التجسد الإلهى و دوام بتولية العذراء
القمص عبد المسيح بسيط أبو الخير
كاهن كنيسة السيدة العذراء الأثرية بمسطرد
عندما كان موسى النبى يرعى الغنم فى جبل الله حوريب وجد عليقة (شجيرة) مشتعلة بالنار ولكنها لا تحترق، فتقدم ليرى هذا المنظر العظيم، فجاءة صوت الله من وسطها وقال له "لا تقترب إلى ههنا. أخلع حذاءك من رجليك. لأن الموضع الذى انت واقف عليه أرض مقدسة"
تقدست الأرض بظهور الكلمه الإلهى فى العليقة وصارت أرضآ مقدسة. وفى ملء الزمان حل الكلمه الإلهى فى بطن مريم العذراء التى وصفت بأنها "ممتلئه نعمه" وصارت هى العليقة الحقيقية، الإنسانة المقدسة والقديسة المطوبة من جميع الأجيال، "أم الرب"، التى ولدت لنا الكلمة المتجسد، الكلمة الذى "صار جسداً"، القدوس ذاته، ابن العلى، الذى تسجد له جميع المخلوقات ما فى السماء وما على الأرض مايرى وما لا يرى..
وإذا كانت الأرض قد تقدست بظهور الكلمة فى العليقة ولم يسمح لموسى ان يقترب من العليقة، فكم وكم تكون العليقة ذاتها؟!! وكم وكم تكون العذراء القديسة أم الرب؟!!
كما رأى حزقيال فى رؤياه باب المقدس المتجه للشرق مغلقاً وقال له الرب "هذا الباب يكون مغلقاً لا يفتح ولا يدخل منه إنسان لأن الرب إله إسرائيل دخل منه فيكون مغلقاً"، وهكذا أيضآ رحم العذراء الذى حبل بالكلمة المتجسد دون ان يفتح وخرج منه أيضاً دون ان يفتح وسيظل مغلقاً "لن يفتح ولن يدخل منه إنسان لأن الكلمة الإلهى دخل منه وخرج فيكون مغلقاً".
ولكن هناك من يتصور عكس ذلك ويرى ان العذراء انجبت بنين وبنات من يوسف النجار. وهذا البحث هو فى أثبات دوام بتولية العذراء ورد على من يرون عكس ذلك، نقدم طبعته الثانية المنقحة فى صوم وعيد العذراء كما قدمنا طبعته الأولى أيضاً فى عيد العذراء راجين من الرب الإله ان يكون سبب بركة للكثيرين وشفاعة العذراء القديسة مريم وصلوات قداسة البابا المعظم الأنبا شنوده الثالث وشريكه فى الخدمة الرسولية نيافة الأنبا مرقس أسقف شبرا الخيمة وتوابعها.
بدء صوم العذراء
1 مسرى 1710 ش
7/8/1994م
القس عبد المسيح بسيط أبو الخير
الفصل الأول
نبذة تاريخية
(دوام بتولية العذراء)
1 إيمان الكنيسة منذ البدء
آمنت الكنيسة منذ البدء ان السيد المسيح هو كلمة الله(1) وعقله الناطق، قوة الله وحكمة الله(2)، صورة الله غير المنظور(3)، بها مجده ورسم (صوره) جوهره(4)، الله الظاهر فى الجسد(5)، عمانوئيل الذى تفسيره الله معنا(6)، رب المجد(7)، القدوس(8)، الكائن على الكل إلهاً مباركاً(9)، الإله الوحيد والحكيم(10)، الذى فيه يحل كل ملء اللاهوت جسدياً(11).
جاء إلينا فى ملء الزمان مولوداً(12)، أتخذ جسداً(13)، من عذراء طاهرة نقية بعد ان بشرها الملاك جبرائيل بولادة الكلمة السرمدى بحلول الروح القدس عليها(14).
سكن اللاهوت فى أحشائها تسعة اشهر سكن اللاهوت فى أحشائها تسعة اشهر متحدياً باللاهوت بالناسوت، إذ اتحد اللاهوت بالناسوت فى أحشائها أتحاداً أبدياً بغير انفصال أو أختلاط او أمتزاج أو تغير أو استحالة فدعيت بذلك والدة الإله، لأنها ولدت الإله لمتجسد ولدت الناسوت المتحد باللاهوت، ولدت عمانوئيل الله معنا، الله ظهر فى الجسد المأخوذ من أحشائها، ولدت كلمة الله المتجسد لذا دعيت theotokos (ثيؤتوكوس) والدة الإله.
ونظراً لأن العذراء مريم حبلت وولدت الإله المتجسد فكان لابد أن تظل عذراء إلى الأبد، عذراء قبل الحبل وعذراء أثناء الحبل وعذراء بعد الولادة، لأن الإله السرمدى لا يجب ان يكون له أب بشرى عند التجسد والفادى لا يجب ان يكون من زرع بشر حتى يكون خالياً من الخطية لذا كان لابد ان تحبل به ليس من زرع بشر بل بقوة الله، بحلول الروح القدس عليها وقوة العلى التى ظللتها(15).
كما ان الإله الموجود فى كل مكان ولا يحده مكان والقادر على كل شىء(16) فى إمكانه ان يخرج منها دون أن يفض بكارتها، أن يولد منها وتظل بتوليتها مختومة وهذا ما حدث فعلآ. فكانت عذراء قبل الحبل واستمرت عذراء بعد الحبل وظلت عذراء بعد الولادة. ومن ثم دعتها الكنيسة ب"العذراء إلى الأبد" و "الدائمة البتولية".
وكان هذا الإيمان هو إيمان الكنيسة الأولى، إيمان الرسل وخلفائهم وكان إيماناً مبنياً على الكتاب المقدس المسلم مرة للكنيسة.
ظهرت فى القرن الأول بدعة دعيت ببدعة الأبيونيون وهم من المسيحيين الذين من اصل يهودى الذين أعتنقوا المسيحية وتعلقوا بالطقوس اليهودية التى تشبعوا بها وقتاً طويلاً فجاءت عقيدتهم خليطاً من المسيحية واليهودية وأنكروا لاهوت المسيح ولم يعترفوا بوجودة الإلهى قبل التجسد وأعتبروه مجرد إنسان عادى وبالتالى أنكروا ميلاده المعجزى من العذراء وقالوا إنه ولد كسائر البشر من أب هو يوسف وأم هى مريم(17) ويقول كل من أيريناؤس(18) والمؤرخ الكنسى يوسابيوس أنهما تبعا ترجمة ثيودوسيون Theodotion(19) الأفسسى وأكويلا البنطى Auila of Pontus(20) الذين ترجما نبؤه إشعياء "هوذا العذراء تحبل وتلد أبناً إلى "هوذا الفتاه (The young woman) تحبل وتلد أبناً"(21).
ثم جاء هيلفيدس (حوالى عام 382)(22) وأدعى أن مريم ويوسف قد تزوجا فعلاً بعد ميلاد المسيح وتبعه فى ذلك راهب هرطوقى يدعى جوفنياس (مات حوالى 405م) ويونسيوس أسقف يوغوسلافيا وحرمه مجمع كابوا (Capua عام 1391م)(23)، وأتبع هذا الرأى فى العصور الحديثه بعض المفسرين من بعض الفرق البروتستانتيه المتطرفه كالأخوة البلموث وغيرهم، وشهود يهوه(24) ولكن غالبيه المفسرين البروتستانت يؤمنون (كما سنرى) بدوام بتوليه العذراء.
3- بتولية العذراء فى كتابات الآباء
وكما قلنا أن الكنيسه المسيحيه أعتقدت فى كل عصورها بدوام بتوليه العذراء ودافعت عنها وفندت إدعاءات وهرطقه منكرى البتوليه ودعتها بالدائمه البتوليه
U قال أغناطيوس الأنطاكى، تلميذ بطرس الرسول (30-107م)
"أما رئيس هذا العالم فقد جهل بتوليه مريم وايلادها وكذلك موت الرب"(25).
U قال ايريناؤس أسقف ليون (120-202م):
"الذى هو كلمه الله.. ولد حقاً.. من مريم التى كانت وحتى الآن (هى) عذراء(26).
وقال أيضاً "مريم العذراء وجدت قطيعه"(27)
وأيضاً "صار الله إنساناً... معطياً أيانا المأخوذه من عذراء"(28)
كما طبق نبؤه إشعياء التى يقصد بها النبى عودة بنى إسرائيل إلى أورشليم على العذراء "قبل أن يأخذها الطلق ولدت. قل أن يأتى عليها المخاض ولدت ذكراً. من سمع مثل هذا. من رأى مثل هذا..."(29)
وأعتبر أن النبى يقصد ميلاد المسيح بطريقه ليس لها مثيل. وهو بذلك يؤكد بتوليه العذراء(30).
U ويعترض اكليمندس الاسكندرى (150-215م) على من يقول أنها صارت امرأه ويقول أن القديسه مريم استمرت عذراء(31).
U وقال العلامة أوريجانوس (185-245م):
"لقد تسلمنا تقليداً... أن مريم ذهبت بعدما أنجبت المخلص، لتتعبد (فى الهيكل) ووقفت فى الموضع المخصص للعذارى. حاول الذين يعرفون أنها أنجبت طفلاً طردها من الموضع، ولكن زكريا أجابهم أنها مستحقه الملكوت فى موضع العذارى، إذ لا تزال عذراء"(32).
وقال أيضاً "يليق أن لا ننسب لقب أولى العذارى بغير مريم"(33).
U وقال القديس ميثوديوس (260-312م)
وشاهدنا أشعياء يعلن بوضوح لكل الأرض تحت الشمس وقبل أن يأخذها الطلق ولدت... الخ" العذراء الأم كليه القداسة.. أنجبت ابنها... وحفظ طهاره والدته بغير فساد وبلا دنس"(34).
U وقال القديس أثناسيوس الرسولى (296-373م)
"لقد أخذ (الرب) جسداً إنسانياً حقيقياً من مريم الدائمه البتولية"(35).
U ودعاها ديديموس الضرير (توفى سنه 396م) بالعذراء أثناء وبعد الميلاد، كما دعاها بالدائمة البتوليه"(36).
U ودعاها البابا بطرس خاتم الشهداء (311م) "الدائمه البتولية"(37) وكذلك ابيفانيوس وكثيرون من الكتاب المعاصرين لهم والذين خلفوهم.
4- بتولية العذراء فى الكتابات الأبوكربقية
وكما كانت عقيدة "الدائمة البتولية" عقيدة راسخة فى الكنيسة كانت أيضاً منتشرة فى الكتابات الأبوكربقيه التى أنتشرت فى القرن الثانى والقرن الثالث وحتى السادس والتى أعطاها مؤلفوها لقب أناجيل ونسبوها أو أسموها بأسماء بعض الرسل لتلقى رواجاً بين بعض المؤمنين، وكانت تعبر عن الفكر الشعبى المسيحى وأحياناً يعتبر بعضها تاريخياً. ومع أن الكنيسة رفضتها من البداية لأنها أخذت أفكارها الرئيسية من الأناجيل القانونية ولكن موضوعاتها كانت مخله مملؤه بالمعجزات الصبيانيه الخرافية ومع ذلك ترى فيها الكنيسة تراثاً فكرياً شعبياً مبكراً.
وكل هذه الكتب الشعبية أو معظمها تؤكد بتولية العذراء وهذا بعض ما جاء بها
U جاء فى الكتاب المسمى إنجيل يعقوب الأولى
"وقال الكاهن ليوسف أنت أخترت من الكثيرين لتأخذ عذراء الرب لتحفظها لديك وكان يوسف خائفاً وأخذها ليحفظها عنده"(38).
U وجاء فى كتاب متى المزيف
"ترتيب جديد فى الحياة إكتشف بواسطة مريم وحدها التى وعدت أن تظل عذراء لله"(39). وذكر أن العذارى كن مع مريم وقت أكتشاف يوسف للعمل قلن له: "يمكن أن تختبر أنها ما زالت عذراء ولم تلمس". وجاء فيه أن سالومى لما شكت فى حقيقة بتولية العذراء ودوام هذه البتولية قالت: "أسمح لى أن المسك وعندما سمحت لها.. صرخت... بصوت عال وقالت: يارب يارب يا قدير أرحمنا لم يسمع أبداً ولم يفكر فى أن واحد امتلأ ثدياها باللبن وأن ميلاد ابن يبين أن أمه ما تزال عذراء... عذراء حبلت، عذراء ولدت، وتظل عذراء"(41). وهذه الواقعة تذكر أيضاً فى إنجيل يعقوب الأولى(42).
U وجاء فى الكتاب المسمى إنجيل طفولة مريم
"سوف لن تعرف إنساناً أبداً فهى وحدها بدون نظير، نقية، بلا دنس، بدون اجتماع رجل، هى عذراء، ستلد ابناً(43).
وجاء فيه أيضاً: "أخذ يوسف العذراء طبقاً لأمر الملاك كزوجة له وبرغم ذلك لم يعرفها ولكن أعتنى بها وحفظها فى طهارة"(44).
U ويدعوا كتاب "تاريخ يوسف ومريم" العذراء ب "السيدة مريم أمه العذراء"(45).
U وكذلك كتاباً "نياحه، وصعود مريم يدعو مريم "المقدسة، والدة الإله والعذراء النقية" "والدة الإله والعذراء دائماً مريم" و"المطوبه العذراء مريم"(46).
U ويدعوا كتاب "طفولة المخلص" مريم ب "السيدة مريم أمه العذراء"(47).
وسندرس هذا الموضوع بتفصيل أكثر فى الفصول التالية.
-----
(1) يو 1: 1
(2) 1كو24: 1
(3) فى 6: 2، كو 16: 1
(3) عب 3: 1
(5) 1تى 16: 3.
(6) متى 23: 1.
(7) فى 11: 2.
(8) أع 14: 3، رؤ 7: 3.
(9) رو 5: 9.
(10) 1 تى 5: 2، يه25.
(11) كو 9: 2.
(12) غل 4: 4.
(13) يو 14: 1.
(14) لو 35: 1
(15) لو 35: 1.
(16) رؤ 8: 1.
(17) يوسابيوس: تاريخ الكنيسة ك 3 ف 27 فقره 1،2 يوسابيوس ك5 ف8 فقره 10.
(18) IRENAEUS AG. HER B. III CH. XX II.
(19) وضع ترجمته سنة 181م.
(20) وضع ترجمته سنة 129م.
(21) See IREN AG. HER B. III CH. XX II.
(22) Nicen & P.N. Vol. VIII. Xli
(23) القمص تادرس يعقوب: القديسة مريم فى المفهوم الأرثوذكسى 23.
(24) من الفردوس المفقود إلى الفردوس المردود (جريدة برج المراقبه لشهود يهوه ص 28).
(25) رسالته إلى أفسس 1: 19.
(26) Against Her. Xxi.9.
(27) Ibid xxll. 4.
(28) Ibid xxll 1.
(29) إش 7: 66و8.
(30) Demonstration Apostolicae 45.
(31) Stromata 7: 16.
(32) Com. In Matt. 25.
(33) القديسة مريم 18.
(34) Oration conc. Simmon & Anna 7.
(35) Contra Anianos 2: 70.
(36) القديسة مريم 18.
(37) Nicene & p. Vol. Iv 3 & 6.
(38) The Protevangelivm of James 9.
(39) Psevdo Matt. Ch. 8. 40. Ibid ch. 10. 13.
(41) See ch. 18-20.
(42) Gos. The Nativity of M. ch. 4.
(43) مريم العذراء 17.
(44) Ibid ch. 10.
(45) The Ante Nicene Vol. VII P. 589 – 591.
(46) Ibid 592.
(47) The Infancy of the savioar 6.
الفصل الثانى
كيف ُولد المسيح وظلت أمه عذراء
تنبأ إشعياء عن ميلاد الإله المتجسد من العذراء قائلاً: "ها العذراء تحل وتلد ابناً وتدعو اسمه عمانوئيل"(1). وقد استخدم النبى فى تعبيره كلمه "العذراء" وليس "عذراء" فهو يتكلم بلفظ معروف لإنسانه معروفه فى خطة الله الأزلية للخلاص(2). فتكلم عنا بآل التعريف ليعنى دوام بتوليتها، فهو يتكلم وكأنه يرى العذراء قبل الحبل وأثنائه وبعده ولا يرى فيها سوى العذراء التى ستلد عمانوئيل، الله معنا، فهو يراها عذراء قبل الحبل وعذراء أثناءه وعذراء بعد الولادة لذلك استخدم تعبير العذراء "ليعبر عن هذه الحقيقة".
حبلت العذراء بالطفل الغلهى وولدت وظلت عذراء وبتوليتها مختومة والسؤال الأن كيف ولدت القديسة مريم وظلت عذراء بعد الولادة؟
يقول الكتاب "وبينما هى هناك (فى بيت لحم) تمت أيامها لتلد فولدت أبنها البكر وقمطته واضجعته فى المزود"(3). وهذه الآية تؤكد لنا أن العذراء مريم حبلت لمدة تسعة أشهر، تمت أيامها، ثم ولدت وقمطت الطفل كسائر المواليد ولم يشر الكتاب إلى شئ غريب ربما يكون قد حدث وقت الولادة ولكن كل الظواهر نوحى بأن العذراء ظلت عذراء بعد الولادة كما كانت قبل الولادة، عذراء روحاً وجسداً وقد اعتادت الكنيسة منذ فجرها الأول أن تلقب القديسة مريم بالعذراء Parthenos (بارثينوس) والدائمة البتولية air Parthenos (ايبارثينوس) للتعبير عن دوام بتوليتها قبل وأثناء وبعد الحمل والولادة.
ولكن يظل السؤال كيف ولدت القديسة مريم ومع ذلك ظلت عذراء؟! والإجابة هى أنه كما خرج الرب يسوع المسيح من القبر والقبر مغلق وكما دخل على التلاميذ والأبواب مغلقة حتى إنهم ظنوه شبح(4) هكذا أيضاً خرج من العذراء وظلت العذراء كمت هى وبتوليتها مختومة.
وترى الكنيسة فى ما جاء فى حزقيال (1: 44،2) "ثم ارجعى إلى طريق باب المقدس الخارجى المتجه إلى للمشرق وهو مغلق" فقال لى الرب هذا الباب يكون مغلقاً لا يفتح ولا يدخل منه إنسان لأن الرب إله إسرائيل دخل منه فيكون مغلقاً" اشارة إلى بتولية العذراء الدائمة فقد حل عليها الروح القدس والكلمة الأزلى اتخذ جسداً من لحمها ودمها وحل فى أحشائها تسعة اشهر وخرج، فلا يعقل أن يفض بكارتها ولا يعقل أيضاً أن تجتمع بعد ذلك بإنسان أو تلد بنين أخرين غير المجد.
U قال القديس جيروم: (مع أن الباب كان مغلق، دخل يسوع إلى مريم، القبر الجديد المنحوت فى الصخر، الذى لم يرقد فيه من قبل ولا بعده أنها جنة مغلقة، ينبوع مختوم(5) هى الباب الشرقى الذى تحدث عنه حزقيال المغلق إلى الدوام، المملوء نوراً.. يدخل إلى قدس الأقداس منه يدخل ويخرج من هو على رتبه ملكى صادق. ودعوهم يخبرونى كيف دخل يسوع والأبواب مغلقة، وأنا أجيبهم كيف تكون القديسة مريم أماً وعذراء بعد ميلاد ابنها؟"(6).
U قال مارافرام السريانى: "كما دخل الرب والأبواب مغلقه هكذا خرج من حشا البتول وبقيت بتوليتها سالمة لم تحل"(7).
U قال أغسطينوس: "بعد قيامة المسيح عندما ظن إنه روح قال لتوما هات يدك وانظر لأن الروح ليس له جسد وعظام كما ترى، وبالرغم من ان جسده جسد شخص فى سن الرجولة فأنه دخل إلى حيث يوجد تلاميذه خلف الأبواب المغلقة، فأذا كان قد استطاع لأن يدخل خلال الأبواب المغلقة وهو فى جسد فى سن الرجولة فكيف لا يستطيع إذآ كطفل أن يترك جسم أمه دون أتلاف بتوليتها. الذى يؤمن ان الله ظهر فى الجسد يصدق الأمرين كليهما، أما غير المؤمن فلا يصدق هذا ولا ذاك"(8).
U قال ذهبى الفم: "نحن نجهل أموراً كثيرة وعلى سبيل المثال كيف وجد غير المحدود فى رحم العذراء؟ ثم كيف الذى يحوى جميع الأشياء حملته امرأة؟ ثم العذراء كيف ولدت وهى كما هى عذراء؟"(9).
U قال أغريغوريوس صانع العجائب: "رأى النبى المولود منك أيتها العذراء القديسة خلال الرمز.. بأى كلمات يمكنا أن نعبر عن كرامة بتوليتها.. النقية الطاهرة"(10).
U قال القديس كيرلس الكبير: "لنمجد مريم دائمة البتولية بتسبيحة الفرح"(11).
U قال القديس أغريغوريس الثيؤلوغوس: "ولد من عذراء وحفظ أيضاً عذريتها وبتوليتها بلا تغيير"(12).
U قال القديس أغريغوريوس أسقف نيصص: "أن رحم العذراء الذى استخدم لميلاد بلا دنس هو مبارك لأن الميلاد يبطل أو يحل عذريتها، كما أن العذراوية لم تمنع أو تعق ذلك الميلاد العالى، كما اعلن عنه فى الإنجيل "طوبى للبطن الذى حملك والثديين اللذين رضعتهما"(13).
U وجاء فى ثيؤتوكية الخميس: "يا للطلقات الإلهية العجيبة التى لوالدة الإله مريم العذراء كل حين. هذه التى منها اجتمع معاً بتولية بلا دنس وميلاد حقيقى. لأنه لم يسبق الميلاد زواج ولم يحل الميلاد أيضاً بتوليتها لأن الذى ولد إله بغير ألم من الأب ولد أيضاً حسب الجسد ونقول فى المجمع فى القداس الإلهى: "وبالأكثر القديسة المملؤة مجداً العذراء كل حين والدة الإله القديسة الطاهرة مريم التى ولدت الله الكلمة بالحقيقة".
-----
(1) إش 14: 7.
(2) غل 4: 4.
(3) لو 6: 2و7.
(4) يو 16: 20.
(5) تش 12: 4.
(6) القديسة مريم فى المفهوم الأرثوذكسى. القمص تادرس يعقوب 18،19.
(7) القديسة مريم فى أقوال الآباء ص 8.
(8) ميامر الميلاد – سبورتنج.
(9) الثيئوتوكوس – متى المسكين 63.
(10) البشارة بالتجسد الإلهى – أسبورتنج.
(11) إنجيل لوقا. القمص تادرس يعقوب 40.
(12) القديسة مريم 19.
(13) الثيئوتوكس 63.
الفصل الثالث
البنؤة بميلاد المسيح من العذراء
جاء فى سفر نبؤة اشعياء النبى 14: 7 "ولكن يعطيكم السيد نفسه آيه ها العذراء تحبل وتلد ابناً وتدعوا أسمه عمانوئيل".
والآيه تركز على أربعة نقاط هامة:
1 آيه "يعطيكم السيد نفسه آيه".
2 العذراء..من هى؟
3 العذراء تحبل وتلد ابناً.
4 المولود هو عمانوئيل.
والأية المقصودة فى هذا الفصل الإلهى أو المعجزة مزدوجة، فهى أولآ تعنى ان "عذراء" او "العذراء" ستحبل وتلد ومع ذلك تظل "عذراء" لأنه يتكلم عنها كعذراء سواء قبل الحبل أو اثناؤه او بعد الميلاد "ها العذراء تحبل وتلد" فالأيه تنص على ان العذراء ستحبل وان العذراء ستلد وبذلك تنص ضمنآ على أنه ستظل بعد الحبل والولادة عذراء ايضاً لأنه يدعوها "بالعذراء" معرفة بأداء التعريف.
والأيه ليست معطاه من بشر أو بواسطة بشر ولكن معطاة من الله ذاته "ولكن السيد نفسه يعطيكم أيه"، السيد نفسه وليس مخلوق هو معطى الأيه.
ولكن كيف تتم هذه الأيه؟
وهذا ما سألته العذراء مريم نفسها للملاك قائله:
"كيف يكون لى هذا وأنا لست اعرف رجلاً"؟(1).
أى كيف أحبل وأنا عذراء وقد نذرت البتوليه وليس فى نيتى التراجع؟ ويجيب الملاك أن هذا الحبل لن يمس بتوليتك ولن يضطرك للتراجع عما نذرتيه وسوف تظلين بتول إلى الأبد. وأما عن الكيفيه فهذا عمل الله حده: "الروح القدس يحل عليك وقوة العلى تظللك فلذلك أيضاً القدوس المولود منك يدعى ابن الله"(2).
الروح القدس هو الذى سيتولى هذه المهمه الآلهيه لأن المولود هو القدوس ذاته. وقوه الله هى التى تظللها أى تحل عليها، تسكن فيها، لذلك لن تحتاج إلى رجل، لن يكون المولود من زرع بشر لأنه القدوس، بل لابد أن يولد من عذراء بحلول الروح القدس على العذراء.
وكان برهان المعجزة، معجزة حبل العذراء هو حبل اليصابات العاقر المتقدمه فى الأيام وأمراه الشيخ(3) والتى لم تنجب فى شبابها ولكن أراد الرب أن تحبل وتنجب فى شيخوختها عبر هنا على قدرته التى ليست لها حدود.
وكلمه "العذراء" المستخدمه هنا فضلاً عن أنها تشير إلى دوام البتوليه كما قلنا – وكما سنبين فى الفصول التاليه – وجاءت فى اللفظ العبرى "عولما – Alma" ونعنى فتاه ناضجه، وهو مشتق من أصل بمعنى "ناضج جنسياً" كما يعنى عذراء كامله الأنوثه، كما تشير إلى أمرأه فى سن الزواج ولكن لم تلد أطفال ويرادفها فى اليونانيه (neanis) نيانيس – فتاه)(4). وقد تكررت هذه الكلمه سبع مرات فى الكتاب المقدس وكلها ترجمت بمعنى فتاه (أو عذراء) غير متزوجه. وهى كالأتى
U جاء فى تك 23: 24،44 "فها أنا واقف على عين الماء وليكن أن الفتاه (عولما) التى تخرج.. هى المرأه التى عينها الرب لأبن سيدى".
والفتاه المقصوره هنا هى التى ستكون عروس لأسحق، أى أنها عذراء غير متزوجه.
U وجاء فى نش 3: 1 ".. أسمك دهن مهراق لذلك أحبتك العذارى" والعذارى هنا جمع (عولما).
U وقع نش 8: 5 "احلفكن يا بنات أورشليم أن وجدتن حبيبى". وبنات هنا جمع (عولما) والمقصود عذارى فى مرحله الحب قبل الزواج.
U وقيل عن أخت موسى العذراء "فذهبت الفتاه ودعت أم الولد" خر8: 2 والفتاه هنا (عولما).
U وجاء فى ام 19: 30 "طريق رجل بفتاه". والفتاه هنا (عولما) والمقصود بها العروس التى احضرت توا(5) ولم يدخل بها العريس" أى ما زالت عذراء.
U وجاء فى مزمور 25: 68 عن ضاربات الدفوف اثناء التسبيح للرب "فى الوسط فتيات ضاربات الدفوف" والفتيات هنا جمع (عولنا) والمقصود بهن العذارى(6) او الفتيات غير المتزوجات.
والكلمة السابعة هى ماجاء عن العذارء نفسها فى نبؤة أشعياء النبى. وهذا يدل على ان كلمة "عولما" المقصود بها فى اللغة العبرية على الأقل فى زمن الأيات المذكورة والتى يرجع تاريخ احداثها إلى سنة 1000 قبل الميلاد الفتاة العذراء غير المتزوجة ولكنها فى سن النضوج والزواج كرفقة عروس اسحق وعذارى سفر النشيد وأخت موسى العذراء التى لم تكن قد تزوجت بعد وعروس وعروس النشيد وضاربات الدفوف فى فريق التسبيح للرب.
وهناك لفظ عبرى أخر هو "بتول" وهو مشتق من لفظ عبرى بمعنى يفصل، وتعنى عذراء منفصلة لم تعرف رجلآ قط، ومرادفها باليونانية "بارثينوس thenospar(7).
وقد اختار الوحى الكلمة الأولى "عولما" للعذراء مريم فى سفر اشعياء النبى للدلاله على انها كانت فتاة ناضجة وفى سن الزواج، كما إنها كانت ستكون تحت وصايا خطيب وذلك حسب الترتيب الإلهى لحمايتها عند الحمل والولادة.
ولكن الوحى أيضاً الهم مترجمى الترجمة السبعينية فترجموا كلمة "ها العذراء(عولما).." إلى "ها العذراء (بارثينوس).." اى ترجموها "بارثينوس" عذراء منفصله لم تعرف رجلآ قط ولم يترجمها "نيانيس" للدلاله على انها ستكون عذراء دائمآ ولن تعرف رجلآ قط لأن محتوى الأية يدل ويؤكد على هذا المعنى وأن الفتاة المقصودة وإن كانت ستكون ناضجة وتحت وصايا خطيب إلا إنها ستكون عذراء لم ولن تعرف رجلآ قط "بارثينوس" رغم خطبتها ليوسف.
وقد سار العهد الجديد على هذا النهج وأطلق على العذراء لقب "بارثينوس" واقتبس القديس متى فصل نبؤة اشعياء النبى وكتبها هكذا: "هوذا العذراء (بارثينوس) تحبل وتلد"(9). وكذلك القديس لوقا لم يستخدم عن العذراء مريم سوى "العذراء بارثينوس":
U "ارسل جبرائيل إلى عذراء (بارثينوس9 مخطوبة"(10).
U "وأسم العذراء (بارثينوس) مريم"(11).
وهكذا أيضاً صار أباء الكنيسة داعين القديسة مريم بالعذراء "بارثينوس" والدائمة البتولية "إيبارثينوس"
ومما يذكر يبطل زعم اليهود ومن تبعهم بقولهم لم يكتب فى نبؤة اشعياء "عذراء" بل كتب "فتاة" محاولين النيل من بتولية العذراء سواء قبل الحبل أو بعده.
U وإلى جانب ماذكر يضيف القديس كيرلس أورشليمى براهين اخرى لتفنيد رأى اليهود ودحض حجتهم قائلاً:
"لكن اليهود يعارضوننا فى ذلك (ومقاومة الحق عادة قديمة عندهم) إذ يقولون إن لم تكتب "العذراء" بل الفتاة. فليكن، لنسايرهم، وهكذا سنجد الحقيقة، إذ فى وسعنا أن نسألهم: متى تصرخ الفتاة المغتصبة طالبة النجدة. قبل الأعتداء أم بعده؟ وإذا كان الكتاب يقول فى موضع اخر: "صرخت الفتاة فلم يكن من يخلفها"(12)، أفلا يتكلم هنا عن عذراء؟ ولكى تعلم بوضوح ان العذراء فى الكتاب المقدس تدعى فتاه، اسمع ما جاء فى سفر الملوك عن ابيشاج الشونميه "كانت الفتاة جميلة جداً"(13) لابد من التسليم إنها اختيرت بسبب بتوليتها"(14).
والنقطة الهامة فى هذا الموضوع من ستحبل به هذه العذراء وتلده، انه "عمانوئيل" أى "الله معنا"(15) أى ان الذى ستحبل به العذراء هو "إيل الله" الذى اتحد بالناسوت داخل احشائها، انها ستلد الإله المتجسد، الله الظاهر(16) فى الجسد، ستلد الناسوت المتحد باللاهوت "الذى فيه يحل كل ملء اللاهوت جسدياً" ولذلك كان لابد ان تكون عذراء وتظل عذراء لأنها لم تلد مجرد مخلوق بل ولدت الإله المتجسد الذى حل فى أحشائها تسعة اشهر واتخذ جسداً داخل احشائها(17)، وتغذى على غذائها فكان لابد ان تحبل وهى عذراء وتظل عذراء وتلد وتظل عذراء، فالمولود هو الخالق ذاته.
-----
(1) لو 34: 1.
(2) لو 35: 1
(3) لو 18: 1
(4) The new Bible Dic. P. 1312
(5) Theo. Dic. Of The New Test. Vol. 5: 831.
(7) The New B. Dic. P. 1312.
(9) متى 23: 1.
(10) لو 27: 1.
(11) لو 27: 1.
(12) تث 27: 22.
(13) 1 مل 4: 1 والمقصود فى النص عذراء كنص الكتاب "فتاه عذراء" ع2.
(14) عظات كيرلس الأورشليمى العظه الثانيه عشر.
(15) متى 23: 1.
(16) كو 9: 1.
(17) عب 5: 10.
الفصل الرابع
لماذا خطبت القديسة مريم ليوسف النجار؟
هناك عدة اسئلة تطرح نفسها عن سبب خطبة العذراء ليوسف النجار:
U إذا كانت القديسة مريم قد اختارت البتولية فلماذا خطبت ليوسف النجار؟
U هل اتفق يوسف النجار مع العذراء أو كان فى نيتها الزواج الفعلى وإنجاب الأطفال؟
U ماذا يعنى قول الملاك ليوسف "خذ الصبى وأمه واهرب إلى ارض مصر"(1)؟
والكتاب المقدس والتقليد يجيبان على هذه الأسئلة وغيرها بدقة ووضوح.
تتضح نية القديسة مريم من عدم إعتزام الزواج الفعلى واعتزام البتولية كل ايام حياتها من موقفها عند بشارة الملاك لها بالحبل بالطفل الإلهى. فلما قال لها الملاك: "ها انت ستحبلين وتلدين أبنآ وتسمينه يسوع"(2).
سألت هى الملاك فى دهشة واستغراب قائلة:
"كيف يكون لى هذا وانا لا أعرف رجلاً"(3)؟
وسؤال العذراء هذا يؤكد بما لا يدع مجالاً من الشك انها لم تفكر فى الزواج والإنجاب مطلقاً. فلو كانت قد اعتزمت الزواج من يوسف لما كانت قد سألت الملاك هذا السؤال على الإطلاق بل لأعتقدت أن هذا (الحبل) سيتم بعد الدخول الفعلى بيوسف خاصة وانها مخطوبة له. ولكن سؤالها يؤكد إنها لم تفكر فى الزواج والحبل مطلقاً. ومما يؤكد ذلك أن سؤالها للملاك يشبه أستفسار زكريا الكاهن عندما بشره الملاك بحبل زوجته وإنجابها ليوحنا المعمدان فقال "كيف اعلم هذا لأنى شيخ وإمرأتى متقدمة فى أيامها"(4) وكذلك إستغراب سارة وضحكها عندما بشر الرب ابراهيم بولادة اسحق "وكان إبراهيم وسارة شيخين متقدمين فى الأيام. وقد انقطع ان يكون لسارة عادة كالنساء. فضحكت سارة فى باطنها قائلة أبعد فنائى يكون لى تنعيم وسيدى قد شاخ.. ضحكت سارة قائلة أفبالحقيقه ألد وانا قد شيخت"(5).
زكريا استغرب واندهش من بشارة الملاك لأن زوجته كانت عاقراً كما إنهما قد شاخا وهناك استحالة حتى فى مجرد التفكير فى الإنجاب بحسب المقاييس البشرية وكذلك سارة. زكريا استفسر من الملاك عن كيفية حدوث ذلك غير مصدق وسارة ضحكت غير مصدقة والقديسة مريم اندهشت واستغربت "كيف يكون لى هذا وانا لست أعرف رجلاً"؟. زكريا وسارة لم يصدقا مطلقاً قبل البشارة انهما سينجبان وبعد البشارة شكا لأن الطبيعة تقول أن هذا محال والعذراء مريم استغربت حدوث الحبل والولادة لإنها نذرت البتولية، فكان المعجزة ان الشيوخ إبراهيم وسارة وزكريا واليصابات ينجبون اسحق ويوحنا والعذراء تحبل وتلد الإله المتجسد وتظل عذراء إلى الأبد. فأمنت العذراء على الفور قائلة: "هوذا أنا امة الرب ليكن لى كقولك"(6).
U قال القديس اغسطينوس
"بالتأكيد ما كانت تنطق بهذا (كيف يكون لى هذا..) ولم يوجد نذر مسبق بأن تقدم بتوليتها لله وقد وضعت فى قلبها ان تحققه"(7).
U وقال ذهبى الفم
"كيف يكون لى هذا وانا لا أعرف رجلآ، ليس شكاً بل أستفساراً وهو دليل على انها أعتزمت البتوليه"(8).
U وقال القديس امبروسيوس
"لم ترفض مريم الإيمان بكلام الملاك ولا اعتذرت عن قبوله بل أبدت أستعدادها له، أما عبارة: "كيف يكون هذا"؟ فلا تنم عن الشك فى الأمر قط إنما تساؤل عن كيفية إتمام الأمر...لأنها تحاول ان تجد حلاً للقضية.. فمن حقها ان تعرف كيف تتم الولادة الإعجازية العجيبة"(9).
بشر الملاك مريم انها ستحبل بقوة الروح القدس وبدون زرع بشر وإنها ستلد القدوس، فماذا يقول عنها الناس عندما يجدونها حامل وهى غير متزوجة؟ والأجابة هى إنها ستتهم بالزنا وترجم حتى الموت، حسب الشريعة(10). أو ان يقوم الجنين بإعلان حقيقة الوهيته بقوات وعجائب كما سجد له المعمدان وهو جنين فى بطن أمه(11)، ولكن السر الإلهى، سر التجسد كان لابد يخفى عن الشيطان الذى لو علم به وتيقن منه لكان، على الأقل، قد حاول ان يفسر عمل الفداء ومن ثم يحاول تعطيله. لكن الشيطان لم يعلم هذه الحقيقة، حقيقة الحبل الإلهى إلا بعد القيامة وحلول الروح القدس.
U قال القديس اغناطيوس
"أما رئيس هذا العالم فقد جهل بتولية العذراء وايلاها وكذلك موت الرب"(12).
U ويرى العلامة اوريجانوس بأن وجود خطيب او رجل لمريم ينزع كل شك من جهتها عندما يظهر الحمل عليها"(13).
U قال القديس امبروسيوس عن خطبة العذراء ليوسف
"ربما لكى لا يظن إنها زانية. ولقد وصفها الكتاب بصفتين فى أن واحد، انها زوجة وعذراء. فهى عذراء لأنها لم تعرف رجلاً، وزوجة تحفظ مما قد يشوب سمعتها، فأنتفاخ بطنها يشير إلى فقدان بتوليتها (فى نظر الناس). هذا وقد اختار الرب ان يشك فى نسبه الحقيقى عن ان يشكوا فى طهارة أمه لم يجد داعياً للكشف عن شخصه على حساب سمعة والدته(14)".
ويضيف "هناك سببآ أخر لا يمكن اغفاله وهو ان رئيس هذا العالم لم يكتشف بتولية العذراء فهو إذا رأها مع رجلها، لم يشك فى المولود منها، وقد شاء الرب ان ينزع عن رئيس هذا العالم معرفته"(15).
U وقد ذكر القديس جيروم عدة اسباب لخطبة مريم ليوسف
اولاً: لكى ينسب (المسيح) للقديس يوسف قريب القديسة مريم، فيظهر إنه المسيا الموعود به من نسل داود من سبط يهوذا.
ثانياً: لكى لا تُرجم القديسة مريم طبقاً للشريعة الموسوية كزانية، فقد سلمها الرب للقديس البار الذى عرف بر خطيبته وأكد له الملاك سر حبلها بالمسيا المخلص
ثالثاً: لكى تجد القديسة معها من يعزيها خاصة اثناء هروبها من مصر.
U قال ذهبى الفم:
"مع العلم ان عذراوية مريم كانت سرآ مخفيآ عن الشيطان مثل امر صلبه".
U قال الأنبا بولس البوشى:
"ذكر انها خطبت ليوسف لكى ما يخفى الرب تدبير التجسد عن الشيطان. لأن النبوه تذكر بأن العذراء تحبل وتلد ابناً ويدعوا اسمه عمانوئيل. ولهذا كانت البشارة بعد خروج السيدة العذراء من الهيكل إلى بيت يوسف ليخفى سر الحبل فى ذلك"(18).
U قال العلامة يوحنا الدمشقى:
"ولما كان عدو خلاصنا يترصد العذارى لسبب نبؤة اشعياء القائل "ها العذراء... ". ولكن لكى يصطاد الحكماء بخدعتهم"(19) فلكى يخدع المتباهى دوماً بحكمته دفع الكهنة بالصبية للزواج من يوسف، وكان ذلك "كتاب جديد مختوم لمن يعرف الكتابة"(20). فأصبح الزواج حصناً للعذراء وخدعه لمترصد العذارى"(21).
U قال القديس أغريغوريوس الصانع العجائب:
"أرسل جبرائيل إلى عذراء مخطوبة لكنها لم تتحد معه، إنها مخطوبة ولكنها لم تمس. لماذا كانت مخطوبة؟ حتى لا يدرك الشرير (الشيطان) السر قبل الأوان فقد كان عارفاً ان الملك سيأتى من عذراء إذ سمع ما جاء فى اشعياء ... وكان يهتم ان يعرف العذراء ويتهمها بالعار، لهذا جاء الرب من عذراء مخطوبة حتى يفسد حيل الشيطان لأن المخطوبة مرتبطة بمن سيكون رجلها"(22).
وندرس هنا ثلاث نقط:
1 كيفية اتمام الخطبة والزواج فى بنى إسرائيل وقت ميلاد المسيح.
2 متى تمت خطبة العذراء مريم ليوسف.
3 هل كان يوسف النجار فتى أم شيخ؟
يقول التقليد والأباء ان الخطبة كانت تتم، حسب عادة اليهود، رسميآ أمام الكهنة، والشريعة تعتبر المخطوبة كالمتزوجة تمامآ عا العلاقات الزوجية، وتدعى زوجة وتصبح أرمله ان مات خطيبها وتتمتع بجميع الحقوق المالية إن مات خطيبها او طلقت منه، ولايمكن ان يتخلى عنها خطيبها إلا بكتاب الطلاق، كالزوجة تماماً، وإذا زنت تعتبر خائنة لزوجها وتعامل معاملة الخائنة وليس معاملة العذراء الغير مرتبطة برجل(23).
ويروى التقليد ان العذراء مريم خطبت ليوسف رسمياً أًمام كهنة اليهود بعقد رسمى وكما يروى الكتاب والتقليد أيضاً فقد احتفظ بها فى بيته فى الناصره(24). فكانت فى نظر بنى إسرائيل خطيبته، وإمرأته، فهو رجلها، وقال له الملاك: "لا تخف ان تأخذ مريم أمرأتك"(25).
U قال ذهبى الفم:
"وهنا يدعوا الخطيبة زوجة كما تعود الكتاب ان يدعوا المخطوبين أزواج قبل الزواج، وماذا تعنى "تأخذ"؟ اى تحفظها فى بيتك لأنه بالنية قد أخرجها، احفظ هذه التى أخرجتها كما قد عهد بها إليك من قبل الله وليس من قبل والديها"(26).
اما متى تمت خطبة العذراء مريم ليوسف، فهذا يتضح من الزمن المستخدم فى اللغة اليونانية فى قوله "كانت مريم مخطوبة ليوسف"(27) والذى يبين أن الخطبة كانت قد تمت حديثاً جداً وبما قبل ظهور الملاك لها بأيام قليلة جداً. وهذا مايبين قصد الله من خطبة العذراء ليوسف، فقد خطبت قبل الوقت المعين للبشارة بوقت قليل، لتصبح تحت حماية رجل، ولأنها نذرت بتوليته إلى الأبد فقد عاش معها يوسف النجار التى تجمع التقاليد على إنه كان شيخاً وعاش معها فى حالة قداسه كامله.
U قال تاتيان عن علاقة يوسف بمريم العذراء:
"كان يسكن معها فى قداسة"(28).
مما سبق يتضح ان ما تصوره بعض الأفلام الأوربية وماتدعيه بعض الطوائف المتطرفه عن صبا مريم ويوسف أو عن وجود نية للزواج بينهما لا أساس له من الصحة سواء عقلياً او تاريخياً او كتابياً.
هناك نقطة هامة فى بحث العلاقة بين القديسة مريم ويوسف النجار وهى إننا لا نجد نصاً واحداً فى الكتاب خاصة بعد ميلاد الطفل الإلهى يشير او يشتم منه اى صله زواجية بين يوسف النجار والعذراء بل على العكس تماما فبعد الميلاد يخاطب الملاك يوسف ويقول له قم وخذ الصبي وأمة وأهرب إلى ارض مصر"(29) ومتى الإنجيلى يقول "فقام وأخذ الصبى وأمه"(30) ثم يخاطبه الملاك فى مصر أيضاَ قائلاً: "قم خذ الصبى وأمه واذهب إلى ارض إسرائيل.. فقام وأخذ الصبى وأمه وجاء إلى ارض إسرائيل"(31).
الوحى يخاطبه بالقول "خذ الصبى وأمه" وليس الصبى وزوجتك، مما يدل ويؤكد انه لم يصبح زوجآ فعليآ بعد ميلاد الطفل الإلهى وانه لم يكن له اى صله زواجيه بها وإلا لكان قال له "خذ الصبى وزوجتك" وليس "الصبى وأمه". ولكن قول الملاك هذا وتأكيد الإنجيلى يؤكدان ان مهمة يوسف كخطيب وزوج قد نجحت فى حماية العذراء من الأتهام بالزنا كانت مهمة شرعية وظاهرية أمام الناس ولأخفاء سر التجسد والفداء عن الشيطان وليست علاقه زواجيه. بل ان ذلك يؤكد لا لبس فيه ولا غموض أن يوسف كان رجلاً باراً من تهمة الزنا وعقوبة الرجم فصار زوجاً لها على الورق وأمام بنى إسرائيل فقط، وأيضاً للهروب بالصبى وأمه إلى مصر ثم العودة إلى إسرائيل والسكن فى الناصرة وإعطاء الصبى اسم يوسف كأب أمام الناس بالإضافة إلى حرفة النجارة فقيل عنه:
"وهو (يسوع) على ما كان يظن ابن يوسف"(32).
"يسوع ابن يوسف الذى من الناصرة"(33).
"أليس هذا هو يسوع ابن يوسف الذى نحن عارفون بأبية وأمه"(34).
"أليس هذا ابن النجار"(35).
U قال ذهبى الفم
"وقال الملاك ليوسف "خذ الصبى وأمه" ولم يقل له "زوجتك" هذا الكلام بعد الولادة يثبت إنها لم تعد زوجه له بعد ولادة المسيح بل علاقتها مازالت مع المسيح وليست معه"(36).
U وقال القديس باسيليوس
"ان المسيحيون لا يطيقون أن يسمعوا بزواج العذراء بعد ولادة السيد المسيح لأنه على خلاف ما تسلموه من آبائهم"(37).
-----
(1) متى 13: 2.
(2) لو 31: 1.
(3) لو 34: 1.
(4) لو 18: 1.
(5) تك 11: 18-13.
(6) لو 38: 2.
(7) St. Auy. De Sacr. Virginity 4 PI. 45: 39 J.
(8) مريم العذراء، للقس يوسف أسعد ص 46.
(9) الإنجيل بحسب لوقا، القمص تادرس يعقوب ص 44.
(10) يو 5: 8، لا 1: 20 وتث 7: 17.
(11) لو 41: 1.
(12) أف 1: 19.
(13) الإنجيل بحسب متى.
(14) الإنجيل بحسب لوقا 38.
(15) المرجع السابق 39.
(18) مقالات الأنبا بولس البوشى تنقيح القس منقريوس عوض الله14.
(19) أى 13: 5.
(20) أش 11
(21) المئه مقاله فى الإيمان الأرثوذكسى ك4 م87.
(22) البشاره بالتجسد الإلهى، سبورتنج.
(23) تث 23: 22و24.
(24) لو 26: 1، 4: 2 و 39و 51، 16: 4، متى 23: 2.
(25) متى 20: 1.
(26) In Mat Hom. 4: 10.
(28) The Pulpit voI. 15: 9.
(29) متى 13: 2.
(30) متى 14: 2.
(31) متى 20: 2و 21.
(32) لو 23: 3.
(34) يو 42: 6.
(35) متى 55: 13، مر 3: 6.
(36) مريم العذراء ج 47: 5.
(37) السيده العذراء، مذكره للأنبا غريغوريوس ص 8و9.
الفصل الخامس
المرأه ... العذراء
1 كلمة امرأة ومريم العذراء:
كلمة امرأة فى كل اللغات وخاصة اللغة العبرية واللغة اليونانية اللذان كتب بهما الكتاب المقدس واللغة العربية التى ترجم إليها أيضاً الكتاب المقدس تعني بشكل عام "أنثى" سواء كانت عذراء او متزوجة، أى تعنى جنس المرأة مقارنه بالرجل، ففى اللغة العبرية المرأة هى "أيضاَ Isis
والرجل هو "ايص is " سواء قبل الزواج او بعده وكذلك فى اللغة اليونانية المرأة هى "gene" سواء كانت أنثى آو زوجه لرجل، امرأة كجنس وعذراء أو امرأة متزوجه.
وعلى هذا الأساس دعيت حواء امرأة بعد خلقتها مباشرة وقبل أن يكون لها علاقة زوجية مع أدم "وبنى الرب الإله الضلع التى أخذها من أدم امرأة أحضرها إلى آدم. فقال آدم هذه... تدعى امرأة لأنها من امرأ أخذت"(1). ودعى العهد الجديد المنضمات للكنيسة من الإناث سواء كن عذارى أو متزوجات "النساء" "وكان مؤمنون ينضمون للرب اكثر جماهير من رجال ونساء"(2).
وهكذا دعيت القديسة مريم "امرأة":
أولاً: كأنثى بصفة عامة "مباركة أنت فى النساء".
ثانياً: كزوجة ليوسف كما دعى يوسف رجلها:
"فقال الملاك ليوسف لا تخف آن تأخذ مريم امرأتك"(3).
"فصعد يوسف ليمكث مع امرأته المخطوبة"(4).
"ففعل كما آمره الملاك وأخذ امرأته"(5).
"فيوسف رجلها.."(6).
ثالثاً: لأنها المرأة الموعودة، حواء الجديدة، التى سيأتى من نسلها المسيح، حسب وعد الله القائل أن نسل المرأة سوف يسحق رأس الحية "واضع عداوه بينك (أى الحية) وبين المرأه وبين نسلك ونسلها وهو يسحق رأسك وأنت تسحقين عقبه"(7) ولذلك قال الوحى عن تحقيق هذه ألنبؤه وميلاد المسيح من المرأة "ولما جاء ملء الزمان أرسل الله ابنه مولوداً من امرأه"(8) أي ان حواء الأولى كانت سبب فى سقوط ادم فى التعدى والخطية وحواء الجديدة أنجبت النسل الموعود الذى صار أدم الثانى وأعاد البشرية إلى الفردوس(9) "لأنه كما فى أدم يموت الجميع هكذا فى المسيح سيحيا الجميع"(10).
إذاً فلقب امرأة بالنسبة للعذراء مريم لا يقلل من شأنها، ولا ينفى دوام بتوليتها إنما يعطيها رفعه لأنها المرأة التى حبلت وولدت بالإله التجسد، عمانوئيل، نسل المرأة، الذى جاء فى ملء الزمان.
2 مالى ولك يا امرأة:
فى عرس قانا الجليل دعيت العذراء مريم كما دعي السيد المسيح وتلاميذه لحضور هذا العرس ولما فرغت الخمر طلبت العذراء مريم من السيد المسيح، ابنها، التى كانت تعرف إمكانياته جيداً، فقد كانت تحفظ كل شىء يحدث له او منه منذ طفولته المبكرة فى قلبها(11) وقالت له موحيه بما يجب عليه عمله "ليس لهم خمر"(12). فقال لها "مالى ولك يا امرأة لم تأت ساعتى بعد"(13). وقد ظن بعض الهراطقه وغيرهم ان فى هذا القول تحقيراً للعذراء آو أبعاداً لها عن طريق الرب. ولكن هذا مستحيل فواضع الناموس لا يمكن ان يخالف شريعته، فهل يمكن أو يعقل أن يخالف الوصية القائلة "أكرم أباك وأمك"(14)، هل يخالف الناموس واضعه وهو القائل "لا تظنوا أنى جئت لأنقض بل لأكمل"(15) هل يمكن او يعقل ان يهين أمه وهو الذى قال عنه الكتاب "قدوس بلا شر ولا دنس قد انفصل عن الخطاة وصار أعلى من السموات"(16) والذى قال عنه الكتاب أيضاً أنه كان خاضعاً لأمه وأبيه الاعتبارى يوسف النجار "وكان خاضعاً لهما"(17).
حاشا وكلا: لم يكن فى كلام الرب مع أمه العذراء المباركة أي تناقض مع احترامه وخضوعه لها حسب الوصية وهذا ما أعلنه الكتاب عنه.
انما السبب الحقيقى فى رده هذا هو قوله "لم تأتى ساعتى بعد"(18)، لم تأت ساعته بعد إعلان عمله المسيانى علناً، لم تأت ساعته بعد ليعرف العالم كل ما تعرفه وما لا تعرفه أمه المباركة عنه. لم تأت ساعته بعد لأن كل عمل كان يعمله لم يكن خاضعاً للصدفة او الظروف وإنما كل شيء معلوم لديه منذ الأزل "معلومة عند الرب منذ الأزل جميع أعماله" وهذا يتضح أيضاً من أقوال الكتاب الكثيرة فى هذا الشأن كقوله قبل العشاء الربانى:
قد أتت الساعة ليتمجد ابن الإنسان(19) فجاءه صوت من السماء مجدت وامجد أيضاً(20) ولما اقتربت ساعة الصلب قال "قد آتت الساعة"(21) ومع ذلك كانت ثقة العذراء فى ولدها الإلهى غير محدود، لذا قالت للخدام "مهما قال لكم فافعلوه"(22) فاستجاب السيد له المجد لطلب أمه وأيضاً لإعلان مجده امام تلاميذه ليؤمنوا به.
3 يا أمرأه لقب تكريم:
ومناده الرب يسوع لأمه العذراء المباركه بلقب "يا امرأة" فضلاً عن إنه لا يحمل أي معنى لإهانة او جفاء، كما يحمل معنى عظيم لأنها المرأة الموعودة بأن يأتى منها "نسل المرأة" فهو أيضاً فى ذلك العصر كان لقب تكريم بمعنى يا "سيده" ويدل على الإجلال والأحترام ففى الأدب اليونانى يخاطب "اوديسيوس" زوجته المحبوبه "بنلوب"بلقب "يا امرأة"(23) واغسطس قيصر خاطب كليوباترا ملكة مصر بنفس اللقب "يا امرأة" مما يدل على ما كان لهذا اللقب من تكريم واحترام. كما نادى الملاك على مريم المجدليه بنفس اللقب "يا امرأة"(24) وكذلك الرب يسوع أيضاً ناداها قائلاً "يا امرأة لماذا تبكين"(25) ولم يكن فى هذا أي تحقير او توبيخ لها وإنما إجلال واحترام. فالأولى زوجه محبوبه والثانية ملكة والثالثة غير متزوجه.
وهذا اللقب استخدمه أيضاً الرب وهو على الصليب، فى وقت كان يتحمل فيه كل الألام البشريه على الصليب، وكان يعانى سكرات الموت واحتجاب وجه الأب عنه، وسط آلامه الرهيبه، ومعركته الأخيرة وهو يصارع الشيطان لم يغب عنه ما تعانيه امه من حزن شديد، فقد جاز فى نفسها سيف كنبؤة سمعان الشيخ(26) ولم ينس واجبه كأبن، فسلمها لتلميذه الحبيب قائلاً "يا امرأة هوذا ابنك"(27) وهذا يدل على الحب الذى لا حد له لأمه، نسى آلامه وفكر فى آلام والدته، فناداها "يا امرأة" ولم يقل "يا أمى" لكى لا يزيد قلبها جرحاً كما قال اسحق لأبيه وهو يقدمه للذبح "يا أبى"(28) أسلمها لتلميذه، "الحبيب ولعنايته كما اعتنى بها من قبل يوسف النجار. وفى هذا دليل على ان العذراء لم يكن لها أولاد من يوسف. قال القديس اوغسطينوس فى تعليقه على لقب "امرأة".
"فى الواقع حتى العذراء نفسها دعيت "امرأة" ليس لأنها فقدت بتوليتها ولكن لأن هذا التعبير هو المألوف فى لغة شعبها والرسول بولس نفسه يقول عن الرب "ولد من امرأة" وهذا لا يعنى تحطيم إيماننا الذى نعترف فيه انه "ولد من الروح القدس ومن مريم العذراء" لأنها كعذراء حبلت وكعذراء ولدت واستمرت عذراء، ولكن فى اللغة العبرانية تدعوا كل انثى امرأة، وها هو اوضح مثال لذلك، أول أنثى صنعها الله أخذ اياها من جنب الرجل هى أيضاً دعيت امرأة قبل ان ترقد مع رجل إذ ان ذلك حدث بعد خروجها من الفردوس لأن الكتاب يقول "وعملها الرب ...امرأة"(29).
-----
(1) تك 22: 2و23.
(2) أع 14: 5.
(3) لو 42: 1.
(4) متى 50: 1.
(5) لو 5: 2.
(6) متى 54: 1.
(7) متى 19: 1.
(8) تك 15: 3.
(9) غلا 4: 4.
(10) 1 كو 22: 15.
(11) لو 19: 2.
(12) يو 3: 2.
(13) يو 4: 2.
(14) خر 12: 20.
(15) متى 17: 5.
(16) عب 26: 7.
(17) لو 51: 2.
(18) يو 4: 2.
(19) أع 18: 15.
(20) يو 28: 12.
(21) يو 1: 17.
(22) يو 5: 2.
(23) أنظر هوميروس الأوديسا.
(24) يو 13: 20.
(25) يو 15: 20.
(26) لو 35: 2.
(27) يو 2619.
(28) تك 7: 22.
(29) العذراء فى أقوال الأباء 7.
الفصل السادس
يوسف البار
اختارت العنايه الإلهية والنعمة الغنية يوسف النجار لمهمة لا تقل كثيراً عن مهمة رسل المسيح، فقد كانت مهمته جليلة، فقد اختير لخطوبة العذراء ليعيشا معاً حياة العفة والبتولية، اختير ليرعى العذراء وهى حامل بالقدوس ابن الله، فرأى ما اشتهت الانبياء والرسل ان يروا وسمع ما اشتهوا ان يسمعوه ولم يسمعوا فطوبى لك يا يوسف لأن عينك ابصرت من لم تبصره عين من قبل واذنيك سمعت مل لم تسمعه اذن من قبل، ويديك لمست من لم تلمسه يداً من قبل.
ان اختيار يوسف لهذه المهمة جعله يتحدث مع الملائكة بل لنق ان الملائكة جاءت لتتحدث أليه هى، لتزيل عنه شكه فى حمل العذراء، ولتكلفة بعد ذلك بالهرب إلى مصر والعودة منها.
قام يوسف بدور هام فى تاريخ البشرية، فدوره فى تاريخ الفداء لا يقل عن دور أحد الرسل الذين بشرونا بالسيد المسيح، اختارته العناية الإلهية لهذا الدور لأنها رأت فيه "إناء مختار" ليحمل هذه المهمة. العناية التى اختارت شاول الطرسوسى وجعلته بولس الرسول ورأت فيه اناء مختاراً "هذا لى أناء مختار ليحمل اسمى أمام أمم وملوك بنى إسرائيل لأنى سأريه كم ينبغى ان يتألم من اجل أسمى"(1). اختارت أيضاً يوسف النجار ليقوم بهذه المهمة الجليلة ويهرب بالطفل إلى مصر ويظل مطارداً بالطفل وأمه ما يقرب من اربع سنوات.
والكتاب يصفه انه "بار". كان يوسف رجلاً باراً لذلك(2) استحق ان يكون اباً للمسيح بالتبنى او اباه الاعتبارى، ان يوسف لم يتبنى الطفل الإلهى وانما العناية الإلهية هى التى شاءت ذلك. وظهر أمام بنى إسرائيل انه آبو السيد المسيح "وكان أبواه (يقصد يوسف النجار والعذراء) "يذهبان" إلى اورشليم.. " وقالت له أمه هوذا أبوك وانا كنا نطلبانك"(3) "وهو على ما كان يظن ابن يوسف"(4) أليس هذا ابن النجار"(5) "يسوع ابن يوسف"(6).
"أليس هذا هو يسوع ابن يوسف"(7).
ومن علامة بر يوسف الذى جعلت الكتاب يقول عنه "فيوسف رجلها إذا كان باراً"(8). إنه لما رأى العذراء حبلى ولم يكن قد عرف بقصة الحمل الإلهى وساوره الشك لم يشأ ان يفضحها ويعرضها لعقوبة الرجم، علماً بأنه كان على اليهودى الغيور أن يطبق نصوص الشريعة(9) ولكن يوسف نتيجة لبره تصرف تصرف متسامح أعلى من مجرد ان يطبق حرفية الشريعة، لقد طبق ما لم يقدر عليه مجرد يهودى غيور على دينه.
ومما يدل على قوة إيمان هذا الرجل الذى وصفه الكتاب ب "البار" انه صدق كلام الملاك حالاً، بلا شك، وبدون سؤال لقد صار فى هذا أعظم من سارة التى ضحكت لما اعلن العلى لزوجها بميلاد اسحق(10) وأعظم من زكريا الكاهن الذى شك فى كلام الملاك له عن الحبل بميلاد يوحن المعمدان(11).
كان يوسف النجار رجلاً باراً حافظ على العذراء وصدق كلام الملاك، ونفذ الأوامر الإلهيه بلا شك ولا جدال، بل بإيمان عميق فكان للعذراء رفيقاً فترة الحمل بالطفل الإلهى وفترة الميلاد والطفولة فتكلم مع ملائكة وسعد بقصة الرعاة الذين بشرتهم الملائكة بميلاد مخلص العالم، وشاهد المجوس الذين أتوا للسجود للطفل الإلهى وتقديم هداياهم له وكان رفيقاً للعذراء والطفل الإلهى فى رحلة الهروب إلى مصر، أنه كان قائد رحلة الهروب والعودة لأنه هو الذى كان يتلقى التعليمات من الملاك كما كان ربيباً للطفل فى الناصره.
هذا هو يوسف البار الذى اختارته العناية الإلهيه لهذه المهمة المقدسة، فهل يعقل أن هذا الرجل البار الذى عاصر هذه الأحداث والإعلانات الإلهية ان يفكر فى معاشرة العذراء معاشرة ازواج بعد كل هذا الذى عاشه وشاهده وسمعه؟؟؟؟!!!
-----
الفصل السابع
تجسد من الروح القدس ومن مريم العذراء
قال الملاك للعذراء "ها أنت ستحبلين وتلدين ابناً وتسميه يسوع هذا يكون عظيماً وابن العلى يدعى ويعطيه الرب الإله كرسى داود أبيه ويملك على بيت يعقوب إلى الأبد ولا يكون لملكه نهاية.. الروح القدس يحل عليك وقوة العلى تظللك فلذلك أيضاً القدوس المولود منك يدعى ابن الله.(1) وجاء فى إنجيل متى "وجدت حبلى من الروح القدس.. لأن الذى حبل به فيها هو من الروح القدس.. هوذا العذراء تحبل وتلد ابناً ويدعون اسمه عمانوئيل الذى تفسيره الله معنا"(2).
ومن هذه الآيات يتضح الآتى:
1 ان المولود هو "ابن العلى"، "المالك إلى الأبد"، "الذى ليس لملكة نهاية".
2 انه القدوس "ابن الله".
3 ان الحمل والميلاد تما بقوة الروح القدس وبدون زرع بشر.
4 ان قوة الله العلى ظللت العذراء والروح القدس نفسه حل عليها.
5 ان المولود هو من العذراء نفسها "المولود منك" بمعنى إنه نما كأي جنين فى بطن أمه، وتغذى على طعامها، اخذ ناسوته بالكامل منها.
معنى هذا ان هذا المولود او الجنين الذى كان فى بطن العذراء هو القدوس، ابن الله العلى، الملك السرمدى، اى إنه الإله الحق(3) "الذى فيه يحل كل ملء اللاهوت جسدياً"(4) وانه أتخذ ناسوته من العذراء، كما ان اللاهوت والناسوت اتحدا فى أحشائها حتى دعاها آباء الكنيسة بالمعمل الذى تم فيه اتحاد اللاهوت بالناسوت.
U قال القديس أثناسيوس الرسولى "لذلك وهو نازل إلينا صاغ لنفسه جسداً من عذراء لكى يقدم للجميع برهاناً قوياً على لاهوته بأعتبار ان من صاغ هذا الجسد هو أيضاً مكون سائر الأشياء، لأنه من ذا الذى يرى جسداً يخرج من عذراء وحدها ولا يدرك ان من ظهر فى الجسد لابد ان يكون هو صانع ورب باقى الأجساد أيضاً"(5).
U قال الأب بروكلس، بطريرك القسطنطينية (429م) (القديسة مريم هى معمل اتحاد الطبائع..هى الحجال الذى فيه خطب "الكلمة"، "الجسد"(6).
U وقال القديس كيرلس الكبير "السلام لمريم الثيئوتوكس (والدة الإله) الكنز الثمين الذى وجه العالم، المصباح غبر المنطفىء قط، تاج البتولية قضيب الأرثوذوكسية، الهيكل غير المفهوم، الموضع الذى احتوى غير المحوى الأم الباقة عذراء".
U وجاء فى قداس القديس باسيليوس عند الروم "صارت بطنك له عرشاً وجسدك احتواه باتساعه الذى يفوق السماء".
U وجاء فى ثيئوتوكية الأحد "وانت أيضاً يا مريم حملت فى بطنك غير المنظور كلمة الأب" لذا دعيت العذراء بوالدة الإله، المجمرة الذهب، السماء الثانية الجسدانية،.. الخ كما لقبت بخيمة الأجتماع، قدس أقداس خيمة الاجتماع، لانه كما حل الرب على الخيمة "وان السحابة حلت عليها وبهاء الرب ملأ المسكن"(7). هكذا أيضاً حل الرب فى بطن العذراء تسعة اشهر.
U جاء فى ثيئوتوكية الأحد "المباركة فى النساء القبة الثانية التى تدعى قدس الأقداس، وفيها لوحا العهد".
فكلمة "يظللك" التى استخدمها الملاك فى قوله "الروح القدس يحل عليك وقوة العلى تظللك"(8)، فى اليونانية "epeskiazen" إبيسكيازين هى نفس الكلمة التى استخدمها الوحى فى "سكن" الرب فى خيمة الاجتماع، فى الترجمة السبعينية، وهى ترادف "شكن" اى يسكن فى العبرية، اى ان قوة الله التى ظللت العذراء هى نفس القوة التى سكنت فى خيمة الاجتماع، لذا قالت ثيئوتوكية الأحد:
"من يقدر أن ينطق بكرامة القبة التى صنعها موسى على جبل سيناء؟ شبهوك بها يا مريم، القبة الحقيقية التى دخلها الله".
كما لقبت بتابوت العهد، وقسط المن لان المسيح هو المن العقلى والمنارة الذهبية لأنها حملت نور العالم، وعصا هارون التى أفرخت لأنها حملت المخلص بدون زرع بشر. كما لقبت أيضاً بالسلم الذى رآه يعقوب فى حلمه موصلاً بين السماء والأرض والرب وأقف عليه وملائكه الله يصعدون وينزلون عليه(9). لأنها حملت الوسيط بين الله والناس.
U جاء فى ثيئوتوكيه الخميس "أنت هى السلم الذى رآه يعقوب، ثابت على الأرض، ومرتفع إلى السماء.
وهذه الألقاب وغيرها تبين أولاً: ما نالته العذراء من كرامة وتطويب، كما قالت هى نفسها "هوذا منذ الآن جميع الأجيال تطوبنى"(10).
وثانياً: أن الأحشاء التى تجسد منها كلمه الله الأزلى، الله معنا، الله الذى ظهر فى الجسد، الآله الحقيقى، القدوس ابن العلى، الذى شابهنا فى كل شئ ما خلا الخطية وحدها، لا يمكن أن تحمل أولاد آخرين حاملين خطيئة آدم، ولا يمكن أن تتدنس بالشهوات الجسديه، لا يمكن أن تبدأ بالروح وتكمل بالجسد، لا يمكن أن مسكن الله يصبح مسكناً لإنسان، لما ظهر لموسى فى العليقة لمدة دقائق قليلة تقدست العليقة التى ظهر من خلالها الرب، بل وتقدست الأرض التى كانت فيها العليقة حتى أن الله لما رأى موسى متقدم إلى العليقة "فقال لا تقرب إلى هنا، أخلع حذاءك من رجليك لأن الموضع الذى أنت واقف عليه ارضاً مقدسة"(11)، "ولما رأى يعقوب فى حلمه السلم المنصوبة بين السماء والأرض خاف وقال ما أرهب هذا المكان. ما هذا إلا بيت الله وهذا باب السماء"(12).
ولما حل بهاء الرب والسحابة على خيمة الإجتماع "لم يقدر موسى أن يدخل خيمة الإجتماع، لأن السحابة حلت عليها وبهاء الرب ملأ المسكن(13)، فكم وكم تكون العذراء التى حملت القدوس فى أحشائها تسعة أشهر حتى أنها صارت سماء ثانية جسدانية؟؟!!
U جاء فى ثيئوتوكية الأحد "وأنت أيضاً يا مريم الوف الوف وربوات ربوات يظللون عليك، مسبحين خالقهم، وهو فى بطنك هذا الذى أخذ شبهنا". موسى لم يستطع أن يتقدم إلى العليقة إلا بعد خلع حذاءه وتقدم بخشوع إلى العليقة.
U قال القديس يوحنا الدمشقى: "العليقة المشتعلة بالنار كانت رمزاً ورسماً للعذراء مريم أم الله، وحينما أراد موسى الاقتراب منها نداه الله لكى يخلع نعليه لأن الأرض التى كان واقفاً عليها أرضاً مقدسة بحلول الله فكم وكم تكون مقدسة صورته مع أمه العذراء"؟
ويعقوب قال عن المكان الذى رأى فيه حلم السلم المنصوبة بين السماء والأرض أما أرهب هذا المكان" "واسماه بين الله".
U جاء فى ثيئوتوكية الثلاثاء "أنت هى السلم الذى رآه يعقوب، ثابت على الأرض، ومرتفع فى السماء".
وموسى أيضاً لم يستطع دخول خيمة الإجتماع لأن بهاء الرب كان حالاً فيها فكم وكم العذراء القديسة التى حملت القدوس تسعة أشهر؟؟!!
هل يعقل أن الأرض تتقدس بحلول الرب عليها والجماد يصبح قدس أقداس للرب، والعذراء التى قال لها الملاك "الروح القدس يحل عليك وقوة العلى تظللك. وتلد القدوس أن لا تتقدس أو أن تكون قداستها مؤقتة؟
U قال القديس ساويرس الأنطاكى حينما أريد أن أنظر إلى العذراء والده الإله وتجول فقط فى خاطرى الأفكار المتعلقة بها فمنذ أول بادره يبدو لى أن صوته من جهة الله يأتى صارخاً بقوة فى أذنى ينبئنى "لا تقرب إلى هنا أخلع حذاءك من رجليك لأن الموضع الذى أنت واقف عليه أرضاً مقدسة"(14).
فى الواقع يجب أن نتخلص من كل تصور جسدى منحل مثلما نخلع الحذاء من أرجلنا حينما نحاول أن نصعد بروحنا إلى التأمل فى أحد الأشياء الإلهية، فأى موضوع لاهوتى يمكن تأمله، أجل شأناً من والده الإله واية موضوعات تعلو عليه؟ أن الاقتراب منها هو الاقتراب من المكان المقدس أو هو بلوغ السماء، كانت فعلاً تنتمى إلى الأرض لأنها كانت تشترك مع الانسانية بطبيعتها وكانت بشراً مثلنا إلا أنها كانت نقية طاهرة من كل دنس وأثمرت فى أحشائها ذاتها كما من السماء الإله المتجسد، حملت وولدت بطريقة الهية تماماً ليس أنها أعطت المولود الطبيعة الالهية لأن هذه كانت له قبل كل بدء وقبل كل الدهور ولكنها أعطته الطبيعة البشرية بدون استحالة وذلك من ذاتها ومن الحلول السرى الذى لا ينطق به للروح القدس. وإذا كانت تريد أن تعرف كيف كان ذلك قالت تجد ابحاثك متوقفة بختم البتولية الذى لم ينقضه هذا الميلاد وما يكون مختوماً بغير محسوس تماماً هذا يبقى سراً ولا يمكن أن نتكلم عنه لذلك يصرخ شخص كيعقوب عجباً فيقول "ما أرهب هذا المكان ما هذا إلا بيت الله وهذا باب السماء(15).
-----
(1) لو 31: 1 – 34.
(2) متى 18: 1 – 23.
(3) 1 يو 20: 5.
(4) كو 16: 2.
(5) تجسد الكلمه.
(6) القديسه مريم فى المفهوم الأرثوذكسى.
(7) خر 35: 40.
(8) لو 35: 1.
(9) تك 10: 28 - 19
(10) لو 48: 1.
(11) خر 5: 3.
(12) تك 10: 28-19.
(13) خر 35: 40.
(14) خر 5: 3.
(15) ساويرس الأنطاكى – ترجمة مليكة حبيب، مقال 67.
الفصل الثامن
هل أنجبت العذراء غير المسيح؟
هناك ثلاثة عبارات جاءت فى العهد الجديد، الإنجيل، دارت حولها بعض الحوارات والاستفسارات وهى:
1 اخوة الرب "اخوته.. اخوتك.. اخو الرب".
2 لما كانت مريم أمه مخطوبة قبل ان يجتمعا وجدت حبلى من الروح القدس".
3 "ولم يعرفها حتى ولدت ابنها البكر".
هذه العبارات الثلاثة جعلت البعض يظن ان العذراء قد تزوجت يوسف فعلاً، بعد ميلاد السيد المسيح، وأنجبت منه بنين وبنات!!؟
أولاً: اخوة الرب:
من هم اخوة الرب؟
U جاء فى الإنجيل للقديس متى 46: 12 50 "وفيما هو يكلم الجموع إذا أمه واخوته قد وقفوا خارجاً طالبين ان يكلموه. فقال له واحد هوذا أمك واخوتك واقفون خارجاً طالبين ان يكلموك. فأجاب وقال للقائل له. من هى امى ومن هم أخوتى؟ ثم مد يده نحو تلاميذه وقال ها امى واخوتى. لأن من يصنع مشيئة ابى الذى فى السموات هو أخى وأختى وأمى"(1).
U وفى الناصره، موطنه، قالوا عنه "أليس هذ1 ابن النجار. أليست أمهُ تدعى مريم وأخوته يعقوب ويوسى وسمعان ويهوذا. أو ليست إخواته جميعهن عندنا...."(2).
U وجاء فى الإنجيل للقديس يوحنا 12: 2 "وبعد هذا إنحدر إلى كفر ناحوم هو وأمهُ وأيضاً "فقال له إخوته إنتقل من هنا (الجليل) وأذهب إلى اليهوديه لكى يرى تلاميذك أيضاً أعمالك التى تعمل.. لأن إخوته لم يكونوا يؤمنون به". والآيه الأخيره ترتبد بما جاء فى الإنجيل للقديس مرقس 21: 3 "ولما سمع أقرباؤه خرجوا ليمسكوه".
U وجاء فى أعمال 13: 1،14 "ولما دخلوا صعدوا إلى العليه التى كانوا يقيمون فيها بطرس ويعقوب ويوحنا واندراوس وفيلبس وتوما وبرثولماوس ومتى ويعقوب بن حلفى وسمعان الغيور ويهوذا (أخو) يعقوب. هؤلاء كلهم كانوا يواظبون بنفس واحده على الصلاه (والطلبه) مع النساء ومع مريم أم يسوع ومع أخوته".
U ويقول القديس بولس الرسول "ألعلنا ليس لنا سلطان أن نجول بأخت زوجه كباقى الرسل وأخوه الرب". ويصف يعقوب أسقف كنيسه أورشليم ب "يعقوب أخاً الرب"(5).
فمن هو أخوه الرب هؤلاء المذكورين فى الإنجيل وما هى حقيقه قرابتهم، درجة قرابتهم الجسديه للرب؟
هناك ثلاثه آراء فى هذا الموضوع:
1- الأول يقول أنهم أبناء طبيعين من زواج فعلى وثمره علاقة زواجيه بين يوسف النجار ومريم العذراء، وقد ولدتهم القديسه مريم بعد ميلادها للسيد المسيح، وكانوا يعيشون معها هى وبناتها فى بيتهم فى الناصره وقد رافقوها فى رحلاتهم. ويعتمد أصحاب هذا الرأى فى تأييد رأيهم هذا على قول الوحى الإلهى أن السيد المسيح دُعى "أبنها البكر"(6) وأيضاً قوله "ولم يعرفها حتى ولدت أبنها البكر"(7).
وأول من نادى بهذا الرأى هو ترتليان (145 – 220م) وشرحه بوضوح أكثر كاتب شبه مجهول من القرن الرابع يدعى هلفيديوس Helvidius.
وهذا الرأى ترفضه جميع الكنائس القديمه والرئيسيه، فيرفضه الأرثوذكس والكاثوليك وغالبيه البرتستانت وعلى رأسهم لوثر وبنجل وبقيه زعماء عصر الاصلاح، وذلك للأسباب التى سنبينها فى الصفحات التاليه.
2- والرأى الثانى يقول: أن هؤلاء الأخوه هم أولاد يوسف النجار من زيجه سابقه، أى أنهم أكبر سناً من السيد المسيح (بالجسد). وهذا الرأى متأثر بدرجة قوية بالكتابات الأبوكريفيه التى كانت منتشره فى القرنين الثانى والثالث، مثل إنجيل يعقوب الأولى، وأنتقل هذا الرأى إلى بعض الكتابات القبطيه وأخذ به السريان والكنيسه اليونانيه، وكان يؤيده أوريجانوس ويوسابيوس والقديسين أغريغوريوس النيسى وأمبروسيوس وأبيفانيوس أسقف سلاميس والذى يعد من أكبر المؤيدين لهذا الرأى.
ولكن هذا الرأى لا توجد شواهد أو أدله كتابيه عليه فى الإنجيل. وعند رحله الهروب إلى مصر لم يذكر الكتاب أى شيئ عن أولاد ليوسف وكذلك عند ذهاب يوسف ومريم إلى الهيكل ومعهما السيد المسيح وهو فى سن الثانيه عشر "وقالت له أمه يا أبنى لماذا فعلت بنا هكذا. هوذا أبوك وأنا كنا نطلبك معذبين"(8).
3- والرأى الثالث، مبنى على ما جاء فى الإنجيل، وهو الذى نأخذ به ونؤمن به، وتوضحه الآيات التاليه:
أ- يقول الوحى الإلهى أن أخوه المسيح هم "يعقوب ويوسى وسمعان ويهوذا"، "أليس هذا ابن النجار اليست أمه تدعى مريم وأخوته يعقوب ويوسى وسمعان ويهوذا"(9).
ب- كما يقول أيضاً أن هؤلاء الأخوه الأربعه لهم أم أخرى غير العذراء مريم واسمها مريم أيضاً، "وكانت هناك نساء كثيرات ينظرن من بعيد وهن كن قد تبعن يسوع من الجليل يخدمنه. وبينهن مريم المجدليه ومريم أم يعقوب ويوسى وأم أبنى زبدى"(10). وأم "بانى زبدى"، أى يعقوب ويوحنا، هى سالومه كما يذكر القديس مرقس "مريم المجدليه ومريم أم يعقوب الصغير وسالومه"(11).
U "وكانت مريم المجدليه ومريم أم يوسى تنظرن اين وُضع"(12).
U "وبعدما مضى السبت أشترت مريم المجدليه ومريم أم يعقوب وسالومه حنوطاً ليأتين ويدهنه"(13).
U وكانت مريم المجدليه ويونا ومريم أم يعقوب والباقيات.."(14).
ج – ويذكر الوحى فى الإنجيل أيضاً للعذراء مريم أخت أسمها مريم أيضاً. "وكانت واقفات عند صليب يسوع أمه وأخت أمه مريم زوجه كلوبا"(15).
د- وهناك أحد التلاميذ ويعدى "يعقوب بن حلفى"(16).
ويرى غالبيه المفسرين إن "كلوبا – Clopas" اليونانى يتطابق مع حلفى (Alphaeus) العبرى، وأن مريم زوجه كلوبا هى أخت مريم العذراء، وهى نفسها مريم أم يعقوب ابن حلفى. ويعترض البعض قائلين أن اخه الرب يذكروا دائماً مميزين عن تلاميذه "هو وأمه واخوته وتلاميذه" وكان الرسل يجتمعون للصلاه بعد الصعود "مع رميم أم يسوع ومع أخوته"، ويميز القديس بولس بينهم وبين بقيه الرسل وأخوه الرب".
ولكن هذا لا يغير فى الأمر شئ؟ أولاً: لأن الأربعه المدعوين أنهم أخوه الرب هو "يعقوب ويوسى وسمعان ويهوذا" هم أنفسهم منسوبين لأم أخرى هى "مريم أم يعقوب ويوسى"، "مريم أم يعقوب الصغير"، "مريم أم يعقوب"، "مريم أم يوسى". ثانياً: يؤكد الكتاب على وجود أخت للعذراء تدعى مريم أيضاً "وأخت أمه (المسيح) مريم زوجه كلوبا". وسواء كان كلوبا هو حلفى أو غيره فإن المذكورين أنهم أخوه المسيح مذكورين أيضاً أنهم أبناء مريم أخت أمه، أى أبناء خالته. وهكذا يدعوا بأخوه الرب لأنهم أبناء خالته (بالجسد) أخت أمه، وهكذا دعى يعقوب أسقف أورشليم وأحد الثلاثه المعتبرين أنهم أعمده ب "يعقوب أخا الرب"، لأنه أبن خالته "مريم أم يعقوب".
وقد كانت عاده اليهود وما تزال عادات الشرق من القديم وحتى الآن تدعو الأقارب كأبناء الأخوه والعم والعمه وأبناء الخال والخاله، بل والخال، إخوه. فدعا الكتاب ابراهيم ولوط "أخوان"(17) مع أن لوط ابن هاران شقيق ابراهيم، ودعا يعقوب ولابان "اخوان"(18) على الرغم من أن يعقوب أبن أخت لابان. وهكذا دعى أولاد مريم أخت أم المسيح، خالته، بأخوه الرب.
ويقول بعض أباء الكنيسه كابيفانيوس أسقف سلاميس (315 – 403) "أن كلوبا هو أخ شقيق ليوسف خطيب العذراء مريم"(19). ويقول المؤرخ الكنسى يوسابيوس القيصرى (264-340م) "أن سمعان بن كلوبا، كان أخاً ليوسف"(20)، أى يوسف النجار. ويقول عنه أيضاً سمعان بن كلوبا الذى كان ثانى اسقف على كنيسه أورشليم"(21)، وأيضاً "سمعان كان أحد الذين رأوا الرب وسمعوه بسبب تقدمه فى السن، ولأن الإنجيل تحدث عن مريم زوجه كلوبا الذى كان أباً لسمعان كما سبق أن بينا"(22).
وينقل عن هيجسبوس Hegesippus من أباء القرن الثانى قوله: "وبعد أن أستشهد يعقوب البار كما قتل الرب من قبل|، أقيم سمعان بن كلوبا عم الرب ثانى أسقف. وقد رشحه الجميع لكى يقام ثانى أسقف لأنه كان أبن عم الرب"(23).
وجاء فى السنكسار أيضاً تحت اليوم التاسع من شهر أبيب أن سمعان الرسول هو ابن كلوبا وأن كلوبا هو أخ شقيق ليوسف البار خطيب مريم العذراء.
وهناك حقيقه هامه يجب أن لا تغيب عن بالنا أبداً وهى أن الكنيسه أمنت منذ البدء أن العذراء مريم حبلت وهى عذراء وولدت وهى عذراء وظلت عذراء إلى الأبد. وكان هذا الإيمان بمنى على الواقع الحسى المعاش وأكده لنا تلاميذ الرسل وخلفائهم.
U يقول أغناطيوس الأنطاكى تلميذ القديس بطرس الرسول وأول أسقف لكنيسه أنطاكيه "أن بتوليه مريم وولادتها وكذا موت الرب كان مخفياً عن الشيطان"(24).
U ويقول ارستيدس الأثينى "أنه (المسيح) وُلد من عذراء قديسه"(25) وذلك فى دفاعه المكتوب سنه 140م.
U ويصفها يوستينوس الشهيد دائماً ب "العذراء" كلقب لها قبل واثناء وبعد الحمل والولاده(26).
U وقال اريناؤس الذى كان تلميذاً لبوليكاربوس والذى كان بدوره تلميذاً للقديس يوحنا الإنجيلى "الكلمه ذاته وُلد من مريم التى كانت ما تزال عذراء"(27)، أى أنها حبلت وهى عذراء وولدت وظلت عذراء أيضاً.
U ويقول أفرايم السريانى (306-373م) "هذه العذراء أصبحت أماً واحتفظت ببتوليتها"(28) وأيضاً "الأم التى ولدت فى عذراويتها"(29)، أى ظلت عذراء.
U ويصفها القديس أثناسيوس الرسولى ب "العذراء إلى الأبد"(30).
U ويصف القديس أغريغوريوس النيسى هذه البتوليه بأنها "أقوى من الموت"(31).
U ويقول ديديموس الضرير "يقول الإنجيلى إن مريم ظلت عذراء حتى ولدت أبنها البكر" لأن مريم، التى طوبت وكرمت فوق الكل، لم تتزوج مطلقاً ولم تصبح أم لآخر (غير المسيح) وبرغم ولادتها فقد ظلت دائماً وإلى الأبد عذراء نقية"(32).
U ويصفها أبيفانيوس ب "القديسة العذراء دائماً"(33)، بل ويقول مؤكداً وبصوره جازمه "هل جرؤ أحد مهما كان تهذيبه أن ينطق أسم القديسه مريم... ولم يخف حالاً "العذراء"؟(34).
U ويقول القديس جيروم "نؤمن أن العذراء لم تتزوج بعد أن ولدت أبنها البكر، لأننا لا نقرأ ذلك (فى الإنجيل)... وأنا أؤمن أن يوسف ذاته بتولاً، بسبب مريم"(35).
جاء فى متى 18: 1 أما ولاده يسوع المسيح فكانت هكذا لما كانت مريم أمه مخطوبه ليوسف قبل أن يجتمعا وجدت حبلى من الروح القدس. ويتعلل منكرو بتولية العذراء بعبارة "قبل أن يجتمعا" ويقولون أن هذا القول دليل ضمنى على اجتماعهما بعد الولاده.
ولكن استخدام لفظ "قبل" لا يعنى دائماً أن ما بعدها تغير عن ما قبلها، فلو قلنا مثلاً أن أحد القديسين أنتقل إلى الأمجاد السماوية قبل أن يؤلف كتاباً، فهل يعنى هذا أنه الف الكتاب بعد رحيله عن هذا العالم؟ ولو قلنا مثلاً أن رجلاً ما مات قبل أن يكمل طعامه فهل يعنى ذلك أنه أكمل طعامه بعد الموت؟؟!! كلا.. وإنما المقصود هو أن الحمل بالمسيح تم بدون زرع بشر، بدون أن يجتمع يوسف مع العذراء مريم، إنما هذا الحمل تم بقوة الروح القدس، ولا يمكن أن يكون قصده أنهما اجتمعا بعد الميلاد أو أن كلامه يعنى ضمناً أنهما اجتمعا. فقد اثبتنا فى الفصول السابقه بتولية العذراء بما لا يدع مجالاً للشك كما بينا أيضاً استحالة أن يفكر يوسف أو مريم العذراء فى الإجتماع وأنجاب أولا لأن ما طهره الله لا يدنسه إنسان.
U قال القديس جيروم "لو أن انساناً قال: قبل الغداء فى الميناء أبحرت إلى افريقيا، فهل كلماته هذه لا تكون صحيحه إلا إذا أرغم على الغداء بعد رحيله؟ وأن قلت أن بولس الرسول قيد فى روما قبل أن يذهب إلى أسبانيا أو قلت "أدرك الموت هلفيديوس قبل أن يتوب، فهو يلزم أن يحل بولس من الأسر ويمضى إلى أسبانيا، أو هل ينبغى هلفيديوس أن يتوب بعد موته؟؟ فعندما يقول الإنجيلى "قبل أن يجتمعا" يشير إلى الوقت الذى سبق الزواج مظهراً أن الأمور قد تحققت بسرعة حيث كانت هذه الخطية على وسك أن تصير زوجة. وقبل حدوث ذلك وجدت حبلى من الروح القدس لكن لا يتبع هذا أن يجتمع بمريم بعد الولادة"(37).
ثالثاً: ولم يعرفها حتى ولدت ابنها البكر:
يتعلل منكرو بتولية العذراء بما جاء فى مت 24: 1،25 "وأخذ (يوسف) أمرأته ولم يعرفها حتى ولدت ابنها البكر" ويدون أن هذه الآية تشير ضمناً إلى أن العذراء أنجبت أولاد من يوسف بعد ميلاد الرب يسوع المسيح. وهم يركزون على كلمتى "حتى" و "البكر".
ويقولون أن كلمة "حتى Till – ews" تعنى أنه عرفها بعد ولاده ابنها البكر، أى أنه لم يعرفها حتى ولدت ابنها البكر ثم عرفها بعد ذلك، ولكن استخدام كلمة "حتى" فى الكتاب المقدس لا تعنى أن ما بعدها تغير عن ما قبلها، ولا تعنى فى هذه الآيه أنهما عاشا بطريقة مختلفة عما كاننا عليه من قبل فقد جاء فى:
تك 7: 8 "وخرج الغراب متردداً حتى نشفت الماء".
2 صم 23: 6 "ولم يكن لميكال بنت شاول ولد إلى (حتى) يوم موتها".
خر1: 11 "قال الرب لربى اجلس عن يمينى حتى اضع اعلاءك موطناً لقدميك".
متى 10: 28 "وها أنا معكم كل الأيام إلى (حتى) انقضاء الدهر".
1كو 25: 15 "لانه يجب أن يملك حتى يضع جميع الأعداء تحت قدميه".
مز 2: 123 "عيوننا نحو الرب حتى يترأف علينا".
وفى هذه الحالات جميعاً لا يمكن أن تكون كلمة "حتى" تعنى أن ما بعدها تغير عن ما قبلها. فليس من المعقول أن يكون الغراب قد عاد إلى الفلك وهو فى الحقيقة لم يعد، وأن يكون لميكال أولاد بعد موتها، وأن لا يجلس الرب عن يمين العظمة بعد أن يضع أعداءه تحت قدميه، وأن لا يكون معنا بعد أنقضاء الدهر، وأن نرفع عيوننا عن الله بعد أن يترأف علينا والعكس صحيح فى كل هذه الحالات، ولم يتغير ما بعد "حتى" عما قبلها.
قال ذهبى الفم "استخدم هنا كلمة "حتى" لكى لا تشك وتظن أنه عرفها بعد ذلك أنما ليخبرك أن العذراء كانت هكذا قبل الميلاد ولم يمسها رجل قط ربما يقال لماذا استخدم كلمة "حتى" لأن الكتاب أعتاد أن يستعمل هذا التعبير دون الإشاره إلى أزمنة محددة. فبالنسبة للفلك قيل أن الغراب لم يرجع حتى جفت الأرض مع أنه لم يرجع قط.."(38).
أما كلمة "البكر"(39) فلا تعنى أن السيد المسيح كان هو الابن البكر ثم ولدت له أخوه أصغر منه، "فالبكر" كما جاءت فى خروج 2: 13 المولود الأول كل ذكر فاتح رحم سواء جاء أولاد بعده، أم لا، المهم أنه كل بكر كل فاتح رحم من الناس والبهائم، أن كلمة بكر بالنسبة لليهودى تعنى تكريس المولود الأول(40). ولا تعنى إطلاقاً سواء كان هناك مواليد بعده، أم لا، سواء أصبح وحيداً بعد ذلك أم جاء بعده أخوة أخرين، المهم أنه المولود الأول لأمه.
U قال القديس جيروم رداً على هلفيديوس منكر بتولية العذراء "كل ابن وحيد هو بكر، ولكن ليس كل بكر هو ابن وحيد. فإن تعبير "بكر" لا يشير إلى شخص له أخوة أصغر منه، وإنما يشير إلى من يسبقه أخ أكبر منه، يقول الرب لهرون: "كل فاتح رحم من كل جسد يقدمونه للرب من الناس والبهائم يكون لك. ولكن بكر الإنسان ينبغى لك أن تقبل فداءه. وبكر البهائم النجسة تقبل فداءه"(41). قول الرب هذا يعرف البكر على كل فاتح رحم لو كان يلزم له أخوه أصاغر لسكان ينبغى أن لا يقدم البكر من الحيوانات الطاهرة للكهنة إلا بعد ولادة اصاغر بعده، وما كنت تدفع فديه الإنسان والحيوان النجس إلا بعد التأكد من أنجاب أصاغر بعده"(42).
وكلمة البكر فى اللغة اليونانية (Protwtokos بروتوكس) وفى القبطية (شورب نميس) بمعنى المولود الأول سواء كان هناك مواليد بعده أم لا. وفى الانجليزيه First Born بنفس المعنى قد نصت الوصية على أن يكرس البكر فى اليوم الثامن(43). لأنه البكر فلو كان البكر له أخوة آخرين، لما كان يكرس فى اليوم الثامن، بل لكانوا ينتطرو حتى يولد مواليد آخرون بعد ثم يختن أو لا يختن.
ومن الواضح بعد ذلك أن الوحى فى قوله ولم يعرفها حتى ولدت أبنها البكر، يعنى أن المسيح ولد من عذراء بقوة الروح القدس وليس من زرع بشر وهناك نقطة هامة فى البحث، فى قوله "لم يعرفها" فالزمن المستخدم هنا حسب اللغة اليونانية يفيد الاستمرار ويوضح استمرار يوسف فى الطاعة وضبط النفس. فالفعل اليونانى المستخدم فى الآيه أصله جينسكو genwsko بمعنى "يعرف، يعلم، يفهم"، والفعل المستخدم هنا هو eginwsken فالزياده "e" والنهاية "en" تبين أن زمن الفعل هو الماضى (المستمر) والذى يعنى أن الفعل استمر مدة طويلة، ومدة متصلة، مما يفيد أن استخدام الكتاب ل "ولم يعرفها" لا يؤثر عليه استخدام كلمة "حتى" لأن الزمن المستخدم يؤكد استمرار عدم معرفة يوسف للعذراء بعد الميلاد.
-----
(1) أنظر أيضاً لو 19: 8- 21.
(2) متى 55: 13،56. أنظر أيضاً مر 2: 6،3.
(5) غل 19: 1.
(6) لو 7: 2.
(7) متى 25: 1.
(8) لو 48: 2.
(9) متى 55: 13
(10) متى 55: 27،56.
(11) مر 40: 15.
(12) مر 40: 15.
(13) مر 1: 16.
(14) لو 10: 24.
(15) يو 25: 19.
(16) متى 3: 10.
(17) تك 8: 13.
(18) تك 7: 11.
(19) تك 15: 29.
(20) ك 11: 3 ف 2.
(21) ك 32: 3 ف1.
(22) ك 32: 3 ف 4.
(23) ك 22: 4 ف4.
(24) – Eph. 18, 12
(25) Apol. 15.
(26) See F. Apol. 33 & Dial.100.
(27) Ire, Ag. Her. 321, 10.
(28) Songs of Praiss 1: 20.
(29) Ibid 1: 2.
(30) Ag. Arians 2: 10.
(31) Virginity 14.
(32) The Trinity 3.4
(33) The Faith of Early F. Vol. 2p.70.
(34) Ag. All Her. 78: 6.
(35) Comm. On Galat. 19.
(36) تقول الترجمه الدوليه الجديده (Niv) المعتمده على أقدم وأدق المخطوطات “Belore they came together" أى "قبل أن يعيشا معاً" وتقول الترجمه العربيه الجديده "قبل أن تسكن معه"، وتقول الترجمه اليسوعيه "قبل أن يتساكنا معاً".
(37) الإنجيل بحسب متى 46.
(38) In Maff. Hom. 5: 5.
(39) تجمع الترجمات الحديثه مثل الترجمه العربيه الجديده والترجمة اليسوعيه والترجمه الدوليه الجديده (NIV) المبنيه والمعتمده على أقدم وأدق المخطوطات على ترجمه هذه العباره هكذا "حتى ولدت أبنها" أو "الابن" دون ذكر كلمه "بكر" التى لم توجد فى أقدم المخطوطات.
(40) لو 32: 2.
(41) عدد 15: 18.
(42). الإنجيل بحسب متى القمص تادرس يعقوب ص 49.
(43) لا 10: 12، 29: 22،30.