي بعد المسيح! وتزعم أنَّ هذه النبوات يعرفها الرهبان والقسوس كما يعرفون أبناءهم وأنَّهم يخفونها ويكتمون الحق ابتغاء لمكاسب دنيويّة وقتيّة زانلة!! وتُصوّر هذه الأفلام والمسلسلات الكثير من الرهبان والقسوس وهم يهرولون مسرعين في تلبية دعوة هذا الداعي، الذي يجدونه مكتوبـًا عندهم في التوراة والإنجيل!!
ولكن ما جاء في هذه الأفلام والمسلسلات لم يأت من فراغ فأن هناك عشرات بلّ مئات المجلّدات والكتب، القديمة والحديثة، والعشرات من المواقع على الإنترنت، التي كتبت ولا تزال تكتب في هذا الموضوع وتشير إلى عشراث الآيات والنصوص من الكتاب المقدّس بعهديه، القديم والجديد، على أنّها نبوات عن نبي يأتي بعد المسيح، وتفسّرها بمفهوم يختلف عن مفهوم الكتاب المقدس وتستنطقها بما ليس فيها وتطلب منها أن تقول ما لا تعلم عنه شيئًا!! بل وتحذف منها بعض كلمات جوهريّة و تُضيف إليها كلمات وعبارات غير موجودة فيها!! و تأخذها بالشبهات!! سواء من جهة الأسماء أو الصفات أو من جهه المواقع الجغرافية!!
كما لا يتفق تفسيرها مع منطق الكتاب المقدّس ولا مع مضمونه ومحتواه وجوهره، بلّ ويتجاهل حقيقة هامّة وهي أنَّ نفس الكتاب المقدس تنبّأ، في أكثر من 400 نبوة، عن كل دقائق وتفصيلات حياة الرب يسوع المسيح بصورة واضحة لا لبس فيها ولا غموض، حدّد فيها الأم التي سيولد منها والمكان الذي سيولد فيه والمناطق التي سيُكرز فيها والأعمال التي سيعملها...ألخ، بلّ وتنبّأ بأكثر من 35 نبوّة، واضحة وصريحة، تمّت بالحرف الواحد، وبصورة تفصيلية دقيقة، في يوم واحد من حياة المسيح على الأرض، هو يوم محاكمته وصلبه!!
هذه النبوات فهمها اليهوديّ صاحب العهد القديم وشرحها المسيح لتلاميذه،
ــــــــــ
- 6 -
وشرحوها هم بدورهم للعالم أجمع ودوّنوها في العهد الجديد. في حين أنَّ هؤلاء الذين أخرجوا آيات ونصوص من الكتاب المقدّس، وحاولوا تفسيرها على هواهم، وبما يتناسب مع أفكارهم، وراحوا يقتطفون كلمة من هنا وعبارة من هناك، ومن عبارات من عندهم ويحذفون كلمات لا تناسب فكرهم، لم يستطيعوا أنْ يدلّونا على آية واحدة صريحة تدلّ دلالة واضحة وصريحة ومباشرة على صدق تأويلاتهم، مثلما جاء في النبوات التي تنبأت عن كلّ تفاصيل حياة المسيح.
وفي هذا الكتاب نقدّم دراسة علميّة لاهوتيّة منطقيّة نوضّح فيها حقيقة إيماننا ونردّ على تساؤلات أولاد الكنيسة التي تنهال علينا لمعرفة حقيقة هذه الآيات المذكورة وصحة تفسيرها وتأويلها الصحيح، مستعينين ومسترشدين بما سبق أنْ شرحه الرب يسوع المسيح نفسه لهذه النبوّات، وما سجّله تلاميذه بالروح القدس واضعين في الاعتبار، أيضًا، فهم اليهود، خاصّة في الفترة السابقة والتالية مباشرة لتجسّد الرب يسوع المسيح، لهذه النبوّات. وموضّحين موقف كنيستنا المبني على صخرة الإيمان الذي علّمه لنا الرب يسوع المسيح الذي قال " على هذه الصضرة أبني كنيستي وأبواب الجحيم لن تقوى عليها ".
كما نؤكّد أنّنا لا نقصد الإساءة إلى عقيدة ما أو إلى أشخاص بعينهم وإنّما فقط نشرح آيات الكتاب المقدّس الذي هو كتابنا نحن بمبدأ " وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ " (النحل43). باعتبارنا أهل الذكر الذي يجب الرجوع إلينا فيما يختص بآيات كتابنا المقدّس، وأيضا" مُسْتَعِدِّينَ دَائِماً لِمُجَاوَبَةِ كُلِّ مَنْ يَسْأَلُكُمْ عَنْ سَبَبِ الرَّجَاءِ الَّذِي فِيكُمْ بِوَدَاعَةٍ " (1بطرس3/15).
عيد الميلاد المجيد
29كيهك سنة 1720 ش .
7و8يناير سنة 2004.
القس عبد المسيح بسيط أبو الخير
ــــــــــ
- 7 -
عن نبي يأتى بعد المسيح؟
زعم البعض أنَّ هناك نبوّات كثيرة تنبّأ بها الكتاب المقدّس بعهديه، القديم والجديد، عن نبي المسلمين، بلّ وحاولوا تصوير أنَّ جوهر رسالة المسيح هي البشارة بمجيئه!! وكتبوا في ذلك عشرات بل مئات المجلدات والكتب والمقالات عبر مئات السنين، وكلها تكرّر نفسها وتقتبس من بعضها البعض نفس النصوص ونفس الإدعاءات. كما وضعوها على لسان أبطال المسلسلات التلفزيونية حتى يحفظها ويردّدها العامّة من الناس. والأمر الغريب في ذلك أنهم يستشهدون بآيات الكتاب المقدّس ويحاولون تفسير كل كلمة فيها، بلّ وفي أحيان كثيرة يرجعون إلى لغات الكتاب المقدّس الأصلية، العبرانيّة واليونانيّة، لا ليستشهدوا بمعناها ومغزاها اللغويّ، بل يؤوّلونها ويفسّرونها حسب ظاهرها، بما يخدم أغراضهم، وليس بحسب جوهرها ومعناها الحقيقي!! في الوقت الذي يدّعون فيه أنَّ الكتاب المقدس، هو كتاب محرّف ولا يجوز الاعتماد عليه، كما يقولون أيضًا أنَّه نُسخ وأُلْغي بما جاء بعده!! بل ويرفضون بصورة مطلقة أنْ يضعوه مع كتابهم في مجلد واحد.
وعندما نسألهم لماذا تستشهدون بنصوص كتاب لا تؤمنون به وتدّعون أنّه مُحَرّف ومنسوخ؟! تكون الإجابة هي: أنه ما يزال يحتوي في داخله على بعض الحق برغم ما وقع به من تحريف!! قال أحدهم " ليس ثمّة من يقول بأن جميع ما في الأديان السابقة مُحَرّف، بلّ أن من المتفق عليه بين المسلمين وقوع التحريف في بعضها وليس في كلها. لذلك فأن ما صدقته النصوص الشرعية الإسلامية – قرآنا وسنة - مما في الكتب السابقة محكوم بالصحة وعدم تطرق التحريف إليه ". فهم
ــــــــــ
- 8 -
يبدؤون في قراءة الكتاب المقدس بفرضية مُسلّم بها بالنسبة لهم، وهى إذا أتفق الكتاب المقدّس مع الفكر الإسلامي في شيء ما يكون صحيحًا في هذا الشئ فقط وإذا تعارض معه في شيء آخر يكون محرفـًا!! أي أنه يكون محرفـًا عندما لا تتفق آياته معهم!! وتكون بعض آياته على حق عندما يتصورون أو يرون الآيات تتفق مع ما يقولون!!.
بل ويتعاملون بنفس الطريقة مع الآيات القرآنية الخاصة بالتوراة والإنجيل، فعندما تكون الآية في صالح التوراة والإنجيل يقال أنهما حُرفا بعد ذلك وعند يقول القرآن " الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ " ( الأعراف:157 ). ببحثون فيه عمّا يتصوّرون أنَّه أيات صحيحة لم تُحرّف بعد!! ولكنا نقول لهم إذا كان القرآن يقول " وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِندَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللّهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِن بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُوْلَـئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ. إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُواْ لِلَّذِينَ هَادُواْ وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُواْ مِن كِتَابِ اللّهِ وَكَانُواْ عَلَيْهِ شُهَدَاء "( المائدة:42،43 )، وأيضًا " وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الإِنجِيلِ بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فِيهِ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ "( المائدة46 ). فهذا يؤكّد صحّة كلّ ما جاء في التوراة والإنجيل اللذين كانا موجودين أيّام نبي المسلمين لسبب بسيط جدًا وهو أننا نملك مخطوطات للتوراة ترجع لما قبل المسيح بـ 200 سنة ولما قبل نبي المسلمين بأكثر من 800 سنة، كما نملك مخطوطات لأجزاء من العهد الجديد ونسخ كاملة من الأناجيل ترجع لما بين سنة 68م و 250م ومخطوطات كاملة لكل العهد الجديد ترجع لسنة 325م وترجع لما قبل الإسلام بأكثر من 300 سنة!! وكلّها مطابقة تمامًا لما معنا الآن لأنَّه مترجم عنها. ومن ثمَّ عليهم أن يقبلوا كلّ ما جاء فيهما بمنطقهما وفكرهما ومنهجهما في تطبيق ما جاء بهما من نبوّات أو يرفضونهما بكلّ ما جاء فيهما. لا مفرّ من ذلك ولا يمكن أنْ نعتبر أنَّ أجزاء منهما صحيحة وأخرى محرّفة!!
ــــــــــ
- 9 -
وعلي الرغم من اعتقاد بعضهم أنَّ الكتاب المقدّس نُسخ وأُلغي، إلا أنَّه لا مانع لديهم من الاستشهاد بآياته ما دام في ذلك مصلحة، بمبدأ الغاية تبرّر الوسيلة، والضرورات تبيح المحظورات!!
وكذلك نري في أسلوب مناقشاتهم وحواراتهم في هذا الموضوع أنَّهم يتجاهلون حقائق جوهريّة مثل: عقيدة التجسّد في المسيحيّة وعقيدة المسيح في الإسلام، والمفهوم اليهودى لهذه النبوّات.
1- عقيدة التجسّد في المسيحيّة: بالرغم من الإيمان بلاهوت المسيح كابن الله كلمة الله الذي من ذات الله والواحد مع الآب في الذات الإلهية لله الواحد، فقد تجسّد، وأتخذ صورة الإنسانية الكاملة " وَالْكَلِمَةُ صَارَ جَسَداً وَحَلَّ بَيْنَنَا "( يوحنا1/14 ). " الَّذِي إِذْ كَانَ فِي صُورَةِ اَللهِ، لَمْ يَحْسِبْ خُلْسَةً أَنْ يَكُونَ مُعَادِلاً لِلَّهِ. لَكِنَّهُ أَخْلَى نَفْسَهُ، آخِذاً صُورَةَ عَبْدٍ، صَائِراً فِي شِبْهِ اَلنَّاسِ. وَإِذْ وُجِدَ فِي اَلْهَيْئَةِ كَإِنْسَانٍ، وَضَعَ نَفْسَهُ وَأَطَاعَ حَتَّى اَلْمَوْتَ مَوْتَ اَلصَّلِيبِ. " ( فيليبي2/6-8 ) . ولأنه أتّخذ الإنسانيّة الكاملة فقد كان كما يقول الكتاب " مُجَرَّبٌ فِي كُلِّ شَيْءٍ مِثْلُنَا، بِلاَ خَطِيَّةٍ " ( عبرانيين4/15 ). أي أنَّ المسيح هو ابن الله وكلمته وصوره جوهره ولكنه تجسّد وصار بشرًا، " ابن الإنسان "، صار إنسانـًا وقال عن نفسه لليهود " وَلَكِنَّكُمُ الآنَ تَطْلُبُونَ أَنْ تَقْتُلُونِي وَأَنَا إِنْسَانٌ قَدْ كَلَّمَكُمْ بِالْحَقِّ الَّذِي سَمِعَهُ مِنَ اللَّهِ " ( يوحنا8/40 ). وكإنسان مُسح كاهنًا وملكًا ونبيًا بالروح القدس كقول القدّيس بطرس بالروح " يَسُوعُ الَّذِي مِنَ النَّاصِرَةِ كَيْفَ مَسَحَهُ اللهُ بِالرُّوحِ الْقُدُسِ وَالْقُوَّةِ الَّذِي جَالَ يَصْنَعُ خَيْراً وَيَشْفِي جَمِيعَ الْمُتَسَلِّطِ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ لأَنَّ اللهَ كَانَ مَعَهُ " ( أعمال الرسل10/38 ). ومارس عمل النبوة ودعي بالنبي " فَقَالَتِ الْجُمُوعُ: هَذَا يَسُوعُ النَّبِيُّ الَّذِي مِنْ نَاصِرَةِ الْجَلِيلِ " ( متّي21/11 )، وبعد معجزة إقامة ابن أرملة نايين قالوا " قَدْ قَامَ فِينَا نَبِيٌّ عَظِيمٌ وَاِفْتَقَدَ اَللهُ شَعْبَهُ " ( لوقا7/16 ). وقالت له المرأة السامريّة " يَا سَيِّدُ أَرَى أَنَّكَ نَبِيٌّ! " ( يوحنا4/19 ) وبعد معجزة إشباع الجموع بخمسة أرغفة وسمكتين " إِنَّ هَذَا هُوَ بِالْحَقِيقَةِ اَلنَّبِيُّ الآتِي إِلَى اَلْعَالَمِ "( يوحنا6/14 )، وقال
ــــــــــ
- 10 -
عنه المولود أعمي الذي فتح المسيح عينيه " إنَّه نَبيّ " ( يوحنا9/17 ). بل وقال عنه تلاميذه " ِيَسُوعَ اَلنَّاصِرِيِّ اَلَّذِي كَانَ إِنْسَاناً نَبِيّاً مُقْتَدِراً فِي اَلْفِعْلِ وَاَلْقَوْلِ أَمَامَ اَللهِ وَجَمِيعِ اَلشَّعْبِ " ( لوقا24/19 ).
فقد كان المسيح ابن الله وكلمة الله وصورة جوهره، بلاهوته، كما كان إنسانًا بتجسّده، وصار كاهنًا وملكًا ونبيًا بمسحه بالروح القدس. وعندما تنبأ أنبياء العهد القديم عنه تنبئوا عنه باعتباره ابن داود ووارث عرشه والذي سيولد كإنسان من اليهود ومن بيت لحم مدينة داود، وكالملك الذي سيدخل أورشليم راكبًا على أتان وجحش ابن أتان، والكاهن الذي جاء على رتبة ملكي صادق، وفي نفس الوقت تنبئوا عنه كالإله القدير الأزليّ الجالس عن يمين العظمة في الأعالي.
2- عقيدة المسيح فى الإسلام: لا يؤمن المسلمون أساسًا بلاهوت المسيح، وبالرغم من أنَّه موصوف في القرآن بكلمة الله وروح منه (1) ، وأنه عِلْم ليوم الساعة (2) ، وأنّه كان يخلق ويعلم الغيب ويشفي المرضى ويقيم الموتى ويطهر البرص (3) ، وأنه أنزل على تلاميذه مائدة من السماء (4) ، وأنه كان معجزة في ميلاده وفي حياته وأعماله (5) ، وفي رفعه إلى السماء (6) ، هذا فضلاً عن عدم مس
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) " إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ"(النساء 171) .
(2) " وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِّلسَّاعَةِ فَلا تَمْتَرُنَّ بِهَا" (الزخرف 21) .
(3) " وَرَسُولاً إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ اللّهِ وَأُبْرِئُ الأكْمَهَ والأَبْرَصَ وَأُحْيِـي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللّهِ وَأُنَبِّئُكُم بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ " (آل عمران:49) .
(4) " قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنزِلْ عَلَيْنَا مَآئِدَةً مِّنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيداً لأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِّنكَ وَارْزُقْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ" (المائده :114). " قَالَ اللّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَن يَكْفُرْ بَعْدُ مِنكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَاباً لاَّ أُعَذِّبُهُ أَحَداً مِّنَ الْعَالَمِينَ" (المائده :115).
(5) " وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَمِنَ الصَّالِحِينَ"(آل عمران :46) " وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ" (المؤمنون : 50) .
(6) " إِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ" (آل عمران :55) .
ــــــــــ
- 11 -
الشيطان له (7) ...إلخ إلا أن الاعتقاد الإسلامي الأساسي في المسيح هو أنَّه بشر ونبيّ وعبد لله وأنَّه مثل آدم خُلق من تراب.
3- كما يجب أن لا نتجاهل التفسر اليهودي لنبوات العهد القديم فهو كتابهم ولهم قواعدهم في تفسيره وفهمه، مع مراعاة التفسير الصحيح لهذه النبوّات كما شرحها وفسّرها الرب يسوع المسيح نفسه، سواء لليهود، في عصره، أو لتلاميذه، وكما فسّرها وشرحها تلاميذه، بالروح القدس، لمستمعيهم الذين كانوا أولاً من اليهود، ثمّ من اليهود والأمم.
وقد آمن اليهود عبر تاريخهم وعصورهم بمجيء المسيح (8) نسل إبراهيم واسحق ويعقوب وكوكب يعقوب والقضيب الذي من سبط يهوذا ( تكوين49/10 ) وابن داود الذي سيجلس على كرسيه ( أشعيا9/6و7 )، كما تكلمت كتبهم التي كُتبت فى فترة ما بين
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(7) جاء فى كتاب ( الدر المنثور للتفسير المأثور ) للإمام جلال الدين السيوطي " أخرج عـبد الرازق وأحمد والبخاري ومسلم وابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم عـن أبى هريرة قال:" قال رسول الله ـ ص ـ ما من مولود يولد إلاّ والشيطان يمسه حين يولد، فيستهل صارخًا من مسّ الشيطان إيّاه، إلاّ مريم وابنها" ثم قال أبو هريرة :" وإقرأوا إنْ شئتم " وإنّي أعيذها بك وبذرّيتها من الشيطان الرجيم".
(8) ويلخّص الدكنور عـبد الوهاب المسيري في موسوعـته اليهود واليهودية والصهيونية فكرة المسيح عـند اليهود بقوله " ماشيَّح" كلمة عـبرية تعـني " المسيح المخلص" ومنها " مشيحيوت " أي " المشيحانية " وهي الاعـتقاد بمجيء الماشيّح، والكلمة مشتقة من الكلمة العـبرية " مشح " أي " مسح " بالزيت المقدس. وكان اليهود، عـلى عادة الشعـوب القديمة، يمسحون رأس الملك والكاهن بالزيت قبل تنصبيهما، علامة عـلى المكانة الخاصة الجديدة وعلامة عـلى أنّ الروح الإلهية أصبحت تحلّ وتسري فيهما. وكما يحدث دائمًا مع الدوال في الإطار اليهودي الحلولي، نجد أنّ المجال الدلالي لكلمة " ماشيّح " يتّسع تدربجـيًا إلى أن يضم عـددًا كبيرًا من المدلـولات تتعايش كلها جنبًا إلي جنب داخل التركيب الجيولوجي التراكميّ اليهوديّ. فكلمة " الماشيّح " تشير إلى كلّ ملوك اليهود وأنيبائهم...وهناك أيضًا المعـنى المحدد الذي اكتسبته الكلمة في نهاية الأمر إذ أصبحت تشير إلى شخص مُرسل من الإله يتمتّع بقـداسة خاصة، إنسان سماويّ وكائن مُعْـجِز خلقه الله قبل الدهور يبقي في السماء حتى تحين ساعة إرساله. وهو يُسمّى " ابن الإنسان " لأنَّه سيظهر في صورة الإنسان وإن كانت طـبيعـته تجمع بين الله والإنسان، فهو تجسّد الإله في التاريخ، وهـو نقطة الحلول الإلهي المكثف الكامل في إنسان فرد. وهـو ملك من نسل داود، سيأتي بعـد ظهور النبى إيليا ليعـدّل مسار التاريخ اليهودي، بلّ البشري، فينهي عـذاب اليهود ويأتيهم بالخلاص ويجمع شتات المنفـيّين ويعـود بهم إلى صهيون ويحطم أعـداء جماعة يسرائيل، ويتخذ أورشليم ( القـدس ) عاصمة له، ويعـيد بناء الهيكل، ويحكم بالشريعـتين المكتوبة والشفـوية ويعـيد كل مؤسسات اليهود القديمة مثل السنهدرين، ثم يبدأ الفردوس الأرضي الذي سيدوم ألف عام، ومن هنا كانت تسمية " الأحلام الألفية " و" العـقيدة الاسترجاعـية ".
ــــــــــ
- 12 -
العهدين كثيرًا عنه كالملك الذي يفوق البشر والذي سيقود إسرائيل للسيادة على العالم، ومن ثمّ فقد كان اليهود في وقت ميلاد الرب يسوع المسيح يتوقّعون مجيئه بناء على نبوة دانيال النبي الثي حسبت زمن مجيئه من إعادة ثجديد وبناء أورشليم سنة 457 ق م حتى ظهوره سنة 26م، وكذلك نبوة يعقوب عنه كالقضيب الذي يأتي من سبط يهوذا في أعقاب زوال الحكم من يهوذا مباشرة. ولذلك يقول الإنجيل أنه لما دخلث العذراء ويوسف النجار بالطفل يسوع لختانه في الهيكل في اليوم الثامن لولادته وقفت حنة النبية " تُسَبِّحُ اَلرَّبَّ وَتَكَلَّمَتْ عَنْهُ مَعَ جَمِيعِ اَلْمُنْتَظِرِينَ فِدَاءً فِي أُورُشَلِيمَ "( لوقا2/38 ). وقال كثير من العلماء اليهود والربّيين في العصور الوسطى والحالية أنَّ الزمن الذي كان يجب أنْ يأتي فيه المسيح المنتظر هو القرن الأوّل الميلادى!!
وعندما يناقش هؤلاء النبوّات الخاصّة بالمسيح كنبي وكإنسان يتجاهلون الإيمان الإسلاميّ باعتباره نبي من البشر، والإيمان المسيحيّ بتجسّده وصيروته إنسانـًا ونبيًّـا، ويتكلّمون فقط عن الإيمان المسيحيّ بلاهوته!! لكي ينسبوا ما يختصّ به من نبوات لنبي المسلمين!! كما يتجاهل هؤلاء أو يجهلون الفكر اليهودي وتفسيره لهذه النبوات في معظم كتب تراثهم وعبر كل عصورهم!! وكذلك تفسير الرب يسوع المسيح وتلاميذه لها!! في حين أن المنطق والعقل والدراسة العلمية والبحث العلمي النزيه يتطلب مراعاة كل هذه الحقائق.
والسؤال الآن؛ هل ما يدّعيه ويزعمه هؤلاء صحيح ؟ وهل يصلح مثل هؤلاء الذين حكموا على الكتاب المقدس بأنَّه مُحَرّف وقضوا بنسخه وإلغائه، لتفسير آياته ونبواته وإخراج ما يزعمون أنه الصحيح منه؟!! وهل يتفق تفسيرهم للآيات التي استخرجوها مع قواعد التفسير الصحيح وقواعد المنطق والعقل والبحث العلميّ النزيه؟!!
والإجابة: يقول الواقع " لا " لأنَّهم تعاملوا مع النصوص بمنطق الغاية تبرّر الوسيلة والضرورات تبيح المحظورات!! وحاولوا تصوير بعض آيات الكتاب
ــــــــــ
- 13 -
المقدّس ونبواته على أنَّها نبوّات عن " نبيّ آخر " يأتي بعد المسيح، وهذه الغاية أو الضرورة! وكانت الوسيلة هي إخراج هذه الآيات والنبوّات من سياق الكلام وبعيدًا عن القرينة وعزلها عمّا بعدها وما قبلها وإبعادها عن مضمونها الأصلي واقتطاعها من النصّ، أي أخذ جزء من الآية وترك بقيّة أجزائها، كما أخذوا بالتشابه اللفظي الذي لا صلة له بالمعنى علي الإطلاق. بل واستنطقوا بعض جهلاء المسيحيّة وبعض المرتدّين عنها بما لا يفهمون فيه!!
4 - تطبيق المسيح وتلاميذه لهذه النبوّات: وهنا حقيقة هامّة وجوهريّة وهي أنَّ الربّ يسوع المسيح نفسه وتلاميذه من بعده أكّدوا على حقيقة أنَّ جميع النبوّات التي وردت في العهد القديم ( التوراة ) عن النسل الآتي بكل أوصافه كنسل إبراهيم الذي تتبارك به جميع الأمم والشعوب والألسنة أو كمشتهى الأجيال أو كالنبيّ الذي سيكون مثل موسي أو المسيح الذي سيأتي من نسل داود والذي سيُولَد من عذراء في بيت لحم أو الذي سيأتي بالبر الأبديّ ويكون ختام النبوّة والذي يأتي بإعلان الله النهائيّ للبشريّة... إلخ قد تمّت جميعها فيه.
وقد استشهد بها لليهود وشرحها لتلاميذه الذين فسّروها هم أيضًا لليهود ولكل البشريّة في العالم أجمع. كما كان دائمًا يُشير إلى ما جاء فيها وكان يستخدم تعبيرات " المكتوب " و " ليتمّ الكتاب " و " كما هو مكتوب " للتأكيد على أنَّ كلّ ما كان يفعله كان مكتوبًا سابقًا عنه، وعلى سبيل المثال يقول عمّا جاء فيها عن آلامه وموته وقيامته " كَيْفَ هُوَ مَكْتُوبٌ عَنِ اِبْنِ اَلإِنْسَانِ أَنْ يَتَأَلَّمَ كَثِيراً وَيُرْذَلَ " ( مرقس9/12 )
" وَأَخَذَ اَلاِثْنَيْ عَشَرَ وَقَالَ لَهُمْ: هَا نَحْنُ صَاعِدُونَ إِلَى أُورُشَلِيمَ وَسَيَتِمُّ كُلُّ مَا هُوَ مَكْتُوبٌ بِالأَنْبِيَاءِ عَنِ اِبْنِ اَلإِنْسَانِ " ( لوقا18/31 )، " لأَنِّي أَقُولُ لَكُمْ إِنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَتِمَّ فِيَّ أَيْضاً هَذَا اَلْمَكْتُوبُ : وَأُحْصِيَ مَعَ أَثَمَةٍ. لأَنَّ مَا هُوَ مِنْ جِهَتِي لَهُ اِنْقِضَاءٌ " ( لوقا22/37 )، " وَقَالَ لَهُمْ: هَكَذَا هُوَ مَكْتُوبٌ وَهَكَذَا كَانَ يَنْبَغِي أَنَّ الْمَسِيحَ يَتَأَلَّمُ وَيَقُومُ مِنَ الأَمْوَاتِ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ " ( لوقا24/46 ).
ــــــــــ
- 14 -
وعن خيانة يهوذا له قال لتلاميذه، في ليلة العشاء الربّانيّ مشيرًا إلى نبوّة المزامير عنه " لَكِنْ لِيَتِمَّ اَلْكِتَابُ: اَلَّذِي يَأْكُلُ مَعِي اَلْخُبْزَ رَفَعَ عَلَيَّ عَقِبَهُ " ( يوحنا13/18 )، وقال ليهوذا " إِنَّ اِبْنَ اَلإِنْسَانِ مَاضٍ كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ عَنْهُ وَلَكِنْ وَيْلٌ لِذَلِكَ اَلرَّجُلِ اَلَّذِي بِهِ يُسَلَّمُ اِبْنُ اَلإِنْسَانِ. كَانَ خَيْراً لِذَلِكَ اَلرَّجُلِ لَوْ لَمْ يُولَدْ! " ( مرقس14/21 )، وقال مخاطبا الآب " حِينَ كُنْتُ مَعَهُمْ فِي اَلْعَالَمِ كُنْتُ أَحْفَظُهُمْ فِي اِسْمِكَ. اَلَّذِينَ أَعْطَيْتَنِي حَفِظْتُهُمْ وَلَمْ يَهْلِكْ مِنْهُمْ أَحَدٌ إِلاَّ اِبْنُ اَلْهلاَكِ لِيَتِمَّ اَلْكِتَابُ " ( يوحنا17/12 ).
وبعد قيامته من الأموات وقبل صعوده شرح وفسّر لتلاميذه كلّ ما يختصّ به من في العهد القديم وقال لهم: " وَقَالَ لَهُمْ: هَذَا هُوَ الْكَلاَمُ الَّذِي كَلَّمْتُكُمْ بِهِ وَأَنَا بَعْدُ مَعَكُمْ أَنَّهُ لاَ بُدَّ أَنْ يَتِمَّ جَمِيعُ مَا هُوَ مَكْتُوبٌ عَنِّي فِي نَامُوسِ مُوسَى وَالأَنْبِيَاءِ وَالْمَزَامِيرِ، حِينَئِذٍ فَتَحَ ذِهْنَهُمْ لِيَفْهَمُوا الْكُتُبَ " ( لوقا24/44، 45 ). " فَقَالَ بَعْضُهُمَا لِبَعْضٍ: أَلَمْ يَكُنْ قَلْبُنَا مُلْتَهِباً فِينَا إِذْ كَانَ يُكَلِّمُنَا فِي اَلطَّرِيقِ وَيُوضِحُ لَنَا اَلْكُتُبَ " ( لوقا24/32 ).
وبعد صعوده عوده إلى السموات وحلول الروح القدس أدرك التلاميذ والرسل فحوى هذه النبوّات ومغزاها " فَلَمَّا قَامَ مِنَ الأَمْوَاتِ تَذَكَّرَ تلاَمِيذُهُ أَنَّهُ قَالَ هَذَا فَآمَنُوا بِالْكِتَابِ وَالْكلاَمِ الَّذِي قَالَهُ يَسُوعُ " ( يوحنا2/22 ). وكانوا يشيرون إلي هذه النبوّات في مناسباتها في الإنجيل، مثل دخوله إلى أورشليم علي جحش " وَوَجَدَ يَسُوعُ جَحْشاً فَجَلَسَ عَلَيْهِ كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ " ( يوحنا12/14 ) " وَهَذِهِ الأُمُورُ لَمْ يَفْهَمْهَا تلاَمِيذُهُ أَوَّلاً وَلَكِنْ لَمَّا تَمَجَّدَ يَسُوعُ حِينَئِذٍ تَذَكَّرُوا أَنَّ هَذِهِ كَانَتْ مَكْتُوبَةً عَنْهُ وَأَنَّهُمْ صَنَعُوا هَذِهِ لَهُ " ( يوحنا12/16 ). وعن صلبه بين لصين " فَتَمَّ اَلْكِتَابُ اَلْقَائِلُ : وَأُحْصِيَ مَعَ أَثَمَةٍ " ( مرقس15/28 وأشعيا53/12 )، وعن اقتسام ثيابه وإلقاء قرعة عليها " اِقْتَسَمُوا ثِيَابِي بَيْنَهُمْ وَعَلَى لِبَاسِي أَلْقَوْا قُرْعَةً. هَذَا فَعَلَهُ اَلْعَسْكَرُ. " ( يوحنا19/24 مع مزمور22/18 )، وعن حفظ عظامه وعدم كسرها " لأَنَّ هَذَا كَانَ لِيَتِمَّ اَلْكِتَابُ اَلْقَائِلُ : عَظْمٌ لاَ يُكْسَرُ مِنْهُ " ( يوحنا19/36 مع خروج12/46؛ مزمور34/ 20)، وعن طعن جنبه بالحربة " وَأَيْضاً يَقُولُ كِتَابٌ آخَرُ : سَيَنْظُرُونَ إِلَى اَلَّذِي طَعَنُوهُ " ( يوحنا19/37 مع زكريا9/9 ).
ــــــــــ
- 15 -
وكانت هذه النبوات مدخلهم الدائم لتقديم البشارة بالخلاص لليهود والأمم والإعلان عن أنَّ يسوع الناصريّ هو المسيح المنتظر الذي تنبّأ عنه جميع الأنبياء في جميع هذه الكتب أو الأسفار المقدّسة. وفسّروا بالروح القدس ما علّمه لهم الرب من نبوّات كُتبت عنه. وكان القدّيس بولس " بِاشْتِدَادٍ يُفْحِمُ الْيَهُودَ جَهْراً مُبَيِّناً بِالْكُتُبِ أَنَّ يَسُوعَ هُوَ الْمَسِيحُ " ( أعمال الرسل18/28 )، " فَدَخَلَ بُولُسُ إِلَيْهِمْ حَسَبَ عَادَتِهِ وَكَانَ يُحَاجُّهُمْ ثَلاَثَةَ سُبُوتٍ مِنَ الْكُتُبِ " ( أع17/ 2). ويقول الكتاب عن بعض هؤلاء " فَقَبِلُوا الْكَلِمَةَ بِكُلِّ نَشَاطٍ فَاحِصِينَ الْكُتُبَ كُلَّ يَوْمٍ: هَلْ هَذِهِ الأُمُورُ هَكَذَا؟ " (أع17/11). كما بدأ رسالته إلى رومية بحديثه عن إنجيل المسيح " الَّذِي سَبَقَ فَوَعَدَ بِهِ بِأَنْبِيَائِهِ فِي اَلْكُتُبِ اَلْمُقَدَّسَةِ " ( رومية1/2 ). أكّد بالروح أنَّ كل ما تمّ مع المسيح تمّ كما سبق أنْ تنبّأ عنه الأنبياء في الكتب " فَإِنَّنِي سَلَّمْتُ إِلَيْكُمْ فِي الأَوَّلِ مَا قَبِلْتُهُ أَنَا أَيْضاً: أَنَّ الْمَسِيحَ مَاتَ مِنْ أَجْلِ خَطَايَانَا حَسَبَ الْكُتُبِ، وَأَنَّهُ دُفِنَ وَأَنَّهُ قَامَ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ حَسَبَ الْكُتُبِ " ( 1كورونثوس15/3،4 ).
وعندما دوّن الإنجيليّون الإنجيل بالروح القدس كانوا غالبًا ما يذكرون ما سبق أنْ تنبّأ به عنه جميع الأنبياء فقالوا عن صلبه بين لصين " وَصَلَبُوا مَعَهُ لِصَّيْنِ وَاحِداً عَنْ يَمِينِهِ وَآخَرَ عَنْ يَسَارِهِ " ( مرقس15/27 )، وعن اقتسام الجنود لثيابه " اِقْتَسَمُوا ثِيَابِي بَيْنَهُمْ وَعَلَى لِبَاسِي أَلْقَوْا قُرْعَةً. هَذَا فَعَلَهُ اَلْعَسْكَرُ "( يوحنا19/24 )، وعن موته على الصليب " بَعْدَ هَذَا رَأَى يَسُوعُ أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ قَدْ كَمَلَ فَلِكَيْ يَتِمَّ اَلْكِتَابُ قَالَ: أَنَا عَطْشَانُ " ( يوحنا19/28 )، وعن حفظ عظامه سليمة بعد موته يقول " لأَنَّ هَذَا كَانَ لِيَتِمَّ اَلْكِتَابُ اَلْقَائِلُ: عَظْمٌ لاَ يُكْسَرُ مِنْهُ "( يوحنا 19/36 ) . ومن أشهر العبارات التي استخدمها الإنجيل للقديس متّي عن ما تنبأ به الأنبياء عن الرب يسوع المسيح هي عبارة " وَهَذَا كُلُّهُ كَانَ لِكَيْ يَتِمَّ مَا قِيلَ مِنَ الرَّبِّ بِالنَّبِيِّ " فعن ميلاده من عذراء يقول " هُوَذَا الْعَذْرَاءُ تَحْبَلُ وَتَلِدُ ابْناً وَيَدْعُونَ اسْمَهُ عِمَّانُوئِيلَ، الَّذِي تَفْسِيرُهُ: اَللَّهُ مَعَنَا " ( متي1/22،23 ).
ــــــــــ
- 16 -
وعن عودته من مصر يقول " لِكَيْ يَتِمَّ مَا قِيلَ مِنَ الرَّبِّ بِالنَّبِيِّ : مِنْ مِصْرَ دَعَوْتُ ابْنِي " ( متي2/15 )، وعن سكناه في الناصرة يقول " وَأَتَى وَسَكَنَ فِي مَدِينَةٍ يُقَالُ لَهَا نَاصِرَةُ لِكَيْ يَتِمَّ مَا قِيلَ بِالأَنْبِيَاءِ : إِنَّهُ سَيُدْعَى نَاصِرِيّاً " ( متي2/23 )، وعن شفانه للمرضى يقول " لِكَيْ يَتِمَّ مَا قِيلَ بِإِشَعْيَاءَ النَّبِيِّ : هُوَ أَخَذَ أَسْقَامَنَا وَحَمَلَ أَمْرَاضَنَا " ( متي8/17 )، وعن وداعته يقول " لِكَيْ يَتِمَّ مَا قِيلَ بِإِشَعْيَاءَ اَلنَّبِيِّ : هُوَذَا فَتَايَ اَلَّذِي اِخْتَرْتُهُ حَبِيبِي اَلَّذِي سُرَّتْ بِهِ نَفْسِي. أَضَعُ رُوحِي عَلَيْهِ فَيُخْبِرُ اَلأُمَمَ بِالْحَق ِّ" ( متي12/17-18 )، وعن حديثه بأمثال يقول " لِكَيْ يَتِمَّ مَا قِيلَ بِالنَّبِيِّ : سَأَفْتَحُ بِأَمْثَالٍ فَمِي وَأَنْطِقُ بِمَكْتُومَاتٍ مُنْذُ تَأْسِيسِ الْعَالَمِ "( متي13/35 ) وعن دخوله أورشليم يقول " فَكَانَ هَذَا كُلُّهُ لِكَيْ يَتِمَّ مَا قِيلَ بِالنَّبِيِّ : قُولُوا لاِبْنَةِ صِهْيَوْنَ: هُوَذَا مَلِكُكِ يَأْتِيكِ وَدِيعاً رَاكِباً عَلَى أَتَانٍ وَجَحْشٍ ابْنِ أَتَانٍ " ( متي21/4-5 ). وعن بيع يهوذا له بثلاثين من الفضة يقول " حِينَئِذٍ تَمَّ مَا قِيلَ بِإِرْمِيَا النَّبِيِّ : وَأَخَذُوا الثَّلاَثِينَ مِنَ الْفِضَّةِ ثَمَنَ الْمُثَمَّنِ الَّذِي ثَمَّنُوهُ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ " ( متي27/9 ). وعن اقتسام ثيابه يقول " وَلَمَّا صَلَبُوهُ اِقْتَسَمُوا ثِيَابَهُ مُقْتَرِعِينَ عَلَيْهَا لِكَيْ يَتِمَّ مَا قِيلَ بِالنَّبِيِّ : اِقْتَسَمُوا ثِيَابِي بَيْنَهُمْ وَعَلَى لِبَاسِي أَلْقَوْا قُرْعَةً " ( متي27/35 ).
فقد كانت جميع نبوات العهد القديم عن المسيح المنتظر وتمّت جميعها في شخص وعمل الرب يسوع المسيح تفصيلاً وبكلّ دقّة، ولم يتنبأ الكتاب مطلقـًا عن أي شخص آخر يأتي بعد المسيح. وقبل الدخول في هذه الدراسة نسأل الأسئلة التالية: ما هي هذه النبوات التي استشهد بها هؤلاء الكتّاب الذين قالوا أنَّها تتنبأ عن نبي آخر يأتي بعد المسيح؟ وكيف فسّروها؟ وهل تتضمن هذه النبوات، في محتواها وجوهرها، ما يفيد الحديث عن نبي آخر يأتي بعد المسيح من خارج بني إسرائيل، سواء بلفظ " النبي الأمي " أي الذي لا يعرف القراءة والكتابة، أو " النبي الأممي " أى الذي من خارج بني إسرائيل؟.
ــــــــــ
- 17 -
بعد أنْ زاغت البشريّة واتّجهت لعبادة الأصنام، سواء مع الله، أي أشركوا به، أو من دون الله، أي عبدوها كآلهة أو كما يقول الكتاب المقدّس " الَّذِينَ اسْتَبْدَلُوا حَقَّ اَلْلَّهِ بِالْكَذِبِ وَاتَّقَوْا وَعَبَدُوا اَلْمَخْلُوقَ دُونَ اَلْخَالِقِ اَلَّذِي هُوَ مُبَارَكٌ إِلَى اَلأَبَدِ " ( رومية1/25 ). كان الله قد رتب، بحسب مشورته الإلهيّة وعلمه السابق، أنْ يحفظ لنفسه شعبًا مختارًا يؤمن به ولا يحيد عن عبادته لكي يأتي منه، بحسب ما سبق أن عينت ورتبت مشورته الإلهيّة، نسل تتبارك به جمع القبائل والأمم والشعوب في وقت سبق أن عينه أسماه " مِلْءِ اَلزَمَانِ "( غلاطية4/4 ).
1- وعد الله لإبراهيم:
ومن ثم طلب الله من إبراهيم أبي الآباء أن يترك أرضه وعشيرته، في أور الكلدانيين فيما بين النهرين، ويذهب إلى أرض كنعان ليكوّن فيها أمّة ويأتي منه نسل تتبارك به جميع الأمم ويرد العالم إلى عبادة الله الحي ويعود به إلى الفردوس الذي سبق أن خرج منه " وَقَالَ الرَّبُّ لأَبْرَامَ: اذْهَبْ مِنْ أَرْضِكَ وَمِنْ عَشِيرَتِكَ وَمِنْ بَيْتِ أَبِيكَ إِلَى الأَرْضِ الَّتِي أُرِيكَ . فَأَجْعَلَكَ أُمَّةً عَظِيمَةً وَأُبَارِكَكَ وَأُعَظِّمَ اسْمَكَ وَتَكُونَ بَرَكَةً. وَأُبَارِكُ مُبَارِكِيكَ وَلاَعِنَكَ أَلْعَنُهُ. وَتَتَبَارَكُ فِيكَ جَمِيعُ قَبَائِلِ الأَرْضِ " ( تكوين12/1-3 ). فأتى وسكن في حاران، وفي سن الخامسة والسبعين خرج إبراهيم ومعه لوط ابن أخيه من حاران إلى أرض كنعان ( أعمال الرسل7/1-4 ).
2- إبراهيم وأبنائه الثمانية وبركة اسحق:
وقد أنجب إبراهيم فما بعد ثمانية أبناء، حسب تسلسل مواليدهم، إسماعيل ابن هاجر الجارية المصرية، واسحق ابن زوجته سارة، وزمران ويقشان ومدان
ــــــــــ
- 18 -
ومديان ويشباق وشوحا أبناء قطّورة ( تكوين25/2 ) التي تزوجها بعد وفاة سارة. فهل كانت البركة الموعودة فى قوله لإبراهيم تَتَبَارَكُ فِيكَ جَمِيعُ قَبَائِلِ الأَرْضِ ستتحقق من خلال جميع هؤلاء، كأبناء إبراهيم، أم من خلال واحد منهم فقط؟. والإجابة هي من في خلال واحد منهم فقط. والسؤال من خلال من منهم ستكون هذه البركة؟ ويجبب الكتاب من خلال أبنه اسحق، وليس كل أبناء اسحق، بل من خلال ابنه يعقوب. وهذا ما أكده الكتاب حيث يقول " بِالإِيمَانِ تَغَرَّبَ فِي أَرْضِ الْمَوْعِدِ كَأَنَّهَا غَرِيبَةٌ، سَاكِناً فِي خِيَامٍ مَعَ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ الْوَارِثَيْنِ مَعَهُ لِهَذَا الْمَوْعِدِ عَيْنِهِ " ( عبرانيين11/9 ). وجاء في القرآن أيضًا " وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ " ( العنكبوت27 ).
وقد ظهر الله لإبراهم في رؤيا، قبل أنْ يُولد إسماعيل واسحق، وقطع معه عهدًا على أساس أنَّ هذا الوعد مرتبط بالأرض، أرض كنعان، التي سيذهب إليها إبراهيم ونسله المقصود، والتي ستكون المقر والمصدر الذي سيخرج منه من سيأتي بالبركة. وأنه سيسبق دخوله أرض كنعان البقاء، بقاء هذا النسل، تحت نير العبودية في مصر مدة أربعمائة سنة يقول الكتاب " فَقَالَ ( الله ) لأَبْرَامَ: اعْلَمْ يَقِيناً أَنَّ نَسْلَكَ سَيَكُونُ غَرِيباً فِي أَرْضٍ لَيْسَتْ لَهُمْ وَيُسْتَعْبَدُونَ لَهُمْ فَيُذِلُّونَهُمْ أَرْبَعَ مِئَةِ سَنَةٍ. ثُمَّ الأُمَّةُ الَّتِي يُسْتَعْبَدُونَ لَهَا أَنَا أَدِينُهَا.... وَفِي الْجِيلِ الرَّابِعِ يَرْجِعُونَ إِلَى هَهُنَا لأَنَّ ذَنْبَ الأَمُورِيِّينَ لَيْسَ إِلَى الآنَ كَامِلاً..... فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ قَطَعَ الرَّبُّ مَعَ أَبْرَامَ مِيثَاقاً قَائِلاً: لِنَسْلِكَ أُعْطِي هَذِهِ الأَرْضَ مِنْ نَهْرِ مِصْرَ إِلَى النَّهْرِ الْكَبِيرِ نَهْرِ الْفُرَاتِ . " ( تكوين15/13-18 ).
وكان بقاء نسل إبراهيم في أرض كنعان مرتبطًا بمجيء من ستتبارك جميع الأمم بمجيئه وقد تحقق ذلك في مجيء الرب يسوع المسيح الذي طرد اليهود من الأرض بعد صعوده إلى السماء بحوالى 40 سنة.
ــــــــــ
- 19 -
3- هل يستحيل على الله شىء؟
كان إبراهيم وزوجنه لا يُنجبان عندما أعطاهما الله هذا الوعد، في أور الكلدانيّين، فانتظرا تحقيق هذا الوعد سنوات طويلة، ولأنَّ إرادة الله شاءت أنْ يحقق وعده لإبراهيم بمعجزة عجيبة وباهرة، فقد تأخّر هذا الوعد أكثر مما توقعا، ووصل سنّ سارة إلى حوالي سن الخامسة والسبعين وظلّت كما هي عاقر، فأشارت على إبراهيم أن يدخل بجاريتها المصرية هاجر، حسب العادات البشرية التي كانت مُتبعة في زمانها، ليُنْجِب منها ابنًا لأنَّها تصوّرت أنَّها لنْ تُنجب في شيخوختها طالما أنَّها لم تُنجب في شبابها " أَبَعْدَ فَنَائِي يَكُونُ لِي تَنَعُّمٌ وَسَيِّدِي قَدْ شَاخَ! " ( تكوين 18/12 )، غير مدركه لوعد الله لإبراهيم. وسمع إبراهبم لكلامها!! فقد يتحقق وعد الله الذي وعد به!! فهل يعجز الله عن تحقيق وعوده حتى يتصوّر بشر ما أنَّه سينجح فيما تصور، الإنسان، أنَّ الله فشل فيه؟!!
فأنجب إبراهيم من هاجر اِبنًا دعاه إسماعيل ( تكوين6/1-15 ). ولكنه لم يكن هو ابن الموعد والوعد الذي وعد الله به إبراهيم لأنَّ وقت ميلاده الذي كان مقررًا حسب مشورة الله الأزليّة وعلمه السابق لم يكنْ قد حان بعد. وكان إسماعيل ابن المشورة البشرية وليس ابن الموعد المقصود بحسب إرادة الله ومشورته وعلمه السابق، فلم يشر الله على إبراهيم أن يدخل على هاجر وإنما كانت هذه مشورة سارة والتي لم تكنْ بحسب إرادة الله ولا صلة لها بمواعيده!! سمع إبراهيم لسارة ولم ينتظر وعد الله الذي يحقق مواعيده بحسب إرادته الإلهية!! ولنا هنا سؤال جوهري وهو " هل كان الله عاجزًا عن تحقيق وعوده لإنسان حتى يتصوّر، الإنسان، أنَّه يحقق لله ما تصوّر أنْ عجز عنه؟!! وهل يزعم أحد أنَّه أدرك فكر الله أو طرقه أو أنه فهم ما يدور في مشورته الإهية، يقول الكتاب: " يَا لَعُمْقِ غِنَى اللهِ وَحِكْمَتِهِ وَعِلْمِهِ! مَا أَبْعَدَ أَحْكَامَهُ عَنِ الْفَحْصِ وَطُرُقَهُ عَنِ الإِسْتِقْصَاءِ! لأَنْ مَنْ عَرَفَ فِكْرَ الرَّبِّ أَوْ مَنْ صَارَ لَهُ مُشِيراً؟ أَوْ مَنْ سَبَقَ فَأَعْطَاهُ فَيُكَافَأَ لأنَّ مِنْهُ وَبِهِ وَلَهُ كُلَّ الأَشْيَاءِ. لَهُ الْمَجْدُ إِلَى الأَبَدِ. آمِينَ " ( رومية11/33-36 ).
ــــــــــ
- 20 -
كانت مشورة سارة، البشريّة، شيء وإرادة الله شيء آخر. كانت إرادة الله أنْ يُولد اِبن الموعد، الذي ستمتدّ في ذرّيته النبوّة ويأتي منه النسل الموعود الذي ستتبارك به جميع البشريّة، ويأتي بمعجزة، فقد أراد الله أنْ تحبل به العاقر وتلده العجوز المُسِنّة في سن التسعين سنة!!
وفي الوقت المعيّن، حسب مشورة الله الأزليّة وعلمه السابق، حقق الله وعده لإبراهيم وأعطاه إسحق من زوجته سارة وهو في سنّ المئة وهو في سنّ التسعين ( تكوين16/17). وأكّد له أنَّ عهده سيُقيمه مع اسحق وسيكون عهدًا أبديًا مع نسله من بعده، أمّا إسماعيل فقد وعد الله أنْ يُباركه من جهة العدد وسيكون أمّة عظيمة في العدد لأنَّه ابن إبراهيم. فبعد أنْ وُلد إسماعيل وصار له ثلاث عشرة سنة قال الله لإبراهيم " فَقَالَ اللهُ بَلْ سَارَةُ اِمْرَأَتُكَ تَلِدُ لَكَ اِبْناً وَتَدْعُو اِسْمَهُ إِسْحَاقَ. وَأُقِيمُ عَهْدِي مَعَهُ عَهْداً أَبَدِيّاً لِنَسْلِهِ مِنْ بَعْدِهِ . وَأَمَّا إِسْمَاعِيلُ فَقَدْ سَمِعْتُ لَكَ فِيهِ. هَا أَنَا أُبَارِكُهُ وَأُثْمِرُهُ وَأُكَثِّرُهُ كَثِيراً جِدّاً. اِثْنَيْ عَشَرَ رَئِيساً يَلِدُ وَأَجْعَلُهُ أُمَّةً كَبِيرَةً. وَلَكِنْ عَهْدِي أُقِيمُهُ مَعَ إِسْحَاقَ الَّذِي تَلِدُهُ لَكَ سَارَةُ فِي هَذَا اَلْوَقْتِ فِي اَلسَّنَةِ اَلآتِيَةِ " ( تكوين17/19-21 ).
وعندما أكد الله لإبراهيم على حتميّة ميلاد إسحق في الموعد المعيّن بحسب مشورته الأزليّة ضحك إبراهيم لأنَّه لم يتصوّر أنَّ امرأته ذات التسعين عامًا والعاقر التي لم تلد في شبابها يُمكن أنْ تلد!! وقال لله " وقال إبراهيم لله ليت إسماعيل يعيش أمامك!! "، ولكن الله أكّد له أنَّ " غَيْر المُسْتَطَاعِ عِنْدَ اَلنَاسِ مُسْتَطاع عِنْدَ اَلله " ( لوقا18/27 ). وأنَّ ما سبق أنْ وعده به لابد أنْ يُحقّقه هو بنفسه. كما استغربت سارة أيضًا التي لم ثستوعب فكر الله وحتمية تحقيق وعده وضحكت عندما عاد الله ليؤكّد ما سبق أنْ وعد به ويحدّد الموعد، موعد ولادة ابن الموعد " قَالَ: إِنِّي أَرْجِعُ إِلَيْكَ نَحْوَ زَمَانِ الْحَيَاةِ وَيَكُونُ لِسَارَةَ اِِِمْرَأَتِكَ اِبْنٌ . وَكَانَتْ سَارَةُ سَامِعَةً فِي بَابِ الْخَيْمَةِ وَهُوَ وَرَاءَهُ، وَكَانَ إِبْرَاهِيمُ وَسَارَةُ شَيْخَيْنِ مُتَقَدِّمَيْنِ فِي الأَيَّامِ وَقَدِ اِنْقَطَعَ أَنْ يَكُونَ لِسَارَةَ عَادَةٌ كَالنِّسَاءِ. فَضَحِكَتْ سَارَةُ فِي بَاطِنِهَا قَائِلَةً: أَبَعْدَ فَنَائِي يَكُونُ لِي تَنَعُّمٌ وَسَيِّدِي قَدْ شَاخَ! فَقَالَ اَلرَّبُّ لإِبْرَاهِيمَ: لِمَاذَا ضَحِكَتْ سَارَةُ قَائِلَةً: أَفَبِالْحَقِيقَةِ أَلِدُ وَأَنَا قَدْ شِخْتُ؟ هَلْ يَسْتَحِيلُ عَلَى اَلرَّبِّ شَيْءٌ؟ فِي اَلْمِيعَادِ أَرْجِعُ إِلَيْكَ نَحْوَ زَمَانِ اَلْحَيَاةِ وَيَكُونُ لِسَارَةَ اِبْنٌ " ( تكوين18/10-14 ).
ــــــــــ
- 21 -
كان إسحق، المولود بمعجزة إلهية، هو اِبن الموعد الإلهي وصاحب العهد مع الله أمّا إسماعيل فكان اِبن العادات والتقاليد والمشورة البشريّة التي أشارت بها سارة على إبراهيم وعانت هي وإبراهيم بل وهاجر أيضًا بسببها.
وعندما إمتحن الله إبراهيم وطلب منه أن يُصْعِد اِبنه اسحق محرقة على جبل المريا وأطاع إبراهيم الله ومدّ يده وأخذ السكين ليذبح اِبنه إسحق ظهر له ملاك الربّ وقال له لا تمد يدك على الغلام وقدّم له كبشًا فدية عن اسحق " نَادَى مَلاَكُ الرَّبِّ إِبْرَاهِيمَ ثَانِيَةً مِنَ السَّمَاءِ، وَقَالَ: بِذَاتِي أَقْسَمْتُ يَقُولُ الرَّبُّ أَنِّي مِنْ أَجْلِ أَنَّكَ فَعَلْتَ هَذَا الأَمْرَ وَلَمْ تُمْسِكِ اِبْنَكَ وَحِيدَكَ ، أُبَارِكُكَ مُبَارَكَةً وَأُكَثِّرُ نَسْلَكَ تَكْثِيراً كَنُجُومِ اَلسَّمَاءِ وَكَالرَّمْلِ اَلَّذِي عَلَى شَاطِئِ اَلْبَحْرِ وَيَرِثُ نَسْلُكَ بَابَ أَعْدَائِهِ، وَيَتَبَارَكُ فِي نَسْلِكَ جَمِيعُ أُمَمِ اَلأَرْضِ مِنْ أَجْلِ أَنَّكَ سَمِعْتَ لِقَوْلِي "( تكوين22/15-18 ). وهنا يتكّلم الله عن إسحق باعتباره ابن إبراهيم الوحيد بالرغم من أنَّه أصغر من إسماعيل لأنَّه ابن الموعد يقول الكتاب " بِالإِيمَانِ قَدَّمَ إِبْرَاهِيمُ إِسْحَاقَ وَهُوَ مُجَرَّبٌ ـ قَدَّمَ الَّذِي قَبِلَ الْمَوَاعِيدَ، وَحِيدَهُ الَّذِي قِيلَ لَهُ: إِنَّهُ بِإِسْحَاقَ يُدْعَى لَكَ نَسْلٌ ." ( عبرانيين11/17، 18 ).
ــــــــــ
- 22 -
5- تأكيد الوعد ليعقوب:
وأنجب إسحق يعقوب وعيسو من رفقة في بطن واحدة وكان الله في سابق علمه ومشورته الأزليّة قد إختار يعقوب وحدة ليأتي منه النسل الموعود وتمتدّ في ذرّيته النبوّة " يَقُولُ الرَّبُّ وَأَحْبَبْتُ يَعْقُوبَ وَأَبْغَضْتُ عِيسُوَ "( ملاخي1/2، 3 ). ومن ثمّ فقد جدّد الله الوعد ليعقوب قائلاً " وَهُوَذَا الرَّبُّ وَاقِفٌ عَلَيْهَا فَقَالَ: «أَنَا الرَّبُّ إِلَهُ إِبْرَاهِيمَ أَبِيكَ وَإِلَهُ إِسْحَاقَ. الأَرْضُ الَّتِي أَنْتَ مُضْطَجِعٌ عَلَيْهَا أُعْطِيهَا لَكَ وَلِنَسْلِكَ. وَيَكُونُ نَسْلُكَ كَتُرَابِ الأَرْضِ وَتَمْتَدُّ غَرْباً وَشَرْقاً وَشِمَالاً وَجَنُوباً. وَيَتَبَارَكُ فِيكَ وَفِي نَسْلِكَ جَمِيعُ قَبَائِلِ الأَرْضِ . " ( تكوين28/13، 14 ) . وبعد يعقوب بعدة أجيال تنبّأ بلعام بن بعور عن هذا النسل الموعود والفادي المنتظر قائلاً بالروح القدس " أَرَاهُ وَلكِنْ ليْسَ الآنَ. أُبْصِرُهُ وَلكِنْ ليْسَ قَرِيباً. يَبْرُزُ كَوْكَبٌ مِنْ يَعْقُوبَ وَيَقُومُ قَضِيبٌ مِنْ إِسْرَائِيل فَيُحَطِّمُ طَرَفَيْ مُوآبَ وَيُهْلِكُ كُل بَنِي الوَغَى. " ( عدد24/17 ).
6- بركة إبراهيم للأمم في المسيح:
وأكد الكتاب المقدّس بعهديه أنَّ بركة للأمم هي في الرب يسوع المسيح، يقول المرنّم بالروح " أَمَامَهُ تَجْثُو أَهْلُ الْبَرِّيَّةِ وَأَعْدَاؤُهُ يَلْحَسُونَ التُّرَابَ.مُلُوكُ تَرْشِيشَ وَالْجَزَائِرِ يُرْسِلُونَ تَقْدِمَةً. مُلُوكُ شَبَا وَسَبَأٍ يُقَدِّمُونَ هَدِيَّةً وَيَسْجُدُ لَهُ كُلُّ الْمُلُوكِ. كُلُّ الأُمَمِ تَتَعَبَّدُ لَهُ .... يَكُونُ اسْمُهُ إِلَى الدَّهْرِ. قُدَّامَ الشَّمْسِ يَمْتَدُّ اسْمُهُ. وَيَتَبَارَكُونَ بِهِ. كُلُّ أُمَمِ الأَرْضِ يُطَوِّبُونَهُ ." ( مزمور27/9-17 ). وهذا ما تحقّق حرفيًا في الرب يسوع المسيح الذي قدّم له المجوس الهدايا وسجدوا له وانتشر اسمه في كل الأمم سواء بين المسيحيين أو المسلمين أو بعض الأديان الأخرى التي تعترف بأنَّه كلمة الله وروح منه وتعترف بمعجزاته الثي فاقت كل حدود البشر حتى وصلت إلى مقدرته إنزال الطعام من السماء وعلى الخلق وعلم الغيب!!
ــــــــــ
- 23 -
وقال القدّيس بطرس بالروح لشيوخ وعامّة اليهود " أَنْتُمْ أَبْنَاءُ الأَنْبِيَاءِ وَالْعَهْدِ الَّذِي عَاهَدَ بِهِ اللهُ آبَاءَنَا قَائِلاً لإِبْراهِيمَ: وَبِنَسْلِكَ تَتَبَارَكُ جَمِيعُ قَبَائِلِ الأَرْضِ. إِلَيْكُمْ أَوَّلاً إِذْ أَقَامَ اللهُ فَتَاهُ يَسُوعَ أَرْسَلَهُ يُبَارِكُكُمْ بِرَدِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ عَنْ شُرُورِهِ " ( أعمال الرسل3/25، 26 ).
وقال القديس بولس بالروح " وَالْكِتَابُ إِذْ سَبَقَ فَرَأَى أَنَّ اللهَ بِالإِيمَانِ يُبَرِّرُ الأُمَمَ، سَبَقَ فَبَشَّرَ إِبْرَاهِيمَ أَنْ فِيكَ تَتَبَارَكُ جَمِيعُ ألأُمَمِ... لِتَصِيرَ بَرَكَةُ إِبْرَاهِيمَ لِلأُمَمِ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ ... وَأَمَّا الْمَوَاعِيدُ فَقِيلَتْ فِي إِبْرَاهِيمَ وَفِي نَسْلِهِ... لاَ يَقُولُ وَفِي الأَنْسَالِ كَأَنَّهُ عَنْ كَثِيرِينَ، بَلْ كَأَنَّهُ عَنْ وَاح ِدٍ. وَفِي نَسْلِكَ الَّذِي هُوَ الْمَسِيحُ "( غلاطية3/8، 17 ) .
7- القول بأن البركة من إسماعيل (1) :
ولكن بعض الكتاب من الأخوة المسلمين أخذوا بعض الآيات من أحاديث الله مع إبراهيم وهاجر واقتلعوها من جذورها وقطعوها عمّا قبلها وما بعدها وأخرجوها عن سياقها وقرينتها وموضوعها الأصلي ليوحوا بأنَّ هناك بركة لإسماعيل وهذه البركة تعني نبوة قادمة في نبي من غير بني إسرائيل!!
(1) فقالوا تعليقا على قول الله لإبراهيم في ( تكوين12/1-3 ) أنَّ إبراهيم الذي هو بطريرك التوحيد والأب المشترك لكلٍّ من اليهود والمسيحيّين والمسلمين، أنجب من خلال ابنه الثاني إسحق كل الأنبياء الإسرائيليين مثل يعقوب ويوسف وموسى وداود وسليمان ويسوع. وكان مجيء هؤلاء الأنبياء هو الإتمام الجزئي لوعد الله هذا. ويتضمّن هذا الوعد أيضًا الإسلام الذي يؤمن بهؤلاء الأنبياء ويُقدّرهم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) أنظر على سبيل المثال؛ كتاب " الأجوبة الفاخرة عن الأسئلة الفاجرة في الرد على اليهود والنصارى" للإمام شهاب الدين أحمد بن إدريس القرافي، دراسة وتحقيق مجدي محمد الشهاوي، ص 199و220. وكتاب " تحفة الأريب فى الردّ على أهل الصليب" للقس إنسلم تورميدا، تقديم وتحقيق وتعليق دكتور محمود على حماية، ص 133و134. وكتاب " أشهد للمسيح والمسيح يشهد معي ..!" أحمد أبو الخير، ص 214. وكتاب " حقيقة النصرانية من الكتب المقدسة " علي الجوهري، ص 11. وكتاب " محمد نبي الإسلام في التوراة والإنجيل والقرآن" المستشار محمد عزت الطهطاوي، ص 16و17.
هذا غير المؤلفات التى وضعت علن شبكة الإنترنت على مواقع مثل " ابن مريم، وللمسيحيين فقط، والمسيحيّة في الميزان، والحوار الإسلامي المسيحي، والأجوبة الجلية في الرد على المسيحية، ومواقع كل من جمال بدوى، وقيس علي، وصابر علي، وسيف الله وغيرهم.
ــــــــــ
- 24 -
(2) واستشهدوا بحوار الملاك مع هاجر عندما هربت من سيدتها سارة " فَوَجَدَهَا مَلاَكُ الرَّبِّ عَلَى عَيْنِ الْمَاءِ فِي الْبَرِّيَّةِ عَلَى الْعَيْنِ الَّتِي فِي طَرِيقِ شُورَ. وَقَالَ: يَا هَاجَرُ جَارِيَةَ سَارَايَ مِنْ أَيْنَ أَتَيْتِ وَإِلَى أَيْنَ تَذْهَبِين؟. فَقَالَتْ: أَنَا هَارِبَةٌ مِنْ وَجْهِ مَوْلاَتِي سَارَايَ. فَقَالَ لَهَا مَلاَكُ الرَّبِّ: ارْجِعِي إِلَى مَوْلاَتِكِ وَاخْضَعِي تَحْتَ يَدَيْهَا. وَقَالَ لَهَا مَلاَكُ الرَّبِّ: تَكْثِيراً أُكَثِّرُ نَسْلَكِ فَلاَ يُعَدُّ مِنَ الْكَثْرَةِ . وَقَالَ لَهَا مَلاَكُ الرَّبِّ: هَا أَنْتِ حُبْلَى فَتَلِدِينَ ابْناً وَتَدْعِينَ اسْمَهُ إِسْمَاعِيلَ لأَنَّ الرَّبَّ قَدْ سَمِعَ لِمَذَلَّتِكِ. وَإِنَّهُ يَكُونُ إِنْسَاناً وَحْشِيّاً يَدُهُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ وَيَدُ كُلِّ وَاحِدٍ عَلَيْهِ وَأَمَامَ جَمِيعِ إِخْوَتِهِ يَسْكُنُ ..... فَوَلَدَتْ هَاجَرُ لأَبْرَامَ ابْناً. وَدَعَا أَبْرَامُ اسْمَ ابْنِهِ الَّذِي وَلَدَتْهُ هَاجَرُ إِسْمَاعِيلَ. " ( تكوين16/7-15 ) .
(3) واقتطعوا قول الرب لإبراهيم " وَأَمَّا إِسْمَاعِيلُ فَقَدْ سَمِعْتُ لَكَ فِيهِ. هَا أَنَا أُبَارِكُهُ وَأُثْمِرُهُ وَأُكَثِّرُهُ كَثِيراً جِدّاً. اِثْنَيْ عَشَرَ رَئِيساً يَلِدُ وَأَجْعَلُهُ أُمَّةً كَبِيرَةً " ( تكوين17/20 ). بعد حذف ما جاء قبل هذه الآيات وما بعدها!!
(4) وقوله " وَابْنُ الْجَارِيَةِ أَيْضاً سَأَجْعَلُهُ أُمَّةً لأَنَّهُ نَسْلُكَ " ( تكوين21/13 ) مع تجاهل بقيّة النصّ.
(5) وقوله لهاجر " قُومِي احْمِلِي الْغُلاَمَ وَشُدِّي يَدَكِ بِهِ لأَنِّي سَأَجْعَلُهُ أُمَّةً عَظِيمَةً " ( تكوين21/18 )
(6) واستشهدوا بما جاء في تثنية ( 21/15-17 ) " إِذَا كَانَ لِرَجُلٍ امْرَأَتَانِ إِحْدَاهُمَا مَحْبُوبَةٌ وَالأُخْرَى مَكْرُوهَةٌ فَوَلدَتَا لهُ بَنِينَ المَحْبُوبَةُ وَالمَكْرُوهَةُ. فَإِنْ كَانَ الاِبْنُ البِكْرُ لِلمَكْرُوهَةِ، فَيَوْمَ يَقْسِمُ لِبَنِيهِ مَا كَانَ لهُ لا يَحِلُّ لهُ أَنْ يُقَدِّمَ ابْنَ المَحْبُوبَةِ بِكْراً عَلى ابْنِ المَكْرُوهَةِ البِكْرِ، بَل يَعْرِفُ ابْنَ المَكْرُوهَةِ بِكْراً لِيُعْطِيَهُ نَصِيبَ اثْنَيْنِ مِنْ كُلِّ مَا يُوجَدُ عِنْدَهُ لأَنَّهُ هُوَ أَوَّلُ قُدْرَتِهِ. لهُ حَقُّ البَكُورِيَّةِ ". وقالوا أن الحقوق التقليدية والامتيازات الخاصّة بالابن البكر لا تتأثر بموقف أمّه الاجتماعي، سواء كانت حرّة كسارة أمّ إسحق أو هاجر الجارية أمّ إسماعيل. ومن ثمّ فقد كانت لإسماعيل كل الحقوق القانونية الكاملة كابن إبراهيم ونسله، وكل الحقوق القانونية الكاملة
ــــــــــ
- 25 -
لأمه هاجر كزوجة إبراهيم، كما هو واضح في قوله " فَأَخَذَتْ سَارَايُ امْرَأَةُ أَبْرَامَ هَاجَرَ الْمِصْرِيَّةَ جَارِيَتَهَا مِنْ بَعْدِ عَشَرِ سِنِينَ لإِقَامَةِ أَبْرَامَ فِي أَرْضِ كَنْعَانَ وَأَعْطَتْهَا لأَبْرَامَ رَجُلِهَا زَوْجَةً لَهُ "( تكوين16/3 )، وأيضا " وَابْنُ الْجَارِيَةِ أَيْضاً سَأَجْعَلُهُ أُمَّةً لأَنَّهُ نَسْلُكَ " ( تكوين21/13 )
8- دراسة هذه الأقوال والتعليق عليها:
ومند دراسة أحاديث الله مع إبراهيم ومع هاجر في هذا الشأن كاملة يتّضح الآتي:
(1) أنَّ الله وعد إبراهيم في ( تكوين12/1-3 ) بأنَّ فيه ستتبارك جميع الأمم مرتبط بشعب وأرض وأنَّ نسله حامل البركة سيكون غريب في أرض غريبة مدّة أربعمائة سنة ( تك15 ) ولم كن إبراهيم قد أنجب أى ابن له.
(2) وبعد ولادة إسماعيل، بلّ وهو في سنّ الثالثة عشر من عمره وقبل ميلاد إسحق بسنة عاد الله وكرّر هذا الوعد ثانية مؤكدًا أنّض البركة ستكون لا من إسماعيل بل من إسحق، ابن الموعد، الذي ستلده سارة ( تكوين 17 ). أمّا إسماعيل فسيباركه الله من جهة العدد، فهو ليي ابن الموعد، ولم يُعط الله وعدًا بأنْ يُبارك أحد من خلاله، بل الله هو الذي سيباركه من جهة العدد .
(3) وأكد الله لإبراهيم قائلاً " وَلَكِنْ عَهْدِي أُقِيمُهُ مَعَ إِسْحَاقَ الَّذِي تَلِدُهُ لَكَ سَارَةُ " ( تكوين17/21 )، وأنه " بِإِسْحَاقَ يُدْعَى لَكَ نَسْلٌ "( تكوين21/12 )، وقال له بعد نجاة إسحق " وَنَادَى مَلاَكُ الرَّبِّ إِبْرَاهِيمَ ثَانِيَةً مِنَ السَّمَاءِ، وَقَالَ: «بِذَاتِي أَقْسَمْتُ يَقُولُ الرَّبُّ أَنِّي مِنْ أَجْلِ أَنَّكَ فَعَلْتَ هَذَا الأَمْرَ وَلَمْ تُمْسِكِ اِبْنَكَ وَحِيدَكَ، أُبَارِكُكَ مُبَارَكَةً وَأُكَثِّرُ نَسْلَكَ تَكْثِيراً كَنُجُومِ اَلسَّمَاءِ وَكَالرَّمْلِ اَلَّذِي عَلَى شَاطِئِ اَلْبَحْرِ وَيَرِثُ نَسْلُكَ بَابَ أَعْدَائِهِ، وَيَتَبَارَكُ فِي نَسْلِكَ جَمِيعُ أُمَمِ اَلأَرْضِ مِنْ أَجْلِ أَنَّكَ سَمِعْتَ لِقَوْلِي " ( تكوين22/15-18 ) مؤكدًا أنَّ النسل الذي ستتبارك به جميع أمم الأرض يأتي من خلال إسحق فقط. أمّا إسماعيل فسيباركه الله في العدد فقط.
(4) ولم تتضمن وعود اته لإبراهم إى إشارة عن نبوة أو نبي يأتي من أبناء إسماعيل، بل على العكس ففي قول الملاك لهاجر تَكْثِيراً أُكَثِّرُ نَسْلَكِ فَلاَ يُعَدُّ مِنَ الْكَثْرَةِ . وَقَالَ لَهَا مَلاَكُ الرَّبِّ: هَا أَنْتِ حُبْلَى فَتَلِدِينَ ابْناً وَتَدْعِينَ اسْمَهُ إِسْمَاعِيلَ
ــــــــــ
- 26 -
لأَنَّ الرَّبَّ قَدْ سَمِعَ لِمَذَلَّتِكِ. وَإِنَّهُ يَكُونُ إِنْسَاناً وَحْشِيّاً يَدُهُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ وَيَدُ كُلِّ وَاحِدٍ عَلَيْهِ " لا يوجد ما يدلّ إلا على العكس مما يدّعيه هؤلاء!!
(5) وفي استشهادهم بقوله " وَأَمَّا إِسْمَاعِيلُ فَقَدْ سَمِعْتُ لَكَ فِيهِ. هَا أَنَا أُبَارِكُهُ وَأُثْمِرُهُ وَأُكَثِّرُهُ كَثِيراً جِدّاً. اِثْنَيْ عَشَرَ رَئِيساً يَلِدُ وَأَجْعَلُهُ أُمَّةً كَبِيرَةً " ( تكوين17/20 ).حذفوا الآيات السابقة لها والتالية لها!! والموضوع لا يفهم جيدًا إلا بقراءة هذه الآيات المحذوفة، والنص كامل هو " وَقَالَ اللهُ لإِبْرَاهِيمَ: سَارَايُ امْرَأَتُكَ لاَ تَدْعُو اسْمَهَا سَارَايَ بَلِ اسْمُهَا سَارَةُ. وَأُبَارِكُهَا وَأُعْطِيكَ أَيْضاً مِنْهَا ابْناً. أُبَارِكُهَا فَتَكُونُ أُمَماً وَمُلُوكُ شُعُوبٍ مِنْهَا يَكُونُونَ. فَسَقَطَ إِبْرَاهِيمُ عَلَى وَجْهِهِ وَضَحِكَ وَقَالَ فِي قَلْبِهِ: هَلْ يُولَدُ لابْنِ مِئَةِ سَنَةٍ؟ وَهَلْ تَلِدُ سَارَةُ وَهِيَ بِنْتُ تِسْعِينَ سَنَةً؟. وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ لِلَّهِ: لَيْتَ إِسْمَاعِيلَ يَعِيشُ أَمَامَكَ! فَقَالَ اللهُ بَلْ سَارَةُ اِمْرَأَتُكَ تَلِدُ لَكَ اِبْناً وَتَدْعُو اِسْمَهُ إِسْحَاقَ. وَأُقِيمُ عَهْدِي مَعَهُ عَهْداً أَبَدِيّاً لِنَسْلِهِ مِنْ بَعْدِهِ . وَأَمَّا إِسْمَاعِيلُ فَقَدْ سَمِعْتُ لَكَ فِيهِ. هَا أَنَا أُبَارِكُهُ وَأُثْمِرُهُ وَأُكَثِّرُهُ كَثِيراً جِدّاً. اِثْنَيْ عَشَرَ رَئِيساً يَلِدُ وَأَجْعَلُهُ أُمَّةً كَبِيرَةً. وَلَكِنْ عَهْدِي أُقِيمُهُ مَعَ إِسْحَاقَ الَّذِي تَلِدُهُ لَكَ سَارَةُ فِي هَذَا اَلْوَقْتِ فِي اَلسَّنَةِ اَلآتِيَةِ " ( تكوين17/15-21 ). وهنا تأكيد بأنَّ ابن الموعد الذي وعد الله به إبراهيم لكي تتبارك جميع الأمم من خلاله هو إسحق، الابن الذي كان هو المقصود والمُعَيّن بحسب مشورة الله الأزلية وعلمه السابق. فهو الذي يقيم الله العهد معه، أما إسماعيل فلأنه ابن إبراهيم أيضًا فقد وعد الله أنْ يُباركه من جهة العدد والمكانة السياسيّة لكنه لم يكن موضوعًا في خطة الله ومشورته الأزليّة لمباركة البشريّة.
(6) كما أن استشهادهم بقوله " وَابْنُ الْجَارِيَةِ أَيْضاً سَأَجْعَلُهُ أُمَّةً لأَنَّهُ نَسْلُكَ " ( تكوين21/13 )، لا يُفهم إلا من خلال النص الكامل للحديث والذي يقول " فَقَالَتْ لإِبْرَاهِيمَ: اطْرُدْ هَذِهِ الْجَارِيَةَ وَابْنَهَا لأَنَّ ابْنَ هَذِهِ الْجَارِيَةِ لاَ يَرِثُ مَعَ ابْنِي إِسْحَاقَ. فَقَبُحَ الْكَلاَمُ جِدّاً فِي عَيْنَيْ إِبْرَاهِيمَ لِسَبَبِ ابْنِهِ. فَقَالَ اللهُ لإِبْرَاهِيمَ: لاَ يَقْبُحُ فِي عَيْنَيْكَ مِنْ أَجْلِ الْغُلاَمِ وَمِنْ أَجْلِ جَارِيَتِكَ. فِي كُلِّ مَا تَقُولُ لَكَ سَارَةُ اسْمَعْ لِقَوْلِهَا لأَنَّهُ بِإِسْحَاقَ يُدْعَى لَكَ نَسْلٌ . و َابْنُ الْجَارِيَةِ أَيْضاً سَأَجْعَلُهُ أُمَّةً لأَنَّهُ نَسْلُكَ ." ( تكوين21/10-13 )
ــــــــــ
- 27 -
فالنسل الموعود الذي تتبارك من خلاله جميع الأمم هو إسحق. أمّا إسماعيل فسجعله الله أمة كبيرة العدد . وهذا ما أكده الله تكرارًا؛ " ها أنا أباركه وأثمره وأكثره كثيرًا جدًا". و" اثني عشر رئيسًا يلد واجعله أمة كبيرة" و" سأجعله أمة لأنَّه نسلك " و " سأجعله أمة عظيمة ". وهذه الأقوال، جميعها، لا تشير لا إلي أفراد ولا إلى فرد بعينه بل إلى أمّة كثيرة العدد فقط، ولا توحي بأي شكل من الأشكال عن بركة نبوّة، كما أنّ قول الملاك لهاجر عن إسماعيل يَكُونُ إِنْسَاناً وَحْشِيّاً يَدُهُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ وَيَدُ كُلِّ وَاحِدٍ عَلَيْهِ" لا يوجد ما يدلّ إلا على العكس مما يدّعيه هؤلاء!!
وقد بارك الله إسماعيل بالفعل فقد خرج منه إثنا عشر رئيسًا، أما بركة النبوّة فكانت من خلال نسل إسحق، كما قال الكتاب المقدس " بِالإِيمَانِ تَغَرَّبَ ( أي ابراهيم ) فِي أَرْضِ الْمَوْعِدِ كَأَنَّهَا غَرِيبَةٌ، سَاكِناً فِي خِيَامٍ مَعَ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ الْوَارِثَيْنِ مَعَهُ لِهَذَا الْمَوْعِدِ عَيْنِهِ " ( عبرانيين11/9 )، وكما قال القرآن أيضًا عن إبراهيم " وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ "( العنكبوت27 ). " وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلا جَعَلْنَا نَبِيّاً "( مريم49 ) . " وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً وَكُلّاً جَعَلْنَا صَالِحِينَ " ( الأنبياء72 ). " وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلاًّ هَدَيْنَا وَنُوحاً هَدَيْنَا مِن قَبْلُ وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ " ( الأنعام84 ). " وَامْرَأَتُهُ قَآئِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِن وَرَاء إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ " ( هود71 ).
(7) أما مسألة الحقوق الشرعية وما جاء في تثنية ( 21/15-17 ) عن ابن المكروهة فقد جاء في شريعة موسي الذي جاءت بعد إبراهيم بحوالي خمسمائة سنة والتي سنّ فيها الله عشرات الشرائع الجديدة والتي لم تكن موجودة في زمن إبراهيم مثل، تحريم الزواج من الأخوات ( لاويين20/17 ) الذي كان موجودًا وقت إبراهيم وبمقتضاه تزوج من أخته لأبيه سارة ( تكوين12/20 ) ، والاحتفال بالفصح.. إلخ
ــــــــــ
- 28 -
كما أن هذا التشريع وهذا الناموس يختص بالمواريث ولكن لا يختص بوعد الله من جهة البركة والنبوة. ومن ثمّ فمحاولتهم الربط بين الحقوق التشريعيّة ومواعيد الله وعهوده فهي محاولة غير منطقية ومغالطة واضحة وصريحة لأنَّ مواعيد الله وعهوده للبشريّة هي خارج نطاق المواريث البشريّة، ومن ثمّ فلا تورث ولا تورّث، لأنها ترجع لـ " مَشُورَةِ اللهِ الْمَحْتُومَةِ وَعِلْمِهِ السَّابِقِ " ( أعمال الرسل2/23 ). فقد انجب إبراهيم ستة أبناء من زوجته قطورة ولم يصر الوعد لأحد منهم وقد بارك الله فيهم. لإنهم أبناء إبراهيم، ولكن الموعد والعهود الإلهية كانت لإسحق ومن خلاله، ويقول الكتاب المقدّس " وَأَمَّا الْمَوَاعِيدُ فَقِيلَتْ فِي إِبْرَاهِيمَ وَفِي نَسْلِهِ. لاَ يَقُولُ وَفِي الأَنْسَالِ كَأَنَّهُ عَنْ كَثِيرِينَ، بَلْ كَأَنَّهُ عَنْ وَاحِدٍ. وَفِي نَسْلِكَ الَّذِي هُوَ الْمَسِيحُ . وَإِنَّمَا أَقُولُ هَذَا: إِنَّ النَّامُوسَ الَّذِي صَارَ بَعْدَ أَرْبَعِمِئَةٍ وَثَلاَثِينَ سَنَةً، لاَ يَنْسَخُ عَهْداً قَدْ سَبَقَ فَتَمَكَّنَ مِنَ اللهِ نَحْوَ الْمَسِيحِ حَتَّى يُبَطِّلَ الْمَوْعِدَ . لأَنَّهُ إِنْ كَانَتِ الْوِرَاثَةُ مِنَ النَّامُوسِ فَلَمْ تَكُنْ أَيْضاً مِنْ مَوْعِدٍ. وَلَكِنَّ اللهَ وَهَبَهَا لإِبْرَاهِيمَ بِمَوْعِدٍ . " ( غلاطية3/16-18 ).
وكما أختار الله إسحق بناء على مشورته الأزلية المحتومة وعلمه السابق فقد إختار أيضًا يعقوب ورفض أخاه البكرعيسو.يقول الكتاب" أَلّيسَ عِيسُو أخًا ليَعْقُوب يَقُولُ الرَّبُّ وَأَحْبَبْتُ يَعْقُوبَ وَأَبْغَضْتُ عِيسُوَ "( ملاخي1/2-3 )، وأيضًا " وَلاَ لأَنَّهُمْ مِنْ نَسْلِ إِبْرَاهِيمَ هُمْ جَمِيعاً أَوْلاَدٌ. بَلْ بِإِسْحَاقَ يُدْعَى لَكَ نَسْلٌ.أَيْ لَيْسَ أَوْلاَدُ ا لْجَسَدِ هُمْ أَوْلاَدَ ا للهِ بَلْ أَوْلاَدُ ا لْمَوْعِدِ يُحْسَبُونَ نَسْلاً. لأَنَّ كَلِمَةَ ا لْمَوْعِدِ هِيَ هَذِهِ: أَنَا آتِي نَحْوَ هَذَا ا لْوَقْتِ وَيَكُونُ لِسَارَةَ ا بْنٌ. وَلَيْسَ ذَلِكَ فَقَطْ بَلْ رِفْقَةُ أَيْضاً وَهِيَ حُبْلَى مِنْ وَاحِدٍ وَهُوَ إِسْحَاقُ أَبُونَا ـ لأَنَّهُ وَهُمَا لَمْ يُولَدَا بَعْدُ وَلاَ فَعَلاَ خَيْراً أَوْ شَرّاً لِكَيْ يَثْبُتَ قَصْدُ ا للهِ حَسَبَ ا لاخْتِيَارِ لَيْسَ مِنَ ا لأَعْمَالِ بَلْ مِنَ ا لَّذِي يَدْعُو قِيلَ لَهَا: إِنَّ ا لْكَبِيرَ يُسْتَعْبَدُ لِلصَّغِيرِ. كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ: أ َحْبَبْتُ يَعْقُوبَ وَأَبْغَضْتُ عِيسُوَ. فَمَاذَا نَقُولُ؟ أَلَعَلَّ عِنْدَ ا للهِ ظُلْماً؟ حَاشَا! " ( رومية9/7-14 ).
ــــــــــ
- 29 -
1- شيلوه في الكتاب المقدس وتفاسيره:
سبق الله، كما بيّنا، وأعطى إبراهيم الوعد وقطع معه عهدًا أنْ تتبارك فيه وبنسله جميع قبائل وأمم وشعوب الأرض. وأكّد له الله أنَّ الوعد هو بإسحق، ابن الموعد، وأنَّ عهده سيقيمه مع إسحق، ومن ابني إسحق، عيسو ويعقوب، اختار الله يعقوب ووعده أيضًا أنَّ بنسله تتبارك جميع أمم الأرض، ومن بين أبناء يعقوب الإثني عشر إختار الله يهوذا ليأتي منه هذا النسل الموعود والفادي المنتظر، فتنبّأ يعقوب وهو علي فراش الموت عن مستقبل أولاده الإثنى عشر، ولمّا جاء دور يهوذا قال بالروح " يَهُوذَا إِيَّاكَ يَحْمَدُ إِخْوَتُكَ. يَدُكَ عَلَى قَفَا أَعْدَائِكَ. يَسْجُدُ لَكَ بَنُو أَبِيكَ. يَهُوذَا جَرْوُ أَسَدٍ. مِنْ فَرِيسَةٍ صَعِدْتَ يَا ابْنِي. جَثَا وَرَبَضَ كَأَسَدٍ وَكَلَبْوَةٍ. مَنْ يُنْهِضُهُ؟ لاَ يَزُولُ قَضِيبٌ مِنْ يَهُوذَا وَمُشْتَرِعٌ مِنْ بَيْنِ رِجْلَيْهِ حَتَّى يَأْتِيَ شِيلُونُ وَلَهُ يَكُونُ خُضُوعُ شُعُوبٍ " ( تكوين49/8-10 )
و" شيلوه" حرفيًا هو " ??????? - شيلوه " ومعناها " الذي له "، أي الذي سيكون له الصولجان وخضوع شعوب كقول النبوّة " وَلَهُ يَكُونُ خُضُوعُ شُعُوبٍ " وهذا ما أشار إليه الروح القدس فى سفر حزقيال النبيّ قائلاً " مُنْقَلِباً مُنْقَلِباً مُنْقَلِباً أَجْعَلُهُ. هَذَا أَيْضاً لاَ يَكُونُ حَتَّى يَأْتِيَ الَّذِي لَهُ الْحُكْمُ فَأُعْطِيَهُ إِيَّاهُ " ( حزقيال21/27 ).
ولكي نفهم هذه النبوة جيدًا يجب أنْ نضع في اعتبارنا النقاط التالية:
1- أنَّ النبوّة أصلاً ليهوذا وعن مستقبل يهوذا وأنَّ هذا الآتي هو من سبط يهوذا، وذلك حسب تسلسل النبوّة من إبراهيم إلى إسحق إلى يعقوب إلى يهوذا وبعد ذلك إلى داود، وحسب مضمون النبوّة نفسها، فالحديث كله منصب على يهوذا والبركة الآتية من يهوذا.
ــــــــــ
- 30 -
2- أن النبوّة لم تقل قط، ولم تشر من قريب أو من بعيد أن شيلوه هذا سيكون من خارج يهوذا أو من خارج بني إسرائيل، بل أنَّ النبوّة عن يهوذا وليهوذا ومن ثمّ فلابدّ أنْ يأتي من يهوذا. وهذا واضح في نبوّة إشعياء النبي الفائل " وَيَكُونُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ أَنَّ أَصْلَ يَسَّى الْقَائِمَ رَايَةً لِلشُّعُوبِ إِيَّاهُ تَطْلُبُ الأُمَمُ وَيَكُونُ مَحَلُّهُ مَجْداً " ( أشعيا11/10 )، ويسي هو أبو داود النبي ( متّي1/6 )، فالآتي إذًا من نسل داود الذي هو من سط يهوذا. والذي تنبأ عنه إشعياء النبي أيضًا قائلاً " لأَنَّهُ يُولَدُ لَنَا وَلَدٌ وَنُعْطَى ابْناً وَتَكُونُ الرِّيَاسَةُ عَلَى كَتِفِهِ وَيُدْعَى اسْمُهُ عَجِيباً مُشِيراً إِلَهاً قَدِيراً أَباً أَبَدِيّاً رَئِيسَ السَّلاَمِ ، لِنُمُوِّ رِيَاسَتِهِ وَلِلسَّلاَمِ لاَ نِهَايَةَ عَلَى كُرْسِيِّ دَاوُدَ وَعَلَى مَمْلَكَتِهِ لِيُثَبِّتَهَا وَيَعْضُدَهَا بِالْحَقِّ وَالْبِرِّ مِنَ الآنَ إِلَى الأَبَدِ. غَيْرَةُ رَبِّ الْجُنُودِ تَصْنَعُ هَذَا " ( أشعيا9/6-7 )، والذي قال عنه الملاك للعذراء القدّيسة مريم عندما بشّرها بميلاده " وَهَا أَنْتِ سَتَحْبَلِينَ وَتَلِدِينَ اِبْناً وَتُسَمِّينَهُ يَسُوعَ. هَذَا يَكُونُ عَظِيماً وَاِبْنَ اَلْعَلِيِّ يُدْعَى وَيُعْطِيهِ اَلرَّبُّ اِلإِلَهُ كُرْسِيَّ دَاوُدَ أَبِيهِ وَيَمْلِكُ عَلَى بَيْتِ يَعْقُوبَ إِلَى اَلأَبَدِ وَلاَ يَكُونُ لِمُلْكِهِ نِهَايَةٌ " ( لوقا1/31-33 ).
3- أن زوال الصولجان من يهوذا مرتبط بمجيء شيلوه، الذي له الصولجان، فهذا الصولجان لن يزول إلا بعد مجيء شيلوه، أي يأتي شيلوه أولاً، ثمّ بعد ذلك يزول الحكم والصولجان من يهوذا وليس العكس " لاَ يَزُولُ قَضِيبٌ مِنْ يَهُوذَا وَمُشْتَرِعٌ مِنْ بَيْنِ رِجْلَيْهِ حَتَّى يَأْتِيَ شِيلُونُ " ( من له الصولجان ).
4- كما أن كلمة " قضيب " أو " صولجان " كانت تعني في فكر العلماء ( الربّيّون ) اليهود " الهوية السبطية " أو " العصا السبطية " (1) لأسباط إسرائيل الأثنى عشر، وقد ارتبطت الهوية السبطية في أذهانهم بأنّها حقهم في تطبيق وفرض الشريعة
ـ ــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــ
(1)Chuck Misster: The Creator beyond Time and Space, Until Shilon Come.
ــــــــــ
- 31 -
الموسوية على الشعب بما في ذلك حق القضاء في الأمور الكبرى وتوقيع العقوبات ، أي السلطان القانوني لإصدار الأحكام الكبرى مثل حكم الموت .
5- كما فهم اليهود في كل عصورهم ، قبل المسيح وفي أثناء وجوده على الأرض ، بال جسد ، وبعد ذلك وسجلوا ذلك في أهم كتبهم ، أنّ َ " كلمة ??????? – شيلو ه" هي مصطلح خاص بالمسيح الآتي والمنتظر( المسيّا). وأنَّ مجيء شيلوه أو المسيا سيكون قبل زوال الحكم من سبط يهوذا مباشرة.
(1) يقول ترجوم أونكيلوس (2) Targum Onkelos أن " انتقال الحكم من يهوذا لن يتوقف من بيت يهوذا ولا الكاتب من أبناء أبنائهم حتّي يأتي المسيّا " (3) .
(2) وجاء فى سيودو يوناثان Pseudo Jonathan (4) " الملك والحكام لن يتوقفوا من بيت يهوذا .... حتّي يأتي الملك المسيّا ". (5) .
(3) ويقول ترجوم Yerushalymi " لن يتوقف الملوك من بيت يهوذا... حتّي مجئ الملك المسيّا ... الذي ستخضع له كل سيادات الأرض" (6) .
(4) وجاء فى التلمود البابليّ ( Sanhedrin 98b )؛ قال Johanan " لقد خُلق العالم لأجل المسيّا، فما هو اسم المسيّا؟ تقوم مدرسة الرابّي شيلا ( Rabbi Shila ) اسمه شيلوه لأنه مكتوب " حَتَّى يَأْتِيَ شِيلُونُ " (7) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(2) ترجوم كلمة آرامية من الأصل الفارسي " تورجمان" وهي تعنى " ترجم". ويُطلق هذا المصطلح علي الترجمات الآرامية للكتا المقدّس. وقد وُضعت هذه الترجمات في الفترة الواقعة بين أوائل القرن الثاني وأواخر القرن الخامس قبل الميلاد. وقد أصبحت مثل هذه الترجمات أمرًا مهمًا وحيويًا بالنسبة إلي اليهود، نظرًا لأن الآرامية حلّت محل العبرية بعد التهجير ( السبي ) البابلي. فمنذ أيام عزرا، كانت تُضاف ترجمة آرامية بعد قراءه أجزاء من العهد القديم، وقد صار هذا تقليدًا ثابتًا. ومن أشهر الترجمات الآرامية للكتاب المقدّس: ترجوم أونكيلوس لاأسفار موسى الخمسة وحدها، وترجوم يوناثان لبقية أسفار العهد القديم" ( اليهود و اليهودية والصهيونية د .عبد الوهاب المسيري ج5).
(3) Chuck Missler, The Creator Beyond Time and Space, Until Shiloh Come.
سيودوإبيجرفيا اليونانية، وتعنى المنسوبة خطأ لغير مؤلفه. (Pseudepigrapha) (4) كلمة سودو من
(5) Chuck Missler, The Creator Beyond Time and Space, Until Shiloh Come.
(6) Ibid.
(7) Ibid. & Jer usalem Talmud, Sanhedrin, filoi 24,
ــــــــــ
- 32 -
(5) ويقول رابّي راشي RaShi إلى أن يأتي المسيا، الذي سيُعْطَى له كل الملك، فأنَّ كلّ الشعوب ستترجّي قدومه (8) .
(6) ويقول مدراش (9) راباه 97 Midrash Rabbah في تعليقه علي هذه النبوّة [ المسيا الملك سيأتي من سبط يهوذا كما هو مكتوب في إشعياء 11/10 : " وَيَكُونُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ أَنَّ أَصْلَ يَسَّى الْقَائِمَ رَايَةً لِلشُّعُوبِ إِيَّاهُ تَطْلُبُ الأُمَمُ وَيَكُونُ مَحَلُّهُ مَجْداً ". وكما جاء سليمان من سبط يهوذا، الذي بنى الهيكل الأول، وزربابل الذي بني الهيكل الثاني، هكذا سيجئ المسيّا الملك من سبط يهوذا ليُعيد بناء الهيكل، هذا المسيّا كُتب عنه في ( مزمور89/34-37 ) " لاَ أَنْقُضُ عَهْدِي وَلاَ أُغَيِّرُ مَا خَرَجَ مِنْ شَفَتَيَّ. مَرَّةً حَلَفْتُ بِقُدْسِي أَنِّي لاَ أَكْذِبُ لِدَاوُدَ. نَسْلُهُ إِلَى الدَّهْرِ يَكُونُ وَكُرْسِيُّهُ كَالشَّمْسِ أَمَامِي. مِثْلَ الْقَمَرِ يُثَبَّتُ إِلَى الدَّهْرِ. وَالشَّاهِدُ فِي السَّمَاءِ أَمِين " ] (10) .
(7) ويقول مدراش راباه Midrash Rabbah 98 [ التلميح بالملك المسيا، فى قوله " وستخضع الشعوب له ". فالمسيا سيأتي ويجلس ليحاكم شعوب العالم ] (11) .
معنى هذا فإنَّ الهويَّة السبطية وصولجان سبط يهوذا لن يزولا من يهوذا إلا بعد مجيء المسيح المنتظر، شيلوه، أي يأتي المسيا، شيلوه، أولاً ثمّ يلي مجيئه زوال الحكم من يهوذا. ولم يكن سبط يهوذا مجرّد سبط من الأسباط الإثني عشر فحسب إنما صار اسمًا للمملكة الجنوبية، مملكة يهوذا، عند انقسام إسرائيل إلي مملكتين بعد وفاة سليمان الحكيم والملك، والتي إتخذ اليهود، كلّ بني إسرائيل، منها أسمهم "يهود" من "يهوذا" (12) .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(8) عن كتاب " أما إسرائيل فلا يعـرف " للقمص روفائيل البراموسي ص 54 و55.
(9) مدراش من الكلمة العـبرية درش، أي استطلع أو بحث أو درس أو فحص أو محص. والكلمة تُستخدم للإشارة إلى تفسير العهد القـديم.
(10)" أما إسرائيل فلا يعـرف " ص55 .
(11) المرجع السابق .
(12) أنظر ( 2ملوك 16/6؛ 25/25؛ عزرا 4/12؛ 4/23؛ 5/5....إلخ ).
ــــــــــ
- 33 -
ولذا فالتفسير الدقيق للنبوة هو؛ أنَّ الهوية القومية ليهوذا كسبط وكمملكة والتي تتضمن الحق في تطبيق الشريعة الموسويه وتوقيع العقوبات الكبرى، ومنها حكم الموت، على الشعب، كما هو مكتوب في شريعة موسى، لن تزول من مملكة يهوذا، اليهود، ولا المشرع من بين رجليه إلا بعد أن يأتي شيلوه أي المسيح ( المسيا ) وله يكون خضوع شعوب.
كما تؤكّد هذه النبوّة على أن شيلوه أو المسيا سيأتي قبل أن يُحصر الحق في تطبيق الشريعة الموسوية بما فيها توقيع العقوبات الكبري القومية ليهوذا مباشرة.
ويسجل لنا التاريخ الكتابي أنَّ مملكة يهوذا فقدت سلطانها القومي لمدة 70 سنة أثناء السبي البابلي ( من سنة 606 إلى 537 ق م )، ولكنها احتفظت بالعصا السبطية أو الهويّة القوميّة، ولم يزول القضيب من يهوذا أثناء السبي في بابل. فقد ظلّ اليهود يحتفظون بقضائهم وسلطانهم القضائي وتطبيق شريعتهم على شعبهم حتّى وهم في السبي. (13)
وفي خلال القرون الخمسة السابقة للميلاد وقع اليهود تحت نير الإمبراطوريات الفارسية واليونانية والرومانية، مثلهم مثل بقية بلاد الشرق الأوسط، ولكنهم ظلّوا محتفظين بهويّتهم السبطيّة وحقهم في تطبيق شريعتهم، بما فيها توقيع عقوبة الموت حتى سنة 6/7ميلادية، كما يسجّل المؤرخ والكاهن والعلامة اليهوديّ يوسيفوس المعاصر لتلاميذ المسيح ( 36-100 م) في كتاباته، فبعد موت هيرودس الكبير سنة 4 ق م ملك عرش اليهودية بدلاً عنه أبنه أرخيلاوس من قبل أغسطس قيصر، ولكن اليهود لم يقبلوه مطلقًا فعُزل من وظيفته سنة 6 أو7 ميلادية ونُفي إلى فيّنا بالغال ولم يحل محله أي ملك يهودي بل تحوّلت اليهوديّة في هذا التاريخ إلى ولاية رومانيّة وحكمها أول والى رومانى اسمه Coponius من
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(13) Chuck Missl er, The Creator Beyond Time and Space, Until Shiloh Come.
ــــــــــ
- 34 -
قبل الإمبراطور الروماني أغسطس قيصر "وانحصرت منطقة أرخيلاوس إلى ولاية رومانية وأُرْسل كابينوس كوالي روماني وقد وضع الإمبراطور في يديه سلطان الحياة والموت" (14)
ومنذ ذلك التاريخ " كان الوالي ( الروماني ) هو الممثل المباشر لقيصر ومسئولاً عن حكم الولاية... وكان هو أيضًا الحاكم المحليّ والقاضي. وكان رئيس الكهنة تابعًا له ومسئولاً أمامه عن سلوك اليهود. وكان للوالي حق تعيين رئيس الكهنة كما كان يحق له عزله. وخلال عصر الولاة استمرّ اليهود خاضعين لقادتهم كما استمرّت المحاكم اليهوديّة المسماه بالسنهدرين تؤدّي أعمالها. ولكن دائمًا تحت سيطرة الوالي الذي جرّد هذه المحاكم من سلطة الحكم علي شخص بالإعدام" (15)
فقد زال الحكم وزالت الهوية السبطية من اليهود على أيدي الوالي الروماني. ويُسجل الكاهن والمؤرخ اليهودي يوسيفوس هذه الحادثة التي تؤكّد أنَّ السنهدرين لم يكن له، في وجود الوالي الروماني، سلطة أنْ يحكم على أحد بالموت؛ " والآن عند سماع قيصر بموت فستوس أرسل البينوس ( Albinus ) إلى اليهودية واليًا ...وكان حنان رئيمن الكهنة مندفعا في سلوكه وظنّ أنَّ أمامه الفرصة الآن مواتية لممارسة سلطانه. فقد صار فستوس الآن ميتا وكان ألبينوس لا يزال في الطريق. ولذلك فأنّضه استدعي مجلس قضاة السنهدرين وأحضر أمامهم أخا يسوع الذي يدعى المسيح والذي اسمه يعقوب وبعض الآخرين. وعندما قدم اتهاما عليهم كخارجين عن القانون أسلمهم ليُرجموا. أمَّا الذين بدت عليهم العدالة بين المواطنين وغير المرتاحين للتعدّي على القانون فقد اعتبروا هذا عملاً كريهًا. ولذلك أرسلوا إلى الملك أغريباس مجندين له أنْ يُرسل إلى حنانيا يعزله لأنَّ ما فعله مؤخرًا لايمكن تبريره، بل أنَّ بعضهم ذهب لمقابلة ألبينوس عندما كان في رحلته من الإسكندرية وأبلغوه أنه لم يكن مخول لحنان قانونًا أنْ يعقد السنهدرين بدون موافقته
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(14) Jos. Jewish Wars2:8.
(15) عن كتاب " محاكمة يسوع المسيح" للفقيه الإنجليزي فرنك ج باول ترجمة إبراهيم سلامة. ص33.
ــــــــــ
- 35-
وقد إقتنع ألبينوس بما ذكروه وكتب إلى حنان في غضب متوعدًا، أنْ يستدعيه لمعاقبنه على ما فعل، ولنفس ذلك السبب خلعه الملك أغريباس من رآسة الكهنة بالرغم من أنَّه لم يحكمْ أكثر من ثلاثة شهور وجعل يشوع بن دايميوس رئيسًا للكهنة (16) .
كما سجّل التلمود ردّ فعل اليهود وحزنهم لتأكّدهم من زوال الهويّة السبطيّة من يهوذا واعتقادهم أنَّ المسيّا لم يأتِ بعد، يقول Augustin Leman في كتابه " يسوع أمام السنهدرين مسجّلاً قول الرّابّيّ راشمان Rabbi Rashman " عندما وجد أعضاء السنهدرين أنفسهم محرومين من حقهم على الحياة والموت تملّكهم رعب عام وغطوا رؤوسهم بالمسوح صائحين: ويل لنا لأن القضيب ( الصولجان ) زال من يهوذا ولم يأتِ المسيّا" (17) . كانوا يصيحون في يأس وحزن في أورشليم يبنما كان المسيّا، شيلوه، الذي له القضيب والصولجان ينموا في مدينة الناصرة، يسوع الناصري، وكان يُظن أنه ابن يوسف النجار ( لوقا3/23 ). فقد جاء شيلوه وزال الصولجان من يهوذا بعد ميلاده بالجسد بسبع سنوات.
وقد زال الحكم والصولجان من يهوذا نهائيّا بل وزالت اليهودية نفسها سنة 70م عندما دمّر الرومان أورشليم وطردوا اليهود عن الأرض فتشتتوا في العالم، وأكمل الرومان هذا الدمار والشتات سنة 132م وتغيّر اسم أورشليم إلى إيلياء.
2- الإدعاء بأن شيلوه ليس هو المسيح!!
وبرغم من هذا التفسير الواضح والجليّ وإيمان كلٍّ من اليهود والمسيحيّين بأنَّ شيلوه هو المسيح ( المسيا ) المنتظر والآتي فقد قام بعض الكتاب من الأخوة المسلمين بمحاولات كثيرة وجهود جبارة لتطبيق هذه النبوة على نبي المسلمين (18) .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(16) Antiq. 23:9.
(17) Chuck Misster, Until Shiloh Come & Jerusalem Talmode, Sanhedrie, filio 24.
(18) أنظر علي سبيل المثال، غير الكتب التي سنذكرها في حينها؛ كتاب " تحفة الأريب في الرد على أهل الصليب " للقس إنسلم تورميدا، تقديم وتحقيق ونعليق دكنور محمود على حماية، وكتاب " أشهد للمسيح والمسيح يشهد معي...!" لأحمد أبو الخير، وكتاب حقيقة النصرانية من الكتب المقدسة لعلى الجوهري، وكتاب " محمد نبي الإسلام في التوراة والإنجيل والقرآن" المستثمار محمد عزت الطهطاوى. وذلك إلي جانب الملفات التي وضعت على شبكة الإنترنت على مواقع مثل " ابن مريم، وللمسيحيين فقط، والمسيحية في الميزان، والحوار الإسلامي المسيحي، والأجوبة الجلية في الرد على المسيحية، و Answering Christianity ، ومواقع كل من: جمال بدوي، وقيس علي، وصابر علي، وسيف الله وغيرهم!!.
ــــــــــ
- 36-
فقال الإمام شهاب الدين القرافي ( 626-684هـ) " لا يُعدم سبط يهوذا ملك مُسلط وأفخاذه بنو إسرائيل، حتى يأتي الذي له الكل "، ولم يأت من بعد الكل إلا محمد رسول الله... فيكون المراد صونا لكلام يعقوب - عليه السلام – عن الخلل" (19) !!
وكان أول من بدأ هذه المحاولات هو أحد علماء اليهود الذين اسلموا ويُدعى عبد السلام ( في عهد السلطان اليزيد الثاني ( 886-918هـ )، وكانت ترجمته للنص هي: " لا يزول الحاكم من يهوذا ولا راسم من يين رجليه، حتى يحئ الذي له، وإليه تجتمع الشعوب ". وقال في كتابه ( الرسالة الهادية )؛ " وفي هذه الآية دلال على أن يجئ سيدنا محمد ( ص ) بعد تمام حكم موسى وعيسى، لأنَّ المراد من ( الحاكم ) هو موسى، لأنه بعد يعقوب ما جاء صاحب شريعة إلى زمان موسى إلا موسى، والمراد ( بالراسم ) هو عيسي لأنه بعد موسى إلى زمان عيسى ما جاء صاحب شريعة إلا محمد، فعُلم أنَّ المراد من قول يعقوب ( في آخر الأيام ) هو نبينا محمد عليه السلام لأنَّه في آخر الزمان بعد مضي حكم ( الحاكم ) و( الراسم ) ما جاء إلا سيدنا محمد عليه السلام " (20) !!
وشايعه في ذلك الشيخ رحمة الله الهندي في كتابه إظهار الحق (21) " لا يزول الحاكم من يهوذا ولا راسم من بين رجليه حتى يجئ الذي له وإليه تجتمع الشعوب".
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(19) كتاب " الأجوبة الفاخرة عن الأسئلة الفاجرة في الرد على اليهود والنصارى" الإمام شهاب الدين القرافي دراسة وتحقيق مجدي محمد الشهاوي، ص 200.
(20) كتاب " إظهار الحق " ج 2ص 213، والبشارات، بحوث في بشارات الكتب المقدسة بالنبي محمد (ص)؛ بشارة يعقوب عليه السلام بالنبي محمد arabic.islamicweb.com/christianity/-
(21) كتاب " إظهار الحق " للشيخ رحمة الله الهندي ج 2، ص 211-214.
ــــــــــ
- 37-
وقال إنما أراد بالحاكم موسى ( ع ) لأن شريعته جبرية انتقامية ومن الراسم عيسي ( ع ) لأن شريعته غير جبرية ولا انتقامية والمراد بشيلون هو محمد ( ص )"!!
وكانت المحاولة الثانية التي قام بها البروفيسور عبد الأحد داود ( مواليد 1867 بفارس ) وهو قسّ كلداني سابق، " الذي فسر النبوّة هكذا " أنَّ الطابع الملكي المُتنبئ لن ينقطع من يهوذا إلى أن يجيء الشخص الذي يخصُّه هذا الطابع، ويكون له خضوع شعوب ". ثم أكّد على حقيقة إيمان كلٍّ من اليهود والمسيحيّين بأنَّ شيلوه هو المسيح فقال " وبالطبع لا جدال في أنَّ كلٍّ من اليهود والنصارى يؤمنون بأنَّ هذه البركة إحدي أبرز التنبوءات المسيحانية ". ولكنه إتّخذ من عدم اعتراف اليهود بالمسيح حجّة على أنَّه ليس هو المقصود في النبوّة!! وقال " أن هذه النبوءة القديمة جدًا قد تحققت عمليًا وحرفيًا في " محمد "، فالتعابير المجازيّة مثل، الصولجان، والمشرّع هناك إجماع ببن المعلقين أو الشرّاح أنَّ ذلك معناه السلطة الملكيّة والنبوءة على التوالي"!! وأضاف زاعمًا: " ومن الواضح أنَّه ليس عيسي؛ لأنه هو نفسه رفض الفكره القائلة أنَّ المسيح الذي كان تنتظره إسرائيل كان أحد أبناء داود "!! (22) ( أنظر تعليقنا على الفقرة الأخيرة في الفصل الثامن ).
ومن أكثر الكتاب الذين كتبوا في هذا الموضوع وصار بالنسبة له عقيده ثابتة د.أحمد حجازي السقا الذى ثأثّر بما كتبه البروفيسور عبد الأحد داود، وأخذ ما جاء في الكتاب المزّيف المدعو زورًا بإنجيل برنابا كحقيقة ثابتة برغم كل ما كتبه الكتاب المسيحيّين والمسلمين في إثبات زيف هذا الكتاب المزور والمليء بالخرافات التي تفوق خرافات ألف ليلة وليلة!!.
فقال في تعليقه على كتاب " الكنز المرصود في قواعد التلمود" في التوراه يقول يعقوب - عليه السلام – لبنيه: إن المُلك لن يزول منكم، وأنَّ الشريعة لن تزول منكم إلا إذا أتي " شيلون" فإنَّه إذا أتى يتسلّم الملك ويتسلّم الشريعة وتدين له أمم الأرض بالطاعة والولاء.... ومعلوم أنَّ المُلك لم يزل من اليهود إلاَّ علي يدّ عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – لمّا تسلّم القدس ( أورشليم ) من البطريرك " صفرنيوس " ومعلوم أنَّ النصاري شيعة من اليهود وطائفة. وعيسي – عليه السلام – هو آخر نبيّ فى إسرائيل " (23) !!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(22) كتاب " محمد فى الكتاب المقدّس " للبروفيسور عبد الأحد داود – ترجمة فهمي شمّا ص 79-85.
ــــــــــ
- 38-
ونقل في كتابه " معركة هرمجدون ونزول عيسى والمهدي المنتظر بين النفي والإثبات في التوراة والإنجيل والقرآن " جملة ما كتبه عبد الأحد داود (24) !!
وقال في تعليقه على إحدى طبعات كتاب " إظهار الحق "؛ " أنَّ أمّة بني إسرائيل كانت ظاهرة في الأرض بملك وسلطان ولها كتاب موسى إمامًا ورحمة وقد حدث لهذه الأمة ما يحدث لسائر الأمم من الانتصارات والهزائم إلى أن جاء الإسلام واستولى على ديارهم ومزقهم. ومن زمن موسي إلي بنيّ الإسلام كان كلّ نبيّ أتي إلى العالم كان يأتي علي شريعة موسي إلي أنْ نُسخت شريعة موسي بشريعة محمد ولايمكن أن نقول بزوال الملك من اليهود على يد النصارى لأنَّ النصارى طائفة يهوديّة ، ولا يمكن أن نقول بنسخ شريعة موسي علي يدّ عيسي لأن عيسي كما حكى القرآن مصدقًا لما بين يديه من التوراة غير مهيمن عليها وإنّما يمكننا أن نقول: ظلّ المُلك مع اليهود ينتصرون مرّة وينهزمون أخري والشريعة فى أيديهم إلى أنْ جاء نبي الإسلام ( شيلون ) فتسلّم الملك والشريعة من بنى إسرائيل " (25) !!
وقال أيضًا في كتاب " نبوّة محمد في الكتاب المقدّس ": " يظل المُلك في نسل يهوذا وتظل الشريعة يعمل بها الناس في ظل الملوك من أهل يهوذا حتّي يأتي من غير اليهود من يتسلم الملك منهم والشريعة والمراد لا يزول الملك من اليهود عامّة ولا الشريعة حتّى يأتي النبي المنتظر، وأنَّ شيلون أو الذي له الحكم من غير أنبياء يعقوب بل من بني إسماعيل لأنَّ الشريعة لم تنسخ إلا على يد نبي وأن الملك لم بزول إلا على يد نبي الإسلام" (26) !!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(23) كتاب " الكنز المرصود في قواعـد التلمود " ص 84،85.
(24) كتاب " معركة هرمجدون ونزول عيسى والمهدي المنتظر بين النفي والإثبات في التوراة والإنجيل والقرأن " ص 48-51.
(25) " إظهار الحق " الطبعة التي قام بتحقيقها، هامش ص 518-519.
(26) كتاب " نبوّة محمد فى الكتاب المقدّس" ص 43-46. أنظر تعليقه على كتاب " التوراة السامرية" ص 398، 399.
ــــــــــ
- 39-
وفسّر المستشار محمد عزت الطهطاوي في كتابه " محمد نبي الإسلام في التوراة والإنجيل والقرآن "، معنى النبوة بقوله " والمعنى لا تزول السلطنة من بيت يهوذا والمشرع من بين رجليه أو من صلبه وهو المسيح لأنّه من بيت يهوذا ليكون ما بينه فى الإنجيل حتّي يأتي شيلون ( أى من له الأمر ) – فيكون الحكم والعمل على شريعته، ولم يتحقق هذا إلا بسيدنا محمد..."!! ثم لخص ما سبق أن قاله عبد الأحد داود (27) !!
كما قالت د.مها محمد اعتمادًا علي ما جاء في كلام عبد الأحد داود " وعلي هذا فالنبوّة والسلطان سوف يتوارثان في سلالة يهوذا حتى يأتي شخص لايكون من هذه السلالة ويأخذ التشريع والسلطان ... ومن الواضح أن هذه النبوّة تعني شخصًا آخر غير السيد المسيح الذي كان من سلالة يهوذا " ونسبت النبوّة لنبيّ المسلمين (28) !!
3- التعليق على هذه الأقوال:
نلاحظ فيما سبق من أقوال أنَّ كتّابها حاولوا تفسير النبوّة بأسلوبهم هم وبحسب مفاهيمهم هم لا بمفاهيم الكتاب المقدّس فغيّروا وعدّلوا في كلماتها وترجموها
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(27) كتاب " محمد نبي الإسلام في التوراة والإنجيل والقرآن " ص15،16.
(28) كتاب " هيمنة القرآن المجيد على ما جاء في العهد القديم والجديد " إعداد د. مها محمد فريد عقل أستاذ بكلية الطب بنات جامعة الأزهر ص116.
ــــــــــ
- 40-
بأسلوبهم وأضافوا لها عبارات غير موجودة فيها!! وفيما أهم ملاحظتنا وتعليقنا عليها:
أنَّ بعض هؤلاء الكتاب أضافوا من عندهم عبارة "من غير اليهود" التي لم يتضمّنها ولم يشرْ إليها محتوى النبوّة مطلقًا!! بلّ أنَّ محتوى النبوّة وما سبقها من، وما تلاها من آيات يؤكّد أنَّ شيلوه لابدّ أن يأتي من سبط يهوذا المُتنبأ له أصلاً .
كما أنهم خالفوا النصّ وحرّفوا معناه وكيّفوه علي هواهم!! فنص الآية يقول: " لاَ يَزُولُ قَضِيبٌ ( الصولجان ) مِنْ يَهُوذَا وَمُشْتَرِعٌ ( ولا عصا سلطان ) مِنْ بَيْنِ رِجْلَيْهِ حَتَّى يَأْتِيَ شِيلُونُ ( شيلوه = من له الصولجان ) وَلَهُ يَكُونُ خُضُوعُ شُعُوبٍ " ( تكوين49/8-10 ). يقصد صولجان الحكم والقضاة المنفذين للشريعة الموسويّة في يهوذا، الهويّة السبطيّة، وتجاهلوا حتى ما ترجموه هم بأنفسهم في قوله " لا يزول .... حتّي يجئ الذي له "، والذي يؤكّد أنَّ مجيء هذا الآتي سيسبق زوال الحكم من يهوذا وهذا ما تم بعد ميلاد المسيح. وفسروا كلمة القضيب أو الصولجان بـ " الحاكم " ليبدو وكأنَّه شخص بعينه!! وقالوا أنَّ المقصود به هو موسي!! في حين أن القضيب أو الصولجان هو رمز للحكم. وفسروا كلمة " مشرع " بـ " الراسم " ليبدو أيضًا وكأنه شخص آخر وقالوا أن المقصود به هو المسيح!! في حين أنَّ المقصود هنا هو تطبيق الشريعة وتأكيد الهويّة السبطيّة، حتى يجعلون من شيلوه آخر يأتي بعد المسيح!! وهذا لا يتفق مع مضمون وجوهر النبوّة كما سنبيّن. بل وناقضوا أنفسهم عندما قالوا أن المقصود بالمشرع هنا هو المسيح، في حين يقولون أيضًا أنَّ المسيح لم يأت بشريعة جديدة بل جاء متممًا لشريعة موسىً!! فكيف تتفق أقوالهم المتناقضة هذه؟!! .
وبالرغم من أنهم جميعًا أكّدوا على أنَّ زوال الحكم والتشريع من يهوذا لن يحدث إلا بعد مجيء شيلوه فقد تجاهلوا حقيقة زوال الهويّة السبطيّة والقوميّة اليهوديّة بل والحكم والمملكة سنة 6/7ميلادية، أي بعد ميلاد المسيح بسبع سنوات، كما بيّنا أعلاه!!
ــــــــــ
- 41-
كما زالت مملكة اليهود، التي أُقيمت علي أرض الموعد بفلسطين نهائيًا مع دمار الهيكل سنة 70م ودمار أورشليم وطرد اليهود منها ومن فلسطين نهائيًا سنة 132م على أيدي الرومان!! وتشتّت اليهود وعاشوا كجماعات صغيرة مشتتة في كل دول حوض البحر المتوسط، سواء في أروبا أو آسيا أو أفريقيا، وسكن بعضهم في الجزيرة العربية.
كما أن من يسميهم د. السقا بالنصارى، ويقصد مسيحي أورشليم القدس، لم يكونوا فرقة يهوديّة أو طائفة يهوديّة بل كانوا جزءًا من المسيحيّة التي كانت الديانة الرسميّة لكل دول حوض البحر المتوسط والتي انتشرت في الكثير من البلاد الأخرى مثل الحبشة واليمن وكل أطراف الجزيرة العربية وما بين النهرين وفارس، الهند وغيرها. ومن ثمّ لا يمكن ويستحيل أن يكون خضوع القدس المسيحيّة، التي كانت مجرد مدينة من مئات المدن المسيحيّة، لعمر بن الخطاب هو دمار مملكة اليهود!! كما أنَّ دمار المسلمين لليهود وطردهم من الجزيرة العربية لا يعتبر دمار لمملكة اليهود، فمملكة اليهود كانت في فلسطين، وقد زالت وزالت هويتهم السبطية والقومية قبل عمر بن الخطاب بحوالي 500سنة ، وتشتتوا في كل دول حوض البحر المتوسط التي لم يكن لهم فيها ملك ولا كان يمكن لهم أن يمارسوا هويتهم السبطية ولا حق قضاتهم على الحياة والموت بل خضعوا لقضاء البلاد التي تشتتوا فيها!!
أما القول بنظرية أنَّ القرآن جاء ناسخًا للتوراة والإنجيل، بمعنى أنَّ القرآن ألغي التوراة والإنجيل!! فهذا لا وجود له لا في المسيحية ولا في جوهر الإسلام. فقد أجمع العلماء المسلمون على أنَّ النسخ هو من خواص القرآن الذي يحوي في داخله الناسخ والمنسوخ ، قال العلامة جلال الدين السيوطي في كتابه " الإتقان في علوم القرآن " وفي هذا النوع ( أي النسخ ) مسائل: الأولى: يرد النسخ بمعني الإزالة، " وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ " ( الحج 52 )،
ــــــــــ
- 42-
وبمعنى التبديل ومنه:" وإذا بدلنا آية مكان آية " (النحل101)... الثانية: النسخ مما خصّ الله به هذه الأمّة لحك، منه للتيسير... وأختلف العلماء: فقيل لا يُنسخ القرآن إلا بقرآن، لقوله تعالى: " مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا "(البقرة:106). قالوا: ولا يكون مثل القرآن وخير منه إلا القرآن (30) .
أما قول هؤلاء الكتاب أنَّ المسيح " لم يترك قانونًا مكتوبًا، كذلك فإن عيسى لم ينقض شريعة موسى بل أعلن بوضوح أنَّه قدم لتحقيقها. كما أنَّه لم يكن آخر الأنبياء، لأن القديس بولس يتحدث بعده عن أنبياء عديدين في الكنيسة" !! " أمّا محمد (ص) فقد جاء بالقوّة العسكريّة، وحلّ القرآن محل الصولجان اليهودي القديم البالي والشريعة القديمة غير العملية، التي تقوم على الرهبنة الفاسدة. ونادى بالضوابط الأخلاقية والسلوكية للبشر"!!
وما قالوه هنا مجرّد كلام مرسل بلا سند ولا دليل ومغالطات واضحة وعدم فهم للكتاب المقدّس!! فلم تقم اليهوديّة ولا المسيحيّة علي الرهبنة. فاليهودية ليست بها رهبنة. والمسحية لم تقم على الرهبنة إنما بدأت الرهبنة في مصر في القرن الرابع كنوع من العبادة النسكة الاختياريّة. وكانت اليهودية ومازالت هي ديانة التوحيد الخالص، وكذلك المسيحيّة، ويقوم جوهر كليهما علي قول كلٍّ من العهد القديم والعهد الجديد ( التوراة والإنجيل ):" إِسْمَعْ يَا إِسْرَائِيلُ: اَلرَّبُّ إِلهُنَا رَبٌّ وَاحِدٌ "( تثنية6/4 ومرقس12/29 ). ولما جاء الرب يسوع المسيح كشف للبشريّة عن حقيقة هذا التوحيد الإلهي وجوهره.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(30) كتاب " الإتقان في علوم القرآن " للعلامة جلال الدين السيوطي، ج3، النوع السابع والأربعـون في ناسخه ومنسوخه، ص 27، 28
ــــــــــ
- 43-
وما لم يدركه ويعرفه هؤلاء هو أن الكتاب المقدس مبني على عدة أسس أهمّها:
أنَّ التوراة ( العهد القديم ) تحتوي على وعود الله بمجيء المسيح المنتظر لفداء البشرية وعهده الذي قطعه مع إبراهيم والذي إستمر في إسحق ويعقوب ويهوذا، وتجدّد مع داود " قَطَعْتُ عَهْداً مَعَ مُخْتَارِي. حَلَفْتُ لِدَاوُدَ عَبْدِي. إِلَى الدَّهْرِ أُثَبِّتُ نَسْلَكَ وَأَبْنِي إِلَى دَوْرٍ فَدَوْرٍ كُرْسِيَّكَ.. مَرَّةً حَلَفْتُ بِقُدْسِي أَنِّي لاَ أَكْذِبُ لِدَاوُدَ. نَسْلُهُ إِلَى الدَّهْرِ يَكُونُ وَكُرْسِيُّهُ كَالشَّمْسِ أَمَامِي " ( مزمور89/3-4، 35-36 ). وقد أشار إليه في مئات النبوات والرموز. وهذا ما أكّده الربّ يسوع المسيح عندما أعلن أنَّه جاء لكي يتمّم ما كتب عنه من نبوات ورموز في ناموس موسى والأنبياء والمزامير، كقوله " لاَ بُدَّ أَنْ يَتِمَّ جَمِيعُ مَا هُوَ مَكْتُوبٌ عَنِّي فِي نَامُوسِ مُوسَى وَالأَنْبِيَاءِ وَالْمَزَامِيرِ " ( لوقا 24/44 ).
تعديل المسيح لشريعة موسى وليس إلغائها. بل جعلها ملائمة لكل العصور، لأن شريعة الله واحدة وناموسه واحد لا يتغيّر . وبمعنى أدق قدّم المسيح شريعة موسى في ثوب جديد هو شريعة النعمة والحق وأساسها هو الإعلان عن حبّ الله الأبدي الذي لا حدود له، الحب الباذل والرحمة، الشريعة التي تحوّل بمقتضاها البشر من عبيد إلى أبناء الله الحيّ " وَيَكُونُ فِي اَلْمَوْضِعِ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فِيهِ لَسْتُمْ شَعْبِي أَنَّهُ هُنَاكَ يُدْعَوْنَ أَبْنَاءَ اللهِ اَلْحَيِّ " ( هوشع1/10 ورومية9/26 ). وعدل شريعة موسى من شريعة القصاص إلى شريعة النعمة والحب والسلام " لأَنَّ النَّامُوسَ بِمُوسَى أُعْطِيَ أَمَّا النِّعْمَةُ وَالْحَقُّ فَبِيَسُوعَ الْمَسِيحِ صَارَا " ( يوحنا1/17 ). وعلى سبيل المثال يقول:" قَدْ سَمِعْتُمْ أَنَّهُ قِيلَ لِلْقُدَمَاءِ: لاَ تَقْتُلْ ..... وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ كُلَّ مَنْ يَغْضَبُ عَلَى أَخِيهِ بَاطِلاً يَكُونُ مُسْتَوْجِبَ ا لْحُكْمِ وَمَنْ قَالَ لأَخِيهِ: رَقَا يَكُونُ مُسْتَوْجِبَ ا لْمَجْمَعِ وَمَنْ قَالَ: يَا أَحْمَقُ يَكُونُ مُسْتَوْجِبَ نَارِ جَهَنَّمَ.... قَدْ سَمِعْتُمْ أَنَّهُ قِيلَ لِلْقُدَمَاءِ: لاَ تَزْنِ. وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ كُلَّ مَنْ يَنْظُرُ إِلَى إ مْرَأَةٍ لِيَشْتَهِيَهَا فَقَدْ زَنَى بِهَا فِي قَلْبِهِ.... وَقِيلَ: مَنْ طَلَّقَ إ مْرَأَتَهُ فَلْيُعْطِهَا كِتَابَ طَلاَقٍ وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ مَنْ طَلَّقَ إ مْرَأَتَهُ إِلاَّ لِعِلَّةِ اَ ل ْ زِّنَى يَجْعَلُهَا تَزْنِي وَمَنْ يَتَزَوَّجُ مُطَلَّقَةً فَإِنَّهُ يَزْنِي. أَيْضاً سَمِعْتُمْ أَنَّهُ قِيلَ لِلْقُدَمَاءِ:لاَ تَحْنَثْ بَلْ أَوْفِ لِلرَّبِّ أَقْسَامَكَ. وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: لاَ تَحْلِفُوا ا لْبَتَّةَ .... بَلْ لِيَكُنْ كَلاَمُكُمْ: نَعَمْ نَعَمْ لاَ لاَ. وَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ فَهُوَ مِنَ اَ لشِّرِّيرِ . سَمِعْتُمْ أَنَّهُ قِيلَ: عَيْنٌ بِعَيْنٍ وَسِنٌّ بِسِنٍّ. وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: لاَ تُقَاوِمُوا اَلشَّرَّ.... سَمِعْتُمْ أَنَّهُ قِيلَ: تُحِبُّ قَرِيبَكَ وَتُبْغِضُ عَدُوَّكَ. وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: أَحِبُّوا أَعْدَاءَكُمْ. بَارِكُوا لاَعِنِيكُمْ. أَحْسِنُوا إِلَى مُبْغِضِيكُمْ وَصَلُّوا لأَجْلِ اَ لَّذِينَ يُسِيئُونَ إِلَيْكُمْ وَيَطْرُدُونَكُمْ " ( متي5 ).
ــــــــــ
- 44-
وضع القواعد والضوابط الأخلاقية والسلوكية على أساس من الوداعة والحب الخالص والتي لخّصها في قوله " وَكَمَا تُرِيدُونَ أَنْ يَفْعَلَ اَلنَّاسُ بِكُمُ اِفْعَلُوا أَنْتُمْ أَيْضاً بِهِمْ هَكَذَا " ( لوقا6/31 )، وكان هو مثالها نموذجها " َتَعَلَّمُوا مِنِّي لأَنِّي وَدِيعٌ وَمُتَوَاضِعُ اَلْقَلْبِ فَتَجِدُوا رَاحَةً لِنُفُوسِكُمْ "( متي11/29 ).
وجاء بشريعة جديدة هي شريعة الحب " وَصِيَّةً جَدِيدَةً أَنَا أُعْطِيكُمْ: أَنْ تُحِبُّوا بَعْضُكُمْ بَعْضاً. كَمَا أَحْبَبْتُكُمْ أَنَا تُحِبُّونَ أَنْتُمْ أَيْضاً بَعْضُكُمْ بَعْضاً "( يوحنا13/34 ). بل ويقوم جوهر تعليمه وشريعته على الحب الخالص والذي يتلخص في قول الكتاب " الله محية "؛ " مَنْ لاَ يُحِبُّ، فَهُوَ لَمْ يَتَعَرَّفْ بِاللهِ قَطُّ لأَنَّ اللهَ مَحَبَّة " ( 1يوحنا4/8 )، " وَنَحْنُ أَنْفُسُنَا اخْتَبَرْنَا الْمَحَبَّةَ الَّتِي خَصَّنَا اللهُ بِهَا، وَوَضَعْنَا ثِقَتَنَا فِيهَا. إِنَّ اللهَ مَحَبَّةٌ. وَمَنْ يَثْبُتْ فِي الْمَحَبَّةِ، فَإِنَّهُ يَثْبُتُ فِي اللهِ، وَاللهُ يَثْبُتُ فِيهِ "( 1يوحنا4/16 ).
أما الأنبياء الذين تحدث عنهم القديس بولس الرسول فقد كانوا يشكلون إحدى الدرجات في الكنيسة بعد التلاميذ والرسل. يقول الكتاب " فَوَضَعَ اَللهُ أُنَاساً فِي اَلْكَنِيسَةِ: أَوَّلاً رُسُلاً ثَانِياً أَنْبِيَاءَ ثَالِثاً مُعَلِّمِينَ ثُمَّ قُوَّاتٍ وَبَعْدَ ذَلِكَ مَوَاهِبَ شِفَاءٍ أَعْوَاناً تَدَابِيرَ وَأَنْوَاعَ أَلْسِنَةٍ "( 1كورونثوس12/28 )،" وَهُوَ ( المسيح ) أَعْطَى اَلْبَعْضَ أَنْ يَكُونُوا رُسُلاً، وَاَلْبَعْضَ أَنْبِيَاءَ، وَاَلْبَعْضَ مُبَشِّرِينَ،وَاَلْبَعْضَ رُعَاةً وَمُعَلِّمِينَ "( أفسس4/11 ). فقد كانوا أنبياء المسيح والمسيحيّة، مثلهم مثل أنبياء اليهودية الذين أتوا بعد موسى. كما أكّد الكتاب على أن المسيح ختام النبوة والأنبياء وهو وإعلان الله النهائي، آخر إعلانات السماء للبشرية، فهو أسمي من الملائكة وأعظم من جميع البشر، يقول الكتاب " اَللهُ، بَعْدَ مَا كَلَّمَ الآبَاءَ بِالأَنْبِيَاءِ قَدِيماً، بِأَنْوَاعٍ وَطُرُقٍ كَثِيرَةٍ، كَلَّمَنَا فِي هَذِهِ الأَيَّامِ الأَخِيرَةِ فِي ابْنِهِ - الَّذِي جَعَلَهُ وَارِثاً لِكُلِّ شَيْءٍ، الَّذِي بِهِ أَيْضاً عَمِلَ الْعَالَمِينَ . الَّذِي، وَهُوَ بَهَاءُ مَجْدِهِ، وَرَسْمُ جَوْهَرِهِ، وَحَامِلٌ كُلَّ الأَشْيَاءِ بِكَلِمَةِ قُدْرَتِهِ، بَعْدَ مَا صَنَعَ بِنَفْسِهِ تَطْهِيراً لِخَطَايَانَا، جَلَسَ فِي يَمِينِ الْعَظَمَةِ فِي الأَعَالِي "( عبرانيين1/1-3 ).
ــــــــــ
- 45-
1- يقيم لك الرب إلهك نبى مثلك:
تنبأ موسى النبي، في سفر التثنية قبل موته قائلاً: " يُقِيمُ لكَ الرَّبُّ إِلهُكَ نَبِيّاً مِنْ وَسَطِكَ مِنْ إِخْوَتِكَ مِثْلِي . لهُ تَسْمَعُونَ. حَسَبَ كُلِّ مَا طَلبْتَ مِنَ الرَّبِّ إِلهِكَ فِي حُورِيبَ يَوْمَ الاِجْتِمَاعِ قَائِلاً: لا أَعُودُ أَسْمَعُ صَوْتَ الرَّبِّ إِلهِي وَلا أَرَى هَذِهِ النَّارَ العَظِيمَةَ أَيْضاً لِئَلا أَمُوتَ ، قَال لِيَ الرَّبُّ: قَدْ أَحْسَنُوا فِي مَا تَكَلمُوا. أُقِيمُ لهُمْ نَبِيّاً مِنْ وَسَطِ إِخْوَتِهِمْ مِثْلكَ وَأَجْعَلُ كَلامِي فِي فَمِهِ فَيُكَلِّمُهُمْ بِكُلِّ مَا أُوصِيهِ بِهِ. وَيَكُونُ أَنَّ الإِنْسَانَ الذِي لا يَسْمَعُ لِكَلامِي الذِي يَتَكَلمُ بِهِ بِاسْمِي أَنَا أُطَالِبُهُ " ( تثنية18/15-19 ).
ويرى بعض الكتّاب من الأخوة الأحباء المسلمين، بعد أنْ حذفوا الآيتين الأولى والثانية من النبوّة، واكتفوا فقط بالآيات التي تبدأ بقوله " أُقِيمُ لهُمْ نَبِيّاً مِنْ وَسَطِ إِخْوَتِهِمْ مِثْلكَ "، أنّ النبي المقصود في هذه النبوّة هو نبي المسلمين وليس الربّ يسوع المسيح. وقد بنوا نظريتهم على الافتراضات التالية:
(أ) أنَّ الإخوة المقصودين في عبارة " مِنْ وَسَطِ إِخْوَتِهِمْ " هم العرب بنو إسماعيل (1) . فقد كان إسماعيل هو ابن إبراهيم البكر وأخو إسحق والذى وُعد بأنْ يكون أمّة عظيمة، وبالتالي تعني عبارة " إِخْوَتِهِمْ " العرب. فقد كان إسماعيل وإسحق أبناء الوالد نفسه إبراهيم، إذن فهما أخوان، وهكذا فإنَّ أبناء أحدهما هم إخوة لأبناء الآخر.
(ب) أن الله سيضع كلامه في فم النبي الموعود، " وَأَجْعَلُ كَلامِي فِي فَمِهِ " وهو إشارة إلى أنَّ ذلك النبي الذي ينزل عليه الكتاب سيكون أميًا حافظًا للكلام (2) والملاك وضع الكلام في فم نبي
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) أنظر كتاب " إظهار الحق"، للشيخ رحمة الله الهندي: ج2 ص199و200.
(2) المرجع السابق ص 201.
ــــــــــ
- 46-
المسلمين فقد " نزل جبريل بالقرآن الكريم على قلب محمد ليكون من المنذرين" (3) أليس هذا تصديق لنبوّة موسى " وأجعل كلتمي في فمه "!! وأيضًا " أنَّ أسلوب الكلام وطريقة نطقه وجمله وكلماته وحروفه كلها من كلام الله سبحانه وتعالى باللفظ والمعنى. فالقرآن... هو الكتاب الوحيد الذي ينطبق عليه هذه الصفة " (4) .
(ج) وقال البعض مستشهدين بما جاء في تثنية ( 34/10 )؛ " وَلمْ يَقُمْ بَعْدُ نَبِيٌّ فِي إِسْرَائِيل مِثْلُ مُوسَى الذِي عَرَفَهُ الرَّبُّ وَجْهاً لِوَجْهٍ "، وقد نقلها كاتب إظمار الحق " ولم يقم بعد ذلك " ( ج2ص202 )، مضيفًـا كلمة " ذلك "، كما نقلها بعض القدماء مُحرّفة هكذا " لايقوم فى بني إسرائيل نبي مثل موسي "!! (5) ، لتوحي بأنَّه لن يخرج من بني إسرائيل نبي مثل موسى!! وبالتالي يكون المقصود هو نبي المسلمين وليس المسيح الذي جاء من بني إسرائيل!! وقالوا " لو كان المراد بها المسيح لقال: أقيم لهم نبيًا من أنفسهم " (6) !!
(د) ويضعون بعض المماثلات بين موسى ونبي المسلمين وهي كالآتي (7) :
1- كان لكل منهما والدان ( أب وأم )، أمَّا المسيح فله أمّ وليس له أب بشريّ.
2- وُلد كلٍّ منهما ولادة عاديّة بالأسلوب الطبيعيّ، ولكن المسيح خُلق بالقدرة الإلهيّة المميّزة.
3- كل منهما تزوّج وأنجب ذريّة وكان له عائلة، أما المسيح فلا.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(3) أنظر " ماذا يقول الكتاب المقدس عن محمد " لأحمد ديدات، دار المنار ص 36 و37.
(4) " هيمنة القرآن المجيد على ما جاء في العهد القديم والجديد " د. مهما محمد فربد من 71 و72.
(5) كتاب " هداية الحيارى في أجوبة اليهود والنصارى " لابن قيم الجوزية (691-751هـ) دار القرآن ص 71. ونقلت هكذا في " هل بشر الكتاب المقدس بمحمد " ebnmaryam.com عن التوراة السامرية. أنظر " التوراة السامرية " ترجمة أبو الحسن اسحق الصوري نشرها وعرف بها د. أحمد حجازي السقا ( ص 242).
(6) المرجع السابق ص 71 .
(7) أنظر " إظهار الحق " ج2: 203، " ماذا يقول الكتاب المقدس عن محمد " لأحمد ديدات ص 21-33، وكتاب " أشهد للمسيح ويشهد معي المسيح " أحمد أبو الخير ص 217و218.
ــــــــــ
- 47-
4- بدأ كلٍّ منهما رسالته النبوية في سنّ الأربعين، أما المسيح فقد بدأ رسالته في سنّ الثلاثين. وهذا خطأ واضح لأنَّ موسى النبي دعاه الله في سن الـ80 سنة. فقد قضى أربعين سنة في قصر فرعون " وَلَمَّا نُبِذَ إتَّخَذَتْهُ اِبْنَةُ فِرْعَوْنَ وَرَبَّتْهُ لِنَفْسِهَا اِبْناً. فَتَهَذَّبَ مُوسَى بِكُلِّ حِكْمَةِ الْمِصْرِيِّينَ وَكَانَ مُقْتَدِراً فِي الأَقْوَالِ وَالأَعْمَال، وَلَمَّا كَمِلَتْ لَهُ مُدَّةُ أَرْبَعِينَ سَنَةً خَطَرَ عَلَى بَالِهِ أَنْ يَفْتَقِدَ إِخْوَتَهُ بَنِي إِسْرَائِيلَ. "( أعمال الرسل7/21-22 )، وأربعون سنة أخرى في سيناء قبل أنْ يُكلّمه الله " وَلَمَّا كَمِلَتْ أَرْبَعُونَ سَنَةً ظَهَرَ لَهُ مَلاَكُ الرَّبِّ فِي بَرِّيَّةِ جَبَلِ سِينَاءَ فِي لَهِيبِ نَارِ عُلَّيْقَةٍ "( أعمال الرسل7/30 )!!.
5- كان كل منهما مُسَلّمًا به كنبي من قبل شعبه، وحتّى اليوم، على الرغم من أنهما عانيا الكثير. أمّا المسيح فقد رفضه اليهود برمتهم على مدى ألفي سنة!!
وهنا وقعوا في خطأين، الأوّل هو قولهم أنَّ محمدًا كان مسلما به كنبي من شعبه، فقد رفضه العرب معظم أيام دعوته واتهموه بأ نه رجل مسحور " إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلاً مَّسْحُوراً " ( الإسراء47 )، وبأنه شاعر مجنون " وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُوا آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَّجْنُونٍ " ( الصافات36 )، وقالوا عن قرآنه إنه أساطير الأولين " وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلا إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ فَقَدْ جَاؤُوا ظُلْماً وَزُوراً وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً "( الفرقان4، 5 ).
والخطأ الثاني هو قولهم أنَّ اليهود برمتهم رفضوا المسيح!! وهذا غير صحيح لأنَّ جميع الذين انضموا للمسيحية ونشروها في السنوات العشر الأولي للمسيحية كانوا من اليهود الذين آمنوا بالمسيح، سواء في فلسطين أو في بقية دول حوض البحر المتوسط. فقد آمن في أوّل عظة للقديس بطرس بعد حلول الروح القدمن حوالي ثلاثة آلاف نفس " فَقَبِلُوا كَلاَمَهُ بِفَرَحٍ وَاعْتَمَدُوا وَانْضَمَّ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ نَحْوُ ثَلاَثَةِ آلاَفِ نَفْسٍ "( أعمال الرسل 2/41 ).
6- كان كل منهما نبيًا وزعيمًا وقادا معارك حربية وكان لهما السلطة التنفيذية في إصدار حكم الموت وتنفيذه، أمَّا المسيح فقد كان من فئة الأنبياء الذين لاحول لهم ولا قوّة في مواجهة المواقف العسيرة (8) !! وعندما حوكم المسيح أمام بيلاطس قال " مَمْلَكَتِي لَيْسَتْ مِنْ هَذَا اَلْعَالَمِ. لَوْ كَانَتْ مَمْلَكَتِي مِنْ هَذَا اَلْعَالَمِ لَكَانَ خُدَّامِي يُجَاهِدُونَ لِكَيْ لاَ أُسَلَّمَ إِلَى اَلْيَهُودِ . وَلَكِنِ الآنَ لَيْسَتْ مَمْلَكَتِي مِنْ هُنَا "( يوحنا18/36 ). ومن ثم فهو لا يشبه موسي!!!!!!
ومن الواضح أنّ هذا الكاتب لا يفهم إلا لغة العنف والقوة الحربية!! فالمسيح واجه أصعب المواقف بقدرة إلهية لايملكها أحد سواه!! ولو استخدم فيها القوة لسالت الدماء ومات المئات وترمّلت المئات من النساء وتيتّم الآلاف من الأطفال!! فعندما حاول أهل الناصرة طرحه من على الجبل لم يقاوم ولم يستخدم أيّة قوّة ماديّة " فَقَامُوا وَأَخْرَجُوهُ خَارِجَ الْمَدِينَةِ وَجَاءُوا بِهِ إِلَى حَافَّةَِ الْجَبَلِ الَّذِي كَانَتْ مَدِينَتُهُمْ مَبْنِيَّةً عَلَيْهِ حَتَّى يَطْرَحُوهُ إِلَى أَسْفَلُ، أَمَّا هُوَ فَجَازَ فِي وَسْطِهِمْ وَمَضَى " ( لوقا4/29-30 )، ولما حاولوا رجمه يقول الكتاب " فَرَفَعُوا حِجَارَةً لِيَرْجُمُوهُ. أَمَّا يَسُوعُ فَاخْتَفَى وَخَرَجَ مِنَ اَلْهَيْكَلِ مُجْتَازاً فِي وَسْطِهِمْ وَمَضَى هَكَذَا " ( يوحنا8/59 ). فهل كان المسيح لاحول له ولاقوّة، كما يزعمون؟!! أم كان هو القوى ولكنه الوديع المحب الذي لم يأت ليُهلك بك ليُخلّص، كقوله " لأَنَّ اِبْنَ اَلإِنْسَانِ لَمْ يَأْتِ لِيُهْلِكَ أَنْفُسَ اَلنَّاسِ بَلْ لِيُخَلِّصَ " ( لوقا9/56 ).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(8) أحمد ديدات، المرجع السابق، ص 28،
ــــــــــ
- 48-
7 - أتى كل منهما بشريعة جديدة وأحكام جديدة، دُعيت الأولى بناموس موسي والثانية بالشريعة، أمّا المسيح فلم يأتي لا بشريعة جديدة ولا بأحكام جديدة إنما جاء ليكمّل الشريعة القديمة!! ويعتمدون على قوله " لاَ تَظُنُّوا أَنِّي جِئْتُ لأَنْقُضَ النَّامُوسَ أَوِ الأَنْبِيَاءَ. مَا جِئْتُ لأَنْقُضَ بَلْ لأُكَمِّلَ "( متّي5/17 ).
وقال السيد أحمد ديدات " إنّ موسى ومحمد أتيا بشربعة جديدة وأحكام جديدة لشعبيهما وإنّ موسى لم يُعط بني إسرائيل الوصايا العشر ولكن طقوسًا شاملة مؤكّدة لهداية الناس وجاء محمد.... إلى شعب يغُطّ في الهمجيّة والجهالة. أنهم يتزوجون أمهاتهم واشتهروا بوأد البنات، وأنّهم مدمنون الخمر، زناة، عبدة أوثان ومولعون بالميسر بحسب ترتيب الأيام". ثم ينقل وصف " جيبون " للعرب قبل الإسلام بقوله أن العربيّ قبل الإسلام " إنسان وحشي غالبًا عديم الإحساس يصعب تمييزه عن باقي الخليقة الحيوانية "!! ولا نوافق مطلقًا لا على ما قاله السيد ديدات ولا ما قاله الكاتب الغربي جيبون لأن كليهما يتحاملان على العرب بدون أي مرجع علمي أو دراسة تاريخيّة علميّة . والغريب أنَّ مترجم الكتاب، إبراهيم خليل أحمد، أو مراجعته فايزة محمد بكري، لا يعلّقان على أقوال ديدات غير الحقيقية ولكن يعلّقان على أقوال الكاتب الغربي جيبون بالقول " هذا هو الفكر الغربي المتعصّب ضد العرب وكان لا بدّ من التعقيب، فالعرب فى الجاهليّة امتازوا بصفات أبقي عليها الإسلام "!!.
ونضيف هنا ونقول لجميعهم أنَّ العرب قبل الإسلام كان منهم النصارى واليهود، وكان لهم تأثيرهم، يقول القرآن " إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الأُولَى صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى " ( الأعلى18و19 )، وأيضًا " وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الأَوَّلِينَ " ( الشعراء196 ).
بل وكان بقيّتهم يعبدون الإله الواحد وأنْ كانوا يتّخذون من بعض الأصنام شفعاء عند الله وكان يلبّون بعضها قائلين " لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك إلا شريك هو لك، تملكه وما ملك " أو " لبيك لا شريك لك، تملكه، أو تهلكه، فأنت حكيم فأتركه ". ويقول د. جواد على " والتلبية هي من الشعائر الدينية التي أبقاها الإسلام، غير أنَّه غيّر صيغتها القديمة بما يتفق مع عقيدة التوحيد " (المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام ج6: 375و377). وكانوا يحجّون ويصومون ويختتنون. ويُلخّص لنا الأستاذ خليل عبد الكريم في كتابه " الجذور التاريخية للشريعة الإسلاميّة " الشعائر التعبدية الموروثة من القبائل العربية كالآتي :
(1) تعظيم البيت الحرام ( الكعبة ) والبلد الحرام....
(2) الحج والعمرة...
(3) تقديس شهر رمضان...
(4) تحريم الأشهر الحرام...
(5) تعظيم إبراهيم وإسماعيل (عليهما السلام )...
(6) الاجتماع العام .... يوم الجمعة. (ص15-22).
كما كان منهم الحنفاء الموحّدون بالله ولا يعبدون الأصنام والذين مدحهم القرآن بقوله: " حُنَفَاء لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاء فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ " ( الحج30 )، وأيضًا " وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ "( البينة5 ).
ويُلخّص الأستاذ خليل عبد الكريم أهم عقائدهم تحت عنوان " الشعائر التعبدية الموروثة عن الحنيفية " كالآتي:
النفور من عبادة الأصنام والتخلّف عن المشاركة في أعيادها.
تحريم الأضاحي التي تُذبح لها (= للأصنام) وعدم أكل لحومها.
تحريم الربا.
تحريم شرب الخمر وحد شاربها.
تحريم الزنا وحد مرتكيبه.
الاعتكاف في غار حراء ( للتحنث ) في شهر رمضان والإكثار من عمل البر وإطعام المساكين طواله...
قطع بد السارق....
تحريم أكل الميتة والدم ولحم الخنزير.
النهي عن وأد البنات وتحمل تكاليف تربيتهن...
الصوم.
الإختتان.
الغسل من الجنابة.
الإيمان بالبعث والنشور والحساب وأنَّ من يعمل صالحًا يدخل الجنة ومن يعمل سوءًا فإلى السعير" ثم ينقل قول الإمام الحافظ أبي الفرج الجوزي " وافقهم ( الإسلام ) عليها فيما بعد وبشّر بها ودعا إليها من بين ما بشّر به ودعا إليه " (الجذور التاريخية ص23-26).
ــــــــــ
- 49-
8- قاد موسى شعبه بطريقة سريّه!! للخروج من مدينة مولده إلى مديان في محاولة للهروب من اضطهاد أعدائهم، وهاجر نبي المسلمين، أيضًا، مع اتباعه، من مدينه مولده إلى المدينة بطريقة سريّة ليهربوا من عذاب أعدائهم. أمَّا المسيح فلم يهرب أبدًا بأتباعه من مدينة مولدهم.
ونقول لهم أين ذُكر أنَّ موسى قاد شعبه بطريقة سريّة وهو الذي خرج بإذن من فرعون ثم تبعه فرعون بعد ذلك وهلك هو وجيشه في البحر الأحمر (خروج14)!!
9- إنتصر موسى على أعدائه ماديًا وأخلاقيًا. فقد هزم فرعون وجنوده وغرقوا البحر. وقابل نبي المسلمين أيضًا أعدائه في عدّة معارك وهزمهم جميعًا. وكان هذا نصرًا أخلاقيّا وماديًا. أمّا المسيح، كما يقول الكتاب المقدمس، فقد صلبه أعداؤه، وكان نصره نصرًا أدبيًا فقط.
ولا تعليق لنا هنا سوي قول الكتاب المقدّس:" فَإِنَّ كَلِمَةَ الصَّلِيبِ عِنْدَ الْهَالِكِينَ جَهَالَةٌ وَأَمَّا عِنْدَنَا نَحْنُ الْمُخَلَّصِينَ فَهِيَ قُوَّةُ اللهِ "( 1كورونثوس1/18 ).
10- توفّى موسى ونبي المسلمين وفاة طبيعية أمّا المسيح، وفقًا للعقيدة المسيحيّة، فقد مات أشرّ ميتة بقتله علي الصليب.
وللرد عن ذلك نذكر ما تقوله كتب الأحاديث والسير أنَّ إمرأه يهودية هي زينب بنت الحارث امرأه سلام بن مشكيم أهدت النبي شاة مسمومة فأخذ مضغة فلاكها ثم لفظها وقال لأصحابه أمسكوا ( إمتنعوا ) فإنَّ فخذها تخبرني أنَّها مسمومة.... أمّا بشر بن البراء ( الذى ابتلع ما أكله من الشاه ) قال بشر والذي أكرمك لقد وجدت ( أحس ) ذلك من أكلتي التي أكلت حين إلتقتها فما منعني أنْ ألفظها إلا إنّي كرهت أنْ أبغض إليك طعامك.
فأرسل النبي إلى اليهودية فقال ما حملك على ما صنعت؟ قالت نلت من قومي ما نلت! قتلت أبي وعمي وزوجي فقلت إنْ كنت صادقًا فإنَّ الله سيُطلعك على ذلك وإنْ كنت كاذبًا أرحت الناس منك، فمات بشر بن البراء الذي أكل من الشاه قيل في الحال وقيل بعد عام ثمّ أمر النبي بقتل هذه المرأة فقُتلت وعاش النبي بعد ذلك ثلاث سنين حتّى كان وجعه الذي قبض ( مات ) فيه وجعل يقول في مرضه مازلت أجد ( أعاني ) من الأكلة التي أكلتها في خيبر وهذا أوان انقطاع أبهري ( وريد بالقلب ) من ذلك السمّ. وجاء في المستدرك علي الصحيحين للإمام محمد بز عبد الله الحاكم النيسابوري، وصحيح البخاري حديث 6165 وكذلك فتح الباري، شرح صحيح البخاري للإمام ابن حجر العسقلاني، وكذلك فيض القدير، شرح الجامع الصغير للإمام المناوي، وكنز العمال للمتقي الهندي، والحاوي للفتاوي للإمام السيوطي، وهذه عقيدة السلف والخلف لابن خليفة عليوي، والبدابة والنهاية لابن كثير، ومحمد صلى الله عليه وسلم لمحمد رضا في مكتبة الجامعة العربية " قال عروة: كانت عائشة - رضي الله تعالى عنها - تقول: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول في مرضه الذي توفي فيه: يا عائشة، إنى أجد ألم الطعام الذي أكلته بخيبر، فهذا أوان انقطاع أبهري من ذلك السم ".
ــــــــــ
- 50-
11- مات كلٍّ من موسى ونبي المسلمين ودفنا في القبر ومازال كلٍّ منهما يرقد في قبره على الأرض، ولكن المسيح طبقًا للتعاليم المسيحيّة، يجلس عن يمين الله.
12- تؤمن الغالبية العظمي من المسيحيّين بأن المسيح إله، ولا يؤمن أحد من اليهود والمسلمين أنَّ موسى أو نبي المسلمين إله. ومن ثمّ لا يكون المسيح هو النبي المثيل بموسى بل نبي المسلمين!!!
وقبل أنْ نبدأ في دراسة هذه النبوة يجب أنْ نضع في الاعتبار أنَّ هذه النبوة قد وردت في الكتاب المقدّس ولذا يجب أن ندرسها بمفهوم ومنطق وأسلوب الكتاب المقدّس وطريقة تطبيقه لها وليس بأىّ مفهوم أو منطق كتاب آخر أو فكر آخر.
وعند دراستها مع بقيه الآيات المرتبطة بها متكاملة معًا مع الآيات السابقة والتالية لها دراسة متأنّية، بمنطق الكتاب المقدّس ومفهومه، نجد الآتى:
(1) أنَّ الآيات السابقة لها هي وصايا الله لبني إسرائيل والوعد في النبوّة هو لهم . بدليل قوله " يقـيم لك ".
(2) وأنَّ الآيات التالية لها تتكلّم عن صفات كلٍّ من النبي الصادق والنبي الكاذب والعلامات التي يعرفه بها بني إسرائيل .
(3) كان لموسى النبي صفات وخصائص مرتبطة بجوهر النبوّة ، وليس بالتفاصيل التي يتشابه فيها معظم البشر، لا بد أن تتحقق في النبي الموعود بصورة أساسيّة.
ــــــــــ
- 51-
2- ماذا تقول النبوة ومن هو المخاطب فيها؟ وما معني أخوتك؟
أ – تقول النبوّة " يقيم لك الرب إلهك " والمخاطب هنا فى قوله " لك " هو بنو إسرائيل، أي " يقيم لك يا إسرائيل ".
ب – " نبيًا من وسطك " وعبارة " من وسطك " هنا تعني من وسط بني إسرائيل، أي " من وسطك يا إسرائيل " (9) أي من الأسباط الإثني عشر وليس من خارجك، أي ليس من شعب آخر أو أمّة أخري خارج بني إسرائيل.
ج - وقوله " من إخوتك " بحسب ما جاء في سفر التثنية الذى وردت به النبوّة، يقصد به أسباط إسرائيل باعتبارهم أخوة بعضهم لبعض، فقد وردت الكلمة في السفر عشرين مرّة و استُخدمت بخمس طرق:
استُخدمت 14 مرّة للأسباط الإثنى عشر باعتبارهم إخوة بعضهم لبعض.
ومرّة واحدة عن اللاويّين، سبط لاوى، باعتبارهم، أيضًا، إخوة.
ومرّتين عن الآدوميين، نسل عيسو المُلقّب بآدوم، شقيق يعقوب التوأم.
ومرّة واحدة عن الأخوة بمعناها الحرفي " إذا سَكَنَ إِخْوَةٌ مَعًا " ( تثنية25/5 ).
ومرّتين في هذه النبوّة.
ولم تُستخدم ولا مرّة واحدة، لا في هذا السفر ولا في غيره من أسفار الكتاب المقدّس، عن أبناء إسماعيل كإخوة لبني إسرائيل، بإستثناء الحديث عن سكن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(9) قال مؤلف إظهار الحق ج2ص 206 تعليقًا علي قوله " من وسطك "؛ " أنَّ محمدًا علييه السلام لما هاجر إلى المدينة وبها تكامل أمره، وقد كان حول المدينة بلاد اليهود كخيبر وبني قينقاع والنضير وغيرهم ، فقد قام من بينهم ولأنه كان من أخوتهم فقد قام من بينهم "!! ونقول لفضيلته هذه مغالطة صريحة وواضحة وكلام غير منطقي لأنّه غير يهودي ولأنَّ عبارة " من وسطك " لا تعني مجرد المكان!! بل تعني " منك "! أي من اليهود ، وهو من قريش ومن بني هاشم. ولما ذهب إلى يثرب ( المدينة ) كان يقيم فيها مع اليهود الأوس والخزرج، والذين سماهم بالأنصار لأنهم ناصروه ونصروه، وكان في الخزرج بنو النجار أخواله من ناحية أمّه، والذين كانوا أيضًا أخوال جده عبد المطلب، " ومن ثمّ ففي يثرب قربى موصولة وقويّة ". أما في كتاب "الدين في شبه الجزبره العربية " قالت الكاتبة المؤرّخة أبكار السقاف ص 217 و 218:" فقد عاش فى المدينة وسط أخواله وليس وسط اليهود الذى سرعان ما دبّت العداوة بينه وبينهم " .
ــــــــــ
- 52-
إسماعيل نفسه " وأَمَامِ حَمِيعِ إخوته يسكن " ( تكوين16/12 )، " أمام جميع إخوته نزل " ( تكوين25/18 ). ومن ثمّ يكون معني الأخوة بحسب مفهوم وتطبيق الكتاب المقدس وقواعد تفسيره هو الأخوة بالمفهوم الذي جاء في الكتاب المقدّس نفسه وفي سفر التثنية نفسه، والذي وردت به هذه النبوّة، والذي يعني من بقيّة الأسباط. فالأسباط هم الإخوة الأقرب بعضهم لبعض، حيث قال الله لهم " إِذَا بِيعَ لكَ أَخُوكَ العِبْرَانِيُّ أَوْ أُخْتُكَ العِبْرَانِيَّةُ وَخَدَمَكَ سِتَّ سِنِينَ فَفِي السَّنَةِ السَّابِعَةِ تُطْلِقُهُ حُرّاً مِنْ عِنْدِكَ " ( تثنية15/12 )، والأخ العبرانيّ المقصود هنا هو الذي من بني إسرائيل.
كما قال لهم أيضًا " مَتَى أَتَيْتَ إِلى الأَرْضِ التِي يُعْطِيكَ الرَّبُّ إِلهُكَ وَامْتَلكْتَهَا وَسَكَنْتَ فِيهَا فَإِنْ قُلتَ: أَجْعَلُ عَليَّ مَلِكاً كَجَمِيعِ الأُمَمِ الذِينَ حَوْلِي. فَإِنَّكَ تَجْعَلُ عَليْكَ مَلِكاً الذِي يَخْتَارُهُ الرَّبُّ إِلهُكَ. مِنْ وَسَطِ إِخْوَتِكَ تَجْعَلُ عَليْكَ مَلِكاً. لا يَحِلُّ لكَ أَنْ تَجْعَل عَليْكَ رَجُلاً أَجْنَبِيّاً ليْسَ هُوَ أَخَاكَ " ( تثنية17/14-15 ). فهل كان المقصود في قوله هنا " مِنْ وَسَطِ إِخْوَتِكَ " أن يملك عليهم أحد أبناء إسماعيل، بحسب منطق هؤلاء الكتّاب؟! كلاَّ ! لأنه يقول بكل تأكيد " لا يَحِلُّ لكَ أَنْ تَجْعَل عَليْكَ رَجُلاً أَجْنَبِيّاً ليْسَ هُوَ أَخَاكَ ". وكان أبناء إسماعيل في ذلك الوقت أجانب بالنسبة لبني إسرائيل. وكان أوّل ملك جلس على عرش إسرائيل هو شاول البنياميني، من سبط بنيامين، وتلاه داود النبي والملك، الذي من سبط يهوذا، وابنه سليمان، وكلّ من جلس على عرش يهوذا بعد ذلك وحتّي السبي البابلي كان من نسل داود النبي، وحتّي في أيّام السبي البابلي والاحتلال الفارسي واليوناني ثم الروماني لكل فلسطين لم يحكم على اليهود أحد من نسل إسماعيل، بل كان يحكم عليهم أحد الولاة اليهود، من نسل داود، من قبل الإمبراطورية المحتلّة ثم إغتصب الحكم هيرودس اليهودي الأدومي الذي من بني آدوم، عيسو، شقيق يعقوب التوأم، حتى زال الحكم نهائيًا في أيام ابنه أرخيلاوس سنة 6/7م وإرسال والي روماني يحكم على اليهودية.
كما قال الرب لهم، بنو إسرائيل، أيضًا " الرَّبُّ إِلهُكُمْ قَدْ أَعْطَاكُمْ هَذِهِ الأَرْضَ لِتَمْتَلِكُوهَا. مُتَجَرِّدِينَ تَعْبُرُونَ أَمَامَ إِخْوَتِكُمْ بَنِي إِسْرَائِيل " ( تثنية3/18 )، أي أمام بقية إخوتكم.
ــــــــــ
- 53-
3- الحذف في آيات النبوة وآيات أخرى:
وعند استخدامهم لهذه النبوّة حذفوا الآيتين الأولى والثانية منها وهما " يُقِيمُ لكَ الرَّبُّ إِلهُكَ نَبِيّاً مِنْ وَسَطِكَ مِنْ إِخْوَتِكَ مِثْلِي . لهُ تَسْمَعُونَ. حَسَبَ كُلِّ مَا طَلبْتَ مِنَ الرَّبِّ إِلهِكَ فِي حُورِيبَ يَوْمَ الاِجْتِمَاعِ قَائِلاً: لا أَعُودُ أَسْمَعُ صَوْتَ الرَّبِّ إِلهِي وَلا أَرَى هَذِهِ النَّارَ العَظِيمَةَ أَيْضاً لِئَلا أَمُوتَ ، قَال لِيَ الرَّبُّ: قَدْ أَحْسَنُوا فِي مَا تَكَلمُوا "!!
وذلك ليتخلصوا من قوله " مِنْ وَسَطِكَ " التي تؤكد أن هذا النبي الآتي لا بد أن يكون من بني إسرائيل، من وسط إسرائيل، ولكي يتخلّصوا من التأكيد من أنَّ هذا النبي الآتي لابد أن يكون وسيط مباشر بينهم وبين الله، يتعامل مع الله مباشرة بدون وساطة ملاك أو أى وسيلة أخرى من وسائل الإعلان والوحي الإلهي.
وعند استشهادهم بقوله " وَلمْ يَقُمْ بَعْدُ نَبِيٌّ فِي إِسْرَائِيل مِثْلُ مُوسَى " سقطوا فى مغالطتين صريحتين، الأولي هى استخدامهم لقوله " وَلمْ يَقُمْ بَعْدُ " (10) وحذف ما تلاها من آيات حتّي يخفوا الزمن الذي قيلت فيه هذه الآيات!!! فقد وردت هذه الآيات في سفر التثنية الذي كتبه، بالروح القدس، موسى النبي نفسه وأكمله ثلميذه الذي تسلم القيادة والنبوة من بعده يشوع بن نون، كما أعاد نسخه من المخطوطات القديمة، بالروح القدس أيضًا، عزرا الكاتب والكاهن الموحى إليه حوالي سنة 400 ق.م.، وبالتالي يكون كاتب هذه الآية، بالروح القدس، إمّا يشوع بن نون تلميذ موسي النبي أو عزرا الكاتب والكاهن. وهذا يعني أنَّه لم يقمْ نبي مثل موسى حتّى زمن يشوع أو عزرا الكاهن والكاتب سنة 440 ق. م..
والثانية هي، كما قلنا، قطع النصّ عمّا قبله وبعده ليوحوا بصحّة زعمهم!! ولكن النصّ كاملاً يقول؛
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(10) كما أوضحنا ذلك فى ص 52.
ــــــــــ
- 54-
" وَلمْ يَقُمْ بَعْدُ نَبِيٌّ فِي إِسْرَائِيل مِثْلُ مُوسَى الذِي عَرَفَهُ الرَّبُّ وَجْهاً لِوَجْهٍ، فِي جَمِيعِ الآيَاتِ وَالعَجَائِبِ التِي أَرْسَلهُ الرَّبُّ لِيَعْمَلهَا فِي أَرْضِ مِصْرَ بِفِرْعَوْنَ وَبِجَمِيعِ عَبِيدِهِ وَكُلِّ أَرْضِهِ، وَفِي كُلِّ اليَدِ الشَّدِيدَةِ وَكُلِّ المَخَاوِفِ العَظِيمَةِ التِي صَنَعَهَا مُوسَى أَمَامَ أَعْيُنِ جَمِيعِ إِسْرَائِيلَ " ( تثنية34/10-12 ). إذًا لابدّ أنْ يماثل النبي المقصود موسي فى العجائب والمعجزات والتعامل مع الله مباشرة " فمًا لفمّ ووجهًا لوجه "!! وهذا لم يحدث بعد موسي إلاَّ مع المسيح فقط.
4- وضع الله لكلامه فى فمّ النبي:
أما القول بأنَّ المقصود بقول النبوة " وأضع كلامي فى فمه " هو وضع جبريل الكلام فى فمّ نبى المسلمين ودلالة على أنَّ النبي المقصود سيكون أمّيًا "!!! يدلّ علي أنَّ هؤلاء الكتاب لم يفهموا الكتاب المقدّس جيدًا، فهذا القول قيل عن جميع الأنبياء وكذلك عن تلاميذ المسيح ورسله. فقد وضع الله كلامه في فمهم جميعًا، يقول الكتاب؛ " فَقَالَتِ الْمَرْأَةُ لإِيلِيَّا:هَذَا الْوَقْتَ عَلِمْتُ أَنَّكَ رَجُلُ اللَّهِ، وَأَنَّ كَلاَمَ الرَّبِّ فِي فَمِكَ حَقٌّ " ( 1ملوك17/24 )، وقال الله لأشعياء النبى " قَدْ جَعَلْتُ أَقْوَالِي فِي فَمِكَ "( أشعيا51/16 )، وقال أرميا النبى بالروح " وَمَدَّ الرَّبُّ يَدَهُ وَلَمَسَ فَمِي وَقَالَ الرَّبُّ لِي هَا قَدْ جَعَلْتُ كَلاَمِي فِي فَمِك " ( أرميا1/9 )، وقال لحزقيال النبى " فَإِذَا ك َلَّمْتُكَ أَفْتَحُ فَمَكَ فَتَقُولُ لَهُمْ: هَكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ "( حزقيال3/27 )، وقال داود النبي " رُوحُ الرَّبِّ تَكَلَّمَ بِي وَكَلِمَتُهُ عَلَى لِسَانِي . "( 2صموئيل23/2 ). ويقول العهد الجديد " كَمَا كَلَّمَ آبَاءَنَا " ( لوقا1/55 )، " كَمَا تَكَلَّم( الله ) بِفَمِ أَنْبِيَائِهِ اَلْقِدِّيسِينَ الَّذِينَ هُمْ مُنْذُ الدَّهْرِ "(لوقا1/70)، " كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَتِمَّ هَذَا اَلْمَكْتُوبُ اَلَّذِي سَبَقَ اَلرُّوحُ اَلْقُدُسُ فَقَالَهُ بِفَمِ دَاوُدَ "( أعمال الرسل1/16 )، " الَّذِي يَنْبَغِي أَنَّ اَلسَّمَاءَ تَقْبَلُهُ إِلَى أَزْمِنَةِ رَدِّ كُلِّ شَيْءٍ اَلَّتِي تَكَلَّمَ عَنْهَا اَللهُ بِفَمِ جَمِيعِ أَنْبِيَائِهِ اَلْقِدِّيسِينَ مُنْذُ اَلدَّهْر ِ "( أعمال3/21 )، " الْقَائِلُ ( الله ) بِفَمِ دَاوُدَ فَتَاكَ "( أعمال4/25 )، " وَأَمَّا اللهُ فَمَا سَبَقَ وَأَنْبَأَ بِهِ بِأَفْوَاهِ جَمِيعِ أَنْبِيَائِهِ أَنْ يَتَأَلَّمَ الْمَسِيحُ قَدْ تَمَّمَهُ هَكَذَا "( أعمال3/18 )، " لأَنْ لَسْتُمْ أَنْتُمُ الْمُتَكَلِّمِينَ بَلْ رُوحُ أَبِيكُمُ الَّذِي يَتَكَلَّمُ فِيكُمْ "( متّي10/20 ).
ولكن هذه النبوّة تنطبق بصورة أروع وأدق في شخص الرب يسوع المسيح لأنه هو كلمة الله المتجسّد وما يخرج من فمه فهو كلام الله، وما يقوله هو ما يضعه الله علي فمه كنبي.
ــــــــــ
- 55-
قال الربّ يسوع نفسه " اَلَّذِي لاَ يُحِبُّنِي لاَ يَحْفَظُ كلاَمِي. وَالْكلاَمُ الَّذِي تَسْمَعُونَهُ لَيْسَ لِي بَلْ لِلآبِ الَّذِي أَرْسَلَنِي "( يوحنا14/24 ). وقال مخاطبًا الآب" لأَنَّ اَلْكلاَمَ اَلَّذِي أَعْطَيْتَنِي قَدْ أَعْطَيْتُهُمْ "(يوحنا17/8). كما ينطبق عليه قول النبوة: " فيكلمهم بكل ما أوصيه " حرفيًا حيث يقول " لأَنِّي لَمْ أَتَكَلَّمْ مِنْ نَفْسِي لَكِنَّ الآبَ الَّذِي أَرْسَلَنِي هُوَ أَعْطَانِي وَصِيَّةً: مَاذَا أَقُولُ وَبِمَاذَا أَتَكَلَّمُ، وَأَنَا أَعْلَمُ أَنَّ وَصِيَّتَهُ هِيَ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ. فَمَا أَتَكَلَّمُ أَنَا بِهِ فَكَمَا قَالَ لِي الآبُ هَكَذَا أَتَكَلَّمُ "( يوحنا12/49-50 ).
كما أنَّ القول أنَّ وضع الكلام على فم النبي هو دليل على أنَّه، هذا النبي المقصود في النبوّة، سيكون أمّي غير منطقي؛ أولاً لأنَّ أنبياء إسرائيل الذين وضع الله كلامه في أفواههم كان معظمهم متعلمين ومع ذلك وضع الله كلامه في أفواههم ومنهم موسى النبي نفسه الذي وضع الله كلامه في فمه! ثانيًا ، كيف تكون هناك مماثلة بين المتعلّم والذي تهذّب بحكمة المصريّين والأمّي الذي يقولون أنًّه لا يعرف القراءة والكتابة؟!! .
5 - كيفية التماثل بين موسى النبي والنبي الآتي
حدد الكتاب المقدس كيفية ونقاط التماثل الجوهرية بين موسى النبى وهذا النبي المنتظر فى قوله، في نفس سفر التثنية " وَلمْ يَقُمْ بَعْدُ نَبِيٌّ فِي إِسْرَائِيل مِثْلُ مُوسَى الذِي عَرَفَهُ الرَّبُّ وَجْهاً لِوَجْهٍ، فِي جَمِيعِ الآيَاتِ وَالعَجَائِبِ التِي أَرْسَلهُ الرَّبُّ لِيَعْمَلهَا فِي أَرْضِ مِصْرَ بِفِرْعَوْنَ وَبِجَمِيعِ عَبِيدِهِ وَكُلِّ أَرْضِهِ، وَفِي كُلِّ اليَدِ الشَّدِيدَةِ وَكُلِّ المَخَاوِفِ العَظِيمَةِ التِي صَنَعَهَا مُوسَى أَمَامَ أَعْيُنِ جَمِيعِ إِسْرَائِيلَ " ( تثنية34/10-12 ).
وفي قوله فى النبوّة ذاتها يُقِيمُ لكَ الرَّبُّ إِلهُكَ نَبِيّاً مِنْ وَسَطِكَ مِنْ إِخْوَتِكَ مِثْلِي . لهُ تَسْمَعُونَ. حَسَبَ كُلِّ مَا طَلبْتَ مِنَ الرَّبِّ إِلهِكَ فِي حُورِيبَ يَوْمَ الاِجْتِمَاعِ قَائِلاً: لا أَعُودُ أَسْمَعُ صَوْتَ الرَّبِّ إِلهِي وَلا أَرَى هَذِهِ النَّارَ العَظِيمَةَ أَيْضاً لِئَلا أَمُوتَ ، قَال لِيَ الرَّبُّ: قَدْ أَحْسَنُوا فِي مَا تَكَلمُوا ". ونلخصها هنا فيما يلي:
ــــــــــ
- 56-
التعامل مع الله مباشرة، وجهًا لوجه وفمًا لفم، بدون وساطة ملاك أو أي طريقة أخرى من طرق الإعلان والوحي الإلهي." وَيُكَلِّمُ الرَّبُّ مُوسَى وَجْهاً لِوَجْهٍ كَمَا يُكَلِّمُ الرَّجُلُ صَاحِبَهُ "( خروج33/11 ). قال الله ذاته لمريم النبية وهرون الكاهن أخوي موسى النبي " فَقَال: اسْمَعَا كَلامِي. إِنْ كَانَ مِنْكُمْ نَبِيٌّ لِلرَّبِّ فَبِالرُّؤْيَا أَسْتَعْلِنُ لهُ. فِي الحُلمِ أُكَلِّمُهُ. وَأَمَّا عَبْدِي مُوسَى فَليْسَ هَكَذَا بَل هُوَ أَمِينٌ فِي كُلِّ بَيْتِي . فَماً إِلى فَمٍ وَعَيَاناً أَتَكَلمُ مَعَهُ لا بِالأَلغَازِ. وَشِبْهَ الرَّبِّ يُعَايِنُ . فَلِمَاذَا لا تَخْشَيَانِ أَنْ تَتَكَلمَا عَلى عَبْدِي مُوسَى؟ " ( عدد12/6-8 ).
وتقوم مهمته على المعجزات والعجائب العظيمة التي يعملها الله على يده كما فعل مع موسى أمام أعين المصريين وبني إسرائيل.
أن يقطع عهدًا مع الله كما قطع موسى النبي عهدًا مع الله في حوربب ( خروج34/27؛ تثنية 9/11 ).
وهذا ما تحقق في المسيح ولم يتحقق في غيره مطلقًا ومن ثمّ فالتماثل المزعوم، الذي يقال عنه، بين موسى ونبي المسلمين لا يصحّ أنْ يكون هو المقياس لأنه تماثل بعيد تمامًا عن التماثل المقصود في النبوّة والمقصود في النبي الآتي. بل وينطبق على معظم البشر وينطبق على معظم الأنبياء أيضًا!
فجميع البشر والأنبياء لهم آباء وأمهات، ومعظمهم ماتوا ويموتون بشكل طبيعي، وجميع الذين ماتوا من البشر والأنبياء ما زالوا يرقدون في قبورهم.
كما كان كلّ من يشوع وقضاة إسرائيل وصموئيل النبي قادة وزعماء بالمفهوم المزعوم وكان في يدهم سلطان الموت، كما كان كل من داود وسليمان ملكًا ونبيًا، وقاد يشوع والقضاة وداود الكثير من المعارك الحربية.
أما مسالة أنَّ المسيح لم يأتِ بشريعة جديدة فقد أوضحناها في الفصل السابق.
أما شريعة موسى وشريعة نبي المسلمين فلا تختلفان إلا في مسألة الحدود ذات الطبيعة العربية وبعض ما يخصّ الطبيعة والبيئة العربية وظروف الدولة العربية الدينية الناشئة. كما بينّا في ص (47و48)، وكما سنوضّح في الفصل التالي ( الخامس).
4- تأكيد الوعد لإسحاق:
وبعد وفاة إبراهيم أكد الله هذا الوعد عينه لإسحق يقول الكتاب " وَكَانَ بَعْدَ مَوْتِ إِبْرَاهِيمَ أَنَّ اللهَ بَارَكَ إِسْحَاقَ اِبْنَهُ ." ( تكوين25/11 )، وأعطاه البركة وأكّد له الوعد من جديد: " وَظَهَرَ لَهُ الرَّبُّ وَقَالَ: «لاَ تَنْزِلْ إِلَى مِصْرَ. اسْكُنْ فِي الأَرْضِ الَّتِي أَقُولُ لَكَ. تَغَرَّبْ فِي هَذِهِ الأَرْضِ فَأَكُونَ مَعَكَ وَأُبَارِكَكَ لأَنِّي لَكَ وَلِنَسْلِكَ أُعْطِي جَمِيعَ هَذِهِ الْبِلاَدِ وَأَفِي بِالْقَسَمِ الَّذِي أَقْسَمْتُ لإِبْرَاهِيمَ أَبِيكَ. وَأُكَثِّرُ نَسْلَكَ كَنُجُومِ السَّمَاءِ وَأُعْطِي نَسْلَكَ جَمِيعَ هَذِهِ الْبِلاَدِ وَتَتَبَارَكُ فِي نَسْلِكَ جَمِيعُ أُمَمِ الأَرْضِ. "( تكوين26/2-4 ).
ــــــــــ
- 57-
أمّا الخلاف بين موسى ونبي المسلمين هو خلاف جوهريّ يقطع بعدم التماثل بينهما، سواء من جهة الشخصيتن أو من جهه التماثل النبويّ المقصود أصلاً في النبوّة:
فموسى جاء من شعب الله المختار ونبي المسلمين جاء من العرب.
موسى ولد في مصر وهو في مكّة.
موسى حفظه الله من خطر الموت الذي أحدق به وقت ميلاده وهو لا.
موسى كلّم الله وجهًا لوجه وفمًا لفم وتناقش مع الله وسمع صوت الله ورأى شبه مجده، وهو لا.
أجرى الله على يدي موسى عشرات المعجزات التي شاهدها عشرات الآلاف من بني إسرائيل والمصريّين وهو لا.
موسى عبر ببني إسرائيل البحر الأحمر ولم يغرق منهم أحد، كما أطعمهم الله عن طريقة بالمن والسلوى الذي نزل من السماء وهو لا.
تربّى موسى في قصر فرعون كأمير وتعلم بكل حكمة المصريين وهو، حسب الاعتقاد الإسلامي العام، أمّي لا يقرأ ولا يكتب.
مات موسى ميتة طبيعية وحرس الملاك قبره وهو لا ( إذ يُقال، كما بيّنا، أنَّه مات من تأثير السمّ الذي دسّته له المرأة اليهوديّة ).
موسى توفى وعمر 110سنة وهو توفى وعمر 63سنة.
6- التماثل بين موسي والمسيح:
وبرغم عدم التماثل بين موسى والمسيح في بعض الأمور غير الهامة والتي ذكرناها أعلاه فالمماثلة بين موسى والمسيح هي مماثلة في الأمور الجوهريّة
ــــــــــ
- 58-
الخاصة بالنبوّة ذاتها وليس في مجرّد الأمور البشريّة العادية التي يتماثل فيها معظم الناس مثل الولادة من أبوين والزواج والإنجاب. فقد تماثلا في النقاط الجوهرية الخاصة بالنبوه، وأهمها (11) :
1- تعامل موسى مع الله مباشرة فمًا لفم ووجهًا لوجه وعاين شبه الرب " وَيُكَلِّمُ الرَّبُّ مُوسَى وَجْهاً لِوَجْهٍ كَمَا يُكَلِّمُ الرَّجُلُ صَاحِبَهُ " ( خروج33/11 )، " وَأَمَّا عَبْدِي مُوسَى فَليْسَ هَكَذَا بَل هُوَ أَمِينٌ فِي كُلِّ بَيْتِي . فَماً إِلى فَمٍ وَعَيَاناً أَتَكَلمُ مَعَهُ لا بِالأَلغَازِ. وَشِبْهَ الرَّبِّ يُعَايِنُ . " ( عدد12/7-8 ). وَلمْ يَقُمْ بَعْدُ نَبِيٌّ فِي إِسْرَائِيل مِثْلُ مُوسَى الذِي عَرَفَهُ الرَّبُّ وَجْهاً لِوَجْهٍ" ( تثنية34/10 ) .
وكان الربّ يسوع المسيح هو كلمة الله وصورة الله الذي من ذات الله الذي " اَلَّذِي هُوَ صُورَةُ اللهِ غَيْرِ الْمَنْظُورِ "( كولوسي1/15 )، والذي يعرف الله الآب المعرفة الحقيقيّة حيث يقول " أَنَا أَعْرِفُهُ لأَنِّي مِنْهُ وَهُوَ أَرْسَلَنِي " ( يوحنا7/29 )، " كُلُّ شَيْءٍ قَدْ دُفِعَ إِلَيَّ مِنْ أَبِي وَلَيْسَ أَحَدٌ يَعْرِفُ اَلاِبْنَ إِلاَّ اَلآبُ وَلاَ أَحَدٌ يَعْرِفُ اَلآبَ إِلاَّ اَلاِبْنُ وَمَنْ أَرَادَ اَلاِبْنُ أَنْ يُعْلِنَ لَهُ " ( متّي11/27 )، " اَللَّهُ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ قَطُّ. اَلاِبْنُ الْوَحِيدُ الَّذِي هُوَ فِي حِضْنِ الآبِ هُوَ خَبَّرَ " ( يوحنا1/18 ).
2- وكما صنع الله على يدي موسى النبي المعجزات والعجائب العظيمة أمام بني إسرائيل والمصريون، صنع المسيح آلاف المعجزات والعجائب أمام بني إسرائيل والكثير من الذين من الأمم مثل الخلق وإقامة الموتي وشفاء جميع أنواع الأمراض وتحويل الماء إلى خمر وإشباع الآلاف من قليل من الخبز والسمك والمشي على الماء وتهدئة الريح الهائج والبحر العاصف بكلمة الأمر من فمه الطاهر وإقامة نفسه من الأموات بل وصعوده إلى السماء ....الخ، " وَأَشْيَاءُ أُخَرُ كَثِيرَةٌ صَنَعَهَا يَسُوعُ إِنْ كُتِبَتْ وَاحِدَةً وَاحِدَةً فَلَسْتُ أَظُنُّ أَنَّ اَلْعَالَمَ نَفْسَهُ يَسَعُ اَلْكُتُبَ اَلْمَكْتُوبَةَ "( يوحنا21/25 ).
3- وكما قطع موسى النبي عهدًا مع الله، صنع المسيح العهد الجديد بدمه:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(11) تقول الدكتورة مها محمد فريد " يعتقد إخواننا المسيحيون أن كلمة مثلك يا موسى تنطبق على عيسى عليه السلام، ولا تنطبق على محمد صلى الله عليه وسلم. ودليلهم في هذه الرأى التشابه يبن موسى وعيسى في أنَّ كلاً يهودي وهذا دليلهم الوحيد..."(ص65)!! ونقول لها من أين أتيت بهذا الكلام غير الصحيح؟؟؟ كان من الواجب عليك وأنت تكتبين فى مثل هذا الموضوع أن تقرئى ما كتبه الكتاب المسيحيبن والمسلمين على السواء!!!
ــــــــــ
- 59-
" لأَنَّ هَذَا هُوَ دَمِي اَلَّذِي لِلْعَهْدِ اَلْجَدِيدِ اَلَّذِي يُسْفَكُ مِنْ أَجْلِ كَثِيرِينَ لِمَغْفِرَةِ اَلْخَطَايَا "( متّي26/28 )، كما سبق وتنبأ أنبياء العهد القديم " هَا أَيَّامٌ تَأْتِي يَقُولُ اَلرَّبُّ وَأَقْطَعُ مَعَ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ وَمَعَ بَيْتِ يَهُوذَا عَهْداً جَدِيداً. لَيْسَ كَالْعَهْدِ اَلَّذِي قَطَعْتُهُ مَعَ آبَائِهِمْ يَوْمَ أَمْسَكْتُهُمْ بِيَدِهِمْ لأُخْرِجَهُمْ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ حِينَ نَقَضُوا عَهْدِي فَرَفَضْتُهُمْ يَقُولُ اَلرَّبُّ، بَلْ هَذَا هُوَ اَلْعَهْدُ اَلَّذِي أَقْطَعُهُ مَعَ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ بَعْدَ تِلْكَ اَلأَيَّامِ يَقُولُ اَلرَّبُّ: أَجْعَلُ شَرِيعَتِي فِي دَاخِلِهِمْ وَأَكْتُبُهَا عَلَى قُلُوبِهِمْ وَأَكُونُ لَهُمْ إِلَهاً وَهُمْ يَكُونُونَ لِي شَعْباً ." ( أرميا31/31-33 ). إنها شريعة روحيّة تُكتب علي القلوب وليست مجرّد شريعة فروض وحدود وثواب وعقاب، إنها شريعة حبّ.
4- كان موسى والمسيح من نسل إسحق ويعقوب ( إسرائيل )، النسل الذي إختاره الله ليأتي منه النسل الموعود ولتكون منه النبوّة كقول الله لإبراهيم " وَلَكِنْ عَهْدِي أُقِيمُهُ مَعَ إِسْحَاقَ الَّذِي تَلِدُهُ لَكَ سَارَةُ فِي هَذَا اَلْوَقْتِ فِي اَلسَّنَةِ اَلآتِيَةِ " ( تكوين17/21 )، وقول القرآن وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ " (ا لعنكبوت27 ). .
5- كانت والدتا موسي والمسيح من نسل يعقوب وكانتا مؤمنتان بالله الحي ولم تكونا مشركتان أو وثنيتان.
6- وقد خُتن موسى والمسيح في اليوم الثامن حسب عهد الله مع إبراهيم " هَذَا هُوَ عَهْدِي الَّذِي تَحْفَظُونَهُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَبَيْنَ نَسْلِكَ مِنْ بَعْدِكَ: يُخْتَنُ مِنْكُمْ كُلُّ ذَكَرٍ "( تكوين17/10 ).
7- وقد ولد موسى والشعب يرزح تحت العبودية في مصر كما ولد المسيح الشعب تحت حكم الرومان. بينما ولد نبي المسلمين بين أهله الأحرار.
8- تعرّض كل من موسى والمسيح للقتل والموت في طفولتهما، موسى من قبل فرعون ( خروج1/17؛2/2-10 ) والمسيح من قبل هيرودس ( متي2/16 ). وقد أنقذ كل منهما بتدبير إلهي. ولم يتعرض نبي المسلمين لذلك بل تربى في كنف عمه الذي كان من أعيان قبيلته.
ــــــــــ
- 60-
9- وُضع كلّ من موسى والمسيح فى مكان غريب بعد ولادته، فموسى وضعته أمّه في تابوت ( سفط ) في الماء ( خروج2/3 )، والمسيح وُلد في مزود للبقر(لوقا2/7).
10- وقد حمى الله موسى في طفولته بإيمان والدته ( خروج2/2و3 )، " بالإِيمَانِ مُوسَى، بَعْدَمَا وُلِدَ، أَخْفَاهُ أَبَوَاهُ ثَلاَثَةَ أَشْهُرٍ، لأَنَّهُمَا رَأَيَا الصَّبِيَّ جَمِيلاً، وَلَمْ يَخْشَيَا أَمْرَ الْمَلِكِ " ( عبرانيّين11/23 ). كما حمي المسيح بإيمان وطاعة كل من العذراء ويوسف النجار لرسالة الملاك ( متي2/13و14 ).
11- وقد ترّبي كل من موسى والمسيح في بيت ليس له، فقد تربي موسى في بيت فرعون ( خروج2/10 ) وتربى المسح في بيت يوسف النجار ( متي13/55 ).
12- وقد تنبأ كل منهما عن خراب إسرائيل، موسى بسبب خطاياها ( تثنية28 )، والمسيح بسبب رفضها له( لوقا13/3و35 ).
13- موسي عبر ببني إسرائيل البحر الأحمر( خروج14/21-22 )، والمسيح مشي علي الماء وجعل بطرس أيضًا يمشي علي الماء( متي14/28-29 )، كما أمر الريح العاصفة والبحر الهائج بالهدوء فأطاعاه( متي8/24-27 ).
14- قدّم كل من موسي والمسيح الطعام للشعب بصورة إعجازيّة، موسي قدّم المنّ الذي أعطاه الله لهم في البريّة( خروج16/14-17 )، والمسيح أشبع خمسة آلاف رجل غير النساء والأطفال بخمسة أرغفة وسمكتين وفاض اثنتا عشرة قفّة مملوءة من الكُسر( متي14/14-21 ). وفي مرة أخري أشبع فيها أكثر من أربعة آلاف بسبع خبزات وقليل من صغار السمك وفاض عنهم سبعة سلال من الكسر( متى15/33-38 ).
15- كان لموسى سبعون شيخًا حل عليهم الروح القدس كمساعدين له ( عدد11/24-29 )، وكان للمسيح أيضا سبعون رسولاً، إلى جانب الإثنى عشر يعملون آيات وعحائب باسمه ( لوقا10/1و17 ).
16- وقد كلم الله موسى بصوت مسموع " أمام عيون بني إسرائي ل " ( خروج24/12-16 )، ونادى الله الآب المسيح، الابن، من السماء بصوت مسموع:
ــــــــــ
- 61-
" وَلَمَّا اِعْتَمَدَ جَمِيعُ اَلشَّعْبِ اِعْتَمَدَ يَسُوعُ أَيْضاً. وَإِذْ كَانَ يُصَلِّي اِنْفَتَحَتِ اَلسَّمَاءُ، وَنَزَلَ عَلَيْهِ اَلرُّوحُ اَلْقُدُسُ بِهَيْئَةٍ جِسْمِيَّةٍ مِثْلِ حَمَامَةٍ. وَكَانَ صَوْتٌ مِنَ اَلسَّمَاءِ قَائِلاً: أَنْتَ اِبْنِي اَلْحَبِيبُ بِكَ سُرِرْتُ! " ( لوقا3/21-22 ).
17- عاش موسي الأربعين سنه الأولى من حياته في مصر وهرب المسيح إليها في طفولته.
18- كان موسي هو كليم الله لأنه كلّم الله فمًا لفم وحمل كلام الله للشعب، وكان المسيح هو كلمة الله الذي كلّمنا من خلاله " كلّمنا في ابنه "( عبرانيين1/2 ).
19- تكلم كل من موسى والمسيح اللغة العبرية ( لغة بني إسرائيل ) والآرامية ( التي كانت لغة السياسة أيّام موسى واللغة العامة لبني إسرائيل وقت المسيح )، كما تكلما بلغات أخرى ( كالمصرية بالنسبة لموسى واليونانية بالنسبة للمسيح ).
20- يقول الكتاب أن موسى تهذب " فَتَهَذَّبَ مُوسَى بِكُلِّ حِكْمَةِ الْمِصْرِيِّينَ وَكَانَ مُقْتَدِراً فِي الأَقْوَالِ وَالأَعْمَالِ " ( أعمال الرسل7/22 )، وكان المسيح يقرأ ويكتب ويعلم كل شيء بالرغم من أنّه لم يتعلّم عند معلمين من البشر " فَتَع َجَّبَ اَلْيَهُودُ قَائِلِينَ: كَيْفَ هَذَا يَعْرِفُ اَلْكُتُبَ وَهُوَ لَمْ يَتَعَلَّمْ؟ " ( يوحنا7/15 )، " وَلَمَّا جَاءَ إِلَى وَطَنِهِ كَانَ يُعَلِّمُهُمْ فِي مَجْمَعِهِمْ حَتَّى بُهِتُوا وَقَالُوا: مِنْ أَيْنَ لِهَذَا هَذِهِ الْحِكْمَةُ وَالْقُوَّاتُ؟ " ( متي13/54 )، كما يقول عنه الكتاب أيضًا " الْمُذَّخَرِ فِيهِ جَمِيعُ كُنُوزِ الْحِكْمَةِ وَالْعِلْمِ " ( كولوسي2/3 ) ولم يكن أحدهما أميًا.
21- كما صام كل من موسي والمسيح مدة أربعين نهارا وأربعين ليلة في البرية دون أن يأكلا طعامًا أو يشربا ماء طوال هذه المدة " وَكَانَ هُنَاكَ عِنْدَ الرَّبِّ أَرْبَعِينَ نَهَاراً وَأَرْبَعِينَ لَيْلَةً لَمْ يَأْكُلْ خُبْزاً وَلَمْ يَشْرَبْ مَاءً . فَكَتَبَ عَلَى اللَّوْحَيْنِ كَلِمَاتِ الْعَهْدِ الْكَلِمَاتِ الْعَشَرَ "( خروج34/28؛تثنية9/9و19 )، " فَبَعْدَ مَا صَامَ أَرْبَعِينَ نَهَاراً وَأَرْبَعِينَ لَيْلَةً جَاعَ أَخِيراً " ( متي4/2 ).
22- دعي الله موسي لحمل رسالته بأن كلّمه مباشرة من وسط العليقة التي كانث مشتعلة بالنار قائلاً " أَنَا إِلَهُ أَبِيكَ إِلَهُ إِبْرَاهِيمَ وَإِلَهُ إِسْحَاقَ وَإِلَهُ يَعْقُوبَ " ( خروج3/6 ). وبدأ الرب يسوع المسيح خدمته كالإله المتجسد،
ــــــــــ
- 62-
ابن الله الوحيد، بلّ وكإنسان ونبي بإعلان صوت الله الآب من السماء قائلاً: " هَذَا هُوَ اِبْنِي اَلْحَبِيبُ اَلَّذِي بِهِ سُرِرْتُ "( متي3/17 )، وقال القديس بطرس عنه " لأَنَّهُ أَخَذَ مِنَ اللَّهِ الآبِ كَرَامَةً وَمَجْداً ، إِذْ أَقْبَلَ عَلَيْهِ صَوْتٌ كَهَذَا مِنَ الْمَجْدِ الأَسْنَى: هَذَا هُوَ ابْنِي الْحَبِيبُ الَّذِي أَنَا سُرِرْتُ بِه ِ "( 2بطرس1/17 ).
23- موسي رُفض من شعبه وعاد إليهم ليقبلوه بدون أنْ يحاربهم وقادهم للخلاص من العبودية وقادهم إلى أرض الميعاد، والمسيح رُفض من شعبه وقبلوه في يوم الخمسين بدون أن يحاربهم وسيقبلوه عند رجوعه الثاني في يوم خلاصهم النهائي. وأمّا نبي المسلمين فقاد مجموعة من الغزوات قتل فيها من قتل وسبي من سبي حتى دخل مكة أخيرًا، وحدثت ردة شديدة بعد وفاته قامت بسببها حروب الردّة الشهيرة بقيادة خليفته الأول " أبو بكر" الذي غزاهم بأحد عشر لواء على رأسها خالد بن الوليد وتم إخماد التمرّد بقوة السيف.
24- عَكَسَ كلّ من موسى والمسيح مجد الله على وجهيهما؛ فعندما نزل موسي من الجبل بعد وجوده في الحضرة الإلهيّة أربعين نهارًا وأربعين ليلة صار جلد وجهه يلمع " فَنَظَرَ هَارُونُ وَجَمِيعُ بَنِي إِسْرَائِيلَ مُوسَى وَإِذَا جِلْدُ وَجْهِهِ يَلْمَعُ فَخَافُوا أَنْ يَقْتَرِبُوا إِلَيْهِ " ( خروج34/30 ). والمسيح تجلّى على الجبل وكشف عن مجده لتلاميذ: " وَتَغَيَّرَتْ هَيْئَتُهُ قُدَّامَهُمْ وَأَضَاءَ وَجْهُهُ كَالشَّمْسِ وَصَارَتْ ثِيَابُهُ بَيْضَاءَ كَالنُّورِ "( متي17/2 ).
25- جاء كل من موسى والمسيح مكملاً بعضهما لبعض، فموسى أعطى الناموس والمسيح أكمله وتمّمه في ذاته وأعطى لنا النعمة والحق " لأَنَّ النَّامُوسَ بِمُوسَى أُعْطِيَ أَمَّا النِّعْمَةُ وَالْحَقُّ فَبِيَسُوعَ الْمَسِيحِ صَارَا " ( يوحنا1/17 ).
26- كان موسى شفيعًا لشعبه أمام الله وقد قدّم نفسه لله ليفتدي شعبه " فَرَجَعَ مُوسَى إِلَى الرَّبِّ وَقَالَ: " آهِ قَدْ أَخْطَأَ هَذَا الشَّعْبُ خَطِيَّةً عَظِيمَةً وَصَنَعُوا لأَنْفُسِهِمْ آلِهَةً مِنْ ذَهَبٍ. وَالآنَ إِنْ غَفَرْتَ خَطِيَّتَهُمْ - وَإِلاَّ فَامْحُنِي مِنْ كِتَابِكَ الَّذِي كَتَبْتَ " ( خروج32/31-32 )،
ــــــــــ
- 63-
وجاء المسيح كالشفيع الوحيد والوسيط الوحيد بين الله والناس " إِنْ أَخْطَأَ أَحَدُكُمْ، فَلَنَا عِنْدَ الآبِ شَفِيعٌ هُوَ يَسُوعُ الْمَسِيحُ الْبَارُّ. فَهُوَ كَفَّارَةٌ لِخَطَايَانَا، لاَ لِخَطَايَانَا فَقَطْ، بَلْ لِخَطَايَا الْعَالَمِ كُلِّهِ " ( 1يوحنا2/1-2 ).
27- عمل الله على يدي موسى عشرات المعجزات العظيمة أمام شعبه وأمام فرعون والمصريين مثل عبور البحر، كما عمل المسيح مئات بل آلاف المعجزات بلا حد ولا حصر أمام جموع الشعب وأمام تلاميذه، ويذكر منها القرآن خلق طير من طين ومعرفة الغيب وشفاء للمرضى وإقامة الموتي وتفتيح لأعين العميان بما فيهم المولودين بدون أعين وتطهير للبرص وإنزال مائدة من السماء لتلاميذه.
28- وقد أمر الله موسى أن يصنع الفصح الأول وختم المسيح هذا الفصح وأسّس الفصح الأخير مع تلاميذه وأما نبي المسلمين فلم يعرف الفصح. كما قدّم المسيح نفسه عنّا كذبيحة فصح " لأَنَّ فِصْحَنَا أَيْضاً اَلْمَسِيحَ قَدْ ذُبِحَ لأَجْلِنَا " ( 1كورونثوس5/7 ).
29- يرنم السمائيّون ترنيمة واحدة لموسى والمسيح " وَهُمْ يُرَتِّلُونَ تَرْنِيمَةَ مُوسَى عَبْدِ اَللهِ وَتَرْنِيمَةَ اَلْحَمَلِ قَائِلِينَ: عَظِيمَةٌ وَعَجِيبَةٌ هِيَ أَعْمَالُكَ أَيُّهَا اَلرَّبُّ اَلإِلَهُ اَلْقَادِرُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ. عَادِلَةٌ وَحَقٌّ هِيَ طُرُقُكَ يَا مَلِكَ اَلْقِدِّيسِينَ. " ( رؤيا15/3 ).
30- تميّز موسى النبي بالحلم الشديد مع شعبه " وَأَمَّا الرَّجُلُ مُوسَى فَكَانَ حَلِيماً جِدّاً أَكْثَرَ مِنْ جَمِيعِ النَّاسِ الذِينَ عَلى وَجْهِ الأَرْضِ "( عدد12/3 ). وكان المسيح أيضًا كما قال عن نفسه " وَتَعَلَّمُوا مِنِّي لأَنِّي وَدِيعٌ وَمُتَوَاضِعُ اَلْقَلْبِ فَتَجِدُوا رَاحَةً لِنُفُوسِكُمْ "( متي11/29 ).
7- تأكيد الكتاب المقدّس صراحة أنّ النبي الموعود هنا هو المسيح:
والكتاب المقدس يؤكد أن النبوة هنا المقصود بها المسيح المنتظر الذي هو الرب يسوع المسيح، وكان تلاميذه يعرفون ذلك جيدًا، بناء على شرح المسيح نفسه لكلّ نبوّات العهد القديم لهم؛ فقال تلميذه فيلبس لزميله نثنائيل:
- 64-
" وَجَدْنَا الَّذِي كَتَبَ عَنْهُ مُوسَى فِي النَّامُوسِ وَالأَنْبِيَاءُ :يَسُوعَ ابْنَ يُوسُفَ الَّذِي مِنَ النَّاصِرَةِ "( يوحنا1/45 ). كما أكّد ذلك الربّ يسوع المسيح نفسه الذي قال لليهود " لأَنَّكُمْ لَوْ كُنْتُمْ تُصَدِّقُونَ مُوسَى لَكُنْتُمْ تُصَدِّقُونَنِي لأَنَّهُ هُوَ كَتَبَ عَنِّي "(يوحنا5/46) (12) . وفي خطاب القديس بطرس الرسول في الهيكل وأمام علماء ورجال الدين اليهود والجموع الحاشدة أكّد لهم أنّ كل ما تنبّأ به جميع أنبياء العهد القديم وتكلم به الله علي أفواههم تمّمه في أيامهم في شخص المسيح يسوع: " وَأَمَّا اللهُ فَمَا سَبَقَ وَأَنْبَأَ بِهِ بِأَفْوَاهِ جَمِيعِ أَنْبِيَائِهِ أَنْ يَتَأَلَّمَ الْمَسِيحُ قَدْ تَمَّمَهُ هَكَذَا. فَتُوبُوا وَارْجِعُوا لِتُمْحَى خَطَايَاكُمْ لِكَيْ تَأْتِيَ أَوْقَاتُ الْفَرَجِ مِنْ وَجْهِ الرَّبِّ. وَيُرْسِلَ يَسُوعَ اَلْمَسِيحَ اَلْمُبَشَّرَ بِهِ لَكُمْ قَبْلُ . الَّذِي يَنْبَغِي أَنَّ اَلسَّمَاءَ تَقْبَلُهُ إِلَى أَزْمِنَةِ رَدِّ كُلِّ شَيْءٍ اَلَّتِي تَكَلَّمَ عَنْهَا اَللهُ بِفَمِ جَمِيعِ أَنْبِيَائِهِ اَلْقِدِّيسِينَ مُنْذُ اَلدَّهْرِ . فَإِنَّ مُوسَى قَالَ لِلآبَاءِ: إِنَّ نَبِيّاً مِثْلِي سَيُقِيمُ لَكُمُ الرَّبُّ إِلَهُكُمْ مِنْ إِخْوَتِكُمْ. لَهُ تَسْمَعُونَ فِي كُلِّ مَا يُكَلِّمُكُمْ بِهِ. وَيَكُونُ أَنَّ كُلَّ نَفْسٍ لاَ تَسْمَعُ لِذَلِكَ النَّبِيِّ تُبَادُ مِنَ الشَّعْبِ. وَجَمِيعُ الأَنْبِيَاءِ أَيْضاً مِنْ صَمُوئِيلَ فَمَا بَعْدَهُ جَمِيعُ الَّذِينَ تَكَلَّمُوا سَبَقُوا وَأَنْبَأُوا بِهَذِهِ الأَيَّامِ. أَنْتُمْ أَبْنَاءُ الأَنْبِيَاءِ وَالْعَهْدِ الَّذِي عَاهَدَ بِهِ اللهُ آبَاءَنَا قَائِلاً لإِبْراهِيمَ: وَبِنَسْلِكَ تَتَبَارَكُ جَمِيعُ قَبَائِلِ الأَرْضِ. إِلَيْكُمْ أَوَّلاً إِذْ أَقَامَ اللهُ فَتَاهُ يَسُوعَ أَرْسَلَهُ يُبَارِكُكُمْ بِرَدِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ عَنْ شُرُورِهِ " ( أعمال3/18-26 ). (13) .
وهذا تأكيد مطلق علي أنّ المقصود فى هذه النبوّة هو المسيح وليس أحد غيره.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(12) قال كاتب إظهار الحق أن قول المسيح هذا " ليس فيه تصريح بأن موسى عليه السلام كتب في حقه في الموضع الفلاني، بل المفهوم أن موسى كتب في حقه، وهذا يصدق إذا وجد في موضع من مواضع التوراة إشارة إليه "!! ونقول لسيادته أن اليهود كانوا يعرفون هذه النبوّة، التي نحن بصددها، والتي تنبأ بها موسى النبي، وكانوا ينتظرون هذا النبي، وعندما يقول لهم المسيح " موسي كتب عنّي " يدركون علي الفور أنّه يشير إليها، بدليل أنّه عندما أشبع الجموع بخمسة خبزات وسمكتين قالوا " إِنَّ هَذَا هُوَ بِالْحَقِيقَةِ اَ لنَّبِيُّ ا لآتِي إِلَى اَ لْعَالَمِ! " (يوحنا6/14).
(13) وهنا قال نفس الكاتب تعليقًا على عظة القديس بطرس هذه بعد أن لجأ إلي إحدى الترجمات الفارسيّة" فهذه العباره سيما حسب التراجم الفارسية تدل صراحة على أن هذا النبي غير المسيح عليه السلام، وأن المسيح لابد أن تقبله السماء إلى زمان ظهور هذا النبي"!! ونقول لسيادته إن لغة الإنجيل الأصلية هي اليونانية وليست الفارسية التي هي مجرد ترجمة ولا يصح تأويل معناها ويجب الرجوع إلى اللغة الأصلية لمراجعة الكلمات في أصولها، كما أن محتوى عظة القديس بطرس عن " يسوع المسيح المُبشّر به لكم قبل" ونبوّات الأنبباء ومنهم موسى، وهذه النبوّة بالذات عن المسيح، وليس عن غيره!!
ــــــــــ
- 65-
8- المسيح إله ورب أم إنسان؟
يقول البعض أن موسى نبي وأنتم تؤمنون أنّ المسيح إله نزل من السماء ومن ثم لا يكون مثل موسى. وللإجابة على هذا التساؤل نؤكّد أننا نؤمن بحسب ما جاء في الكتاب المقدّس أنّ الربّ يسوع المسيح هو كلمة الله وصورة الله الذي من ذات الله الآب " نور من نور إله حق من إله حق " ولكنه أيضًا " تتجسّد من الروح القدس ومن مريم العذراء تأنّس " أي أنه تجسد وظهر في الجسد كإنسان وكان كاملاً في ناسوته، إنسانيته، كما كان كاملاً في لاهوته؛ يقول الكتاب عنه " وَالْكَلِمَةُ صَارَ جَسَداً وَحَلَّ بَيْنَنَا وَرَأَيْنَا مَجْدَهُ مَجْداً كَمَا لِوَحِيدٍ مِنَ الآبِ مَمْلُوءاً نِعْمَةً وَحَقّاً "(يوحنا1/14)، " الَّذِي إِذْ كَانَ فِي صُورَةِ اَللهِ، لَمْ يَحْسِبْ خُلْسَةً أَنْ يَكُونَ مُعَادِلاً لِلَّهِ، لَكِنَّهُ أَخْلَى نَفْسَهُ، آخِذاً صُورَةَ عَبْدٍ، صَائِراً فِي شِبْهِ اَلنَّاسِ، وَإِذْ وُجِدَ فِي اَلْهَيْئَةِ كَإِنْسَانٍ، وَضَعَ نَفْسَهُ وَأَطَاعَ حَتَّى اَلْمَوْتَ مَوْتَ اَلصَّلِيبِ "( فيليبي2/6-8 ).
فهو كلمة الله بطبيعته ولكنه كان أيضًا إنسانًا بتجسّده، وكإنسان حلّ عليه الروح القدس ومسحه كاهنًا وملكًا ونبيًا، فقام بمهام وعمل ودور ووظيفة النبي فى حمل رسالة الله الآب للعالم، وكان كاهنًا على الصليب، وملكًا لملكوت السموات. قال عنه القديس بطرس بالروح، بعد أن قال أنه " رب الكلّ "( أعمال10/36 )، " يَسُوعُ الَّذِي مِنَ النَّاصِرَةِ كَيْفَ مَسَحَهُ اللهُ بِالرُّوحِ الْقُدُسِ وَالْقُوَّةِ الَّذِي جَالَ يَصْنَعُ خَيْراً وَيَشْفِي جَمِيعَ الْمُتَسَلِّطِ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ لأَنَّ اللهَ كَانَ مَعَهُ " ( أعمال10/38 )، ولذا قيل عنه " هَذَا يَسُوعُ النَّبِيُّ الَّذِي مِنْ نَاصِرَةِ الْجَلِيلِ " ( متي21/11 )، ورأي فيه اليهود نبيًا عظيمًا وقالوا عنه " قَدْ قَامَ فِينَا نَبِيٌّ عَظِيمٌ وَاِفْتَقَدَ اَللهُ شَعْبَهُ "( لوقا7/16 )، بل والنبي الذي تنبأ عنه موسى " هَذَا هُوَ بِالْحَقِيقَةِ اَلنَّبِيُّ الآتِي إِلَى اَلْعَالَمِ "( يوحنا6/14 ).
ونخاطب هؤلاء الكتاب أيضًا بمنطقهم ونقول لهم وأنتم لا تؤمنون أن المسيح إله بل نبي. وبهذا المنطق فالمسيح مثل موسى.
- 66-
جاء في ( تثنية32/21 ) قوله " هُمْ أَغَارُونِي بِمَا ليْسَ إِلهاً أَغَاظُونِي بِأَبَاطِيلِهِمْ. فَأَنَا أُغِيرُهُمْ بِمَا ليْسَ شَعْباً بِأُمَّةٍ غَبِيَّةٍ أُغِيظُهُمْ ".
وقال هؤلاء الكتاب، أن الأمة الغبية المشار إليها هنا هي أمة العرب التي أرسل منها نبي المسلمين حيث لا يمكن أن تكون أمة اليونان التي أرسل إليها بولس وبقية رسل المسيح لأنّ أمة اليونان لم تكن غبية بل كانت أهل حكمة وعلم، كما أنّ اليهود وبني إسرائيل قد أغاظوا الله بالأباطيل وعبادة آلهة صنعوها لأنفسهم ومن هنا فإن الله قد أراد أن يكسر غرورهم هذا ويغيظهم كما أغاظوه، والله يعرف كيف تكون إغاظتهم مؤلمة فلم يكن من السهل على بني إسرائيل أن يملك عليهم ملك أجنبي ومن هنا كان ترتيب الله لإغاظتهم، بأن يجعل عليهم أمة محتقرة في نظرهم، ونبي ليس منهم يملك عليهم ومعروف عن بني إسرائيل أنهم كانوا يميّزون اليهود عن غيرهم تمييزًا كبيرًا فكانوا يحتقرون كل الأمم غير اليهودية، وحيث أن أمة العرب هي من تلك الأمم التي يحتقرها بني إسرائيل، إضافة إلي جهل العرب وأميتهم تجعلهم هم المعنيّين بقوله أمة غبية . فعليه تكون هيمنة هذه الأمة الغبية من خلال أن يبعث الله منهم هذا النبي لكي يملك عليهم ويهيمن على مملكتهم، حتى يسبّب لهم ذلك الغيظ والألم، فمحمد هو النبي وقريش هي الأمة الغبية "!! وفيما يلي أهم أقوال كتّابهم:
1- قال الشيخ رحمة الله الهندي " المراد بالشعب الجاهل هم العرب لأنّهم كانوا غاية الجهل والظلم ولم يكن عندهم علم من العلوم وما كانوا يعرفون إلا عبادة الأوثان وكانوا محتقرين في نظر اليهود لكونهم من أولاد هاجر فالمقصود من الآية أن بنى إسرائيل أغاروني بعبادة المعبودات الباطلة فلذلك أغيرهم باصطفائي لقوم
ــــــــــ
- 67-
محتقرين وجاهلين عندهم ولقد أوفي الله بما وعد وبعث من العرب النبي (ص) فهداهم" (1) .
2- ويقول د. السقا " لا يوجد في الأسفار الخمسة المنسوبة إلى موسى ( ع ) أية إشارة إلى أمة غبية محددة البلاد والأوصاف يمكن أن يعرف أنها المراد بهذه النبوّة ولا يمكن أن يشتبه إلا في أمة إسماعيل ولا يمكن أن تكون الأمة الغبية أمة اليونان " (2) .
3- وقال مؤلف كتاب يوحنا المعمدان ص105 " العرب لم يكونوا شعبًا منظمًا منذ الأزل وحتي رسالة محمد (ص) وكانت أمتهم في غاية الجهل والظلام "!!
ونتعجّب منةهذه الأقوال التي يصف بها هؤلاء الكُتاب الأمة العربية بالأمة الغبية والجاهلة وأن العرب " كانوا غاية فى الجهل والظلام"، و" كانت أمتهم في غاية الجهل والظلام "، وأنّ " جهل العرب وأميتهم تجعلهم هم المعنيّين بقوله أمة غبية "!! فهل هذا الكلام صحيح؟!!!
ونجيب ونقول لهم أن هذا الكلام مبالغ فيه لدرجة غير مقبولة بالمرّة:
أولاً : لأن هذه النبوة لا تشير لا إلى نبي ولا إلى رسول بل إلى أن الله سيغيّر الأمّة اليهوديّة بأنْ يدعو لعبادته جميع الأمم الأجنبية من يونان ورومان وعرب ومصريين وبرابرة وسكيثيين وغيرهم، وينضمّون للإيمان المسيحيّ ، كقول المسيح " إِنَّ كَثِيرِينَ سَيَأْتُونَ مِنَ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ وَيَتَّكِئُونَ مَعَ إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ، وَأَمَّا بَنُو الْمَلَكُوتِ فَيُطْرَحُونَ إِلَى الظُّلْمَةِ الْخَارِجِيَّةِ . هُنَاكَ يَكُونُ الْبُكَاءُ وَصَرِيرُ الأَسْنَانِ " ( متي8/11-12 ). وكانت تلك الأمم في اعتبار الله أممًا غبية وثنية " حَيْثُ لَيْسَ يُونَانِيٌّ وَيَهُودِيٌّ، خِتَانٌ وَغُرْلَةٌ، بَرْبَرِيٌّ سِكِّيثِيٌّ، عَبْدٌ حُرٌّ، بَلِ الْمَسِيحُ الْكُلُّ وَفِي الْكُلِّ "( كولوسي3/11 ).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) " كتاب إظهار الحق" ج2ص208و209.
(2) " نبوّة محمد"، ص57-59.
ــــــــــ
- 68-
ثانيًا : لم تقصد النبوة هنا الغباء بمعنى الجهل بالعلوم والثفافة وإنما الجهل الديني!!
تقول النبوة " هُمْ أَغَارُونِي بِمَا ليْسَ إِلهاً "، أي بعبادتهم للأصنام كما جاء في نفس الإصحاح ( الآيتين16و17 ) " أَغَارُوهُ بِالأَجَانِبِ وَأَغَاظُوهُ بِالأَرْجَاسِ. ذَبَحُوا لأَوْثَانٍ ليْسَتِ اَللهَ. لآِلِهَةٍ لمْ يَعْرِفُوهَا أَحْدَاثٍ قَدْ جَاءَتْ مِنْ قَرِيبٍ لمْ يَرْهَبْهَا آبَاؤُكُمْ "
" أَغَاظُونِي بِأَبَاطِيلِهِمْ " أي لأعمالهم الشريرة.
" فَأَنَا أُغِيرُهُمْ بِمَا ليْسَ شَعْباً " أي ليس شعب الله، و" لَكِنْ يَكُونُ عَدَدُ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَرَمْلِ الْبَحْرِ الَّذِي لاَ يُكَالُ وَلاَ يُعَدُّ وَيَكُونُ عِوَضاً عَنْ أَنْ يُقَالَ لَهُمْ: لَسْتُمْ شَعْبِي يُقَالُ لَهُمْ: أَبْنَاءُ اللَّهِ الْحَيِّ " ( هوشع1/10 ).
" بِأُمَّةٍ غَبِيَّةٍ أُغِيظُهُمْ " ولا يقصد بالغباء هنا الجهل بالعلوم أو الآداب أو الثقافة، إنّما الجهل بمعرفة الله المعرفة الحقيقة " قَالَ الْجَاهِلُ فِي قَلْبِهِ: لَيْسَ إِلَهٌ " ( مزمور14/1 )، والغباء الديني كما قال الله لهم في نفس الفصل (الآية6) " هَل تُكَافِئُونَ اَلرَّبَّ بِهَذَا يَا شَعْباً غَبِيّاً غَيْرَ حَكِيمٍ؟ "، وقال الربّ يسوع المسيح للفريسيّين " يَا أَغْبِيَاءُ أَلَيْسَ اَلَّذِي صَنَعَ اَلْخَارِجَ صَنَعَ اَلدَّاخِلَ أَيْضاً؟ " ( لوقا11/40 ). فالغباوة هنا المقصود بها عدم معرفة الله ووصاياه المعرفة الحقيقية. بل وقد وصف الله شعب إسرائيل بسبب خطيته بالأكثر غباوة من الحمار والثور " اِسْمَعِي أَيَّتُهَا السَّمَاوَاتُ وَأَصْغِي أَيَّتُهَا الأَرْضُ لأَنَّ الرَّبَّ يَتَكَلَّمُ: رَبَّيْتُ بَنِينَ وَنَشَّأْتُهُمْ أَمَّا هُمْ فَعَصُوا عَلَيَّ. اَلثَّوْرُ يَعْرِفُ قَانِيهِ وَالْحِمَارُ مِعْلَفَ صَاحِبِهِ أَمَّا إِسْرَائِيلُ فَلاَ يَعْرِفُ. شَعْبِي لاَ يَفْهَمُ. وَيْلٌ لِلأُمَّةِ الْخَاطِئَةِ الشَّعْبِ الثَّقِيلِ الإِثْمِ نَسْلِ فَاعِلِي الشَّرِّ أَوْلاَدِ مُفْسِدِينَ! تَرَكُوا الرَّبَّ اسْتَهَانُوا بِقُدُّوسِ إِسْرَائِيلَ ارْتَدُّوا إِلَى وَرَاءٍ " ( أشعياء2/1-4 ).
أي أن المقصود بالأمة الغبية هنا كل الشعوب البعيدة عن عبادة الله والتي تعبد الأوثان، كما يقول المرنم " شَعْبٌ لَمْ أَعْرِفْهُ يَتَعَبَّدُ لِي. مِنْ سَمَاعِ اَلأُذُنِ يَسْمَعُونَ لِي. بَنُو اَلْغُرَبَاءِ يَتَذَلَّلُونَ لِي، بَنُو اَلْغُرَبَاءِ يَبْلُونَ وَيَزْحَفُونَ مِنْ حُصُونِهِمْ " ( مزمور18/43-44 )، وأيضًا " يُكْتَبُ هَذَا لِلدَّوْرِ الآخِرِ وَشَعْبٌ سَوْفَ يُخْلَقُ يُسَبِّحُ الرَّبَّ " ( مزمور102/18 ).
ــــــــــ
- 69-
وقد استشهد القديس بولس بهذه الآية دلالة علي أنّ الله سيدعو للإيمان به الشعوب التي لم تكن تؤمن به قبلاً " لَكِنِّي أَقُولُ: أَلَعَلَّ إِسْرَائِيلَ لَمْ يَعْلَمْ؟ أَوَّلاً مُوسَى يَقُولُ: أَنَا أُغِيرُكُمْ بِمَا لَيْسَ أُمَّةً. بِأُمَّةٍ غَبِيَّةٍ أُغِيظُكُمْ . ثُمَّ إِشَعْيَاءُ يَتَجَاسَرُ وَيَقُولُ: وُجِدْتُ مِنَ الَّذِينَ لَمْ يَطْلُبُونِي وَصِرْتُ ظَاهِراً لِلَّذِينَ لَمْ يَسْأَلُوا عَنِّي . مَّا مِنْ جِهَةِ إِسْرَائِيلَ فَيَقُولُ: طُولَ النَّهَارِ بَسَطْتُ يَدَيَّ إِلَى شَعْبٍ مُعَانِدٍ وَمُقَاوِمٍ "( رومية10/19-21 ).
ويخاطب القديس بطرس المؤمنين بالمسيح قائلاً " وَأَمَّا أَنْتُمْ فَجِنْسٌ مُخْتَارٌ، وَكَهَنُوتٌ مُلُوكِيٌّ، أُمَّةٌ مُقَدَّسَةٌ، شَعْبُ اقْتِنَاءٍ، لِكَيْ تُخْبِرُوا بِفَضَائِلِ الَّذِي دَعَاكُمْ مِنَ الظُّلْمَةِ إِلَى نُورِهِ الْعَجِيبِ. الَّذِينَ قَبْلاً لَمْ تَكُونُوا شَعْباً، وَأَمَّا الآنَ فَأَنْتُمْ شَعْبُ اللهِ. الَّذِينَ كُنْتُمْ غَيْرَ مَرْحُومِينَ، وَأَمَّا الآنَ فَمَرْحُومُونَ "( 1بطرس2/9-10 ).
وقول القديس بولس:" لِذَلِكَ اذْكُرُوا أَنَّكُمْ أَنْتُمُ الأُمَمُ قَبْلاً فِي الْجَسَدِ، الْمَدْعُوِّينَ غُرْلَةً مِنَ الْمَدْعُوِّ خِتَاناً مَصْنُوعاً بِالْيَدِ فِي الْجَسَدِ، . أَنَّكُمْ كُنْتُمْ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ بِدُونِ مَسِيحٍ، أَجْنَبِيِّينَ عَنْ رَعَوِيَّةِ إِسْرَائِيلَ، وَغُرَبَاءَ عَنْ عُهُودِ الْمَوْعِدِ، لاَ رَجَاءَ لَكُمْ وَبِلاَ إِلَهٍ فِي الْعَالَمِ . وَلَكِنِ الآنَ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ، أَنْتُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ قَبْلاً بَعِيدِينَ صِرْتُمْ قَرِيبِينَ بِدَمِ الْمَسِيحِ. "( أفسس2/11-13 ).
وأيضًا " لأَنَّنَا كُنَّا نَحْنُ أَيْضاً قَبْلاً أَغْبِيَاءَ، غَيْرَ طَائِعِينَ، ضَالِّينَ، مُسْتَعْبَدِينَ لِشَهَوَاتٍ وَلَذَّاتٍ مُخْتَلِفَةٍ، عَائِشِينَ فِي اَلْخُبْثِ وَاَلْحَسَدِ، مَمْقُوتِينَ، مُبْغِضِينَ بَعْضُنَا بَعْضاً . وَلَكِنْ حِينَ ظَهَرَ لُطْفُ مُخَلِّصِنَا اَللهِ وَإِحْسَانُهُ ـ لاَ بِأَعْمَالٍ فِي بِرٍّ عَمِلْنَاهَا نَحْنُ، بَلْ بِمُقْتَضَى رَحْمَتِهِ - خَلَّصَنَا بِغَسْلِ اَلْمِيلاَدِ اَلثَّانِي وَتَجْدِيدِ اَلرُّوحِ اَلْقُدُسِ، اَلَّذِي سَكَبَهُ بِغِنًى عَلَيْنَا بِيَسُوعَ اَلْمَسِيحِ مُخَلِّصِنَا. "( تيطس3/3-6 ).
مما سبق نرى أن المقصود بالأمة الغبية هي الأمم وأي شعوب غير يهودية، الذين كانوا يعبدون الأوثان ودعاهم المسيح. كما أنه من المعروف تاريخيًا أن الله قد أدّب بني إسرائيل بأمّة بابل وأشور ثمّ بأمّة سوريا الهلينية، ثمّ أمّة الرومان وبعد صلب الرب يسوع المسيح، وحسب نبوّة الربّ يسوع المسيح دمّر الرومان الأمّة والدولة والهيكل ولم يبقَ فيه حجر على حجر عام 70 ميلاديّة، ولما جددوا الثورة
ــــــــــ
- 70-
133م سحقوهم ومنعوا أورشليم عليهم وغيروا حتّي اسمها فصارت إيلياء وصارت بلاد اليهوديّة مسيحيّة قبل الفتح الإسلامي الذي لم يفعل باليهود شيئًا في فلسطين لأنهم كانوا مشرّدين.
اعتراض : ويعترض الدكتور أحمد حجازي السقا قائلاً؛ أن بشارة المسيح كانت محصورة في اليهود فقط بدليل قول الإنجيل: " هَؤُلاَءِ الاِثْنَا عَشَرَ أَرْسَلَهُمْ يَسُوعُ وَأَوْصَاهُمْ قَائِلاً: إِلَى طَرِيقِ أُمَمٍ لاَ تَمْضُوا وَإِلَى مَدِينَةٍ لِلسَّامِرِيِّينَ لاَ تَدْخُلُوا. بَلِ اذْهَبُوا بِالْحَرِيِّ إِلَى خِرَافِ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ الضَّالَّةِ " ( متّي10/5-6 ) (3) .
ونقول لسيادته أنذ دعوة الرب يسوع المسيح في جوهرها هي للعالم أجمع والخليقة كلها. ولكن من خلال اليهود، كما قال الرب يسوع المسيح نفسه:" لأَنَّ الْخلاَصَ هُوَ مِنَ الْيَهُودِ " ( يوحنا4/22 ).
فلمّا جاء الرب يسوع المسيح أعد تلاميذه، من اليهود، ليكرزوا لليهود، أصحاب العهرد والمواعيد، " الَّذِينَ هُمْ إِسْرَائِيلِيُّونَ وَلَهُمُ التَّبَنِّي وَالْمَجْدُ وَالْعُهُودُ وَالاشْتِرَاعُ وَالْعِبَادَةُ وَالْمَوَاعِيدُ، وَلَهُمُ الآبَاءُ وَمِنْهُمُ الْمَسِيحُ حَسَبَ الْجَسَدِ الْكَائِنُ عَلَى الْكُلِّ إِلَهاً مُبَارَكاً إِلَى الأَبَدِ. آمِينَ . "( رومية9/4-5 )، أولاً ثمّ لبقية الأمم، ولكن على أساس جوهري هو أن يكون الروح القدس قد حلّ عليهم حتى يتكلموا بما يقوله الروح علن ألسنتهم وبأفواههم " وَهَا أَنَا أُرْسِلُ إِلَيْكُمْ مَوْعِدَ أَبِي. فَأَقِيمُوا فِي مَدِينَةِ أُورُشَلِيمَ إِلَى أَنْ تُلْبَسُوا قُوَّةً مِنَ الأَعَالِي "( لوقا24/49 )، وقبل صعوده إلي السماء مباشرة قال لهم " لَكِنَّكُمْ سَتَنَالُونَ قُوَّةً مَتَى حَلَّ الرُّوحُ الْقُدُسُ عَلَيْكُمْ وَتَكُونُونَ لِي شُهُوداً فِي أُورُشَلِيمَ وَفِي كُلِّ الْيَهُودِيَّةِ وَالسَّامِرَةِ وَإِلَى أَقْصَى الأَرْضِ "( أعمال الرسل1/8 )، كما قال لهم أيضًا " فَاذْهَبُوا وَتَلْمِذُوا جَمِيعَ الأُمَمِ وَعَمِّدُوهُمْ بِاسْمِ الآبِ وَالاِبْنِ وَالرُّوحِ الْقُدُسِ "( متّي28/19 )،وأيضًا" اِذْهَبُوا إِلَى الْعَالَمِ أَجْمَعَ وَاَكْرِزُوا بِالإِنْجِيلِ لِلْخَلِيقَةِ كُلِّهَا. "(مرقس16/15).
أمّا قبل حلول الروح القدس فلم يسمح لهم إلا بالبشارة بين اليهود وفي إسرائيل فقط:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(3) تعليقه علي هامش كتاب ( هداية الحياري ) ص171.
ــــــــــ
- 71-
" بَلِ اذْهَبُوا بِالْحَرِيِّ إِلَى خِرَافِ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ الضَّالَّةِ "( متّي10/6 )، لكي يكون ذلك شهادة عليهم وعلى رفضهم له، كقول الكتاب " إِلَى خَاصَّتِهِ جَاءَ وَخَاصَّتُهُ لَمْ تَقْبَلْهُ. وَأَمَّا كُلُّ الَّذِينَ قَبِلُوهُ فَأَعْطَاهُمْ سُلْطَاناً أَنْ يَصِيرُوا أَوْلاَدَ اللَّهِ أَيِ الْمُؤْمِنُونَ بِاسْمِهِ. اَلَّذِينَ وُلِدُوا لَيْسَ مِنْ دَمٍ وَلاَ مِنْ مَشِيئَةِ جَسَدٍ وَلاَ مِنْ مَشِيئَةِ رَجُلٍ بَلْ مِنَ اللَّهِ. "( يوحنا1/11-13 ).
ثالثًا : لم يكن العرب عند ظهور الإسلام بمثل هذا الغباء الديني الذي وصفهم به هؤلاء الكتاب ولم يكونوا جميعهم يعبدون الأصنام بل كان الكثيرون منهم يعبدون الله مثل النصارى واليهود والحنفاء؛ فقد كان النصارى منتشرين بغزارة في كل أطراف الجزيرة العربية كالعربية الغربية والجنوبية والشرقية وبلاد الشام والعراق واليمن ونجران وقبائل بهراء وغسان وسليح وتنوخ وقوم من كندة وكذلك يثرب ومكة، بل وكان في مكة جالية كبيرة كثيرة العدد من العبيد عُرفوا بالأحابيش وبين هؤلاء عدد كبير من النصارى. وقال اليعقوبي في تأريخه " وأما من تنصر من أحياء العرب، فقوم من قريش من بني أسد بن عبد العزي، منهم عثمان بن الحويرث بن أسد بن عبد العزيّ، وورقة بن نوفل بن أسد. ومن بني تميم: بنو أمرئ القيس بن زيد مناة،ومن ربيعة: بنو تغلب، ومن اليمن: طئ ومذحج وبهراء وسليح وتنوخ وغسان ولخم" (4) .
كانت اليهودية أيضًا منتشرة في الجزيرة العربية مثل يثرب ( المدينة المنورة ) واليمن واليمامة والعروض ومكه ووادى القرى وتيماء وخيبر والكثير من القري ومواضع المياه والعيون...إلخ (5) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(4) تأريخ اليعـقوبي ج1:7، و" المفصل فى تاريخ العرب قبل الإسلام" للدكتور جواد عـلي ج6ص582-612.
(5) المفصل ص511-522.
ــــــــــ
- 72-
كما كان هناك الكثير من الحنفاء أو الأحناف الذين نعتوا بأنّهم كانوا على دين إبراهيم ولم يكونوا يهودًا ولا نصارى، ولم يشركوا بربهم أحدًا، وسفّهوا عبادة الأصنام، وسفّهوا رأى القائلين بها، وحرموا الأضاحي التي تُذبح لها وعدم أكل لحومها، وحرّموا الربا، وحرّموا شرب الخمر ووضعوا حدًا لشاربها، وحرّموا الزنا ووضعوا حد مرتكبيه، وقاموا بالاعتكاف في غار حراء في شهر رمضان، والإكثار من عمل البر وإطعام المسكين، وكذلك قطع يد السارق، وتحريم أكل الميتة والدم ولحم الخنزير، والنهي عن وأد البنات وتحمل تكاليف تربيتهن، والصوم، والإختتان، والغُسل من الجنابة، والإيمان بالبعث والنشور والحساب وأن من يعمل صالحًا يدخل الجنة ومن يعمل سوءًا فإلى السعير. أي أنهم آمنوا بالإله الواحد ودعوا إلي عبادته وحده لا شريك له. (6) .
وكانت الحنيفية هي المفضّلة عند نبي المسلمين، قبل الإسلام، فقد نُسب إليه قوله " لم أبعث باليهودية ولا يالنصرانية، ولكنّي بُعثت بالحنيفية السمحة " (7) . "بُعثت بالحنيفية السمحة السهلة " (8) . و " أحب الأديان إلى الله تعالى الحنيفية السمحة " (9) . وكما يقول د. جواد علي " فقد وردت لفظة ( حنيفًا ) في عشر مواضه فى القرآن الكريم، ووردت لفظة ( حنفاء ) فى موضعين منه " (10) .
وليس ذلك فقط بل لم كن بقية العرب بعيدين عن عبادة الله فقد كانوا جميعهم
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(6) الجذور التاريخية ص 23- 26 .
(7) مسند ابن حنبل؛ ج 4 : 16 ا وج 6: 33.
(8) اللسان؛ ج 9 : 56 وما بعدها.
(9) مجمع البيان للطبرسي ج1 : 215 .
(10) المفصّل؛ ج6 ص450و451. أنظر علي سبيل المثال: " مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيّاً وَلاَ نَصْرَانِيّاً وَلَكِن كَانَ حَنِيفاً مُّسْلِماً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ " (آل عمران67)، " قُلْ صَدَقَ اللّهُ فَاتَّبِعُواْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ "( آل عمران95)،" إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفاً وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ " (الأنعام79)، " قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ دِيناً قِيَماً مِّلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ " (الأنعام161)، " وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ " (يونس105)، " حُنَفَاء لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاء فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ " ( الحج31).
ــــــــــ
- 73-
يعبدون الله الواحد وإن كانوا يضعون معه الأصنام كشفعاء ولكنهم آمنوا أنّها كانت ملك لله وتحت تصرّفه، فهو وحده الخالق الذى لا شريك له، ومن ثمّ كانوا يقولون في تلبيتهم " لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك إلا شريك هو لك، تملكه وما ملك". وكان تلبة كندة وحضرموت: " لبيك لا شريك لك، تملكه، أو تهلكه، أنت حكيم فأتركه ". وكان يحجون لله كقول الشاعر " نحج للرحمان عجبًا مستترًا مضببًا محجبًا" (11) . ويقول د. جواد على " والتلبية هى من الشعائر التي أبقاها الإسلام، غير أنه غيّر صيغتها القديمة بما يتفق مع عقيدة التوحيد. فصارت على هذا النحو:" لبيك اللهم لبيك، لا شريك لك لبيك، إن الحمد لك والنعمة لك والملك لا شريك لك" (12) .
بل وكان هؤلاء العرب يعظمون البيت الحرام ( الكعبة ) والبلد الحرام، وكذلك الحج والعمرة، وكما يقول خليل عبد الكريم " وجاء الإسلام وورث من العرب ( قبله ) هذه الفريضة بذات المناسك ونفس التسميات ولكنه طهّرها من مظاهر الشرك" (13) .
وكذ´لك تقديس شهر رمضان وتحريم الأشهر الحرم، وتعظيم إبراهيم وإسماعيل، والاجتماع العام يوم الجمعة....ألخ.
فكيف يقولون بعد ذلك أنّ العرب كانوا يعيشون في ظلام وجهل وهم الذين كانوا يعبدون الله سواء كيهود أو مسيحيّين أو حنفاء أو حتى كمشركين يقرّون بالله الواحد خالق كل شيء في السموات والأرض وإن كانوا قد أشركوا به أصنام اعتبروها ملك له وحده يبقيها أو يهلكها فهو وحده الذي بيده أمر كلّ شيء.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(11) اليعقوبي ج1: 225 وما بعدها.
(12) صحيح البخاري، كتاب الحج، الحديث 31 وما بعده، " المفصل...." ج6 ص 379 وص 375-378.
(13) الجذور التاريخية... خليل عبد الكريم، ص17.
ــــــــــ
- 74 -
1- مجيء الرب من سيناء وإشراقه من سعير وتلألوه من فاران:
قبل موت موسى النبي مباشرة أخذ يبارك أسباط إسرائيل الإثنى عشر ويذكّرهم بأعمال الله العظيمة التي عملها معهم طوال رحلة الخروج من مصر، ويعرّفهم بماهيّة الرب ( يهوه ?????? ) مانح البركة ثم يقدم لهم في الإصحاح الـ 33 بركة فردية خاصة لكل سبط من أسباط إسرائيل الإثنى عشر، ويبدأ الإصحاح بقوله " وَهَذِهِ هِيَ البَرَكَةُ التِي بَارَكَ بِهَا مُوسَى رَجُلُ اللهِ بَنِي إِسْرَائِيل قَبْل مَوْتِهِ، فَقَال: " جَاءَ الرَّبُّ ( يهوه ?????? ) مِنْ سِينَاءَ وَأَشْرَقَ ( يهوه ?????? ) لهُمْ مِنْ سَعِيرَ وَتَلأْلأَ ( يهوه ?????? ) مِنْ جَبَلِ فَارَانَ وَأَتَى مِنْ رَبَوَاتِ القُدْسِ ( ???????? ????? - مربيبوت قودش ) وَعَنْ يَمِينِهِ نَارُ شَرِيعَةٍ لهُمْ. " ( تثنية33/1-2 ).
وموسى النبي، في هذه الآيات، يذكّر بني إسرائيل بتجلّي الله لهم في رحلة الخروج من مصر إلى أرض كنعان في هذه المناطق الثلاث التي تقع جميعها في طريق هذه الرحلة، أي فيما بين مصر وفلسطين. ومن ثمّ فهي لا تمثّل نبوّة مستقبلية ولا تشكّل بركة قادمة، وإنما تذكّر بعمل الله معهم طوال رحلة الخروج التي استمرت 40سنة!! وهذا أسلوب مُعْتاد في الكتاب المقدّس يذكّر الله به شعبه مُؤَكدًا أنّه إله حيّ يتدخّل في التاريخ ويُظهر نفسه لهم، وعلى سبيل المثال يقول المرنّم " لأَنَّهُ هُوَ إِلَهُنَا وَنَحْنُ شَعْبُ مَرْعَاهُ وَغَنَمُ يَدِهِ. الْيَوْمَ إِنْ سَمِعْتُمْ صَوْتَهُ، فَلاَ تُقَسُّوا قُلُوبَكُمْ كَمَا فِي مَرِيبَةَ مِثْلَ يَوْمِ مَسَّةَ فِي الْبَرِّيَّةِ، حَيْثُ جَرَّبَنِي آبَاؤُكُمُ. اخْتَبَرُونِي. أَبْصَرُوا أَيْضاً فِعْلِي " ( مزمور95/7-9 ). ومريبة في سيناء هي المكان الذي تمرّد فيه الشعب على موسى وهارون وأظهر الله مجده بأنْ أخرج لهم من الصخرة ماء " هَذَا مَاءُ مَرِيبَةَ حَيْثُ خَاصَمَ بَنُو إِسْرَائِيل الرَّبَّ فَتَقَدَّسَ فِيهِمْ "( عدد20/13 ).
(1) ويقول الكتاب عن تجلّى الربّ لهم فى سيناء " وَكَانَ جَبَلُ سِينَاءَ كُلُّهُ يُدَخِّنُ مِنْ
ــــــــــ
- 75 -
أَجْلِ أَنَّ الرَّبَّ نَزَلَ عَلَيْهِ بِالنَّارِ وَصَعِدَ دُخَانُهُ كَدُخَانِ الأَتُونِ وَارْتَجَفَ كُلُّ الْجَبَلِ جِدّاً. فَكَانَ صَوْتُ الْبُوقِ يَزْدَادُ اشْتِدَاداً جِدّاً وَمُوسَى يَتَكَلَّمُ وَاللهُ يُجِيبُهُ بِصَوْتٍ. وَنَزَلَ الرَّبُّ عَلَى جَبَلِ سِينَاءَ إِلَى رَأْسِ الْجَبَلِ وَدَعَا اللهُ مُوسَى إِلَى رَأْسِ الْجَبَلِ. فَصَعِدَ مُوسَى. " ( خروج19/18-20 ).
(2) وعن تجلّيه من سعير تقول دبّورة النبيّة فى سفر القضاة " يَا رَبُّ بِخُرُوجِكَ مِنْ سَعِيرَ, بِصُعُودِكَ مِنْ صَحْرَاءِ أَدُومَ, الأَرْضُ ارْتَعَدَتِ. السَّمَاوَاتُ أَيْضاً قَطَرَتْ. كَذَلِكَ السُّحُبُ قَطَرَتْ مَاءً. تَزَلْزَلَتِ الْجِبَالُ مِنْ وَجْهِ الرَّبِّ, وَسِينَاءُ هَذَا مِنْ وَجْهِ الرَّبِّ إِلَهِ إِسْرَائِيلَ " ( قضاة5/4-5 ).
2- أين هو الموقع الحقيقي لفاران؟:
وبالرغم من وضوح المعنى والقصد في الآيات السابقة إلا أن بعض الكتاب من الأخوة المسلمين قالوا أن " مجيئه من سيناء يعني إعطاؤه التوراة لموسى، وإشراقه من سعير يعني إعطاؤه الإنجيل لعيسي، وتلكؤه من فاران يعني إنزاله القرآن على نبي المسلمين، لأن فاران من جبال مكّة " (1) !! وقال أحد هؤلاء الكتاب " لكن تذكر التوراة أيضًا أنّ إسماعيل قد نشأ في بريّة فاران ( تكوين21/21 ) ومن المعلوم تاريخيًا أنه نشأ في مكة المكرمة في الحجاز" (2) !! وقد إختلف هؤلاء الكتاب في تحديد موقع فاران ولم يتفقوا على شيء:
1- فقال الشيخ رحمة الله الهندي فاران جبل بمكة؛ " استعلانه من جبل فاران تعنى إنزاله القرآن لأن فاران جبل من جبال مكة " (3) !! هكذا دون توثيق !!
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) أنظر كتاب " الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح " لابن تيمية ج3 ص300، و " الكنز المرصود في قواعد التلمود " تقدم د. أحمد حجازي السقا ص86-89. وذلك إلى جانب بقية الكتب والمواقع الموضوعة على الإتنرنت التي سبق الإشارة إليها في الفصول السابقة!!
(2) د. منقذ بن محمود السقار، بنوءة موسى عن البركأ الموعودة في أرض فاران.
http/saaid.net/Doat/mongiz/noor/5-11.htm
(3) إظهار الحق ص517.
ــــــــــ
- 76 -
2 - وقال محمد الشرقاوى أنها بلاد الحجاز نفسها؛ " فاران هي بلاد الحجاز التي هاجر إليها إبراهيم وولد فيها النبى " (4) !! ولم يذكر لنا خريطة تدل على ذلك!!
3 - ولما وجد إبراهيم خليل أحمد أنه لا يوجد لا جبل ولا بلد في بلاد الحجاز تُسمّي باسم فاران قال أنها مجرد مجاز " فاران مجاز عن الأرض التي سكن فيها جد الرسول الكريم سيدنا إسماعيل " (5) !!
4 - وقال بشري زخارى أنها بريّة من جبال مكة " فاران برية بين ثلاث جبال بمكة هي أبو قيس وقيعان وجبل حراء وفيها سكن إسماعيل" (6) !! وليلته يدلّنا على خريطة واحدة أو مرجع واحد يثبت صحة مزاعمه!!
5 - وعندما وجد د. السقا أن هذه الاستنتاحات غير مجدية فقد حاول تأويلها بقوله أنّ فاران سُكنى بنى إسماعيل وحيث أنّ إسماعيل له بركة وقد ظهر في بني إسماعيل نبي في مكان سّكناه وانتشر دينه شرقًا وغربًا فيكون المعنى بالتلألؤ من جبل فاران يُشير إلى بدء بركته (7) !!
6- وقال أبو عبيد الله القضاعي في كتابه تخطيط مصر أنّ فاران، والطور كورتان من كور مصر القبلية، وفاران من قرى صفد سمرقند ويُنسب إليها أبو منصور الفاراني. [ تخطيط مصر للقضاعي ]. ولم يقلْ أنّ فاران جبل في مكة إلا ياقوت في كتابه [ المشترك وضعًا والمختلف صقعًا ] " فاران اسم جبال مكة. وقيل اسم جبال الحجاز. وقال أبو عببيد القضاعي في كتاب [ خطط مصر ]: وفاران
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(4) محمد الشرقاوى؛ كتاب " محمد في بشارات الأنبياء " ص24.
(5) كتاب " محمد في بشارات الأنبياء ص 38.
(6) كناب " محمد رسول الله " هامش ص 63.
(7) كتاب " نبوه محمد " ص 63-64. والغريب أنه ينقل عن ابن تيمية قوله " وليس بين المسلمين وأهل الكتاب خلاف في أن " فاران " هي مكة"!! " الكنز المرصود في قواعد التلمود "، ص87 و" معركة هرمجدون ونزول عيسي والمهدي المنتظر" ص32. و" الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح " لابن تيمية، ج 3ص300. وهنا نسأل الناقل والمنقول عنه: متى وأين وفي أي مرجع قال أهل الكتاب أن فاران هي مكة؟!! ليتهما يدلونا على ذلك!
ــــــــــ
- 77 -
والطور كورتان من كور مصر القبلية. وفاران أيضًا من قري صفد سمرقند، يُنسب إليها أبو منصور الفارابي " ومع ذلك لم يحدد يقينًا ذلك، إذ أنه قال: أن فاران موجودة في أربعة محلات وهي مكة والحجاز ومصر وبلاد فارس!! ومع ذلك تؤكد الآيات الكتابية التي وردت فيها كلمة فاران أنّها تقع فيما بين مصر وفلسطين بالقرب من ايلات الحالية وتبعد عن مكة بحوالي 500 كيلو متر (8) !!
7- بل وقد جاء في كتاب معجم البلدان أنّ اسم ( فيران، فيرن، فارايان،فاران ) كلها أسماء مختلفة لجبل واحد يقع في المنطقة ما بين مصر والشام وعلى الأرجح في فلسطين (9) .
3- موقع فاران حسب المراجع الجفرافية والكتاب المقدس:
وعن موقع فاران يقول الكتاب أنها تقع على الطريق بين مصر وفلسطين، بالقرب من سعير وبجوار مصر " فَارْتَحَل بَنُو إِسْرَائِيل فِي رِحْلاتِهِمْ مِنْ بَرِّيَّةِ سِينَاءَ فَحَلتِ السَّحَابَةُ فِي بَرِّيَّةِ فَارَانَ " ( عدد10/12 )، " وَسَكَنَ فِي بَرِّيَّةِ فَارَانَ . وَأَخَذَتْ لَهُ أُمُّهُ زَوْجَةً مِنْ أَرْضِ مِصْرَ ." ( تكوين21/21 )، " وَبَعْدَ ذَلِكَ ارْتَحَل الشَّعْبُ مِنْ حَضَيْرُوتَ وَنَزَلُوا فِي بَرِّيَّةِ فَارَانَ " ( عدد12/16 )، أي في رحلتهم من مصر إلى كنعان،" فَأَرْسَلهُمْ مُوسَى مِنْ بَرِّيَّةِ فَارَانَ حَسَبَ قَوْلِ الرَّبِّ . كُلُّهُمْ رِجَالٌ هُمْ رُؤَسَاءُ بَنِي إِسْرَائِيل "(عدد13/3)، " فَسَارُوا حَتَّى أَتُوا إِلى مُوسَى وَهَارُونَ وَكُلِّ جَمَاعَةِ بَنِي إِسْرَائِيل إِلى بَرِّيَّةِ فَارَانَ إِلى قَادِشَ " ( عدد13/26 )، " هَذَا هُوَ الكَلامُ الذِي كَلمَ بِهِ مُوسَى جَمِيعَ إِسْرَائِيل فِي عَبْرِ الأُرْدُنِّ فِي البَرِّيَّةِ فِي العَرَبَةِ قُبَالةَ سُوفٍَ بَيْنَ فَارَانَ وَتُوفَل وَلابَانَ وَحَضَيْرُوتَ وَذِي ذَهَبٍ " ( تثنية1/1 )، " وَمَاتَ صَمُوئِيلُ فَاجْتَمَعَ جَمِيعُ إِسْرَائِيلَ وَنَدَبُوهُ وَدَفَنُوهُ فِي بَيْتِهِ فِي الرَّامَةِ. وَقَامَ دَاوُدُ وَنَزَلَ إِلَى بَرِّيَّةِ فَارَانَ "( 2صموئيل25/1 )، " وَقَامُوا مِنْ مِدْيَانَ وَأَتُوا إِلَى فَارَانَ وَأَخَذُوا مَعَهُمْ رِجَالاً مِنْ فَارَانَ وَأَتُوا إِلَى مِصْرَ "( 1ملوك11/18 ).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(8) كتاب " مدخل إلى الحوار الإسلامي المسيحي " الأب يوسف الدرة حداد، ص348.
(9) " معجم شبه جزيرة العرب" أبو الفدا، في المؤرخ ج5 ص98.
ــــــــــ
- 78 -
وجاء فى قاموس الكتاب المقدس أن فاران هى " برية واقعة إلى جنوب يهوذا ( 1صموئيل25/1-5 ) وشرق برية بئر سبع وشور ( تكوين21/14و21 وقابل 25/9و12-18و28/9 ) بين جبل سيناء (والأصح بين حضيروت الواقعة على مسيرة أيام من سيناء) وكنعان ( عدد10/12و12/16 ). وكانت فيها قادس ( عدد 13/26 ) وبطمة فاران أو أيْلة (إيلات اليوم) على البحر الأحمر التي تقع غربي العقبة ( تكوين14/6 ). كما كانت تشمل برية صين أو كانت مندمجة فيها دون حد معين يفصل بينهما ( قابل عدد13/26مع20/1 ). وجميع هذه المعلومات تشير إلى السهل المرتفع أو الأرض الجبلية ( تثنية23/2وحب3/3 ) الواقعة إلى جنوب كنعان تحيط بها من الجهات الأخرى برية شور وسلسلة الجبال المعروفة بجبل التيه ووادي العربة. وفي هذه البرية تنقل بنو إسرائيل 38 سنة. ومعظمها على ارتفاع يتراوح بين 2000 و 2500 قدم عن سطح البحر. (10)
خريطة لِبرّيّة فـاران
وجاء في دائرة المعارف الكتابية (11) " فاران"، ومعناها " موضع المغاير"، وهي بريّة شاسعة في أقصى جنوبي فسطين، بالقرب من قادش برنيع. ويرجّح كثيرون من العلماء أنّها كانت تقع في الشمال الشرقي من شبه جزيرة سيناء. ويقول آخرون إنها هي " برّية التيه " في وسط هضبة سيناء. ويقول " بينو روتنبرج " ( Rothenberg Beno ) في كتابه " برّيّة الله "، إنّ " برّيّة فاران " كان الإسم القديم لكلّ شبه جزيرة سيناء في العصور الكتابية ".
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(10) أنظر قاموس الكتاب المقدس والموسوعة المسيحية العريبة الإليكترونية، كلمة " فاران".
(11) دائره المعارف الكتايبة ج 6ص1و2.
ــــــــــ
- 79 -
4- أين تقع سعير؟
يذكر الكتاب المقدس سعير بأنها أرض الحوريين " وَالْحُورِيِّينَ فِي جَبَلِهِمْ سَعِيرَ إِلَى بُطْمَةِ فَارَانَ الَّتِي عِنْدَ الْبَرِّيَّةِ " ( تكوين14/6 ). وهم، الحوريين، أحد القبائل التي سكنت في محيط بحر الملح أو البحر الميت. ويقول لنا أنّها واقعة في أرض الأدوميّين التي منحها الرب لعيسو " وَأَرْسَلَ يَعْقُوبُ رُسُلاً قُدَّامَهُ إِلَى عِيسُوَ أَخِيهِ إِلَى أَ رْضِ سَعِيرَ بِلاَدِ أَدُومَ " ( تكوين32/3 )، " فَسَكَنَ عِيسُو فِي جَبَلِ سَعِيرَ .( وَعِيسُو هُوَ أَدُومُ ) "( تكوين36/8 )، " وَأَوْصِي الشَّعْبَ قَائِلاً: أَنْتُمْ مَارُّونَ بِتُخُمِ إِخْوَتِكُمْ بَنِي عِيسُو السَّاكِنِينَ فِي سَعِيرَ فَيَخَافُونَ مِنْكُمْ. فَاحْتَرِزُوا جِدّاً "(تثنية2/4)، وهي تقع في الجزء الشرقي مقابل صحراء العربة ببن البحر الميّت وإيلات علي البحر الأحمر " أَحَدَ عَشَرَ يَوْماً مِنْ حُورِيبَ عَلى طَرِيقِ جَبَلِ سَعِيرَ إِلى قَادِشَ بَرْنِيعَ " (تثنية1/2)، " ثُمَّ تَحَوَّلنَا وَارْتَحَلنَا إِلى البَرِّيَّةِ عَلى طَرِيقِ بَحْرِ سُوفَ كَمَا كَلمَنِي الرَّبُّ وَدُرْنَا بِجَبَلِ سَعِير َ أَيَّاماً كَثِيرَةً " ( تثنية2/1 )، " فَعَبَرْنَا عَنْ إِخْوَتِنَا بَنِي عِيسُو السَّاكِنِينَ فِي سَعِيرَ عَلى طَرِيقِ العَرَبَةِ عَلى أَيْلةَ وَعَلى عِصْيُونَِ جَابِرَ ثُمَّ تَحَوَّلنَا وَمَرَرْنَا فِي طَرِيقِ بَرِّيَّةِ مُوآبَ " ( تثنية2/8 ). أي أنها تقع في الجزء الشرقي من البلاد فيما يًُسمّى الآن بالأردن وهذا ينفي كونها هي فلسطين، بل الأردن، وينفي الزعم بأنّ الوحي نزل على المسيح فيها!!
إذًا فنصّ الآيات المذكورة لا يُشير لا إلى التوراة ولا الإنجيل ولا القرآن إنّما يصف، بأسلوب شعري، رحلة الخروج من مصر إلى أرض كنعان، بقيادة الله لشعبه، في الطريق من سيناء، إلي سعير، إلي فاران، إلي فلسطين، ولم يذهب الشعب في هذه الرحة مطلقًا إلى مكّة أو الحجاز، كما يذكر الكتاب أن داود " وَقَامَ دَاوُدُ وَنَزَلَ إِلَى بَرِّيَّةِ فَارَانَ " ( 2صموئيل1/25؛1ملوك11/18 )، ولا يذكر الكتاب مطلقًا أنّ داود غادر فلسطين إلي الحجاز!! إنما يُذَكّر نصّ الآيات، بما فعله الله مع شعب إسراثيل.
القرينة هنا تدل على أن موسى في كلامه على هذه المواضع يذكّر بني إسرائيل كيف أضاء مجد الله إلي مسافات بعيدة عندما كانوا ضاربين خيامهم عند جبل سيناء،
ــــــــــ
- 80 -
وتبين لنا الخرائط الجغرافية أنّ سيناء وسعير وفاران ثلاثة جبال متجاورة واقعة في شبه جزيرة سيناء وجنوب الأردن على بعد مئات من الأميال من مكة، كما بيّنا أعلاه، وكما هو مبيّن في الخريطة التي أمامنا، فضلاً على أن الذي جاء هو الرب ( يهوه ?????? ) وهو اسم الله ولا يُطلق على بشر.
هاتان الخريطتان توضّحان مسار خروج بني إسرائيل من مصر عبر البحر الأحمر ثم بمحازاته جنوبًا حتّي موقع جبل حوريب في سيناء، وصعودًا إلي برّيّة فاران، ثم قادش، ثم جبال سعير، وجنوبًا مرّة أخري إلي إيلات، فصعودًا في أرض الأموريّين، وأخيرًا، العمونيّين، فجبل نيبو ووفاة موسي. ومنها نتبيّن، بدون أدني شكّ، بأنّ رحلة العبرانيّين من مصر إلي فلسطين لم تتعدّي سيناء والقسم الجنوبيّ من أرض فلسطين والأردن حاليًا. |
ــــــــــ
- 81 -
كما أنه لا يوجد موقع لأي مكان في الجزيرة العربية على الإطلاق يُدعى فاران، ولا يُوجد اسم فاران على أي خريطة لشبه الجزيرة العربية مطلقًا!! وإلا فليدلونا عليها!!
أمّا الربط بين قول التوراة أنّ إسماعيل عاش في برية فاران والتقليد الإسلامي القائل بأنّه عاش في الحجاز، فهذه مسألة أخرى تخصّ أصحابها.
5- ما المقصود بربوات القدس أو قديسيه:
نقل بعض هؤلاء الكتاب نصّ الآية محرفًا كالآتي؛ " " جاء نور الرب من سيناء وأشرق لهم من ساعير، وتلألأ من جبل فاران وجاء معه عشرة آلاف قديس، والشريعة المشعّة بيده ]… ففي الكلمات شبه نور الرب بنور الشمس " إنه يأتي من سيناء ويشرق من ساعير) ولكنه تلألأ بالمجد من ( فاران ) حيث يظهر مع عشرة آلاف قديس ( مؤمن ) ويحمل الشريعة بيده اليمني " (12) . وتقول الدكتورة مها محمد أنّ هذا يعني دخول نبي المسلمين مكة مع عشرة آلاف قديس ( مؤمن ) وجاء بنور الشريعة إلى شعبه وتستشهد بما جاء في كتاب ( السيرة النبوية وأخبار الخلفاء للإمام الحافظ أبي حاتم بن أحمد التميمي المتوفي 354هـ الطبعة الثالثة صفحة 326) والذي كتب عن دخول نبي المسلمين مكة ومعه عشرة آلاف من المسلمين (13) . وقد ركزت د. مها على ترجمة King James والتي نقلتها كالآتي:
“He shined forth from mount Paran , and he came with ten thousands of saints from his right hand went a fierly” (14)
وقامت بعمل مقارنات لمحاولة إثبات أن المقصود في الآية ليس هو عشرات الآلاف بل عشرة آلاف فقط (15) !! ولكن لا نصّ الآية ولا ترجمة الملك جيمس تفيدها أو تفيد البروفيسور عبد الأحد فى شىء!! فقد جاء نص الآية فى أصله العبري وترحمته الإنجلبزية كالآتي:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(12) كتاب " محمد ... في كتب اليهود والنصارن " للبروفيسور عبد الأحد داود ص10.
(13) كتاب " هيمنة القرآن المجيد على ما جاء في العهد القديم والجديد " ص106.
(14) المرجع السابق ص105.
(15) المرجم السابق ص107.
ــــــــــ
- 82 -
“The Lord came from Sinai and dawned over them from Seir; He shone forth from Mount Paran . He came from myriads ( 16 ) of holy ones from his right hand went a fierly”
مع ملاحظة أنّ عبارة " holy ones " هي حرفيًا " holy one " ، " ????? – قودش = قدس أو مقدس ". ومن ثمّ فترجمة النص العبري إلى العربية حرفيًا هو " أَقْبَلَ الرَّبُّ مِنْ سِينَاءَ، وَأَشْرَفَ عَ لَيْهُمْ مِنْ سَعِيرَ، وَتَجلّيَ مِنْ جَبَلِ فَارَانَ؛ وَأَتَى مِنْ رُبَي القُدْسِ وَعَنْ يَمِينِهِ نَارُ مُشْتَعَلَة " . وجاءت الآية الأخيرة في الترجمة اليونانية السبعينيه هكذا:
“ ... with the ten thousands of Cades (saints); on his right hand were his angels with him” ( 17 )
وترجمتها " مَعَ عَشَرَات الألوف من القديسين؛ عَنْ يَمينه ملائكته معه ".
ولم يرد لا في النص الأصلي ولا في أي ترجمة من الترجمات كلمة " نور " التي أضافوها في عبارة " جاء الرب " والتي جعلوها " جاء نور الرب "!! ولا عبارة " الشريعة المشعة بيده "، وكذلك إضافتهم لكلمة " بالمجد " في عبارة " تلألأ بالمجد من ( فاران )"!! بل هي كلمات وضعوها من عندهم هم!!
أما عبارة " " التى بذلت الدكتورة جهودًا لمحاولة إثبات أنها " عشرة آلاف " فقط؛ فقد تعبت دون جدوى، فقد جاءت العبارة في اللغة العبرية ( ???????? ????? - مربيبوت قوديش )، وكلمة " ?? – مي " تعني " من "، وكلمة " ?????? – ربيبوت = ربوات " من " ?????? - RBBH – rebabah - ربوه " (18) ، وجاءت فى الترجمة السبعينية " muriaisi – " (19) ومعناها أيضًا " ربوات "،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(16) NIV & John R. Kohlenberger III Interlinear Hebrew English Old Testament, p. 583.
(17) Sir Lancelot c.L. Brenton The Septuagint With Apocrypha: Greek And English p.287.
(1 8) Andy Bannister, The claim that Muhammad Is prophesied in Deuteronomy 33:2.
(19) The SeptUagint With Apocrypha: Greek And English p.287.
ــــــــــ
- 83 -
ونقلت في بعض الترجمات الإنجليزية ومنها الترجمة الدولية الحديثة ، " myriads " NIV ومعني كلمة " myriad " كما جاء فى " The Lexicon Webster Dictionary " (20) :
Indefinite, immense number; a multitude of things or people” “ : ten thousand
والربوة في العبرية كما جاءت في معاجم اللغة العبرية مثل ( Dictionary Young's Hebrew ) تعني " ten thousands, multitude, " عشرة آلاف أو عدد كبير " أمّا " ??????? " فتعني ربوات وعشرات الألوف، ومفردها " ?????? " ويعني " عشرة آلاف ". وبالتالي، فالكلمة كما جاءت هي " ربوات = عشرات الألوف "، وليس عشرة آلاف فقط!!.
ويحوّل د. منقذ السقار هؤلاء الآلاف الآتين من رُبَي القدس إلى " أطهار الملائكة "!! ويحول الملائكة إلى مجرد أتباع ليصل إلى ما يريد!! " فيقول " ومما يؤكّد أنّ الأمر متعلّق بنبوءة الحديث عن آلاف القديسين، والذين تسميهم أطهار الملائكة " أي أطهار الأتباع، إذ يطلق هذا اللفظ ويراد به: الأتباع، كما جاء في سفر الرؤيا أنّ ميخائيل وملائكته حاربوا التنّين، وحارب التنين وملائكته ( الرؤيا12/7 ). فمتى شهدت فاران هذه الألوف من الأطهار؟ "!!
ونقول لسيادته من أين أتيت بكلمة " الأطهار " التي لا وجود لها إلا في خيالك؟!!
ومن أين أتيت بالقول أن كلمة ملائكة تعني الأتباع؟!!
فكلمة ملاك في العبرية واليونانية تعني " رسول أو مرسل " والمقصود بها رسول روحي من السماء، كما أنّ الكلمة المترجمة " قديسين " هي " ????? – قودش = قدس أو مقدس " وهي تعني بالدرجة الأولي مكان أي القدس أو المقدس بدليل قوله " وأتي من" " ?? – مي" وليس " مع "، وهذا ما أتي في الترجمة العربية " وأتي من ربوات ( ربي ) القدس " وهو الأصحّ والأدقّ ، ولو سرنا مع الترجمة اليونانية التي ترجمتها " مع عشرات الألوف من القديسين؛ عن يمينه ملائكته معه" نجد أنها تتكلّم عن قديسين من القدس وعن ملائكته، رسل روحيين، من السماء وليس عن بشر!!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
The Lexicon Webster Dictionary, p. voL 1: 631 (20)
ــــــــــ
- 84 -
6- أين تقع منطقة تيمان ؟ وعلاقتها بتيماء؟
وجاء في سفر حبقوق قوله " اَللَّهُ جَاءَ مِنْ تِيمَانَ وَالْقُدُّوسُ مِنْ جَبَلِ فَارَانَ. سِلاَهْ. جَلاَلُهُ غَطَّى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضُ امْتَلأَتْ مِنْ تَسْبِيحِهِ. وَكَانَ لَمَعَانٌ كَـالنُّورِ. لَهُ مِنْ يَدِهِ شُعَاعٌ وَهُنَاكَ اسْتِتَارُ قُدْرَتِهِ. قُدَّامَهُ ذَهَبَ الْوَبَأُ وَعِنْدَ رِجْلَيْهِ خَرَجَتِ الْحُمَّى " ( حبقوق3/3-5 ).
وهنا قال بعض الكتاب من الأخوة المسلمين إن القدوس الذي أتى من جبل فاران هو نبي المسلمين وفي أحد أقوالهم يزعمون أنَّ " تيمان هي بلاد العرب، ومعني كلمة تيمان الصحراء الجنوبية لأنّها جنوب بلاد الشام ولا يزال إلي الآن علي طريق القوافل بين دمشق ومكة قرية تُسمّي تيماء ومعنى هذه الكلمة أيضًا الصحراء الجنوبية، وتيماء أيضًا اسم قبيلة إسماعيلية تسلّسلت من تيماء وكانت تقطن بلاد العرب كما في قاموس الكتاب المقدس (21) !!
ويقول نفس الكاتب " يتنبأ حبقوق بالرسول والرسالة وامتداد رقعة الإسلام فيوضّح سلسلة نسب الرسول بمنبت جده إسماعيل عليه السلام في أرض فاران، ثم يتحدث عن امتداد الإسلام... ثم يتحدّث عن الركع والسجود... ثم يتحدث عن الإعجاز للقرآن الكريم " (22) !!
ونقول لسيادته أن هناك فرقًا بين تيمان المذكورة في سفر حبقوق وتيماء التي يذكرها الكتّاب العرب ، فـ " تيمان " هو اسم لشخص: هو حفيد عيسو شقيق يعقوب ( أو إسرائيل ) ابن إسحق ابن إبراهيم وقد تَسَمّتْ المنطقة باسمه لأنّه كان أمير قبيلة.
يقول الكتاب في تسع آيات أخرى عن تيمان:
" هَذِهِ أَسْمَاءُ بَنِي عِيسُو: أَلِيفَازُ ابْنُ عَدَا امْرَأَةِ عِيسُو.... وَكَانَ بَنُو أَلِيفَازَ: تَيْمَانَ وَأَوْمَارَ وَصَفْواً وَجَعْثَامَ وَقَنَازَ " ( تكوين36/11 ).أي أنّ تيمان بن أليفاز بكر عيسو من زوجته الحيثية عَدَا.
" بَنُو أَلِيفَازَ: تَيْمَانُ وَأُومَارُ وَصَفِي وَجَعْثَامُ وَقِنَازُ وَتِمْنَاعُ وَعَمَالِيقُ . " ( 1أخبار1/36 ).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(21) أنظر كتاب " محمد في التوراة والإنجيل والقرآن " إبراهبم خليل أحمد، ص42.
(22) نفس المصدر؛ ص43 .
ــــــــــ
- 85 -
" هَؤُلاَءِ أُمَرَاءُ بَنِي عِيسُو: بَنُو أَلِيفَازَ بِكْرِ عِيسُو أَمِيرُ تَيْمَانَ وَأَمِيرُ أُومَارَ وَأَمِيرُ صَفْوٍ وَأَمِيرُ قَنَازَ " ( تكوين36/15 ).
كما يذكر أمير تيمان بين أمراء قبائل أدوم أي عيسو: " وَهَذِهِ أَسْمَاءُ أُمَرَاءِ عِيسُو حَسَبَ قَبَائِلِهِمْ وَأَمَاكِنِهِمْ بِأَسْمَائِهِمْ: ... وَأَمِيرُ قَنَازَ وَأَمِيرُ تَيْمَانَ وَأَمِيرُ مِبْصَارَ،.... هَؤُلاَءِ أُمَرَاءُ أَدُومَ حَسَبَ مَسَاكِنِهِمْ فِي أَرْضِ مُلْكِهِمْ. هَذَا هُوَ عِيسُو أَبُو أَدُومَ "( تكوين36/40-42؛ 1أخبار1/35 ).
كما كانت اسم مدينة أو قبيلة في الجزء الشمالي من أدوم " لِذَلِكَ اسْمَعُوا مَشُورَةَ الرَّبِّ الَّتِي قَضَى بِهَا عَلَى أَدُومَ وَأَفْكَارَهُ الَّتِي افْتَكَرَ بِهَا عَلَى سُكَّانِ تِيمَانَ . إِنَّ صِغَارَ الْغَنَمِ تَسْحَبُهُمْ. إِنَّهُ يَخْرِبُ مَسْكَنَهُمْ عَلَيْهِمْ. لِذَلِكَ هَكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ: وَأَمُدُّ يَدِي عَلَى أَدُومَ وَأَقْطَعُ مِنْهَا الإِنْسَانَ وَالْحَيَوَانَ, وَأُصَيِّرُهَا خَرَاباً . مِنَ التَّيْمَنِ وَإِلَى دَدَانَ يَسْقُطُونَ بِـالسَّيْفِ . " ( أرميا49/20؛ حزقيال25/13 )،
ويرى البعض أن موقعها الحالي هو " طويلان " على بعد ثلاثة أميال إلى الشرق من البتراء (23) .
أما تيماء( Tema ) ، والذي يخلط هؤلاء الكتاب بينها وبين تيمان، فهي غير تيمان وليست هي المقصودة في النبوة على الإطلاق!! فتيماء اسم عبري معناه " الجنوبي " وهو اسم أحد أبناء إسماعيل الإثنى عشر " هَذِهِ أَسْمَاءُ بَنِي إِسْمَاعِيلَ بِأَسْمَائِهِمْ حَسَبَ مَوَالِيدِهِمْ: نَبَايُوتُ بِكْرُ إِسْمَاعِيلَ وَقِيدَارُ وَأَدَبْئِيلُ وَمِبْسَامُ، وَمِشْمَاعُ وَدُومَةُ وَمَسَّا، وَحَدَارُ وَ تَيْمَاء وَيَطُورُ وَنَافِيشُ وَقِدْمَةُ. "( تكوين25/13-15؛ 1أخبار1/29-31 ) ، وأيضً اسم القبيلة التي جاءت منه " وَدَدَانَ وَ تَيْمَاءَ وَبُوزَ وَكُلَّ مَقْصُوصِي الشَّعْرِ مُسْتَدِيراً " ( أرميا25/13 )، واسم المكان الذي استوطنه نسله " نَظَرَتْ قَوَافِلُ تَيْمَاءَ . مَوَاكِبُ سَبَأٍ رَجَوْهَا....هَاتُوا مَاءً لِمُلاَقَاةِ الْعَطْشَانِ يَا سُكَّانَ أَرْضِ تَيْمَاءَ . " ( أيوب6/19؛ أشعيا21/14 ).
وتقع تيماء " في شمالي شبه الجزيرة العربية " وهي واحة واسعة تقع تقريبا في منتصف المسافة بين دمشق ومكة، وبين بابل ومصر. وكانت تقع على طريق القوافل القديم الذي كان يربط خليج العقبة بالخليج العربي، ومازالت أحد المراكز التجارية الهامة (24) . و لكن لا يو جد أية علاقة لها بتيمان المذكورة في هذه الآيات مطلقًا.
موقع تيماء ( Tema ) على طرق التجارة فى شمال الجزيرة العربية
7- من هو القدوس في هذه الآية ؟
لا يمكن بأى حال من الأحوال أن كون القدوس المشار إله في هذه الآية هو نبي المسلمين لأنّ اسم القدوس هو اسم من أسماء الله الذي أختصه لنفسه ( سواء في الكتاب المقدّس أو القرآن )، ولا يمكن نسبته لأى إنسان آخر مهما كان " هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ " ( الحشر23 )،
" يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ " ( الجمعة 1 ).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(23) دائرة المعارف الكتابية ج2: 414.
(24) السابق ص 413.
ــــــــــ
- 86 -
يستخدم هؤلاء الكتاب بعض الأسماء والصفات التي وردت في الكتاب المقدّس والتي تتشابه في نطقها مع " الحمد " أو التي تشتق من " الحمد " وينسبونها لنبي المسلمين لأن اسمه يُشتق من الحمد!! مثل كلمة " يهوذا "( تكوين49/9 ) والمشتقة من الحمد، و " مشتهيات " في ( نشيد الأنشاد5/16 ) والتي تنطق في العبرية مثل كلمة الحمد، و " مشتهي " في ( حجي2/7 ) من شهوة، وتنطق أيضًا، في العبربة، مثل الحمد!!
وهذه الصفات والأسماء في علم دلالات الألفاظ شبيهة بـ " حَمَدَ – Hamada "، ولكنها لا تعني أنها نبوّة عن نبي باسم " أحمد " أو " محمد ".
ولكن بعض الكتّاب من الإخوة المسلمين لهم رأيٌ آخر!! يقول البروفيسور عبد الأحد داود في تعليقه على ما جاء في ( حجي2/7 )؛ " وفي اللغة العبربة " حمد " تستعمل عادة لتعني " الأمنية الكبري " أو " المشتهى " أو " الشهية " أو " الشائق ". وقد جاءت في الوصية التاسعة من الوصايا العشر " لو تاهمود إيش رايخا " ومعناها " لا تشتهي زوجة جارك " وفي اللغة العبرية يأتي الفاعل " حِمِيدَا " من نفس الحرف الساكن " حِمْدْ " ومعناها " الحَمْد " وهكذا ". ثم أضاف " وهل هناك شيء أكثر من المدح أو حسن الأحدوثة يتوق إليه ويشتهية الإنسان أو يرغب فيه؟ وأيًا من المعنيين تختار، فإنّ الحقيقة الناصعة تبقى بأنّ كلمة " أحمد " هي الصيغة العربية لكلمة " حِمْد " هذا التفسير هو تفسير قاطع لا ريب ولا مراء فيه " (1) !!!
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) " محمد فى الكتاب المقدس" ص51.
ــــــــــ
- 87 -
وقد وردت كلمة " الحمد " في القرآن 38 مرّة و " محمودًا " مرّة واحدة، و " الحامدون " مرّة واحدة (2) .وبالرغم أنها جميعًا مشتقة من الحمد فلا يمكن أن نضع بدلاً منها اسم " أحمد" أو " محمد" !! أنظر مثلاً قوله:
" الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ " ( الفاتحة 2 )، فهل يمكن أن يضع أحد هنا كلمة " محمد " أو " أحمد " بدلاً من " الْحَمْدُ " ؟!!
" إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّداً وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ " ( السجدة 15 ). فهل يمكن أن يضع أحد هنا كلمة " محمد " أو " أحمد " بدلاً من " بِحَمْدِ " ؟!!
" وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ " ( الزمر 75 ). فهل يمكن أن يضع أحد هنا كلمة " محمد " أو " أحمد " بدلاً من " بِحَمْدِ " أو " الْحَمْدُ " ؟!!
" وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَّحْمُوداً " ( الإسراء 79 ). فهل يمكن أن يضع أحد هنا كلمة " مَّحْمُوداً " هنا تشير لنبي المسلمين ؟!!
" التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدونَ الآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ " ( التوبة 112 ). فهل يمكن أن يضع أحد هنا كلمة " محمد " أو " أحمد " في صيغة الجمع بدلاً من " الْحَامِدُونَ " ؟!!
والإجابة في كل هذه الأحوال كلا، بل ومستحيل، لأنه لا يمكن أن يستقيم المعنى على الإطلاق. وبنفس المنطق نقول لا تصلح الكلمات المأخوذة من الكتاب المقدس والمستخدمة بمثل هذه الطريقة للدلالة على أنها نبوة عن أحمد أو محمد.
وفيما يلي الآيات التي استخدمت لتشابهها مع أو اشتقاقها من الفعل " حمد ":
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(2) " المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم " وضعه محمد فؤاد عبد الباقي ص 217و218.
ــــــــــ
- 88 -
1- اسم يهوذا: جاء في ( تكوين49/8-10 )؛ " يَهُوذَا إِيَّاكَ يَحْمَدُ إِخْوَتُكَ. يَدُكَ عَلَى قَفَا أَعْدَائِكَ. يَسْجُدُ لَكَ بَنُو أَبِيكَ. يَهُوذَا جَرْوُ أَسَدٍ. مِنْ فَرِيسَةٍ صَعِدْتَ يَا ابْنِي. جَثَا وَرَبَضَ كَأَسَدٍ وَكَلَبْوَةٍ. مَنْ يُنْهِضُهُ؟، لاَ يَزُولُ قَضِيبٌ مِنْ يَهُوذَا وَمُشْتَرِعٌ مِنْ بَيْنِ رِجْلَيْهِ حَتَّى يَأْتِيَ شِيلُونُ وَلَهُ يَكُونُ خُضُوعُ شُعُوبٍ "
فقال هؤلاء الكتاب أنَّ هذه نبوّة عن نبي المسلمين لأنَّ كلمة " يهوذا " مشتقة من الفعل العبربي والذي يعني " الحمد " والذى يُترجم في اللغة العربية " أحمد "!!.
ولكن هذا الكلام غير منطقي ولا يفيد كنبوّة عن " أحمد "!! كما لا ينطبق على أحد غير يهوذا ذاته. فقد تسمّى يهوذا بهذا الاسم بناء على رغبة والدته ليئة زوجة يعقوب والذي كان يعني بالنسبة لها حمدًا وشكرًا لله. فقد دعت كل أودلاها الأربعة بأسماء لها دلالة خاصة بها هي شخصيًا، وذلك بسبب حبّ زوجها يعقوب لأختها وضرّتها راحيل وتفضيلها عليها. يقول الكتاب " َحَبِلَتْ لَيْئَةُ وَوَلَدَتِ ابْناً وَدَعَتِ اسْمَهُ رَأُوبَيْنَ ( ومعناها في العبرية " رأي بي أوني "، أي " رأي مذلّتي " ) لأَنَّهَا قَالَتْ: " إِنَّ الرَّبَّ قَدْ نَظَرَ إِلَى مَذَلَّتِي . إِنَّهُ الآنَ يُحِبُّنِي رَجُلِي". وَحَبِلَتْ أَيْضاً وَوَلَدَتِ اِبْناً وَقَالَتْ: " إِنَّ الرَّبَّ قَدْ سَمِعَ أَنِّي مَكْرُوهَةٌ فَأَعْطَانِي هَذَا أَيْضاً ". فَدَعَتِ اِسْمَهُ " شَمْعُونَ " ( ومعناها في العبرية " سمع أو استمع" ). وَحَبِلَتْ أَيْضاً وَوَلَدَتِ اِبْناً وَقَالَتِ: " الآنَ هَذِهِ الْمَرَّةَ يَقْتَرِنُ بِي رَجُلِي لأَنِّي وَلَدْتُ لَهُ ثَلاَثَةَ بَنِينَ". لِذَلِكَ دُعِيَ اِسْمُهُ " لاَوِيَ" ( ومعناها في العبرية " اقتران " ). و َحَبِلَتْ أَيْضاً وَوَلَدَتِ اِبْناً وَقَالَتْ: " هَ ذِهِ اِلْمَرَّةَ أَحْمَدُ اَلرَّبَّ ". لِذَلِكَ دَعَتِ اِسْمَهُ " يَهُوذَا " ( ومعناها في العبرية " يحمد" ). ثُمَّ تَوَقَّفَتْ عَنِ اَلْوِلاَدَةِ. " ( تكوين29/32-35 ).
إذًا فهذه أسماء خاصة بحالة ليئة وليس لها أي مغزى نبويّ. وإذا افترضنا جدلاً صحّة ما يزعمه هؤلاء الكتاب ووضعنا اسم " أحمد " أو " محمد " بدلاً من يهوذا في نبوّة يعقوب، فماذا ستكون النتيجة؟.
" يَهُوذَا " أحمد " إِيَّاكَ يَحْمَدُ " أحمد " إِخْوَتُكَ. يَدُكَ عَلَى قَفَا أَعْدَائِكَ. يَسْجُدُ لَكَ بَنُو أَبِيكَ. " أحمد " جَرْوُ أَسَدٍ. مِنْ فَرِيسَةٍ صَعِدْتَ يَا ابْنِي. جَثَا وَرَبَضَ كَأَسَدٍ وَكَلَبْوَةٍ. مَنْ يُنْهِضُهُ؟ لاَ يَزُولُ قَضِيبٌ مِنْ يَهُوذَا " أحمد "وَمُشْتَرِعٌ مِنْ بَيْنِ رِجْلَيْهِ حَتَّى يَأْتِيَ شِيلُونُ وَلَهُ يَكُونُ خُضُوعُ شُعُوبٍ ." وستكون النتيجة هي مجئ شيلون بعد زوال القضيب والمشترع من أحمد " لا يزول قضيب من أحمد ولا مشترع من بين رجليه حتي يأتي شيلون " !!! فهل يفيدهم ذلك في شئ ؟!!!
ــــــــــ
- 89 -
2- نشيد الأناشيد (5/6) : جاء في سفر نشيد الأنشاد لسليمان الحكيم قوله " ".
وكلمة " مشتهيات " في اللغة العبرية " ????? – mahmadem " وتعني " مشتهيات أو شئ مرغوب فيه " ومفردها " شهوة ". ونظرًا لتشابهها مع كلمة محمد فقد أراد بعض الكتاب أن يصوّرونها علي أنَّها نبوّة عب نبي المسلمين!!! وقد قام أحد هؤلاء الكتاب بشرح الكلمة ولكن بصورة ناقصة ليُوهم قرّاءًه بصحة ما يدّعيه، فنقلها هكذا " ???? – مَحَمَد – mahmad " وحذف حرف الميم " ? " الأخير!! وقال أنَّ الكلمة العبرية هنا هي " ???? – محمد " فهل هي مصادفة أن يكون اسم الشخص الذي تنبّأ عنه كاسم النبي العربي؟ الكلمة العبرية ( مَحْمَد ) ???? تتألّف من الحروف العبرية الأربعة ( ميم – حيت – ميم – دالت ) وهي نفس الأحرف العربية ( ميم – حاء – ميم – دال ) والفرق بين " ???? – مَحَمَد " ومُحّمَّد في العربية والعبرية هو التشكيل. هذا التشكيل الذي لم يخترعه اليهود إلا في القرن الثامن الميلادي أي بعد حوالي مائة عام من بدء الإسلام. وكلمة مُحّمَّد في العربية والعبرية لها معني واحد هو صيغة التفضيل من الرجل المحمود. أمّا كلمة مَحَمَد فإنَّ لها حسب قاموس " بن يهوذا " أربعة معاني هي : ( المحبوب – المُشتهي – النفيس - المحمَد ). وبالطبع فإنَّ المترجمين للكتاب المقدّس يميلون لاختيار أوّل ثلاث كلمات لإبعاد القارئ المسيحي عن الكلمة الحقيقية.
ــــــــــ
- 90 -
ثمّ أضاف إنَّ الفرق بين:
كلمة " مَحَمَد " ( mahmad ) Mahamad
وكلمة مُحّمَّد Muhammad " لم يكن موجودًا في العبرية القديمة "!!!
وحاول أن يوحي بأنَّ اليهود الذين وضعوا التشكيل أرادوا أن يُبعدوا النصاري عن الإسلام" (3) !!
وبالرغم من هذا الجهد اللغوي الجبّار الذي بذله هذا الكاتب فقد خانه التوفيق وجانبه الصواب وبذل جهدًا بدون فائدة للأسباب التالي ة:
(1) تعمّد الكاتب نقل عبارة " مشتهيات " الجمع والتي هي في تاعبرية حرفيًا " ????? – مَحِمِدِيِم - mahmadem " ونقلها " ???? – مَحَمَد " فقط بحذف حرف الميم العبري " ? " الأخير ليسهّل مقارنتها مع مُحّمَّد !! أي نقل الكلمة ناقصة وهذا باطل وما بُني علي باطل فهو باطل!!
ومع ذلك نؤكّد أنّ الكلمة " مَحَمَد " ( mahmad ) Mahamad استخدمت في العهد القديم أكثر من 12 مرّة وكلّها بمعني " شهوة وشهي وثمين ومشتهيات ونفائس " (4) أنظر علي سبيل المثال:
" فَإِنِّي فِي نَحْوِ هَذَا الْوَقْتِ غَداً أُرْسِلُ عَبِيدِي إِلَيْكَ فَيُفَتِّشُونَ بَيْتَكَ وَبُيُوتَ عَبِيدِكَ، وَكُلَّ مَا هُوَ شَهِيٌّ ( - مَحَمَد) فِي عَيْنَيْكَ يَضَعُونَهُ فِي أَيْدِيهِمْ وَيَأْخُذُونَهُ " (1ملوك20/6).
" وَأَحْرَقُوا بَيْتَ اللَّهِ وَهَدَمُوا سُورَ أُورُشَلِيمَ وَأَحْرَقُوا جَمِيعَ قُصُورِهَا بِالنَّارِ وَأَهْلَكُوا جَمِيعَ آنِيَتِهَا الثَّمِينَةِ ( - مَحِمِديِه )" (2أخبار36/19).
" بَيْتُ قُدْسِنَا وَجَمَالِنَا حَيْثُ سَبَّحَكَ آبَاؤُنَا قَدْ صَارَ حَرِيقَ نَارٍ وَكُلُّ مُشْتَهَيَاتِنَا ( - وبدون ضمير الملكية ???? – مَحَمَد ) صَارَتْ خَرَاباً. " (أشعيا64/11).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(3) رسول الله محمد كما ورد في الكتاب المقدس، www.islamicweb.com/christianity/muhammad.htm .
(4) See Kohelenberger Intelinear Hebrew-English Old Testament.
ــــــــــ
- 91 -
" قَدْ ذَكَرَتْ أُورُشَلِيمُ فِي أَيَّامِ مَذَلَّتِهَا وَتَطَوُّحِهَا كُلَّ مُشْتَهَيَاتِهَا ( ????? – مَحِمِدِيِم - mahmadem ) اَلَّتِي كَانَتْ فِي أَيَّامِ اَلْقِدَم " ( مراثي1/7 ).
" بَسَطَ اَلْعَدُوُّ يَدَهُ عَلَى كُلِّ مُشْتَهَيَاتِهَا ( - مَحِمِديِه )" ( مراثي1/10 ).
وقال الله لحزقيال " يَا ابْنَ آدَمَ, هَئَنَذَا آخُذُ عَنْكَ شَهْوَةَ ( - مَحَمَد) عَيْنَيْكَ ( أي زوجتك ) بِضَرْبَةٍ, فَلاَ تَنُحْ وَلاَ تَبْكِ وَلاَ تَنْزِلْ دُمُوعُكَ " ( حزقيال24/16 ).
" وَأَنْتَ يَا ابْنَ آدَمَ, أَفَلاَ يَكُونُ فِي يَوْمٍ آخُذُ عَنْهُمْ عِزَّهُمْ, سُرُورَ فَخْرِهِمْ, شَهْوَةَ ( - مَحَمَد) عُيُونِهِمْ وَرَفْعَةَ نَفْسِهِمْ: أَبْنَاءَهُمْ وَبَنَاتِهِمْ " ( حزقيال24/25 ).
" يَرِثُ الْقَرِيصُ نَفَائِسَ ( - مَحَمَد) فِضَّتِهِمْ. يَكُونُ الْعَوْسَجُ فِي مَنَازِلِهِمْ ." ( هوشع9/6 ).
(2) وقد حاول هذا الكاتب، بدون سند أو دليل، الإيحاء بأن اليهود وضعوا حركات التشكيل وأنهم هم الذين غيّروا التشكيل ليبعدوا النصارى عن الإسلام!! وبالرغم من عدم معقولية النصف الثاني من هذا الكلام نقول لسيادته أنّ هذا النص العبرى ليس هو النص الوحيد لأسفار العهد القديم الموجود معنا، فهذه الأسفار ترجمها اليهود إلى اليونانية قبل المسيح بأكثر من 200 سنة وقبل الإسلام بأكثر من 800 سنة، كما ترجمها المسيحيون إلى الآرامية واللتينية والقبطية قبل الإسلام بأكثر من 300 سنة، وما زالت الكلمة هي هي بنفس معناها " شهوة " سواء في العبرية أو في اللغات التي ترجمت إليها دون تغير ونختار لسيادته الترجمة الأقدم والأشهر وهي اليونانية والتي وردت فيها هذه الكلمة هكذا " επιθυμια – epithumia " (5) . ومعناها " شهوة – اشتهاء " والتي تُرجمت إليها العديد من الآيات التي بها كلمة " شهوة " مثل:
" وَاللفِيفُ الذِي فِي وَسَطِهِمِ اشْتَهَى شَهْوَةً (επιθυμιαν – epithumian ) . فَعَادَ بَنُو إِسْرَائِيل أَيْضاً وَبَكُوا وَقَالُوا:مَنْ يُطْعِمُنَا لحْماً؟ " ( عدد11/4 ).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
see Brenton The Septuagent With Apocrypha. Greek and English (5)
ــــــــــ
- 92 -
" شَهْوَةَ ( επιθυμιαν – epithumian ) قَلْبِهِ أَعْطَيْتَهُ وَمُلْتَمَسَ شَفَتَيْهِ لَمْ تَمْنَعْهُ " ( مزمور21/2 ).
" بَلِ اشْتَهُوا شَهْوَةً ( επιθυμιαν – epithumian ) فِي الْبَرِّيَّةِ وَجَرَّبُوا اللهَ فِي الْقَفْرِ " ( مزمور106/14 ).
" فِي شَهْوَةِ ( επιθυμιαξ – epithumias ) نَفْسِهَا تَسْتَنْشِقُ الرِّيحَ " ( أرميا2/24 ).
وقد استخدمت كلمة "επιθυμια – epithumia " بهذا المعني " شهوة " أو " اشتهاء " في العهد الجديد 37 مرّة (6) .
(3) كما أنَّ نصّ الآية المذكورة، في سفر النشيد، لا يصلح أن توضع فيه كلمة " محمد " أو " أحمد " بدلاً من " مشتهيات ". فكاتب السفر بالروح وهو سليمان الحكيم يتكلم بأسلوب شعري ومزي، مجازي، ويصوّر بأسلوب روحي مجازي قصّة حب بين حبيب ومحبوبته، وهو قطعة روحيّة أدبية رائعة تصوّر جمال الحبّ بين الملك وزوجته الذي آمن اليهود أنه رمزًا للعلاقة بين الله وشعبه إسرائيل. وآمنت الكنيسة منذ فجرها الباكر أنه رمزًا للعلاقة بين المسيح، العريس وعروسه الكنيسة. أو بين المسيح والنفس البشرية. ولا يمكن بل ومن المستحيل تحويل كلمة " مشتهيات " إلى اسم علم فنص الآية بما سبقها وما تلاها هو: " حَبِيبِي أَبْيَضُ وَأَحْمَرُ. مُعْلَمٌ بَيْنَ رَبْوَةٍ. رَأْسُهُ ذَهَبٌ إِبْرِيزٌ. قُصَصُهُ مُسْتَرْسِلَةٌ حَالِكَةٌ كَالْغُرَابِ. عَيْنَاهُ كَالْحَمَامِ عَلَى مَجَارِي الْمِيَاهِ مَغْسُولَتَانِ بِاللَّبَنِ جَالِسَتَانِ فِي وَقْبَيْهِمَا. خَدَّاهُ كَخَمِيلَةِ الطِّيبِ وَأَتْلاَمِ رَيَاحِينَ ذَكِيَّةٍ. شَفَتَاهُ سَوْسَنٌ تَقْطُرَانِ مُرّاً مَائِعاً. يَدَاهُ حَلْقَتَانِ مِنْ ذَهَبٍ مُرَصَّعَتَانِ بِالزَّبَرْجَدِ. بَطْنُهُ عَاجٌ أَبْيَضُ مُغَلَّفٌ بِالْيَاقُوتِ الأَزْرَقِ. سَاقَاهُ عَمُودَا رُخَامٍ مُؤَسَّسَتَانِ عَلَى قَاعِدَتَيْنِ مِنْ إِبْرِيزٍ. طَلْعَتُهُ كَلُبْنَانَ. فَتًى كَالأَرْزِ. حَلْقُهُ حَلاَوَةٌ وَكُلُّهُ مُشْتَهَيَاتٌ. هَذَا حَبِيبِي وَهَذَا خَلِيلِي يَا بَنَاتِ أُورُشَلِيمَ. " ( نشيد 5/10-16 ).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(6) أنظر " فهرس الكلمات اليونانية للعهد الجديد" للقس غسان خلف رقم 1708ص285.
ــــــــــ
- 93 -
سَاقَاهُ عَمُودَا رُخَامٍ مُؤَسَّسَتَانِ عَلَى قَاعِدَتَيْنِ مِنْ إِبْرِيزٍ. طَلْعَتُهُ كَلُبْنَانَ. فَتًى كَالأَرْزِ. حَلْقُهُ حَلاَوَةٌ وَكُلُّهُ مُشْتَهَيَاتٌ. هَذَا حَبِيبِي وَهَذَا خَلِيلِي يَا بَنَاتِ أُورُشَلِيمَ. " ( نشيد 5/10-16 ).
فهل يصلح بعد هذا الوصف أن نحذف من الآية الأخيرة كلمة " مشتهيات " ونضع بدلا منها" محمد " أو " أحمد " مع مثل هذه الأوصاف ؟!!
3- مشتهى كل الأمم : جاء في سفر حجي قوله " وَأُزَلْزِلُ كُلَّ الأُمَمِ. وَيَأْتِي مُشْتَهَى كُلِّ الأُمَمِ فَأَمْلأُ هَذَا الْبَيْتَ مَجْداً قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ . " ( حجي2/7 ).
فال بعض هؤلاء الكتاب أن كلمة " مشتهى " هنا هي في العبربة ( ???? – حِمدَا – hemdah ) وتعني " شهوة - desire " و " مشتهي - desirable " مشتقة من نفس الأصل مثل كلمة " محمد " وطبقها عبد الأحد داود وغيره على نبى المسلمين!!! ونقلها هكذا " ولسوف أزلزل كل الأمم، وسوف يأتي " حِمَدا - Himada " لكل الأمم...."!! وحاول أن يؤكد أنه لا توجد صلة بين" حِمَدا " وبين يسوع أو المسيح أو المخلص وذلك من جهة التشابه اللفظي (7) !! وقال المستشار محمد عزت الطهطاوي " ومشتهى كل الأمم المذكور في نبوّة حجّي أصله العبراني " حمدون" أي محمود الآمم " (8) !!
ولكن هذا التفسير وهذا التخريج لا يتفق لا مع لغة الكتاب المقدس التي من المفروض أن يلتزموا بها، ولا مع أسلوب الكتاب المقدس في تفسيره لنفسه بنفسه، والذي تفسر آياته من خلال آياته الأخرى وليس بطريقة اختطاف كلمة من هنا وجملة من هناك للإيحاء بأفكار لا صلة لها بالكتاب المقدس ولم تخطر على بال مفسريه سواء من اليهود أو المسيحيين عبر كل العصور.
(1) فقد وردت هذه الكلمة في هذا الآية هكذا ( - حِمَدت - hemdat )، وليس كما نقلوها!! كما وردت فى العهد القديم مرتين إلى جانب هذه الآية:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(7) " محمد في الكتاب المقدس " ص50 و 51.
(8) نفس المصدر؛ ص 28.
ــــــــــ
- 94 -
" وَأَمَّا الأُتُنُ الضَّالَّةُ لَكَ مُنْذُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ فَلاَ تَضَعْ قَلْبَكَ عَلَيْهَا لأَنَّهَا قَدْ وُجِدَتْ. وَلِمَنْ كُلُّ شَهِيِّ ( - حِمَدت - hemdat – desire of ) (9) إِسْرَائِيلَ؟ أَلَيْسَ لَكَ وَلِكُلِّ بَيْتِ أَبِيكَ؟ " (1صموئيل9/20)، وتعنى " كل شهي هنا رغبة إسرائيل لملك وقد اختير شاول البنياميني ليكون هذا الملك. وقد ترجمت في اليونانية السبعينية:
" Ισραηλ ωριατου "، وتعني " سيادة إسرائيل – The Excellency of Israel " (10)
وجاء عن ملك الشمال أو ضد المسيح في سفر دانيال قوله " ولا يبالي بآلهة آبائه ولا بشهوة ( - حِمَدت - hemdat – desire of ) النساء وبكل إله لا يبالي لأنَّه يتعظّم علي الكلّ ". وترجمت في اليونانية:
" Και επιθυια γυναικψν " أي " desire of women - شهوة النساء ".
فهل يقبل هؤلاء الكتاب أن يوضع اسم " محمد " أو " أحمد " بدلاً من " شهي " في الأولي:
" ولمن كل هي شهي ( - حِمَدت - hemdat – desire of ) إسرائيل "، فتصبح " ولمن كل أحمد ( أو محمد ) إسرائيل "!!!
وكذلك أن نضعها بدلاً من:
" ولا يبالي بآلهة آبائه ولا بشهوة ( - حِمَدت - hemdat – desire of ) النساء " فتصبح:
" ولا يبالي بآلهة آبائه ولا بأحمد ( أو محمد ) النساء"!!
ولا أظن أنهم يقبلون ولا نحن أيضًا!!
(3) كما أنَّ نصّ الآيات كاملاً هو " فِي الشَّهْرِ السَّابِعِ فِي الْحَادِي وَالْعِشْرِينَ مِنَ الشَّهْرِ ( 17 أكتوبر 520 ق.م. ) كَانَتْ كَلِمَةُ الرَّبِّ عَنْ يَدِ حَجَّيِ النَّبِيِّ : قُلْ لِزَرُبَّابِلَ بْنَ شَأَلْتِئِيلَ وَالِي يَهُوذَا وَيَهُوشَعَ بْنِ يَهُوصَادَاقَ الْكَاهِنِ الْعَظِيمِ وَبَقِيَّةِ الشَّعْبِ: مَنِ الْبَاقِي فِيكُمُ اَلَّذِي رَأَى هَذَا اَلْبَيْتَ فِي مَجْدِهِ اَلأَوَّلِ ( هيكل سليمان الذي دمّره بنوخذ نصّر ملك بابل قبل ذلك بـ 66 سنة ) ؟ وَكَيْفَ تَنْظُرُونَهُ اَلآنَ ( يقصد الهيكل الذي بناه زربابل كامتداد لهيكل سليمان ) ؟ أَمَا هُوَ فِي أَعْيُنِكُمْ كَلاَ شَيْءٍ! فَالآنَ تَشَدَّدْ يَا زَرُبَّابِلُ يَقُولُ الرَّبُّ وَتَشَدَّدْ يَا يَهُوشَعُ بْنُ يَهُوصَادَاقَ الْكَاهِنُ الْعَظِيمُ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(9) See Kohelenberger Interlinear Hebrew-English Old Testament.
(10) see Brenton The Septuagent With Apocrypha. Greek and English
ــــــــــ
- 95 -
وَتَشَدَّدُوا يَا جَمِيعَ شَعْبِ الأَرْضِ يَقُولُ الرَّبُّ وَاعْمَلُوا فَإِنِّي مَعَكُمْ يَقُولُ رَبُّ الْجُنُودِ. حَسَبَ الْكَلاَمِ الَّذِي عَاهَدْتُكُمْ بِهِ عِنْدَ خُرُوجِكُمْ مِنْ مِصْرَ وَرُوحِي قَائِمٌ فِي وَسَطِكُمْ. لاَ تَخَافُوا. لأَنَّهُ هَكَذَا قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ: هِيَ مَرَّةٌ بَعْدَ قَلِيلٍ فَأُزَلْزِلُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَالْبَحْرَ وَالْيَابِسَةَ وَأُزَلْزِلُ كُلَّ الأُمَمِ. وَيَأْتِي مُشْتَهَى كُلِّ الأُمَمِ فَأَمْلأُ هَذَا الْبَيْتَ مَجْداً قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ . " ( حجي2/1-7 ).
ومشتهي كل الأمم هو المسيّا ابن داود الذي يقول عنه الكتاب: " ومُلُوكُ تَرْشِيشَ وَالْجَزَائِرِ يُرْسِلُونَ تَقْدِمَةً. مُلُوكُ شَبَا وَسَبَأٍ يُقَدِّمُونَ هَدِيَّةً، وَيَسْجُدُ لَهُ كُلُّ الْمُلُوكِ. كُلُّ الأُمَمِ تَتَعَبَّدُ لَهُ... يَكُونُ اسْمُهُ إِلَى الدَّهْرِ. قُدَّامَ الشَّمْسِ يَمْتَدُّ اسْمُهُ. وَيَتَبَارَكُونَ بِهِ. كُلُّ أُمَمِ الأَرْضِ يُطَوِّبُونَهُ. " ( مزمور72/1و11و17 ).
كما أوضح سفر ملاخي مغزي هذه النبوّة في نبوّة ملاخي قائلاً: " هَئَنَذَا أُرْسِلُ مَلاَكِي ( أي رسولي ) فَيُهَيِّئُ الطَّرِيقَ أَمَامِي ( أي يوحنا المعمدان الذي جاء ليعدّ طريق الرب يسوع المسيح ) . وَيَأْتِي بَغْتَةً إِلَى هَيْكَلِهِ السَّيِّدُ ( الرب ) الَّذِي تَطْلُبُونَهُ وَمَلاَكُ الْعَهْدِ الَّذِي تُسَرُّونَ بِهِ. هُوَذَا يَأْتِي قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ . وَمَنْ يَحْتَمِلُ يَوْمَ مَجِيئِهِ وَمَنْ يَثْبُتُ عِنْدَ ظُهُورِهِ؟ لأَنَّهُ مِثْلُ نَارِ الْمُمَحِّصِ وَمِثْلُ أَشْنَانِ الْقَصَّارِ. "( ملاخي3/1-2 ).
والعهد هنا هو الذي أشار إليه أشعياء النبي " أَ نَا اَلرَّبَّ قَدْ دَعَوْتُكَ بِالْبِرِّ فَأُمْسِكُ بِيَدِكَ وَأَحْفَظُكَ وَأَجْعَلُكَ عَهْداً لِلشَّعْبِ وَنُوراً لِلأُمَمِ، لِتَفْتَحَ عُيُونَ اَلْعُمْيِ لِتُخْرِجَ مِنَ اَلْحَبْسِ اَلْمَأْسُورِينَ مِنْ بَيْتِ اَلسِّجْنِ اَلْجَالِسِينَ فِي اَلظُّلْمَةِ. " ( أشعيا42/6-7 ).
كما فسّر العهد الجديد هذه النبوّة عن الرب يسوع المسيح الذي وصفه بـ " وَسِيطِ اَلْعَهْدِ اَلْجَدِيدِ: يَسُوعَ... اَلَّذِي مِنَ اَلسَّمَاءِ، الَّذِي صَوْتُهُ زَعْزَعَ اَلأَرْضَ حِينَئِذٍ، وَأَمَّا اَلآنَ فَقَدْ وَعَدَ قَائِلاً: إِنِّي مَرَّةً أَيْضاً أُزَلْزِلُ لاَ اَلأَرْضَ فَقَطْ بَلِ اَلسَّمَاءَ أَيْضاً. فَقَوْلُهُ مَرَّةً أَيْضاً يَدُلُّ عَلَى تَغْيِيرِ اَلأَشْيَاءِ اَلْمُتَزَعْزِعَةِ كَمَصْنُوعَةٍ، لِكَيْ تَبْقَى اَلَّتِي لاَ تَتَزَعْزَعُ . لِذَلِكَ وَنَحْنُ قَابِلُونَ مَلَكُوتاً لاَ يَتَزَعْزَعُ لِيَكُنْ عِنْدَنَا شُكْرٌ بِهِ نَخْدِمُ اَللهَ خِدْمَةً مَرْضِيَّةً، بِخُشُوعٍ وَتَقْوَى. " ( عبرانيين12/24-28 ).
ــــــــــ
- 96 -
سفر المزامير له مكانته الخاصة عند كلٍّ من اليهود والمسيحيّين منذ القدم، وعلي الرغم من أنَّه سفر صلوات وتسابيح إلاَّ أنَّه يحوي في داخله على حوالي 50 نبوّة عن المسيح الآتي والمنتظر، ابن داود، يتنبّأ في معظمها عن آلامه وصلبه وقيامته من الأموات ووجوده الأزلي السابق للخليقة وكونه الملك، ولكن ليس مُجرّد ملك أرضي بل ملك أسمى من الملاكة والبشر، ابن الله. وقد أشار الرب يسوع المسيح إليها وطبّقها على نفسه وشرحها تلاميذه بعد ذلك في كرازتهم للعالم كله.
كما رأى فيه اليهود المسيح الآتي، ابن داود، ، الملك الأزلي المتوّج، الذي ليس من لحم ودم بل الرب الأسمى من البشر لأنَّه القدّوس ابن الله الذي قال له " أنت ابني أنا اليوم ولدتك "، و " أجلس عن يميني حتى أضع أعداءك موطئًا لقدميك ".
ولكن بعض الكتاب من الأخوة المسلمين، نتيجة لعدم درايتهم الكافية بالكتاب المقدّس وطرق تفسيره ومفهوم كلٍّ من اليهود والرب يسوع المسيح وتلاميذه ورسله له، وكذلك عدم معرفتهم الكافية بكتب التقليد اليهودي والمسيحي، راحوا يقتطفون بعض الآيات من بعض هذه المزامير وحاولوا تصويرها على أنَّها نبوّات عن نبي المسلمين لوجود كلمات فيها مثل السيف والملك، بل وقال بعضهم أنَّه هو الرب المقصود في قوله " قال الرب لربي أجلس عن يميني حتى أضع أعداءك موطئًا لقدميك " ؟!! وفيما يلي أهم ما قالوه والتعليق عليه:
1- من هو المسيح المنتظر؟
قال بعض الكتاب من الأخوة المسلمين وعلى رأسهم د. أحمد حجازي السقا في
ــــــــــ
- 97 -
أكثر من كتاب له، متأثرًا بما جاء في الكتاب المزّيف والمدعو زورًا بإنجيل برنابا والذي أكّد زيفه كلّ العلماء المسيحيبن وبعض الكتاب من الأخوة المسلمبن وتجاهلته الغالبية العظمى من العلماء المسلمبن إمّا لثقتهم بأنَّه كناب مزيّف أو على الأقل لشكهم في صحّته (1) ، أن المسيح يسوع ليس هو المسيح المنتظر إنّما المسيح المنتظر هو نبيّ المسلمين (2) !! وقال الأستاذ على الجوهري متأثرًا أيضًا بما جاء في نفس الكتاب المزيّف " وكل نبوءات التوراة عن محمد ( صلعم ) مذكورة في كتب اليهود، في دائرة المعارف تحت كلمة المسيا أو كلمة المسيح "!! ويُضيف " وإنْ كان ( الكاتب ) يهوديًا يقول والمسيا لم يأتِ بعد وإن كان نصرانيًا يقول: والمسيا هو يسوع. أما المسلمون من قبل ظهور إنجيل برنابا فإنهم كانوا يعرفون آيات من النبوءات، ويفسّرونها على محمد (صلعم ) تحت لقب " النيي " لا المسيح ولا المسيا " (3) !!
والغريب أنّهم نسوا أنَّ القرآن ذكر المسيح ا ا مرة، معرّفًا بالألف واللام، وقال أنَّه عيسي ابن مريم (4) . والأغرب هو ما قاله د. النجار تعليقًا على ذلك حيث إختار آيتين من هذه الآيات وفسّرهما لغويًا هكذا " جاء في القرآن الكريم : ( اِسْمُهُه اَلْمَسِيحُ عِيسَي اِبْنُ مَرْيَمَ ) فاسمه مبتدأ واسم عيسى ابن مريم؛ خبر المبتدأ. ولو كان المسيح هو عيسى ابن مريم لكان المسيح مبتدأ وعيسى ابن مريم هو خبره. هو لا يُعْرَّف إلا بمجموع الثلاثة فلذلك كان الثلاثة كلّهم خبر عن الاسم. وأيضًا: " إِنَّمَا عِيسَي ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ الله " المسيح عيسى مبتدأ. وخبره رسول الله " (5) !! ويبدو أنه أراد أنْ يُوحي للقارئ بقوله " وخبره رسول الله " بأنَّ رسول الله في هذه الآية غير المسيح!!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) أنظر كتابنا " إنجيل برنابا هل هـو إنجيل صحيح؟ " و " خمسون دليل عـلى أن إنجيل برنابا خرافي ومزيف ".
(2) الكنز المرصود في قواعـد التلمود، ص 81و 82، ومعركة هرمجدون؛ ص 36و37.
(3) حقيقة النصرانية من الكتب المقـدّسة؛ ص 23و24ز
(4) ( أنظر آل عمران 45؛ النساء 157 و 171 و 172؛ المائدة 17( مرتين) و 72( مرتين ) و75؛ التوبة 30 و31).
(5) الكنز المرصود؛ هامش ص81.
ــــــــــ
- 98 -
وبالرغم من أنَّ ذلك مجرّد تلاعب بقواعد اللغة وأنَّ حديث القرآن واضح وضوح الشمس أنَّ المسيح هو عيسي ابن مريم، إلا أننا نسأله لماذا لم تكمّل الآية الثانية والتي تقول " إِنَّمَا الْ مَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ " ( النساء171 )، والتي تؤكّد أنَّ " المسيح عيسى مبتدأ. وخبره رسول الله وكلمته " التي ألقاها إلي مريم، وبالتالي وحسب منطق سيادته يكون ابن مريم هو المسيح وليس مجرّد مسيح!!
فما معني المسيح ومن هو هذا المسيح المنتظر؟
(1) كلمة مسيح ومعناها (6) :
كلمة " مسيح " في اللغة العبرية هي " ماشيح – משׁיח – mâshîyach " من الفعل العبريّ " مشح " أو " مسح " وتُنطق بالآراميّة " ماشيحا " ويقابلها بالعربية " مسيح " ومعناها في العهد القديم، الممسوح " بالدهن المقدّس "، ونقلت كلمة " ماشيح " إلي اللغة اليونانية كما هي ولكن بحروف يونانية " ميسياس – Messias – Μεσσίας " وعن اليونانية نقلت إلي اللغات الأوروبيّة " ماسيّا -Messiah ".
وكان المسح يتم " بالدهن المقدس " الذي كان يُصنع من أفخر الأطياب و أفخز أصناف العطارة وزيت الزيتون النقي ( خروج30/22-31 ). وكان الكهنة والملوك والأنبياء يُدهنون بهذا " الدهن المقدّس " ليكونوا " وَتَمْسَحُ هَارُونَ وَبَنِيهِ وَتُقَدِّسُهُمْ لِيَكْهَنُوا لِي " ( خروج30/30 )، " وَمَسَحُوا هُنَاكَ دَاوُدَ مَلِكاً عَلَى بَيْتِ يَهُوذَا "( 2صموئيل2/4 )،وقال الربّ لإيليّا " وَامْسَحْ يَاهُوَ بْنَ نِمْشِي مَلِكاً عَلَى إِسْرَائِيلَ، وَامْسَحْ أَلِيشَعَ بْنَ شَافَاطَ مِنْ آبَلَ مَحُولَةَ نَبِيّاً عِوَضاً عَنْكَ " ( 1ملوك19/16 )،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(6) انظر كتابنا " من هو المسيح وكيف مُسح بالروح القدس ".
ــــــــــ
- 99 -
وكان المسح يتمّ بصبّ الدهن المقدّس علي رأس الممسوح " فَأَخَذَ صَمُوئِيلُ قَرْنَ الدُّهْنِ وَمَسَحَهُ ( داود ) فِي وَسَطِ إِخْوَتِهِ. وَحَلَّ رُوحُ الرَّبِّ عَلَى دَاوُدَ مِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ فَصَاعِداً. ثُمَّ قَامَ صَمُوئِيلُ وَذَهَبَ إِلَى الرَّامَةِ " ( 1صموئيل16/13 )، وهكذا دعي الكهنة والأنبياء والملوك بـ " مُسَحَاء اَلْرَبّ " ( مزمور105/15 )، ومفردها " مَسِيحُ اَلْرَبّ " ( 2صموئيل23/1 ).
(2) المسيح الرب الرئيس:
ويؤكّد لنا الكاتب من خلال نبوّات جميع الأنبياء أنَّ هؤلاء " المُسَحَاء " جميعًا، سواء الكهنة أو الأنبياء أو الملوك، كانوا ظلاً ورمزًا " للمسيح الأتي " والذي دعي منذ عصر داود فصاعدًا بـ " المسيح " معرًفًا بالألف واللام، وكانوا جميعًا متعلّقين بهذا المسيح الآتي والذي وصفه الروح القدس في سفر دانيال النبي بـ " اَلْمَسِيحُ اَلْرَئِيسُ " ( دانيال9/25 )، و " اَلّمَسِيح " و " قدُّوس القدّيسِين " ( دانيال9/24 )، والذي سوف يكون له وظائف الكاهن الكامل والنبي الكامل والملك الكامل.
فمن هو هذا المسيح الربّ الرئيس حسب ما جاء في النبوّات؟ يقول لنا الكتاب:
1- أنه الذي قالت عنه النبوّة أنّه " كوكب يعقوب " ( عدد24/17 )، ووارث عرش داود النبي والملك حسب عهد الله الذي قطعه مع داود النبي والملك قائلاً: " قَطَعْتُ عَهْداً مَعَ مُخْتَارِي. حَلَفْتُ لِدَاوُدَ عَبْدِي. إِلَى الدَّهْرِ أُثَبِّتُ نَسْلَكَ وَأَبْنِي إِلَى دَوْرٍ فَدَوْرٍ كُرْسِيَّكَ.... وَجَدْتُ دَاوُدَ عَبْدِي. بِدُهْنِ قُدْسِي مَسَحْتُهُ. إِلَى الدَّهْرِ أَحْفَظُ لَهُ رَحْمَتِي. وَعَهْدِي يُثَبَّتُ لَهُ. وَأَجْعَلُ إِلَى الأَبَدِ نَسْلَهُ وَكُرْسِيَّهُ مِثْلَ أَيَّامِ السَّمَاوَاتِ. مَرَّةً حَلَفْتُ بِقُدْسِي أَنِّي لاَ أَكْذِبُ لِدَاوُدَ. نَسْلُهُ إِلَى الدَّهْرِ يَكُونُ وَكُرْسِيُّهُ كَالشَّمْسِ أَمَامِي. مِثْلَ الْقَمَرِ يُثَبَّتُ إِلَى الدَّهْرِ. وَالشَّاهِدُ فِي السَّمَاءِ أَمِينٌ " ( مزمور89/30-37 ).
وأيضًا " مَتَى كَمِلَتْ أَيَّامُكَ وَاضْطَجَعْتَ مَعَ آبَائِكَ أُقِيمُ بَعْدَكَ نَسْلَكَ الَّذِي يَخْرُجُ مِنْ أَحْشَائِكَ وَأُثَبِّتُ مَمْلَكَتَهُ. هُوَ يَبْنِي بَيْتاً لاِسْمِي، وَأَنَا أُثَبِّتُ كُرْسِيَّ مَمْلَكَتِهِ إِلَى الأَبَدِ. أَنَا أَكُونُ لَهُ أَباً وَهُوَ يَكُونُ لِيَ ابْناً. " ( 2صموئيل7/12-14 ).
هذا الابن أو النسل الآتي ليس مجرّد بشر بل يقول عنه الروح القدس لداود " ي َكُونُ اسْمُهُ إِلَى الدَّهْرِ. قُدَّامَ الشَّمْسِ يَمْتَدُّ اسْمُهُ. وَيَتَبَارَكُونَ بِهِ. كُلُّ أُمَمِ الأَرْضِ يُطَوِّبُونَهُ. " ( مزمور72/17 ).
ــــــــــ
- 100 -
2- ولكن هذا المسيح المنتصر ووارث عرش داود ليس مجرّد بشر إنّما هو الإله القدير كما تنبأ عنه إشعياء النبي بالروح قائلاً " لأَنَّهُ يُولَدُ لَنَا وَلَدٌ وَنُعْطَى ابْناً وَتَكُونُ الرِّيَاسَةُ عَلَى كَتِفِهِ وَيُدْعَى اسْمُهُ عَجِيباً مُشِيراً إِلَهاً قَدِيراً أَباً أَبَدِيّاً رَئِيسَ السَّلاَمِ. لِنُمُوِّ رِيَاسَتِهِ وَلِلسَّلاَمِ لاَ نِهَايَةَ عَلَى كُرْسِيِّ دَاوُدَ وَعَلَى مَمْلَكَتِهِ لِيُثَبِّتَهَا وَيَعْضُدَهَا بِالْحَقِّ وَالْبِرِّ مِنَ الآنَ إِلَى الأَبَدِ . غَيْرَةُ رَبِّ الْجُنُودِ تَصْنَعُ هَذَا. " ( أشعيا9/6-7 ).
كما تنبأ عنه أيضًا قائلاً:" فَيُثَبَّتُ الْكُرْسِيُّ بِالرَّحْمَةِ وَيَجْلِسُ عَلَيْهِ بِالأَمَانَةِ فِي خَيْمَةِ دَاوُدَ قَاضٍ وَيَطْلُبُ الْحَقَّ وَيُبَادِرُ بِالْعَدْلِ ."( أشعيا16/5 )، وأيضًا:" وَأَجْعَلُ مِفْتَاحَ بَيْتِ دَاوُدَ عَلَى كَتِفِهِ فَيَفْتَحُ وَلَيْسَ مَنْ يُغْلِقُ وَيُغْلِقُ وَلَيْسَ مَنْ يَفْتَحُ "( أشعيا22/22 ) وأيضًا:" أَمِيلُوا آذَانَكُمْ وَهَلُمُّوا إِلَيَّ. اسْمَعُوا فَتَحْيَا أَنْفُسُكُمْ. وَأَقْطَعَ لَكُمْ عَهْداً أَبَدِيّاً مَرَاحِمَ دَاوُدَ الصَّادِقَةَ. " ( أشعيا55/3 ). كما تنبّأ عنه أيضًا كابن يسّى والد داود " وَيَخْرُجُ قَضِيبٌ مِنْ جِذْعِ يَسَّى وَيَنْبُتُ غُصْنٌ مِنْ أُصُولِهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ رُوحُ الرَّبِّ رُوحُ الْحِكْمَةِ وَالْفَهْمِ رُوحُ الْمَشُورَةِ وَالْقُوَّةِ رُوحُ الْمَعْرِفَةِ وَمَخَافَةِ الرَّبِّ. وَلَذَّتُهُ تَكُونُ فِي مَخَافَةِ الرَّبِّ فَلاَ يَقْضِي بِحَسَبِ نَظَرِ عَيْنَيْهِ وَلاَ يَحْكُمُ بِحَسَبِ سَمْعِ أُذُنَيْهِ بَلْ يَقْضِي بِالْعَدْلِ لِلْمَسَاكِينِ وَيَحْكُمُ بِالإِنْصَافِ لِبَائِسِي الأَرْضِ وَيَضْرِبُ الأَرْضَ بِقَضِيبِ فَمِهِ وَيُمِيتُ الْمُنَافِقَ بِنَفْخَةِ شَفَتَيْهِ. وَيَكُونُ الْبِرُّ مِنْطَقَةَ مَتْنَيْهِ وَالأَمَانَةُ مِنْطَقَةَ حَقَوَيْهِ..... وَيَكُونُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ أَنَّ أَصْلَ يَسَّى الْقَائِمَ رَايَةً لِلشُّعُوبِ إِيَّاهُ تَطْلُبُ الأُمَمُ وَيَكُونُ مَحَلُّهُ مَجْداً. " ( أشعيا11/1-10 ).
3- وهو أيضًا الرب، الرب برّنا، كما تنبّأ ارميا النبي قائلاً بالروح " هَا أَيَّامٌ تَأْتِي يَقُولُ الرَّبُّ وَأُقِيمُ لِدَاوُدَ غُصْنَ بِرٍّ فَيَمْلِكُ مَلِكٌ وَيَنْجَحُ وَيُجْرِي حَقّاً وَعَدْلاً فِي الأَرْضِ. فِي أَيَّامِهِ يُخَلَّصُ يَهُوذَا وَيَسْكُنُ إِسْرَائِيلُ آمِناً وَهَذَا هُوَ اسْمُهُ الَّذِي يَدْعُونَهُ بِهِ: الرَّبُّ بِرُّنَ ا... فِي تِلْكَ الأَيَّامِ وَفِي ذَلِكَ الزَّمَانِ أُنْبِتُ لِدَاوُدَ غُصْنَ الْبِرِّ فَيُجْرِي عَدْلاً وَبِرّاً فِي الأَرْضِ. فِي تِلْكَ الأَيَّامِ يَخْلُصُ يَهُوذَا وَتَسْكُنُ أُورُشَلِيمُ آمِنَةً وَهَذَا مَا تَتَسَمَّى بِهِ الرَّبُّ بِرُّنَا " ( أرميا23/5-6؛ 33/15-16 ).
ــــــــــ
- 101 -
4- والراعي الذي يرعي رعيّة الله كما تنبّأ حزقيال النبي قائلاً: " وَأُقِيمُ عَلَيْهَا رَاعِياً وَاحِداً فَيَرْعَاهَا عَبْدِي دَاوُدُ. هُوَ يَرْعَاهَا وَهُوَ يَكُونُ لَهَا رَاعِياً. " ( حزقيال34/23 )، " وَأَنَا الرَّبُّ أَكُونُ لَهُمْ إِلَهاً, وَعَبْدِي دَاوُدُ رَئِيساً فِي وَسَطِهِمْ. أَنَا الرَّبُّ تَكَلَّمْتُ "( حزقيال34/24 )، " وَدَاوُدُ عَبْدِي يَكُونُ مَلِكاً عَلَيْهِمْ, وَيَكُونُ لِجَمِيعِهِمْ رَاعٍ وَاحِدٌ, فَيَسْلُكُونَ فِي أَحْكَامِي وَيَحْفَظُونَ فَرَائِضِي وَيَعْمَلُونَ بِهَا. وَيَسْكُنُونَ فِي الأَرْضِ الَّتِي أَعْطَيْتُ عَبْدِي يَعْقُوبَ إِيَّاهَا, الَّتِي سَكَنَهَا آبَاؤُكُمْ, وَيَسْكُنُونَ فِيهَا هُمْ وَبَنُوهُمْ وَبَنُو بَنِيهِمْ إِلَى الأَبَدِ, وَعَبْدِي دَاوُدُ رَئِيسٌ عَلَيْهِمْ إِلَى الأَبَدِ. " ( حزقيال 37/34-35 ). كما تنبأ هوشع النبي قائلاً بالروح القدس:" بَعْدَ ذَلِكَ يَعُودُ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَيَطْلُبُونَ الرَّبَّ إِلَهَهُمْ وَدَاوُدَ مَلِكَهُمْ وَيَفْزَعُونَ إِلَى الرَّبِّ وَإِلَى جُودِهِ فِي آخِرِ الأَيَّامِ " ( هوشع3/5 ).
5- الذي يولد من عذراء ولكنه هو أيضًا عمانوئيل الذي تفسيره الله معنا: كما تنبأ إشعياء النبي قائلاً بالروح " وَلَكِنْ يُعْطِيكُمُ السَّيِّدُ نَفْسُهُ آيَةً: هَا الْعَذْرَاءُ تَحْبَلُ وَتَلِدُ ابْناً وَتَدْعُو اسْمَهُ عِمَّانُوئِيلَ " ( أشعياء7/14 ).
6- والذي سيولد في لحم كما تنبّأ ميخا النبي ولكنه الأزلي الذي لا بداية له " أَمَّا أَنْتِ يَا بَيْتَ لَحْمَِ أَفْرَاتَةَ وَأَنْتِ صَغِيرَةٌ أَنْ تَكُونِي بَيْنَ أُلُوفِ يَهُوذَا فَمِنْكِ يَخْرُجُ لِي الَّذِي يَكُونُ مُتَسَلِّطاً عَلَى إِسْرَائِيلَ وَمَخَارِجُهُ مُنْذُ الْقَدِيمِ مُنْذُ أَيَّامِ الأَزَل ِ " ( ميخا5/2 ).
7- والذي سيسبقه رسول يُعدّ له الطريق "صَوْتُ صَارِخٍ فِي الْبَرِّيَّةِ: " أَعِدُّوا طَرِيقَ الرَّبِّ. قَوِّمُوا فِي الْقَفْرِ سَبِيلاً لإِلَهِنَا. كُلُّ وَطَاءٍ يَرْتَفِعُ وَكُلُّ جَبَلٍ وَأَكَمَةٍ يَنْخَفِضُ وَيَصِيرُ الْمُعَوَّجُ مُسْتَقِيماً وَالْعَرَاقِيبُ سَهْلا.ً فَيُعْلَنُ مَجْدُ الرَّبِّ وَيَرَاهُ كُلُّ بَشَرٍ جَمِيعاً لأَنَّ فَمَ الرَّبِّ تَكَلَّمَ. " ( أشعياء40/3-5 )، " هَئَنَذَا أُرْسِلُ مَلاَكِي فَيُهَيِّئُ الطَّرِيقَ أَمَامِي. وَيَأْتِي بَغْتَةً إِلَى هَيْكَلِهِ السَّيِّدُ الَّذِي تَطْلُبُونَهُ وَمَلاَكُ الْعَهْدِ الَّذِي تُسَرُّونَ بِهِ. هُوَذَا يَأْتِي قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ " ( ملاخي3/1؛ متي3/1-3؛ لوقا1/17 ).
ــــــــــ
- 102 -
8- والملك الوديع الذي سيدخل أورشليم منتصرًا " ا ِبْتَهِجِي جِدّاً يَا ابْنَةَ صِهْيَوْنَ اهْتِفِي يَا بِنْتَ أُورُشَلِيمَ. هُوَذَا مَلِكُكِ يَأْتِي إِلَيْكِ. هُوَ عَادِلٌ وَمَنْصُورٌ وَدِيعٌ وَرَاكِبٌ عَلَى حِمَارٍ وَعَلَى جَحْشٍ ابْنِ أَتَانٍ " ( زكريا9/9؛ يوحنا12/13و14؛ متي21/1 ).
9- والذي سيصعد إلى السموات ويجلس عن يمين الله: " صَعِدْتَ إِلَى الْعَلاَءِ. سَبَيْتَ سَبْياً. قَبِلْتَ عَطَايَا بَيْنَ النَّاسِ وَأَيْضاً الْمُتَمَرِّدِينَ لِلسَّكَنِ أَيُّهَا الرَّبُّ الإِلَهُ " ( مزمور68/18؛ لوقا24/50و51 )، " قَالَ الرَّبُّ لِرَبِّي: اجْلِسْ عَنْ يَمِينِي حَتَّى أَضَعَ أَعْدَاءَكَ مَوْطِئاً لِقَدَمَيْكَ " (مزمور110/1).
10- ومسيح الرب الذي هو ابنه " أَمَّا أَنَا فَقَدْ مَسَحْتُ مَلِكِي عَلَى صِهْيَوْنَ جَبَلِ قُدْسِي. إِنِّي أُخْبِرُ مِنْ جِهَةِ قَضَاءِ الرَّبِّ. قَالَ لِي: أَنْتَ ابْنِي. أَنَا الْيَوْمَ وَلَدْتُكَ. " ( مزمور2/6-7 ).
(3) المسيح المنتظر هو الرب يسوع المسيح:
وقد تمّت جميع هذه النبوّات، وغيرها، حرفيًا في شخص الرب يسوع المسيح، فعند مبلاده ظهر الملاك للرعاة وبشرهم قائلاً " أَنَّهُ وُلِدَ لَكُمُ الْيَوْمَ فِي مَدِينَةِ دَاوُدَ مُخَلِّصٌ هُوَ الْمَسِيحُ الرَّبُّ. وَهَذِهِ لَكُمُ الْعَلاَمَةُ: تَجِدُونَ طِفْلاً مُقَمَّطاً مُضْجَعاً فِي مِذْوَدٍ " ( لوقا2/11-12 )، فهو " المسيح الربّ "، " المسيح الرئيس "، وليس " مسيح الربّ ". وأكّد هو نفسه ذلك في مناسبات كثيرة؛ فعندما قالت المرأة السامرية " " ( يوحنا4/25 )، ولما تبعه أندراوس بناء على شهادة يوحنا المعمدان عنه قال لبطرس أخيه " قَدْ وَجَدْنَا مَسِيَّا، الَّذِي تَفْسِيرُهُ: الْمَسِيحُ. " أ َنَا أَعْلَمُ أَنَّ مَسِيَّا الَّذِي يُقَالُ لَهُ الْمَسِيحُ يَأْتِي. فَمَتَى جَاءَ ذَاكَ يُخْبِرُنَا بِكُلِّ شَيْءٍ. قَالَ لَهَا يَسُوعُ: أَنَا الَّذِي أُكَلِّمُكِ هُو َ" ( يوحنا1/41 ). عندما سأله رئيس الكهنة عند محاكمته " هل أنت المسيح ابن الله؟ قال له يسوع أنت قلت ". ثمّ أكّد كلامه هذا بقوله " مِنَ الآنَ تُبْصِرُونَ ابْنَ الإِنْسَانِ جَالِساً عَنْ يَمِينِ الْقُوَّةِ وَآتِياً عَلَى سَحَابِ السَّمَاءِ " ( متّي26/64 ).
ــــــــــ
- 103 -
ولمّا أرسل يوحنا المعمدان إثنين من تلاميذه إلى السيّد المسيح ليسألاه السؤال الذي انتظرت الإجابة عليه أجيال كثيرة: " أ َنْتَ هُوَ الآتِي أَمْ نَنْتَظِرُ آخَرَ؟، فَأَجَابَهُمَا يَسُوعُ: اذْهَبَا وَأَخْبِرَا يُوحَنَّا بِمَا تَسْمَعَانِ وَتَنْظُرَانِ: اَلْعُمْيُ يُبْصِرُونَ وَالْعُرْجُ يَمْشُونَ وَالْبُرْصُ يُطَهَّرُونَ وَالصُّمُّ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتَى يَقُومُونَ وَالْمَسَاكِينُ يُبَشَّرُونَ. وَطُوبَى لِمَنْ لاَ يَعْثُرُ فِيَّ " " ( متي11/3-6 ). وهو بهذا يُشير إلي ما سبق أنْ تنبّأ به عنه أشعياء النبي بالروح قائلاً :" حِينَئِذٍ تَتَفَتَّحُ عُيُونُ الْعُمْيِ وَآذَانُ الصُّمِّ تَتَفَتَّحُ. حِينَئِذٍ يَقْفِزُ الأَعْرَجُ كَالإِيَّلِ وَيَتَرَنَّمُ لِسَانُ الأَخْرَسِ " ( أشعيا35/5-6 ). " وَأَجْعَلُكَ عَهْداً لِلشَّعْبِ وَنُوراً لِلأُمَمِ، لِتَفْتَحَ عُيُونَ الْعُمْيِ لِتُخْرِجَ مِنَ الْحَبْسِ الْمَأْسُورِينَ مِنْ بَيْتِ السِّجْنِ الْجَالِسِينَ فِي الظُّلْمَةِ " ( أشعياء 42/6-7 ).
وفي مجمع الناصرة أعلن أمام الجموع إنّه هو " المسيح الآتي والمنتظر" الذي تنبّأ عنه الأنبياء مستشهدًا بما جاء عنه في سفر إشعياء النبي " فَدُفِعَ إِلَيْهِ سِفْرُ إِشَعْيَاءَ النَّبِيِّ. وَلَمَّا فَتَحَ السِّفْرَ وَجَدَ الْمَوْضِعَ الَّذِي كَانَ مَكْتُوباً فِيهِ: رُوحُ الرَّبِّ عَلَيَّ لأَنَّهُ مَسَحَنِي لأُبَشِّرَ الْمَسَاكِينَ أَرْسَلَنِي لأَشْفِيَ الْمُنْكَسِرِي الْقُلُوبِ لأُنَادِيَ لِلْمَأْسُورِينَ بِالإِطْلاَقِ ولِلْعُمْيِ بِالْبَصَرِ وَأُرْسِلَ الْمُنْسَحِقِينَ فِي الْحُرِّيَّةِ، وَأَكْرِزَ بِسَنَةِ الرَّبِّ الْمَقْبُولَةِ. ثُمَّ طَوَى السِّفْرَ وَسَلَّمَهُ إِلَى الْخَادِمِ وَجَلَسَ. وَجَمِيعُ الَّذِينَ فِي الْمَجْمَعِ كَانَتْ عُيُونُهُمْ شَاخِصَةً إِلَيْهِ. فَابْتَدَأَ يَقُولُ لَهُمْ: إِنَّهُ الْيَوْمَ قَدْ تَمَّ هَذَا الْمَكْتُوبُ فِي مَسَامِعِكُمْ " ( لوقا4/17-21 ).
وعندما أراد أن يعلن عن هذه الحقيقة لتلاميذه سألهم قائلاً " مَنْ يَقُولُ النَّاسُ إِنِّي أَنَا ابْنُ الإِنْسَانِ؟. فَقَالُوا: " قَوْمٌ يُوحَنَّا الْمَعْمَدَانُ وَآخَرُونَ إِيلِيَّا وَآخَرُونَ إِرْمِيَا أَوْ وَاحِدٌ مِنَ الأَنْبِيَاءِ". قَالَ لَهُمْ: " وَأَنْتُمْ مَنْ تَقُولُونَ إِنِّي أَنَا؟" فَأَجَابَ سِمْعَانُ بُطْرُسُ: " أَنْتَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ الْحَيِّ ". فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: " طُوبَى لَكَ يَا سِمْعَانُ بْنَ يُونَا إ ِنَّ لَحْماً وَدَماً لَمْ يُعْلِنْ لَكَ لَكِنَّ أَبِي الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ "( متي16/13-17 )، مؤكدًا أنّ هذا الإعلان عن كونه المسيح ابن الله الحي تم بإعلان من الله وليس من بشر .
ــــــــــ
- 104 -
وفي مناسبة أخري كرّر القدّيس بطرس إعلان هذه الحقيقة قائلاً: " وَنَحْنُ قَدْ آمَنَّا وَعَرَفْنَا أ َنَّكَ أَنْتَ الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ الْحَيِّ " ( يوحنا 6/69 ). وقالت له مرثا أخت لعازر " أَنَا قَدْ آمَنْتُ أ َنَّكَ أَنْتَ الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ الآتِي إِلَى الْعَالَمِ "( يوحنا11/27 ).
بل وقد كتب الإنجيل أساسًا لإعلان هذه الحقيقة أنَّ يسوع الناصري هو المسيح ابن الله، يقول الكتاب:" وَأَمَّا هَذِهِ فَقَدْ كُتِبَتْ لِتُؤْمِنُوا أَنَّ يَسُوعَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ وَلِكَيْ تَكُونَ لَكُمْ إِذَا آمَنْتُمْ حَيَاةٌ بِاسْمِهِ "( يوحنا20/31 ). فهل يُمكن هذا أن يكون المسيح ليس هو المسيح؟!!.
2- ما معنى قوله لليهود أن كان داود يدعوه ربا فكيف يكون ابنه؟
وبرغم ذلك فقد أعترض بعض الكتاب من الإخوة المسلمين على أنَّ المسيح المنتظر من نسل داود وزعموا نتيجة لفهمهم الخاطئ للسؤال الذي سأله الرب يسوع المسيح للفرّيسيّين قائلاً: " مَاذَا تَظُنُّونَ فِي الْمَسِيحِ؟ ابْنُ مَنْ هُوَ؟"؛ قَالُوا لَهُ: " ابْنُ دَاوُدَ". قَالَ لَهُمْ: " فَكَيْفَ يَدْعُوهُ دَاوُدُ بِالرُّوحِ رَبّاً قَائِلاً:" قَالَ الرَّبُّ لِرَبِّي اجْلِسْ عَنْ يَمِينِي حَتَّى أَضَعَ أَعْدَاءَكَ مَوْطِئاً لِقَدَمَيْكَ؟ فَإِنْ كَانَ دَاوُدُ يَدْعُوهُ رَبّاً فَكَيْفَ يَكُونُ ابْنَهُ؟ "( متي22/42-45 ). وقالوا أنه ليس ابن داود بل هو سيد داود وربه وبالتالي لا يكون هو المسيح ابن مريم بلّ يكون هو نبيّ المسلمين!! فقالت د. مها محمد " إمّا أنَّ السيد المسيح ليس ابن داود ( فإنْ كان داود يدعوه ربًا، فكيف يكون ابنه ) وهذا غير ممكن لأنَّ السيد المسيح من نسل داود من جهة أمّه... إمّا أنَّ السيد المسيح أراد أنْ يذكر أنَّ السيد " النبي " الذي يتحدث عنه داود - عليه السلام - ليس من نسل داود "، وتُضيف ملحوظة أنَّ نبي المسلمين ليس من نسل داود " (7) !! وكتب عبد الأحد داود فصلاً في إثبات أنَّ الذي دعاه داود " ربّي " والتي حاول جهده أنْ يحوّلها إلى مُجرّد " سيّد " هو نبي المسلمين وذلك اعتمادًا على قول الربّ يسوع المسيح المذكور أعلاه (8) !!.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(7) د. مها ص 135-138.
(8) محمد في الكتاب المقدّس؛ ص106-108.
ــــــــــ
- 105 -
وللرد عليهم نقول لهم:
1 - أنَّ الكلمة " ربّي " المستخدمة في قول داود النبي في المزمور110/1:
" قَالَ الرَّبُّ ( יהוה - yehôvâh – يَهْوَه - yeh-ho-vaw ) لِرَبِّي ( אדן אדון - âdôn âdôn,, - لأدوناي - Adonai ) : اجْلِسْ عَنْ يَمِينِي حَتَّى أَضَعَ أَعْدَاءَكَ مَوْطِئاً لِقَدَمَيْكَ ".
"
לדוד מזמור נאם יהוה
(
yehôvâh
– يَهْوَه - yeh-ho-vaw )
לאדני
(
âdôn, âdôn
- أدوناي )שׁב
לימיני עד־אשׁית איביך הדם לרגליך"
“ The LORD
(יהוה
- yehôvâh
–
يَهْوَه - yeh-ho-vaw )
said: unto my Lord
( -
אדן אדון
âdôn, âdônآدوناي
- ),
Sit thou at my right hand, until I make thine enemies thy footstool.”
هي (אדן אדון - âdôn âdôn, - لأدوناي - Adonai )، من لقب ( آدون – אדן – Adon ) في العبرية، وتعني ( رب – سيّد - Lord )، وجمعها ( آدونيم – Adonim – أرباب - Lords )، وتستخدم كجمع تعظيم للمفرد(9).
وقد استخدم هذا
اللقب " آدون " بكل هذه المعاني في مخاطبة الله، بالمعنى الأسمى، معنى
الكرامة والسيادة(10)،
فهو الرب والسيد صاحب السلطان والسيادة على جميع المخلوقات، مخلوقاته هو،
كالخالق للكون وما فيه، السماء والأرض، من فيها ومن عليها، كما يُستخدم
أيضًا للتعبير عن قوة الله وقدرته الكليّة. ويُستخدم أيضًا عن الله بصيغة
الجمع، جمع التعظيم للتعبير عن لاهوت الله وربوبيته وسيادته " قدرته
السرمدية ولاهوته " (رومية1/20)،
"
لأَنَّ الرَّبَّ
(
יהוה
- yehôvâh
– يَهْوَه -
yeh-ho-vaw
)
إِلهَكُمْ
(
אלהים
-
ĕlôhîym
- el-o-heem
)
هُوَ إِلهُ
الآلِهَةِ وَرَبُّ الأَرْبَابِ
(
אדן אדון
-
âdôn âdôn,
- آدوناي -
Adonai)
الإِلهُ
العَظِيمُ
الجَبَّارُ المَهِيبُ الذِي لا يَأْخُذُ بِالوُجُوهِ وَلا يَقْبَلُ
رَشْوَةً
" (تثنية10/17).
ويعني لقب (
آدوني-
Adonai)،
( ربّي، سيّدي -
my Lord
) لأنَّ حرف ( اليود –
י
)، ( الياء – ي ) هو ياء الملكية.
أمّا ( آدوناي -
Adonai)
فيُستخدم عادة للاحترام والتوقير، كبديل لـ " أنت " و " هو "(11)
ويُستخدم في أغلب الأحيان عن الله ويرتبط دائمًا بالاسم الإلهي " يَهْوَه "
ويظهر هذا اللقب في العهد القديم 449 مرّة، منها 315 مرّة مع " يَهْوَه "؛
310 منها " آدوناي يَهْوَه "، و 5 مرّات " يَهْوَه آدوناي"، و134 مرّة "
آدوناي " وحده(12).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(9) Theological. Dictionary. aT Vol. 1 P.61 .
(10) Interpreters. Die. Vol. 2 P. 414 .
(11) Thea. Die. aT Vol. 1 P,62
(12) Thea. Die. OT Vol. 1 P. 62, 63.
ــــــــــ
- 106 -
وقد تكرر اللقب في سفر أشعياء وحزقيال وحده 200 مرّة (13) ، منها حوالي 182 مرّة (14) . " آدوناى يَهْوَه " و الباقي " آدوناى " وحده. وفي الأصحاح 9 من سفر دانيال 11مرّة.
وقد استعملت لأول مرّة في " فَقَالَ ابْرَامُ: " ايُّهَا السَّيِّدُ الرَّبُّ (אדני יהוה - yeh-ho-vee ad-o-noy - yehôvih ădônây ) مَاذَا تُعْطِينِي وَانَا مَاضٍ عَقِيما وَمَالِكُ بَيْتِي هُوَ الِيعَازَرُ الدِّمَشْقِيُّ؟" " ( تكوين15/2 ) وقد تُرجم هذا اللقب المُركّب " آدوناي يَهْوَه " و " يَهْوَه آدوناى-אדני יהוה " بـ " السيّد الربّ – Lord God " (15) ، ويُعبّر عن سلطة الله، يَهْوَه، وسيادته على الكون كله، الخليقة كلها. وفى الغالبية العظمى من الفقرات التي يتكرّر فيها " آدوناى " تسبقه عبارة " هكذا يقول " كمقدمة له، خاصّة في سفري حزقيال وإشعياء" لذلك هكذا يقول السيد الرب... " (16) ." هكذا يقول السيد رب الجنود... "( إشعياء10/24 ) (17) .
وكان اليهود قد امتنعوا عن نطق اسم الله يَهْوَه منذ فترة ما بعد السبي، حوالي 400ق م (18) ، خوفًا من النطق به باطلاً كقول الكتاب " لا تَنْطِقْ بِاسْمِ الرَّبِّ الَهِكَ بَاطِلا لانَّ الرَّبَّ لا يُبْرِئُ مَنْ نَطَقَ بِاسْمِهِ بَاطِلا "( خروج20/7 ). وأستخدموا اللقب " آدوناى " بديلاً له ومرادف لاسم يَهْوَه ومساوٍ تفسيري له، يُعَبّر عن مغزاه وماهيّته (19) ، كما حلّ محلّه، كبديل له، في الأحاديث الشفوية (20) . وهذا جعل اليهود يحرصون على حماية الاستخدام الديني لـ " آدون " حتى لا يخاطب الناس به كما يخاطبون السادة من البشر، فكانوا يكتبونه، عند الاستخدام مع " يَهْوَه " أو كبديل له، بطريقة مميزة وينطقونه أيضًا بطريقة مميّزة ( فقد اعتبروا حرف الياء (ي) الأخير في الكلمة والدال على الملكية جزء من الكلمة " آدونـ ى "، ثم طوّلوا نطق هذه الياء، الأخيرة من الكلمة ) فأصبحت " آدونـ اى ". وكان هذا الفارق الخفيف كافٍ لتمييز " آدوناى " كنصٍ دينىٍّ ).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(13) Ibid 63.
(14) All Divine names.p. 35.
(15) International Standard. Bible. Encyclopedia. Vol. 2 P. 508.
(16) أنظر حزقيال 8/13و16و20.
(17) أنظر كتابنا " هل المسيح هو الله أم ابن الله أم هو بشر؟"؛ ص 28و29.
(18) المرجع السابق؛ ص20.
(19)Kittle Thea. Die. NT Vol. 3 P. '058.
(20) Int. St. Bib. Ene . Vol. 2 P. 508.
ــــــــــ
- 107 -
2 - وفى هذه النبوّة يتكلّم عن الرب " يَهْوَه " الذي يخاطب الرب " آدونـ اى "ويجلسه عن يمين العظمة. فمن المقصود هنا بـ " آدونـ اي " المساوي ليَهْوَه؟. والإجابة نجدها في الآية نفسها وفي قول داود في مزمور آخر؛ فهنا في هذه الآية يقول يهوه لآدونـ اي " اجْلِسْ عَنْ يَمِينِي حَتَّى أَضَعَ أَعْدَاءَكَ مَوْطِئاً لِقَدَمَيْكَ "، وفي المزمور الثاني يتنبأ عن المسيح قائلاً " أَنْتَ ابْنِي. أَنَا الْيَوْمَ وَلَدْتُكَ " ( مزمور2/7 ).
ونسأل مرّة أخرى؛ من هو الذي قال له يَهْوَه " أَنْتَ ابْنِي. أَنَا الْيَوْمَ وَلَدْتُكَ " ؟.
والإجابة هي، يقول الكتاب المقدس أنّه الرب يسوع المسيح " إِذْ أَقَامَ يَسُوعَ كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ أَيْضاً فِي الْمَزْمُورِ الثَّانِي: أَنْتَ ابْنِي أَنَا الْيَوْمَ وَلَدْتُكَ " ( أعمال13/33 )، وفي مقارنة مع الملائكة يقول " لأَنَّهُ لِمَنْ مِنَ الْمَلاَئِكَةِ قَالَ قَطُّ: أَنْتَ ابْنِي أَنَا الْيَوْمَ وَلَدْتُكَ " ( عبرانيين1/5 )، " كَذَلِكَ الْمَسِيحُ أَيْضاً لَمْ يُمَجِّدْ نَفْسَهُ لِيَصِيرَ رَئِيسَ كَهَنَةٍ، بَلِ الَّذِي قَالَ لَهُ: أَنْتَ ابْنِي أَنَا الْيَوْمَ وَلَدْتُكَ "( عبرانيين5/5 ).
والسؤاك الثاني؛ من هو الجالس عن يمين الله، يَهْوَه؟.
والإجابة هي الرب يسوع المسيح حيث يقول لنا الكتاب أنَّه لم يصعد إلى السماء ويجلس عن يمين الآب سوي شخص واحد هو الرب يسوع المسيح!! فقد أكّد الربّ يسوع المسيح أنّه هو الربّ " آدونـ اي " وآدونـ اي هو " يَهْوَه "، وأنّه هو الجالس في يمين العظمة، على عرش الله في السماء. كما قال لتلاميذه " مِنَ الآنَ تُبْصِرُونَ ابْنَ الإِنْسَانِ جَالِساً عَنْ يَمِينِ الْقُوَّةِ " ( متي26/64 ؛ مرقس14/62 ). وعن صعوده يقول " ثُمَّ إِنَّ الرَّبَّ بَعْدَمَا كَلَّمَهُمُ ارْتَفَعَ إِلَى السَّمَاءِ وَجَلَسَ عَنْ يَمِينِ اللَّهِ " ( مرقس16/19 )، " ارْتَفَعَ بِيَمِينِ الله ِ" ( أعمال الرسل2/33؛ 5/31 )، " مَنْ هُوَ الَّذِي يَدِينُ؟ الْمَسِيحُ هُوَ الَّذِي مَاتَ بَلْ بِالْحَرِيِّ قَامَ أَيْضاً الَّذِي هُوَ أَيْضاً عَنْ يَمِينِ اللهِ الَّذِي أَيْضاً يَشْفَعُ فِينَا! " ( رومية8/34 )، " الْمَسِيحُ جَالِسٌ عَنْ يَمِينِ اللهِ. " ( كولوسي3/1 )، " الَّذِي، وَهُوَ بَهَاءُ مَجْدِهِ، وَرَسْمُ جَوْهَرِهِ، وَحَامِلٌ كُلَّ الأَشْيَاءِ بِكَلِمَةِ قُدْرَتِهِ، بَعْدَ مَا صَنَعَ بِنَفْسِهِ تَطْهِيراً لِخَطَايَانَا، جَلَسَ فِي يَمِينِ الْعَظَمَةِ فِي الأَعَالِي " ( عبرانيين1/3 )،
ــــــــــ
- 108 -
" جَلَسَ فِي يَمِينِ عَرْشِ الْعَظَمَةِ فِي السَّمَاوَاتِ " ( عبرانيين8/1 ). " فَجَلَسَ فِي يَمِينِ عَرْشِ اللهِ. "( عبرانيين12/2 )، " وَأَجْلَسَهُ عَنْ يَمِينِهِ فِي السَّمَاوِيَّاتِ "( أفسس1/20 )، " الَّذِي هُوَ فِي يَمِينِ اللهِ، إِذْ قَدْ مَضَى إِلَى السَّمَاءِ، وَمَلاَئِكَةٌ وَسَلاَطِينُ وَقُوَّاتٌ مُخْضَعَةٌ لَهُ "( 1بطرس3/22 ). فالمسيح، إذًا، هو الرب " آدونـاي – يَهْوه "، ربّ داود الجالس في يمين عرش العظمة، عرش الله في السماء.
3 - أمّا بخصوص ما قاله هؤلاء الكتّاب أنَّ المسيح " رفض الفكرة القائلة أنَّ المسيح الذي كانت تنتظره إسرائيل كان أحد أبناء داود "؟!! فالمسيح لم ينفِ مطلقًا أنّه هو المسيح الذي كانت تنتظره إسرائيل ولا أنّه، هو، أحد أبناء داود بلّ كان الجموع يُنادونه بلقب " ابن داود " ويقولون له " يا ابن داود " (21) ، بل ويبدأ الإنجيل للقديس متّي بقوله " كِتَابُ مِيلاَدِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ ابْنِ دَاوُدَ ابْنِ إِبْراهِيمَ " ( متي1/1 )، وقال عنه الكاتب أيضًا " الَّذِي صَارَ مِنْ نَسْلِ دَاوُدَ مِنْ جِهَةِ الْجَسَدِ " ( رومية1/3 )، ووصفه الكتاب بـ " الأَسَدُ الَّذِي مِنْ سِبْطِ يَهُوذَا، أَصْلُ دَاوُدَ " ( رؤيا5/5 )، ووصف هو نفسه بقوله " أَنَا أَصْلُ وَذُرِّيَّةُ دَاوُدَ " ( رؤيا22/16 ). أمّا الآيات التي استشهد بها الكاتب والتي سأل فيها الرب يسوع المسيح اليهود قائلاً " مَاذَا تَظُنُّونَ فِي الْمَسِيحِ؟ ابْنُ مَنْ هُوَ؟"؛ قَالُوا لَهُ: " ابْنُ دَاوُدَ". قَالَ لَهُمْ: " فَكَيْفَ يَدْعُوهُ دَاوُدُ بِالرُّوحِ رَبّاً قَائِلاً:" قَالَ الرَّبُّ لِرَبِّي اجْلِسْ عَنْ يَمِينِي حَتَّى أَضَعَ أَعْدَاءَكَ مَوْطِئاً لِقَدَمَيْكَ؟ فَإِنْ كَانَ دَاوُدُ يَدْعُوهُ رَبّاً فَكَيْفَ يَكُونُ ابْنَهُ؟ "( متي22/42-45 ). لا تنفي كون المسيح ابن داود بل تؤكّد على كونه ابن داود بالجسد ورب داود بلاهوته. وهذا ما أراد الرب يسوع المسيح أنْ يؤكّده لليهود، كما قال عن نفسه " أَنَا أَصْلُ وَذُرِّيَّةُ دَاوُدَ " ( رؤيا22/16 )، أصل داود كربه وذرية داود بالجسد كما يقول الكتاب " الَّذِي صَارَ مِنْ نَسْلِ دَاوُدَ مِنْ جِهَةِ الْجَسَدِ " ( رومية1/3 ).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(21) أنظر (متي 9/7؛12؛23؛15/22؛20/30و31؛مرقس10/47و48؛ لوقا18/38و39).
ــــــــــ
- 109 -
وهنا يؤكّد الرب يسوع المسيح في سؤاله لهم أنّه رب داود الجالس عن يمين العظمة في السموات. فمن هو رب داود؟ والإجابه هي: رب داود هو الله. فالكتاب يقول: " إِسْمَعْ يَا إِسْرَائِيلُ: الرَّبُّ إِلهُنَا رَبٌّ وَاحِدٌ " ( تثنية6/4 )، وأيضًا " الرَّبَّ إِلهَكَ تَسْجُد وَإِيَّاهُ تَعْبُدُ وَبِاسْمِهِ تَحْلِفُ " ( تثنية6/13؛ متي4/10 ). وقد أكّد ذلك أيضًا السيد المسيح نفسه في قوله " إِنَّ أَوَّلَ كُلِّ الْوَصَايَا هِيَ: اسْمَعْ يَا إِسْرَائِيلُ. الرَّبُّ إِلَهُنَا رَبٌّ وَاحِدٌ " ( مرقس12/29 ). والكتاب يقول أيضًا أنَّ الرب يسوع المسيح نفسه هو هذا الرب الواحد " لَكِنْ لَنَا إِلَهٌ وَاحِدٌ: الآبُ الَّذِي مِنْهُ جَمِيعُ الأَشْيَاءِ وَنَحْنُ لَهُ. وَ رَبٌّ وَاحِدٌ: يَسُوعُ الْمَسِيحُ الَّذِي بِهِ جَمِيعُ الأَشْيَاءِ وَنَحْنُ بِهِ " ( 1كورونثوس8/6 ). ويقول القديس بطرس عنه بالروح " هَذَا هُوَ رَبُّ الْكُلِّ " ( أعمال10/36 ).
3- من هو المقصود في قوله أنت ابني أنا اليوم ولدتك ؟
قال الإمام القرافي أن ما جاء في المزمور الثاني هو نبوة عن نبي المسلمين لأنه هو الذي ورث وبلغ سلطانه أقصى الأرض وحاط الأمم وسامهم بسيفه (22) !! وقال الأستاذ على الجوهري " إنَّ المزمور كله نبوءة عن النبي المنتظر. وهو محمد (صلعم )... وقد رأيت في كتب أهل الكتاب: أنَّ جميع علمائهم متفقون على أنَّ المزمور الثاني كله نبوءة عن النبي المنتظر الذي يلقبونه بلقب مسيّا أو المسيح على عاداتهم مع أنبيائهم وعلمائهم وملوكهم. فالمسيح بلغتهم يكون هو محمد رسول الله..." (23) !! ويقول المزمور " لِمَاذَا إِرْتَجَّتِ اَلأُمَمُ وَتَفَكَّرَ اَلشُّعُوبُ فِي اَلْبَاطِلِ؟ . قَامَ مُلُوكُ اَلأَرْضِ وَتَآمَرَ اَلرُّؤَسَاءُ مَعاً عَلَى اَلرَّبِّ وَعَلَى مَسِيحِهِ قَائِلِينَ: لِنَقْطَعْ قُيُودَهُمَا وَلْنَطْرَحْ عَنَّا رُبُطَهُمَا. اَلسَّاكِنُ فِي اَلسَّمَاوَاتِ يَضْحَكُ. اَلرَّبُّ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ. حِينَئِذٍ يَتَكَلَّمُ عَلَيْهِمْ بِغَضَبِهِ وَيَرْجُفُهُمْ بِغَيْظِهِ. أَمَّا أَنَا فَقَدْ مَسَحْتُ مَلِكِي عَلَى صِهْيَوْنَ جَبَلِ قُدْسِي . إِنِّي أُخْبِرُ مِنْ جِهَةِ قَضَاءِ اَلرَّبِّ.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(22) الجواب الصحيح لمنز بدل دين المسيح؛ ص 248.
(23) حقيقة النصرانية من الكتب المقدسة؛ ص21.
ــــــــــ
- 110 -
قَالَ لِي: أَنْتَ اِبْنِي0 أَنَا اَلْيَوْمَ وَلَدْتُكَ . اِسْأَلْنِي فَأُعْطِيَكَ اَلأُمَمَ مِيرَاثاً لَكَ وَأَقَاصِيَ اَلأَرْضِ مُلْكاً لَكَ. تُحَطِّمُهُمْ بِقَضِيبٍ مِنْ حَدِيدٍ. مِثْلَ إِنَاءِ خَزَّافٍ تُكَسِّرُهُمْ. فَالآنَ يَا أَيُّهَا اَلْمُلُوكُ تَعَقَّلُوا. تَأَدَّبُوا يَا قُضَاةَ اَلأَرْضِ. اُعْبُدُوا اَلرَّبَّ بِخَوْفٍ وَاِهْتِفُوا بِرَعْدَةٍ. قَبِّلُوا اَلاِبْنَ لِئَلاَّ يَغْضَبَ فَتَبِيدُوا مِنَ اَلطَّرِيقِ . لأَنَّهُ عَنْ قَلِيلٍ يَتَّقِدُ غَضَبُهُ. طُوبَى لِجَمِيعِ اَلْمُتَّكِلِينَ عَلَيْهِ ."
ونقول لهما أنَّ المرموز لا يمكن أن ينطبق علي غير الرب يسوع المسيح لأسباب كثيرة أهمّها:
1 - أنه يتكلم عن مسيح الرب وكما بيّنا في الصفحات السابقة أنَّ مسيح الرب هو الرب يسوع المسيح. كما أن نبي المسلمين لم يكن مسيحًا ولم يُدْعَ مسيحًا في أي كتاب إسلامي قبل القرن العشرين، كما أنه لم يُمسح بأيّ نوع من المسحة.
2 - أنَّ هذا المسيح هو من صهيون هو ملك صهيون الذي سيُمْسَح على جبل صهيون " أَمَّا أَنَا فَقَدْ مَسَحْتُ مَلِكِي عَلَى صِهْيَوْنَ جَبَلِ قُدْسِي . "، ونبي المسلمين لم يكن ولا يمكن أنْ يكون من صهيون والأسباب معروفة، وقد جاء المسيح من بني إسرائيل " وَلَهُمُ الآبَاءُ وَمِنْهُمُ الْمَسِيحُ حَسَبَ الْجَسَدِ الْكَائِنُ عَلَى الْكُلِّ إِلَهاً مُبَارَكاً إِلَى الأَبَدِ. آمِينَ " ( رومية9/5 ).
3 - أمّا قوله " أَنْتَ اِبْنِي0 أَنَا اَلْيَوْمَ وَلَدْتُكَ . " فلا يمكن أن ينطبق على غير المسيح فقد أكّد الكتاب المقدس أن هذه الآية وبقية المزمور يخصّه هو وطبّقه عليه ففي العماد جاءه صوت الله من السماء قائلاً " أَنْتَ ابْنِي الْحَبِيبُ الَّذِي بِهِ سُرِرْتُ " ( مرقس1/11 ). وقالن القديس بولس بالروح في مجمع اليهود " إِنَّ اللهَ قَدْ أَكْمَلَ هَذَا لَنَا نَحْنُ أَوْلاَدَهُمْ إِذْ أَقَامَ يَسُوعَ كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ أَيْضاً فِي الْمَزْمُورِ الثَّانِي : أَنْتَ ابْنِي أَنَا الْيَوْمَ وَلَدْتُكَ " ( أعمال13/33 ). وفي المقارنة بين المسيح والملائكة يقول" لأَنَّهُ لِمَنْ مِنَ الْمَلاَئِكَةِ قَالَ قَطُّ: أَنْتَ ابْنِي أَنَا الْيَوْمَ وَلَدْتُكَ " ( عبرانيين1/5 )، وأيضًا " كَذَلِكَ الْمَسِيحُ أَيْضاً لَمْ يُمَجِّدْ نَفْسَهُ لِيَصِيرَ رَئِيسَ كَهَنَةٍ، بَلِ الَّذِي قَالَ لَهُ: أَنْتَ ابْنِي أَنَا الْيَوْمَ وَلَدْتُكَ "( عبرانيين5/5 ).
4 - تقلّد سيفك على فخذك أيّها الجبّار:
قال المرنم " أَنْتَ أَبْرَعُ جَمَالاً مِنْ بَنِي اَلْبَشَرِ. اِنْسَكَبَتِ اَلنِّعْمَةُ عَلَى شَفَتَيْكَ لِذَلِكَ بَارَكَكَ اَللهُ إِلَى اَلأَبَدِ. تَقَلَّدْ سَيْفَكَ عَلَى فَخْذِكَ أَيُّهَا اَلْجَبَّارُ جَلاَلَكَ وَبَهَاءَكَ . وَبِجَلاَلِكَ اِقْتَحِمِ. اِرْكَبْ. مِنْ أَجْلِ اَلْحَقِّ وَاَلدَّعَةِ وَاَلْبِرِّ فَتُرِيَكَ يَمِينُكَ مَخَاوِفَ. نَبْلُكَ اَلْمَسْنُونَةُ فِي قَلْبِ أَعْدَاءِ اَلْمَلِكِ. شُعُوبٌ تَحْتَكَ يَسْقُطُون َ " ( مزمور45/2-5 ).
ــــــــــ
- 111 -
وقال هؤلاء الكتاب " إنَّ النبيّ الجبّار " نبي السيف والبيان، هو نبي المسلمين، فهو المقصود بهذه البشارة التي لا تنطبق علي غيره. وقال الشيخ رحمة الله الهندي " وهذا الأمر مسلّم عند أهل الكتاب أنَّ داود يُبشر في هذا الزبور بنبي يكون ظهوره بعد زمانه، ولم يظهر إلى هذا الحين نبي عند اليهود يكون موصوفًا بالصفات المذكورة في هذا الزبور "، ثم يقول أن المقصود به هو نبي المسلمين ويقدّم 17صفة له منها قوله " ... أنا رسول الله بالسيف " (24) !!
فهل ما يقولونه صحيح؟!! وما هي صفات هذا الملك المذكور؟ وهل هو مجرّد نبي أم أهم من ذلك؟
(1) والكتاب المقدس يقول لنا أن الملك المذكور في هذا المزمور أسمى من الإنسان في أعماله وجمال روحه " اِنْسَكَبَتِ اَلنِّعْمَةُ عَلَى شَفَتَيْكَ ". وهذا ما قيل عن الرب يسوع المسيح " لأَنَّ النَّامُوسَ بِمُوسَى أُعْطِيَ أَمَّا النِّعْمَةُ وَالْحَقُّ فَبِيَسُوعَ الْمَسِيحِ صَارَا "( يوحنا1/17 )، " وَكَانَ الْجَمِيعُ يَشْهَدُونَ لَهُ وَيَتَعَجَّبُونَ مِنْ كَلِمَاتِ النِّعْمَةِ الْخَارِجَةِ مِنْ فَمِهِ وَيَقُولُونَ: أَلَيْسَ هَذَا ابْنَ يُوسُفَ؟ " ( لو4/22 )، " وَلَمَّا جَاءَ إِلَى وَطَنِهِ كَانَ يُعَلِّمُهُمْ فِي مَجْمَعِهِمْ حَتَّى بُهِتُوا وَقَالُوا: مِنْ أَيْنَ لِهَذَا هَذِهِ الْحِكْمَةُ وَالْقُوَّاتُ؟ " ( متي13/54 )، " فَلَمَّا سَمِعَ تَلاَمِيذُهُ بُهِتُوا جِدّاً قَائِلِينَ: «إِذاً مَنْ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَخْلُصَ؟» " ( متي19/25 )،" فَلَمَّا سَمِعَ الْجُمُوعُ بُهِتُوا مِنْ تَعْلِيمِهِ. " ( متي22/33 )، " وَلَمَّا كَانَ السَّبْتُ ابْتَدَأَ يُعَلِّمُ فِي الْمَجْمَعِ. وَكَثِيرُونَ إِذْ سَمِعُوا بُهِتُوا قَائِلِينَ: «مِنْ أَيْنَ لِهَذَا هَذِهِ؟ وَمَا هَذِهِ الْحِكْمَةُ الَّتِي أُعْطِيَتْ لَهُ حَتَّى تَجْرِيَ عَلَى يَدَيْهِ قُوَّاتٌ مِثْلُ هَذِهِ؟ " ( مرقس6/2 ).
(2) بل وأسمى من الإنسان العادي لأن المزمور يصفه بالله:
" كُرْسِيُّكَ يَا اَللهُ (إيلوهيم- אלהים - ĕlôhîym) ) إِلَى دَهْرِ اَلدُّهُورِ. قَضِيبُ اِسْتِقَامَةٍ قَضِيبُ مُلْكِكَ "= "כסאך אלהים עולם ועד שׁבט מישׁר שׁבט מלכותך "(الآية 6). وهذا الوصف لا ينطبق على غير شخص إلهي.
(3) وهو ممسوح بدهن الابتهاج " أَحْبَبْتَ اَلْبِرَّ وَأَبْغَضْتَ اَلإِثْمَ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ مَسَحَكَ اَللهُ إِلَهُكَ بِدُهْنِ اَلاِبْتِهَاجِ أَكْثَرَ مِنْ رُفَقَائِكَ " (الآية7).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(24) إظهار الحق؛ ج2 ص214-219.
ــــــــــ
- 112 -
وهذه المسحة كان يُمسح بها الكهنة والملوك، وقد مُسح الرب يسوع بالروح القدس، وطبق عليه الوحي الإلهيّ هذه النبوّة إذ يقول الكتاب " " ( عبرانيين1/8و-9 ).
(4) و " كُلُّ ثِيَابِكَ (معطرة بالـ ) مُرٌّ وَعُودٌ وَسَلِيخَةٌ ( وهي عبارة عن مواد عطرية ). مِنْ قُصُورِ اَلْعَاجِ سَرَّتْكَ (صدحت موسيقى الآلات الوترية ) اَلأَوْتَارُ. بَنَاتُ مُلُوكٍ بَيْنَ حَظِيَّاتِكَ. جُعِلَتِ اَلْمَلِكَةُ عَنْ يَمِينِكَ (مزينة ) بِذَهَبِ أُوفِير " ( الآية8 )...
(5) ويصف العروس الملكية في هذا المزمور بأنَّ ملابسها منسوجة من الذهب ( الآية9 ). وهذا الوصف ينطبق على سليمان الحكيم الذي يقول عنه الكتاب " " ( 1ملوك10 ).
والعروس هنا ترمز للكنيسة عروس المسيح " لِنَفْرَحْ وَنَتَهَلَّلْ وَنُعْطِهِ الْمَجْدَ، لأَنَّ عُرْسَ الْحَمَلِ قَدْ جَاءَ، وَامْرَأَتُهُ هَيَّأَتْ نَفْسَهَا. وَأُعْطِيَتْ أَنْ تَلْبَسَ بَزّاً نَقِيّاً بَهِيّاً، لأَنَّ الْبَزَّ هُوَ تَبَرُّرَاتُ الْقِدِّيسِينَ» " ( رؤيا19/7-8 ). وإلى أورشليم السمائية مسكن المسيح مع قديسيه " ثُمَّ رَأَيْتُ سَمَاءً جَدِيدَةً وَأَرْضاً جَدِيدَةً، لأَنَّ السَّمَاءَ الأُولَى وَالأَرْضَ الأُولَى مَضَتَا، وَالْبَحْرُ لاَ يُوجَدُ فِي مَا بَعْدُ. وَأَنَا يُوحَنَّا رَأَيْتُ الْمَدِينَةَ الْمُقَدَّسَةَ أُورُشَلِيمَ الْجَدِيدَةَ نَازِلَةً مِنَ السَّمَاءِ مِنْ عِنْدِ اللهِ مُهَيَّأَةً كَعَرُوسٍ مُزَيَّنَةٍ لِرَجُلِهَا. " ( رؤيا21/1-2 ).
فالمزمور إذًا له معني حرفي، وآخر روحي مجازي، فمن حيث التاريخ، هو نشيد زفاف لأحد ملوك إسرائيل. وهو سليمان في كل مجده. ولكن إتمامه النبوي المقصود فى النبوّة يتكلم عن الملك الآتى ذو الصفات الإلهة، ابن داود، المسيا،
ــــــــــ
- 113 -
ومن ثم يقصد بالسيف هنا لا سيف الحرب بل سيف الروح والحق. يقول الكتاب " حَامِلِينَ فَوْقَ الْكُلِّ تُرْسَ الإِيمَانِ، الَّذِي بِهِ تَقْدِرُونَ أَنْ تُطْفِئُوا جَمِيعَ سِهَامِ الشِّرِّيرِ الْمُلْتَهِبَةِ وَخُذُوا خُوذَةَ الْخَلاَصِ، وَسَيْفَ الرُّوحِ الَّذِي هُوَ كَلِمَةُ اللهِ " ( أفسس6/16-17 ). " لأَنَّ كَلِمَةَ اللهِ حَيَّةٌ وَفَعَّالَةٌ وَأَمْضَى مِنْ كُلِّ سَيْفٍ ذِي حَدَّيْنِ، وَخَارِقَةٌ إِلَى مَفْرَقِ النَّفْسِ وَالرُّوحِ وَالْمَفَاصِلِ وَالْمِخَاخِ، وَمُمَيِّزَةٌ أَفْكَارَ الْقَلْبِ وَنِيَّاتِهِ " ( عبرانيين4/12 ). هذا هو سيف المسيح وهذه هي أسلحة المؤمنين به وهذا ما تشير إليه النبوة " لأَنَّنَا وَإِنْ كُنَّا نَسْلُكُ فِي الْجَسَدِ، لَسْنَا حَسَبَ الْجَسَدِ نُحَارِبُ إِذْ أَسْلِحَةُ مُحَارَبَتِنَا لَيْسَتْ جَسَدِيَّةً، بَلْ قَادِرَةٌ بِاللَّهِ عَلَى هَدْمِ حُصُونٍ، هَادِمِينَ ظُنُوناً وَكُلَّ عُلْوٍ يَرْتَفِعُ ضِدَّ مَعْرِفَةِ اللهِ، وَمُسْتَأْسِرِينَ كُلَّ فِكْرٍ إِلَى طَاعَةِ الْمَسِيحِ " ( 2كورونثوس10/3-5 ). " اُصْحُوا وَاسْهَرُوا لأَنَّ إِبْلِيسَ خَصْمَكُمْ كَأَسَدٍ زَائِرٍ، يَجُولُ مُلْتَمِساً مَنْ يَبْتَلِعُهُ هُوَ. فَقَاوِمُوهُ رَاسِخِينَ فِي الإِيمَانِ، عَالِمِينَ أَنَّ نَفْسَ هَذِهِ الآلاَمِ تُجْرَى عَلَى إِخْوَتِكُمُ الَّذِينَ فِي الْعَالَمِ. " ( 1بطرس5/8-9 ).
ومن ثم لا يمكن أن يكون هذا المزمور نبوّة عن نبي المسلمين فالمزمور يطلق عليه لقب " الله "، أو بالحري لقب " إله " وبالعبرية إيلوهيم ( אלהים -ĕlôhîym ) وهذا ما لم يقله أحد من المسلمين بل ويعتبرون ذلك كفرًا!! كما تذكر النبوة " مسحة بدهن المسحة " كملك ونبي وكاهن وهذا ما لم يعرفه العرب ولم يحدث مع نبي المسلمين ولا يذكر القرآن أو الحديث أو السيرة مثل هذه المسحة!! وقد مُسح المسيح بالروح القدس.
5- ترنيمة جديدة وتسبيحه في جماعة القديسين:
يقول المرنم بالروح " هَلِّلُويَا. غَنُّوا لِلرَّبِّ تَرْنِيمَةً جَدِيدَةً تَسْبِيحَتَهُ فِي جَمَاعَةِ الأَتْقِيَاءِ. لِيَفْرَحْ إِسْرَائِيلُ بِخَالِقِهِ . لِيَبْتَهِجْ بَنُو صِهْيَوْنَ بِمَلِكِهِمْ . لِيُسَبِّحُوا اسْمَهُ بِرَقْصٍ. بِدُفٍّ وَعُودٍ لِيُرَنِّمُوا لَهُ. لأَنَّ الرَّبَّ رَاضٍ عَنْ شَعْبِهِ. يُجَمِّلُ الْوُدَعَاءَ بِالْخَلاَصِ. لِيَبْتَهِجِ الأَتْقِيَاءُ بِمَجْدٍ. لِيُرَنِّمُوا عَلَى مَضَاجِعِهِمْ. تَنْوِيهَاتُ اللهِ فِي أَفْوَاهِهِمْ وَسَيْفٌ ذُو حَدَّيْنِ فِي يَدِهِمْ. لِيَصْنَعُوا نَقْمَةً فِي الأُمَمِ وَتَأْدِيبَاتٍ فِي الشُّعُوبِ. لأَسْرِ مُلُوكِهِمْ بِقُيُودٍ وَشُرَفَائِهِمْ بِكُبُولٍ مِنْ حَدِيدٍ. لِيُجْرُوا بِهِمُِ الْحُكْمَ الْمَكْتُوبَ. كَرَامَةٌ هَذَا لِجَمِيعِ أَتْقِيَائِهِ. هَلِّلُويَا " ( مزمور149 )
ــــــــــ
- 114 -
قال الشيخ رحمة الله الهندي أنَّ هذا الزبور ( المزمور) ينطبق علي نبي المسلمين للأسباب الآتية: أنَّ نبي المسلمين هو الملك وأنَّ أتباعه هم الأبرار وأنهم افتخروا بالمجد وترفيع الله لهم، وفي أيديهم سيوف ذو حدين (25) . وقال ابن تيمية " فلس متقلد السيف من الأنبياء بعد داود سوى محمد... وهو الذي خرت الأمم تحته، وقرنت شرائعه بالهيبة، كما قال ( صلعم ) عن نفسه : " نُصِرْتُ بالرعب مسيرة شهر" (26) .
(1) ونقول لهم أنه لا يمكن أن ينطبق ما جاء في المزمور هكذا لأن المزمور بتحدّث عن بني إسرائبل وملكهم " لِيَفْرَحْ إِسْرَائِيلُ بِخَالِقِهِ . لِيَبْتَهِجْ بَنُو صِهْيَوْنَ بِمَلِكِهِمْ . "، فالملك المقصود هنا هو ملك إسرائبل وملوك إسرائيل لا يمكن أن يكونوا من الأمم كما بينّا في الفصل الرابع، كما أنَّه لا يُمكن أنْ يكون هو نبي المسلمين ولايُمكن أن يُقال هذا الكلام عن نبي المسلمين لأنّه لم يكن ابدًا ملكًا لإسرائيل ولافرح إسرائيبل به لأنّه كان بينه وبينهم عداوة لم تتوفف إلا بانتهاء وجودهم من الجزبرة العربية!!
(2) كما أن الترنيم باستخدام الرقص والدفّ والعود غير مستعمل في العبادة الإسلامية وكذلك السيف ذو الحدين ليس سيف نبي المسلمين ولا علي بدليل أن الآية تصرح بأنه ليس في يدي الملك الذي يقولون أنه نبي المسلمين بل فالإسرائيليين ينتقمون به من أعدائهم. والأمة المذكورة هنا هي بنو صهيون ولا علاقة لها بالأمة الأمية. والملك في (الآية2) قيل عنه في صدر الآية بأنه الخالق.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(25) المصدر السابق؛ ص220.
(26) " الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح " ج3ص319: وأضاف المستشار الطهطاوي " فلقد كان السيف والنبل في زمنه أسلحة الجيش الإسلامي القائم علي نشر الدين الحنيف... ومن ناحية أخري فإنَّ انسكاب النعمة علي شفتيه تشير إلي الفصاحة والإعجاز البياني الذي جاء به في القرآن الكريم المُنزل عليه من ربّ العباد"، محمد نبي الإسلام ص18.
ــــــــــ
- 115 -
نظرًا لإمتلاء سفر إشعياء النبي بالنبوّات الكثيرة التي تخصّ الربّ يسوع المسيح، المسيح المنتظر، ابن إبراهيم واسحق ويعقوب ويهوذا وداود، فقد أسماه الدارسون بالنبيّ الإنجيليّ. ولذا لجأ بعض الكتّاب من غير المسيحيّين لاستخدام بعض آياته وتحويرها وإخراجها من قرينتها ومضمونها الأصلي وسياق الكلام، و تصويرها علي أنّها نبوّات عن نبيّ المسلمين دون سندٍ أو دليلٍ!!
ونقول لهؤلاء الكتّاب أنَّ هناك فرقًا بين أسلوب لوي الحقائق وإخراج الآيات من مضمونها وجوهرها لتبدو في صورة ليست لها!! وبين النبوّات الحقيقيّة الواضحة المباشرة، سواء في معناها أو في جوهرها أو في وضوح الشخص الذي تتحدّث عنه بصورة واضحة وصريحة ومباشرة. كما نؤكّد لهم ونكرّر أنَّ الربّ يسوع المسيح شرح هذه النبوّات لتلاميذه وفسّر لهم معانيها، كما بيّنا، وأشار إليها هو وتلاميذه وطبّقوها بدقّة حسب توقيتها ومناسبتها على شخص الرب يسوع المسيح.
فيما يلى ما استخدمه هؤلاء الكتّاب من آيات:
1- الذي لايعرف القراءة ولا الكتابة:
قال إشعياء النبي بالروح: " لأَنَّ الرَّبَّ قَدْ سَكَبَ عَلَيْكُمْ رُوحَ سُبَاتٍ وَأَغْمَضَ عُيُونَكُمُ. الأَنْبِيَاءُ وَرُؤَسَاؤُكُمُ النَّاظِرُونَ غَطَّاهُمْ. وَصَارَتْ لَكُمْ رُؤْيَا الْكُلِّ مِثْلَ كَلاَمِ السِّفْرِ الْمَخْتُومِ الَّذِي يَدْفَعُونَهُ لِعَارِفِ الْكِتَابَةِ قَائِلِينَ: "اقْرَأْ هَذَا " فَيَقُولُ: " لاَ أَسْتَطِيعُ لأَنَّهُ مَخْتُومٌ". أَوْ يُدْفَعُ الْكِتَابُ لِمَنْ لاَ يَعْرِفُ الْكِتَابَةَ وَيُقَالُ لَهُ: " اقْرَأْ هَذَا " فَيَقُولُ:" لاَ أَعْرِفُ الْكِتَابَةَ" " ( أشعياء29/10-12 ).
تصوّر بعض الكتّاب من الإخوة المسلمين أنَّ الآية التي تقول:( أَوْ يُدْفَعُ الْكِتَابُ لِمَنْ لاَ يَعْرِفُ الْكِتَابَةَ وَيُقَالُ لَهُ: " اقْرَأْ هَذَا " فَيَقُولُ:" لاَ أَعْرِفُ الْكِتَابَةَ )،
ــــــــــ
- 116 -
تُشير إلى مجيء نبيّ أميّ!! فقال السيد أحمد ديدات " إنَّ اعتكاف محمّد وتعبّده في غار حراء المعروف اليوم بجبل النور واستجابته لبدء التنزيل وحيًا عن طريق جبريل الملاك إنّما هو إنجاز لهذه النبوة " (1) !! وقال أحد الكتّاب أنَّ أميّة النبي وكيفية بدء الوحي إليه لأوّل مرّة موجودة عند أهل الكتاب إلي يومنا هذا، ثم حَرَّفَ في نصّ الآية ونقلها هكذا " ويدفع الكتاب للأميّ: ويقال له إقرأ هذا أرجوك قيقول: أنا أمّيّ "!! أي لست بقارئ (2) !!
ونقول لكليهما أنكما سلكتما في طريق خاطئ واتّخذتما منهجًا خاطئًا، من الأساس، فلا نصّ الآية ولا مضمون الآيات التي وردت بها يفيدانكما في شيء.
فقد جاءت الآيات في نصّها العبري "ותהי לכם חזות הכל כדברי הספר החתום אשׁר־יתנו אתו אל־יודע הספר לאמר קרא נא־זה ואמר לא אוכל כי חתום הוא׃ ונתן הספר על אשׁר לא־ידע ספר לאמר קרא נא־זה ואמר לא ידעתי ספר ".
وترجمتها العربية الحرفية هكذا " فَصَارَت جميعُ رُؤيَاكُم غامضة كأقوال كتاب مختوم تُناولونه لمنْ يَعْرف القراءة وتقولون له" " اقرأ هذا " فيُجيب: " لا أقدر لأنَّه مختوم". ثم تناولونه لمن لا يعرف القراءة وتقولون له: " اقرأ هذا ". فيُجيب: " لا أعرف القراءة ".
“ And the vision of all is become unto you as the words of a book that is sealed, which men deliver to one that is learned, saying, Read this, I pray thee: and he saith, I cannot; for it is sealed: And the book is delivered to him that is not learned, saying, Read this, I pray thee: and he saith, I am not learned” .
أي أنَّ هذا الحديث الذي وردت به الآية ليس نبوّة عن نبيّ أميّ ولا غير أميّ، إنما هو توبيخ من الله لانغماس بني إسرائيل في الخطية والإثم وعدم فهمهم لأقواله ورؤاه وإعلاناته ، كما سبق أن وبّخهم في بداية السفر قائلاً " اَلثَّوْرُ يَعْرِفُ قَانِيهِ وَالْحِمَارُ مِعْلَفَ صَاحِبِهِ أَمَّا إِسْرَائِيلُ فَلاَ يَعْرِفُ. شَعْبِي لاَ يَفْهَمُ " ( أشعياء1/3 ) . لذا يقول لهم في هذه الآيات " الرب سكب عليكم روح ذهول. وأغمض عيون أنبيائكم وغطي وؤوس الرائين بينكم فصارت جميع رؤياكم غامضة كأقوال كتاب مختوم تناولونه لمن يعرف القراءة وتقولون له أقرأ هذا فيجيب لا أقدر لأنّه مختوم. ثم تناولونه لمن لا يعرف القراءة وتقولون له اقرأ هذا فيجيب لا أعرف القراءة "!! أي لا يستطيع أن يقرأه سواء من كان يعرف القراءة لأنّه مختوم، ولا من لايعرف القراءة لأنه لايعرف القراءة أصلاً سواء كان السفر مختومًا أو حتى غير مختوم!! هذا هو معنى الآيات لا أكثر ولا أقل ولا يحتمل تفسير أو تأويل أو معني غير من ذلك!!
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) أحمد ديدات ص39 و40.
(2) بينات الرسالة :
ــــــــــ
- 117 -
2- عبد الرب، من هو؟ وما هي صفاته وأعماله؟
ورد في سفر إشعياء مجموعة من النبوّات في الإصحاحات ( 42 إلى 62 )، عن شخص دُعي بـ " عبد الربّ " ولم تذكر له، هذه النبوّات، إسمًا محددًا، وقد أجمع المفسّرون المسيحيّون على أنَّ هذا الشخص المذكور في هذه النبوّات هو الربّ يسوع المسيح، المسيّا الآتي والمنتظر . كما رأت الغالبية العظمى من الربيّين اليهود، خاصّة القدماء الذين كتبوا في فترة ما قبل المسيح وما تلاها وحتى القرن الخامس عشر الميلادي، سواء في التلمود أو المشناه أو الجمارا أو المدراش، وكل كتب التقليد اليهوديّ بكافة أنواعها أن هذا العبد هو " المسيّا "، وعلى سبيل المثال يقول ترجوم بسيدو يوناثان Targum Pseudo Jonathan (3) : " ها هو عبدي المسيا، سأقربّه إليّ، مختاري الذي يتبارك به شعبي".
(1) " العبد الرب الوديع ":
جاء في سفر إشعياء قوله: " هُوَذَا عَبْدِي الَّذِي أَعْضُدُهُ مُخْتَارِي الَّذِي سُرَّتْ بِهِ نَفْسِي. وَضَعْتُ رُوحِي عَلَيْهِ فَيُخْرِجُ الْحَقَّ لِلأُمَمِ. لاَ يَصِيحُ وَلاَ يَرْفَعُ وَلاَ يُسْمِعُ فِي الشَّارِعِ صَوْتَهُ. قَصَبَةً مَرْضُوضَةً لاَ يَقْصِفُ وَفَتِيلَةً خَامِدَةً لاَ يُطْفِئُ. إِلَى الأَمَانِ يُخْرِجُ الْحَقَّ. لاَ يَكِلُّ وَلاَ يَنْكَسِرُ حَتَّى يَضَعَ الْحَقَّ فِي الأَرْضِ وَتَنْتَظِرُ الْجَزَائِرُ شَرِيعَتَهُ. هَكَذَا يَقُولُ اللَّهُ الرَّبُّ خَالِقُ السَّمَاوَاتِ وَنَاشِرُهَا بَاسِطُ الأَرْضِ وَنَتَائِجِهَا مُعْطِي الشَّعْبِ عَلَيْهَا نَسَمَةً وَالسَّاكِنِينَ فِيهَا رُوحاً. أَنَا الرَّبَّ قَدْ دَعَوْتُكَ بِالْبِرِّ فَأُمْسِكُ بِيَدِكَ وَأَحْفَظُكَ وَأَجْعَلُكَ عَهْداً لِلشَّعْبِ وَنُوراً لِلأُمَمِ لِتَفْتَحَ عُيُونَ الْعُمْيِ لِتُخْرِجَ مِنَ الْحَبْسِ الْمَأْسُورِينَ مِنْ بَيْتِ السِّجْنِ الْجَالِسِينَ فِي الظُّلْمَةِ. " ( أشعياء42/1-7 ).
ويتحدث هذا الإعلان عن دعوة " العبد الوديع " لكي " يُخرج الحق للأمم " مؤيدا بروح الله، في مهمة لا يمكن أن تفشل . ويقول رابي ديفيد كيمي Rabbi David Qimhi " هوذا عبدي أي أنه المسيا الملك، الذي سيكون مباركًا من الرب ويعمل أعمالاً خارقة " (4) !!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(3) أما إسرائيل فلا يعرف ص99.
(4) السابق ص99.
ــــــــــ
- 118 -
ولكن بعض الكتّاب من الإخوة المسلمين قالوا أنَّ هذه نبوّو عن نبيّ المسلمين (5) !! مخالفين بذلك كلّ ما جاء في الكتاب المقدّس ومفهومه عن عبد الربّ!! ولكن عندما نتفحّص هذه النبوّة وندرسها بعناية علي ضوء ما سبق وعلى ضوء بقيّة أسفار الكتاب المقدّس بعهديه نجد أنَّ الشخص المذكور لا يُمكن أنْ يكون سوي الرب يسوع المسيح وذلك للأسباب التالية:
أنَّ لقب عبد الرب المقصود هنا هو لقب المسيح بعد التجسّد فقد قال الكتاب عنه " لَكِنَّهُ أَخْلَى نَفْسَهُ، آخِذاً صُورَةَ عَبْدٍ، صَائِراً فِي شِبْهِ النَّاسِ "( فيليبي2/7 )، وهو شخص مختار من الله " عَبْدِي الَّذِي اخْتَرْتُهُ "( إشعياء34/10 )، ليقوم بعمله كما وصفه الكتاب بـ " حَجَراً حَيّاً مَرْفُوضاً مِنَ النَّاسِ، وَلَكِنْ مُخْتَارٌ مِنَ اللهِ كَرِيم ٌ "( 1بطرس2/4 ).
وقد سُرّ الله به " مُخْتَارِي الَّذِي سُرَّتْ بِهِ نَفْسِي "، بل وهو الوحيد الذي خاطبه الله من السماء في العماد وفي التجلي بفوله " هَذَا هُوَ ابْنِي الْحَبِيبُ الَّذِي بِهِ سُرِرْتُ "( متي3/17 )، و " وَفِيمَا هُوَ يَتَكَلَّمُ إِذَا سَحَابَةٌ نَيِّرَةٌ ظَلَّلَتْهُمْ وَصَوْتٌ مِنَ السَّحَابَةِ قَائِلاً: «هَذَا هُوَ ابْنِي الْحَبِيبُ الَّذِي بِهِ سُرِرْتُ. لَهُ اسْمَعُوا "( متي17/5 ).
وهو الذي وضع الله عليه روحه " وَضَعْتُ رُوحِي عَلَيْهِ "، أو كما قال إشعياء بالروح " ويحل عليه روح الرب روح الحكمة والفهم روح المشورة والقوة روح المعرفة ومخافة الرب "، وقد حل الروح القدس عليه أمام شهود " وَنَزَلَ عَلَيْهِ الرُّوحُ الْقُدُسُ بِهَيْئَةٍ جِسْمِيَّةٍ مِثْلِ حَمَامَةٍ. وَكَانَ صَوْتٌ مِنَ السَّمَاءِ قَائِلاً: «أَنْتَ ابْنِي الْحَبِيبُ بِكَ سُرِرْتُ! " ( لوقا3/22 )، وقال القديس بطرس بالروح " يَسُوعُ الَّذِي مِنَ النَّاصِرَةِ كَيْفَ مَسَحَهُ اللهُ بِالرُّوحِ الْقُدُسِ وَالْقُوَّةِ الَّذِي جَالَ يَصْنَعُ خَيْراً وَيَشْفِي جَمِيعَ الْمُتَسَلِّطِ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ لأَنَّ اللهَ كَانَ مَعَهُ " ( أعمال10/38 ).
ولن تكون رسالته لإسرائيل فقط، كما تصوّر اليهود، بل لجميع الأمم فيخرج الحق للأمم... وأجعلك عهدًا للشعوب ونورًا للأثمم "، كما قال الرب
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(5) المستشار محمد عزت الطهطاوي ص23و24.
ــــــــــ
-119 –
يسوع لتلاميذه " فَاذْهَبُوا وَتَلْمِذُوا جَمِيعَ الأُمَمِ وَعَمِّدُوهُمْ بِاسْمِ الآبِ وَالاِبْنِ وَالرُّوحِ الْقُدُسِ " ( متي28/19 )، " وَيَنْبَغِي أَنْ يُكْرَزَ أَوَّلاً بِالإِنْجِيلِ فِي جَمِيعِ الأُمَمِ. " ( مرقس13/10 ).
وقد طبّق الرب يسوع الميسح نفسه هذه النبوّة حرفيًا على نفسه، بقول الكتاب " فَلَمَّا خَرَجَ الْفَرِّيسِيُّونَ تَشَاوَرُوا عَلَيْهِ لِكَيْ يُهْلِكُوهُ، فَعَلِمَ يَسُوعُ وَانْصَرَفَ مِنْ هُنَاكَ. وَتَبِعَتْهُ جُمُوعٌ كَثِيرَةٌ فَشَفَاهُمْ جَمِيعاً. وَأَوْصَاهُمْ أَنْ لاَ يُظْهِرُوهُ، لِكَيْ يَتِمَّ مَا قِيلَ بِإِشَعْيَاءَ النَّبِيِّ: " هُوَذَا فَتَايَ الَّذِي اخْتَرْتُهُ حَبِيبِي الَّذِي سُرَّتْ بِهِ نَفْسِي. أَضَعُ رُوحِي عَلَيْهِ فَيُخْبِرُ الأُمَمَ بِالْحَقِّ. لاَ يُخَاصِمُ وَلاَ يَصِيحُ وَلاَ يَسْمَعُ أَحَدٌ فِي الشَّوَارِعِ صَوْتَهُ. قَصَبَةً مَرْضُوضَةً لاَ يَقْصِفُ وَفَتِيلَةً مُدَخِّنَةً لاَ يُطْفِئُ حَتَّى يُخْرِجَ الْحَقَّ إِلَى النُّصْرَةِ. وَعَلَى اسْمِهِ يَكُونُ رَجَاءُ الأُمَمِ " ( متي12/14-21 ). وبعد هذا فليستدّ كل فمّ لأن فمّ الرب تكلم، ولا مجال للحديث عن شخص غير المسيح!!
(2) العبد المتألم عن خطايا البشرية:
" أَنَّكُمْ لاَ تَخْرُجُونَ بِالْعَجَلَةِ وَلاَ تَذْهَبُونَ هَارِبِينَ. لأَنَّ اَلرَّبَّ سَائِرٌ أَمَامَكُمْ وَإِلَهَ إِسْرَائِيلَ يَجْمَعُ سَاقَتَكُمْ. هُوَذَا عَبْدِي يَعْقِلُ يَتَعَالَى وَيَرْتَقِي وَيَتَسَامَى جِدّاً. كَمَا انْدَهَشَ مِنْكَ كَثِيرُونَ. كَانَ مَنْظَرُهُ كَذَا مُفْسَداً أَكْثَرَ مِنَ اَلرَّجُلِ وَصُورَتُهُ أَكْثَرَ مِنْ بَنِي آدَمَ. ه َكَذَا يَنْضِحُ أُمَماً كَثِيرِينَ. مِنْ أَجْلِهِ يَسُدُّ مُلُوكٌ أَفْوَاهَهُمْ لأَنَّهُمْ قَدْ أَبْصَرُوا مَا لَمْ يُخْبَرُوا بِهِ وَمَا لَمْ يَسْمَعُوهُ فَهِمُوهُ . " ( إشعياء52/13-15 ).
" مَنْ صَدَّقَ خَبَرَنَا وَلِمَنِ اِسْتُعْلِنَتْ ذِرَاعُ اَلرَّبِّ؟. نَبَتَ قُدَّامَهُ كَفَرْخٍ وَكَعِرْقٍ مِنْ أَرْضٍ يَابِسَةٍ لاَ صُورَةَ لَهُ وَلاَ جَمَالَ فَنَنْظُرَ إِلَيْهِ وَلاَ مَنْظَرَ فَنَشْتَهِيهِ. مُحْتَقَرٌ وَمَخْذُولٌ مِنَ اَلنَّاسِ رَجُلُ أَوْجَاعٍ وَمُخْتَبِرُ اَلْحُزْنِ وَكَمُسَتَّرٍ عَنْهُ وُجُوهُنَا مُحْتَقَرٌ فَلَمْ نَعْتَدَّ بِهِ . لَكِنَّ أَحْزَانَنَا حَمَلَهَا وَأَوْجَاعَنَا تَحَمَّلَهَا . وَنَحْنُ حَسِبْنَاهُ مُصَاباً مَضْرُوباً مِنَ اَلْلَّهِ وَمَذْلُولاً. وَهُوَ مَجْرُوحٌ لأَجْلِ مَعَاصِينَا مَسْحُوقٌ لأَجْلِ آثَامِنَا . تَأْدِيبُ سَلاَمِنَا عَلَيْهِ وَبِحُبُرِهِ شُفِينَا . كُلُّنَا كَغَنَمٍ ضَلَلْنَا. مِلْنَا كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى طَرِيقِهِ وَالرَّبُّ وَضَعَ عَلَيْهِ إِثْمَ جَمِيعِنَا . ظُلِمَ أَمَّا هُوَ فَتَذَلَّلَ وَلَمْ يَفْتَحْ فَاهُ كَشَاةٍ تُسَاقُ إِلَى اَلذَّبْحِ وَكَنَعْجَةٍ صَامِتَةٍ أَمَامَ جَازِّيهَا فَلَمْ يَفْتَحْ فَاهُ. مِنَ اَلضُّغْطَةِ وَمِنَ اَلدَّيْنُونَةِ أُخِذَ. وَفِي جِيلِهِ مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنَّهُ قُطِعَ مِنْ أَرْضِ الأَحْيَاءِ أَنَّهُ ضُرِبَ مِنْ أَجْلِ ذَنْبِ شَعْبِي؟ . وَجُعِلَ مَعَ الأَشْرَارِ قَبْرُهُ وَمَعَ غَنِيٍّ عِنْدَ مَوْتِهِ0 عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَعْمَلْ ظُلْماً وَلَمْ يَكُنْ فِي فَمِهِ غِشٌّ. أَمَّا اَلرَّبُّ فَسُرَّ بِأَنْ يَسْحَقَهُ بِالْحُزْنِ. إِنْ جَعَلَ نَفْسَهُ ذَبِيحَةَ إِثْمٍ يَرَى نَسْلاً تَطُولُ أَيَّامُهُ وَمَسَرَّةُ اَلرَّبِّ بِيَدِهِ تَنْجَحُ. مِنْ تَعَبِ نَفْسِهِ يَرَى وَيَشْبَعُ وَعَبْدِي اَلْبَارُّ بِمَعْرِفَتِهِ يُبَرِّرُ كَثِيرِينَ وَآثَامُهُمْ هُوَ يَحْمِلُهَا . لِذَلِكَ أَقْسِمُ لَهُ بَيْنَ اَلأَعِزَّاءِ وَمَعَ اَلْعُظَمَاءِ يَقْسِمُ غَنِيمَةً مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ سَكَبَ لِلْمَوْتِ نَفْسَهُ وَأُحْصِيَ مَعَ أَثَمَةٍ وَهُوَ حَمَلَ خَطِيَّةَ كَثِيرِينَ وَشَفَعَ فِي اَلْمُذْنِبِينَ. " ( إشعياء53 )
ــــــــــ
- 120 –
ويقول بعض الكتّاب من الإخوة المسلمين أنَّ هذا الإصحاح نبوّة عن نبيّ المسلمين للأسباب التالية، من وجهة نظرهم طبعًا (6) !!
(1) لأنه ولد في بلاد العرب وكان كعرق من أرض يابسة!!
(2) لأنه دُفن في المدينة فجُعل مع الأشرار قبره!!
(3) لأنه رأى ثمرة أتعابه وعليه تمّت النبوة القائلة من تعب نفسه يرى ويشبع!!
(4) قيل عنه مع العظماء يقسّم غنيمة وقسّم نبي المسلمين الغنيمة مع أنصاره!!
(5) تمّت فيه هذه الكلمات سَكَب للموت نفسه في حين أنّهم يُنكرون موت المسيح ويقولون أنّه ارتفع إلى السماء حيًا!!
ونقول لهؤلاء أنه لامضمون ولا محتوى النبوّة يمكن أن ينطبق على أحد غير المسيح، وقد أجمع كل من علماء اليهود والمسيحيين على أنَّ هذا العبد المتألم هو شخص المسيح، المسيا الموعود والمنتظر الذي سيأتي من إسرائيل لخلاص البشرية. فهي تقدّم لنا صورة واضحة لا لبس فيها ولا غموض عن شخص آتٍ بلقب " عبد الرب "، هذا الشخص المُعيّن من الله يرتفع ويتسامى جدًا فوق البشر، فهو عبد بار لم يعمل خطية ولم يوجد في فمه غش ومع ذلك يقدّم نفسه ويقدمه الله ذبيحة إثم، كحمل الله الذي يرفع خطية العالم. كما أنَّه سيتحمل آلام البشرية وأوجاعها
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(6) عن كتاب " هل تنبأ التوراة أو الإنجيل عن محمد ؟ للقمص سرجيوس.
ــــــــــ
- 121 –
أحزانها، سواء الجسمانيّة أو العقليّة أو النفسيّة، ويُجرح لأجل معاصينا ويُسحق بالأوجاع والآلام لأجل آثامنا ويُشفينا بجروحه، في صمت ودون أنْ يفتح فاه، فهو العبد البار الذي بمعرفته يُبرّر كثيرين وخطاياهم هو يحملها على أساس تقديم نفسه ذبيحة إثم نيابة عن الخطاة، وهو سيشفع في المذنبين ويحمل خطية كثيرين بموته عن معاصي البشرية. ومع ذلك يُحسب مع الأشرار عند موته: لكنه يفرح في النهاية مع المؤمنين به. وهذه الأمور لم تتم ولا يمكن أن تنطبق على أي أحد غير الربّ يسوع المسيح، بل هي في الحقيقة قد تمّت كلها في شخص العبد المتألم ابن الله المتجسّد الرب يسوع المسيح:
(1) فهو البار الذي أخلى ذاته أخذًا صورة عبد ( فيليبي2/5-11 ) وجاء في ملء الزمان مولودًا من امرأة( غلاطية4/4 )، وقدم نفسه فدية عن خطايا العالم، يقول الكتاب " يَا أَوْلاَدِي، أَكْتُبُ إِلَيْكُمْ هَذَا لِكَيْ لاَ تُخْطِئُوا. وَإِنْ أَخْطَأَ أَحَدٌ فَلَنَا شَفِيعٌ عِنْدَ الآبِ، يَسُوعُ الْمَسِيحُ الْبَارُّ. وَهُوَ كَفَّارَةٌ لِخَطَايَانَا. لَيْسَ لِخَطَايَانَا فَقَطْ، بَلْ لِخَطَايَا كُلِّ الْعَالَمِ أَيْضاً. " ( 1يوحنا2/1-2 ).
(2) ويؤكّد العهد الجديد، أنَّ هذه النبوّة بحذافيرها تمّت حرفيًا في الرب يسوع المسيح، " حَمَلُ اللَّهِ الَّذِي يَرْفَعُ خَطِيَّةَ الْعَالَمِ " ( يوحنا1/29 ). فقد طبق الرب يسوع نصّ النبوة كاملاً على نفسه قائلاً " لأَنِّي أَقُولُ لَكُمْ إِنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَتِمَّ فِيَّ أَيْضاً هَذَا الْمَكْتُوبُ: وَأُحْصِيَ مَعَ أَثَمَةٍ. لأَنَّ مَا هُوَ مِنْ جِهَتِي لَهُ انْقِضَاءٌ "( لوقا12/37 )، وأيضًا قول الكتاب " لِكَيْ يَتِمَّ مَا قِيلَ بِإِشَعْيَاءَ النَّبِيِّ: هُوَ أَخَذَ أَسْقَامَنَا وَحَمَلَ أَمْرَاضَنَا "( متي8/17 )، وأيضًا " فَتَمَّ الْكِتَابُ الْقَائِلُ: وَأُحْصِيَ مَعَ أَثَمَةٍ " ( مرقس15/28 ). وقال القديس يوحنا بالروح " لِيَتِمَّ قَوْلُ إِشَعْيَاءَ النَّبِيِّ:" يَا رَبُّ مَنْ صَدَّقَ خَبَرَنَا وَلِمَنِ اسْتُعْلِنَتْ ذِرَاعُ الرَّبِّ؟ لِهَذَا لَمْ يَقْدِرُوا أَنْ يُؤْمِنُوا. لأَنَّ إِشَعْيَاءَ قَالَ أَيْضاً: قَدْ أَعْمَى عُيُونَهُمْ وَأَغْلَظَ قُلُوبَهُمْ لِئَلَّا يُبْصِرُوا بِعُيُونِهِمْ وَيَشْعُرُوا بِقُلُوبِهِمْ وَيَرْجِعُوا فَأَشْفِيَهُمْ. قَالَ إِشَعْيَاءُ هَذَا حِينَ رَأَى مَجْدَهُ وَتَكَلَّمَ عَنْهُ " أي مجد المسيح( يوحنا12/38-41 ).
ــــــــــ
- 122 –
كما طبقها عليه تلاميذه في كرازتهم، وأما فصل الكتاب الذي كان يقرأه الخصيّ الحبشيّ فكان هذا " مِثْلَ شَاةٍ سِيقَ إِلَى الذَّبْحِ وَمِثْلَ خَرُوفٍ صَامِتٍ أَمَامَ الَّذِي يَجُزُّهُ هَكَذَا لَمْ يَفْتَحْ فَاهُ. فِي تَوَاضُعِهِ انْتَزَعَ قَضَاؤُهُ وَجِيلُهُ مَنْ يُخْبِرُ بِهِ لأَنَّ حَيَاتَهُ تُنْتَزَعُ مِنَ الأَرْضِ؟ "( أعمال8/32-33 ). وكذلك القديس بولس بالروح " لأَنَّ إِشَعْيَاءَ يَقُولُ: يَا رَبُّ مَنْ صَدَّقَ خَبَرَنَا؟ " ( رومية10/16 ). وقال القديس بولس بالروح " هَكَذَا الْمَسِيحُ أَيْضاً، بَعْدَمَا قُدِّمَ مَرَّةً لِكَيْ يَحْمِلَ خَطَايَا كَثِيرِينَ، سَيَظْهَرُ ثَانِيَةً بِلاَ خَطِيَّةٍ لِلْخَلاَصِ لِلَّذِينَ يَنْتَظِرُونَهُ "( عبرانيين9/28 )، وأيضًا " الَّذِي أُسْلِمَ مِنْ أَجْلِ خَطَايَانَا وَأُقِيمَ لأَجْلِ تَبْرِيرِنَا " ( رومية4/25 ). " فَإِنَّنِي سَلَّمْتُ إِلَيْكُمْ فِي الأَوَّلِ مَا قَبِلْتُهُ أَنَا أَيْضاً: أَنَّ الْمَسِيحَ مَاتَ مِنْ أَجْلِ خَطَايَانَا حَسَبَ الْكُتُبِ " ( 1كورونثوس15/3 )، " لأَنَّهُ جَعَلَ الَّذِي لَمْ يَعْرِفْ خَطِيَّةً، خَطِيَّةً لأَجْلِنَا، لِنَصِيرَ نَحْنُ بِرَّ اللهِ فِيهِ " ( 2كورونثوس5/21 ). وقال القديس بطرس بالروح " فَإِنَّ الْمَسِيحَ أَيْضاً تَأَلَّمَ مَرَّةً وَاحِدَةً مِنْ أَجْلِ الْخَطَايَا، الْبَارُّ مِنْ أَجْلِ الأَثَمَةِ، لِكَيْ يُقَرِّبَنَا إِلَى اللهِ، مُمَاتاً فِي الْجَسَدِ وَلَكِنْ مُحْيىً فِي الرُّوحِ " ( 1بطرس3/18 ).
(3) إنَّ قوله " عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَعْمَلْ ظُلْماً وَلَمْ يَكُنْ فِي فَمِهِ غِشٌّ. أَمَّا اَلرَّبُّ فَسُرَّ بِأَنْ يَسْحَقَهُ بِالْحُزْنِ. إِنْ جَعَلَ نَفْسَهُ ذَبِيحَةَ إِثْمٍ يَرَى نَسْلاً تَطُولُ أَيَّامُهُ وَمَسَرَّةُ اَلرَّبِّ بِيَدِهِ تَنْجَحُ ". لا يناسب نبي المسلمين كيفما كانت الحالة، كما أنه لم يقدّم نفسه ذبيحة إثم ولا يوجد في الإسلام نظام الذبائح الموجود في الشريعة اليهودية ولا فكر الفداء الموجود في المسيحية. وقد أكّد الكتاب أن المقصود هنا هو الرب يسوع المسيح فقال القديس بطرس بالروح " الَّذِي حَمَلَ هُوَ نَفْسُهُ خَطَايَانَا فِي جَسَدِهِ عَلَى الْخَشَبَةِ، لِكَيْ نَمُوتَ عَنِ الْخَطَايَا فَنَحْيَا لِلْبِرِّ. الَّذِي بِجَلْدَتِهِ شُفِيتُمْ. لأَنَّكُمْ كُنْتُمْ كَخِرَافٍ ضَالَّةٍ، لَكِنَّكُمْ رَجَعْتُمُ الآنَ إِلَى رَاعِي نُفُوسِكُمْ وَأُسْقُفِهَا. " ( 1بطرس2/24-25 ).
ــــــــــ
- 123 –
(4) أما من حيث كونه يقسّم غنيمة فليس المقصود بها غنائم الحروب، فالآية تصرّح بأنَّ ذلك يتم بعد موته وتمّ ذلك فعلاً للمسيح بمعنى روحي أكمل وأعظم لأنَّ بعد موته وصعوده حالاً ابتدأ الناس من كافة الأمم والشعوب يؤمنون به ويحبونه كفاديهم وإلههم وليس هناك غنيمة أعظم من أن نكون مع المسيح.
(5) أمّا كون نبي المسلمين قد دُفن في المدينة وليس في مكة ومن أجل ذلك جُعل مع الأشرار قبره فلا ندري لأى سبب اعتبروا المدينه شريرة مع أنَّ أهلها الأنصار هم الذين دافعوا عنه جهد استطاعتهم فى حين أنَّ أهل مكة رفضوه وناصبوه العدوان!! ولم يقل أحد أنَّ أهل المدينة الذي ناصروه ونصروه كانوا من الأشرار!! وهذا يتناقض ويخالف ما جاء في سورة التوبة الآيتين100و117:" و َالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ ر َّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ... لَقَد تَّابَ الله عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِن بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِّنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ " ولا تعليق!! أما المقصود بقوله " وَجُعِلَ مَعَ الأَشْرَارِ قَبْرُهُ " فهو صلب المسيح بين لصين ودفنه في قبر أناس لم يكونوا قد أعلنوا إيمانهم به ( متي27/38و57-60 ).
(6) وأخيرًا نؤكد أنَّ كل جزئيات هذه النبوة تمّت في المسيح ولا يُمكن تطبيقها على نبي المسلمين ولا تتفق مع أسلوبه ولا طريقة حياته وأسلوب دعوته، فهو لم يحمل خطية أحد ولم يقدّم نفسه فدية عن أحد ولم يغفر خطية أحد، كما يقول القرآن " اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ اللّهُ لَهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ " ( التوبة80 )، و" فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ "( محمد19 ). كما أنَّ شريعته لاتعرف نظام الفداء إنما القصاص والحدود " فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُواْ لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ " ( التوبة5 )، ولم يكن كشاه تساق للذبح وكنعجه صامتة أمام جازيها بل كان مقاتلاً ورجل حرب كما جاء في كتب الأحاديث والسيرة. ونذكر منها علي سبيل المثال لا الحصر: " عن ابن عمر رضي اللّه عنهما؛ أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: " أُمِرْتُ أنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حتَّى يَشْهَدُوا أنْ لا إِلهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللَّهِ، وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ، وَيُؤْتُوا الزَّكاة، فإذَا فَعَلُوا ذلكَ عَصَمُوا مِنِّي دِماءَهُمْ وَأمْوَالَهمْ إِلاَّ بِحَقِّ الإِسْلاَمِ، وَحِسابُهُمْ على اللّه تعالى " رويناه في صحيحيهما البخاري ومسلم وسنن أبي داود، وسنن النسائي، وسنن الترمذي، وشرح مسند ابن حنبل، وغيرهم الكثير من المراجع الأصولية ومن أهمها السيوطى في الجامع الصغير الذي أقرّ بصحة هذا الحديث المتواتر وأضاف " هذا الأمر هو عام مخصوص، خص منه من أقر بالجزية كما ذكره المناوي، وعليه الإجماع وعمل الأمة، فليتنبه ". وقال أيضًا نبي المسلمين" بعثت بين يدي الساعة بالسيف حتى يعبد الله تعالى وحده لا شريك له، وجعل رزقي تحت ظل رمحي، وجعل الذل والصغار على من خالف أمري، ومن تشبه بقوم فهو منهم " [ أخرجه أحمد وابن داود ].
ــــــــــ
- 124 –
(7) كما أجمع علماء اليهود عبر تاريخهم السابق للمسيح واللاحق له أنَّ هذا الإصحاح نبوّة عن المسيا المنتظر، وقد لخّص القمّص صموئيل البرموسى في كتابه " أمّا إسرائيل فلا يعرف"خلاصة رأي علماء اليهود كالآتي " كل الرابيين ما عدا راشي – بلا استثناء ( الذى رأى أنَّ العبد المتألم هو شعب إسرائيل ) يرون أنَّ هذه المقاطع من سفر إشعياء تصف آلام المسيّا كشخص فردىّ ". ويُضيف أنَّه جاء في ترجوم يوناثان الذي يعود للقرن الأول " هوذا عبدي المسيّا يعقل.." كما أنَّ الرابّي دون أتسحاق (حوالي 1500م ) يقر و " يقول بدون تحفّظ، أنَّ غالبية الرابيّين في مدراشهم يقرّون أنَّ النبوّة تشير إلى المسيّا " وقال الرابّي سيمون ابن يوخيا من القرن الثاني الميلادي [ في جنّة عدن يوجد مكان يسمّى " مكان أبناء الأوجاع والآلام". في هذا المكان سيدخل المسيّا ويجمع كلّ الآلام والأوجاع والتأديبات التي لشعب إسرائيل، وكلذها ستوضع عليه، وبالتالي يأخذها لنفسه عوضًا عن شعب إسرائيل. لا يستطيع أحد أن يخلص إسرائيل من تأديباته لعصيانهم الناموس. إلا هو، المسيا. وهذا هو الذي كُتب عنه لكن أحزاننا حملها وأوجاعنا تحملها" ]. وينقل عن تلمود بابل، أنَّ المتألّم [ هو " المسيا " ما هو اسمه ؟... أنه عبد يهوه المتألم ". كما قيل عنه " لكن أحزاننا حملها وأوجاعنا تحملها " ]. ومسجّل في كتاب الجلجاليم [ " هوذا المسيا الملك يعقل يتعالى ويرتقي ويتسامى جدًا " ويقول علماؤنا الرابيون: سيكون أعلى من إبراهيم ويتسامى فوق آدم " ]. أما مدراش كوهين حينما يشرح إشعياء 53/5، يضع الكلمات التالية على فم إيليا النبي، حيث يقول إيليا للمسيا [ أنت أبرّ من أن تتألّم وتُجرح. كيف كلّيّ القدرة يُعاقب هكذا من أجل خطايا إسرائيل، ويُكتب عنك " مجروح لأجل معاصينا. مسحوق لأجل آثامنا ". إلى أن يحين الوقت حيث تأتي نهاية الأمم ]. ويقول رابي يافيث ابن عالي " بالنسبة لرأيي فأنا أنحاز إلى رابّي
ــــــــــ
- 125 –
بنيامين النهاوندي في تفسره لهذا الإصحاح كونه يشير إلى المسيا. فالنبي إشعياء يريد أن يُفهمنا شيئين: في المرحلة الأولى إن المسيا هو الوحيد الذى سيصل إلى أعلى درجة من الكرامة والمجد، لكن بعد محن طويلة ومريرة، ثانيًا: هذه المحن ستوضع عليه كعلامة، لدرجة لو وجد نفسه تحت نير هذه المحن وظلّ مطيعًا وتقيًا في تصرفاته وأفعاله، يُعرف أنَّه هو المختار... والتعبير " عبدي " يعود إلى المسيا ". وفي كتاب " Bereshith Rabbah "، يقول مؤلفه رابي موشى هادرشان، أنَّ القدوس أعطى فرصة للمسيا أن يخلص النفوس، ولكن بضربات وتأديبات عديدة، يقول [ ... على الفور قبل المسيا تأديبات وضربات المحبّة، كما هو مكتوب " ظلم أم هو فتذلل ولم يفتح فاه "... عندما أخطأ شعب إسرائيل، طلب المسيا لهم الرحمة والمغفرة. كما هو مكتوب " وبحبره شفينا " وقوله " وهو حمل خطية كثيرين وشفع في المذنبين"].
3- ترنيمة جديدة للمؤمنين باسمه:
وقال إشعياء بالروح أيضًا " غَنُّوا لِلرَّبِّ أُغْنِيَةً جَدِيدَةً تَسْبِيحَهُ مِنْ أَقْصَى اَلأَرْضِ. أَيُّهَا اَلْمُنْحَدِرُونَ فِي اَلْبَحْرِ وَمِلْؤُهُ وَاَلْجَزَائِرُ وَسُكَّانُهَا، لِتَرْفَعِ اَلْبَرِّيَّةُ وَمُدُنُهَا صَوْتَهَا اَلدِّيَارُ اَلَّتِي سَكَنَهَا قِيدَارُ. لِتَتَرَنَّمْ سُكَّانُ سَالِعَ. مِنْ رُؤُوسِ اَلْجِبَالِ لِيَهْتِفُوا. لِيُعْطُوا اَلرَّبَّ مَجْداً وَيُخْبِرُوا بِتَسْبِيحِهِ فِي اَلْجَزَائِرِ. الرَّبُّ كَالْجَبَّارِ يَخْرُجُ. كَرَجُلِ حُرُوبٍ يُنْهِضُ غَيْرَتَهُ. يَهْتِفُ وَيَصْرُخُ وَيَقْوَى عَلَى أَعْدَائِهِ. " ( إشعياء42/10-13 ).
ولأنَّ هذه الآيات وردت بها كلمة قيدار إحدى قبائل العرب فقد ظنّ الإخوة المسلمون أنَّ هذه الآيات المذكورة فيها " قيدار " نبوّة عن نبيّ المسلمين وأنَّ الترانيم الجديدة المنوّه عنها هي كناية عن اعتناق قبائل العرب للإسلام (7) !! وقال بعضهم أنَّ الترنيمة الجديدة هي " شريعة جديدة " في البلاد التي سكنها قيدار " ابن إسماعيل " وهذا إشارة إلى شريعة الإسلام التي جاء بها محمد الذى هو من نسل إسماعيل. وأنَّ تمجيد الربّ والإخبار بتسبيحه من الجزائر إشار ة إلي الآذان
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(7) هيمنة القرآن المجيد ص 98- 108. وأظهار الحق ص 221و222.
ــــــــــ
-126 –
بالصلاة الذي يرتفع فوق كل مئذنة ليسبح الله. وأنَّ تصوير الربّ كالجبار يخرج كرجل حروب ينهض، هذه إشارة إلى فربضة الجهاد التي فرضها الإسلام!!
ولكنا نؤكّد بحسب مضمون الكتاب المقدس ومفهومه وأسلوب الوحي فيه أنَّ هذه النبوه لا تخصّ الإسلام ولا نبي المسلمين، وذلك للأسباب الآتية:
لأن الأغاني الروحية والتسابيح هي من صميم العبادة اليهوديّة والمسيحيّة اللتين تقومان في الأساس علي ذلك، يقول المرنّم في العهد القديم " هَلِّلُويَا. سَبِّحُوا اللهَ فِي قُدْسِهِ. سَبِّحُوهُ فِي فَلَكِ قُوَّتِهِ. سَبِّحُوهُ عَلَى قُوَّاتِهِ. سَبِّحُوهُ حَسَبَ كَثْرَةِ عَظَمَتِهِ. سَبِّحُوهُ بِصَوْتِ الصُّورِ. سَبِّحُوهُ بِرَبَابٍ وَعُودٍ. سَبِّحُوهُ بِدُفٍّ وَرَقْصٍ. سَبِّحُوهُ بِأَوْتَارٍ وَمِزْمَارٍ. سَبِّحُوهُ بِصُنُوجِ التَّصْوِيتِ. سَبِّحُوهُ بِصُنُوجِ الْهُتَافِ. كُلُّ نَسَمَةٍ فَلْتُسَبِّحِ الرَّبَّ. هَلِّلُويَا " ( المزمور150 ). ويقول القدّيس بولس بالروح " مُكَلِّمِينَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً بِمَزَامِيرَ وَتَسَابِيحَ وَأَغَانِيَّ رُوحِيَّةٍ، مُتَرَنِّمِينَ وَمُرَتِّلِينَ فِي قُلُوبِكُمْ لِلرَّب ِّ " ( أفسس5/19 ). وأيضًا " لِتَسْكُنْ فِيكُمْ كَلِمَةُ اَلْمَسِيحِ بِغِنىً، وَأَنْتُمْ بِكُلِّ حِكْمَةٍ مُعَلِّمُونَ وَمُنْذِرُونَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً، بِمَزَامِيرَ وَتَسَابِيحَ وَأَغَانِيَّ رُوحِيَّةٍ، بِنِعْمَةٍ، مُتَرَنِّمِينَ فِي قُلُوبِكُمْ لِلرَّبِّ " ( كولوسي3/16 ). كما يرنم السمائيون أيضًا ويُسبّحون الآب والابن وهم يترنّمون ترنيمة جديدة قائلين " وَهُمْ يَتَرَنَّمُونَ تَرْنِيمَةً جَدِيدَةً قَائِلِينَ : مُسْتَحِقٌّ أَنْتَ ( أيها الحمل– المسيح ) أَنْ تَأْخُذَ اَلسِّفْرَ وَتَفْتَحَ خُتُومَهُ، لأَنَّكَ ذُبِحْتَ وَاِشْتَرَيْتَنَا لِلَّهِ بِدَمِكَ مِنْ كُلِّ قَبِيلَةٍ وَلِسَانٍ وَشَعْبٍ وَأُمَّةٍ، وَجَعَلْتَنَا لإِلَهِنَا مُلُوكاً وَكَهَنَةً، فَسَنَمْلِكُ عَلَى اَلأَرْضِ. ونَظَرْتُ وَسَمِعْتُ صَوْتَ مَلاَئِكَةٍ كَثِيرِينَ حَوْلَ اَلْعَرْشِ وَاَلْحَيَوَانَاتِ وَاَلشُّيُوخِ، وَكَانَ عَدَدُهُمْ رَبَوَاتِ رَبَوَاتٍ وَأُلُوفَ أُلُوفٍ، قَائِلِينَ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ: مُسْتَحِقٌّ هُوَ اَلْحَمَلُ اَلْمَذْبُوحُ أَنْ يَأْخُذَ اَلْقُدْرَةَ وَاَلْغِنَى وَاَلْحِكْمَةَ وَاَلْقُوَّةَ وَاَلْكَرَامَةَ وَاَلْمَجْدَ وَاَلْبَرَكَةَ. وَكُلُّ خَلِيقَةٍ مِمَّا فِي اَلسَّمَاءِ وَعَلَى اَلأَرْضِ وَتَحْتَ اَلأَرْضِ، وَمَا عَلَى اَلْبَحْرِ، كُلُّ مَا فِيهَا، سَمِعْتُهَا قَائِلَةً: لِلْجَالِسِ عَلَى اَلْعَرْشِ وَلِلْحَمَلِ اَلْبَرَكَةُ وَاَلْكَرَامَةُ وَاَلْمَجْدُ وَاَلسُّلْطَانُ إِلَى أَبَدِ اَلآبِدِينَ. " ( رؤيا5/9-13 ).
كما لا يمكن أن تشير الترانيم إلى شيء في الإسلام ولاهي معروفة عن المسلمين، منلما هي عند المسيحيين واليهود. بل تقوم العبادة الإسلامية في
ــــــــــ
- 127 –
صلواتها الخمس المفروضه على الركوع والدعاء، وأنَّ الترنيمة شيء والشريعة شيء آخر، فالترنيمة هي أغنية روحيّة وتسبحه لله أمّا الشريعة فهي ناموس أو قانون ودستور ينظّم سلوك الأفراد وعلاقتهم بعضهم ببعض وعلاقتهم بالله من حيث الثواب والعقاب. أمّا الأذان فهو دعوة للناس وتذكير لهم بمواقيت الصلاة.
كما أن قيدار ليست مذكورة دائمًا بما يُرضي هؤلاء الكتاب، يقول الكتاب بالروح " وَيْلِي لِغُرْبَتِي فِي مَاشِكَ لِسَكَنِي فِي خِيَامِ قِيدَارَ! طَالَ عَلَى نَفْسِي سَكَنُهَا مَعَ مُبْغِضِ السَّلاَمِ. أَنَا سَلاَمٌ وَحِينَمَا أَتَكَلَّمُ فَهُمْ لِلْحَرْبِ " ( مزمور120/5-7 )، " فَإِنَّهُ هَكَذَا قَالَ لِي السَّيِّدُ: " فِي مُدَّةِ سَنَةٍ كَسَنَةِ الأَجِيرِ يَفْنَى كُلُّ مَجْدِ قِيدَارَ، وَبَقِيَّةُ عَدَدِ قِسِيِّ أَبْطَالِ بَنِي قِيدَارَ تَقِلُّ لأَنَّ الرَّبَّ إِلَهَ إِسْرَائِيلَ قَدْ تَكَلَّمَ " ( إشعياء21/16-17 )، " كُلُّ غَنَمِ قِيدَارَ تَجْتَمِعُ إِلَيْكِ. كِبَاشُ نَبَايُوتَ تَخْدِمُكِ "( إشعياء60/7 )، " هَكَذَا قَالَ الرَّبُّ. قُومُوا اصْعَدُوا إِلَى قِيدَارَ. اخْرِبُوا بَنِي الْمَشْرِقِ " ( إرميا49/28 ).
وليس من المحتّم أن تشير قيدار إلى الإسلام وإن كانت من قبائل العرب لأنَّ من المؤكّد أنَّ كثيرًا من قبائل العرب كانت قبل الإسلام، تُدين بالدين المسيحي مثل قبيلة حمير وغسان وربيع ونجران والحيرة!! وتشير بقية الآيات إلى انتشار الديانة المسيحية سواء في بلاد العرب أو في جزائر البحر (الآية10).
كما أنَّ الاحتجاج بانطباق النبوّة على نبي المسلمين بالقول أنَّ سالع هي مكة أكبر خطأ تاريخي وجغرافي فهناك معجم البلدان، أطلس المدن والمواقع العربية للجزائري وكلاهما يقولان: إنَّ سالع منطقة ذو جبال صخرية توجد في الشام وبالتحديد في منطقة بالأردن تسمّى البتراء اليوم. ولا علاقة نهائيًا بين مكّة وسالع ولا تشابه حتى من النوع الذي قد يقترب من الشك.
4- ترنّمي أيتها العاقر المستوحشة:
" تَرَنَّمِي أَيَّتُهَا الْعَاقِرُ الَّتِي لَمْ تَلِدْ. أَشِيدِي بِالتَّرَنُّمِ أَيَّتُهَا الَّتِي لَمْ تَمْخَضْ لأَنَّ بَنِي الْمُسْتَوْحِشَةِ أَكْثَرُ مِنْ بَنِي ذَاتِ الْبَعْلِ قَالَ الرَّبُّ. " ( أشعياء54/1 ).
ــــــــــ
- 128 –
ظنَّ بعض الكتّاب من الإخوة المسلمين أنَّ هذه الآية نبوّة تشير إلى نبيّ المسلمين ومكة باعتبار كونه من ذرية إسماعيل وأن يزداد أتباعه عن أتباع أنبياء إسرائيل!!
وقال الشيخ رحمه الله الهندي " إن المراد بالعاقر مكّة لأنَّه لم يظهر منها نبيّ بعد إسماعيل ولم ينزل فيها وحي بخلاف أورشليم، وبنو المستوحشة إشارة إلى أولاد هاجر لأنّضها كانت بمنزله المطلقة". وقال عما ورد في (الآية 12) قوله " هَئَنَذَا قَدْ خَلَقْتُ الْحَدَّادَ الَّذِي يَنْفُخُ الْفَحْمَ فِي النَّارِ وَيُخْرِجُ آلَةً لِعَمَلِهِ وَأَنَا خَلَقْتُ الْمُهْلِكَ لِيَخْرِبَ " (8) !!
ولهذه الآية معنيان؛ معنًى حرفيّ ومعنًى روحيّ، فالحرفي هو أنَّ بني إسرائيل سيُعتقون من أسر بابل ويُرَدّون إلى أورشليم وتمّت هذه النبوة بالمعني الحرفيّ المذكور في أيام كورش ملك فارس سنة 536 ق م " وَفِي السَّنَةِ الأُولَى لِكُورَشَ مَلِكِ فَارِسَ عِنْدَ تَمَامِ كَلاَمِ الرَّبِّ بِفَمِ إِرْمِيَا نَبَّهَ الرَّبُّ رُوحَ كُورَشَ مَلِكِ فَارِسَ فَأَطْلَقَ نِدَاءً فِي كُلِّ مَمْلَكَتِهِ وَبِالْكِتَابَةِ أَيْضاً قَائِلاً: هَكَذَا قَالَ كُورَشُ مَلِكُ فَارِسَ: جَمِيعُ مَمَالِكِ الأَرْضِ دَفَعَهَا لِي الرَّبُّ إِلَهُ السَّمَاءِ وَهُوَ أَوْصَانِي أَنْ أَبْنِيَ لَهُ بَيْتاً فِي أُورُشَلِيمَ الَّتِي فِي يَهُوذَا. مَنْ مِنْكُمْ مِنْ كُلِّ شَعْبِهِ لِيَكُنْ إِلَهُهُ مَعَهُ وَيَصْعَدْ إِلَى أُورُشَلِيمَ الَّتِي فِي يَهُوذَا فَيَبْنِيَ بَيْتَ الرَّبِّ إِلَهِ إِسْرَائِيلَ. هُوَ الإِلَهُ الَّذِي فِي أُورُشَلِيمَ " ( عزرا1/1-3 ).
والمعنى الروحي شرحه القديس بولس بالروح " قُولُوا لِي، أَنْتُمُ اَلَّذِينَ تُرِيدُونَ أَنْ تَكُونُوا تَحْتَ اَلنَّامُوسِ، أَلَسْتُمْ تَسْمَعُونَ اَلنَّامُوسَ؟ فَإِنَّهُ مَكْتُوبٌ أَنَّهُ كَانَ لإِبْرَاهِيمَ اِبْنَانِ، وَاحِدٌ مِنَ اَلْجَارِيَةِ وَاَلآخَرُ مِنَ اَلْحُرَّةِ. لَكِنَّ اَلَّذِي مِنَ اَلْجَارِيَةِ وُلِدَ حَسَبَ اَلْجَسَدِ، وَأَمَّا اَلَّذِي مِنَ اَلْحُرَّةِ فَبِالْمَوْعِدِ. وَكُلُّ ذَلِكَ رَمْزٌ، لأَنَّ هَاتَيْنِ هُمَا اَلْعَهْدَانِ، أَحَدُهُمَا مِنْ جَبَلِ سِينَاءَ اَلْوَالِدُ لِلْعُبُودِيَّةِ، اَلَّذِي هُوَ هَاجَرُ. لأَنَّ هَاجَرَ جَبَلُ سِينَاءَ فِي اَلْعَرَبِيَّةِ. وَلَكِنَّهُ يُقَابِلُ أُورُشَلِيمَ اَلْحَاضِرَةَ، فَإِنَّهَا مُسْتَعْبَدَةٌ مَعَ بَنِيهَا. وَأَمَّا أُورُشَلِيمُ اَلْعُلْيَا، اَلَّتِي هِيَ أُمُّنَا جَمِيعاً، فَهِيَ حُرَّةٌ. لأَنَّهُ مَكْتُوبٌ: {افْرَحِي أَيَّتُهَا اَلْعَاقِرُ اَلَّتِي لَمْ تَلِدْ. اِهْتِفِي وَاُصْرُخِي أَيَّتُهَا اَلَّتِي لَمْ تَتَمَخَّضْ، فَإِنَّ أَوْلاَدَ اَلْمُوحِشَةِ أَكْثَرُ مِنَ اَلَّتِي لَهَا زَوْجٌ.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(8) إظهار الحق؛ ج2ص 222-225.
ــــــــــ
- 129 –
وَأَمَّا نَحْنُ أَيُّهَا اَلإِخْوَةُ فَنَظِيرُ إِسْحَاقَ، أَوْلاَدُ اَلْمَوْعِدِ. وَلَكِنْ كَمَا كَانَ حِينَئِذٍ اَلَّذِي وُلِدَ حَسَبَ اَلْجَسَدِ يَضْطَهِدُ اَلَّذِي حَسَبَ اَلرُّوحِ، هَكَذَا اَلآنَ أَيْضاً. لَكِنْ مَاذَا يَقُولُ اَلْكِتَابُ؟ { اطْرُدِ اَلْجَارِيَةَ وَاِبْنَهَا، لأَنَّهُ لاَ يَرِثُ اِبْنُ اَلْجَارِيَةِ مَعَ اِبْنِ اَلْحُرَّةِ. إِذاً أَيُّهَا اَلإِخْوَةُ لَسْنَا أَوْلاَدَ جَارِيَةٍ بَلْ أَوْلاَدُ اَلْحُرَّةِ." ( غلاطية4/21-31 ). حيث تمّ عندما رجعت الأمم عن عبادة الأصنام التي دانوا لها من قديم الزمان إلى عبادة الله قبلوا إنجيل المسيح ومن غريب الاتفاق أنَّ بولس قرّر في هذا الإصحاح عدم أفضلية بني هاجر على بني سارة الروحيّين عدا حرمانهم من الميراث .
5- الآتي من أدوم بثيابٍ حمر :
جاء في سفر إشعياء قوله بالروح القدس " مَنْ ذَا الآتِي مِنْ أَدُومَ بِثِيَابٍ حُمْرٍ مِنْ بُصْرَةَ؟ هَذَا الْبَهِيُّ بِمَلاَبِسِهِ. الْمُتَعَظِّمُ بِكَثْرَةِ قُوَّتِهِ. " أَنَا الْمُتَكَلِّمُ بِالْبِرِّ الْعَظِيمُ لِلْخَلاَصِ ". مَا بَالُ لِبَاسِكَ مُحَمَّرٌ وَثِيَابُكَ كَدَائِسِ الْمِعْصَرَةِ؟ " قَدْ دُسْتُ الْمِعْصَرَةَ وَحْدِي وَمِنَ الشُّعُوبِ لَمْ يَكُنْ مَعِي أَحَدٌ. فَدُسْتُهُمْ بِغَضَبِي وَوَطِئْتُهُمْ بِغَيْظِي. فَرُشَّ عَصِيرُهُمْ عَلَى ثِيَابِي فَلَطَخْتُ كُلَّ مَلاَبِسِي. لأَنَّ يَوْمَ النَّقْمَةِ فِي قَلْبِي وَسَنَةَ مَفْدِيِّيَّ قَدْ أَتَتْ. فَنَظَرْتُ وَلَمْ يَكُنْ مُعِينٌ وَتَحَيَّرْتُ إِذْ لَمْ يَكُنْ عَاضِدٌ فَخَلَّصَتْ لِي ذِرَاعِي وَغَيْظِي عَضَدَنِي. فَدُسْتُ شُعُوباً بِغَضَبِي وَأَسْكَرْتُهُمْ بِغَيْظِي وَأَجْرَيْتُ عَلَى الأَرْضِ عَصِيرَهُمْ " ( إشعياء63/1-6 ).
يقول بعص الكتّاب من الإخوة المسلمين أنَّ المحارب المشار إليه في هذه الآيات هو نبيّ المسلمين بدليل أنَّه من حملة السيف ويظنون أنَّ بصرة المذكورة هنا هي مدينة بصرة الشهيرة!!
غير أننا نجد في العدد الأول أنَّها من بلاد أدوم وتدعى اليوم البصيرة واقعة على مسافة قصيرة من جنوب البحر الميت. ثمّ إذا قابلنا (الآية5) من هذا الإصحاح مع (إشعياء59/15و16) نجد أنَّ المحارب المشار إليه هو رب الجنود الذي انتقم من أدوم على خطاياها وورد مثل هذا الوصف في (رؤيا19/11-16)، حيث يظهر ذلك المحارب إنما هو كلمة الله الذي سيعاقب الفجّار ويهزمهم نهائيًا ويضع كل أعدائه تحت قدميه ( 1كورونثوس5/25 ).
ــــــــــ
- 130 -
6- بسطت يدي طول النهار إلى شعب متمرد:
" أَصْغَيْتُ إِلَى الَّذِينَ لَمْ يَسْأَلُوا. وُجِدْتُ مِنَ الَّذِينَ لَمْ يَطْلُبُونِي. قُلْتُ: " هَئَنَذَا هَئَنَذَا " لأُمَّةٍ لَمْ تُسَمَّ بِاسْمِي. بَسَطْتُ يَدَيَّ طُولَ النَّهَارِ إِلَى شَعْبٍ مُتَمَرِّدٍ سَائِرٍ فِي طَرِيقٍ غَيْرِ صَالِحٍ وَرَاءَ أَفْكَارِهِ. شَعْبٍ يُغِيظُنِي بِوَجْهِي. دَائِماً يَذْبَحُ فِي الْجَنَّاتِ وَيُبَخِّرُ عَلَى الآجُرِّ. يَجْلِسُ فِي الْقُبُورِ وَيَبِيتُ فِي الْمَدَافِنِ. يَأْكُلُ لَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَفِي آنِيَتِهِ مَرَقُ لُحُومٍ نَجِسَةٍ. يَقُولُ: " قِفْ عِنْدَكَ. لاَ تَدْنُ مِنِّي لأَنِّي أَقْدَسُ مِنْكَ ". هَؤُلاَءِ دُخَانٌ فِي أَنْفِي. نَارٌ مُتَّقِدَةٌ كُلَّ النَّهَارِ. هَا قَدْ كُتِبَ أَمَامِي. لاَ أَسْكُتُ بَلْ أُجَازِي. أُجَازِي فِي حِضْنِهِمْ " ( إشعياء65/1-6 ).
قالوا أنَّ هذه الآيات نبوّة عن اهتداء العرب إلي الإسلام والآيات التي بعدها تنبئ عن خطايا اليهود والنصاري التي بسببها رفضهم الله (9) !!!
والحقيقة هي أنَّ (الأية1) نبوة عن اهتداء كثير من الأمم إلى المسيح ولو أن الآيات من ( 2 إلى6 ) تذكر خطايا اليهود ولكن من ( الآية8 ) يصرّح أن الله لا يرفض شعبه المحبوب رفضًا نهايئًا بل يعود ويقبلهم. ثم إشعياء يتجاسر ويقول وجدت من الذين لم يطلبوني وصرت ظاهرا للذين لم يسألوا عنّي. أمّا من جهة إسرائيل فيقول طول النهار بسطت يدق إلى شعب معاند ومقاوم فأقول ألعل الله رفض شعبه. حاشا... لم يرفض الله شعبه الذي سبق فعرفه ( رومية10/20-20؛ 11/1-2 ). ولم يرد هنا شئ بخصوص المسيحيين ولا عن نبي المسلمين.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(9) إظهار الحق؛ ج2، ص226.
ــــــــــ
- 131 -
قال بعض الكتاب من الأخوة المسلمين أنَّ ما جاء في ( دانيال2 ) هو نبوّة عن ظهور الإسلام وامتداده، وقالوا أنَّ الممالك الأربع المذكورة في هذا الفصل هي الكلدانيون والمديانيون والفرس واليونان وأنَّ الإسكندر الكبير هزم الفرس وفرق شملها إلا أنها عادت على سابق مجدها فيما بعد وأخذت تضعف تارة ونقوى أخرى إلي زمن كسرى أنوشروان وبعد موت نبي المسلمين قصد إليها جيوش المسلمين وفتحوها، وفتحوا ما بين النهرين وفلسطين وعليه فمملكة الإسلام هي المقصودة بالمملكة التي خلفت الممالك الأربع وسادت على كل الأرض ( دانيال2/44-45 ) (1) .
كما قالوا أيضًا: أنَّ نبوة دانيال المزدوجة: صورة التمثال كناية عن الشرك الذي أربعة ممالك وفي زمن الرابعة ينقطع حجر من جبل بغير يد قطعته فيسحق التمثال والممالك الوثنية التي تحمله. وأنَّ هذا الحجر الذي ضرب تمثال الشرك هو نبي المسلمين وملكوت الله هو الدولة الإسلامية المُقامة علي أنقاض الفرس والروم .
وقالوا أيضًا أنَّ ابن الإنسان الآتي على السحاب في رؤيا دانيال النبي ( دانيال7/13-14 ) يُشير إلى ملكوت نبي الإسلام الذي تأسّس في فلسطين عقب زوال دولة الروم !!
يقول الأستاذ على الجوهري " واسأل نفسك ما المراد بابن الإنسان؟ وما هو المراد الملائكة القدّيسين؟ ألا تعتقد أنَّه تكلم عن محمد (صلعم )...." (2) .
استخدموا بعض أمثلة المسيح مثل مَثَل الكرمة والكرامين الأردياء( متّي21/23-46 ).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) إظهار الحق: ج2،ص 227و228؛ " محمد في التوراة والإنجيل والقرآن" خليل أحمد إبراهيم ص39و40؛ أنظر أيضًا " حقيقة النصرانية من الكتب المقدّسة " علي الجوهري ص195 .
(2) حقيقة النصرانية من الكتب المقدّسة " علي الجوهري ص27و28 .
ــــــــــ
- 132 -
وحديث الرب يسوع المسيح عن حجر الزاوية (3) ، وقالوا أنَّ هدا المثل يُشير إلى انتقال المُلك من بني إسرائيل إلى أمّة أخرى، هي أمّة بني إسماعيل!!
بل وقال المستشار الطهطاوي " فالكرم كناية عن الأرض المقدسة – والكرامون هم بنو إسرائيل. فلما أرسل الله أنبياءه إليهم قتلوا بعضهم وخالفوا بعضًا آخر وعاندوا إلى أنْ أرسل الله سيدنا محمد عليه السلام الابن الوارث ليعقوب بن اسحق في الأرض المقدسة ليكون بنو إسرائيل معه ليؤمنوا به ويتبعوه لكنهم أخذوه خارج الكرم وقتلوه بحسب فهمهم أنهم قتلوا المسيح " (4) !!
واستخدم مؤلّف كتاب إظهار الحق هذا المثل وعددًا آخر من أمثلة المسيح التي بها عبارة " يشبه ملكوت السموات"، وتبعه في ذلك البعض أيضًا، وقال أنَّها نبوّات عن دولة الإسلام ونبي المسلمين (5) !!
وما قدمه هؤلاء الكتاب هنا مبنيّ على الهوي وبعيد عن فكر الكتاب المقدّس ومليء بالأخطاء الدينيّة والتاريخيّة!! وفيما يلي نقدّم التفسير الدقيق لهذه النبوّات.
1- رؤيا التمثال البهي والحجر الذي قطع بدون يدّ (6) : فقد رأي الملك نبوخذ نصر ملك بابل تمثالاً عظيمًا بهيًا ومنظره هائل مصنوع من أربعة معادن.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(3) يقول هذا المثل:" اِسْمَعُوا مَثَلاً آخَرَ: كَانَ إِنْسَانٌ رَبُّ بَيْتٍ غَرَسَ كَرْماً وَأَحَاطَهُ بِسِيَاجٍ وَحَفَرَ فِيهِ مَعْصَرَةً وَبَنَى بُرْجاً وَسَلَّمَهُ إِلَى كَرَّامِينَ وَسَافَرَ. وَلَمَّا قَرُبَ وَقْتُ الأَثْمَارِ أَرْسَلَ عَبِيدَهُ إِلَى الْكَرَّامِينَ لِيَأْخُذَ أَثْمَارَهُ. فَأَخَذَ الْكَرَّامُونَ عَبِيدَهُ وَجَلَدُوا بَعْضاً وَقَتَلُوا بَعْضاً وَرَجَمُوا بَعْضاً. ثُمَّ أَرْسَلَ أَيْضاً عَبِيداً آخَرِينَ أَكْثَرَ مِنَ الأَوَّلِينَ فَفَعَلُوا بِهِمْ كَذَلِكَ . فَأَخِيراً أَرْسَلَ إِلَيْهِمُ ابْنَهُ قَائِلاً: يَهَابُونَ ابْنِي! وَأَمَّا الْكَرَّامُونَ فَلَمَّا رَأَوْا الاِبْنَ قَالُوا فِيمَا بَيْنَهُمْ: هَذَا هُوَ الْوَارِثُ. هَلُمُّوا نَقْتُلْهُ وَنَأْخُذْ مِيرَاثَهُ! فَأَخَذُوهُ وَأَخْرَجُوهُ خَارِجَ الْكَرْمِ وَقَتَلُوهُ. فَمَتَى جَاءَ صَاحِبُ الْكَرْمِ مَاذَا يَفْعَلُ بِأُولَئِكَ الْكَرَّامِينَ؟، قَالُوا لَهُ: أُولَئِكَ الأَرْدِيَاءُ يُهْلِكُهُمْ هَلاَكاً رَدِيّاً وَيُسَلِّمُ الْكَرْمَ إِلَى كَرَّامِينَ آخَرِينَ يُعْطُونَهُ الأَثْمَارَ فِي أَوْقَاتِهَا. قَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: أَمَا قَرَأْتُمْ قَطُّ فِي الْكُتُبِ: الْحَجَرُ الَّذِي رَفَضَهُ الْبَنَّاؤُونَ هُوَ قَدْ صَارَ رَأْسَ الزَّاوِيَةِ. مِنْ قِبَلِ الرَّبِّ كَانَ هَذَا وَهُوَ عَجِيبٌ فِي أَعْيُنِنَا؟ لِذَلِكَ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ مَلَكُوتَ اللَّهِ يُنْزَعُ مِنْكُمْ وَيُعْطَى لأُمَّةٍ تَعْمَلُ أَثْمَارَهُ. وَمَنْ سَقَطَ عَلَى هَذَا الْحَجَرِ يَتَرَضَّضُ وَمَنْ سَقَطَ هُوَ عَلَيْهِ يَسْحَقُهُ " (متي21/33-44).
(4) محمد نبي الإسلام في التوراة والإنجيل، ص34 .
(5) أنظر الجزء الأخير من الفصل السادس .
(6) أنظر كتابنا إعجاز الوحي والنبوّة في سفر دانيال، الفصل السادس .
ــــــــــ
- 133 -
أساسية هي الذهب والفضة والنحاس والحديد " رَأْسُ هَذَا التِّمْثَالِ مِنْ ذَهَبٍ جَيِّدٍ. صَدْرُهُ وَذِرَاعَاهُ مِنْ فِضَّةٍ. بَطْنُهُ وَفَخْذَاهُ مِنْ نُحَاسٍ. سَاقَاهُ مِنْ حَدِيدٍ. قَدَمَاهُ بَعْضُهُمَا مِنْ حَدِيدٍ وَالْبَعْضُ مِنْ خَزَفٍ. كُنْتَ تَنْظُرُ إِلَى أَنْ قُطِعَ حَجَرٌ بِغَيْرِ يَدَيْنِ فَضَرَبَ التِّمْثَالَ عَلَى قَدَمَيْهِ اللَّتَيْنِ مِنْ حَدِيدٍ وَخَزَفٍ فَسَحَقَهُمَا. فَانْسَحَقَ حِينَئِذٍ الْحَدِيدُ وَالْخَزَفُ وَالنُّحَاسُ وَالْفِضَّةُ وَالذَّهَبُ مَعاً وَصَارَتْ كَعُصَافَةِ الْبَيْدَرِ فِي الصَّيْفِ فَحَمَلَتْهَا الرِّيحُ فَلَمْ يُوجَدْ لَهَا مَكَانٌ. أَمَّا الْحَجَرُ الَّذِي ضَرَبَ التِّمْثَالَ فَصَارَ جَبَلاً كَبِيراً وَمَلأَ الأَرْضَ كُلَّهَا ." ( دانيال2/32-35 ).
وقد أوضح الله لدانيال النبي ومن خلاله لنبوخذ نصر أنه قد رمز في هذا الحلم وهذه الرؤيا بالمعادن الأربعة لأربع ممالك، إمبراطوريات، ستقوم على الأرض بالتتابع إلى أن يأتي في الأيام الأخيرة، وليس بعدها كما يظنّ البعض، ملكوت المسيح، والموصوف بالحجر الذي قطع بدون يدين. وقد رمز إلى كلّ إمبراطورية بمعدن خاص يبيّن جوهرها ويخلع عليها بعض الصفات التي ستكون السمة المعروفة بها ورمز للمسيح بحجر قطع بدون يدين .
الإمبراطوريّة الأولى (بايل 626-539 ق. م.). قال دانيال في تفسيره لنبوخذ نصر " أَنْتَ أَيُّهَا الْمَلِكُ مَلِكُ مُلُوكٍ لأَنَّ إِلَهَ السَّمَاوَاتِ أَعْطَاكَ مَمْلَكَةً وَاقْتِدَاراً وَسُلْطَاناً وَفَخْراً. وَحَيْثُمَا يَسْكُنُ بَنُو الْبَشَرِ وَوُحُوشُ الْبَرِّ وَطُيُورُ السَّمَاءِ دَفَعَهَا لِيَدِكَ وَسَلَّطَكَ عَلَيْهَا جَمِيعِهَا. فَأَنْتَ هَذَا الرَّأْسُ مِنْ ذَهَبٍ. " ( دانيال2/37-38 )، وكما يقول دانيال النبي أنَّ الله " يُغَيِّرُ الأَوْقَاتَ وَالأَزْمِنَةَ. يَعْزِلُ مُلُوكاً وَيُنَصِّبُ مُلُوكاً " ( دانيال2/21 ). وكما يقول موسى النبي أيضًا بالروح " حِينَ قَسَمَ اَلعَلِيُّ لِلأُمَمِ حِينَ فَرَّقَ بَنِي آدَمَ نَصَبَ تُخُوماً لِشُعُوبٍ " ( تثنية32/8 ). يؤكّد الكتاب أيضًا أنَّ الله بحسب إرادته الإلهية وتدبيره الأزلي وعلمه السابق هو الذي أعطى نبوخذ نصر هذا السلطان .
الإمبراطورية الثانية (مادي وفارس 539-331 ق م ). " وَبَعْدَكَ تَقُومُ مَمْلَكَةٌ أُخْرَى أَصْغَرُ مِنْكَ " ( الآية39 ) هذه المملكة، كما أجمع التقليد اليهودي والتقليد المسيحي هى
ــــــــــ
- 134 -
مملكة " مادي وفارس ". وليست مملكة الماديين كما زعم هؤلاء الكتاب والسفر نفسه يؤكد ذلك، إذ يقول لبيلشاصر ابن نبونيدس آخر ملوكها " قُسِمَتْ مَمْلَكَتُكَ وَأُعْطِيَتْ لِمَادِي وَفَارِسَ " ( دانيال5/28 ). وقد وصفت في رؤيا دانيال الثانية بكبش ذو قرنين قال له الملاك " أَمَّا الْكَبْشُ الَّذِي رَأَيْتَهُ ذَا الْقَرْنَيْنِ فَهُوَ مُلُوكُ مَادِي وَفَارِسَ "( دانيال8/20 ). وهذا ما جاء بتفسيره كل من القديس جيروم (7) والقديس هيبوايتوس (8) وما قاله المؤرّخ والكاهن اليهودي يوسيفوس. ويصفها البعض بالمملكة الفارسية نظرًا لسيادة الفرس، كما جاء في سفر الأخبار " إلى أن ملكت مملكة فارس " ( 2أخبار36/20 )، وكما يقول القدس هيبوليتوس أيضًا (9) .
الإمبراطورية الثالثة (اليونان 331-323 ق م ): " وَمَمْلَكَةٌ ثَالِثَةٌ أُخْرَى مِنْ نُحَاسٍ فَتَتَسَلَّطُ عَلَى كُلِّ الأَرْضِ " ( دانيال2/39 ). هذه المملكة أو الإمبراطورية الثالثة مذكورة بالاسم في سفر دانيال النبي وأنها ستخلف مادى وفارس " والتيس العافي " الذي هزم الكبش الذى يرمز إلى مادي وفارس " ملك اليونان" ( دانيال8/ 21)، وهذا ما قال به القديس هيبوليتوس (10) ، والقديس جيروم وغيره من المفسّرين (11) .
الإمبراطرية الرابعة (روما 58ق م -476م ): " وَتَكُونُ مَمْلَكَةٌ رَابِعَةٌ صَلِبَةٌ كَالْحَدِيدِ لأَنَّ الْحَدِيدَ يَدُقُّ وَيَسْحَقُ كُلَّ شَيْءٍ. وَكَالْحَدِيدِ الَّذِي يُكَسِّرُ تَسْحَقُ وَتُكَسِّرُ كُلَّ هَؤُلاَءِ " (دانيال2/40)، ويشير الحديد إلى القوة الصلبة الجبارة التي لا تُقهر، وهو يسحق ويفنى كل ماعداه من معادن أخرى، كما يشير إلى السيادة والتسلط (12) . وقد رُمز بالحديد هنا إلى المملكة الرومانية لقوتها الشديدة التي سحقت بها كل إمبراطوريات التي سبقتها. وقد قارن أحد الكتاب القدماء الإمبراطورية الرومانية بإمبراطوريات العالم العظيمة التي سبقتها، وقد برهن على أنَّ الإمبراطورية الرومانية كانت أكثر قوة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(7) Chr> Wordworth Vol. 6P.7
(8) Dan. 178.
(9) ANF, Vol6 P.186.
(10) Dan. 178.
(11) Chr. Words. Dan p.8.
(12) دانيال 2/40؛ مزمور2/9؛ رؤيا2/27؛ ميخا4/13؛ عاموس1/3.
ــــــــــ
- 135 -
وأكثر سيادة من كل الممالك التي سبقتها (13) . فقد سحقت هذه الإمبراطورية بغزواتها الكثيفة في أوربا وآسيا وأفربقيا وكسرت كل الأمم التي كانت ما تزال محتفظة بعناصر السلالات الآشورية البابلية والمادية الفارسية واليونانية الماضية. وقد عُرفت الجيوش الرومانية بالجيوش الحديدية، واستخدم دانيال النبي كلمة " حديد " في وصف هذه الإمبراطورية 14 مرة. ومن ثمّ اعتقدت الكنيسة منذ فجرها بأنَّ هذه الإمبراطورية هى الإمبراطورية الرومانية، وكان هذا هو رأى أقدم الآباء الذين وصلتنا كتاباتهم عن سفر دانيال؛ مثل القديس إيريناؤس في القرن الثاني الميلادي والقديس هيبوليتوس في القرن الثالث والقديس جيروم في القرن الرابع وذهبي الفم في القرن الرابع أيضًا (347-403م)، ويقول أحد المفسّرين ويُدعى جوزيف ميدى Joseph Mede " اعتقدت الكنيسة اليهودية قبل زمن مخلصنا أنّض الإمبراطورية الرابعة في سفر دانيال هي الإمبراطورية الرومانية، وهذا المعتقد تسلّمه تلاميذ الرسل وكل الكنيسة المسيحية لمدة 300سنة" (14) .
المملكة الخامسة، مملكة القدّيسين : ثم جاءث المملكة الخامسة، في أيام الرابعة وليس بعدها، وهي مملكة غزت جميع هذه الإمبراطوريات وسادت عليها، ولكن روحيًا!! فلم تدمر هذه الإمبراطوريات وتلغي حكوماتها وسيطرتها كما فعلت كل إمبراطورية مع سابقتها، بل غزتهم جميعًا روحيًا. إنها مملكة المسيّا، المسيح المنتظر، والتي بدأت في أيام الإمبراطورية الرابعة واستمرّت في وجودها أيضًا، إذ تقول النبوّة في الحلم والرؤيا " وَفِي أَيَّامِ هَؤُلاَءِ الْمُلُوكِ يُقِيمُ إِلَهُ السَّمَاوَاتِ مَمْلَكَةً لَنْ تَنْقَرِضَ أَبَداً وَمَلِكُهَا لاَ يُتْرَكُ لِشَعْبٍ آخَرَ وَتَسْحَقُ وَتُفْنِي كُلَّ هَذِهِ الْمَمَالِكِ وَهِيَ تَثْبُتُ إِلَى الأَبَدِ ." ( دانيال2/44 ). أنها مملكة المسيح الروحية التي انتشرت بالكرازة بالإنجيل للخليقة كلها وليس بقوّة السيف والجيوش " لأَنَّ كُلَّ الَّذِينَ يَأْخُذُونَ السَّيْفَ بِالسَّيْفِ يَهْلِكُونَ! " ( متي26/52 ). وليست مثل الممالك الأخرى التي انتشرث بالغزوات والمعارك الحربية وقوه الجيوش!!.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(13) Chr. Words. Dan p.8.
(14) Ibid.
ــــــــــ
- 136 -
وقد ولد الرب يسوع المسيح في أيام هذه الإمبراطورية الرابعة، وجاء ميلاده في بيت لحم بسبب أمر قيصرها، إذ يقول الكتاب " وَفِي تِلْكَ الأَيَّامِ صَدَرَ أَمْرٌ مِنْ أُوغُسْطُسَ قَيْصَرَ بِأَنْ يُكْتَتَبَ كُلُّ الْمَسْكُونَةِ " ( لوقا2/1 )، ويؤرّخ لبداية خدمة يوحنا المعمدان سفير المسيح بتواربخ إمبراطورها وولاتها " فِي السَّنَةِ الْخَامِسَةِ عَشْرَةَ مِنْ سَلْطَنَةِ طِيبَارِيُوسَ قَيْصَرَ إِذْ كَانَ بِيلاَطُسُ الْبُنْطِيُّ وَالِياً عَلَى الْيَهُودِيَّةِ وَهِيرُودُسُ رَئِيسَ رُبْعٍ عَلَى الْجَلِيلِ وَفِيلُبُّسُ أَخُوهُ رَئِيسَ رُبْعٍ عَلَى إِيطُورِيَّةَ وَكُورَةِ تَرَاخُونِيتِسَ وَلِيسَانِيُوسُ رَئِيسَ رُبْعٍ عَلَى الأَبِلِيَّةِ، فِي أَيَّامِ رَئِيسِ الْكَهَنَةِ حَنَّانَ وَقَيَافَا كَانَتْ كَلِمَةُ اللهِ عَلَى يُوحَنَّا بْنِ زَكَرِيَّا فِي الْبَرِّيَّةِ " ( لوقا3/1-2 ). وصُلب الرب يسوع المسيح بحسب قوانينها " مِنْ هَذَا الْوَقْتِ كَانَ بِيلاَطُسُ يَطْلُبُ أَنْ يُطْلِقَهُ وَلَكِنَّ الْيَهُودَ كَانُوا يَصْرُخُونَ: إِنْ أَطْلَقْتَ هَذَا فَلَسْتَ مُحِبّاً لِقَيْصَرَ. كُلُّ مَنْ يَجْعَلُ نَفْسَهُ مَلِكاً يُقَاوِمُ قَيْصَر َ " ( يوحنا19/12 ). وانتشرت المسيحية فيها ومن خلالها، برغم الاضطهادات المريرة، حتى تحولت الإمبراطوريه الرومانية نفسها إلى المسيحية رسميًا في سنة 313 بعدما أصدر الإمبراطور قسطنطين مرسوم التسامح الدينى الشهير والذي بمقتضاه جعل المسيحية هي ديانة الدولة. واجتمع في عهده وتحت إشرافه مجمع نيقية سنة 325م. وبعد وفاة قسطنطين جلس على العرش يوليان الجاحد، أو المرّتد، الذي حارب المسيحية بشدة وفشل في ذلك فشلاً ذريعًا وكانت آخر كلماته التي قالها لحظة وفاته في المعر كة سنة 363م " آه أيها الجليلي، فقد انتصرت أخيرًا " وحكم بعده ثيؤدوسوس العظيم (378-395م) والذي دعي ببطل المسيحية، وقد قسّم إلإمبراطورية ثانيه إلى شرقية وغربية.
وكانت الإمبراطورية الرومانية أكثر استمرارية من الإمبراطوريات التي سبقتها، فقد دامت واستمرّت 500سنة كإمبراطورية موحّدة وغير منقسمة، سواء عندما كانت وثنية أو بعدما تحولت إلى المسيحية، واستمرت بقسميها الشرقي والغربي إلى سنة 1453م عندما استولى الأتراك على القسطنطينية، واستمر القسم الغربي المسيحي منها من خلال بقية دول أوربا حتى اليوم، وهذه الدول نقلت حضارتها وديانتها المسيحية وجزء كبير من شعبها إلى الأمريكتين واستراليا بعد اكتشافها، حتى صاروا كجزء منها، بل ونقلوا حضارتهم وديانتهم المسيحية إلى كل المسكونة. ولم تتوقف المسيحية عن الانتشار بظهور الإسلام حتى يمكن أن يقال أنه حل محلها، بل العكس تمامًا حيث ينضم إلى المسيحية في كل بلاد العالم، حاليًا، مئات الألوف
ــــــــــ
- 137 -
في اليوم الواحد، كما أن نسبة نمو المسيحية في العالم اليوم هي 6.9%، بما يعادل نسبة نمو السكان ثلاثة أضعاف.
2- الحجر الذي قطع بدون يدين والحجر الذي رفضه البناؤون : قال دانيال النبى في إعلانه لما جاء برؤياه وحلم نبوخذ نصر " كُنْتَ تَنْظُرُ إِلَى أَنْ قُطِعَ حَجَرٌ بِغَيْرِ يَدَيْنِ فَضَرَبَ التِّمْثَالَ عَلَى قَدَمَيْهِ اللَّتَيْنِ مِنْ حَدِيدٍ وَخَزَفٍ فَسَحَقَهُمَا. فَانْسَحَقَ حِينَئِذٍ الْحَدِيدُ وَالْخَزَفُ وَالنُّحَاسُ وَالْفِضَّةُ وَالذَّهَبُ مَعاً وَصَارَتْ كَعُصَافَةِ الْبَيْدَرِ فِي الصَّيْفِ فَحَمَلَتْهَا الرِّيحُ فَلَمْ يُوجَدْ لَهَا مَكَانٌ. أَمَّا الْحَجَرُ الَّذِي ضَرَبَ التِّمْثَالَ فَصَارَ جَبَلاً كَبِيراً وَمَلأَ الأَرْضَ كُلَّهَا "( دانيال2/34-35 ). وقال في التفسير " وَفِي أَيَّامِ هَؤُلاَءِ الْمُلُوكِ يُقِيمُ إِلَهُ السَّمَاوَاتِ مَمْلَكَةً لَنْ تَنْقَرِضَ أَبَداً وَمَلِكُهَا لاَ يُتْرَكُ لِشَعْبٍ آخَرَ وَتَسْحَقُ وَتُفْنِي كُلَّ هَذِهِ الْمَمَالِكِ وَهِيَ تَثْبُتُ إِلَى الأَبَدِ. 45لأَنَّكَ رَأَيْتَ أَنَّهُ قَدْ قُطِعَ حَجَرٌ مِنْ جَبَلٍ لاَ بِيَدَيْنِ فَسَحَقَ الْحَدِيدَ وَالنُّحَاسَ وَالْخَزَفَ وَالْفِضَّةَ وَالذَّهَبَ. " ( دانيال2/44-45 ).
هذا الحجر الذي قطع بدون يدين وسحق كل هذه الممالك وملأ ملكوته الأرض كلها، كما يؤكد الكتاب المقدس هو المسيح وليس نبي الإسلام كما قال بعض هؤلاء الكُتاب!!! فقد وصف في نبوّات داود بحجر الزاوية " الْحَجَرُ الَّذِي رَفَضَهُ الْبَنَّاؤُونَ قَدْ صَارَ رَأْسَ الزَّاوِيَةِ. مِنْ قِبَلِ الرَّبِّ كَانَ هَذَا وَهُوَ عَجِيبٌ فِي أَعْيُنِنَا " ( مزمور118/22-23 )، وفي نبوات إشعياء النبي بحجر الامتحان " لِذَلِكَ هَكَذَا يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ: هَئَنَذَا أُؤَسِّسُ فِي صِهْيَوْنَ حَجَرَ امْتِحَانٍ حَجَرَ زَاوِيَةٍ كَرِيماً أَسَاساً مُؤَسَّساً. مَنْ آمَنَ لاَ يَهْرُبُ " (إشعياء28/16)، وقال القديس بطرس في خطابه لرؤساء اليهود أن هذا الحجر هو الرب يسوع المسيح " فَلْيَكُنْ مَعْلُوماً عِنْدَ جَمِيعِكُمْ وَجَمِيعِ شَعْبِ إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ بِاسْمِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ النَّاصِرِيِّ الَّذِي صَلَبْتُمُوهُ أَنْتُمُ الَّذِي أَقَامَهُ اللهُ مِنَ الأَمْوَاتِ بِذَاكَ وَقَفَ هَذَا أَمَامَكُمْ صَحِيحاً. هَذَا هُوَ الْحَجَرُ الَّذِي احْتَقَرْتُمُوهُ أَيُّهَا الْبَنَّاؤُونَ الَّذِي صَارَ رَأْسَ الزَّاوِيَةِ. " ( أعمال4/10-11 )، وقال في رسالته الأولى " الَّذِي إِذْ تَأْتُونَ إِلَيْهِ، حَجَراً حَيّاً مَرْفُوضاً مِنَ النَّاسِ، وَلَكِنْ مُخْتَارٌ مِنَ اللهِ كَرِيمٌ، " ( 1بطرس2/4 ).
ــــــــــ
- 138 -
وهذا كان إيمان اليهود قبل المسيح إذ أجمعوا على أنَّ الحجر الذي قُطع بدون يدين في سفر دانيال النبي هو المسيح المنتظر، يقول توماس سكوت " وقد أجمع اليهود بدون لإستثناء أنَّ المقصود بهذا الحجر هنا هو المسيا " (15) . وقال كاندلر الذي أيد رأيه باقتباسات من كتابات كثيرة للربيين اليهود: [ أسأل اليهود، ما المقصود بالحجر؟ فيجيبون كرجل واحد؛ المسيا. أسأل عن التمثال الذي حطمه الحجر على أصابعه، فيقولون بالإجماع: إنَّها الإمبراطورية الرومانية. أطلب المعنى المقصود بمملكة الجبل؛ فيتفقون على إنها مملكة المسيا التي ستمتد بنفسها، وتُخضع كل الممالك وتكون مملكة أبدية. فهكذا تعلم الشعب، وكان مُعدّ أنْ يسمع من يوحنا المعمدان ومن ربنا المبارك يسوع المسيح، الحديث عن " ملكوت السموات " ] (16) .
وهذا كان أيضًا إيمان الكنيسة الذى استلمته من رسل المسيح وتلاميذهم. وقد أجمع آباء الكنيسة علي أنَّ عبارة " قُطِعَ بغير يدٍ " تعني ولادة الرب يسوع المسيح بدون زرع بشر، إنَّه الحجر الذي قطع بغير يدين لأنه لم يولد كسائر مواليد البشر إنَّما ولد من الروح القدس، بعمل الروح القدس، كما يقول: القديس إريناؤس (17) والقديس يوستينوس (18) والقديس جيروم (19) والقديس أغسطينوس (20) .
وقد رأوا في قوله " أما الحجر الذي ضرب التمثال فصار جبلاً كبيرًا وملأ الأرض كلها " إعلان عن ملكوت المسيح الذي يمتد من مجيئه الأول إلى مجيئه الثاني وقيامة الأبرار، فيقول القديس إريناؤس: " المسيح هو الحجر الذي قطع بغير
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(15) Scott P. Dan. V. 34,35.
(16) Chr. Words. Dan p.8.
(17) Ag. Her. 3:28.
(18) Dial. Tryph. 70, 76.
(19) Chr. Words. Dan p.8.
(20) Augst. Lect. 9 on Joann..
ــــــــــ
- 139 -
يدين وهو الذي سيدمر الممالك الوقتية ويدخل مملكة أبدية هى مملكة قيامة الأبرار إذ يعلن " يُقِيمُ إِلَهُ السَّمَاوَاتِ مَمْلَكَةً لَنْ تَنْقَرِضَ أَبَداً " ( دانيال2/44 )، ويقول القديس هيبوليتوس " وكما رأى النبي بعد رؤيا الممالك الأربعة ابن الإنسان يأخذ السيادة والقوة والملكوت. هكذا أيضًا رأى الملك، حجرًا سحق التمثال كله وأصبح جبلاً عظيمًا" (21) .
3- من هو ابن الإنسان ؟
قال دانيال النبي " كُنْتُ أَرَى فِي رُؤَى اللَّيْلِ وَإِذَا مَعَ سُحُبِ السَّمَاءِ مِثْلُ ابْنِ إِنْسَانٍ أَتَى وَجَاءَ إِلَى الْقَدِيمِ الأَيَّامِ فَقَرَّبُوهُ قُدَّامَهُ. فَأُعْطِيَ سُلْطَاناً وَمَجْداً وَمَلَكُوتاً لِتَتَعَبَّدَ لَهُ كُلُّ الشُّعُوبِ وَالأُمَمِ وَالأَلْسِنَةِ . سُلْطَانُهُ سُلْطَانٌ أَبَدِيٌّ مَا لَنْ يَزُولَ وَمَلَكُوتُهُ مَا لاَ يَنْقَرِضُ " ( دانيال7/13-14 ). فمن هو ابن الإنسان هذا؟، هل هو المسيح أم هو نبي المسلمين كما زعم هؤلاء الكتاب؟.
يقول لنا الكتاب أنَّه الرب يسوع المسيح الذي سوف يأتي على السحاب كما قال مشيرًا إلى نفسه عندما سأله رئيس الكهنة قائلاً " أَسْتَحْلِفُكَ بِاللَّهِ الْحَيِّ أَنْ تَقُولَ لَنَا: هَلْ أَنْتَ الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ؟. قَالَ لَهُ يَسُوعُ: أَنْتَ قُلْتَ ... أَنَا هُوَ وَأَيْضاً أَقُولُ لَكُمْ: مِنَ الآنَ تُبْصِرُونَ ابْنَ الإِنْسَانِ جَالِساً عَنْ يَمِينِ الْقُوَّةِ وَآتِياً عَلَى سَحَابِ السَّمَاءِ " ( متي26/63-64؛ مرقس14/62 )، وأما عن السلطان الذي أعطي يقول الرب يسوع المسيح عن نفسه" كُلُّ شَيْءٍ قَدْ دُفِعَ إِلَيَّ مِنْ أَبِي " ( متي11/27 )، وأيضًا " دُفِعَ إِلَيَّ كُلُّ سُلْطَانٍ فِي السَّمَاءِ وَعَلَى الأَرْضِ " ( متي28/18 )، " اَلآبُ يُحِبُّ الاِبْنَ وَقَدْ دَفَعَ كُلَّ شَيْءٍ فِي يَدِهِ " ( يوحنا3/35 ).
وقد ورد لقب " ابن الإنسان " في العهد الجديد حوالي 83 مرة ، فقد ورد في الإنجيل بحسب للقديس متى 30 مرة، وفي الإنجيل بحسب القديس مرقس 13 مرة، وفي الإنجيل بحسب القدس لوقا 15مرة، وفي الإنجيل بحسب القدس يوحنا 11 مرة 0ومرة واحدة فقط في سفر أعمال الرسل،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـ
(21) ANF vol. 5:187.
ــــــــــ
- 140 -
ومرتين في سفر الرؤيا تحت عبارة "شبه ابن إنسان " مع ملاحظة أنَّ أغلب المرات التي ذُكر فيها اللقب في الأناجيل الثلاثة الأولى هي تكرار لمواقف واحدة. وكلها تؤكد أن هذا اللقب هو لقب الرب يسوع المسيح الذي أعطاه لنفسه، وعلى سيبل المثال:
عندما سأل تلاميذه ماذا يقول الناس عنه قال لهم " مَنْ يَقُولُ النَّاسُ إِنِّي أَنَا ابْنُ الإِنْسَانِ؟ " ( متي16/13 ).
" وَابْتَدَأَ يُعَلِّمُهُمْ أَنَّ ابْنَ الإِنْسَانِ يَنْبَغِي أَنْ يَتَأَلَّمَ كَثِيراً وَيُرْفَضَ مِنَ الشُّيُوخِ وَرُؤَسَاءِ الْكَهَنَةِ وَالْكَتَبَةِ وَيُقْتَلَ وَبَعْدَ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ يَقُومُ " (مرقس8/31)،
" لأَنَّ ابْنَ الإِنْسَانِ أَيْضاً لَمْ يَأْتِ لِيُخْدَمَ بَلْ لِيَخْدِمَ وَلِيَبْذِلَ نَفْسَهُ فِدْيَةً عَنْ كَثِيرِينَ " ( مرقس10/45 )،
وقال ليهوذا عندما جاء ليسلّمه " يَا يَهُوذَا أَبِقُبْلَةٍ تُسَلِّمُ ابْنَ الإِنْسَانِ ؟ " ( لو22/48 )،
كما قال للجموع " لأَنَّ ابْنَ الإِنْسَانِ قَدْ جَاءَ لِكَيْ يَطْلُبَ وَيُخَلِّصَ مَا قَدْ هَلَكَ " ( لو19/10 )،
وأيضًا " فَإِنْ رَأَيْتُمُ ابْنَ الإِنْسَانِ صَاعِداً إِلَى حَيْثُ كَانَ أَوَّلاً " ( يوحنا6/62 )،
وقال لنيقوديموس " وَلَيْسَ أَحَدٌ صَعِدَ إِلَى السَّمَاءِ إِلاَّ الَّذِي نَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ ابْنُ الإِنْسَانِ الَّذِي هُوَ فِي السَّمَاءِ "( يوحنا3/13 )،
وقال عن مجيئه على السحاب " وَحِينَئِذٍ تَظْهَرُ عَلاَمَةُ ا بْنِ الإِنْسَانِ فِي السَّمَاءِ. وَحِينَئِذٍ تَنُوحُ جَمِيعُ قَبَائِلِ الأَرْضِ وَيُبْصِرُونَ ابْنَ الإِنْسَانِ آتِياً عَلَى سَحَابِ السَّمَاءِ بِقُوَّةٍ وَمَجْدٍ كَثِيرٍ " ( متي24/30 )،
" وَمَتَى جَاءَ ابْنُ الإِنْسَانِ فِي مَجْدِهِ وَجَمِيعُ الْمَلاَئِكَةِ الْقِدِّيسِينَ مَعَهُ فَحِينَئِذٍ يَجْلِسُ عَلَى كُرْسِيِّ مَجْدِه ِ. وَيَجْتَمِعُ أَمَامَهُ جَمِيعُ الشُّعُوبِ فَيُمَيِّزُ بَعْضَهُمْ مِنْ بَعْضٍ كَمَا يُمَيِّزُ الرَّاعِي الْخِرَافَ مِنَ الْجِدَا ءِ " ( متي25/31-32 )،
وعند استشهاد القديس إستيفانوس يقول الكتاب " وَأَمَّا هُوَ فَشَخَصَ إِلَى السَّمَاءِ وَهُوَ مُمْتَلِئٌ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ فَرَأَى مَجْدَ اللهِ وَيَسُوعَ قَائِماً عَنْ يَمِينِ اللهِ ، فَقَالَ: هَا أَنَا أَنْظُرُ السَّمَاوَاتِ مَفْتُوحَةً وَابْنَ الإِنْسَانِ قَائِماً عَنْ يَمِينِ اللهِ " ( أعمال7/55-56 ).
هل، بعد كل ما ذُكر، يوجد أي لبس فيمن هو " ابن الإنسان" ؟!!
4- ما هو ملكوت السموات ( ملكوت الله ) ؟
قال بعض الكتاب من الإخوة المسلمين أنَّ يوحنا المعمدان نادى بملكوت السموات قائلاً " تُوبُوا لأَنَّهُ قَدِ اقْتَرَبَ مَلَكُوتُ السَّماوَاتِ " ( متي3/2 ). و قالوا أنَّ هذا إعلان
ــــــــــ
- 141 -
واضح عن الدوله الإسلامية التي أسّسها نبي المسلمين إذْ أنَّ يوحنا والمسيح والحواريين والتلاميذ جميعهم قد بشّروا بملكوت السموات، وهذا يدل أنَّ هذا الملكوت لم يكنْ ظاهرًا في عهد يوحنا أو المسيح أو التلاميذ أو الحواريّين، وهم لم يكونوا سوى مبشّرين به. ويعنى ذلك أنَّ الملكوت لم يكنْ هو طربقة النجاة التي جاء بها المسيح، بل هو طريقة نبي المسلمين وملكوته، يعنى السلطة التي له (22) !!
ونسأل هؤلاء ونقول لهم: ما هو ملكوت السموات في المسيحية والإسلام ؟ وهل يعني مملكة عالمية أم مملكه روحية ؟ وهل هو ملكوت يقوم على الأرض أم هو ملكوت سماوي ؟:
أولاً: ملكوت السموات في الإسلام: لا يعنى ملكوت السموات في الإسلام، سواء في القرآن أو الحديث، أي مملكة عالمية، إنما يعنى ملك الله باعتباره ملك السموات والأرض وملك الملكوت. يقول القرآن " وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ " ( الأنعام75 )، " أَوَلَمْ يَنظُرُواْ فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللّهُ مِن شَيْءٍ وَأَنْ عَسَى أَن يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ " ( الأعراف185 )، " وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ " ( النور42 )، " لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ " ( الحديد2 ) (23) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(22) إظهار الحق: ج2، ص231-235.
(23) وجاء في كتب الحديث والعلوم الإسلامية : ( ملكوت) هو الملك العظيم والسلطان القاهر، وملكوت السموات والأرض: ما فيهما من آيات وعجائب ( صحيح البخاري/تفسي سورة الأنعام) قارئ "الحديد" و "إذا وقعت" و "الرحمن" يدعى في ملكوت السموات والأرض ساكن الفردوس التخريج،عن فاطمة التخريج (مفصلا): البيهقي في شعب الإيمان والديلمي في مسند الفردوس عن فاطمة" ( 6001 الجامع الصغير لجلال الدين السيوطي ) و " قالَ: سَمِعتُ أَبَا عَمّارٍ الْحُسَيْنَ بنَ حُرَيْثٍ الْخُزَاعِيّ يَقُولُ سَمِعْتُ الفُضَيْلَ بنَ عِيَاضٍ يَقُولُ: عَالِمٌ عَامِلٌ مُعَلّمُ يُدْعَى كَبِيراً في مَلَكُوتِ السّمَوَاتِ " ( سنن الترمذي ) حديث "لولا أن الشياطين يحومون على قلوب بني آدم لنظروا إلى ملكوت السماوات" أخرجه أحمد من حديث أبي هريرة بنحوه. ( تخريج أحاديث الإحياء للحلفظ العراقي ) وحديث ابن عباس "لا يدخل ملكوت السموات من ملأ بطنه " ( تخريج أحاديث الإحياء للحلفظ العراقي ) قال القاضي -رحمه اللَّه-: وفي علوِّ منزلة نبيِّنا – ص - وارتفاعه فوق منازل سائر الأنبياء – ص - عليهم أجمعين- وبلوغه حيث بلغ من ملكوت السَّموات دليل على علوِّ درجته وإبانة فضله . ( صحيح مسلم بشرح النووي/باب الإسراء) من تعلم لله وعلم لله كتب في ملكوت السماوات عظيما. رواه الديلمي عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما .( كشف السماء للإمام الجعلونى/2776) ، من قضى نهمته في الدنيا حيل بينه وبين شهوته في الآخرة ومن مد عينه إلى زينة المترفين كان مهينا في ملكوت السماء والأرض ومن صبر على القوت الشديد صبرا جميلا أسكنه الله من الفردوس حيث شاء . وابن صصرى في أماليه وحسنه عن البراء قال هب: تفرد به إسماعيل بن عمرو البجلي .(كنز العمال للمتقي الهندي/6277) ، وعن البراء بن عازب قال: قال رسول الله – ص – " من قضى نهمته في الدنيا حيل بينه وبين شهوته في الآخرة، ومن مد عينيه إلى زينة المترفين كان مهيناً في ملكوت السماوات، ومن صبر على القوت الشديد صبراً جميلاً أسكنه الله من الفردوس حيث شاء ". رواه الطبراني في الصغير والأوسط وفيه إسماعيل بن عمرو البجلي وثقه ابن حبان وضعفه الجمهور، وبقية رجاله رجال الصحيح. (مجع الزوائد/17820)، حدثنا محمد بن عبد الله الحضرمي ثنا عثمان بن أبي شيبة ثنا أبو أسامة عن سفيان بن عيينة عن رقبة بن مصقلة قال لما حضر بنفسي عندك فإنها أعز الأنفس علي وكان مما صنع الله له أنه احتسب نفسه (معجم الطبراني الكبير3/ 71)
ــــــــــ
- 142 -
ثانيًا: ملكوت السموات في المسيحية: يعني ملكوت السموات أو ملكوت الله في المسيحية مملكة الله الروحية وملكها هو الرب يسوع " مَلِكُ الْمُلُوكِ وَرَبُّ الأَرْبَابِ " ( رؤيا19/16 )، ولا يقصد به أي مملكة عالمية علي الإطلاق كما قال هو " مملكتي ليست من هذا العالم " أي العالم المادي،
وقال عن الذين يدخلون هذا الملكوت " طُوبَى لِلْمَطْرُودِينَ مِنْ أَجْلِ الْبِرِّ لأَنَّ لَهُمْ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ.. وَأَمَّا مَنْ عَمِلَ وَعَلَّمَ فَهَذَا يُدْعَى عَظِيماً فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ... فَإِنِّي أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّكُمْ إِنْ لَمْ يَزِدْ بِرُّكُمْ عَلَى الْكَتَبَةِ وَالْفَرِّيسِيِّينَ لَنْ تَدْخُلُوا مَلَكُوتَ السَّماوَاتِ "( متي5/10و19-20 )،
" لَيْسَ كُلُّ مَنْ يَقُولُ لِي: يَا رَبُّ يَا رَبُّ يَدْخُلُ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ. بَلِ الَّذِي يَفْعَلُ إِرَادَةَ أَبِي الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ "( متي7/21 )،
وأيضًا " لأَنَّهُ قَدْ أُعْطِيَ لَكُمْ أَنْ تَعْرِفُوا أَسْرَارَ مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَأَمَّا لأُولَئِكَ فَلَمْ يُعْطَ " ( متي13/11 )،
وقال لتلميذه بطرس الرسول " وَأُعْطِيكَ مَفَاتِيحَ مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ فَكُلُّ مَا تَرْبِطُهُ عَلَى الأَرْضِ يَكُونُ مَرْبُوطاً فِي السَّمَاوَاتِ. وَكُلُّ مَا تَحُلُّهُ عَلَى الأَرْضِ يَكُونُ مَحْلُولاً فِي السَّمَاوَاتِ " (متي16/19)،
وقال للجموع " اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنْ لَمْ تَرْجِعُوا وَتَصِيرُوا مِثْلَ الأَوْلاَدِ فَلَنْ تَدْخُلُوا مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ " (متي18/3)، " فَمَنْ وَضَعَ نَفْسَهُ مِثْلَ هَذَا الْوَلَدِ فَهُوَ الأَعْظَمُ فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ " ( متي 18/4 )،
ووبخ علماء اليهود قائلاً " لَكِنْ وَيْلٌ لَكُمْ أَيُّهَا الْكَتَبَةُ وَالْفَرِّيسِيُّونَ الْمُرَاؤُونَ لأَنَّكُمْ تُغْلِقُونَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ قُدَّامَ النَّاسِ فَلاَ تَدْخُلُونَ أَنْتُمْ وَلاَ تَدَعُونَ الدَّاخِلِينَ يَدْخُلُونَ "( متي23/13 ).
كما قال لتلاميذه " وَقَالَ لَهُمُ: الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ مِنَ الْقِيَامِ هَهُنَا قَوْماً لاَ يَذُوقُونَ الْمَوْتَ حَتَّى يَرَوْا مَلَكُوتَ اللَّهِ قَدْ أَتَى بِقُوَّةٍ " ( مرقس9/1 )،
وقال لنيقوديموس الفريسي " الْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكَ: إِنْ كَانَ أَحَدٌ لاَ يُولَدُ مِنْ فَوْقُ لاَ يَقْدِرُ أَنْ يَرَى مَلَكُوتَ اللَّهِ... الْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكَ: إِنْ كَانَ أَحَدٌ لاَ يُولَدُ مِنَ الْمَاءِ وَالرُّوحِ لاَ يَقْدِرُ أَنْ يَدْخُلَ مَلَكُوتَ اللَّهِ " ( يوحنا3/3و5 ).
ــــــــــ
- 143 -
ويقول القديس بولس بالروح:
" لأَنْ لَيْسَ مَلَكُوتُ اللهِ أَكْلاً وَشُرْباً بَلْ هُوَ بِرٌّ وَسَلاَمٌ وَفَرَحٌ فِي الرُّوحِ الْقُدُسِ " ( رومية14/17 )،
وأيضًا " فَأَقُولُ هَذَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ: إِنَّ لَحْماً وَدَماً لاَ يَقْدِرَانِ أَنْ يَرِثَا مَلَكُوتَ اللهِ وَلاَ يَرِثُ الْفَسَادُ عَدَمَ الْفَسَادِ " ( 1كورونثوس15/50 ).
هذا هو ملكوت الله أو ملكوت السموات فهل يجرؤ أحد بعد ذلك ويقول أنه مملكة عالمية، سواء كانت الإسلام أو غير الإسلام؟!!
ثالثًا: ملكوت الله كما جاء في سفر دانيال والعهد الجديد : مما سبق يتضح لنا أنَّ ملكوت الله، هو ملكوت المسيح، ويتصف في نبوة دانيال النبي بالصفات التالية (24) : أن ملكها هو الرب يسوع المسيح، ملك الملوك ورب الأرباب ( رؤيا19/16 )، والذي قال عن نفسه أنَّه " رّئِيس ملوك الأرض " ( رؤيا1/5 )، والذي لن يحكم بالسيف أو القوة كما قال هو، بل بالروح والحق " مَمْلَكَتِي لَيْسَتْ مِنْ هَذَا الْعَالَمِ " ( يوحنا18/36 ). هذه المملكة لم تؤسّس بالقوة ولم يُؤسّسها بشر، بل مؤسسها هو إله السموات " مَمْلَكَةً لَنْ تَنْقَرِضَ أَبَداً "، وملكها وحاكمها هو ابن الإنسان الآتي على سحاب السماء كما رآه دانيال في رؤياه والذي " كُنْتُ أَرَى فِي رُؤَى اللَّيْلِ وَإِذَا مَعَ سُحُبِ السَّمَاءِ مِثْلُ ابْنِ إِنْسَانٍ أَتَى وَجَاءَ إِلَى الْقَدِيمِ الأَيَّامِ فَقَرَّبُوهُ قُدَّامَهُ. فَأُعْطِيَ سُلْطَاناً وَمَجْداً وَمَلَكُوتاً لِتَتَعَبَّدَ لَهُ كُلُّ الشُّعُوبِ وَالأُمَمِ وَالأَلْسِنَةِ . سُلْطَانُهُ سُلْطَانٌ أَبَدِيٌّ مَا لَنْ يَزُولَ وَمَلَكُوتُهُ مَا لاَ يَنْقَرِضُ " ( دانيال7/13-14 ) . إذًا فالمملكة أصلها سمائي وحاكمها هو الآتي من فوق " اَلَّذِي يَأْتِي مِنْ فَوْقُ هُوَ فَوْقَ الْجَمِيعِ وَالَّذِي مِنَ الأَرْضِ هُوَ أَرْضِيٌّ وَمِنَ الأَرْضِ يَتَكَلَّمُ. اَلَّذِي يَأْتِي مِنَ السَّمَاءِ هُوَ فَوْقَ الْجَمِيعِ " ( يوحنا3/31 ).
كما أنها مملكة روحية، كما قال الرب يسوع المسيح " هَا مَلَكُوتُ اللهِ دَاخِلَكُمْ " ( لوقا17/20-21 )، إنَّها " مَمْلَكَةً لَنْ تَنْقَرِضَ أَبَداً وَمَلِكُهَا لاَ يُتْرَكُ لِشَعْبٍ آخَرَ "، ولن تستطيع أي قوة سواء مادية أو روحية على هزيمتها، كما قال الرب يسوع نفسه " وَأَبْوَابُ الْجَحِيمِ لَنْ تَقْوَى عَلَيْهَا " ( متي16/18 ). فهي لن تُهزم
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(24) Cf M. Henery: Vol. 4:1023 & Clarkes: Vol. 3:573.
ــــــــــ
- 144 -
مثل الإمبراطوريات العالمية السابقة ولن تضمحل ولن تزول، لأنَّها مملكة روحية " ليست من هذا العالم " وملكها هو ملك الملوك ورب الأرباب والذي تجثوا له كل ركبة سواء في السماء أو علي الأرض. إنها مملكة إلهية بمعنى الكلمة أصلها من السماء وقد تأسست على الروحيات والآيات والمعجزات والنبوّات وقائدها هو المسيح من السماء بروحه القدوس.
هذه المملكة والملكوت الذي تنبأ عنها دانيال النبي هو " مَلَكُوتُ السَّماوَاتِ " في العهد الجديد. فقوله " يُقِيمُ إِلَهُ السَّمَاوَاتِ مَمْلَكَةً لَنْ تَنْقَرِضَ أَبَداً " تحول في تعبير علماء اليهود إلى " ملكوت الله " أو " ملكوت السموات "، إذ أنَّ كل مواصفات هذه المملكه، كما بينا تؤكد أن أصلها سماوي وأنَّ مؤسّسها هو الله. ومن ثم، ما جاء يوحنا المعمدان ونادى قائلاً " تُوبُوا لأَنَّهُ قَدِ اقْتَرَبَ مَلَكُوتُ السَّماوَاتِ " ( متي3/2 )، وكذلك كانت أول كلمات الرب يسوع المسيح من تلاميذه أيضًا " وَفِيمَا أَنْتُمْ ذَاهِبُونَ اكْرِزُوا قَائِلِينَ: إِنَّهُ قَدِ اقْتَرَبَ مَلَكُوتُ السَّمَاوَاتِ " ( متي10/17 ). كان اليهود وعلماؤهم يفهمون المعنى جيدًا. فقد عرفوا وآمنو أنه الملكوت الذي تنبأ عنه دانيال النبي، كما بينا في الصفحات السابقة، وأنه ملكوت المسيا الآتي.
وأخيرًا تقول النبوّة أنَّ هذه المملكة التي سيقيمها الله، أو ملكوت السموات، أو ملكوت المسيح، ستعم كل الأرض " أَمَّا الْحَجَرُ الَّذِي ضَرَبَ التِّمْثَالَ فَصَارَ جَبَلاً كَبِيراً وَمَلأَ الأَرْضَ كُلَّهَا " ( دانيال2/35 )، كما قال الرب يسوع السيح " وَيُكْرَزُ بِبِشَارَةِ الْمَلَكُوتِ هَذِهِ فِي كُلِّ الْمَسْكُونَةِ شَهَادَةً لِجَمِيعِ الأُمَمِ. " ( متي24/14 )، وكما طلب من تلاميذه " اذْهَبُوا إِلَى الْعَالَمِ أَجْمَعَ وَاكْرِزُوا بِالإِنْجِيلِ لِلْخَلِيقَةِ كُلِّهَا " ( مرقس16/15 ). وقد تحققت نبوّة دانيال النبي بكل دقة وتم إعلان المسيح بالحرف الواحد، إذ انتشر الإنجبل في كل المسكونة، في كل بلاد العالم، وترجم إلى جميع اللغات ومعظم اللهجات.
ــــــــــ
- 145 -
تصوّر البعض أنَّ لفظ " باراقليط " الوارد في الإنجيل للقديس يوحنا والأوصاف التي أطلقها الرب يسوع المسيح عليه لا تنطبق على الروح القدس، روح الله، إنما تنطبق على إنسان، نبي، يأتي بعده، بعد المسيح، أي تنطبق علي إنسان وليس علي إله!! وبالتالى تعلن عن مجىء نبى وليس عن مجىء أقنوم أو صفة ذاتية من صفات الله.
وتصوّروا، أو هكذا أرادوا أنْ يتصوّروا، أو يُصوّروا لأنفسهم ولغيرهم، أنَّ الباراقليط مشتق لغويًا من الحمد ويعني " الحماد "، المحمود أو الممدوح أو الممجد، ويُشير إلى نبي يشتق اسمه من الحمد، وأنَّ ما أطلقه المسيح من صفات على الباراقليط هي صفات هذا النبي وتشير إلى أعماله وشريعته وما شهد به المسيح عنه!!.
وفيما يلي أهم الأقوال التي يقولونها والحجج التي يتحججون ويتعللون بها (1) :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) أنظر كتاب " محمد في الكتاب المقدس" عبد الأحد داود، و" بيريكليت اسم نبي الإسلام في إنجيل عيسى عليه السلام" لأحمد حجازى السقا، " إظهار الحق " لرحمة الله الهندى، و " هيمنة القرآن المجيد على ما جاء في العهد القديم والجديد " للدكتورة مها محمد فريد، و " الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح " لابن تيمية ج3، و " الكنز المرصود في قواعد التلمود " تقديم د. أحمد حجازى السقا، و " الأجوبة الفاخره عن الأسئلة الفاجره في الرد على اليهود والنصاري " للإمام شهاب الدين أحمد بن إدريس القرافي، دراسة وتحقيق مجدي محمد الشهاوي، و " تحفة الأريب في الرد على أهل الصليب " للقس إنسلم ثورميدا، تقدمم وتحقيق وتعليق دكتور محمود على حماية، و " أشهد للمسيح والمسيح يشهد معي..!" أحمد أبو الخير، و " حقيقة النصرانية من الكتب المقدسة " على الجوهري، و " محمد نبي الإسلام في التوراة والإنجيل والقرآن " المسثشار محمد عزت الطهطاوي. وذلك الى جانب كتابات الشيخ أحمد ديدات وسليمان شاهد مفسر واللواء أحمد عبد الوهاب والشيخ جعفر السبحانى. ومئات من الملفات التي وضعت على شبكة الإنترنت على مواقع مثل " ابن مربم " للمسيحيين فقط، المسيحية في الميزان، الحوار الإسلامي المسيحي، الأجوبة الجلية في الرد على المسيحية، ومواقع كل من: جمال بدوي، وقيس علي، وصابر علي، وسيف الله وغيرهم.
ــــــــــ
- 146 -
1- قالوا إنَّ اليهود والمسيحيين اعتادوا في الماضي والحاضر أن يترجموا الأسماء ( في الغالب؟؟ )، وأن المسيح كان يتكلم باللغة العبرية أو الآرامية وليس اليونانية، وهذا يعني أنّض الإنجيل الرابع، الإنجيل بحسب القديس يوحنا، ترجم اسم من بشّر به المسيح إلى اليونانية، كالعادة؟؟؟، ثم عرّب مترجمو الترجمة العربية اللفظ اليوناني بفاواقليط!!
ونقول لهم أن القديس يوحنا الرسول وتلميذ المسيح كان يكتب بوحي الروح القدس وكان معصومًا من الخطأ، لحظة الوحي الإلهي، وكل كلمة كان يدونها كانت هي كلمة الله المكتوبة بالروح القدس، ولا يمكن أن يخطئ فيها مطلقًا. كما أنَّ العلماء الذين ترجموا الكلمة ترجموها حسب تاريخها السابق للإنجيل بحسب القديس يوحنا وحسب ما وردت في الكتاب المقدس بصفة عامة، وحسب ما فهمه آباء الكنيسة في القرون الأربعة الأولي ( أنظر الفصل التالي ).
2- وقد وجد هؤلاء فيما كتبه أحد القسوس الذين كانوا يبشرون في الهند سنة 1268هـ في رسالة صغيرة في اللغة الأردية ( لسان اردو ) والتي طبعت في كلكتا في الهند، والتي أراد أن ينبّه فيها على أنَّ سبب وقوع الخطأ والخلط في محاولة شرح كلمة باراقليط هو وجود كلمة يونانية مشابهة لكلمة باراقليط باراكليتوس " هي بيريقليط " بيريكليتوس "، وتعني " المشهور أو الممدوح أو الممجد أو المحمود "، مما جعلهم يتمسكون بأقوالهم بشدة، وقالوا أن التفاوت في اللفظين يسير جدًا، وأنَّ الحروف اليونانية كانت متشابهة فتبدل لفظ بيريكليتوس إلى باراكليتوس في بعض النسخ من الكاتب قريب القياس، ثم رجّح أهل التثليث المنكرون هذه النسخة على النسخ الأخرى!!
ونكرر لمثل هؤلاء ونقول لهم أنَّه لا توجد مخطوطة واحدة في أي مكان من الأماكن ولا في أي زمن من الأزمنة وُجد فيها غير كلمة ( Parakletos )، بل ونتحدى أن يُظهر أحد عكس ذلك!!
وقال آخر " في إنجيل يوحنا الحالي 14/16و5ا/26و16/7 نجد كلمة ( المعزي )
ــــــــــ
- 147 -
ترجمة لكلمة ( Parakle?tos ) ويعتقد علماؤنا أن الكلمة ( Parakletos ) قراءة محرّفة لكلمة ( Periklytos ) ، فعلي أي أساس بني هؤلاء العلماء اعتقادهم؟!!! ثم يُضيف " إنَّ كلمات المسيح الأصلية نبوّة بالاسم عن آخر سيأتي بعده "!!!
وذلك دون أنّ يُراعي القرينة وسياق الكلام والنصّ الموجود فيه الكلمة وأن اللغة اليونانية ليس بها تشكيل ( فتحة وكسرة وضمّة وسكون... إلخ. ونضيف معلومة للقارئ العزيز أنَّ التشكيل في اللغة العربية وللقرآن الكريم تم عمله في حوالي عام 150 هـ علي يد أبو الأسود الدؤلي )، مثل اللغة العربية، وإنما التشكيل فيها يأتي كجزء من كتابة الكلمة نفسها.
ومن ثم فإنَّ تغيير كلمة ( Παράκλητος - Paraklētos ) لتصبح ( Περίκλυτος - Periklytos)، يعني تغيير ثلاثة حروف موجودة في أصل الكلمة ( e, i, u / ,υ ,ι ε لتصبح a,a,e - ,ά, η α )، ولا يُوجد أي دليل أو برهان علي حدوث تغيير في القراءة الأصلية، فلدينا عدد ضخم من المخطوطات الخاصّة بالإنجيل بحسب القديس يوحنا والتي يرجع أقدمها إلي سنة 200م، وهي معروضة في المتاحف وعلي شبكة الإنترنت ومتاحة للجميع للإطلاع عليها وجميع المخطوطات لا يوجد بها سوي كلمة ( Παράκλητος - Paraklētos ).
ــــــــــ
- 148 -
وهذا يبيّن لنا كيف يُلقون بالأقوال بلا سند أو دليل أو منطق، ويفترضون وجود ما ليس له وجود!!
وقال أحد الكتاب المعاصرين " أنَّ كلمة باراقليط - paraklete مأخوذة من الثناء والحمد وتعني الممدوح أو المحمود، وأنَّها تُترجم في اللغة اليونانية دائمًا بكلمة بيريكليتوس Periklytos ، وإنجيل يوحنا حاليًا في الآيات:14/16و5ا/26و16/7 يستخدم كلمة Comforter ( معزي ) من النسخة الإنجليزية كترجمة للكلمة اليونانية باراكليتوس ( Παράκλητος - Paraklētos ) والتي تعني شفيع أو مدافع، وهو الشخص الذي يدعي لمساعدة آخر أو صديق رحيم أكثر مما تعني معزي، ثمّ يزعم قائلاً : " والأساتذة المتخصصون في اللاهوت يقولون إنَّ باراكليتوس هي تحريف في القراءة للكتابة الأصلية بيريكليتوس"!!
ونقول له مَنْ هؤلاء " المتخصّصون في اللاهوت " الذين تزعم أنَّهم قالوا ذلك؟!!
ويزيد من مزاعمه ويقول " وفي القول الأصلي ليسوع المسيح فيه تنبؤ لنبي يُشتق اسمه من الحمد " ويزعم قائلاً " وحتى لو قرأنا باراكليتوس فإنها تدلّ على النبيّ الكريم الذي كان رحيمًا بكلّ الخلائق"!! ثم يلجأ إلى الترجمة الإنجليزية ويُعدّد ضمير الغائب المذكّر ظنًا منه أنَّ ذلك يُؤكّد مزاعمه فيقول؛ " ومن فضلك، عَدِّد ضمائر " هو " he's المستخدمة لوصف الباراكليت:
" Hombeit when he the spirit of truth is come, he will guide you into all truth for he shall not speak of himself, but whatsoever he shall hear that shall he speak and he will show you things to come"
ستجدهم سبعة ضمائر مذكرة في جملة واحدة. لا توجد آية أخرى في الـ 61 سفرًا في إنجيل البروتستانت أو الـ 73سفرًا لإنجيل الكاثوليك بها سبعة ضمائر مذكرة وسوف توافقني أنَّ كل هذه الضمائر المُذكّرة من آية واحدة لا يمكن أن تدل
ــــــــــ
- 149 -
على Ghost (شبح أو طيف أو روح ) سواء كان مقدسًا أم لا "!!
وهكذا يزعم بلا دليل وبدون أي فهم أو معرفة بالكتاب المقدّس والعقيدة المسيحية أنَّ الروح القدس مجرّد قوّة وليس أقنوم الحياة في الذات الإلهيّة وأنّه يُخاطب بكل ضمائر العقل، فهو يُخاطب بضمير المخاطب والمُتكلّم والغائب في أحوال كثيرة كما سنري لاحقًا .
ثم يزعم هذا الكاتب أنَّه عندما نوقشت هذه النقطة الخاصة بالسبعة ضمائر المذكورة في آية واحدة من الإنجيل في مناظرة في الهند مع المبشّرين المسيحيّين غُيّرَت النسخة الأرديّة من الإنجيل وهو خداع معتاد من المبشّرين خاصّة في اللغات الإقليمية!! ثم يُضيف زعمًا آخر قائلاً؛ " آخر حيلة عثرتُ عليها في الإنجيل باللغة الإفريقيّة في هذه الآية موضع البحث فقد غيّروا كلمة معزّي ( مساعد Comforter ) إلي كلمة وسيط ( Mediator ) وأقحموا فيها جملة الروح القدس وهي التي لم يجرأ أي دارس إنجيلي في إقحامها إلي النسخ الإنجليزية المتعددة ولا حتي جماعة شهود يهوه! وهكذا يصنع المسيحيّون بكلمات الله"!!
والسؤال هنا هو: من أين جاء بالزعم أنَّ جملة " الروح القدس " مُقحمة سواء في الأصل اليوناني أو في أي ترجمة علي الإطلاق؟!!
ثمّ يًضيف؛ إذا رجعنا إلي الكلمة ( الروح القدس ) في الأصل اليوناني " بنيوما Pneuma " ومعناها النفس أو الروح أو الغاز أو الهواء ولا توجد كلمة واحدة منفصلة للتعبير عن الروح في الكُتب المقدّسة اليونانيّة، وبالنسبة لمحرّري نسخة الملك جيمس والتي تُسَمّي أيضًا النسخة المرجع ونسخة الرومان الكاثوليك أعطوا أفضلية لكلمة Ghost بمعني الطيف أو الشبح بدلاً من كلمة Spirit بمعني الروح عندما يترجمون كلمة Pneuma اليونانية "!! ثم يزيد في إدعاءاته قائلاً " ويمكن أنْ نلاحظ أنَّ أي دارس إنجيلي من أي مستوي لم يحاول أنْ يوازن أو يقارن في المعني بين كمة باراكليتوس في النسخ الأصلية اليونانية وبين
ــــــــــ
- 150 -
الروح القدسي Holy Ghost ونستطيع الآن أن نقول بكل ثقة وبدون تردد أنَّه إذا كان المعزي أو المساعد هو الروح القدسي أو االإلهي، إذًا فإنَّ الروح القدسي أو الإلهي هو النبي القدسي أو الإلهي ونحن.... نقرّ ونؤمن بأن أي نبن مرسل من قبل الله عز وجل هو نبلي قدسي وبدون أي خطيئة"!!
وهو هنا يخترع ترجمة من وحي خياله ليؤيذد بها مزاعمه، ويُفسّر كلمة الله علي هواه بعيدًا عن قرينتها وسياق الكلام التي وردت به!! ونسأله هنا أيضًا ؟ من قال أنَّ الأنبياء قد تسموا بالأرواح القدسيّة ؟!!
ويزعم آخر قائلاً:"يعتقد بعض العلماء أنَّ ما قاله عيسي بلغته الآرامية، أقرب إلي الكلمة اليونانيّة Periklytos "!! والتي يقول أنَّها تُقابل في العربية اسم مشتق من الحمد!! ونقول له مَنْ هم هؤلاء العلماء المزعومون، ومن أين جاءوا بهذا الزعم؟!! ثم يضيف زاعمًا " وقد ثبت أنَّ ثمة حالات كثيرة مماثلة في العهد الجديد، حلّت فيها كلمة محل أخري، أضف علي ذلك أنَّ هناك احتمالاً آخر، وهو أنَّ الكلمة كانت Periklytos ، ثم أغفل الكتبة إحداهما لتشابههما الشديد مع الأخري وقربها المكاني منها، وإذا صحّ هذا الغرض، فسيكون معني النصّ اليوناني " فيعطيكم معزيًا آخر " !!
ونقول له أيضًا ؟ ما هي الكلمات التي حلّت مكان كلمات أخرى في العهد الجديد، هل يمكن أنْ يدلّنا عليها ؟!! ونقول له كذلك هل يمكن أنْ تُبني العقائد التي يؤمن بها الناس والتي تحكم مصيرهم الأبدي على مجرد الاحتمال أو الظن ؟!!
ثم يضيف الاسم المشتق من الحمد بدلاً من " فيعطيكم معزيًا آخر "، ويكمّل زعمه قائلاً " وقد ظهرت مثل تلك الأخطاء في وجود مسافات بين الحروف في النص اليوناني، وذلك قد ينتج عنه أن تغفل عين الكاتب كلمة تشبه أخري أو تقاربها في المكان، أمّا بالنسبة لكلمة " روح " التي وردت في هذا الموضوع أنَّ النبي القادم سيكون من جنس البشر، ففي أناجيل العهد الجديد أطلقت هذه الكلمة أيضًا علي من يتلقي الوحي الإلهي، وعلي من
ــــــــــ
- 151 -
يمتلك القدرة على الاتصال الروحي وبناء على ذلك " روح الحق " هو ذلك الشخص الذى لديه قوى اتصال روحية، أى ذلك الشخص الذي يتلقي الوحي الإلهي، والذى يتميّز بأنَّه مكرّس للحق كلية في حياته وسلوكه وشخصيته، وأنَّ عيسي عليه السلام قد ذكر أنَّ النبي سوف يكشف عن أمور يجهلها عيسي نفسه، ولو كان عيسي قد جاء " بجميع الحق " لما كانت هناك حاجة لأنْ يأتي نبي من بعده يحلّ للناس " جميع الحق " أنّّ " المعزّي " سيكون مثل عيسي، بشرًا نبيًا، وليس روحًا" !!!!
من أين جاء بهذه الأقوال التي لم يذكر ولا يُمْكن أنْ يذكر دليلاً واحدًا عليها؟!!! ومن قال له أنَّ المسيح قال أنَّ هناك ما يجهله هو؟ في حين أنَّ الكتب الدينية تقول أنَّه يعلم كلّ شيء ؟ّ!! وما هو الحق الذي لم يأت به المسيح وكان العالم في حاجة إليه، ومن أسمائه أنَّه الحق، كيف يكون هو الحق ولم يأتِ للناس بجميع الحق؟!! وإذا كان المسيح، في اعتقاد هذا الكاتب هو كلمة الله وروح منه وأنَّه كان يخلق بإذن الله ويعلم الغيب بأذن الله ويُحيي الموتي ويشفي المرضى بأذن الله وأنَّ الله جعل الذين إتبعوه فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة، فهل يمكن أن يُقال أنَّه يجهل بعض الأمور؟!!
ويزعم هذا الكاتب قائلاً؛ " يقدّم لنا النصّ اليوناني الإجابة الواضحة علي ذلك السؤال لأنَّه يستخدم كلمة allon وهي مفعول به مذكّر من كلمة allos التي معناها " آخر من نفس النوع " أما الكلمة التي معناها " آخر من نفس مغاير " فهي hetenos وهي غير مستخدمة في النصّ اليوناني، وهذا يحسم المسألة، فسيكون " المعزّي " إذن " آخر من نفس النوع "، أي مثل عيسي وموسي الذي قال " مثلي " أي بشر وليس روح"!!
هكذا يتحدث دون أي معرفة بالكتاب المقدس!! فكما وصف الرب يسوع المسيح الروح القدس بالمعزي الآخر وصف الله الآب أيضًا بالآخر، الذي يشهد له، أي المسيح، فقال " الَّذِي يَشْهَدُ لِي هُوَ آخَرُ " allos " وَأَنَا أَعْلَمُ أَنَّ شَهَادَتَهُ الَّتِي يَشْهَدُهَا لِي هِيَ حَقٌّ " (يوحنا5/32).
ــــــــــ
- 152 -
3- وإتّخذ بعض هؤلاء من إدعاء " ماني المبتدع - الهرطوقي " وتخيلهم أنه كان مسيحيًا، من وجهة نظرهم، في القرن الثاني الميلادي، أنَّه الباراقليط الذي وعد بمجيئه، حجّة على صحّة مزاعمهم من أنَّ الباراقليط هو إنسان وليس روح!!
قال أحدهم " ومما يدل على أنَّ لفظ بيرقليط: يعنى نبيًا آتيًا من بعد عيسى عليه السلام - أنَّ مونتانوس إدّعى النبوّة في القرن الثاني للميلاد، وزعم أنه البيرقليط الذي وعد بمجيئه عيسى، وكذلك ماني الفارسي في القرن الثالث. وهذا يدل علي أنَّ هذه اللفظة تعنى شخصًا بشريًا، وإلا ما جرؤ هذان على هذا القول. ويقول الأنبا أثناسيوس " إنَّ لفظ باراقليط إذا حرّف نطقه قليلاً يصير بيريكليت ومعناه الحمد أو الشكر وهو قريب من لفظ " أحمد".
فهل يريد مثل هذا الكاتب أن يؤمن بكلام محرّف؟!! وهل يقبل أن يحرّف اللفظ ليتّفق مع فكره؟!! كما أن ماني كان يخلط بين المسيحية والوثنية وكان يؤمن بوجود إلهيين، إله النور وإله الظلمة ( أنظر الفصل التالي )!! فهل يمكن أن نتخذ من أفكاره دليلاً على عقيدة صحيحة؟!!
4- وكما زعم هؤلاء، بناء على ما جاء في كتب الأحاديث والسيرة والتفسير غير المسيحية ، أنَّ أحبار اليهود ورهبان النصارى كانوا في نهاية القرن الخامس الميلادي وبداية السادس ينتظرون " نبيًا آتيًا "، ومن ثم راحوا يبحثون في آيات الكتاب المقدس بعهديه، القديم والجديد، لإيجاد ما يثبت هذه الأقاويل، وهنا زعموا أنَّ اللفظ الذي استخدمه المسيح هو لفظ عبري وقالوا أنَّه مفقود!! وقالوا أنَّ الباراقليط هو ترجمة له ويشير إلى ذلك النبي الموعود!!
5- ثم عادوا وناقضوا كل ما سبق أن قالوه وقالوا أن اللفظ الأصلي هو " باراقليط " وأنَّه لا ينفي الاستدلال أيضًا على أن المقصود به هو النبي الموعود، لأنَّ معناه المعزي والمعين والشفيع، وهذه المعاني كلها تنطبق عليه!! وهكذا يقولون القول ونقيضه ليحاولوا إيجاد ما يزعمون أنَّه دليل علي صحّة ما يدّعون!!
ــــــــــ
- 153 -
6- وزعم بعض منهم أن التلاميذ كانوا قد قبلوا الروح القدس واستفاضوا به من قبل لأنه نزل على قلب كل واحد منهم وحل فيهم، ومن ثمّ فالباراقليط الذي وعد به المسيح هو النبي الموعود!! ونقول لهم أنَّ الروح القدس لم يحل علي التلاميذ إلا بعد هذا الوعد الذي وعدهم به وليس قبله.
7- وقال بعض آخر" أنَّ الروح القدس متّحد بالآب وفي ذاته، حسب أقوال علماء اللاهوت المسيحيين، فكيف يرسله المسيح؟ ومن ثم فالمرسل هو نبي مثل المسيح وليس روح الله " !! ونقول لهم أيضًا أنَّ الله غير محدود لا في المكان و لا في الزمان، فهو موجود في كل مكان وزمان، وعملية إرسال الروح القدس أو الابن لا تعني الانفصال عن الآب، إنما تعني عمل الروح القدس أو الابن في البشرية، فهذا شئ يختصّ بالله غير المحدود بذاته أو بكلمته أو بروحه.
8- وزعم د. موريس بوكاي الذي اقتبس كل الآيات المتصلة بموضوع الباراقليط، وقدم ستة انثقادات على صدق هذا النصّ الإنجيلي، وقال زاعمًا إن بعض الحقائق قد غابث من الإنجيل!! وإن بعض الكلمات قد أضيفت!!! وإن الكلمات اليونانية استُخدمت بطريقة خاطئة!! وإن معظم الترجمات للنصّ الأصلي خاطئة!!! وهذه الانتقادات الخطيرة التي قدّمها د. بوكاي بمهارة لكي تبدو وكأنها مستندة إلى دراساث علمية صحيحة لا ثستند على أى أساس علمي أو غير علمي بالمرة ولكن على مجرذد التخمين والظن والافتراض!!
وهناك الكثير من الأقوال التي سنعلق عليها في حينها، ومبدئيًا نقول أننا نحترم عقائد الجميع ولا نتدخل فيها ولا نتكلم عنها، ولكننا نوضّح حقيقة عقائدنا ونشرح المعنى الحقيقي لآيات الكتاب المقدس الذي يحاول البعض تفسيرها بصورة لا تتفق لا مع حقيقة الإيمان المسيحى ولامع جوهر ومضمون الكتاب المقدس نفسه.
ــــــــــ
- 154 -
1- الباراقليط والعهد الجديد:
وردت كلمة باراقليط، حرفيًا باراكليتوس ( Παράκλητος - Paraklētos )، في العهد الجديد وبالتحديد في الإنجيل بحسب القديس يوحنا والرسالة الأولي للقديس يوحنا خمس مرات فقط، أربع مرّات في الإنجيل ومرة واحدة في رسالته الأولى. ولم ترد ثانية في بقية العهد الجديد. وفيما يلي الظروف التي تحدث فيها الربّ يسوع المسيح عن هذه الكلمة:
قبل القبض عليه ومحاكمته، وفي لقائه الأخير مع تلاميذه قبل صلبه وموته جسديًا ثم قيامته، أخذ الرب يسوع المسيح يُحدّث تلاميذه، بعد أن كشف لهم حقيقة علاقته بالآب ووحدة الآب والابن في الطبيعة والذات الإلهية لله الواحد، الموجود بذاته والناطق بكلمته والحي بروحه القدوس، ووجوده الأزلي السابق لخليقة العالم (يوحنا14و17)، عن اختفائه عنهم بالموت جسديًا ثم ظهوره لهم بعد قيامته فقال لهم:
" بَعْدَ قَلِيلٍ لاَ يَرَانِي الْعَالَمُ أَيْضاً وَأَمَّا أَنْتُمْ فَتَرَوْنَنِي . إِنِّي أَنَا حَيٌّ فَأَنْتُمْ سَتَحْيَوْنَ " ( يوحنا 14/19 )،
" بَعْدَ قَلِيلٍ لاَ تُبْصِرُونَنِي ثُمَّ بَعْدَ قَلِيلٍ أَيْضاً تَرَوْنَنِي لأَنِّي ذَاهِبٌ إِلَى الآبِ " ( يوحنا16/16 )،
" فَقَالَ قَوْمٌ مِنْ تلاَمِيذِهِ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: مَا هُوَ هَذَا الَّذِي يَقُولُهُ لَنَا: بَعْدَ قَلِيلٍ لاَ تُبْصِرُونَنِي ثُمَّ بَعْدَ قَلِيلٍ أَيْضاً تَرَوْنَنِي وَلأَنِّي ذَاهِبٌ إِلَى الآبِ؟ " ( يوحنا16/17 ).
وكانت أجابته لهم " أَعَنْ هَذَا تَتَسَاءَلُونَ فِيمَا بَيْنَكُمْ لأَنِّي قُلْتُ: بَعْدَ قَلِيلٍ لاَ تُبْصِرُونَنِي ثُمَّ بَعْدَ قَلِيلٍ أَيْضاً تَرَوْنَنِي. اَلْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّكُمْ سَتَبْكُونَ وَتَنُوحُونَ وَالْعَالَمُ يَفْرَحُ. أَنْتُمْ سَتَحْزَنُونَ وَلَكِنَّ حُزْنَكُمْ يَتَحَوَّلُ إِلَى فَرَحٍ. اَلْمَرْأَةُ وَهِيَ تَلِدُ تَحْزَنُ لأَنَّ سَاعَتَهَا قَدْ جَاءَتْ وَلَكِنْ مَتَى وَلَدَتِ الطِّفْلَ لاَ تَعُودُ تَذْكُرُ الشِّدَّةَ لِسَبَبِ الْفَرَحِ لأَنَّهُ قَدْ وُلِدَ إِنْسَانٌ فِي الْعَالَمِ. فَأَنْتُمْ كَذَلِكَ عِنْدَكُمُ الآنَ حُزْنٌ. وَلَكِنِّي سَأَرَاكُمْ أَيْضاً فَتَفْرَحُ قُلُوبُكُمْ وَلاَ يَنْزِعُ أَحَدٌ فَرَحَكُمْ مِنْكُمْ.
ــــــــــ
- 155 -
وَفِي ذَلِكَ الْيَوْمِ لاَ تَسْأَلُونَنِي شَيْئاً. اَلْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ كُلَّ مَا طَلَبْتُمْ مِنَ الآبِ بِاسْمِي يُعْطِيكُمْ. إِلَى الآنَ لَمْ تَطْلُبُوا شَيْئاً بِاسْمِي. اُطْلُبُوا تَأْخُذُوا لِيَكُونَ فَرَحُكُمْ كَامِلاً. " قَدْ كَلَّمْتُكُمْ بِهَذَا بِأَمْثَالٍ وَلَكِنْ تَأْتِي سَاعَةٌ حِينَ لاَ أُكَلِّمُكُمْ أَيْضاً بِأَمْثَالٍ بَلْ أُخْبِرُكُمْ عَنِ الآبِ علاَنِيَةً. فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ تَطْلُبُونَ بِاسْمِي. وَلَسْتُ أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي أَنَا أَسْأَلُ الآبَ مِنْ أَجْلِكُمْ، لأَنَّ الآبَ نَفْسَهُ يُحِبُّكُمْ لأَنَّكُمْ قَدْ أَحْبَبْتُمُونِي وَآمَنْتُمْ أَنِّي مِنْ عِنْدِ اللَّهِ خَرَجْتُ. خَرَجْتُ مِنْ عِنْدِ الآبِ وَقَدْ أَتَيْتُ إِلَى الْعَالَمِ وَأَيْضاً أَتْرُكُ الْعَالَمَ وَأَذْهَبُ إِلَى الآبِ " (يوحنا16/19-28).
أعطي الرب يسوع المسيح تلاميذه وصاياه الأخيرة وأخبرهم عمّا سيحدث لهم من ضيقات ومتاعب واضطرابات واضطهادات لأجل اسمه في الأيام القليلة القادمة، وكان يقصد بذلك تقوية وتشديد إيمانهم وتعريفهم بما سيحدث لهم حتي يكونوا علي بيّنة ممّا سيأتي عليهم، ومن ثمّ فقد قال لهم تأكيدًا لذلك:
" كَلَّمْتُكُمْ بِهَذَا لِكَيْ يَثْبُتَ فَرَحِي فِيكُمْ وَيُكْمَلَ فَرَحُكُمْ " ( يوحنا15/11 ).
" قَدْ كَلَّمْتُكُمْ بِهَذَا لِكَيْ لاَ تَعْثُرُوا " ( يوحنا16/1 ).
" لَكِنِّي قَدْ كَلَّمْتُكُمْ بِهَذَا حَتَّى إِذَا جَاءَتِ السَّاعَةُ تَذْكُرُونَ أَنِّي أَنَا قُلْتُهُ لَكُمْ. وَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ مِنَ الْبِدَايَةِ لأَنِّي كُنْتُ مَعَكُمْ " ( يوحنا16/4 ).
" قَدْ كَلَّمْتُكُمْ بِهَذَا بِأَمْثَالٍ وَلَكِنْ تَأْتِي سَاعَةٌ حِينَ لاَ أُكَلِّمُكُمْ أَيْضاً بِأَمْثَالٍ بَلْ أُخْبِرُكُمْ عَنِ الآبِ علاَنِيَةً " ( يوحنا16/25 ).
" قَدْ كَلَّمْتُكُمْ بِهَذَا لِيَكُونَ لَكُمْ فِيَّ سلاَمٌ. فِي الْعَالَمِ سَيَكُونُ لَكُمْ ضِيقٌ وَلَكِنْ ثِقُوا: أَنَا قَدْ غَلَبْتُ الْعَالَمَ " ( يوحنا16/33 ).
وفي أثناء هذا الحديث الطويل حدّثهم عن إرساله للروح القدس الذي وصفه بالباراقليط، أي المعزّي أو المدافع أو المحامي فقال:
" وَأَنَا أَطْلُبُ مِنَ الآبِ فَيُعْطِيكُمْ مُعَزِّياً آخَرَ ( Aλλον παράκλητον – allon Parakleton ) لِيَمْكُثَ مَعَكُمْ إِلَى الأَبَدِ رُوحُ الْحَقِّ الَّذِي لاَ يَسْتَطِيعُ الْعَالَمُ أَنْ يَقْبَلَهُ لأَنَّهُ لاَ يَرَاهُ وَلاَ يَعْرِفُهُ وَأَمَّا أَنْتُمْ فَتَعْرِفُونَهُ لأَنَّهُ مَاكِثٌ مَعَكُمْ وَيَكُونُ فِيكُمْ. لاَ أَتْرُكُكُمْ يَتَامَى. إِنِّي آتِي إِلَيْكُمْ. " ( يوحنا14/16-18 ).
ــــــــــ
- 156 -
" وَأَمَّا الْمُعَزِّي (Παράκλητος - Paraklētos ) الرُّوحُ الْقُدُسُ الَّذِي سَيُرْسِلُهُ الآبُ بِاسْمِي فَهُوَ يُعَلِّمُكُمْ كُلَّ شَيْءٍ وَيُذَكِّرُكُمْ بِكُلِّ مَا قُلْتُهُ لَكُمْ " ( يوحنا14/ 26).
" وَمَتَى جَاءَ الْمُعَزِّي (Παράκλητος - Paraklētos ) الَّذِي سَأُرْسِلُهُ أَنَا إِلَيْكُمْ مِنَ الآبِ رُوحُ الْحَقِّ الَّذِي مِنْ عِنْدِ الآبِ يَنْبَثِقُ فَهُوَ يَشْهَدُ لِي وَتَشْهَدُونَ أَنْتُمْ أَيْضاً لأَنَّكُمْ مَعِي مِنَ الاِبْتِدَاءِ " ( يوحنا15/26-27 ).
" لكِنِّي أَقُولُ لَكُمُ الْحَقَّ إِنَّهُ خَيْرٌ لَكُمْ أَنْ أَنْطَلِقَ لأَنَّهُ إِنْ لَمْ أَنْطَلِقْ لاَ يَأْتِيكُمُ الْمُعَزِّي (Παράκλητος - Paraklētos ) وَلَكِنْ إِنْ ذَهَبْتُ أُرْسِلُهُ إِلَيْكُمْ. وَمَتَى جَاءَ ذَاكَ يُبَكِّتُ الْعَالَمَ عَلَى خَطِيَّةٍ وَعَلَى بِرٍّ وَعَلَى دَيْنُونَةٍ. أَمَّا عَلَى خَطِيَّةٍ فَلأَنَّهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ بِي. وَأَمَّا عَلَى بِرٍّ فَلأَنِّي ذَاهِبٌ إِلَى أَبِي وَلاَ تَرَوْنَنِي أَيْضاً. وَأَمَّا عَلَى دَيْنُونَةٍ فَلأَنَّ رَئِيسَ هَذَا الْعَالَمِ قَدْ دِينَ. إِنَّ لِي أُمُوراً كَثِيرَةً أَيْضاً لأَقُولَ لَكُمْ وَلَكِنْ لاَ تَسْتَطِيعُونَ أَنْ تَحْتَمِلُوا الآنَ. وَأَمَّا مَتَى جَاءَ ذَاكَ رُوحُ الْحَقِّ فَهُوَ يُرْشِدُكُمْ إِلَى جَمِيعِ الْحَقِّ لأَنَّهُ لاَ يَتَكَلَّمُ مِنْ نَفْسِهِ بَلْ كُلُّ مَا يَسْمَعُ يَتَكَلَّمُ بِهِ وَيُخْبِرُكُمْ بِأُمُورٍ آتِيَةٍ. ذَاكَ يُمَجِّدُنِي لأَنَّهُ يَأْخُذُ مِمَّا لِي وَيُخْبِرُكُمْ. كُلُّ مَا لِلآبِ هُوَ لِي . لِهَذَا قُلْتُ إِنَّهُ يَأْخُذُ مِمَّا لِي وَيُخْبِرُكُمْ " ( يوحنا16/7-15 ).
ثم استخدم القديس يوحنا بعد ذلك تعبير الباراقليط (Παράκλητος - Paraklētos )، عن الرب يسوع المسيح نفسه كالشفيع أو المحامي فقال " يَا أَوْلاَدِي، أَكْتُبُ إِلَيْكُمْ هَذَا لِكَيْ لاَ تُخْطِئُوا. وَإِنْ أَخْطَأَ أَحَدٌ فَلَنَا شَفِيعٌ (παράκλητον – Parakleton ) عِنْدَ الآبِ، يَسُوعُ الْمَسِيحُ الْبَارُّ، وَهُوَ كَفَّارَةٌ لِخَطَايَانَا. لَيْسَ لِخَطَايَانَا فَقَطْ، بَلْ لِخَطَايَا كُلِّ الْعَالَمِ أَيْضاً " ( 1يوحنا2/1-2 ). وبذلك يكون الباراقليط الأول هو الرب يسوع المسيح نفسه والباراقليط الآخر هو الروح القدس.
ــــــــــ
- 157 -
2- المعني اللغوي لكلمة الباراقليط (1) :
الكلمة اليونانية هي (Παράκλητος - Paraklētos ) من الفعل " باراكليو – παρακαλέω- parakaleō - par-ak-al-eh'-o ) ومعناها:
" To call near, that is, invite, invoke (by imploration, hortation or consolation): - beseech, call for, (be of good) comfort, desire, (give) exhort (-ation), intreat, pray" .
وجمعه ( Παρεκαλουν - Parekloun ) .
وكلمة " ( Παράκλητος - Paraklētos ) اسم مفعول، وتعني في أصلها اللغويّ " المستعان به called to one side "، وقد جاءت في الترجمة السبعينية في أيوب ( 16/3 ) في اسم الفاعل بصيغة الجمع – في وصف أصحابه الذين جاءوا إليه في كربه: " مُعَزُّون (Παράκλητορες - Paraklētres ) - مُتْعِبُون كُلّكًم ".
وتعني الكلمة، في معناها العام، في الكتابات الأدبية الكلاسيكية اليونانية قبل الميلاد؛ " شخص يُستدعي للمساعدة، يُستدعي ليقدّم مساعدة، بمعني مساعد في المحكمة، أي " محامٍ " قانوني أو مستشار للدفاع، كما استخدمت بصيغة المبني للمجهول بمعني " مُستدعي ".
وهذا المعني القانوني الفني هو الغالب في الاستخدام وتقابله كلمة " محامٍ " أو " مستشار " أو " وكيل دعاوي ". كما استخدمت بمعني شفيع أو وسيط أو معين بصورة عامّة
" An intercessor, consoler: - advocate, comforter "
3- الباراقليط والترجمة اليونانية (السبعينية LXX ) للعهد القديم (حوالي 275ق. م.) (2) :
استخدمت كلمة باراقليط ( Παράκλητος - Paraklētos ) في الأدب اليوناني في القرن الرابع قبل الميلاد بمعنى " شخص يُستدعى للمساعدة، يُستدعي لتقديم مساعدة "، كما بيّنا أعلاه، ويعطى معنى المساعدة في المحكمة، أي محامي أو مدافع أو مستشار قانوني. وعندما ترجم علماء اليهود أسفار العهد القديم إلى اللغة اليونانية المعرونة بالسبعينية حوالي سنة 275 ق. م. بناء على طلب من الملك بطليموس ملك مصر، استخدم هؤلاء العلماء الاسم الجمع للكلمة ( ?????????? ? - Parakle?toi )، وذلك في صيغة اسم الفاعل وبصيغة الجمع - في وصف أصحابه الذين جاءوا إليه في كربه " مُعَزُّون ( Παράκλητορες - Paraklētres ) - مُتْعِبُون كُلّكًم "(أيوب16/2). والتى هى
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) Greek-English Lexicon of the NT p.483. & Theological Dictionary of the NT p.805-812.
(2) Theological Dictionary of the NT vol. 5, p. 801-802 .
ــــــــــ
- 158 -
في العبرية ( נחם - nâcham - naw-kham ' – معزون ) (3) ، واستخدمت أيضًا في سفر زكريا (1/13) في ترجمة قوله:
" كلمات تعزيـة = (4) λaγους παρακλητικοaς ( Logos Parakletikos ) = נחם נחוּם = nee-khoom', nee-khoom ' - properly consoled; abstractly solace: - comfort (-able), repenting
4- استخدمها في التلمود والترجوم (5) :
استخدام كتّاب اليهود هذه الكلمة " باراقليط " في عدد من المعاني، فالعمل الصالح يدعي " باراقليط " أو محام ، أما التعدي فيسمي المدعي أو سلطة الاتهام. والتوبة والأعمال الصالحة فيطلق عليها " باراقليط " ( بصيغة الجمع )، فأعمال البر والرحمة التي يقوم بها شعب إسرائيل في هذا العالم، تصبح عوامل سلام وشفعاء ( باراقليط ) لهم عند أبيهم الذي في السموات وذبيحة الخطية هي أيضًا " باراقليط ".
5-كما استخدمها فيلو الفيلسوف اليهودي (6) المعاصر للمسيح:
بمعنى Advocate أي المحامي أو المدافع، واستخدمها أيضًا بصيغة الجمع ( Παράκλητοι - Paraklētoi )، بمعني ديني يعني المدافعين عن الخطاة أمام الله، فيقول عن يوسف إنه منح الغفران لأخوته الذين أساءوا إليه، وأعلن لهم أنَّهم ليسوا في حاجة إلي " باراقليط " أو شفيع. وفي كتابه عن حياة موسى، ترد عبارة ملفتة للنظر تدل علي أسلوب فيلو في التأويل الروحي للكتاب، كما تعكس نزعته الفلسفية، ففي ختام وصفه البليغ للمعاني الرمزية لثياب رئس الكهنة بكلّ ما فيها من جواهر ثمينة. يقول : " إن الإثنى عشر حجرًا المرصّعة بهما الصدرة علي أربعة صفوف، وفي كل صف منها ثلاثة أحجار، كانت رمزًا للعقل الذي يمسك بالكون ويحفظ نظامه، إذ كان لابد أن الإنسان الذي كُرّس لأب كل العالم، يتّخذ ابنه شفيعًا ( باراقليط ). باعتباره الكامل المطلق في كل فضيلة، للحصول علي غفران الخطايا وبركات بلا حدود " وهي عبارة شديدة الشبه بما جاء في رسالة يوحنا الأولى (2/1).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(3) Brenton the Septuagint with Apocrypha p.677.
(4) Brenton the Septuagint with Apocrypha p.1115.
(5) Theological Dictionary of the NT vol. 5, p. 802.
(6) Ibid. 802,802.
ــــــــــ
- 159 -
حيث نري المسيح شفيعنا عند الآب، ولو أنَّ مفاهيم فيلو عن " العقل " و " الابن " ليست هي المفاهيم المسيحية.
وهكذا فأن تاريخ كلمة الباراقليط ( Παράκλητος - Paraklētos ) سواء في دائرة الفكر اليوناني أو اليهودي السابق للمسيحية أو الفكر المسيحي يؤكد أنها لا تعني سوى المدافع أو المحامي أو المعزي أو الشفيع. وقد طبقت كل هذه المعاني على السيد المسيح الذي هو الباراقليط الأول والروح القدس الذي هو الباراقليط الآخر. ولا مجال مطلقًا لأي إدعاء آخر.
6- ترجمة الباراكليتوس إلى اللغات الأخري:
كُتب العهد الجديد باللغة اليونانية وقد كتب القديس يوحنا، بالروح القدس، الإنجيل الرابع ورسائله الثلاث فيما بين سنة 60و95م، الفترة التي دمر فيها الرومان هيكل سليمان وتشتت فيها اليهود في جميع أنحاء الدول المطلة علي البحر المتوسط، وبعد انتشار المسيحيّة في هذه الدولن وكانت اللغة اليونانية هي اللغة السائدة وقتئذ، وبالتالي فقد كتبت الكلمة في الإنجيل كما هي (Παράκλητος - Paraklētos ) بدون نقل أو ترجمة من العبرية أو الآرامية التي كان يتكلم بها الرب يسوع المسيح. وقد ترجمت في القرون الثلاثة التالية إلي السريانية والقبطية واللاتينية وهي لغات البلاد التي انتشرت فيها المسيحية والتي كانت منتشرة فيها اللغة اليونانية أيضًا.
(1) اللغة السريانية: نُقلت الكلمة في الترجمات السريانية الشرقية كما هي في اليونانية(Παράκλητος - Paraklētos ) وقد كُتبت بحروف سريانية، ونُطقت " براقلطيا " بمعني المعزي، وترجمت في السريانية الفلسطينية " منحميا " أي المعزّي.
(2) اللغة القبطية: واستخدمت اللغة القبطية أيضًا، سواء الصعيدية أو البحيرية، نفس الكلمة كما هي بحروفها اليونانية (Παράκλητος - Paraklētos ) بنفس المعني اليوناني، المعزي، وإن كانت الصعدية ترجمت ما جاء في يوحنا الأولى:
ــــــــــ
- 160 -
" يَا أَوْلاَدِي، أَكْتُبُ إِلَيْكُمْ هَذَا لِكَيْ لاَ تُخْطِئُوا. وَإِنْ أَخْطَأَ أَحَدٌ فَلَنَا شَفِيعٌ (παράκλητον – Parakleton ) عِنْدَ الآبِ، يَسُوعُ الْمَسِيحُ الْبَارُّ، وَهُوَ كَفَّارَةٌ لِخَطَايَانَا. لَيْسَ لِخَطَايَانَا فَقَطْ، بَلْ لِخَطَايَا كُلِّ الْعَالَمِ أَيْضاً ( يوحنا2/1 ).
(3) اللغة اللاتينية: وبنفس الطريقة نقلت الترجمات اللاتينية الكلمة كما هي وكتبتها بحروف لاتينية ( Parakletus ) وترجموها أحيانًا إلي " أدفوكاتوس Advocatus " أي " المدافع "، وأحيانًا " المستشار القانوني – Consolator ". وترجمت الفولجاتا ( العامية ) ما ورد في الإنجيل بحسب القديس يوحنا إلى " Parakletus " وما جاء في رسالته الأولي إلي Advocatus .
7- الباراكليتوس وآباء الكنيسة:
آمن آباء الكنيسة وعلماؤها منذ نهاية القرن الأول وحتى الآن أنَّ الباراقليط (Παράκλητος - Paraklētos ) هو اسم من أسماء الروح القدس وصفة من صفاته. فهو روح الحق الذي ينبثق من الذات الإلهية لله الواحد. كما أنه أحد ألقاب الرب يسوع المسيح " الشفيع ". ولم يتخيّل أحد هؤلاء الآباء في القرون الاولى أنَّ الباراقليط يمكن أنْ يعني أي شخص آخر غير الروح القدس أو الرب يسوع المسيح. ولم ترد هذه الفكرة فى كتاباتهم ومخطوطاتهم على الإطلاق. وإنما ترجموها بمعنى المعزي أو المدافع بالنسبة للروح القدس والشفيع بالنسبة للمسيح.
(1) جاء في الرسالة إلى برنابا التي كتبت فيما بين ( سنة 70 إلي 100م ) ؛ أنَّ الباراقليط (Παράκλητος - Paraklētos ) يعني المعزي Consoler أو المُريح Comforter ، وهذه الصفة كانت معروفة وشائعة عند آباء الكنيسة اليونانية ( أي الذين كتبوا باليونانية، خاصة في الشرق ).
(2) العلامة ترتليان ( الروح القدس 220م ) (7): قال العلامة ترتليان من الآباء اللاتين في القرن الثاني " وهو ( أي المسيح ) الذي سيأتي ليدين الأحياء والأموات والذي أرسل أيضًا من السماء، من الآب حسب وعده الروح القدس الباراقليط مقدس هؤلاء الذين يؤمنون بالآب والابن والروح القدس ".
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(7) Against Paraxeas II.
ــــــــــ
- 161 -
وقال أيضًا " يوجد الباراقليط أو المعزي الذي وعد ( المسيح ) أن يرسله من السماء بعد صعوده إلى الآب. لقد دعي حقًا معزيًا آخر، ولكن بأي طريقة هو آخر؟ مبينًا حالا قول المسيح " سيأخذ مما لي " مثلما أخذ المسيح نفسه من الآب. وهكذا فإنَّ صلة الآب في الابن والابن في الباراقليط ثلاثة أقانيم متّحدة ( منطقيًا )، ومع ذلك يتميّز الأقنوم عن الآخر، وهؤلاء الثلاثة هم جوهر واحد فقط " (8) .
(3) العلامة أوريجانوس ( 185-245م): قال العلامة المصري أوريجانوس في بداية القرن الثالث" الروح القدس سمّاه ربنا ومخلصنا في الإنجيل للقديس يوحنا الباراقليط ... نفس الروح القدس الذي كان في الأنبياء والرسل " (9) .
وأيضًا " يجب أنْ نعرف أنَّ الباراقليط هو الروح القدس الذي يُعلم الحق الذي لا يُنطق بكلمات ولا يسوغ لإنسان أنْ يتكلّم به، أي الذي لا يمكن أنْ يبيّن بلغة البشر " (10) . وقال مبيّنًا الفرق بين استخدام الكلمة كصفة للرب يسوع المسيح: " وبما أنَّ مخلصّنا دُعي بالباراقليط في رسالة يوحنا في قوله " وَإِنْ أَخْطَأَ أَحَدٌ فَلَنَا شَفِيعٌ ( παράκλητον– Parakleton ) عِنْدَ الآبِ، يَسُوعُ الْمَسِيحُ الْبَارُّ، وَهُوَ كَفَّارَةٌ لِخَطَايَانَا" ... لأنَّه في اليونانية له كلٍ من المعنيَين، أي الشفيع والمُعزّي... وعندما يقول " هو كفارة " يُفهم اسم الباراقليط في حالة مخلصنا بمعني الشفيع لأنَّه يتوسّط عند الآب لأجل خطايانا، وفي حالة الروح القدس يجب أنْ يُفهم بمعنى المُعزّي لأنَّه يهب تعزية لنفوس الذين يَكْشِف لهم صراحة إدراك المعرفة الروحية (11) .
(4) وجاء في كتاب تاريخ الكنيسة ليوسابيوس القيصري في نهاية القرن الثاني وبداية الثالث تسجيل لما حدث لشهداء الغال (177/178م) قوله عن فيتيوس
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(8) Ibid. XXI.
(9) On the Holy Spirit ch.7.1.
(10) Ibid.7, 4.
(11) Ibid.7, 4.
ــــــــــ
- 162 -
اباجاتوس (12) الذي شهد ودافع عن إخوته أنَّه دعي " شفيع المسيحيين، إذ كان في داخله شفيع، أي الروح الذي امتلأ به أكثر من زكريا ". وهنا دعي شفيع لأنه كان بداخله الشفيع الذي أرسله المسيح، أي الروح القدس الذي امتلأ به مثلما امتلأ زكريا بالروح القدس وتنبأ...
(5) وركز القديس إكليمندس الإسكندري (13) على فكرة المشير القانوني والنصيحة القانونية، ويستخدم تعبير " باراكليتون بسيشس – parakleton psyches – ψυχης παράκλητον )، أي " محامي النفوس ".
(6) القديس كيرلس الأورشليمي (314-387م ) : قال في حديثه عن أسماء الروح القدس " أنه ( الروح القدس ) يدعى " روحًا " بحسب الكتاب المقدس كما قرأت الآن... ويُدعى " روح الحق " وفقًا لقول المخلص " فمتى جاء روح الحق..."، ويدعى " المعزي أو المؤيد " كما قال " فإن لم أمض لا يأتيكم المعزي... ولكن هو واحد بالرغم من له ألقابّا مختلفة وهذا واضح لأن الروح القدس والمعزي هما واحد معلن في هذه الكلمات " ولكن المعزي الروح القدس "... والمعزي هو نفسه الروح القدس... كما جاء " وأنا أسأل أبي فيعطيكم معزيًا آخر يبقى معكم إلي الأبد روح الحق "... وأيضا ومتى جاء المعزي الذي سأرسله أنا إليكم من عند الآب روح الحق " (14) .
وهكذا يتضح لنا أنَّ الباراقليط (Παράκλητος - Paraklētos ) حسب ما فهمه آباء الكنيسة في القرون الأربعة الأولى للميلاد، سواء في الشرق أو الغرب، هو الروح القدس، روح الحق المعزي، الأقنوم الثالث في الذات الإلهية لله الواحد، والذي سبق أنْ حلّ في الأنبياء والرسل والذي أرشدهم إلى الحق كقول العلامة أوريجانوس " الذي يعلم الحق الذي ينطق بكلمات لا يسوغ لإنسان أن يتكلم بها، الذي لا يمكن أن يبين بلغة بشرية ".
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(12) ك5 ف1.
(13) Theological Dictionary of the NT vol. 5, p. 805.
(14) عظة 17:4.
ــــــــــ
- 163 -
هو الروح القدس الذي يهب التعزية للذين يهب لهم إدراك المعرفة الروحية، الذي نزل من السماء وحلّ على التلاميذ بعد صعود الرب يسوع المسيح بعشرة أيام. كما عرفوا أيضًا وفهموا من الكتاب المقدس أنَّ المسيح نفسه دُعي باراقيط ( Παράκλητος - Paraklētos ) بمعنى الشفيع الذي يشفع لنا عند الآب.
8- الباراقليط والهرطقات (16) :
من أشهر الهرطقات التي استخدمت الباراقليط في أفكارها، هرطقة ماني، أو ما يُسمّى بالهرطقة المانوية نسبة إلى ماني. فمن هو ماني ؟ وما هي المانوية ؟.
يذكر الأسقف أرخلاوس أسقف Casher فيما بين النهرين والذي دار بينه وبين ماني هذا نقاش حول بدعته وإدّعاءاته وأكاذيبه. وكذلك القديس كيرلس الأورشليمي الذي كتب بعد ظهور هذه البدعة بسبعين سنة، أنَّه كان في مصر رجل من أصل شرقي يُدعى سيثيانوس Scythianus أمتثل بحياة أرسطو وألّف أربعة كتب أسماها " الكنز " و " الفصول " و " الأسرار " و " الإنجيل " والذي لم يكن يحوي شيئًا من أعمال المسيح. ولما مات هذا الرجل ورثه تلميذه تيريبنثوس Terebinthus الذي إنتقل إلي فلسطين ثم حُكم عليه بالموت فهرب إلى بلاد الفرس وإستبدل اسمه ببوذا حتي لا يعرفه أحد. ثم إدّعى أنَّه ابن عذراء وأنه وُلد عن طريق ملاك علي الجبال . وحدث جدال بينه وبين تلميذ ميثرا Mithra وبينوا له ضلاله، فلجأ إلى بيت أرملة لتحميه، وفيما كان يستدعي شياطين الهواء سقط من على سطر المنزل ومات.
فورثت الأرملة كل ما تركه تيريبنثوس Terebinthus من كتب وتفاسير لهذه الكتب. ولما كانت هذه الأرملة وحيدة اشترت لها ولدًا صغيرًا في السابعة من عمره اسمه كوبرشيوس Cobricious وحررته وهذبته وعلمته ولما بلغ الثانية عشر من العمر ماتت المرأة وتركت له كل ما تملك من مال وكتب بما فيها الكتب الأربعة التي لتيريبنثوس، وسكن في وسط المدينة بالقرب من ملك الفرمن وغير اسمه القديم
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(16) Anti NF vol.6 p, 209.
ــــــــــ
- 164 -
اسم العبودية، إلى ماني Mani مرادف كوبرشيوس Cobricious في الفارسية. ولما بلغ الستين من عمره وكان قد درس كثيرًا وتعلم علوم كثيرة وأصبح له اسم إدّعي أنَّه الباراقليط، أي المعزي أو المؤيد الذي وعد المسيح بأن يرسله كرسوله. ولما مرض ابن ملك الفرس، إدّعى ماني أنَّه قادر على شفائه بصلواته زاعمًا أنَّه رجل تقي، فخرج الأطباء وفشل ماني في شفاء الطفل بل ومات الطفل فوضعه ملك الفرس في السجن فهرب منه ولجأ إلى بلاد ما بين النهرين. وهناك حدث جدال بينه وبين الأسقف أرخلاوس، ثم هرب ولجأ إلى قرية صغيرة ثم وجده جنود ملك الفرس فقبضوا عليه وأمر ملك الفرس بسلخ جلده وعلقه على أبواب المدينة ومات. وكانت عقيدة ماني خليط بين الوثنية الفارسية وبين المسيحية. وفيما يلي أهم أفكاره:
1- زعم أنه الباراقليط قائلاً: " أنا الباراقليط الذي أُعلنت رسالته من زمن قديم بواسطة يسوع والذي كان يجب أنْ يأتى ليقنع العالم بالخطية وعدم البر، وكما قال بولس الذي أرسل قبلي عن نفسه أنَّه " يعلم بعض ويتنبأ ببعض " لذلك فأنا أحفظ الكمال لنفسي... لذا إقبلوا هذه الشهادة الثالثة أنني رسول المسيح، وإذا إخترتم أن تقبلوا كلماتي ستجدون خلاصا ".
وهو هنا يفهم الباراقليط على أنه رسول للمسيح مثل بوس الرسول.
2- إعتقد يوحود إلهين يتعارض أحدهما مع الآخر، إله للخير وإله للشر، النور والظلمة. وأنَّ النفس في الانسان هي جزء من النور وأنَّ الجسد الذي يتكون من المادة هو جزء من الظلمة.
3- امتلأت أفكاره بالنظريات الوثنية عن المادة، وخلط بين الأساطير الوثنية والكتاب المقدس.
4- فهم الكتاب المقدس بمنظور مادي وثني: فقال عن الله " إنَّ إله العهد القديم هو مصدر الشر، إذ يقول عن نفسه " أنا نار آكلة " ( تثنية4/24 )، وفهم قول بولس الرسول " الَّذِينَ فِيهِمْ إِلَهُ هَذَا الدَّهْرِ ( أي الشيطان ) قَدْ أَعْمَى أَذْهَانَ غَيْرِ الْمُؤْمِنِينَ، لِئَلاَّ تُضِيءَ لَهُمْ إِنَارَةُ إِنْجِيلِ.
ــــــــــ
- 165 -
مَجْدِ الْمَسِيحِ، الَّذِي هُوَ صُورَةُ اللهِ "( 2كورونثوس4/4 ) بمعنى العمى الجسدي فقال " لماذا سيسبب الله العمي للإنسان؟".
5- ويقول أتباع ماني عن نزول المطر. أنَّ المطر يأتي عن حب فاسق، وأنَّ السماء عذراء جميلة وشابة جميلة وأنهما يشعران كالجمال والذئاب فى أيّام الحرّ بالشهوة الجنسية تدفعهما الواحد نحو الآخر في فصل الشتاء. فيسعي الشاب الفاسق إلي العذراء بوحشية فتهرب، ولكنه يطاردها، وإذ هو يركض وراءها يعرق وهذا العرق هو المطر.
من هذا يتضح لنا أنَّ فهم ماني للكتاب المقدس مبني على أفكار وثنية بحتة وتسيطر عليه العقلية المملؤة بالأساطير والخرافات الوثنية. ومع ذلك فقد كان يؤمن بألوهيّة المسيح وأنَّ الباراقليط هو رسول خاصّ بالمسيح، ومن ثمّ إعتقد أنَّه هو نفسه الباراقليط رسول المسيح مثل بولس الرسول.
9- من هو الباراقليط، إذًا، وهل يمكن أن يكون مجرّد إنسان؟:
والإجابة كلا، هو روح وليس إنسانًا ولا يمكن أن يكون إنسانًا لأنه روح الله الآب وروح الابن:
1- هو روح من ذات الله، روح الله، وليس إنسان:
" الأَبَدِ رُوحُ الْحَقِّ الَّذِي لاَ يَسْتَطِيعُ الْعَالَمُ أَنْ يَقْبَلَهُ لأَنَّهُ لاَ يَرَاهُ وَلاَ يَعْرِفُهُ " ( يوحنا14/17 )، هو روح غير مرئي وليس مادة ملموسة، والحق هنا هو الله، فهو روح الله، الذي انبثق، أي يصدر من ذات الله الآب " رُوحُ الْحَقِّ الَّذِي مِنْ عِنْدِ الآبِ يَنْبَثِقُ فَهُوَ يَشْهَدُ لِي " ( يوحنا15/26 ).
فالله كما قال الرب يسوع المسيح " روح "؛ " الله روح " ( يوحنا4/24 )، والباراقليط الصادر منه، المنبثق منه هو روح، روح الحق، روح من روح.
" الروح القدس " ( يوحنا14/26 )، أي روح الله القدوس، كما يوصف دائمًا.
2- وغير محدود بالمكان أو الزمان وغير مرئي للعين البشرية:
" وَأَنَا أَطْلُبُ مِنَ الآبِ فَيُعْطِيكُمْ مُعَزِّياً آخَرَ (aλλον παράκλητον – allon Parakleton ) لِيَمْكُثَ مَعَكُمْ إِلَى الأَبَدِ رُوحُ الْحَقِّ الَّذِي لاَ يَسْتَطِيعُ الْعَالَمُ أَنْ يَقْبَلَهُ لأَنَّهُ لاَ يَرَاهُ وَلاَ يَعْرِفُهُ " (يوحنا14/16و17).
ــــــــــ
- 166 -
فهو أبدي لا نهاية له وسيمكث مع الكنيسة إلي الأبد ولن يفارقها أبدًا، وهذه صفة من صفات الله وليست من صفات الإنسان. وهو غير مرئي للعين البشرية، لأنه روح الله الذي لم يره أحد قط بلاهوته؟
ولكن التلاميذ كانوا يعرفونه لأنه كان حال فيهم، بعد حلوله يوم الخمسين، كانوا يدركونه بقوّته العاملة فيهم، وبأعماله التي يعملها من خلالهم، سواء بتكلّمه علي ألسنتهم أو بعمل المعجزات علي أيديهم " وَأَمَّا أَنْتُمْ فَتَعْرِفُونَهُ لأَنَّهُ مَاكِثٌ مَعَكُمْ وَيَكُونُ فِيكُمْ. لاَ أَتْرُكُكُمْ يَتَامَى. إِنِّي آتِي إِلَيْكُمْ. " ( يوحنا14/18 ).
3- سيرسله المسيح من الآب:
" وَأَمَّا الْمُعَزِّي ( Παράκλητος - Paraklētoss ) الرُّوحُ الْقُدُسُ الَّذِي سَيُرْسِلُهُ الآبُ بِاسْمِي "( يوحنا14/26 ).
فالروح القدس هو روح الآب كما هو روح الابن أيضًا لأنَّ الآب والابن واحد، لذا يقول الكتاب المقدّس أنَّه روح الابن " ثُمَّ بِمَا أَنَّكُمْ أَبْنَاءٌ، أَرْسَلَ اللهُ رُوحَ ابْنِهِ إِلَى قُلُوبِكُمْ صَارِخاً: «يَا أَبَا الآبُ " ( غلاطية4/6 )،
وروح المسيح " وَأَمَّا أَنْتُمْ فَلَسْتُمْ فِي الْجَسَدِ بَلْ فِي الرُّوحِ إِنْ كَانَ رُوحُ اللهِ سَاكِناً فِيكُمْ. وَلَكِنْ إِنْ كَانَ أَحَدٌ لَيْسَ لَهُ رُوحُ الْمَسِيحِ فَذَلِكَ لَيْسَ لَهُ " ( رومية8/9 ).
وروح يسوع المسيح " لأَنِّي أَعْلَمُ أَنَّ هَذَا يَؤُولُ لِي إِلَى خَلاَصٍ بِطِلْبَتِكُمْ وَمُؤَازَرَةِ رُوحِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ " ( فيليبي1/19 ).
4- مجيئه مرتبط بصعود المسيح وتالي له مباشرة:
" لَكِنِّي أَقُولُ لَكُمُ الْحَقَّ إِنَّهُ خَيْرٌ لَكُمْ أَنْ أَنْطَلِقَ لأَنَّهُ إِنْ لَمْ أَنْطَلِقْ لاَ يَأْتِيكُمُ الْمُعَزِّي ( Παράκλητος - Paraklētos ) وَلَكِنْ إِنْ ذَهَبْتُ أُرْسِلُهُ إِلَيْكُمْ " ( يوحنا16/4 ). كان لابد أن يأتى بعد صعود المسيح مباشرة لأنَّه هو، المسيح، الذي سيرسله من الآب، فإن مجيئه مرتبط بصعود المسيح كروح المميح ليمجده وليذكّرهم بكل ما قاله وعمله المسيح مدة خدمته على الأرض، وقد حلّ الروح القدس علي التلاميذ بعد صعود المسيح بعشرة أيام وكان يقود الكنيسة ويوجّهما ويرشدها. يقول الكتاب عن " فَقَالَ الرُّوحُ لِفِيلُبُّسَ: تَقَدَّمْ وَرَافِقْ هَذِهِ الْمَرْكَبَةَ " ( أعمال8/29 ). ليكرز للخصي الحبشي ، وبعد أداء مهمّته يقول " خَطَفَ رُوحُ الرَّبِّ فِيلُبُّسَ "( أعمال8/39 )،
ــــــــــ
- 167 -
وعند كرازة القديس بطرس لكرنيليوس قائد المئة الروماني " قَالَ لَهُ ( بطرس ) الرُّوحُ : هُوَذَا ثَلاَثَةُ رِجَالٍ يَطْلُبُونَكَ " ( أعمال10/19 )، " فَقَالَ لِي الرُّوحُ أَنْ أَذْهَبَ مَعَهُمْ " ( أع 11/12 ).
وفي بداية خدمة بولس وبرنابا يقول " قَالَ الرُّوحُ الْقُدُسُ : أَفْرِزُوا لِي بَرْنَابَا وَشَاوُلَ " ( أع13/2 )،
" وَبَعْدَ مَا اجْتَازُوا فِي فِرِيجِيَّةَ وَكُورَةِ غَلاَطِيَّةَ مَنَعَهُمُ الرُّوحُ الْقُدُسُ أَنْ يَتَكَلَّمُوا بِالْكَلِمَةِ فِي أَسِيَّا. فَلَمَّا أَتَوْا إِلَى مِيسِيَّا حَاوَلُوا أَنْ يَذْهَبُوا إِلَى بِثِينِيَّةَ فَلَمْ يَدَعْهُمُ الرُّوحُ " ( أع16/6-7 )،
وبعد مجمع أورشليم الأوّل قال التلاميذ في مستهلّ إعلان ما قرّره المجمع " لأَنَّهُ قَدْ رَأَى الرُّوحُ الْقُدُسُ وَنَحْنُ أَنْ لاَ نَضَعَ عَلَيْكُمْ ثِقْلاً أَكْثَرَ غَيْرَ هَذِهِ الأَشْيَاءِ الْوَاجِبَةِ " ( أعمال15/28 ).
وكان " الرُّوحَ الْقُدُسَ يَشْهَدُ فِي كُلِّ مَدِينَةٍ " عما سيحدث لبولس الرسول ( أع20/23 ).
وكان الروح القدس هو الذي يقيم الأساقفة " الَّتِي أَقَامَكُمُ الرُّوحُ الْقُدُسُ فِيهَا أَسَاقِفَةً لِتَرْعُوا كَنِيسَةَ اللهِ " ( أعمال20/28 ).
وتكرّر في سفر الرؤيا عبارة " مَنْ لَهُ أُذُنٌ فَلْيَسْمَعْ مَا يَقُولُهُ الرُّوحُ لِلْكَنَائِسِ " ( رؤيا2/7و11و17و29؛ 3/6و13و22 ).
5- يأت ليشهد للمسيح ويمجّده لأنه سيأخذ مما له ويخبر به:
" وَأَمَّا الْمُعَزِّي ( Παράκλητος - Paraklētos ) الرُّوحُ الْقُدُسُ الَّذِي سَيُرْسِلُهُ الآبُ بِاسْمِي فَهُوَ يُعَلِّمُكُمْ كُلَّ شَيْءٍ وَيُذَكِّرُكُمْ بِكُلِّ مَا قُلْتُهُ لَكُمْ " ( يوحنا14/26 ).
" وَمَتَى جَاءَ الْمُعَزِّي (Παράκλητος - Paraklētos ) الَّذِي سَأُرْسِلُهُ أَنَا إِلَيْكُمْ مِنَ الآبِ رُوحُ الْحَقِّ الَّذِي مِنْ عِنْدِ الآبِ يَنْبَثِقُ فَهُوَ يَشْهَدُ لِي " ( يوحنا15/26 ).
" لكِنِّي أَقُولُ لَكُمُ الْحَقَّ إِنَّهُ خَيْرٌ لَكُمْ أَنْ أَنْطَلِقَ لأَنَّهُ إِنْ لَمْ أَنْطَلِقْ لاَ يَأْتِيكُمُ الْمُعَزِّي (Παράκλητος - Paraklētos ) وَلَكِنْ إِنْ ذَهَبْتُ أُرْسِلُهُ إِلَيْكُمْ. وَمَتَى جَاءَ ذَاكَ يُبَكِّتُ الْعَالَمَ عَلَى خَطِيَّةٍ وَعَلَى بِرٍّ وَعَلَى دَيْنُونَةٍ. أَمَّا عَلَى خَطِيَّةٍ فَلأَنَّهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ بِي. وَأَمَّا عَلَى بِرٍّ فَلأَنِّي ذَاهِبٌ إِلَى أَبِي وَلاَ تَرَوْنَنِي أَيْضاً. وَأَمَّا عَلَى دَيْنُونَةٍ فَلأَنَّ رَئِيسَ هَذَا الْعَالَمِ قَدْ دِينَ. إِنَّ لِي أُمُوراً كَثِيرَةً أَيْضاً لأَقُولَ لَكُمْ وَلَكِنْ لاَ تَسْتَطِيعُونَ أَنْ تَحْتَمِلُوا الآنَ. وَأَمَّا مَتَى جَاءَ ذَاكَ رُوحُ الْحَقِّ فَهُوَ يُرْشِدُكُمْ إِلَى جَمِيعِ الْحَقِّ لأَنَّهُ لاَ يَتَكَلَّمُ مِنْ نَفْسِهِ بَلْ كُلُّ مَا يَسْمَعُ يَتَكَلَّمُ بِهِ وَيُخْبِرُكُمْ بِأُمُورٍ آتِيَةٍ. ذَاكَ يُمَجِّدُنِي لأَنَّهُ يَأْخُذُ مِمَّا لِي وَيُخْبِرُكُمْ. كُلُّ مَا لِلآبِ هُوَ لِي . لِهَذَا قُلْتُ إِنَّهُ يَأْخُذُ مِمَّا لِي وَيُخْبِرُكُمْ " ( يوحنا16/7-15 ).
إنَّه يأتي ليذكّر تلاميذ المسيح بما عمله وعلّمه أمامهم ومن ثمّ يشهد له ويمجّده ويرشدهم لكلّ الحق الذي علّمه لأنَّه يأخذ مما له، للمسيح، الابن، لأن كل ما لله الآب هو للابن أيضًا، والآب والابن والروح القدس واحد.
ومن له أذنان للسمع فليسمع!!!