هل ورد إسم مكة فى الكتاب المقدس؟
القمص عبد المسيح بسيط أبو الخير
كاهن كنيسة السيدة العذراء الأثرية بمسطرد
كتب الدكتور زغلول النجار في جريدة الأهرام الصادرة يوم الاثنين 20 فبراير 2006 في مقاله الأسبوعي عن أسرار القرآن تحت عنوان " الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل " وقد تناول فيه شرح الآية 157 من سورة الأعراف ثم عرج إلى الكتاب المقدس وأتخذ من قول المزمور (84: 6) " عابرين في وادي البكاء يصيرونه ينبوعا "، ما زعم أنه نبوة عن ذكر اسم " مكة " في الكتاب المقدس!! فقط لمجرد التشابه في الاسم، بمبدأ مكيافيلي هو الغاية تبرر الوسيلة!! وذلك دون مراعاة لحقيقة النص العبري الأصلي ونطقه ومعناه وقرينته وبقية سياق الكلام ومضمون المزمور ككل معتمدا فقط على أن بعض الترجمات الإنجليزية ترجمة كلمة " البكاء " إلى اسم علم وبدأت الكلمة بحرف كبير " Baca " باعتبارها تشير إلى اسم علم هو " وادي البكاء " The valley of Baca "!!
وفي تأويله للنص، على هواه، معتمدا على الإدعاء الكاذب؛ أن اليهود قد يكونوا قد حرفوا النص!! وضع دائرة حمراء حول كلمة " البكاء " وكتب فوقها بخط يده وباللون الأحمر " وادي بكا "، كما وضع دائرة أخري حمراء على الترجمة الإنجليزية حول كلمة " Baca "، ليوحي للقارئ بما توهمه وتخيله هو وكتب فوقها باللون الأحمر كلمة " مكة "!! بل وزاد الطين بلة عندما حرف هو نفسه الكلمة الإنجليزية وأضاف عليها حرف (C) وحول الكلمة الإنجليزية إلى (Bacca) بدلا من (Baca) ليعطي إيحاء للقارئ بمدى التحريف في النص والذي حرفه هو بنفسه!! وهذا هو أسلوب أستاذ الإعجاز العلمي!! وهكذا يحرف معاني كلمات الكتاب المقدس ليحاول أن يثبت زورا بلي عنق النصوص وتحريفها إلى هدفه!! وهكذا يكون الإعجاز العلمي!! والغريب أنه دائم الاتهام للكتاب المقدس بالتحريف!! وكان قد سبق وتعرض في مقال سابق بجريدة الأهرام يوم 9 يناير 2006 لنفس الآيتين الواردتين بالمزمور المذكور وقال بالحرف: " ولكن في الترجمة إلي اللغة العربية (نشر دار الكتاب المقدس في الشرق الأوسط ص892) تم تحريف (وادي بكة) إلي (وادي البكاء) كما تم تحريف التعبير (حج بيتك) إلى (طرق بيتك) أي بيت الله، هكذا دون سند ولا دليل إلا ما يصوره له خياله العلمي!! ويبدوا أن لا يرى بيت لله سوى ما يؤمن هو فقط أنه بيت الله!! ولا يرى غير ذلك!!
والغريب أن الكثيرين من الكتّاب أخذوا قوله هذا كحقيقة مسلم بها وآمنوا بها وكأنها نازلة من السماء!! وأنتشر كلامه هذا في عشرات المواقع على النت والكتب التي تغرق المكتبات بل والأرصفة!! لما لا وقد قاله صاحب الإعجاز العلمي الشهير!! ولكنّا نقول له وللجميع: لقد جانبك الصواب، كالعادة، عندما تبحث في كتابنا المقدس، فكتابنا له علمه ولغاته ومنهجه وعلماءه، وبالطبع أنت لست منهم، فلا ترفس مناخس. وتعالا معنا الآن بمبدأ " وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ " (النحل43 والأنبياء7)، لتعرف كيف يفهم الكتاب المقدس:
1 – يقول المزمور(84: 6) " عَابِرِينَ فِي وَادِي الْبُكَاءِ يُصَيِّرُونَهُ يَنْبُوعاً " وجاءت العبارة الأولى " עֹבְרֵי, בְּעֵמֶק הַבָּכָא - عَابِرِينَ فِي وَادِي الْبُكَاءِ " في ترجمتها اليونانية السبعينية:
" ἐν τῇ κοιλάδι τοῦ κλαυθμῶνος = في وادي (ἐν τῇ κοιλάδι) البكاء (τοῦ κλαυθμῶνος) " وتترجم في الإنجليزية: " Passing through the valley of weeping " وفي العربية: " عَابِرِينَ فِي وَادِي الْبُكَاءِ "، كما تترجم أيضاً " the valley of balsam-trees - وادي أشجار البلسان " وقد ترجمتها بعض الترجمات الإنجليزية " The valley of Baca " بنقل الحروف العبرية إلى ما يقابلها في الإنجليزية (בָּכָא - Baca)، كما يحدث عادة في نقل أسماء الأعلام من منطلق أنها اسم علم لوادي البكاء، فهو ودادي كان معروفاً بهذا الاسم " وادي البكاء ".
2 – أما كلمة " الْبُكَاءِ " هنا فقد وردت في العبرية: " בּכא - bâkâ' - baw-kaw' " وتنطق " بخا " وقد وردت في قاموس The New Brown – Driver – Briggs – Gesenius: Hebrew and English Lexicon With Appendix Containing The Biblical Aramic p.113 – n.1057 بمعني " شجر بلسم والفعل منها في العربية بكاء، كما تعني أيضاً الذي يعطي لبن جمل قليل، أي نقط من اللبن ". أي أنها تعني بلسم وبكاء ولبن جمل قليل.
3 - والكلمة كما وردت بالنص العبري والتي تعني البكاء (בָּכָא)وتنطق " بخا " مكونة من حرف الباء (בָּ) وتحته حركة (الفتحة)، ثم حرف الخاء(כָ) وتحتها فتحة أيضاً وإذا كان في وسط الحرف نقطة تلفظ (كاف) وبدون نقطة تلفظ (خاء)، ثم حرف الألف)א(بدون حركات تنوين فتصبح الكلمة هكذا (בָּכָא) وتلفظ (بَخَا) وليس (بَكَّةَ) كما يزعمون خاصة إن الكلمة تنتهي بحرف الألف وهذا شكله (א - أ) وليس بحرف الهاء بهذا الشكل(ה - ه).
وهذا نص الآية باللغة العبرية: مزمور 84: 6 أو اللآية 7 حسب النص العبري
" עֹבְרֵי, בְּעֵמֶק הַבָּכָא מַעְיָן יְשִׁיתוּהוּ;גַּם-בְּרָכוֹת, יַעְטֶה מוֹרֶה "
أما كلمة مكّة فإنها بالآرامية (السريانية) تكتب هكذا (مَكِا) وتلفظ (ماكه) وتعني بالعبرية (ضارِب أو قاتل). أما كلمة مكّة بالعبرية فإنها تكتب هكذا (מֶכָּה) وتلفظ بحسب اللغة العبرية (مه كاه) وأحرف الكلمة هي حرف الميم (מֶ(وتحتها حركة اسمها باللغة العبرية الكسرة الممالة القصيرة (سيجول סגול) رمزها مع حرف الميم هكذا(מֶ)، ثم حرف الكاف (כָּ) مفتوحة لكن بداخلها نقطة وهي الشدة الخفيفة واسمها هذه الشدة (داجيش كل דגש קל) وهذه الشدة تأتي مع ثلاثة أحرف فقط وهي (به، كاف، به). والحرف الأخير في كلمة مكّة هو الهاء (ה) وهو بدون حركات.
والآن لننظر إلي الفارق بين كلمة (بَخَا - בָּכָא) والتي تعني بكاء أو شجرة البلسان والتي وردت في الآية هنا وكلمة (מֶכָּה - مه كاه) العبرية والتي تعني(مكّة) والتي تخيلها وتوهما دكتور الإعجاز ومن تبعه فهل يوجد شبة بينهما بالشكل أو النطق أو حتى في احد الأحرف!!!
4 – وقد وردت الكلمة أكثر من مرة واستخدمها الكتاب جمع بمعني " أشجار البكاء – הבכאים " فسأل أيضا داود من الله فقال له الله لا تصعد وراءهم تحوّل عنهم وهلم عليهم مقابل اشجار البكا " הבכאים ". وعندما تسمع صوت خطوات في رؤوس أشجار البكا " הבכאים " فاخرج حينئذ للحرب لان الله يخرج أمامك لضرب محلّة الفلسطينيين (1أخ14: 14و15). وأيضاً: " فسأل داود من الرب فقال لا تصعد بل در من ورائهم وهلم عليهم مقابل أشجار البكا " הבכאים " وعندما تسمع صوت خطوات في رؤوس أشجار البكا " הבכאים " حينئذ احترص لأنه إذ ذاك يخرج الرب أمامك لضرب محلّة الفلسطيني " (2صم5: 23و24). والكلمة هنا جمع " הבכאים – ها بخيم " و " ה " أداة التعريف، و " בכא " شجرة البكاء، و " ים " حرفي الجمع.
5 – كانت عبارة " وادي البكاء " تشير إلى هذا الوادي بالذات الذي عرف بهذا الاسم لأنه كانت تكثر به " أشجار البكاء " أو " أشجار البلسان " وكان يعبر عن الاسم بكلمة واحدة كما ورد أعلاه في سفري صموئيل وأخبار الأيام. و البلسان هو شجر ينتج مادة ذات رائحة زكية و لها خصائص علاجية مشهورة و نعرفه في مصر باسم البلسم.
6 – ويرجع أصل تسمية ذلك المكان بوادي البكاء سفر القضاة: " وصعد ملاك الرب من الجلجال إلى بوكيم (הבכים – Bochim = الباكين - the weepers) وقال. قد أصعدتكم من مصر وأتيت بكم إلى الأرض التي أقسمت لآبائكم وقلت لا انكث عهدي معكم إلى الأبد. وانتم فلا تقطعوا عهدا مع سكان هذه الأرض. اهدموا مذابحهم. ولم تسمعوا لصوتي. فماذا عملتم. فقلت أيضا لا اطردهم من أمامكم بل يكونون لكم مضايقين وتكون آلهتهم لكم شركا. وكان لما تكلم ملاك الرب بهذا الكلام إلى جميع بني إسرائيل أن الشعب رفعوا صوتهم وبكوا (ויבכו – wept = بكوا). فدعوا اسم ذلك المكان بوكيم (the weepers - Bokim - בכים). وذبحوا هناك للرب " (قض2: 1 -5). وكان هذا الوادي يقع شمال وادي هنوم، وهو وادي مجاور لجبل الهيكل بأورشليم، كان يمثل المرحلة الأخيرة في السفر للآتين من أنحاء أرض الموعد، الشمال والغرب والجنوب لزيارة بيت الرب في أورشليم والذي هو هيكل سليمان وليس أي مكان آخر.
7 - وقد استخدم الوحي الإلهي - على لسان كاتب المزمور - الجناس اللفظي الواضح بين اسم " وادي البكاء " و البكاء، فقال: " عابرين في وادي البكاء يصيرونه ينبوعا " ليشير بذلك إلى دموع الشوق والتوبة في أعين جموع الآتين إلى أورشليم في العيد لكي يتعبدوا للرب في بيته، أي في هيكله بأورشليم. ويؤكد بشكل قاطع أن بيت الله المقصود هنا هو هيكل سليمان وليس أي مكان أخر في قوله: " عابرين في وادي البكاء يصيرونه ينبوعا. أيضا ببركات يغطون مورة يذهبون من قوة إلى قوة. يرون قدام الله في صهيون " (مز84: 6و7). كما أن الذين كتبوا المزمور بالروح القدس هم بني قورح، وهؤلاء كانوا جماعة من مرتلي الهيكل الذين نظمهم داود النبي، ومن الطبيعي أنهم يترنمون بالعبادة في الهيكل، هيكل الرب في أورشليم الذين كانوا من ضمن أنبيائه بالروح.