الأنبياء والنبوة والتنبؤ
هل كان المسيح نبياً؟
القمص عبد المسيح بسيط أبو الخير
كاهن كنيسة السيدة العذراء الأثرية بمسطرد
مقدمة
الأنبياء والنبوة والتنبؤ؛ من هم الأنبياء، وما هى النبوّة، وما هو التنبؤ، وما هى الصلة بين المسيح والأنبياء، وما هي صلة الأنبياء بالمسيح، وهل كان المسيح نبياً، وهل المقصود في نبؤة موسى النبى "نبياً مثلى". هذه الموضوعات بتفضيلاتها الكتابية واللغوية والإحصائية هي موضوع دراستنا في هذا الجزء الثانى من سلسلة "دراسات في لاهوت الكتاب المقدس"، والتى تعتمد بالدرجة الأولى على الدراسة اللغوية والكتابية والإحصائية الدقيقة لكلمات وآيات وعبارات الكتاب المقدس من سفر التكوين إلى سفر الرؤيا، مع الاعتماد على القواميس الكتابية واللغوية، خاصة العبرية واليونانية، ودوائر المعارف الكتابية واللغوية المختلفة والفهارس التي تقدم إحصائيات كاملة للمفردات والآيات الكتابية، سواء التي تعتمد على الأصل اللغوى للكلمات الكتابية أو التي تعتمد على الترجمات سواء الإنجليزية أو العربية، وذلك إلى جانب الإحصائيات العددية للكلمات والعبارات والآيات الكتابية التي استخدم فيها الكمبيوتر.
وتقدم هذه الدراسة الكتابية اللاهوتية اللغوية الأنبياء بكل أنواعهم وكيفية اختيار الله لهم ودعوتهم ودورهم وعملهم ورسالتهم، كيف كان الله يدعوهم، وكيف كانوا يتسلمون الرسالة الإلهية وكيف كانوا يقومون بتوصيلها، طرق استلام الرسالة وطرق توصيلها، والأساليب التى كانوا يتبعونها وما كانوا يواجهونه ويلاقونه أثناء تأدية رسالتهم. وما هى الأقوال الإلهية والأحاديث النبوية في الكتاب المقدس وما الفرق بينهما. كما تقدم ملخص لمعظم الأنبياء وأهم أعمالهم وجوهر رسالتهم وأسفارهم، وبالتالى ملخصاً لفكر الكتاب المقدس، خاصة العهد القديم. بل وتقدم صورة واضحة للكتاب المقدس ككل وتساعد القارئ والدارس على فهم أسفار الكتاب المقدس ومعرفة فكر الله من خلال الأنبياء، إذ تعتبر كمدخل لفكر الكتاب المقدس ومقدمة لمعرفة جوهره.
وتقدم هذه الدراسة أيضا دراسة كتابية لغوية وافية للأنبياء والنبوة والتنبؤ في العهد الجديد، وتعطى صورة واضحة لأنبياء العهد القديم في العهد الجديد وموقف العهد الجديد منهم باعتبار أن رسالتهم هى الجزء الأول من الكتاب المقدس، كتاب المسيحية. كما تقدم أيضا فكرة لأنبياء ما قبل المسيحية أو الذين وجدوا وقت ميلاد المسيح، ويوحنا المعمدان. ثم أنبياء المسيحية نفسها وتجيب على هذه الأسئلة الهامة. هل كان المسيح نبياً؟ وهل أعطى لنفسه لقب نبى؟ ولماذا؟ وهل كان هو النبى المقصود فى نبؤة موسى النبى "يقيم لك الرُّب إلهك من وسطك من أخوتك مثلى ... أقيم لهم نبياً من وسط أخوتهم مثلك" (تث 15: 18،18)، وهل قام المسيح بما قام به الأنبياء من أعمال رمزية وغيرها؟ وهل تكلم مثلهم؟ كيف تكلم وكيف تعامل مع الناس؟ وما الفرق بينه وبين الأنبياء؟.
ونرجو أن تأتى هذه الدراسة بالثمار المرجوة وأن تكون سبب بركة للجميع بنعمة السيد المسيح وبركة وصلوات الأباء والقديسين والعذراء القديسة مريم. وبصلوات قداسة البابا المعظم البابا شنودة الثالث الأستاذ والعالم والمُعلم، ونيافة الحبر الجليل والأنبا مرقس أبى الروحى، أسقف شبرا الخيمة وتوابعها. مع تقديم الشكر الخالص والعميق لقداسة البابا ونيافة الأنبا مرقس على تشجيعهما لى ودفعى للدراسة والبحث وتقديم كل المساعدات الممكنة لذلك. الرب يبارك حياتهما سنين كثيرة وأزمنة مديدة.
القس عبد المسيح بسيط أبو الخير
عيد القيامة المجيد
19 برمودة 1713 ش
27 أبريل 1997 م
الفصل الأول
الأنبياء والنبوة والتنبؤ
1- أصل كلمة نبى:
كلمة نبى فى اللغة العبرية والعهد القديم هى "نبي – Nabi" كما هى فى اللغة العربية، وينقسم العلماء والمفسرون فى تفسيرها وشرح معناها كالآتى:
1 – كلمة نبى مشتقة من كلمتى "نون – Nun" و"بيت – Beth" بمعنى "ينبع" أو "ينفجر"، وصيغته السلبية "أنفجر فيه" أو "أندفق فيه". وهذا يعنى "أندفاق الروح فى النبى".
2- الكلمة مشتقة من الأشورية أو الأكادية من الفعل "نابو – Nabu" بمعنى "يدعو" أو "ينادي".
3- الكلمة مشتقة من الفعل العربى "نبأ – Naba"، مع ملاحظة أن الفعل العبرى "يتنبأ – Prophesy" وهو فى العبرية "نبأ" ويعنى فى اللغة العربية "أعلن" أو "أخبر" بينما يعنى فى العبرية "تنبأ".
4- هناك صلة بين كلمة "نبى" والفعل "بو" أى يدخل فى وبذلك يكون النبى هو من "يدخل فى علاقة مع الله".
5- هناك ارتباط بين كلمتى "نبأ" و"نعم" التى تعنى يهوه، فيكون النبى هو "المتكلم بوحى الله".
2- كلمة نبى فى أسفار العهد القديم:
تذكر كلمة نبى للمرة الأولى فى الكتاب المقدس فى سفر التكوين (7: 20)، ويلقب بها إبراهيم أبو الآباء، والذى أعطاه هذا اللقب ووصفه بصفة النبوة هو الله على ذاته، عندما قال عنه لأبيمالك ملك جرار "فأنه نبى فيصلى لأجلك فتحيا" وهنا يدل اللقب (نبى) الذى أطلقه الله على إبراهيم، على الصلة الوثيقة بين الله وبين إبراهيم، الدالة التى كانت لإبراهيم عند الله، وكيف أنه سيحىّ أبيمالك بسبب صلاته.
كما تدل المرة الثانية التى يُذكر فيها لقب "نبى" فى الكتاب المقدس، على أن "النبى" هو "الذى يتكلم الله على فمه" كقول الله لموسى النبى "فالآن أذهب وأنا أكون مع فمك وأعلمك ما تتكلم به"(خر 12: 4) ولما تحجج موسى بأنه ثقيل الفم واللسان قال له الله "أنظر أنا جعلتك إلهاً لفرعون وهرون أخوك يكون نبيك. أنت تتكلم بكل ما أمرك. وهرون أخوك يكلم فرعون"(خر 6: 7). ويقول عاموس النبى بالروح "أن السيد الرب لا يصنع أمراً إلا وهو يعلن سره لعبيده الأنبياء(1)".
النبى إذاً هو الذى يكشف له الله أسراره التى يريد أن يعلنها للبشرية. ويؤكد ارميا النبى بالروح أن الأنبياء يقفون في حضرة الله، أو فى مجلسه السماوى، ويسمعون كلامه ومشورته الإلهية التى يريد أن يعلنها للبشرية "لأنه من وقف فى مجلس الرب ورأى وسمع كلمته. من أصغى لكلمته وسمع(2)".
ويقول الرب عن الأنبياء الكذبة "ولو وقفوا فى مجلسى لأخبروا شعبى بكلامى..(3)".
النبى إذاً هو ذلك الشخص الذى اختارته العناية الإلهية ليكون له صلة مباشرة وعلاقة قريبة جداً مع الله، يستجيب الله لوساطته، شفاعته، ويتكلم على لسانه وبفمه، ويكشف له عن أسراره ويعلن من خلاله عن إرادته للبشرية. هو الذى يوجد فى حضرة الله ويرى ويسمع كلمته ويعلنها حسب إرادته، إرادة الله.
وتبين الدراسة الدقيقة للألقاب التى أعطاها الله للأنبياء المعنى الدقيق للقب "النبى" وكلمة "نبى" والصلة الوثيقة التى كانت بين النبى وبين الله. وهناك لقبان من أهم الألقاب التى لُقب بها الأنبياء، إلى جانب كلمة "نبى"، يكشفان عن المغزى الجوهرى لمعنى وكلمة "نبى" ووظيفته ودوره والعلاقة التى كانت بينه وبين الله إلهه وسيده وربه وُمرسله.
{1} "عبد الرب"
كان العبد ملكاً لسيده وخاضعاً له ومنفذاً لإرادته، وقد لقب الأنبياء بهذا اللقب "عبد الرب"، فى الكتاب المقدس، لأنهم كانوا ملكاً لله ربهم وسيدهم ومالكهم ومُرسلهم وإلههم، وخاضعين له ومنفذين لإرادته وحاملين لرسالاته وإعلاناته الإلهية، وكانت غايتهم هى تنفيذ وإنجاز وإتمام ما يكلفهم به. فلم يعودوا ملكاً لأنفسهم بل لله الذى أختارهم له وجعلهم رسله فصاروا له. وقد وصف جميع الأنبياء ب "عبيد الرب":
v "موسى عبد الرب" (تث 5: 24)، وقد تكررت هذه العبارة 17 مرة(4).
v "وكان بعد موسى عبد الرب أن الرب كلم يشوع بن نون خادم موسى قائلاً: موسى عبدى قد مات ... اذكروا الكلام الذى كلمكم به موسى عبد الرب قائلاً: ثم ترجعون إلى أرض ميراثكم ... التى أعطاه موسى عبد الرب"(يش 1: 1،2،13،15)(4).
v "يشوع بن نون عبد الرب" (يش 29: 24؛ قض 8: 2).
v "كلام الرب الذى تكلم به عند يد عبده أخيّا" (1مل 18: 14).
v "تكلم (الله) عن يد جميع عبيده الأنبياء" (2مل 23: 17).
v "تكلم الرب عن يد عبيده الأنبياء قائلاً" (2 مل 10: 21).
v "حسب كلام الرب الذى تكلم به عن يد عبيده الأنبياء" (2مل 2: 24).
v "وقد أرسل الرب كل عبيده الأنبياء" (إر 4: 25).
وأعترف دانيال النبى فى صلاته بقوله "وما سمعنا صوت الرب إلهنا لنسلك فى شرائعه التى جعلها أمامنا عن يد عبيده الأنبياء" (دا 10: 9).
وكان الله يتكلم عن الأنبياء ويصفهم ب "عبيدى الأنبياء" عندما كان يحذر شعبه فى القديم ويذكرهم برسالاته السابقة التى أرسلها لهم عن طريق "عبيده الأنبياء":
v "وأنتقم لدماء عبيدى الأنبياء" (2مل 7: 9).
v "وأشهد الربُّ على إسرائيل وعلى يهوذا عن يد جميع الأنبياء وكل راء قائلاً أرجعوا عن طرقكم الردّية واحفظوا وصاياى وفرائضى حسب كل الشريعة التى أوصيت بها آباءكم والتى أرسلتها لكم على يد عبيدى الأنبياء" (2مل 13: 17).
v "أرسلت إليكم كل عبيدى الأنبياء" (إر 25: 7).
v "لتسمعوا لكلام عبيدى الأنبياء" (إر 5: 26).
v "أرسلت إليهم عبيدى الأنبياء" (إر 19: 29).
v "أرسلت إليكم كل عبيدى الأنبياء مبكراً ومرسلاً قائلاً ارجعوا كل واحد عن طريقه الرديئة واصلحوا أعمالكم" (إر 15: 35؛ 4: 44).
v "كلامى وفرائضى التى أوصيت بها عبيدى الأنبياء" (زك 6: 1).
{2} "رجل الله":
ويدل هذا اللقب على الصلة القريبة والوثيقة جداً بين الله والنبى، فرجل الله هو وكيل الله وممثله الشخصى والمتحدث باسمه والمعلن لإرادته، فهو لقب تكريم للنبى وقد لقب به وأستخدم للإشارة إلى عدد قليل من الأنبياء الذين كانت لهم علاقة متميزة وقريبة جداً من الله وقاموا بأعمال إعجازية أو تنبأوا بنبوات عظيمة مثل موسى النبى المشرع العظيم (6مرات)(5) وإيليا النبى وغيرهم من عظماء الأنبياء:
v "وهذه هى البركة التى بارك بها موسى رجل الله بنى إسرائيل قبل موته" (تث 1: 33)، "الكلام الذى كلم به الرب موسى رجل الله" (يش 6: 14)، "ناموس موسى رجل الله" (2أخ16: 30) (5).
v ووصف النبى الذى تنبأ على بيت عالى الكاهن وأعلن دينونة الله عليه ب "رجل الله"، "وجاء رجل الله إلى عالى وقال لهُ. هكذا يقول الرب" (1صم 27: 2).
v ودعى صموئيل النبى أخر القضاة وأعظمهم والذى لقب ب "الرائى"(6) و"النبى(7)"، وكان رئيساً ل "جماعة من الأنبياء(8)"، والذى أعتبر كأعظم "الرائين"، وكان دائماً ما يسأل الله ويتنبأ بما سيحدث ب "رجل الله"، وقيل عنه "هوذا رجل الله فى هذه المدينة والرجل مكرّم. كما يقولهُ يصير" (1صم 6: 9-10).
v ودعى داود الملك والنبى ب "رجل الله" (2أخ 14: 8، غ24: 12).
v ودعى شمعيا النبى ب "رجل الله"، "وكان كلام الله إلى شمعيا رجل الله قائلاً" (1مل 22: 12).
v ودعى إيليا النبى الذى كلمه الله من خلال الريح وأقام ابن أرملة صرفة صيداً وأنزل نار من السماء على رسل الملك اخزيا ملك السامرة وصلى أن لا تمطر السماء فاستجاب له الله وضرب النهر بردائه فانفلق إلى نصفين وأصعده الله إلى السماء فى مركبة نارية(9) ب "رجل الله" عدة مرات، فقالت لهُ الأرملة بعد أن قام أبناها من الموت "هذا الوقت علمت أنك رجل الله وأن كلام الله فى فمك حق" (1مل24: 17).
v وقيل عن أليشع النبى، تلميذ إيليا النبى، أنه "رجل الله مقدّس(10)"، ودعاه الوحى بهذا اللقب "رجل الله" حوالى 35 مرة(11).
v ودعى النبى المذكور فى ملوك الأول ص 13 تبنأ بجوار المذبح بميلاد يوشيا الملك وذبح كهنة المرتفعات وانشقاق المذبح وصلى لشفاء يد يربعام التى تيبست عندما أشار بها للقبض على هذا النبى ب "رجل الله" (1مل 10: 13-10).
v ودعت والدة شمشون "ملاك الرب" الذى بشرها بميلاد شمشون ب "رجل الله"، وذلك بسبب الأعمال الإعجازية القديرة التي قام بها والإعلان الإلهى الذى حمله إليهما، وكذلك منظره المهيب والمرهب جداً "فدخلت المرأة وكلّمت رجلها قائلة: جاء إلىّ رجل الله ومنظره كمنظر ملاك الله مرهب جداً" (قض 13)(12).
وإلى جانب لقبى "عبد الرب" و"رجل الله" هناك أيضا لقبان آخران مرادفان للقب نبى، أستخدمهما الوحى الإلهى بصورة محددة لتعريف النبى. وكان استخدامها أقدم من كلمة "نبى" ذاتها فى وسط شعب الله، وهما "الرائى" ونصه فى العبرية "رأه – roeh " و"الرائى" الذى نصه فى العبرية "حوزى – hozeh ". وأستخدم الوحى الإلهى هذه الألقاب الثلاثة "نبى، رأه، حوزى" فى فقرة واحدة "وأمور داود الملك الأولى والأخيرة هى مكتوبة فى أخبار صموئيل الرائى (رأه– roeh " وأخبار ناثان النبى (نبى – Nabi) وأخبار جاد الرائى (حوزى – hozeh)" (أخ29: 29).
أ- "الرائى" الذى فى العبرية "رآه – roeh"
وهو مشتق من الفعل العبرى "رئى – ra, a" والذى يعنى "رأى – أدرك – فهم"، وهو اللقب الأقدم للنبى، ويدل على ما كان يراه النبى من رُؤى إلهية سمائية لا يراها غيره من البشر. وقد تكرر هذا اللقب كثيراً فى أيام صموئيل النبى الذى كان أعظم الرائين"، كما استخدم كلقب لصموئيل النبى وحده سبع مرات من 12 مره وردت فيها كلمه "رائى – رأه" فى العهد القديم:
v "هلم نذهب إلى الرائى (رأه). لأن النبى اليوم كان يُدعى سابقاً الرائى (رأه)... أهُنا الرائى (رأه)؟... أين بيت الرائى (رأه)؟.. فأجاب صموئيل شاول وقال أنا الرائى (رأه)." (1صم9: 9-19).
v "صموئيل الرائى (راه)" (1 أخ22: 9،28: 26،29).
v "فى ذلك الزمان جاء حنانى الرائى (رأه)" (2 أخ 7: 16).
v "فقال الملك لصادوق الكاهن أنت راء (رأه)؟" (2صم27: 25).
v "فغضب اسا (الملك) على الرائى (رأه)" (2أخ10: 16).
v "جاد رائى (رأه) الملك" (2أخ25: 29)(12).
كما ساوى الوحى الإلهى بين الألقاب الثلاثة "رجل الله" و "نبى" و "رائى" واستخدمهم فى فقره واحدة للتعبير عن رجل واحد هو صموئيل النبى، هوذا رجل الله فى هذه المدينة والرجل مكرم.. هلمّ نذهب إلى الرائى (رأه). لأن النبىّ اليوم كان يُدعى سابقاً الرائى (رأه)... فذهبا إلى المدينة التى فيها رجل الله" (1صم6: 9-10).
والرائى فى مفهوم العهد القديم يعنى الذى يكشف أسرار الله ويعلنا، وقد استخدم الفعل "رأى"، "رئى – ra’ a" فى حالات عديدة للتعبير عن الجانب الرؤُوى سواء فى حالات الظهورات الإلهيه "ثيؤفانى – Theophany" أو فى الأحلام أو الرؤى.
v فدعت هاجر اسم المكان الذى ظهر لها فيه "ملاك الرب، إيل رُئى. لأنها قالت أههنا أيضاً رأيتُ بعد رؤية" (تك13: 16).
v وقال ميخا النبى بن يمله عن رؤياه السمائيه "قد رأيتُ الرب جالساً على كرسيه وكل جند السماء وقوف لديه عن يمينه وعن يساره" (1مل 19: 22).
v وقال أشعياء النبى عن رؤياه الإلهية" رأيتُ السيد جالساً على كرسى عالٍ ومرتفع وأذياله تملأ الهيكل" (1ش 1: 6).
v وقال أرميا النبى عن رؤيتيه اللتين رأى فيها "قضيب اللوز" و "القدر المنفوخه"، "أنا رأءٍ قضيب لوز... أنا راءٍ قدراً منفوخة" (أر11: 1-13).
v وقال حزقيال النبى عن رؤياه الإله ل "شبه مجد الرب". "السموات انفتحت فرأيت رؤى الله... رأيت مثل منظر..." (حز1: 1،27).
v وقال دانيال النبى "فرأيت فى الرؤيا... ورأيت فى الرؤيا... فرفعت عينى ورأيتُ... وكان لما رأيتُ أنا دانيال الرؤيا" (دا 2: 8-7-15)(13).
ب- "الرائى" الذى فى العبرية "حوزى – hozeh"
والمشتق من الفعل العبرى" حزا – hazah" يعنى "يرى". فى رؤيا وترد أكثر استخدامات هذا اللقب فى الشعر ويعنى أيضاً الرؤيا، وقد لقّب به الأنبياء من مرنمى الهيكل الذى كانوا بحسب ترتيب داود الملك والنبى "هيمان وأساف ويدوثون"(14) ولقُب به أيضاً "الرائين" الذين كانوا فى البلاد الملكى والذين تنبأوا أثناء حكم الملوك داود وسليمان ويهوشافاط ومنسى، مثل جاد وعدو وحنانى:
v "وكان كلام الرب إلى جاد النبىّ رائى (حورى) داود قائلاً" (2صم11: 24).
v "وأشهد الربُّ على إسرائيل وعلى يهوذا عن يد جميع الأنبياء وكل راءٍ (حوزى) قائلاً". (2مل13: 17).
v "هيمان رائى (حوزى) الملك بكلام الله" (1 أخ5: 25).
v "رُؤى يعدو الرائى (حوزى) على يربعام بن ناباط" (2أخ 29: 9).
v "حنانى الرائى (حوزى).." (2أخ 12: 19).
v "أساف الرائى (حوزى).." (2أخ30: 29).
v "كلام الرائين (حوزيم) الذين كلموهُ بأسم الرب... مكتوبة فى أخبار الرائين (حوزاى hozai)." (2أخ 18: 23،19).
v "يدوثون رائى (جوزى) الملك" (2 أخ 15: 35).
v "الناظرون (=الراؤون – حوزيم(15)) غطّاهم" (1ش10: 29).
v فقال أمصيا لعاموس أيها الرائى (حوزى)... تنبأ" (عا 12: 7). وكان الراؤون الذين كانوا فى البلاد ناصحين ومشيرين للملوك "الرئين الذين كلموهُ بأسم الرب"، وكانت لهم حولياتهم والتى كانت تسمى ب "أخبار الرائين" والتى بدورها كانت أحد مصادر الأسفار التاريخية (صموئيل والملوك وأخبار الأيام).
وأستخدام الفعل، رأى = حزا – haza "أى" يرى، يدرك"، "فى رؤيا" فى العديد من أسفار الأنبياء، خاصة الأجزاء الرؤية منها: .
v "رؤيا إشعياء بن آموص التى رأها" (إش1: 1).
v الأمور التى رأها إشعياء بن أموص من جهة يهوذا وأورشليم" (إش1: 2).
v "أقوال عاموس.. التى رآها عن إسرائيل" (عا1: 1).
v "قول الرب الذى صار إلى ميخا... الذى رأهُ على السامرة وأورشليم (ميخا1: 1).
v "الوحى الذى رأهُ حبقوق النبى" (حب1: 1).
وذلك للتعبير عن رؤى النبى أو إدراكه لأقوال الله وإعلاناته.
وتشر الأسماء المشتقة من الفعل "حزا = يرى" إلى الإعلانات التى استملها وحملها الأنبياء فى هيئة رؤى، وهى تشير عادة إلى أحلام أو رُؤى كما هو فى سفر دانيال النبى، وتعنى كلمة "حزون – hazon" فى أسفار الأنبياء إشعياء وعوبيديا وناحوم، وكذلك أيضاً الألقاب المكتوبة فى الأسفار التاريخية عن أنبياء معينين(16)، الرؤيا الإعلانية أو الإعلان الرؤوُى، أى الإعلان الذى أُعلن للأنبياء فى هيئه رؤيا، وموضوع الرؤيا هو كلمة الله.
3- "النبى":
وهو اللقب الأكثر استخداماً فى الكتاب المقدس كله، سواء فى العهد القديم فى العهد الجديد، فقد تكرر أكثر من 430 مره، منها حوالى 290 مره فى العهد القديم وأكثر من 140 مره فى العهد الجديد. وفيما يلى أهم الآيات التى وردت فيها كلمة نبى والتى توضح معنى الكلمة والدور الذى كان يقوم به والرسالة التى كان يحملها والخدمة التى كان يخدمها.
v "أن كان منكم نبىّ للرب فبالرؤيا استعلنُ له فى الحلم أكلمه" (عدد 16: 12).
v "فسأل شاول من الرب فلم يجبه الرب لا بالأحلام ولا بالأوريم ولا. بالأنبياء فقال شاول الرب فارقنى ولم يعد يجيبنى لا بالأنبياء ولا بالأحلام" (1صم 6: 28،15).
v "وأشهدت عليهم بروحك عن يد أنبيائك" (نح30: 9).
v "الكلام الذى أرسلهُ رب الجنود بروحه عن يد الأنبياء الأولين" (زك 12: 7).
v "وكلمتُ الأنبياء وكّثرت الرُؤى وبيد الأنبياء مثلت أمثالاً" (هو 10: 12).
v "أن السيد الرب لا يصنع أمراً إلاّ وهو يعلن سره لعبيده الأنبياء" (عا7: 3).
v "النبى الذى معهُ حلم فليقصّ حلماً والذى معه كلمتى فليتكلم بكلمتى بالحق" (أر 28: 23).
v "يقيم لك الرب إلهك نبياً من وسطك من أخوتك مثلى. له تسمعون ... أقيم لهم نبياً من وسط أخوتهم مثلك وأجعل كلامى فى فمه فيكلمهم بكل ما أوحيه به ويكون أن الإنسان الذى لا يسمع لكلامى الذى يتكلم بأسمى أنا أطالبهُ" (تث 15: 18،18،19).
v "كلام الرب الذى تكلم به عن يد هبده أخيا النبى" (1مل 18: 14).
v "وأيضا عن يد ياهو بن حنانى النبى كان كلام الرب" (1مل 7: 16).
v "كلام الرب الذى تكلم به على بعشا عن يديا هو النبى" (1مل 12: 16).
v "وبعد أيام كثيرة كان كلام الرب إلى إيليا (النبى).. قائلاً" (1مل 1: 18).
v "كان كلام الرب إلى جاد النبى رائى داود قائلاً أذهب وقل لداود وهكذا قال الربُّ" (2صم 11: 24،12).
v "كلام الرب ... الذى تكلم به عن يد عبده يونان بن أمتاى النبى" (2مل 25: 14).
v "وتكلم الرب عن يد عبيده الأنبياء قائلاً" (2مل 10: 21).
v "كلام الرب الذى تلكم به عن يد أرميا النبى.. فصارت كلمة الرب إلى أرميا النبى قائلة" (أر 2: 37،6).
v "كلمة الرب التى صارت إلي أرميا النبى عن الأمم" (أر 1: 46).
v "كلام الرب الذى تكلم بع عن يد عبيده الأنبياء" (2مل 2: 24).
v "كلمة الرب عن يد حجى النبى إلى زرُ بابل" (حج 1: 1)
v "صوت الرب إلههم وكلام حجى النبى كما أرسله الرب إلههم" (حج 12: 1).
v "كانت كلمة الرب عن يد حجى النبى قائلاً.." (حج 1: 2).
v "الكلام الذى نادى به الرب عن يد الأنبياء الأولين" (زك 7: 7).
v "هكذا قال رب الجنود لتتشدّد أيديكم أيها السامعون فى هذه الأيام هذا الكلام من أفواه الأنبياء" (زك 9: 8).
v "الرب أرسل رجلاً نبياً إلى بنى إسرائيل فقال لهم. هكذا قال الرب" (قض 8: 6).
v "وأرسل إليهم أنبياء لإرجاعهم إلى الرب واشهدوا عليهم" (2أخ 19: 24).
v "هكذا قال الرب.. لتسمعوا لكلام عبيدى الأنبياء الذين أرسلتهم أنا إليكم.. وكان لما فرغ ارميا من التكلم بكل ما أوصاه الرب أن يكلم الشعب به ... فكلم أرميا كل الرؤساء وكل الشعب قائلاً. الرب أرسلنى لأتنبأ على هذا البيت وعلى هذه المدينة بكل الكلام الذى سمعتوه ... فقالت الرؤساء وكل الشعب ... إنما كلمنا باسم الرب إلهنا ... وقد كان رجل أيضا يتنبأ باسم الرب أوريا بن شمعيا ... فتنبأ على هذه المدينة وعلى هذه الأرض بكل كلام أرميا" (أر5: 26-20).
v "فقال لهم أرميا النبى قد سمعت. هأنذا أصلى إلى الرب إلهكم كقولكم ويكون أن الكلام الذى يجيبكم الرب أخبركم به" (أر 4: 42).
v "وإذا بنبى تقدم إلى أخاب ملك إسرائيل وقال هكذا قال الرب هل رأيت كل هذا الجمهور العظيم. هأنذا أدفعه ليدك اليوم فتعلم أنى أنا الرب" (1مل 13: 20).
v "وكان ملك إسرائيل ويهوشاناط ملك يهوذا جالسين ... وجميع الأنبياء يتنبأ ون أمامها.. فقال ميخا (النبى) حى هو الرب أن ما يقوله لى الرب به أتكلم" (1مل 10: 22،14).
v "واشهد الرب على إسرائيل وعلى يهوذا عن يد جميع الأنبياء وكل راء قائلاً ارجعوا عن طرقكم الردية وأحفظوا وصاياى فرائضى التى حسب كل الشريعة التى أوصيت بها آباءكم والتى أرسلتها إليكم عن يد عبيدى الأنبياء" (2مل 13: 17).
v "لأن من قبل الرب الوصية على يد أنبيائه" (2أخ 25: 29).
v "لأن الشريعة لاتبيد عن الكاهن ولا المشورة عن الحكيم ولا الكلمة عن النبى" (أر 18: 18).
v "أنبياء إسرائيل الذين يتنبأون لأورشليم" (حز 16: 13).
v "عبيدى أنبياء إسرائيل الذين تنبأوا فى تلك الأيام" (حز 17: 38).
v "لنسلك فى شرائعه التى جعلها. أمامنا عن يد عبيده الأنبياء" (دا 10: 9)
v "كلامى وفرائض التى أوصيت بها عبيدى الأنبياء" (زك 6: 1).
{3} "الأنبياء والنبوة والتنبؤ":
تكرر استخدام الفعل العبرى "نبأ – Naba" أى "تنبأ" حوالى 117 مرة، منها 24 مرة بمعنى "أعلن أو كشف نبياً". وقد ظهر للمرة الأولى فى سفر العدد: "فنزل الرب فى سحابة وتكلم معهُ (مع موسى النبى) وأخذ من الروح التى عليه وجعل على السبعين رجلاً الشيوخ. فلما حلت عليهم الروح تنبأوا ولكنهم لم يزيدوا.
وبقى رجلان فى المحلة اسم الواحد ألداد واسم الأخر ميداد فحل عليها الروح.. فتنبأ فى المحلة(17)". هؤلاء الشيوخ "تنبأوا" بعد أن حل الروح، روح الرب، عليهم فصاروا أنبياء"، وكان الله قد أختارهم من الأساس ليساعدوا موسى النبى، كما قال له الرب "فيحملون معك ثقل الشعب فلا تحمل أنت وحدك(18)". وهذا ما قيل عن أوريا النبى وعن جماعات الأنبياء وعن شاول عندما تنبأ معهم:
v وقد كان رجل أيضا يتنبأ باسم الرب أوريا بن شمعيا من قرية يعاريم فتنبأ" (أر 21: 26).
v "ويكون عند مجيئك إلى هناك إلى المدينة أنك تصادف زمرة من الأنبياء نازلين من المرتفعة وأمامهم رباب ودف وناى وعود وهم يتنبأون. فيحل عليك روح الرب فتتنبّأُ معهم وتتحول إلى رجل أخر.. ولما جاء إلى هناك إلى جبهة إذا بزمرة من الأنبياء لقيته فحل عليه روح الله فتنبأ فى وسطهم" (1صم 5: 10،6،10)(19).
v وقال حزقيال عن نفسه "فتنبأت كما أُمرت" (حز 7: 37).
واستخدم الفعل أ: ثر من 90 مرة بمعنى "اندفق Flow forth" أى "اندفق الروح القدس فى النبى فتبنأ" بمعنى ان الله تكلم وأعلن عن ذاته وإرادته ومشورته الأزلية فى الأنبياء وبواسطتهم. ولذلك فقد استخدم الوحى الإلهى الفعل بمعنى إعلان رسالة الله، وإعلان وكشف ما سيقع وما سيكون فى المستقبل، ما سيحدث من أحداث فى مستقبل الأيام، والترنم والترتيل والتسبيح بالمزامير والأناشيد والتسابيح الدينية الروحية الموحى بها، مسوقين ومحمولين ومرفوعين ومقودين بالروح القدس "لأنه لم تأت نبوة قط بمشيئة إنسان بل تكلم أناس الله القديسون مسوقين (محمولين) من الروح القدس(20)"، وكما قال داود النبى وهو يرنم ويسبح الله، بالروح "روح الرب تكلم بى وكلمته على لسانى(21)".
{1} الأنبياء والتنبؤ "إعلان ما سيكون فى المستقبل":
التنبؤ أو كشف ما سيكون وما سيحدث وما سيقع من أحداث فى مستقبل الأيام، إعلان ما سيكون فى المستقبل، أ/ر يخص الله وحده ولا يخص سواه، فهو وحده غير المحدود فى المكان والزمان والقدرة والعلم والمعرفة، الموجود فى كل مكان وكل زمان والقادر على كل شئ والعالم بكل شئ، كلى الوجود والقدرة والمعرفة، ويستحيل على الإنسان المحدود فى كل شئ، الوجود والقدرة والمعرفة، أن يتنبأ أو يتكهن أو يخمن بما سيكون فى مستقبل الأيام، فهذا سر خاص بالله وحده، الذى يقول عن الوحى الإلهى: "هو يكشف العمائق والأسرار. يعلم ما هو فى الظلمة وعند يسكن النور(22)"، ويقول هو عن نفسه "هوذا الأوليّات قد أتت والحديثات فخبر بها (فأخبركم بما يأتى. قبل أن تنبت (تحدث) أعلمكم بها(23)"، ويتحدى الأوثان وكهنتها وعبدتها أن كانوا يعلمون الماضى أو المستقبل قائلاً: "قدموا دعواكم يقول الرب. احضروا حُججكم يقول ملك يعقوب. ليقدموها ويخبرنا بما سيعرض.
ما هى الأوليات (ما جرى من البدء): اخبروا فنجعل عليها قلوبنا ونعرف أخرتها أو أعلمونا المستقبلات (الأحداث الآتية). أخبروا بالآتيات (ما سيأتى). فيما بعد فنعرف أنكم آلهة(24)"، ويؤكد على حقيقة علمه بكل شئ لأنهُ الإله الوحيد فى الكون وأنه كلى الوجود والقدرة والمعرفة: "أنا الأول وأنا الآخر ولا إله (فى الكون) غيرى. ومن مثلى ينادى فليخبر به ويعرفهُ لى منذ وضعت الشعب القديم. والمستقبلات وما سيأتى (ما سيحدث) ليخبروهم بها.. هل يوجد إله غيرى؟ ولا صخرة لا أعلم بها؟(25)".
ويؤكد الوحى فى سفر أرميا على أن "التنبؤ" وكشف ما سيكون فى المستقبل هو الذى يؤكد حقيقة النبى ويبرهن على صدق رسالته وأنه مُرسل من الله حقاً: "النبى الذى تنبأ بالسلام فعند حصول كلمة النبى (تتم نبوءته) عُرف ذلك النبى ان الرب قد أرسله(26)"، أو كما جاء فى الترجمة العربية الجديدة "فعندما تتم نبوءته. يعرف أن الرب أرسله حقاً".
ويقول السيد المسيح عن إعلانه لما سيكون فى المستقبل، ما سيحدث بعد صلبه وموته بالجسد وقيامته من الموت وإرساله الروح القدس، وما سيحدث للكنيسة عبر العصور، وما سيحدث عند مجيئه الثانى والدينونة:
v "ها أنا قد سبقت وأخبرتكم" (متى 25: 24).
v "أقول لكم الآن قبل أن يكون (يحدث) حتى متى كان (حدث) تؤمنون أنى أنا هو" (يو 19: 13).
v "وقلت لكم الآن قبل أن يكون (يحدث) حتى متى كان (حدث) تؤمنون" (يو 29: 14).
v "لكنى كلمتكم بهذا حتى إذا جاءت الساعة تذكرون أنى قلته لكم" (يو 4: 16).
كما أكد السيد المسيح ورسله فى العهد الجديد على هذه الحقيقة، حقيقة "التنبؤ" وإعلان ما سيكون فى المستقبل على فم أنبياء الله القديسون وبلسانهم بقيادة الروح القدس "لم تأت نبوة قط بمشيئة إنسان إنما تكلم أناس الله القديسون مسوقين من الروح القدس"، وقد ركزوا بصفة خاصة على ما سبق وتنبأ به أنبياء العهد القديم عن السيد المسيح:
"فقال (يسوع) لهما (تلميذى عمواس) أيُّها الغبيان والبطيئا القلوب فى الإيمان بجميع ما تكلم به الأنبياءُ. أما كان ينبغى أن المسيح يتألم بهذا ويدخل إلى مجده. ثم أبتدأ من موسى ومن جميع الأنبياء يفسر لهما الأمور المختصة به (ما جاء عنه) فى جميع الكتب" (لو 25: 24-27).
v "أقام لنا (الله) قرن خلاص فى بيت داود فتاهُ. كما تكلم بفم أنبيائه القديسين الذين هم منذ الدهر" (لو 80: 1).
v "وأما الله فما سبق وأنبأ به بأفواه جميع أنبيائهُ أن يتألم المسيح قد تّممهُ هكذا. فتوبوا وارجعوا لتٌمحى خطاياكم لكى تأتى أوقات الفرج من وجه الربّ. ويُرسل يسوع المسيح المبشّر به لكم من قبل والذى ينبغى أن السماء تقبله إلى أزمنة رد كل شئ التى تلكم عنها الله بفم جميع أنبيائه القديسين منذ الدهر" (أع 18: 3-21).
v "وجميع الأنبياء أيضا من صموئيل فما بعده جميع الذين تلكموا سبقوا وأنبأوا بهذه الأيام" (أع24: 3).
v "إنجيل الله الذى سبق فوعد به بأنبيائه فى الكتب المقدسة" (رو 1: 1،2).
v ويكرر القديس متى كثيراً عبارات "لكى يتم ما قيل بالأنبياء(27)"، "لكى يتم ما قيل بالنبى(28)"، "لكى يتم ما قيل بأرمياء النبى(29)"، "لكى يتم ما قيل بأشعياء(30)"، "لكى يتم ما قيل بالنبى القائل(31)"... الخ، كعبارات مقدمة للنبؤات أو التنبؤات التى تمت فى شخص السيد المسيح والأحداث المرتبطة به وبتجسده الإلهى.
والنبؤات أو التنبؤات فى الكتاب المقدس كثيرة جداً، وكانت تشكل أكثر من نصف رسالات الأنبياء المدونة فى أسفارهم المقدس، ومن ثم فهذه التنبؤات أو النبؤات المستقبلية لا تشكل مجرد آيات قليلة أو أعداد قليلة فى بحر الكتاب المقدس الواسع وإنما تشكل وتكون 27% من آياته (أعداده) ككل وتشكل حوالى 60% من آيات أسفار الأنبياء وأعدادها. فتوجد فى الكتاب المقدس بعهديه 1817 نبؤة (أو تنبؤ) تشكل وتتكون من 8325 آية (عدد) من إجمالى آيات (أعداد) الكتاب المقدس البالغ عددها 31124 آية (عدد)، منها 558 نبؤة (تنبؤ) فى أسفار الأنبياء تتكون من 3185 آية (عدد) من إجمالى 5381 آية، بنسبة أكثر من 59%، ويوجد فى العهد القديم وحده 1239 نبؤة تتكون من، تشكل، 6641 آية (عدد) من إجمالى 23210,3 آية (عدد)، بنسبة 28,5، ويوجد فى العهد الجديد 578 نبؤة (تنبؤ) تتكون من 1711 آية (عدد) من إجمالى 7914.5 آية (عدد) بنسبة 21.5%، منها251 نبؤة فى الأناجيل الأربعة، و56 نبؤة فى سفر الرؤيا، و52 نبؤة فى الرسالة إلى العبرانيين، أى 359 نبؤة تتكون من 1226 آية (عدد) من إجمالى 4448 آية (عدد) فى هذه الأسفار الستة، أى بنسبة 27.5%، ولذلك فقد استخدم الوحى الإلهى الفعل "نبأ – Naba" أى "اندفق" كثيراً، وبصفة خاصة فى أسفار الأنبياء أرميا وحزقيال ويوئيل وعاموس وزكريا، بمعنى ال "تنبؤ" أى التنبؤ بما سيكون وما سيحدث فى مستقبل الأيام:
v "فكلم ارميا كل الرؤساء وكل الشعب قائلاً. الرب أرسلنى لأتنبأ على هذا البيت (الهيكل) وهذه المدينة (أورشليم) بكل الكلام الذى سمعتموهُ" (أر 12: 26).
v "إن الأنبياء الذين كانوا قبلى وقبلك منذ القديم وتنبأوا على أراض كثيرة وعلى ممالك عظيمة بالحرب والشرّ والوباء، النبى الذى تنبأ بالسلام فعند حصول كلمة النبى عُرف ذلك النبى أن الرب قد أرسله حقاً" (أر 8: 28،9).
v وقال الروح حزقيال النبى "ثبت وجهك على حصار أورشليم وذراعك مكشوفة وتنبأ عليها" (حز 7: 4).
v وأيضا "اجعل وجهك نحو جبال إسرائيل وتنبأ عليها" (حز 2: 6).
v "لأجل ذلك تنبأ عليهم تنبأ يا ابن أدم ... وكان لما تنبأت أن فلطيا ابن بنايا مات" (حز 4: 11،13).
v "يا ابن أدم هوذا بيت إسرائيل قائلون الرؤيا التى هو رائيها هى إلى أيام كثيرة وهو متنبئ لأزمنة بعيدة، لذلك قل لهم. هكذا قال السيد الرب. لا يطول بعد شئ من كلامى. الكلمة التى تكلمت بها تكون يقول السيد الرب" (حز 27: 12،28).
v وقال له الروح "تنبأ على وعر الحقل فى الجنوب(32)"، "تنبأ على أرض إسرائيل(33)"، "اجعل وجهك نحو بنى عمون وتنبأ عليهم(34)"، "اجعل وجهك نحو فرعون ملك مصر وتنبأ عليه وعلى مصر كلها(35)"، وتنبأ حزقيال النبى على أشاء كثيرة وأمم كثيرة(36).
{2} الأنبياء وإعلان رسالة الله:
تعنى كلمة نبؤة فى الهد القديم بالدرجة الأولى الدعوة، دعوة النبى ليكون نبياً، حمل رسالة الله وإعلاناته الإلهية للبشرية، وتعنى أيضا النبؤة بما سيكون فى المستقبل، كما تعنى النبؤة المكتوبة:
v "وبقية أمور سليمان الأخيرة أما هى مكتوبة فى أخبار ناثان النبى وفى نبؤة أخيا الشيلونى وفى رؤى يعد والرئى على يربعام بن ناباط" (2أخ 29: 9).
v "فلما سمع أسا هذا الكلام ونبؤة عوديد النبى تشدد ونزع الرجاسات من كل أرض يهوذا ومن المدن التى أخذها من جبل أفرايم وجدد مذبح الربُّ الذى أقام رواق الرب" (2أخ 8: 15).
v ويستخدم الفعل "نبأ – naba" ليعنى المناداة أو التكلم برسالة الله، يقول عاموس النبى: "ان السيد الرب لا يصنع أمراً إلا وهو يعلن سره لعبيده الأنبياء. الأسد قد زمجر فمن لا يخاف. السيد الرب قد تكلم فمن لا يتنبأ(37)".
ويستخدم الفعل أيضا فى خمس آيات فى سفر عاموس بمعنى المناداة بكل ما يقوله الله، ما يعلنه الله، سواء كان للنصح والتحذير أو التعليم أو التنبؤ بما سيكون "أوصيتم الأنبياء قائلين لا تتنبأوا(38)"، "فقال أمصيا لعاموس أيها الرائى اذهب أهرب إلى أرض يهوذا وكُل هناك خبزاً وهناك تنبأ. وأما بيت إيل فلا تعد تتنبأ فيها.. فأجاب عاموس وقال لا مصيا. لست أنا نبياً ولا أنا ابن نبى بل أنا راع وجانى جميز. فأخذنى الرب من وراء الضأن وقال لى الرب أذهب تنبأ لشعبى إسرائيل. الآن أسمع قول الرب. أنت تقول لا تتنبأ على إسرائيل لا تتكلم على بيت إسحق. لذلك هكذا قال الرب(39)".
ويستخدم الفعل "نبأ – naba"، "تنبأ" بنفس المعنى أيضا فى سفر يوئيل "ويكون بعد ذلك أنى أسكب روحى على كل بشر فيتنبأ بنوكم وبناتكم ويحلم شيوخكم أحلاماً ويرى شبابكم رؤى(40)".
ويستخدم حزقيال النبى الفعل "يتنبأ" بالتساوى مع "يقول":
v "يا ابن أدم تنبأ على أنبياء إسرائيل الذين يتنبأون وقل للذين.. أسمعوا كلمة الرب" (حز 2: 13).
v "يا ابن أدم تنبأ وقل. هكذا قال الرب" (حز 9: 21).
v "وأنت يا ابن أدم فتنبأ وقل. هكذا قال الرب فى بنى عمون" (حز 28: 21).
v "وكان إلى كلام الرب قائلاً يا ابن أدم تنبأ على رعاة إسرائيل تنبأ وقل لهم. هكذا قال السيد الرب" (حز 1: 34،2).
ويعنى هنا، فى سفر حزقيال، "تنبأ" وتحدث كنبى وقل كلام الله مدفوعاً بقوة إلهية، أعلن رسالة الله، سواء للتوبيخ أو عما سيحدث بعد هذا التوبيخ والتحذير، فى المستقبل.
{3} الأنبياء والمزامير:
أكد داود النبى بالروح وأعلن الله على لسانه وبفمه أن كل ما تكلم به وترنم به وأنشد به من مزامير وتسابيح روحية هو من وحى الروح القدس، تكلم محمولاً ومسوقاً من الروح القدس، فقال "وحى داود بن يسى ووحى الرجل القائم فى العلى مسيح إله يعقوب ومرنم إسرائيل الحلو. روح الرب تكلم بى وكلمته على لسانى. قال إله إسرائيل إلى تكلم..(41)". وكان داود كما وصفه العهد الجديد بفم السيد المسيح متكلماً بالروح القدس "فكيف يدعوه (أى المسيح) داود بالروح رباً(42)"، ووصفه القديس بطرس الرسول بالروح "نبياً": فإذا كان (داود) نبياً.. سبق ورأى وتكلم عن قيامة المسيح(43)".
وكان كتاب المزامير الموحى إليهم أنبياء ورائين، فكان موسى النبى كاتب المزمور التسعون نبياً، وكان سليمان الحكيم، حكيماً ورائياً وشاعراً روحياً، ظهر له الله وتكلم معهُ فى رؤيتين "فى جيعون تراءى الرب لسليمان فى حلم ليلاً(44)"، "أن الرب تراءى لسليمان ثانية كما تراءى له فى جبعون(45)"، أى "تراءى له مرتين(46)". كان سليمان "رائياً" والرائى هو النبى "لأن النبى اليوم كان يُدعى سابقاً الرائى(47)"، ومن ثم كان سليمان نبياً بهذا المفهوم، وكان آساف ويدثون وهيمان رائين ومرنمين وشعراء روحيين ومنشدين وموسيقيين مثل داود النبى والملك، ووصفهم الوحى الإلهى ب "متنبئين"، ووصف آساف ب "آساف الرائى(48)"، و"آساف المتنبئين(49)"، ووصف همان ب "رائى الملك(50)"، ووصف الثلاثة آساف وهيمان ويدسون بالمتنبئين "بنى آساف وهيمان ويدثون المتنبئين بالعيدان والرباب(51)".
واستخدم الوحى فى سفر أخبار الأيام الفعل "نبأ – naba"، "يتنبأ" بمعنى مساوى ل "يترنم"، "يترنم لله، "يسبح"، يسبح لله، "ينشد"، ينشد أناشيد روحية لله، يترنم ويسبح الله بالمزامير والتسابيح الإلهية الموحى بها، محمولاً ومسوقاً ومقوداً بالروح القدس: "وأرز داود ورؤساء الجيش للخدمة بنى آساف وهيمان ويدوثون المتنبئين بالعيدان والرباب والصنوج.. بنو آساف تحت يد آساف المتنبئ بين يدى الملك.. بنويدثون.. تحت يد ابهم يدوثون المتنبئ بالعود لأجل الحمد والتسبيح للرب.. بنو هيمان رائى الملك بكلام الله لرفع القرن.. لأجل عناء بيت الرب بالصنوج والرباب والعيدان لخدمة بيت الله تحت يد الملك وآساف ويدثون وهيمان(52)".
{4} الأنبياء يتكلمون بأسم الله وينطقون بكلامه:
مما يبق يتضح لنا أن "النبى" هو الذى يتكلم الله بلسانه وينطق بفمه، هو الذى ينطق بكلام الله ويتكلم بأسمه ونيابة عنه، وكيل الله وممثله ورسوله الذى يحمل رسالته وإعلاناته ويتكلم باسمه ونيابة عنه وينطق بكلامه. هو واسطة ووسيط الإعلان الإلهى، بين الله والناس "الله بعد ما كلم الآباء بالأنبياء قديماً(53)".ويوضح لنا الوحى الإلهى العلاقة التى بين الله والنبى بالعلاقة التى جعلها الله بين موسى النبى وهرون أخيه؛ "فقال الرب لموسى أنظر. أنا جعلتك إلهاً لفرعون. وهرون أخوك يكون نبياً. أنت تتكلم بكل ما أمُرك. وهرون أخوك يكلم فرعون(54)"، "فتكُلّمهُ وتضع الكلمات فى فمه. وأنا أكون فى فمك وفمه وأعلمكما ماذا تصنعان. وهو يكلم الشعب عنك، هو يكون لك فماً وأنت تكون له إلهاً(55)". أى أن النبى هو "فم الله" الذى يتكلم بلسان الله، الله يضع الكلام فى فمه ويكون مع فمه فيتكلم بكلام الله، كما قال الله لموسى أيضاً "أذهب وأنا أكون مع فمك وأعُلمك ما تتكلم به(56)".
v قال الله لموسى عن المسيح الآتى بالجسد كنبى(57) "أقيم لهم نبياً من وسط أخوتهم مثلك وأجعل كلامى فى فمه فيكلمهم بكل ما أوصيه به ويكون ان الإنسان الذى لا يسمع لكلامى الذى يتكلم به باسمى أنا أطالبهُ" (تث 18: 18،19).
v وقال بلعام بن بعور "الكلام الذى يضعه الله فى فمى به أتكلم(58)"، "أما الذى يضعه الربُّ فى فمى إحترص أن أتكلم به(59)"، "كل ما يتكلم به الرب فإياه أفعل(60)"، "الذى يتكلمه الربُّ إياه أتكلم" (عدد 13: 24).
v "فقال ميخا حتى هو الربُّ أن ما يقوله لى الرب به أتكلم" (1مل 14: 22).
v وقال الله لأشعياء النبى "قد جعلت أقوالى فى فمك" (أش 16: 51).
v "كلامى الذى وضعته فى فمك لا يزول من فمك ولا من فم نسلك ولا من فم نسل نسلك قال الرب من الآن إلى الأبد" (أش 21: 59).
v وقال أرميا النبى "ومد الرب يده ولمس فمى وقال الرب له ها قد جعلت كلامى فى فمك" (أر9: 1).
v وقال له الله "فمثل فمى تكون" (أر 19: 15).
النبى إذاً هو "فم الله" الذى يتكلم بكلام الله والذى يتكلم الله بفمه وعلى لسانه، كقول داود النبى بالروح " روح الرب تلكم بى وكلمته على لسانى(61)". وقول زكريا والد يوحنا المعمدان بالروح " تكلم (الله) بفم أنبيائه القديسين(62)"، وقول القديس بطرس الرسول بالروح "وأما الله فما سبق وأنبأ به بأفواه جميع أنبيائه(63)"، وأيضاً "تكلم الله عنها بفم جميع أنبيائه(64)".
وهو الذى يتكلم بواسطته وعن طريقه "الله.. كلم الآباء الأنبياء":
v "عن يديا هو بن حنانى النبى كان كلام الله" (1مل 7: 61).
v "حسب كلام الرب الذى تكلم به.. عن يديا هو النبى" (1مل 12: 16).
v "حسب كلام الربّ إله إسرائيل الذى تكلم به عن يد عبده يونان" (2مل 25: 14).
v "حسب كلام الرب الذى تكلم به عن يد عبيده الأنبياء" (2مل 2: 24).
v "لأنّ من قبل الرب الوصية عن يد أنبيائه" (2 أخ 5: 29).
v "لكى يتم ما قيل من الرب بالنبى القائل" (متى 22: 1).
v "ما قيل بأرمياء النبى القائل" (متى 17: 2).
v "لكى يتم ما قيل بالأنبياء" (متى 23: 2).
v "لكى يتم ما قيل بأشعياء النبى" (متى 14: 4).
v "لكى يتم ما قيل بالنبى القائل" (متى 35: 18).
v "هذا ما قيل بيوئيل النبى" (أع 16: 2).
v "لئلا يأتى عليكم ما قيل بالأنبياء" (أع 40: 13).
v "حسناً ألو الروح القدس آباءنا أشعياء النبى" (أع 25: 28).
v "الأنبياء الذين تكلموا باسم الرب" (يع 10: 5).
ولذلك كان الأنبياء فى العهد القديم دائماً يضعون فى مقدمة أسفارهم العبارات التالية الدالة على أن ما دونوه بالروح هو كلمة الله التى أعلنت بواسطتهم:
v "كلام أرميا.. الذى كانت كلمة الرب إليه.. فكانت كلمة الرب إلى قائلاً.. ثم صارت كلمة الرب إلى قائلاً.." (أر 1: 1،2،4،11).
v "رؤيا أشعياء بن أموص التى رآها.. أسمعى أيتها السموات وأصغى أيتها الأرض لأن الرب يتكلم" (1ش 1: 1،2).
v "صار كلام الرب إلى حزقيال الكاهن ابن بوزى.. وكانت عليه هناك يد الرب" (حز 3: 1).
v "قول الرب الذى صار إلى هوشع" (هو 1: 1).
v "قول الرب الذى صار إلى يوئيل.. أسمعوا هذا أيها الشيوخ وأصغوا يا جميع سكان الأرض" (يؤ 1: 1،2).
v "أقوال عاموس.. التى رآها.. هكذا قال الرب" (عا 1: 1،6).
v "رؤيا عوبيديا هكذا قال الرب عن آدم" (عو 1: 1،2).
v "وصار قول الرب إلى يونان بن أمتاى قائلاً" (يون 1: 1).
v "قول الرب الذى صار إلى ميخا.. الذى رآه.. أسمعوا أيها الشعوب جميعكم أصغى أيتها الأرض وملؤها" (ميخا 1: 1،2).
v "وحى على نينوى. سفر رؤيا ناحوم" (نا 1: 1).
v "الوحى الذى رآه حبقوق" (حب 1: 1).
v "كلمة الرب التى صارت عن يد حجى النبى قائلاً" (حج 1: 1).
v "كانت كلمة الرب إلى زكريا بن برخيا بن عدو النبى قائلاً" (زك 1: 1).
v "وحى كلمة الرب لإسرائيل عن يد ملاخى" (ملا1: 1).
وكثيراً ما كانت تبدأ أقوال الوحى على لسان الأنبياء بعبارات مثل "هكذا قال الرب"، "هكذا يقول الرب"، وكثيراً ما كان يعقبها العبارات التالية: "قال الرب" أو "هكذا قال الرب" أو "هكذا قال رب الجنود" أو "يقول الرب".
---
(1) عا 7: 3
(2) أر 23-18
(3) أر 22: 23
(4) تث5: 34؛ يش 1: 1؛ 13؛ 15؛ 31: 8؛ 33؛ 12: 11؛ 6؛ 8: 13؛ 7: 14؛ 7: 18؛ 2: 22؛ 5؛ مل12: 8؛ 2أخ3: 1؛ 6: 24؛ 9
(5) تث 1: 33؛ يش 6: 14؛ أخ 14: 23؛ 2أخ 16: 30، عز 2: 3؛ مز90.
(5) تث 1: 33؛ يش 6: 14؛ أخ 14: 23؛ 2أخ 16: 30، عز 2: 3؛ مز90.
(6) 1صم 11: 9؛ 1أخ22: 9
(7) 1صم 20: 3
(8) 1صم 20: 19؛ 28: 26، 29: 29
(9) 1مل 18،19؛ 2مل1،2.
(10) 2مل 9: 4
(11) أنظر 2مل 7: 4-27؛ 8: 5-20؛ 6: 6-15؛ 17: 7؛ 10: 8؛ 16: 23
(12) أنظر أيضا يش 31: ؛ 33؛ 11؛ 12؛ 16؛ 13؛ 8؛ 14؛ 7؛ 2: 22؛ 4؛ 2مل12: 18؛ أخ 24؛ 6؛ 9.
(12) أنظر (إش 10: 30).
(13) أنظر (عا 8: 7،2: 8، زك8: 1،18).
(14) أنظر (عا 8: 7،2: 8، زك8: 1،18).
(15) ميخا 7: 3.
(16) 2 أخ 29: 9، 32: 32.
(17) عدد 25: 11،26
(18) عد 17: 11
(19) أنظر 1صم 21: 19،23
(20) 2بط 21: 1
(21) 2صم 2: 23
(22) دا 22: 2
(23) 1ش 9: 42
(24) 1ش 21: 41،22
(25) 1ش 9: 42
(26) أر 9: 28
(27) متى 32: 2
(28) متى 4: 21
(30) متى 17: 12
(31) متى 35: 13
(32) حز 46: 20
(33) 2: 21
(34) 2: 25
(35) 2: 29
(36) أنظر حزقيال 2: 29؛ 2: 30؛ 2: 35؛ 1: 36،3،6؛ 4: 37،7،9،12؛ 2: 38،14،17؛ 1: 39
(37) عا 7: 3،8
(38) عا 12: 2
(39) عا 12: 7-16
(40) يؤ 28: 2
(41) 2صم 1: 23-3
(42) متى 43: 22
(43) أع 30: 2،31
(44) 1مل 5: 3
(45) 1مل 2: 25
(46) 1مل 2: 11
(47) 1صم 9: 9
(48) 2 أخ 29-30
(49) 1 أخ 2: 25
(50) 1 أخ 5: 25
(51) 1 أخ 1: 25
(52) 1 أخ 1: 25-6
(53) عب 1: 1
(54) خر 1: 7،2
(55) خر 15: 4،16
(56) خر 12: 4
(57) أنظر أع 22: 3،23
(58) عدد 38: 22
(59) عدد 12: 23
(60) عدد 26: 23
(61) 2صم 2: 23
(62) لو 70: 1
(63) أع 18: 3
(64) أع 21: 3
الفصل الثانى
دعوة الأنبياء والرسُل وتكليفهم بحمل الرسالة الإلهية
قال السيد المسيح لتلاميذه ورسله "ليس أنتم أخترتمونى بل أنا أخترتكم وأقمتكم لتذهبوا وتأتوا بثمر ويدوم ثمركم.. أنا أخترتكم من العالم(1)".وكان هذا الأختيار مبنياً على أساس معرفته الإلهية المطلقة "أنا أعلم الذين أخترتهم(2)". ويشمل هذا الأختيار الإلهى حتى يهوذا الأسخريوطى الذى باعه بثلاثين من الفضة "أليس أنا أخترتكم الأثنى عشر وواحد منكم شيطان. قال عن يهوذا سمعان الأسخريوطى(3)".
وما قاله السيد المسيح لتلاميذه ورسله هو القاعدة والأساس والمبدأ فى اختيار الله لأنبيائه ورسله، جميع الأنبياء والرسل بل وقادة شعبه المختار، لحمل رسالته الإلهية وإعلان ذاته وإرادته للبشرية وقيادة شعبه المختار. كان الله هو الذى يختار فيدعو ويبادر بالدعوة والتكليف، دائماً، دون علم أو توقع أو انتظار أو سعى من مخلوق ما وكانت الدعوة الإلهية للأنبياء والرسل دائماً مباغتة ومفاجئة وغير متوقعة بالمرة سواء من المدعوين للنبوة وحمل الرسالة الإلهية أو من الشعب أو الشعوب، فلا النبى كان يتوقع النبوة ولا مستمعيه كانوا يتوقعون له ذلك. يقول عاموس النبى عن دعوته للنبوة وحمل الرسالة الإلهية "لست أنا نبياً ولا أنا ابن نبى بل أنا راع وجانى جميز. فأخذنى الرب من وراء الضأن وقال لى أذهب تنبأ لشعبى إسرائيل(4)".
كان عاموس مجرد راعى غنم وجانى جميز بسيط ولم يتوقع فى يوم من الأيام، لا هو ولا الشعب، أن يكون نبياً، ولم تبدو عليه أية مظاهر ملفتة، قبل دعوته من الله، تدل على أنه سيكون نبياً.
كان الأختيار الإلهى يتم دائماً بناء على إرادة الله ومشورته الأزلية وعلمه السابق، كقول القديس بولس الرسول بالروح "الذين سبق فعرفهم سبق فعينهم(5)"، وقوله عن اختيار الله السابق له "الله الذى أفرزنى من بطن أمى ودعانى بنعمته أن عيل أبنهُ فىّ لأبشر به بين الأمم للوقت لم أستشر لحماً ودماً ولاصعدت إلى أورشليم إلى الرسل الذين قبلى(*)"، وكقول الله لأرمياء النبى "قبلما صورتك فى البطن عرفتك وقبلما خرجت من الرحم قدستك جعلتك نبياً للشعوب(6)"، وغالباً ما كانت تتم دعوة الأنبياء على غير إرادتهم ورغبتهم، بل ورغم عنهم، فقد كانت النبوة بالنسبة لهم حمل ثقيل لا يقدر عليه بشر بدون معونة الله وتأييده وموآزرته وتشديده. وقد قبلها البعض من الأنبياء على الفور كتكليف إلهى لا يمكن رفضه، أو نتيجة لحلول روح الله وتأثيره عليهم، وتردد البعض فى القبول شاعراً بثقل المهمة وعظمها، مثل أرميا النبى، وقبلها البعض كارهاً ومجبراً مثل يونان النبى، وحاول موسى النبى التنصل منها ورفضها. وعموماً فقد كان جميع أنبياء بنى إسرائيل يخشون مواجهة هذا الشعب العنيد وصلب الرقبة وقاسى القلب، كما وصف الله لكل من أشعياء النبى وحزقيال النبى:
v "الثور يعرف قانيه والحمار معلف صاحبه، أما إسرائيل فلا يعرف شعبى لا يفهم" (أش3: 1).
v "يا ابن آدم أن مُرسلك إلى بنى إسرائيل إلى أُمّة متمردة.. البنون القساة الوجوه والصلاب القلوب" (حز 3: 2،4).
وكان ينتاب الأنبياء فى الأغلب الشعور بالخوف والتردد والرهبة.
أولاً: دعوة الأنبياء فى العهد القديم للنبوّة:
1- دعوة موسى النبى:
كانت دعوة الله لموسى النبى والأسلوب الذى تعامل به فى مواجهة الدعوة نموذجاً لرد فعل الأنبياء تجاه الدعوة الإلهية لحمل رسالة الله وإعلاناته، فمنذ الساعات الأولى لمولد موسى النبى نرى العناية الإلهية تحافظ عليه وتنقذه من الموت وتحفظه فى بيت فرعون الذى أراد إهلاكه مع بقية مواليد بنى إسرائيل من الذكور(7) بل وسمحت الإرادة الإلهية أن يتربى موسى كأمير فى قصر فرعون حتى يلم بكل فنون وعلوم وحكمة قدماء المصريين، أو كما يقول الكتاب "فتهذّب موسى بكل حكمة المصريين(8)"، ثم سمحت الإرادة الإلهية بخروجه من قصر فرعون وذهابه إلى سيناء ليعيش هناك مدة مثيلة للتى قضاها فى قصر فرعون 40 سنة(9)، كراع غنم رعوئيل كاهن مديان ويتزوج بإحدى بناته، تمهيداً وأستعداد للعمل العظيم الذى كان الله يعده للقيام به، وهو قيادة شعبه فى رحلة الخروج من مصر إلى كنعان واستلام الشريعة الإلهية ووضع نظام العبادة والكهنوت، ومع ذلك فعندما ظهر له الله، كملاك لرب، فى هيئة لهيب نار مشتعلة فى العليقة، وكلمة "ناداه الله من وسط العُليقة(10)"، ودعاه للذهاب إلى مصر وقال له "هلم فأرسلك إلى فرعون وتخرج شعبى بنى إسرائيل من مصر(11)"، تردد موسى، وهو عالم وشاعر بضعفه كإنسان وبعظم وثقل المهمة التى كلفه الله بها، حاول أن يرفضها ويتهرب منها متعللاً بعدة حجج، وقال الله "من أنا حتى أذهب إلى فرعون وحتى إخراج بنى إسرائيل من مصر.. ها هم لا يصدقوننى ولا يسمعون لقولى.. بل يقلون لم يظهر لك الرب(12)"، ولما أكد له الله أنه سيكون معه ولن يتركه وسيؤيده ويوآذره بالمعجزات، قال له "استمع أيها السيد. لستُ أنا صاحب كلام منذ أمس ولا أول من أمس ولا من حين كلمت عبدك. فقال له الرب من صنع للإنسان فماً أو أن من يصنع أخرس أو أصم أو بصير أو أعمى. فالآن أذهب وأن أكون مع فمك وأعلمك ما تتكلم به(13)"، ويبلغ موسى الذروة فى محاولات للتهرب بل والتخلص من هذه المهمة حين يقول لله: "أستمع أيها السيد. أرسل بيد من ترسل(14)"، حتى يقول الكتاب "فحمى غضب الرب على موسى وقال أليس هرون اللاوى أخاك. أنا أعلم أنه هو يتكلم. وأيضا هو خارج لاستقبالك. فحينما يراك يفرح بقلبه. فتكلمه وتضع الكلمات فى فمه وأنا أكون مع فمك ومع فمه وأعلمكما ماذا تصنعان. وهو يكلم الشعب عنك. وهو يكون لك فماً وأنت تكون له إلهاً وتأخذ فى يدك هذه العصا التى تصنع بها الآيات(15)"، وقبل موسى النبى المهمة مضطراً ومزعماً وبقى فى حالة تردد حتى بعد أن قابل بنى إسرائيل وفرعون وكان يُردد عبارات "لماذا أرسلتنى؟(16)"، "أنا أغلف الشفتين، فكيف يسمع لى فرعون؟(17)"، إلا أنه صار أعظم أنبياء بنى إسرائيل ولقب بالمشرع العظيم، حتى قال عنه الكتاب "ولم يقم بعد نبى فى إسرائيل مثل موسى الذى عرفه الرب وجها لوجه فى جميع الآيات والعجائب التى أرسله الرب ليعملها فى أرض مصر.. وفى كل اليد الشريدة وكل المخاوف العظيمة التى صنعها موسى أمام أعين جميع إسرائيل(18)"، وأيضا "وكان مقتدراً فى الأقوال والأفعال(19)".
2- دعوة جدعون القاضى:
كان جدعون يعمل فى معصرة للحنطة وفجأة ودون أى توقع أو انتظار "ظهر له ملاك الرب وقال له. الرب معك يا جبار البأس(20)"، فسأله جدعون عن سبب رفض الرب لهم وتسليمهم لأعدائهم، وهنا قال له "أذهب بقوتك هذه وخلص إسرائيل من كف مديان، أما أرسلتك(21)". وأمام هذه المفاجأة والدعوة غير المتوقعة قال جدعون للرب الظاهرة كملاك الرب "أسألك يا سيدى بماذا أخلص إسرائيل. ها عشيرتى هى الدلى فى منسى وأنا الأصغر فى بيت أبى. فقال له الرب أنى أكون معك ولتضرب الديانيين كرجل واحد(22)". فطلب منه أن يعطيه عامة تبرهن على أن هذا التكليف إلهى وأنه سينجح فيه. وأعطاه العلامة فانطلق جدعون بكل ثقة فى تنفيذ التكليف الإلهى الذى لم يتوقعه بشر.
3- دعوة صموئيل النبى:
كان صموئيل النبى مكرساً للرب ومقيماً فى الهيكل منذ صباه يخدم الرب أمام عالى الكاهن وكان، كما يقول الكتاب "يتزايد نمواً وصلاحاً لدى الرب والناس أيضا(23)"، و"كانت كلمة الرب عزيزة(24)" فى أيامه، ومع ذلك فقد كانت دعوة الله له ليكون نبياً غير واردة على الأقل وهو صبى صغير، أو كما يقول الكتاب "ولم يعرف صموئيل الرب بعد ولا أُعلن له كلام الرب بعد(25)"، ولما دعاه الصوت الإلهى "صموئيل صموئيل" تصور أنه صوت عالى الكاهن، ولما تكررت هذه الدعوة الإلهية والصوت الإلهى ثلاثة مرات "فهم عالى الكاهن أن الرب يدعو الصبى. فقال عالى لصموئيل أذهب وأضطجع ويكون إذا دعاك تقول تكلم يا رب لأن عبدك سامع... فجاء الرب ووقف ودعا كالمراث الأول صموئيل صموئيل. فقال صموئيل تكلم لأن عبدك سامع. فقال الرب لصموئيل هوذا أنا فاعل أمراً فى إسرائيل كل من سمع به تطن أذناه... وكبر صموئيل وكان الرب معه ولم يدع شيئاً من كلامه يسقط إلى الأرض. وعرف جميع إسرائيل من دان إلى بئر سبع أنه أؤتمن صموئيل نبياً للرب وعاد الربُّ يتراءى فى شيلوة لأن الرب أستعلن لصموئيل فى شيلوة بكلمة الرب(26)". وهكذا صار صموئيل نبياً بتعيين إلهى ودعوة إلهية لا دخل لإنسان فيها.
4 – اختيار داود بن يسى ملكاً ومسيحاً ونبياً للرب:
كان الأختيار الإلهى لداود بن يسى ليكون ملكاً ومسيحاً للرب، إلى جانب موهبة النبوة التى أُعطيت لهُ، مثالاً ونموذجاً للأختيار الإلهى واختلاف نظرة الله فى اختياره لمختاريه عن نظرة الإنسان، فالإنسان ينظر إلى "الطول والعرض والعينين" المظهر الخارجى، أما الله فينظر إلى القلب ويعلم ما هو الإنسان ومن هو وما سيكون عليه. كان داود الذى قال عنه الله "وجدت داود بن يسى رجلاً حسب قلبى الذى سيصنع كل مشيئتى(27)" والذى صار، فيما بعد شاعراً روحياً وموسيقياً يترنم وينشد المزامير الموحى بها ودعى "مرنم إسرائيل الحلو(28)"، ونال موهبة النبوة وصار نبياً يوحى إليه ويتكلم الروح القدس بفمه وعلى لسانه كقوله بالروح "روح الرب تكلم بى وكلمته على لسانى(29)"، مختاراً سابقاً من الله. وعندما طلب الله من صموئيل النبى أن يمسح أحد أولاد يسى البيتلحمى، الذى من بيت لحم، بالدهن المقدس ليكون ملكاً على شعبه ومسيحاً للرب، نظر صموئيل، كإنسان، إلى المنظر وطول القامة، فلما رأى اليآب، الأبن الأكبر ليسى، "قال أن أمام الرب مسيحه. فقال الرب لصموئيل لا تنظر إلى منظره وطول قامته لأنى قد رفضته. لأنه ليس كما ينظر الإنسان. لأن الإنسان ينظر إلى العينين وأما الرب فإنه ينظر إلى القلب.. وعبّر يسّى بنيه أمام صموئيل فقال صموئيل ليسى الرب لم يختر هؤلاء". ولم يبق من أولاد يسى لم يعبر أمام صموئيل النبى سوى الأصغر والذى كان يرعى الغنم "وكان أشقر مع حلاوة العينين وحسن المنظر"، ولم يتوقع يسى أبداً أن هذا الأبن الأصغر الرقيق المشاعر وعازف الألحان الموسيقية يمكن أن يكون ملكاً قوياً يقود الشعب والجيش فى حروبه مع أعدائه المحيطين به فى كل ناحية. ولما جاءوا به إلى صموئيل النبى "قال الرب قم امسحه لأن هذا هو. فأخذ صموئيل قرن الدهن. ومسحه فى وسط أخوته. وحل روح الرب على دواد من ذلك اليوم فصاعداً(30)".
وهكذا كما يقول الكتاب "أنتخب الربُّ لنفسه رجلاً حسب قلبه وأمرهُ الربُّ أن يترأّس على شعبه(31)".
5- دعوة أشعياء النبى:
أرتبطت دعوة أشعياء النبى برؤيا سمائية مهيبة للعرش الإلهى والحضرة الإلهية فى الهيكل (القدس) والسرافيم، أى طغمة الناريين، يسبحون بقداسة الله قائلين: "قدوس قدوس قدوس رب الجنود مجده ملءُ كل الأرض"، أى "الأرض كُلُها مملوءة من مجده". وأمام هذا الجلال الإلهى والعظمة الإلهية والقداسة شعر أشعياء بعظم أثمه وأثم شعبه فصرخ قائلاً "ويل لى أنى قد هلكتُ لأنى إنسان نجس الشفتين وأنا ساكن بين شعب نجس الشفتين لأن عينىّ قد رأتا الملك رب الجنود(32)". فطار إليه واحد من السرافيم وطهر شفتيه بجمرة من على المذبح، رمزاً للتطهير بدم المسيح. وبعد أن تطهر من أثمه لم يتردد فى قبول الرسالة، بل وقبلها على الفور. إذ أنه عندما سمع صوت الرب يقول "من أُرسل ومن يذهب من أجلنا" قال بدون تردد "هانذا أرسلنى(32)".
6- دعوة أرميا النبى:
تشبه دعوة أرميا النبى إلى حد ما دعوة موسى النبى من جهة موقف النبى ورد فعله تجاه الدعوة الإلهية لحمل رسالة الله وإعلاناته وليكون فمه والمتكلم باسمه، ومع التأكيد، هنا، على حتمية وحقيقة الأختيار الإلهى المبنى على أساس علم الله السابق ومعرفته بما سيكون عليه الإنسان. يقول أرميا النبى بالروح "فكانت كلمة الرب إلىّ قائلاً: قبلما صورتك فى البطن عرفتك وقبلما خرجت من الرحم قدّستك. جعلتك نبياً للشعوب". وفى هذه اللحظة وأمام هذا التكليف الإلهى المباشر شعر أرميا بالرهبة وبعظم المسئولية والمهمة الموكلة إليه والمكلف بها من الله مباشرة، كما شعر بضعفه كإنسان وبضآلته أمام هذه المهمة الثقيلة والمهيبة، فقال متأوهاً "آه يا سيدّ الرب إنى لا أعرف أن أتكلم لأنى ولد"، فقال له الرب "لا تقل أنى ولد لأنك إلى كل من أرسلك إليه تذهب فتتكلم بكل ما آمرك به. لا تخف من وجوههم لأنى أنا معك لأنقذك يقول الرب". ثم يقول أرميا النبى بالروح "ومد الرب يده ولمس فمى وقال الرب لى ها قد جعلت كلامى فى فمك.أنظر. قد وكلتك هذا اليوم على الشعوب، وعلى الممالك لتقلع وتهدم وتهلك وتنقض وتبنى وتغرس(33)".
7- اختيار سليمان الحكيم:
كان رد فعل سليمان الحكيم أمام قبول المهمة التى أوكلها الله إليه، لا ليكون مجرد ملك على إسرائيل وإنما حكيماً وشاعراً إلهياً ومنشداً للأناشيد الروحية ومتكلماً بالأمثال التعليمية، شبيه تماماً برد فعل أرميا النبى أمام الدعوة الإلهية ليكون نبياً. وكان الله قد سبق أن وعد داود الملك والنبى أبنه سليمان هو الذى سيجلس على كرسيه من بعده وأنه هو الذي سيبنى الهيكل للرب وقال لهُ "متى كلمت أيامك واضطجعت مع آبائك أيقيم بعدك نسلك الذى يخرج من أحشائك وأثبت مملكتهُ. هو يبنى بيتاً لأسمى وأنا أثبت كرسى مملكته إلى الأبد. أنا أكون له أباً وهو يكون لىّ أبناً(34)". وقال داود عن هذا الوعد "الرب أعطانى بنين كثيرين إنما أختار سليمان ابنى ليجلس على كرسى مملكة الرب على إسرائيل. وقال لى أن سليمان أبنك هو يبنى بيتى وديارى لأنى اخترته لى أبناً وأنا أكون له أباً(35)"، ومع ذلك فعندما تراءى له الرب وكلمه فى الحلم وقال له "أسأل ماذا أعطيكم؟"، قال سليمان "والآن أيها الرب إلهى أنت ملكت عبدك مكان داود أبى وأنا فتى صغير لا أعلم الخروج والدخول. وعبدك فى وسط شعبك الذى أخترته شعب كثير لا يُحصى ولا يُعد من الكثرة". ولكنه لم يرفض الملك وإنما طلب من الله أن يعطيه الحكمة والفهم ليحكم بحسب عدل الله "فأعط عبدك قلباً فهيماً لأحكم على شعبك وأُميز بين الخير والشر(36)"، فأعطاه الله حكماً وفهماً أكثر مما طلب أو تصور، "هوذا أعطيتك قلباً حكيماً ومميزاً حتى أنهُ لم يكن مثلك قبلك ولا يقوم بعدك نظير(37)".
ويقول الكتاب "وفاقت حكمة سليمان حكمة جميع بنى المشرق وكل حكمة مصر. وكان أحكم من جميع الناس... وكان صيتهُ فى جميع الأمم حواليه. وتكلم بثلاثة آلاف مثل. وكانت نشائده ألفاً وخمساً. وتكلم عن الأشجار من الأرز الذى فى لبنان إلى الزوفا النابت فى الحائط. وتكلم عن البهائم وعن الطير وعن الدبيب وعن السمك. وكانوا يأتون من جميع الشعوب ليسمعوا حكمة سليمان من جميع ملوك الأرض الذين سمعوا بحكمته(38)".
8- دعوة يونان النبى:
بلغ يونان النبى الذروة فى تردده أمام الدعوة الإلهية والمناداة بالتوبة لأهل نينوى، هذا التردد والذى وصل حتى الرفض النهائى لقبول المهمة الإلهية الموكولة إليه ومحاولة الهرب من أمام وجه الله: "وصار قول الرب إلى يونان بن أمتاى قائلاً قم أذهب إلى نينوى المدينة العظيمة وناد عليها لأنهُ قد صعد شرهم أمامي". وبدلاً من أن يسمع كلام الله ويطيعه "قام يونان ليهرب إلى ترشيش من وجه الرب(39)".
كانت مدينة نينوى من بلاد ما بين النهرين (العراق وسوريا حالياً) وكانت من خارج دائرة بنى إسرائيل، أى من الأمم، وكان يونان نبياً من بنى إسرائيل(40)،ولم يدر فى ذهنه اهتمام الله بخلاص الأمم كما كان يعرف أن الله "رؤوف ورحيم وبطئ الغضب وكثير الرحمة ونادم على الشر(41)"، وأنه سيقبل توبة أهل نينوى ولا يهلكهم مع مدينتهم ولذلك بادر لا بالرفض فحسب وإنما هرب من وجه الرب، كما تصور، فدبر الله أن يُلقى يونان فى البحر وأعد حوتاً ليبتلعه ويبقى فى جوفه ثلاثة(42) أيام. ولما خرج من بطن الحوت، أضطر لقبول التكليف الإلهى(43) وتاب أهل نينوى بسبب مناداته، وقبل الله توبتهم "فغم يونان ذلك غماً شديداً فأغتاظ وصلى إلى الرب وقال آه يا رب أليس هذا كلامى إذ كُنت بعد فى أرضى. لذلك بادرت بالهرب إلى ترشيش لأنى علمت أنك إله رؤوف ورحيم وبطيئ الغضب وكثير الرحمة ونادم على الشر. فالآن يا رب خذ نفسى منى لأن موتى خير من حياتى(43)". وأعطاه الله درساً فى حبه لخليقته.
9- دعوة حزقيال النبى:
كانت دعوة حزقيال النبى مهيبة ورهيبة ومباغتة ولا تقل عظمة وجلالاً ورهبة عن دعوة أشعياء النبى. وقد جاءته الدعوة فى أصعب وأحرج مراحل تاريخ شعب الله حيث كان جزءً كبيراً منه فى الأسر فى بابل، السبى البابلى، وكانت أورشليم محاصرة بجيوش الأعداء والهيكل على وشك الدمار. وفيما كان حزقيال بين المسبيين فى بابل رأى السموات قد أنفتحت ورأى "رؤي الله" وشبه مجد الرب يجلس على شبه عرش، يقول النبى "ولما رأيته خررت على وجهى. وسمعت صوت متكلم(44)"، "وقال لى يا ابن آدم قم على قدميك فأتكلم معك. فدخل فى روح لما تكلم معى وأقامنى على قدمى فسمعت المتكلم معى وقال لى يا ابن آدم أنا مُرسلك إلى بنى إسرائيل إلى أمة متمردة قد تمردت علىّ. هم وأباؤُهم عصوا علىّ إلى ذات هذا اليوم، والبنون القساة الوجوه والصلاب القلوب أنا مُرسلك إليهم. فتقول لهم هكذا قال السيد الرب. وهم أن سمعوا وأن امتنعوا. لأنهم بيت متمرّد. فأنهم يعلمون أن نبياً كان بينهم. أما أنت يا ابن آدم فلا تخف منهم ومن كلامهم لا تخف لأنهم قديس وسُلا (عليقاً وشوكاً) لديك وأنت ساكن بين العقارب. من كلامهم لا تخف ومن وجوههم لا ترتعب. لأنهم بيت متمرد. وتتلكم معهم بكلامى أن سمعوا وأن امتنعوا لأنهم متمردون(45)". وأعطاه الروح درج سفر "مكتوب من داخل ومن قفاهُ وكُتب فيه مراث ونحيب وويل" وقال لهُ "كُل هذا الدّرج واذهب كلم بيت إسرائيل. ففتحت فمى وأطعمنى ذلك الدرج.. فأكلته فصار فى فمى كالعسل حلاوة(46)".
كانت مهمة ورسالة حزقيال النبى شاقة وثقيلة، فهو كما يقول الروح مُرسل إلى شعب متمرد وعاصى وصلب الوجه وقاسى القلب، وكانت رسالته مليئة بالويل والمراثى والنحيب، وكانت يد الرب عليه شديدة ولم يكن أمامه اى مجال للتردد أو الرفض أو القبول، يقول "فحملنى الروح وأخذنى فذهبت مُرّاً فى حرارة روحى ويد الرب كانت شديدة علىّ. فجئت إلى المسبيين.. وحيث سكنوا هناك سكنت سبعة أيام متحيراً فى وسطهم". ثم صار إليه الأمر الإلهى ببدء المهمة قائلاً "أسمع الكلمة من فمى وأنذرهم من قبلى(47)".
10 – دعوة عاموس النبى:
كانت دعوة عاموس النبى للنبؤة نموذجاً للأختيار الإلهى المطلق والذى لا دخل للإنسان فيه. يقول الوحى الإلهى أن أمصيا كاهن بيت أيل تآمر على عاموس النبى ووشى به عند الملك يربعام ملك إسرائيل وطلب منه أن يهرب قائلاً: "أيها الرائى اذهب أهرب إلى أرض يهوذا وكُل خبزاً وهناك تنبأ. واما بيت إيل فلا تعد تتنبأ فيها بعد لأنها مقدس الملك وبيت الملك. فاجاب عاموس وقال لامصيا. لست أنا نبياً ولا أنا ابن نبى بل أنا راع وجانى جميز. فأخذنى الرب من وراء الضأن وقال لى الرب أذهب تنبأ لشعبى إسرائيل". ثم أكد لهُ أنهُ لا يمكن لى إنسان مهما كان أن يقف أمام إرادة الله وأختياره الإلهى. فلم يكن عاموس نبياً بالوراثة، ابن نبى، ولم يختار هو أن يكون نبياً، ولم يختاره أحد ليكون كذلك، وإنما الله هو الذى أختاره بحسب قصده الإلهى وعلمه السابق وإرادته الإلهية دون تدخل أو توقع من مخلوق ما، ولم يكن فى مقدور أحد أن يمنعه عن التنبؤ وإعلان إرادة الله "أنت تقول لا تتنبأ على إسرائيل ولا تتكلم على بيت إسحق. لذلك هكذا قال الرب امرأتك تزنى فى المدينة وبنوك وبناتك يسقطون بالسيف وأرضك تقسم بالجبل وأنت تموت فى أرض نجسة وإسرائيل يُسبى سبياً عن أرضه(48)".
ثانياً: دعوة الآباء البطاركة والقادة:
وبنفس الطريقة والأسلوب الذى أختار الله بهما الأنبياء، المذكورين أعلاه أختار أيضا الآباء البطاركة والقضاة والقادة وبقية الأنبياء.
كان الجميع مختارين بحسب قصد الله الأزلى ومشورته الإلهية وعلمه السابق دون توقع من المدعوين للخدمة أو من غيرهم، وفيما يلى نذكر فى إيجاز دعوة جميع مختارى الله الذين ورد ذكرهم فى العهد القديم:
v فى دعوة الله لنوح يقول الكتاب "فقال الله لنوح نهاية كل بشر قد أتت أمامي. لأن الأرض أمتلأت ظلماً منهم. فها أنا مهلكهم مع الأرض. أصنع لك فلكاً من خشب جفُر.. فها أنا آت بطوفان الماء على الأرض لأهلك كل جسد فيه روح حياة من تحت السماء.. ولكن أقيم عهدى معك(49)".
v وفى دعوة إبراهيم يقول "وقال الرب لآبرام اذهب من أرضك ومن عشيرتك ومن بيت أبيك إلى الأرض التى أريك. فأجعلك أمةً عظيمة وأباركك وأعظم إسمك. وتكون بركة... وتتبارك فيك جميع قبائل الأرض فذهب أبرام كما قال لهُ الربُ"(50)
v وعندما أراد إسحق الذهاب إلى مصر بسبب الجوع "ظهر لهُ الرب وقال لا تنزل إلى مصر... تغرب فى هذه الأرض (كنعان). فأكون معك وأباركك... وأفى بالقسم الذى أقسمتُ لإبراهيم أبيك. وأكثر نسلك كنجوم السماء... وتتبارك فى نسلك جميع أمم الأرض"(51).
v وفى بيت إيل ظهر الله فى حلم ليعقوب ووعده بنفس الوعد الذى وعد به إبراهيم وإسحق، وأضاف "أنا الرب إله إبراهيم أبيك وإله إسحق... وها أنا معك وأحفظك حيثما تذهب وأردك إلى هذه الأرض. لأنى لا أتركك حتى أفعل ما كلمتك به"(52).
v وكشف الرب ليوسف فى أحلامه ما سيكون عليه فى المستقبل من سيادة على أخوته، حيث رأى نفسه مع أخوته "حازمون حُزماً فى الحقل" وأن حزم أخوته سجدت لحزمته، كما حلم أن الشمس والقمر واحد عشر كوكباً ساجدة لُه. فقال لهُ أخوتهُ "ألعلك تملك علينا ملكاً أم تتسلط"، وقال لهُ أبوه "هل نأتى أنا وأمك وأخوتك لنسجد لك إلى الأرض"(53).
v وكان اختيار هارون وبنيه للكهنوت اختياراً إلهياً من الله مباشرة، قال الله لموسى النبى "وقرب إليك هرون أخاك وبينه من بين بنى إسرائيل ليكهن لى"(54)، وكما جاء فى سفر أخبار الأيام" وأُفرز هرون لتقديسه قدس أقداس هو وبنوهُ إلى الأبد ليوقد أمام الربُ ويخدمهُ ويبارك أسمه إلى الأبد"(55).
v واختيار الله "لرئيس رؤساء اللاويين ألعازار بن هرون وكالةُ حُراس حراسة القدس"(56).
v وعندما أختار الله يشوع بن نون ليحل محل موسى النبى "قال الرب لموسى خذ يشوع بن نون رجلاً فيه روح وضع يدك عليه وأوقفهُ قدام ألعازار الكاهن وقدام كل الجماعة وأوصه أمام أعينهم. وأجعل من هيبتك عليه لكى يسمع لهُ كلُّ جماعة بنى إسرائيل... حسب قوله يخرجون وحسب قوله يدخلون"(57). وبعد موت موسى النبى "أنّ الرب كلم يشوع بن نون خادم موسى قائلاً: موسى عبدى قد مات. فالآن قم أعبر هذا الأردن... لا يقف إنسان فى وجهك كل أيام حياتك. كما كنتُ مع موسى أكون معك. لا أهُملك ولا أتركك"(58).
v وكان اختيار الله للقضاه الذين حكموا فيما بين يشوع وصموئيل النبى، أو كما يقول القديس بولس بالروح "وبعد ذلك (أى بعد يشوع) فى نحو أربع مئة وخمسين سنة أعطاهم قضاة حتى صموئيل النبى"(59)، بنفس الطريقة أيضاً، "فأقام الرب مخلّصاً لبنى إسرائيل فخلصهم، عثنيئيل بن قناز... فكان عليه روح الرب وقضى لإسرائيل"(60)، "فأقام لها الرب مخلصاً أهود بن جيرا البنيامينى"(61)، "فكان روح الرب على يفتاح"(62) وبشر ملاك الرب والده شمشون وقال لها "فها أنت تحبلين وتلدين أبناً ولا يعلُ موسى رأسهُ لأن الصبى يكون نذيراً لله من البطن"(63).
v وأختار الله شاول بن قيس ليكون أول ملكاً لإسرائيل وقال لصموئيل النبى "غداً فى مثل الآن أرسل إليك رجلاً من أرض بنيامين. فأمسحه رئيساً لشعبى إسرائيل"(64). يقول القديس بولس الرسول "ومن ثم ُ طلبوا ملكاً فأعطاهم الله شاول بن قيس رجلاً من سبط بينامين أربعين سنة"(65).
v وفى نهاية أيام سليمان الحكيم أعلن الله عن حتمية انقسام المملكة من بعده فأمسك أخيا الشيلونى النبى برداء يربعام بن ناباط، عبد سليمان الذى أقامهُ ليربعامك خذ لنفسك عشرة قطع. لأنه هكذا قال الربُ إله إسرائيل هأنذا أمزقُ المملكة من يد سليمان وأعطيك عشرة أسباط"(66).
v ويظهر إيليا النبى فى سفر الملوك معلناً أنه يقف أمام الله وأنه مكلف بإبلاغ رسالته، فقال لأخاب الملك "حى هو الرب إله إسرائيل الذى وقفتُ أمامه أنه لا يكون طل ولا مطر فى هذه السنين إلا عند قُولى. وكان كلام الرب لهُ قائلاً..."(67).
v ولما أوشكت مهمة إيليا على الإنتهاء قال لهُ الربُ "أمسح إليشع بن شافاط من أبل محولة نبياً عوضاً عنك.. فذهب من هناك يوجد إليشع بن شافاط يحرث وأثنا عشر فدان بقر قدامهُ وهو مع الثانى عشر قمر إيليا به وطرح رداءه عليه. فترك البقر وركض وراء إيليا"(68).
v ومسح إليشع النبى ياهو بن يهوشافاط ملكاً على إسرائيل، بواسطة أحد بنى الأنبياء، بنفس الطريقة التى مسح بها صموئيل النبى داود ملكاً، يقول الكتاب "ودعا إليشع النبى واحداً من بنى الأنبياء وقال لهُ شد على حقويك وخذ قنينة الدهن هذه بيدك وأذهب إلى راموت جلعاد وإذا وصلت إلى هناك فأنظر هناك يا هو بن يهوشافاط بن نمشى وأدخل واقمهُ فى وسط أخوته وأدخل به إلى فخدع داخل مخدع ثم خد قنينة الدهن وصب على رأسه وقال هكذا قال الربُ قد مسحتك ملكاً على إسرائيل"(69).
v وعند عودة عزرا الكاهن والكتاب إلى أورشليم على رأس مجموعة من العائدين من السبى يقول "وأما أنا فقد تشددّت حسب يد الربّ إلهى على وجمعت من إسرائيل رؤساء ليصعدوا معى"(70).
v وعندما عاد نحميا أيضا ليبنى أسوار أورشليم يقول "يد إلهى الصالحة علىّ(71)".
v واختار الله دانيال ليعلن من خلاله "المرسوم فى كتاب الحق(72)"، وما سيكون "فى الأيام الأخيرة(73)".
v وتبدأ جميع أسفار الأنبياء الأثنى عشر، الصغار، بمقدمات تدل على التكليف الإلهى المباشر للأنبياء: "قول الرب الذى صار إلى..."، "كلمة الرب التى صارت إلى"، "وصار قول الرب إلى" ويذكر اسم النبى(74).
ثالثاً: الدعوة للرسولية واختيار التلاميذ فى العهد الجديد:
يفتتح العهد الجديد فى الإنجيل للقديس لوقا ببشارة الملاك لزكريا الكاهن بميلاد يوحنا المعمدان ليتقدم أمام الرب ويهئ له شعباً مستعداً(75)، وذلك بطريقة قريبة من البشارة بإسحق والبشارة بميلاد شمشون، مؤكداً الأختيار الإلهى المبنى على قصد الله وعلمه السابق.
وكان أختار السيد المسيح لتلاميذه ورسله، سواء فى بداية خدمته أو بعد قيامته، مبنياً على أساس الأختيار الإلهى السابق الذى لا دخل لإنسان فيه كقوله لتلاميذه "ليس أنتم أخترتمونى بل أنا أخترتكم وأقمتكم لتذهبوا وتأتوا بثمر ويدوم ثمركم.. أنا أخترتكم من العالم(76)". يقول الإنجيل للقديس متى "ثم دعا تلاميذه الأثنى عشر وأعطاهم سلطاناً على أرواح نجسة حتى يخرجوها ويشفوا كل مرض وكل ضعف(77)"، ويقول الإنجيل للقديس لوقا وبعد ذلك عيّن الربُّ سبعين آخرين أيضا وأرسلهم أثنين أثنين أمام وجهه إلى كل مدينة وموضع حيث كان هو مزمعاً أن يأتى(78)".
وتبين الطريقة التى أختار بها تلاميذه كأفراد ودعوته لهم ليتبعوه ويكونوا رسله إلى العالم أجمع أنه لم يكن لهم شخصياً أى دخل فى هذا الأختيار الإلهى المطلق المبنى على قصده الإلهى وعلمه السابق فيذكر الإنجيل أنهُ عندما كان ماشياً عند بحر الجليل أبصر سمعان بطرس وأندراوس أخاه يصطدان فى البحر، وبدون مقدمات "قال لهما هلم ورائى فأجعلكما صيادى الناس"، هكذا دعاهما دون مقدمات أو تمهيد سابق.. وأمام هذه الدعوة الإلهية لم يتردد الأخوان وقبلاها على الفور، يقول الكتاب "فللوقت تركا الشباك وتبعاه(79)"، ونفس الشئ حدث مع يعقوب بن زبدى ويوحنا أخاه، يقول الإنجيل إنهما كانا "فى السفينة مع زبدى أبيهما يصلحان شباكهما فدعاهما. فللوقت تركا السفينة وأباهما وتبعاه(80)"، ونفس الأسلوب تم مع القديس متى الذى كان "جالساً عند مكان الجباية"، "فقال له أتبعنى فقام وتبعه(81)"، ومع القديس فيلبس و"قال له أتبعنى" فآمن فيلبس فى الحال بأنه المسيح الآتى إلى العالم وذهب ليحضر نثنائيل "وقال له وجدنا الذى كتب عنه موسى والأنبياء"، ولما "رأى يسوع نثنائيل مقبلاً إليه فقال عنه هوذا إسرائيل حقاً لا غشّ فيه. قال لهُ نثنائيل من أين تعرفنى، أجاب يسوع وقال له قبل أن دعا لك فيلبس وأنت تحت التينة رأيتك. أجاب نثنائيل وقال له يا مُعلم أنت ابن الله(82)"، وقبل الاثنان دعوة السيد على الفور.
وكان أبرز مثال فى العهد الجديد للأختيار الإلهى غير المتوقع من الإنسان هو اختيار شاول الطرسوسى الذى صار بولس الرسول. كان شاول يهودى متعصب وخصم عنيد للمسيحية، بل وكان من أعدى أعدائها ومضطهديها ولم يكتف باضطهادها فى فلسطين واليهودية بل وكان ذاهباً بأوامر من رؤساء الكهنة للقبض على المؤمنين بها وفى دمشق ول "يسوقهم مُوثقين إلى أورشليم(83)"، وعرفه المؤمنون بفاعل الشرور فى القديسين. ولكن إرادة الله كانت ترى غير ما يراه البشر رغم قداستهم، فقد كان مضطهد المسيحية هذا بالنسبة للرب يسوع المسيح "إناءً مختاراً" حتى قبل أن يصور فى بطن أمه، وكان من ضمن "الذين سبق فعرفهم سبق فعينهم". وظهر لهُ فى الطريق إلى دمشق وقال له "شاول شاول لماذا تضطهدنى. فقتل من أنت يا سيدّ. فقال الرب أنا يسوع الذى أنت تضطهدهُ. صعب عليك أن ترفس مناخس (أى تقاومنى). فقال وهو مرتعد ومتحير يا رب ماذا تريد أن أفعل. فقال له الربُّ قُم وأدخل المدينة فيقال لك ماذا ينبغى أن تفعل"، وقام "شاول عن الأرض وكان وهو مفتوح العينين لا يبصر أحد"، ولما طلب الرب من تلميذه حنانيا، فى رؤيا أن يذهب إليه لكى يبصر قال حنانيا "يا رب قد سمعت من كثيرين أن هذا الرجل كم من الشرور فعل بقديسيك فى أورشليم. وههنا له سلطان من قبل رؤساء الكهنة أن يوثق جميع الذين يدعون بأسمك. فقال له الربُّ أذهب. لأن هذا لىّ إناء مختار ليحمل أسمى أمام أمم وملوك وبنى إسرائيل. لأنى سأريه كم ينبغى أن يتألم لأجل أسمى(83)".
تحول شاول الطرسوسى إلى بولس رسول الجهاد الذى حمل اسم المسيح وبشر به كما يقول وبالروح "من أورشليم وما حولها إلى اللير يكون(84)".
ويقول القديس بولس الرسول بالروح عن هذا الأختيار الإلهى السابق والتحول الذى حدث لهُ من الربّ مباشرة "إنى كنتُ أضطهد كنيسة الله بإفراط وأتلفها. وكنت أتقدم فى الديانة اليهودية على كثيرين من أترابي فى جنسي إذ كنتُ أوفر غيرة فى تقليدات آبائي. ولكن لما سرّ الله الذى أفرزنى من بطن أمىّ ودعانى بنعمته أن يعلن أبنهُ فىّ لأُبشر به بين الأمم للوقت لم أستشر لحماً ودماً ولا صعدتُ إلى أورشليم إلى الرسل الذين قبلى(85)"،كما يؤكد أن دعوته، رسوليته، لا دل لإنسان فيها على الإطلاق وإنما هو مدعو من الله مباشرة "بولس رسول لا من الناس ولا بإنسان بل يسوع المسيح والله الآب(86)"، "بولس رسول يسوع المسيح بمشيئة الله(87)"، "بولس رسول يسوع المسيح بحسب أمر الله مخلصاً(88)".
---
(1) يو 16: 15،19
(2) يو 18: 13
(3) يو 8: 6
(4) عا 14: 7،15
(5) رو 29: 8
(*) غل 16: 1،17
(6) أر 5: 1
(7) خر 6: 1؛ 1: 2-10
(8) أع 22: 7
(10) خر 4: 3
(11) خر 10: 3
(12) خر 11: 3؛ 1: 4
(13) خر 10: 4-12
(14) خر 13: 4
(15) خر 14: 4-17
(16) خر 22: 5
(17) خر 12: 6،30
(18) تث 10: 34-12
(19) أع 22: 7
(20) قض 12: 6
(21) قض 13: 6
(22) قض 14: 6-16
(23) 1صم 26: 2
(24) 1 صم 1: 3
(25) 1صم 7: 3
(26) 1صم 4: 3-11، 19-21
(27) أع 22: 13
(28) 2صم 2: 23
(29) 2صم 2: 23
(31) 1صم 14: 13
(32) أش 1: 6-8
(33) أر 4: 1-10
(34) 2صم 12: 7-14
(35) 1أخ 5: 28،6
(36) 1مل 5: 3-9
(37) 1مل 12: 3
(38) 1مل 30: 4-34
(39) يون 1: 1-3
(40) 2مل 25: 14
(41) يون 2: 4
(42) يون 17: 1
(43) يون 1: 4-3
(44) حز 28: 1
(45) حز 1: 2-7
(46) 1: 3،3
(47) حز 14: 3،15،17
(48) عا 10: 7-15
(49) تك 13: 6-18
(50) تك 1: 12-4.
(51) تك 1: 26-5.
(52) تك 12: 28-15.
(53) تك 5: 27-9.
(54) خر 1: 28.
(55) 1 أخ 13: 23.
(56) عدد 32: 2.
(57) عدد 18: 27-23.
(58) يش 1: 1-5.
(59) 1 أع 20: 13.
(60) قض 9: 2،10.
(61) قض 15: 3.
(62) قض 4: 4.
(63) قض 5: 13.
(64) 1 صم 16: 9.
(65) أع 21: 13.
(66) 1 مل 29: 11-31.
(67) 1 مل 1: 17،2.
(68) 1 مل16: 19-18.
(69) 2 مل 1: 9-6.
(70) عز 28: 7.
(71) نح 18: 2
(72) دا 10-21
(73) دا 10: 13
(74) أنظر هو 21: 1؛ يؤ 1: 1؛ يون 1: 1؛ ميخا 1: 1؛ صف 1: 1؛ حج 1: 1؛ زك 1: 1، ملا 1: 1
(75) لو 13-17
(76) يو 16: 15،19
(77) متى 1: 10
(78) لو 1: 10
(79) متى 19: 4
(80) متى 21: 4،22
(82) يو 43: 1-49
(83) أع 1: 9-16
(84) رو 20: 15
(85) غل 13: 1-17
(86) غل 1: 1
(87) أف 1: 1؛ كو 1: 1؛ 2تى 1: 1
(88) 1تى 1: 1
الفصل الثالث
دور الأنبياء وطبيعة رسالتهم
الأنبياء كما بينا، فى الفصل الأول، هم رجال الله وعبيده وحاملوا كلمته والمتحدون باسمه، فم الله ولسانه الناطق، الذين حملوا رسالته وإعلاناته إلى البشرية؛ الواسطة التى تكلم بها، والوسطاء الذين تكلم من خلالهم، فقد تكلم بفمهم ونطق على لسانهم. لم يكونوا مجرد حكماء أو ناصحين أو رجال دين أو قادة روحيين، بل رجال الروح. كانوا مختارين من الله حتى قبل أن يصوروا فى بطون أمهاتهم ويوجدوا فى الأرحام، ومدعوين أساساً للنبوة والمناداة بكلمة الله وإبلاغ رسالة الله وإعلاناته الإلهية للبشرية، شفوياً أو كتابة، أولاً شفوياً، وأحياناً شفوياً وكتابة، شفوياً مع بعض الأجزاء المكتوبة مثل لوحى الحج اللذين كتب الله عليها الوصايا العشر(1)، ومثل ما كان يمليه أرميا النبى على تلميذه باروخ من رسائل وأسفار تحوى رسائل إلى الذين كانوا فى السبى أو نبوات على الشعوب(2). ثانياً: كتابة ما يختاره الروح من هذه الإعلانات فى أسفار تحفظ فى أيام الأنبياء ومعاصريهم وتبقى للأجيال التالية(3) كقول القديس بولس بالروح " كل ما سبق فكُتب كُتب لأجل تعليمنا حتى بالصبر والتعزية بما فى الكتب يكون لنا رجاء(4)".
1- دور الأنبياء وعملهم:
كان هناك أنبياء رئيسيون متفرغون تماماً للعمل النبوّى وإبلاغ رسالة الله وحمل إعلاناته مثل موسى وصموئيل وإيليا وإليشع وأرمياء وحزقيال وعاموس، وبقية الأنبياء الرئيسيين، المتفرغين أو المكرسين تماماً وكان هناك أنبياء متفرغون لخدمة بيت الله وعملهم هو التسبيح والترنيم وإنشاد الترانيم والأناشيد الروحية الإلهية والمزامير الموحى بها بالروح القدس، فى خيمة الإجتماع ثم فى الهيكل، مثل آساف وهيمان ويدثون(5) وكان هناك أنبياء البلاط أو المستشارون الروحيون الذين كان الله يستخدمهم فى نصح وإرشاد وتوجيه الملوك، وكانوا يعملون فى بلاط داود الملك وسليمان الحكيم(6) وما بعدهما. وكان هناك أشخاص لهم موهبة النبوّة وقد تكلم الله على فمهم وبلسانهم، ولكنهم كانوا غير متفرغين للعمل النبوى مثل داود الملك وسليمان الحكيم ودانيال رئيس الوزراء، وذلك إلى جانب الآباء البطاركة إبراهيم وإسحق ويعقوب ومن قبلهم أخنوخ ونوح.
1- الآباء البطاركة:
تعامل الله مع الآباء البطاركة من آدم إلى إبراهيم وإسحق ويعقوب إلى جانب موسى وإيليا النبيين مباشرة وتكلم معهم من خلال الظهورات الإلهية المتنوعة والمختلفة(7)، وكان كلامه معهم يختص، بصفة خاصة، بمستقبلهم هم شخصياً ومستقبل نسلهم من بعدهم، وبالتالى مستقبل البشرية كلها. لم يحملوا رسائل مباشرة لمن كانوا حولهم، وإنما كانوا هم مثالاً ونموذجاً لكل الأجيال القادمة وحملوا المواعيد الإلهية لكل الأمم فى الأجيال التالية.
كان آدم وحواء وحدهما قبل السقوط، وكان هابيل الأفضل فى علاقته بالله بالمقارنة بأخيه قايين(8). أما أخنوخ، يقول الكتاب عنه "وسار أخنوخ مع الله ولم يوجد لأن الله أخذه(9)"، وقال عنه يشوع بن سيراخ "أخنوخ أرضى الرب فنُقل إلى السماء وكان مثالاً يُشجع الأجيال المُقبلة على التوبة(10)"، وكان نوح كما يقول الكتب "كارزاً للبر(11)"، وأقام الله معه عهداً وميثاقاً أبدياً أن لا يهلك بالطوفان ثانية كل حى كما أهلك المعاصرين له(12)، أما إبراهيم فقد آمن بالله وحفظ شريعته وعندما امتحنه الله فى أبنه إسحق وجدهُ أميناً وأطاع الله، وأقام الله معه عهداً، وهذا العهد هو أنه هو يكون بركة وتتبارك فى نسله جميع الشعوب(13)، وأقام الله معه هذا العهد ذاته مع إسحق ويعقوب وهو أن تتبارك جميع القبائل والشعوب والأمم بنسلهم الآتى فى ملء الزمان(14) نسل أيراه يم وإسحق ويعقوب، أى المسيح "والكتاب إذ سبق فرأى أن الله بالإيمان يبرر الأمم سبق فبشر إبراهيم أن فيك تتبارك جميع الأمم.. لتصير بركة إبراهيم للأمم فى المسيح.. وفى نسلك الذى هو المسيح" (غل 8: 3،14،16).
جميع هؤلاء آمنوا بالله وتكلم الله معهم وظهر لهم وتكلم بهم ومن خلالهم، لكن ليس لأجيالهم فحسب بل للأجيال التالية. فهل كانوا بهذا المفهوم أنبياءً؟ كان إبراهيم كما قال عنه الله "نبياً"، وكان أول من دعى بلقب "نبى" فى الكتاب المقدس عندما قال الله عنه لأبيمالك ملك جرار "رُد امرأة الرجل فإنهُ نبىّ فيصلى من أجلك فتحيا(15)".
وقال الروح فى رسالة يهوذا أن أخنوخ "تنبأ"، "وتنبأ عن هؤلاء أيضا أخنوخ السابع من آدم قائلاً هوذا قد جاء الربُّ فى ربوات قديسيه(16)"، وتنبأ نوح وإسحق ويعقوب عن مصير نسلهم من بعدهم(17).
كانوا هم آباء الآباء وآباء الأنبياء ونتيجة لقوة علاقة الله بهم وصف بهم عندما قال لموسى "أنا إله إبراهيم وإله إسحق وإله يعقوب(*)"، كانوا هم آباء الأنبياء بل وأقدم الأنبياء.
2- الأنبياء الرئيسيون (المستقلون):
كان الأنبياء، دائماً وسيظلون، هم الأعلى مكانة من كل البشر، سواء الملوك أو الرؤساء أو الكهنة أو المصلحين.. الخ فهم رجال الله وعبيده وفمه الناطق والمنادون برسالته وحاملوا إعلاناته للبشرية، وكانت مكانتهم مستمدة من الله مباشرة باعتبارهم أنبياءه ورسله ووسطاءه والناطقين بكلامه، فقد تكلم معهم وكشف لهم أسراره ووضع كلامه فى أفواههم ونطق بلسانهم، فكان كلامهم هو كلام الله ودعوتهم هى دعوة الله الذى كشف من خلالهم عن ذاته وإرادته وأعلن عن شرائعه ونواميسه ووصاياه، وأبلغ من خلالهم عن وعوده ودينونته وتحذيراته وويلاته وبركاته وهباته وعطاياه وخلاصه الأبدى. وكان لابد للشعب أن يسمع لكلامهم الذى هو كلام الله "ويكون أن الإنسان الذى لا يسمع لكلامى الذى يتكلم به (النبى) باسمى أنا أطالبه(18)"، "ويكون أن كل نفس لا تسمع لذلك النبى تُباد من الشعب(19)".
كان الأنبياء هم الذين يمسحون المختارين للمُلك والكهنوت بالدهن المقدس فيصيروا ملوكاً وكهنة، وكان الأنبياء الرئيسيون مثل موسى وصموئيل وإيليا وإليشع وأشعياء وإرمياء وحزقيال، متفرغين تماماً للعمل النبوى وخدمة الله والمناداة بكلامه وإعلان رسالته، وكانوا مستقلين تماماً عن السلطات المدنية والكهنوتية، عن الملوك والكهنة، بالرغم من أن بعضهم كان فى الأصل كاهناً مثل أرمياء وحزقيال.
عاش شعب الله فى القديم تحت حكم الله مباشرة منذ دعوة إبراهيم ليخرج من أرضه وشعبه ويترك عشيرته وأهله إلى حيث يقوده الرب إلى صموئيل النبى ولم يكن ابنى إسرائيل فى هذه الفترة التى أمتدت حوالى 1000 سنة، من إبراهيم إلى موسى حوالى 500 سنة، ومن موسى إلى صموئيل حوالى 500 سنة، ملك سوى الله، فهو الذى قاد الآباء إبراهيم وإسحق ويعقوب بنفسه مباشرة وأسكن أولاد يعقوب فى مصر بواسطة يوسف، وهو الذى أخرجهم من مصر بواسطة موسى النبى، ومن بعد موسى قادهم من خلال يشوع بن نون ثم القضاة إلى صموئيل القاضى والنبى، ولما طلبوا أن يكون لهم ملك مثل بقية الشعوب مسح لهم شاول بن قيس بواسطة صموئيل النبى ثم رفضه ومسح داود بن يسى بدلاً منه. يقول القديس بولس الرسول بالروح "إله شعب إسرائيل هذا أختار آباءنا ورفع الشعب فى الغربة فى أرض مصر. وبذراع مرتفعة أخرجهم منها. ونحو مدة أربعين سنة أحتمل عوائدهم فى البرّية. ثم أهلك سبع أمم فى أرض كنعان وقسم لهم أرضهم بالقرعة. وبعد ذلك فى نحو أربع مئة وخمسين سنة أعطاهم قضاة حتى صموئيل النبى. ومن ثم طلبوا ملكاً فأعطاهم شاول قيس رجلاً من سبط بنيامي أربعين سنة. ثم عزله وأقام لهم داود ملكاً الذى شهد له أيضا إذ قال وجدت داود بن يسى رجلاً حسب قلبى الذى سيصنع كلّ مشيئتى(20)"، قاد الله الشعب بنفسه مباشرة فى كل أوُجه الحياة روحياً ومدنياً، من خلال الأنبياء والقضاة فمسح الكهنة وعين الملوك وأقامهم ومسحهم ووجههم وعزلهم أيضاً عن طريق وبواسطة أنبيائه، وكان الأنبياء الرئيسيين، سواء قبل وجود الملوك أو أثناء وجودهم، مستقلين تماماً ولا سلطان لأحد عليهم سوى الله، بل وكانوا هم القادة الفاعلون وقيادتهم فوق كل قيادة سواء كانت مدنية أو روحية، وكان الملوك والقادة والكهنة يلجأون إليهم فى كل الأزمات سواء الروحية أو السياسية أو العسكرية أو الاجتماعية، فى أوقات القحط والجدب والمجاعات وتوقف الأمطار، وفى أوقات الحروب ومواجهة أشباح الهزائم، وفى أوقات المرض بل والموت أحياناً، وفى الأوقات التى ترك فيها الملوك والشعب عبادة الله الحى وعبدوا الأوثان، خاصة أوثان الشعوب المجاورة، بل وكانوا يقودون الشعب بأنفسهم فى أصعب المواقف وأشد الأزمات والمحن والتجارب. وكانوا متفرغين تماماً لخدمة الله والعمل النبوّى والرسالة التى كانوا يحملونها.
1- موسى النبى:
كان موسى النبى والمشرع العظيم هو الأعظم فى كل أنبياء بنى إسرائيل، وإن كان يوحنا المعمدان بحسب قول السيد المسيح هو أعظم مواليد النساء بل "وأفضل من نبىّ(21)". وكان لموسى النبى امتياز أعظم لم يكن لنبى غيره هو مخاطبة الله "فماً إلى فمٍ" و"وجهاً لوجه" كما يتكلم الرجل مع صاحبه:
v "ويُكلم الرب موسى وجهاً لوجه كما يكلم الرجل صاحبه" (خر 11: 33).
v "فنزل الربُّ فى عمود سحابٍ ووقف فى باب الخيمة ودعا هرون ومريم فخرجا كلاهما. فقال إسمعا كلامى. إن كان منكم نبى للرب فبالرؤيا أستعلنُ لهُ فى الحلم أكلّمهُ. أما عبدى موسى فليس هكذا بل هو أمين فى كل بيتى. فماً إلى فمٍ وعياناً أتكلم معهُ لا بالألغاز. وشبه الربّ يعاين" (عدد 5: 12-8).
v "ولم يقم بعدُ نبىّ فى إسرائيل مثل موسى الذى عرفهُ الربُّ وجهاً لوجه فى جميع الآيات والعجائب التى أرسلهُ الربُّ ليُعلمها فى أرض مصر بفرعون وبجميع عبيده وكل أرضه وفى كل اليد الشديدة والمخاوف العظيمة التى صنعها موسى أمام أعين جميع إسرائيل" (تث 10: 34-12). وإلى جانب ذلك كان الله قد شاء بإرادته وفى علمه السابق أن يتعلم ويتثقف موسى النبى بكل ثقافة وعلوم عصره وحضارته، سواء الدينية أو السياسية أو المدنية أو العسكرية، ولذلك شاءت إرادته أن يتربى كأمير ومن ثم ككاهن وقائد جيوش، كما يؤكد المؤرخ اليهودى يوسيفوس (36-100م)، فى قصر فرعون. يقول العهد الجديد "أتخذتهُ أبنة فرعون وربتهُ لنفسها أبناً. فنهذب موسى بكلّ حكمة المصريين وكان مقتدراً فى الأقوال والأعمال. ولما كملت له مدة أربعين سنة..(22)"، وذلك إلى جانب رعايته لغنم رعوئيل (يثرون) كاهن مديان فى برية سيناء مدة أربعين سنة أخرى "ولما كملت أربعون سنة ظهر له ملاك الربّ فى برّية جبل سيناء فى لهيب نار عُليقةٍ(23)".
كان موسى نبياً وقائداً للشعب ومشرعاً عظيماً وكليماً لله، أعلن الله من خلاله وبواسطته شريعته ونواميسه ووصاياه وتعاليمه، ونظم العبادة الكهنوتية والليتورجية فى خيمة الإجتماع التى يقول القديس أستيفانوس بالروح أن الله كلم موسى "أن يعملها على المثال الذى كان قد رآهُ" وكان الله قد طلب من موسى أن يصنع المقدس بحسب ما يريه وقال لهُ "بحسب جميع ما أن أُريك من مثال المسكن ومثال جميع آنيته هكذا تصنعون.. وأنظر فأصنعها على مثالها الذى أظهر لك فى الجبل"، "وتقيم المسكن كرسمه الذى أُظهر لك فى الجبل". وجاء فى الرسالة إلى العبرانيين "كما أوحى إلى موسى وهو مزمع أن يصنع المسكن لأنه قال أنظر أن تصنع كل شئ حسب المثال الذي أُظهر لك في الجبل(24)"، ورتب العبادة والخدمة الكهنوتية واللاوية فيها(25) وأخرج الشعب من العبودية فى مصر، كما يقول الكتاب بذراع قوية وصنع الله على يديه العجائب العشر، أو الضربات الشر، فى مصر وشق البحر الأحمر وفجر الماء من الصخرة وحول الماء المرة إلى ماء عذب وأنزل المن والسلوى من السماء، أو كما يقول العهد الجديد"صانعاً عجائب وآيات فى أرض مصر وفى البحر الأحمر مدة أربعين سنة(26)".
2- يشوع بن نون والقضاة:
وبعد موسى النبى جاء يشوع بن نون خادم موسى وقاد الله الشعب بواسطته ومن بعده قاد الشعب بواسطة القضاة الذين كان يحل عليهم روح الرب(27) ويقضون بحس شريعة الله التى أعطاها لموسى النبى(28) "وفى نحو أربع مئة وخمسين سنة أعطاهم (الله) قضاة حتى صموئيل النبى(29) وفى تلك الفترة لم يذكر الكتاب أسماء أنبياء غير "دبورة " التى كانت "قاضية" و"نبية"(30) ونبى آخر يذكر الكتاب أسمه وإنما قيل عنه "أن الرب أرسل رجلاً نبياً إلى بنى إسرائيل فقال لهم(31)".
3- صموئيل النبى:
وجاء صموئيل الكاهن والقاضى والنبى والذى يعتبره بنو إسرائيل الثانى بعد موسى النبى مباشرة. فقد كان مكرساً لله قبل أن تحبل به أمه(32)، تربى منذ طفولته فى الهيكل وخدم الله وهو بعد صبى صغير ودعاه الله للعمل النبوى وهو فتى صغير(33) وقاد الشعب ككاهن وكقاضى وكنبى حتى شيخوخته(34) أو كما يقول الكتاب "أؤتمن صموئيل نبياً للرب. وعاد الرب يتراءى فى شيلوه لأن الرب أستعلن لصموئيل فى شيلوه بكلمة الرب(35)"، " وقضى صموئيل لإسرائيل كل أيام حياته(36)" كان يتنبّأ بما سيحدث وما سيكون فى المستقبل وكان ينادى للشعب بكلمة الله وقام بمسح شاول ملكاً ووبخه وحذره عندما أخطأ(37) ولما رفض الرب شاول واختار داود بن يسى بدلاً منه قال له "وأما الآن فمملكتك لا تقوم. قد أنتخب الرب لنفسه رجلاً حسب قلبه وأمره الرب أن يترأس على شعبه. لأنك لم تحفظ ما أمرك به الربُّ(38)". وقام بمسح داود بالدهن المقدس ملكاً(39) وبنى مذبحاً للرب فى الرامة(40) وأقام بوابين لخيمة الإجتماع مثلما فعل داود الملك بعد ذلك "أقامهم داود وصموئيل الرائى على وظائفهم(41)". وأحتفل بعيد الفصح احتفالاً عظيماً لم يحتفل بمثله إلا بعد ذلك بمئات السنين فى أيام الملك يوشيا(42) وكتب سفراً إلهياً بوحى الروح القدس "ووضعه أمام الرب(43)"، أى مع الأسفار السابقة، خاصة أسفار موسى الخمسة "بجانب تابوت العهد(44)".
وكان صموئيل النبى رجل صلاة ورئيساً لبنى الأنبياء، جماعات الأنبياء فى عصره(45). ويري البعض أن الأنبياء الذين وجدوا فى عصر داود الملك مثل ناثان النبى وجاد الرائى كانوا من تلاميذه على اعتبار أنهم كانوا من بنى الأنبياء
4- إيليا النبى النارى:
وفى عصر الملك الشرير آخاب وزوجته الوثنية الشريرة إيزابل انتشرت عبادة الأوثان التى كانت منذ أيام يشوع والقضاة فى صراع مع عبادة الله الحى، الواحد الحقيقى(46)، بصفة خاصة عبادة بعل وعشتاروث من آلهة الشعوب المجاورة. وكانت الملكة إيزابل قد قتلت أنبياء الرب وشجعت عبادة هذه الأوثان وكانت تُجلس على مائدتها 450 نبياً للبعل و400 نبياً لعشتاروث. وسار كل الشعب وراءها وعبدوا الأوثان مع الله، ولم يعد أحد يعبد الله وحده سوى "مئة نبى"(47) خبأهم عوبيديا أحد رجال الملك، وذلك ضمن سبعة آلاف قال عنهم الله "وقد أبقيتُ فى إسرائيل سبعة آلف كل الركب التى لو تجثُ للبعل وكل فم لم يقبله(48)".
وفى هذا العصر الشرير ظهر إيليا النبى النارى وكان كما يصفه الكتاب "رجل أشعر متمنطق بمنطقة من جلد على حقويه(49)". وكان ثائراً غيوراً على الرب وعلى عبادته وشريعته وكانت رسالته هى إبادة عبادة الأوثان وإبادة القائمين عليها حتى لا يباد الشعب نفسه ويهلك. كانت رسالته نارية وليس فيها سلام ولم يكن داعياً هو للسلام "كانت رؤية السلام محجوبة عن عينيه، محفوظة لأنبياء سيجيئون من بعده، كان عليه هو إعداد الطريق(50)"، وفى أول ذكر له فى الكتاب المقدس يقول الكتاب أنه جاء برسالة من الله تعلن أن الله هو الإله الحقيقى وحده، الإله الواحد والوحيد فى الكون وأنه سيمتنع المطر ويحدث قحط ومجاعة شديدة بسبب عبادة الأصنام، ويستمر الحال كذلك حتى يقدر لله النهاية بإعلان للنبى "حي هو الربُّ إله إسرائيل الذى وقفتُ أمامهُ أنهُ لا يكون ظل ولا مطر فى هذه السنين إلا عند قولى(51)"، وذهب إيليا وأختبأ عند نهر كريت فأعاله الله عن طريق الغربان التى كانت تحضر لهُ خبزاً ولحماً صباحاً ومساءً وكان يشرب من النهر(52) إلى أن جفت مياههُ. ثم أعاله الله عند أرملة صرفة صيدا والتى بسبب وجوده عندها جعل الله كوار الدقيق عندها لا يفرغ وكوز الزيت لا ينقص حتى نزل المطر بعد توقف دام أكثر من "ثلاث سنوات(53)"، "ثلاث سنين وستة أشهر" كما يقول السيد المسيح ويعقوب الرسول(54). وبصلاته أقام الله ابن الأرملة من الموت(55). وبعد هذا المدة الطويلة من الجدب والقحط والمجاعة تراءى لآخاب الملك بأمر الله وأعلن عن انتهاء ذلك ونزول المطر. ثم واجه عبادة البعل والأوثان أمام الشعب وعرض على أنبياء البعل ال 450 وأنبياء السوارى ال 400 أن يقدم هو ذبيحة، ثوراً لله وأن يقدموا هم ذبيحة ثوراًَ لآلهتهم ويدعو كل منهم باسم الرب إلهه الذى يعبده "والإله الذى يجيب بنار هو الله(56)" فوافق الشعب. وفشل كهنة البعل وعشتاروث ولم تحدث أى استجابة لصلواتهم وطقوسهم. وصلى هو لله "فسقطت نار الرب وأكلت المحرقة والحطب والحجارة والتراب ولحست المياه التى فى القناة. فلما رأى الشعب ذلك سقطوا على وجوههم وقالوا الرب هو الله الرب هو الله(57)". ثم أمسك بجميع أنبياء البعل وذبحهم عند نهر قيشون وخلص الشعب من عبادة الأوثان لفترات طويلة.
كان إيليا النبى غيوراً جداً على الرب وعلى عبادته وشريعته وكان عمله مُركز فى قوله "قد غرت غيرة الرب إله الجنود لأن بنى إسرائيل قد تركوا عهدك ونقضوا مذابحك وقتلوا أنبيائك(58)". ولذلك واجه اضطهاد الملك آخاب وانتقام الملكة إيزابل التى قررت قتله فهرب إلى البرية وجلس تحت رتمة "وطلب الموت لنفسه وقال قد كفى الآن يا ربُّ خذ نفسى لأنني لست خيراً من آبائى(59)" فجاءه ملاك الرب بكعكة وكوز ماء "فقام وسار بقوة تلك الأكلة أربعين نهاراً وأربعين ليلة إلى جبل الله حوريب(60). وهناك كلمة الله بعد سلسلة من علامات الظهور الإلهى؛ ريح عاصفة وزلزلة ونار، ب "صوت منخفض خفيف(61)". وطلب من الله أن يمسح حزائيل ملكاً على أرام وياهو بن نمشى ملكاً على إسرائيل وإليشع نبياً عوضاً عنه وذلك لكى يتعاون هؤلاء الثلاثة فى تنفيذ قضاة الله على المرتدين عن عبادة الله الحى "فالذى ينجو من سيف حزائيل يقتله ياهو والذى ينجو من سيف ياهو يقتله إليشع(62)". وأعلن لآخاب الملك قضاة الله بهلاكه هلاك بيته بسبب شروره وإستيلائه على كرم نابوت فليزرا على وقتله(63)، كما تنبأ بموت الملك أخزيا خليفة آخاب وأبنه فأرسل خمسين جندياً وقائدهم للقبض عليه فطلب إيليا ناراً من السماء فنزلت وأكلتهم فأرسل إليه خمسين آخرين وقائدهم ففعل بهم نفس الشئ، فأرسل إليه فرقة ثالثة فتوسل إليه قائدها فطلب منه ملاك الرب أن ينزل معهم فنزل وأكد للملك حتمية موته(64)، وعند نهاية خدمته شق مياه نهر الأردن بردائه وعبر إلى الجهة الأخرى ثم جاءت مركبة من نار وخيل وصعد فى عاصفة إلى السماء(65).
5- إليشع النبى:
وخلف إيليا النبى تلميذه إليشع أكثر من بلقب "رجل الله" والذى قيل عنه "رجل الله مُقدّس(66)" وأكمل ما بدائه مُعلمه وأستأصل عبادة البعل ونقى عبادة الله الواحد الحقيقى الحى، وكان راعياً أميناً لشعب الله فى حسم وحزم وقسوة أحياناً، كان رجل معجزات مثل معلمهُ إيليا النبى ومسح الملوك بالدهن المقدس مسح هو حزائيل ملكاً على أرام(67) وأرسل أحد تلاميذه من بنى الأنبياء ليمسح ياهو بن يهوشافاط ملكاً على إسرائيل(68)، وكان مستشاراً روحياً لملوك إسرائيل ويهوذا وآدوم(69). وناداه ملوك إسرائيل "يا أبى(70)"، "يا أبى يا أبى يا مركبة إسرائيل وفرسانها(71)" مثلما نادى هو إيليا النبى، مُعلمهُ، من قبل(72) واستشاره ملك أرام أيضا فى مرضه(73). وكان أباً ومعلماً ورئيساً لجماعات الأنبياء فى عصره، كانوا يجلسون أمامه ويأتمرون بأمره ويستجيب لحاجاتهم وحاجات أسرهم فى حالة وفاتهم(74)، كما كان الله يكشف له ما يحدث فى أماكن أخرى فيرى بعينيه الروحيتين ما لا يراه غيره من البشر، وتنبأ بما سيكون وما سيقع من أحداث فى المستقبل. كان نبياً وراعياً ومُعلماً ورجلاً من رجال الله، بل وأكثر من لُقب بلقب رجل الله فى العهد القديم، وكان أعظم من الملوك وأباً لهم.
وقد بدأت خدمته وعمله النبوى بعد أن كلف الله إيليا النبى بمسحه نبياً فألقى بردائه عليه وهو يحرث أرض أبيه فترك الأرض والبقر" وركض وراء إيليا(75) النبى "وكان يخدمهٌ(76)"، "وكان يصبُّ ماء على يدى إيليا(77)".
وعند مفارقة إيليا لهُ أخذ نصيب أثنين من روح الله التى كانت على إيليا "ولما رآه بنو الأنبياء. قالوا قد استقرت روح إيليا على إليشع فجاءوا وسجدوا له(78)". وبدأ خدمته بإبراء نبع ماء فى أريحا كانت مياههُ ردية والأرض حوله مُجد به عندما طرح فيه بعض الملح(79). ولعن بعض الأولاد فى بيت إيل عندما نادوه "يا أقرع"، "فخرجت دبتّان من الوعر وافترست منهم أثنين وأربعين ولداً(80)"، وبرغم هذه القسوة كان يتصف بالرحمة وعمل الرحمة، فلما صرحت إليه "امرأة من نساء بنى الأنبياء(81)" بسبب ما عليها من ديون، طلب منها أن تستعير أوعية كثيرة من جيرانها ففعلت، ولم يكن لديها "إلا دهنة زيت(82)"، فامتلأت هذه الأوعية بالزيت من هذه الدهنة، وقال لها "بيعى الزيت وأوفى دينك وعيشى أنت وبنوك بما تبقى(83)". وأثناء خدمته كان يمر فى شونم على امرأة شونمية وزوجها فطلبت المرأة من زوجها أن يصنع لهُ علبيه يقيم فيها عند مروره عليهم وبصلاته أعطاها الله إبناً ولما مات هذا الولد أقامه الله من الموت بصلاته(84)، عندما تعرضت جماعة الأنبياء فى الجلجال للموت بسبب أكل مسمم كانوا يطبخونه بالقدر ألقى عليه بعض الدقيق وأكلوا "كأنه لم يكن شئ ردئ فى القدر(85)". وأطعم مئة رجل من بنى الأنبياء بعشرين رغيف شعير وسنابل حنطة وفاض عنهم، يقول الكتاب انه قال لخادمه "أعط الشعب فيأكلوا لأنهُ هكذا قال الربُّ يأكلون ويفضل عنهم. فجعل أمامهم فأكلوا وفضل عنهم حسب قول الرب(86)".وشفى برص نعمان السريانى رئيس جيش ملك أرام بأن طلب منه أن يغتسل "سبع مرات فى نهر الأردن(87)"، ولما فعل نعمان ذلك يقول الكتاب "فرجع لحمهُ كلحم صبى صغير وطهر(88)". وجعل فأس من الحديد سقطت من أحد بنى الأنبياء فى نهر الأردن تطفوا على سطح الماء(89).
ورأى بعينيه الروحيتين غلامه جيحزى وهو يكذب على نعمان السريانى ويطلب منه هدايا ثياب باسم النبى فحكم عليه وعلى نسله بالبرص إلى الأبد(90). وقال عنه عبيد ملك أرام "ولكن إليشع النبى الذى فى إسرائيل يخبر ملك إسرائيل بالأمور التى تتكلم بها فى مخدع مضجعك(91)"، فأرسل ملك أرام للقبض عليه "خيلاً ومركبات وجيشاً ثقيلاً وجاءوا ليلاً وأحاطوا بالمدينة(92)"، ولما رأى غلام النبى ذلك صرخ متأوهاً "آه يا سيدى كيف نعمل؟(93)"، فكأنه النبى وصلى لله "ففتح الرب عينى الغلام فأبصر وإذا بالجبل مملوء خيلاً ومركبات نار حول إليشع(94)". وصلى لله فضربهم بالعمى وقادهم إلى ملك السامرة الذى لما أراد قتلهم رفض إليشع النبى وطاب منه أن يضع لهم خبز وماء فأكلوا وشربوا وأعادهم إلى سيدهم(95) ولما كانت السامرة محاصرة والمجاعة شديدة فيها تنبأ إليشع بانتهاء الحصار والمجاعة وبرخص أثمان الطعام وتم ذلك فى اليوم التالى مباشرة(96). ولما مات إليشع ودفن كان بعض الناس يدفنون ميت فرأوا غزاة من موآب قادمين فألقوا بالميت "فى قبر إليشع فلما نزل الرجل ومس عظام إليشع عاش وقام على رجليه(97)".
6- إشعياء النبى الإنجيلى:
وفى أيام حكم الملوك "عزّيّا ويوثام وآحاز" فيما بين (740ق.م إلى 710ق.م) جاء أشعياء النبى الذى يصفهُ علماء الكتاب المقدس ب "نبى الأمير" و"الملك على أنبياء بنى إسرائيل" و"نبى إسرائيل العالمى" والذى أتصف سفره بالبلاغة الأدبية واللغوية ودقة وحدة التعبيرات والوصف والبراعة فى اختيار الكلمات والمترادفات وجمال الاستعارات ووقار التعبير والهدوء والسمو والجلال والفخامة والطاقة والحيوية المليئة بالصور المثيرة والتمثيل الدرامى والاستخدام الواسع للكلمات والجمل والتعبيرات المتضادة والمفردات وتكرار الكلمات والأفكار والأمثال والكنايات والاستعارات والتشبيهات. كما يتميز سفره بأنه يضم كل أنواع وصفات وخصائص الأدب الذى كان سائداً فى عصره من أمثال ورؤى ورموز وحوار درامى وأناشيد غنائية ومراثى، وقد كتب معظم السفر شعراً. كما جمع بين الإلهيات والروحيات، التى هى سمة الإعلان الإلهى، والمنطق والخطابة والنصح والتحذير والتوبيخ والتهديد بالدينونة القادمة والإرشاد.
كان نبياً عظيماً ومستشاراً روحياً للملوك والشعب يسألون الله ويكلمونه من خلاله، ويكلمهم، هو بكلمة الله التى يتكلم بها الروح القدس على فمه وبلسانه، كقول الكتاب "حسناً كلم الروح القدس آباءنا بأشعياء النبى(98)"، وقد تركزت رسالته فى ثلاثة محاور؛ الأول هو توبيخ الأمة على خطاياه التى انغمست فيها وأنغمس فيها الجميع من الكبير إلى الصغير، والتى تركزت فى الفساد الدينى والأخلاقى والسياسى والظلم الاجتماعي وعبادة الأصنام، الزنى الروحى، ومن ثم بدأ سفره بهذه الأقوال الإلهية شديدة القسوة "أسمعى أيتها السموات وأصغى أيتها الأرضُ لأن الربّ يتكلّمُ. ربيتُ بنين ونشّأتُهم. أما هم فعصوا على. الثور يعرف قانيهُ والحمارُ معلف صاحبه. أما إسرائيل فلا يعرف شعبى لا يفهم. ويل للأمة الخاطئة الشعب الثقيل الأثم نسل فاعلى الشر أولاد مفسدين تركوا الرب أستهانوا تركوا الرب استهانوا بقدوس إسرائيل أرتدُّوا إلى وراءٍ ... كل الرأس مريض وكل القلب سقيم. من أسفل القدم إلى الرأس ليس فيه صحة ... بلادكم خربة. مدنكم محرقة بالنار.. أيديكم ملآنة دماً. أغتسلوا تنقوا اعزلوا شرّ أفعالكم من أمام عينى كفوا عن فعل الشر تعلموا فعل الخير. أطلبوا الحق أنصفوا المظلوم أقضوا لليتيم وحاموا عن الأرملة.. كيف صارت القرية الأمينة زانيةً ملآنةً حقاً كان العدل يبيت فيها. وأما الآن فالقاتلون. صارت فضتك زغلاً وخمرك مغشوشة بماء. رؤساؤك متمردون ولُغفاء (شركاء) اللصوص كل واحد منهم يحب الرشوة ويتبع العطايا (يسعى وراء الربح) لا يقضون لليتيم ودعوى الأرملة لا تصل إليهم(99)".
والمحور الثانى هو إعلان قداسة الله وبره وكونه الإله الواحد الحقيقى، خالق السموات والأرض، الكون كله، سيد الكون والفاعل فى التاريخ الآزلى الأبدى، الذى لا بداية له ولا نهاية، عالم الخفيات والظاهرات، ما يرى وما لا يرى الذى يكشف الماضى ويعلن الحاضر والمستقبل، خالق كل شئ وبيده حياة وأمر كل شئ، كلى الوجود والقدرة والعلو:
+ "هكذا يقول الله الرب خالق السموات وناشرها باسط الأرض ونتائجها معطى الشعب عليها نسمة والساكنون فيها روحاً" (أش 5: 42).
+ "قبلى لم يُصورّ إله وبعدى لا يكون. أنا أنا الرب وليس غيرى مخلص" (أش10: 43،11).
+ "أنا الرب وليس آخر. لا إله سواى.. ليس غيرى. أنا الرب وليس آخر. مصور النور وخالق الظلمة صانع السلام وخالق الشر. أنا الرب صانع كل هذه... هكذا يقول الرب قدوس إسرائيل وجابلهُ. أسألونى عن الآتيات.. أنا صنعت الأرض وخلقت الإنسان عليها. يداى أنا نشرتا السموات وكل جندها أنا أمرتُ.. لأنه هكذا قال الرب خالق السموات هو الله. مصور الأرض وصانعها. هو صورها. لم يخلقها باطلاً. للسكن حورها. أنا الرب وليس آخر.. أنا الرب ولا إله آخر غيرى.. ليس سواى. التفتوا إلىّ واخلصوا يا جميع أقاصى الأرض لأنى أنا الله وليس آخر" (إش 5: 45-7،11،12،18).
وكان جوهر السفر وجوهر رسالة النبى هو الخلاص، خلاص الرب، وكان إشعياء أكثر نبى تكلم عن الخلاص، خلاص الله للشعوب فى جميع أقاصى الأرض، فقد تكررت كلمة "خلاص" فى السفر 26 مرة فى حين ذكرت سبع مرات فقط فى أقوال بقية أنبياء العهد القديم الآخرين. وتكلم بكثرة وبكثافة عن قداسة الله (36مرة) الذى وصف ب "قدوس إسرائيل(100)"، و"قدوس يعقوب(101)"، "قدوسكم(102)"، "الإله القدوس(103)"، و"ساكن الأبد القدوس أسمه(104)"، وكان قد بدأ خدمته بالرؤيا التى رأى فيها الله القدوس جالساً فى الهيكل وحوله السرافيم يسبحونه قائلين "قدوس قدوس رب الجنود مجدهُ ملءُ كل الأرض(105)".
أما المحور الثالث فقد تركز فى نبوات النبى على ما سيحدث لشعب الله من خراب ودمار وسبى إلى بابل، والذى حدث بعد انتقاله من العالم بحوالى 100 سنة، ثم عودة البقية الأمينة من الشعب ثانية، وتنبأ عن أسم الملك الأممى الذى سيأمر بعودة هذه البقية الأمينة ثانية، بل وتنبأ عما سيكون عليه هذا الملك القادم والأمم التى ستخضع له كإمبراطور عالمى "القائل عن كورش راعىّ فكل مسّرتى يتممّ ويقول عن أورشليم ستُبنى وللهيكل ستُؤسّس، هكذا يقول الرب لمسيحة لكورش الذى امسكتُ بيمينه لادوس أمامه أمماً(106)"، وتنبأ أيضا عن مصير كثير من البلاد المجاورة للقدس وعلى رأسها مصر(107) وبابل(108) واشور(109) وموآب(110) ودمشق(111) ومادى وفارس(112) وادوم(112) والعربية(112) وصور(113)، أما معظم نبؤاته فقد كانت عن السيد المسيح، وجوده الأزلى كالإله القدير(114) وتجسده وميلاده من عذراء(115) وخدمته فى الجليل(116) وأعماله ومعجزاته(117) وكان أعظم من صور آلام المسيح وصلبه وموته بعين النبوّة والرؤيا بمغزاها الفدائى الخلاصى اللاهوتى "لكن أحزاننا حملها وأوجاعنا تحملها ونحن حسبناهُ مصاباً مضروباً من الله ومذلولاً. وهو مجروح لأجل معاصينا مسحوق لأجل آثامنا تأديب سلامنا عليه وبُحبُره (جراحه) شُفينا. كلنا كغنم ضللنا ملنا كل واحد إلى طريقه والرب وضع عليه أثم جميعنا(118)"، كما تنبأ بأستفاضة عن البركات المسيانية، بركات العصر المسيحى والأبدية(119).
7- أرمياء النبى الباكى:
ولما حان وقت العدل الإلهى وجاءت الدينونة على بنى إسرائيل، بل وفى أحلك أوقاتها وأشدها سواداً أرسل الله أرمياء النبى لينذر بعواقب الخطية التى تراكمت على هذا الجيل الذى كان عليه أن يجنى ثمار خطاياه وخطايا الآباء الذين لو يوفوا بعهودهم مع الله، وينال عقوبة عصيان الله والارتداد عنه ومخالفة ناموسه ووصاياه، شريعته، ونظراً لقسوة الأيام القادمة على الشعب والنبى، وعظم ما سيلاقيه النبى من عذابات واضطهادات وحبس، وعظم ما سيعانيه من الشعب من جوع وحرق وموت وسبى، فقد طلب منه الله أن لا يتزوج وأن لا يكون له بنين أو بنات بسبب الشر القادم والدينونة القادمة: "ثم صار إلىّ كلام الرب قائلاً لالا تخذ لنفسك امرأة ولا يكون لك بنون ولا بنات فى هذا الموضع لأنه هكذا قال الرب عن البنين وعن البنات المولودين فى هذا الموضع وعن أمهاتهم اللواتى ولدنهم وعن آبائهم الذين ولدوهم فى هذه الأرض ميتات أمراض يموتون. لا يُندبون ولا يُدفنون بل يكونون دمُنه (زبلاً) على وجه الأرض وبالسيف والجوع يفنون وتكون جثثهم أكلاً لطيور السماء ولوحوش الأرض(120)".
وقد تركزت رسالة النبى فى ثلاثة محاور أيضا؛ المحور الأول هو المناداة بحتمية العقاب الإلهى القادم والدينونة الوشيكة وتنفيذ كل ما سبق أن حذر منه الله بنى إسرائيل، وبالتالى حتمية الهلاك والموت والحرق لجزء سواء بالجوع أو بالسيف أو النار وحتمية دمار الهيكل وأورشليم والطرد من الأرض والسبى إلى بابل: "الكلمة التى صارت إلى أرمياء من قبل الرب قائلاً: قف قف فى باب بيت الرب وناد هناك بهذه الكلمة وقل. اسمعوا كلمة الرب يا جميع يهوذا الداخلين فى هذه الأبواب لتسجدوا للرب. هكذا قال رب الجنود إله إسرائيل. أصلحوا طرقكم وأعمالكم فأسكنكم فى هذا الموضع. لا تتكلوا على كلام الكذب قائلين هيكل الرب هو. لأنكم أن أصلحتم إصلاحاً طرقكم وأعمالكم أن أجريتم عدلاً بين الإنسان وصاحبه أن لم تظلموا الغريب واليتيم والأرملة ولم تسفكوا دماً زكياً فى هذا الموضع ولم تسيروا وراء آلهة أخرى لاذائكم.. ها أنتم متكلون على كلام الكذب الذى لا ينفع أتسرقون وتقتلون وتزنون وتحلفون كذباً وتبخرون للبعل وتسيرون وراء آلهة أخري لو تعرفوها ثم تأتون وتقفون أمامى فى هذا البيت الذى دُعى باسمى عليه وتقولون قد أُنقذنا. حتى تعلموا كل هذه الرجاسات، هل صار هذا البيت الذى دعى باسمى عليه مغارة لصوص فى أعينكم.. ولأن من أجل عملكم هذه الأعمال يقول الرب قد كلمتكم مبكراً ومكلماً فلم تسمعوا ودعوتكم فلم تجيبوا أصنع بالبيت الذى دُعى باسمى عليه الذى أنتم متكلون عليه وبالموضع الذى أعطيتكم وآبائكم إياهُ كما صنعتُ بشيلو (عندما دمر الفلسطينيون خيمة الإجتماع فيها وهزموا الشعب أمامهم(121). وأطرحكم من أمامى كما طرحتُ كل أخوتكم كل نسل أفرايم(122)، وأنت فلا تصل لأجل هذا الشعب ولا ترفع لأجلهم دعاءً ولا صلاة ولا تلحّ علىّ لأنى لا أسمعك(123)". وقد تم ذلك حرفياً فى زمان النبى حين حاصر ملك بابل أورشليم وحدثت بسبب ذلك الحصار مجاعة شديدة وهرب عدد كبير من الشعب من ثقب فى سور المدينة، ثم دمر ملك بابل أسوار المدينة وأحرق بيوتها ودمر الهيكل تماماً وأخذ عدداً كبيراً من الشعب إلى السبى فى بابل(124).
وكان المحور الثانى لرسالة النبى هو إعلان قبول الله لتوبة الخطاة والعودة إلى عبادته والسير بحسب وصاياه وكيف أن الله يستطيع تشكيل الإنسان ثانية وأنه يصفح عن الذين شاء أن يهلكهم عند توبتهم ورجوعهم إليه. ولإيضاح ذلك بصورة عملية أنزل الله أرمياء النبى فى بيت الفخارى وأراه كيف يعيد الفخارى الوعاء الفاسد ويعملهُ وعاء آخر بحسب ما يحسن فى عينيه وبعد ذلك يقول النبى بالروح "فصار إلىّ كلام الرب قائلاً: أما أستطيع أن أصنع بكم هذا الفخارى يا بيت إسرائيل يقول الرب هوذا كالطين بيد الفخارى أنتم هكذا بيدى يا بيت إسرائيل. تارة أتكلم على أمّة وعلى مملكة بالقلع والهدم والإهلاك فترجع تلك الأمة عن شرها فأندم على الشر الذى قصدتُ أن أصنعه بها. وتارة أتكلم على أمّة وعلى مملكة بالبناء والغرس. فتفعل الشر فى عينىّ فلا تسمع لصوتى فأندم على الخير الذى قُلت أنى أحسن إليها به(125)".
والمحور الثالث لرسالة النبى هو حتمية العودة من السبى، عودة البقية الأمينة بعد سبعين سنة وتجديد العهد معها بعهد جديد "ويكون عند تمام سبعين سنة إنى أعاقب ملك بابل وتلك الأمة يقول الرب(126)"، "لأنه هكذا قال الرب. أنى عند تمام سبعين سنة لبابل أتعهدكم وأقيم لكم كلامى الصالح بردكم إلى هذا الموضع.. فتدعوننى وتذهبون وتصلُّون إلىّ فأسمع لكم. وتطلوبننى فتجدوننى إذ تطلبوننى بكل قلوبكم(127)"، "ها أيام تأتى يقول الرب وأقطع مع بيت إسرائيل وبيت يهوذا عهداً جديداً. ليس كالعهد الذى قطعتهُ مع آبائهم يوم أمسكتهم بيدهم لأخرجهم من أرض مصر حين نقضوا عهدى فرفضتهم يقول الرب. بل هذا هو العهد الذى أقطعهُ مع بيت إسرائيل بعد تلك الأيام يقول الرب. أجعل شريعتى فى داخلهم وأكتبها على قلوبهم وأكون لهم إلهاً وهم يكونون لى شعباً(128)" هذا العهد الجديد هو العهد الذى قطعه السيد المسيح بدمه "هذا هو دمى للذى للعهد الجديد الذى يسفك من أجل كثيرين لمغفرة الخطايا(129)"، وذلك بحسب وعد الله لداود وما أكده الله من خلال أرمياء النبى " ها أيام تأتى يقول الرب وأقيم الكلمة الصالحة التى تكلّمتُ بها إلى بيت إسرائيل وبيت يهوذا. فى تلك الأيام وفى ذلك الزمان ابنت لداود غضن البر فيجرى عدلاً وبراً فى الأرض. فى تلك الأيام يخلص يهوذا وتسكن أورشليم آمنة وهذا ما تتسمى به الربُّ بُّرنا (130)".
وكما تنبأ أرمياء النبى على مصير إسرائيل ومصيرالعصر المسيحى أو المسيانى الآتى، تنبأ أيضا مثل أشعياء النبى، على مصير أمم ومدن هى(131)؛ وفلسطين(132)، وموآب(133)، وعمون(134)، وآدوم(135)، ودمشق(136)، وقيدار وحاصور(137)، وعيلام(138)، وبابل(139)، وعانى النبى من الاضطهاد الذى أضطهده به الكهنة والشيوخ والملك والقادة والأنبياء الكذبة فضُرب ووضع فى المقطرة حتى لعن اليوم الذى وُلد فيه(140)، ووضع فى السجن والقى فى الجب الموحل لكى يموت ولكن الله أنقذه من الموت وأخذه بعض الهاربين من السبى البابلى إلى مصر قسراً(141).
8- حزقيال النبى والرقيب:
وفى قلب هذه المحنة وفى وسط الضيق والحصار والموت والجوع والدمار دعا الله حزقيال الكاهن ابن بوزى الذى أُخذ أسيراً إلى بابل فى المرحلة الثانية للسبى 597 ق.م، وأرسله للعمل النبوى والخدمة بين المسبيين فى بابل. وكانت مهمته شاقة وعسيرة جداً ومليئة كما يقول الكتاب ب "مرث ونحيب وويل(142)"، لأنه مرسلاً إلى "بيت إسرائيل صلاب الحياة وقساة القلوب "بيت متمرد"، ومن ثم يقول "فجئت الروح وأخذنى فذهبت مراً فى حرارة روحى ويد الرب كانت شديدة علىّ. فجئت إلى المسبيين عند تل أبيب الساكنين عند نهر خابور وحيث سكنوا هناك سكنت سبعة أيام متحيراً فى وسطهم(143)".
كان دمار أورشليم والشتات والسبى إلى بابل قد تم على ثلاثة مراحل:
1- المرحلة الأولى سنة 605 ق.م والتى هاجم فيها نبوخذ نصر ملك بابل أورشليم وهزم يهوياقيم ملك يهوذا وسمح لهُ أن يبقى فى الحكم كتابع لهُ، يحكم بأسمه ويخضع لسلطانه، وأخذ معه بعض كنوز الهيكل وعدد من الفتية "من بنى إسرائيل ومن نسل الملك ومن الشرفاء(144)"، وكان من ضمنهم دانيال ورفاقه الثلاثة(145).
2- وفى المرحلة الثانية سنة 597 ق.م. جاء نبوخذ نصر ثانية وحاصر أورشليم وأخذ بقية أوانى الهيكل وكنوزه ونقلهم إلى بابل وأخذ الملك يهوياقيم ومعهُ 10.000 امير وضابط ورجل شرطة وجميع الصناع والمهرة ولم يترك فى يهوذا إلا مساكين الأرض (بقية الشعب)، وكان من ضمن هؤلاء حزقيال الكاهن ابن بوزى(146)، وقد عانى كل الشعب، سواء الذين بقوا فى أورشليم أو الذين أخذوا إلى السبى من الذل والعار والمهانة، ونظراً لأن الهيكل كان ما يزال قائماً، برغم ما حل به من خراب، فقد كان الأمل ما يزال يراود المسبيين فى الانتصار والعودة، ولكن إرادة الله شاءت أن تدمر المدينة ويحرق الهيكل عقاباً للشعب على خطاياه وأن يستمر السبى مدة سبعين سنة، كما سبق وأعلن الله لأرمياء النبى. ومن هنا كانت صعوبة وقسوة ومرارة رسالة حزقيال النبى التى تركزت فى ثلاثة محاور رئيسية هى:
1- حتمية عقاب الشعب ودينونته بسبب آثامه وخطاياه وعصيانه المستمر وتمرده الدائم على الله وتركه لعبادته باعتباره الإله الواحد الحى الحقيقى الذى ل إله غيره أو مثله أو سواه، وعبادة الأوثان، التى وصفها الله بالزنى الروحى، حتى انه وصف أورشليم وكل شعب إسرائيل بالأبنة اللقيطة التى وجدها ملقاة على قارعة الطريق ومطروحة على وجه الحقل بكراهة نفسها، ثم أخذها ورباها وجعلها زينة الأزيان وصار جمالها كاملاً ببهاء الله الذى وضعه عليها. ولكنها تركته، تركت عبادة الله، وانحرفت وزنت مع جيرانها، عبدت أصنام المدن والبلاد المجاورة(147). ثم يضيف كل من السامرة عاصمة إسرائيل، الأسباط العشرة، وأورشليم عاصمة يهوذا بامرأتين زانيتين، تركنا عبادة الله الحى وعبدتا الأوثان "زنتا بأصنامهما وأيضا أجازتا بنيها الذين ولدتاهم لى النار أكلاً لها. وفعلتا أيضا بى هذا، نجستا مقدسى فى ذلك اليوم ودنستا سبوتى. ولما ذبحتا بنيها لأصنامهما أتتا فى ذلك اليوم إلى مقدسى لتنجساه(148)". كما تركوا وصايا الله ونواميسه وشريعته وعملوا كل أنواع الشر والأثم والرذيلة "هوذا رؤساء إسرائيل كل واحد حسب استطاعته كانوا فيك لأجل سفك الدم. فيك أهانوا أباً وأماً. فى وسطك عاملوا الغريب بالظلم. فيك اضطهدوا اليتيم والأرملة. ازدريت اقداسى ونجست سبوتى. كان فيك أناس مشاة لسفك الدم وفيك أكلوا على الجبال. فى وسطك عملوا رذيلة. فيك كشف الإنسان عورة أبيه.فيك أزلوا المنجسة بطمثها. إنسان فعل الرجس بامرأة قريبه. إنسان نجس كنته برذيلة إنسان أذل فيك أختهُ بنت أبيه. فيك أخذوا الرشوة لسفك الدم. أخذت الربا والمرابحة وسلبت أقرباءك بالظلم ونسيتينى يقول السيد الرب(149)". وكانت إرادة الله "من اجل ذلك حى أنا يقول السيد الرب من اجل انك نجست مقدسى بكل فكرهاتك وبكل أرجاسك فأنا أيضا أجز ولا تشفق عينى وأنا أيضا لا أعفو ثُلثُك يموت بالوباء وبالجوع يفنون فى وسطك وثلث يسقط بالسيف من حولك وثلث أذرّيه فى كل ريح وأستل سيفاً وراءهم(150)".
2- رحيل مجد الرب وتخلى الله عن الهيكل. ونظراً لخراب الهيكل القادم والوشيك حمل الله حزقيال النبى فى الرؤيا إلى أورشليم وأراه عبادتهم للأصنام وشرورهم وآثامهم وسجودهم للشمس، ومن ثم حتمية عقابهم وهلاكهم ورفض الله للعفو عنهم بسبب عنادهم وإصرارهم على شرهم ومن ثم فقد ترك مجد الرب الهيكل "فأرتفع مجد الرب عن الكروب إلى كتبة البيت. فامتلأ البيت من السحابة وامتلأت الدار من لمعان مجد الرب ... وخرج مجد الرب من على عتبة البيت ووقف على الكروبيم. فرفعت الكروبيم أجنحتها وصعدت من الأرض قدام عينى. عند خروجها كانت البكرات معها ووقف عند مدخل باب بيت الرب الشرقى ومجد إله إسرائيل عليها من فوق(151)"، ثم ترك المدينة أيضا "وصعد مجد الرب من على وسط المدينة ووقف على الجبل الذى على شرقى المدينة(152)".
وجاء نبوخذ نصر للمرة الثالثة وحاصر أورشليم فى الفترة من 588 إلى 585 ق.م. "وأحرق بيت الرب وبيت الملك وكل بيوت أورشليم وكل بيوت العظماء أحرقها بالنار وسبى عدداً كبيراً من الشعب ولم يبق على الأرض سوى "مساكين الأرض كرامين وفلاحين(153)"، ومن ثم تحولت نبوات حزقيال النبى إلى المستقبل والرجاء فى العودة مجيء ابن داود والهيكل السمائى.
3- حتمية عودة البقية الأمينة وإتمام الوعد بالحياة الجديدة ومجيء ابن داود الذى سبق أن وعد الله به، وذلك على الرغم من يأس الشعب وتصورهم استحالة العودة "ها هم يقولون يبست عظامنا وهلك رجاؤنا. قد انقطعنا(154)"، ولكن الله يؤكد حتمية هذه العودة "وأخذكم من بين الأمم وأجمعكم من جميع الأراضى وآتى بكم إلى أرضكم، وأرش عليكم ماءً طاهراً فتطهرون. من نجاساتكم ومن كل أصنامكم أُطهركم.. وأعطيكم قلباً جديداً وأجعل روحاً جديدة فى داخلكم وأنزع قلب الحجر من لحمكم وأعطيكم قلب لحم. وأجعل روحى فى داخلكم وأجعلكم تسلكون فى فرائض وتحفظون أحكامى وتعملون بها(155)".
وقد جعل الله من حياة حزقيال النبى الشخصية نموذجاً ومثالاً لما سيحدث للشعب من آلام وآنين، كما جعل من تصرفاته رموزاً لما سيحث للشعب وما سيعانيه من ضيق وجوع وموت وسبى. كان حزقيال النبى نفسهُ آية لهم وجعل من موت زوجته وما سيعانيه بسبب ذلك مثالاً لما سيحدث لأورشليم من خراب وما سيحدث للشعب من حزن وكرب وضيق "يا ابن آدم هأنذا أخذ عنك شهوة عينيك بضربة (مرض مفاجئ) فلا تنح ولا تبك ولا تنزل دموعك. تنهد ساكناً لا تعمل مناحة على أموات ... فكلمت الشعب صباحاً وماتت زوجتى مساء. وفعلت كما أمرنى الرب(156)"، كما جعله الله يتكئ على جنبه الأيسر 390 يوم وعلى جنبه الأيمن 40 يوم، وجعل عليه أربطة حتى لا يتقلب من جنب إلى جنب رمزاً لسنى أثم إسرائيل ويهوذا(157). وطلب منه أن يأكل الطعام، البقوليات فقط، بالوزن ويشرب الماء بالكيل رمزاً لما سيحدث أثناء الحصار من جوع وضيق(158).
كانت رسالته إلى شعب قاسى القلب وصلب الجبهة متحجر العقل وصلب كالصوان وقد وصف الله ب "القريس والسلاء(159)" و"العقارب(159)". وكان حزقيال النبى فى وسطهم كما وصفه الله كشعر أشواق لجميل الصوت يحسن العزف فيسمعون كلامك ولا يعملون به(160)"، أو بترجمة أخرى "إنما أنت لهم كأغنية حب من صاحب صوت رخيم يحسن العزف. فيسمعون كلامك ولا يعملون به(161)". ولكنهم قالوا عنه "يمثل أمثالاً(162)".
ومثل أشعياء وأرمياء تنبأ حزقيال النبى على البلاد والمدن المجاورة، فقد تنبأ على مصير عمون وموآب وسعير آدوم وفلسطين(163)، وعلى صور(164)، وعلى صيدون، وعلى مصر(166)، أما أكبر نبواته وأعظمها فقد كانت عن الهيكل الجديد وعودة مجد الرب والمدينة المقدسة والمياه المقدسة والأمجاد القادمة(167).
9- الأنبياء الأثنا عشر:
الأنبياء الأثنا عشر المعروفون بالأنبياء الصغار هم من الأنبياء الرئيسيين، وقد وصفوا بالصغار لا لصغر درجتهم أو مكانتهم ولكن لصغر حج أسفارهم التى أعلنها الله لهم كرؤى أو وصى وقد دونوها بوحى الروح القدس. وكانت رسالتهم مثيلة برسالة الأنبياء المذكورين أعلاه، خاصة أشعياء وأرمياء وحزقيال. فقد كانت رسالة هوشع ويوئيل وعاموس وميخا وحبقوق وصفنيا مثيلة برسالة أشعياء وأرمياء وكانت رؤى زكريا مثيلة برؤى حزقيال وسفر الرؤيا فى العهد الجديد، وكانت نبوات ناحوم على نينوى ونبوات عوبيديا على آدوم شبيهة بنبوات أشعياء وأرمياء وحزقيال على البلاد والأمم. أما رسالة يونان النبى فكانت موجهة إلى شعب نينوى. وكانت رسالة حجى النبى هى حث العائدين من السبى على بناء بيت الرب، ورسالة ملاخى النبى هى إعلان محبة الله وتوبيخ الكهنة والشعب، فى أواخر مراحل نبوة بنى إسرائيل، بسبب فسادهم، والتنبؤ بمجيء المسيح والملاك الذى سيأتى سابقاً له ليعد الطريق أمامه والذى سيأتى بروح إيليا وقوته(168)، وقال عنهم يشوع بن سيراخ "بارك الله ذكرى الأنبياء الأثنى عشر أيضا، وجعل عظامهم تنهض من القبر لأنهم شجعوا بنى يعقوب وخلعوهم بما كان لهم من رجاء راسخ" (سيراخ10: 49).
كان الأنبياء الرئيسيين، المستقلين، أعلى شأناً ومكانة من بقية البشر والشعوب والملوك والرؤساء والقادة ورجال الكهنوت، فقد كانوا رجال الله وعبيده وخدامه ولسانه وفمه الناطق والمعلنين لإرادته والمتنبئين بما سيكون فى المستقبل. كانوا حكماء وقادة روحيين وصناع معجزات. كما كانا أيضاً الوسطاء بين الله والناس، يصلون إلى الله من أجل القادة والشعب، ويسأل الناس الله ويستفسرونه عن طريقهم، ويجيب الله الناس ويكلمهم بواسطتهم. وكان بعض هؤلاء الأنبياء يناديهم تلاميذهم من جماعات الأنبياء ويلقبهم الملوك بلقب "آب"، مثل صموئيل وإيليا وإليشع. فقد قيل عن صموئيل النبى أنه "أبوهم(169)" أى جماعة (زمرة) الأنبياء، نادى إليشع النبى معلمه وسيده إيليا النبى عند صعوده إلى السماء عن طريق مركبة نارية فى العاصفة "يا أبى يا أبى مركبة إسرائيل وفرسانها(170)"، ونادى أحد ملوك إسرائيل إليشع النبى أيضا "يا أبى(171)"، كما ناداه الملك يوأش أيضا "يا أبى يا أبى يا مركبة إسرائيل وفرسانها(172)". كما كان هؤلاء الأنبياء الثلاثة، صموئيل وإيليا وإليشع، معلمين ورؤساء لجماعات الأنبياء التى كانت منتشرة فى أيامهم، ومرشدين لهم. يقول الكتاب أنه كان هناك "جماعة الأنبياء يتنبأون وصموئيل واقفاً رئيساً عليهم(173)"، وعن إليشع النبى يقول "وكان بنو الأنبياء جلوساً أمامه(174)"، وكانوا يتحركون بإرشاده ويأتمرون بأمره(175)، كما نصر الله الملوك والقادة والشعب بصلواتهم وعن طريق ملائكة أتت من السماء استجابة لشفاعتهم، مثل الملاك الذى ضرب من جيش آشور "مئة وخمسة وثمانين ألفاً(176)"، حسب وعد الله لأشعياء النبى واستجابة لصلاته(177)، وكان حزقيال النبى "رقيباً لبيت إسرائيل(178)"، رقيباً على الجميع القادة والكهنة والشعب ولم يكن للملوك والرؤساء سلطان عليهم، بل كانوا هم مسلحين بسلطان الله الذى كانوا مكرسين له تماماً ومتفرغين لخدمته وحمل رسالته، والذى أختارهم سابقاً، بحسب مشورته وإرادته وعلمه السابق حتى قبل أن يصوروا فى بطون أمهاتهم وقبل أن يخرجوا من الأرحام.
3- جماعات الأنبياء
يذكر الكتاب فى أسفار صموئيل والملوك جماعات من الأنبياء يدعوها ب "زمرة الأنبياء" و"جماعة من الأنبياء" و"بنو الأنبياء" أو "بنى الأنبياء".
+ "زمرة من الأنبياء نازلين من المرتفعة وأمامهم رباب ودُف وناى وعود وهم يتنبأون" (1ص5: 10).
+ "ولما جاءوا إلى هناك إلى جبعة إذا بزمرة من الأنبياء لقيته فحل عليه روح الرب فتنبأ فى وسطهم" (1صم 10: 10).
+ "جماعة من الأنبياء يتنبأون وصموئيل واقفاً رئيساً عليهم" (1صم 20: 19).
+ "وكان حينما قطعت إيزابل أنبياء الرب أن عوبيديا أخذ مئة نبى وخبأهم خمسين رجلاً فى مغارة وعالهم بخبز وماء" (1مل 4: 18).
+ "وأن رجلاً من بنى الأنبياء قال لصاحبه. عن أمر الرب اضربني. فأبى الرجل أن يضربه. فقال له من أجل أنك لم تسمع لقول الرب فحينما تذهب من عندى يقتلك أسد. ولما ذهب من عنده لقيه أسد. وقتله" (1مل 35: 20،36).
+ "فخرج بنو الأنبياء الذين فى بيت إيل إلى إليشع وقالوا له أتعلم أنه اليوم يأخذ الرب سيدك من على رأسك فقال نعم أى أعلم فأصمتوا ... فتقدم بنو الأنبياء الذين فى أريحا إلى إليشع وقالوا له" وكرروا نفس كلام أنبياء بيت إيل. ولما صعد إيليا إلى السماء واستقر الروح القدس الذى كان عليه على إليشع، يقول الكتاب "ولما رآه بنو الأنبياء الذين فى أريحا قبالته قالوا قد استقرت روح إيليا على إليشع فجاءوا وسجدوا له على الأرض" (2مل 3: 2،5،13).
+ "وصرخت إلى إليشع امرأة من نساء بنى الأنبياء قائلة" (2مل 1: 4).
+ "ورجع إليشع إلى الجلجال. وكان جوع فى الأرض وكانوا بنو الأنبياء جلوساً أمامه. فقال لغلامه ضع القدر الكبيرة وأسلق سليقة لبنى الأنبياء" (2مل 38: 4).
+ "وقال بنو الأنبياء لإليشع هوذا الموضع الذى نحن مقيمون فيه ضيق علينا فلنذهب إلى الأردن ونأخذ من هناك كل واحد خشبة ونعمل لأنفسنا هناك موضعاً لنقيم فيه. فقال أذهبوا" (2مل 1: 6).
+ "ودعا إليشع النبى واحداً من بنى الأنبياء وقال له شد على حقويك وخذ قنينة الدهن هذه... وصب على رأسه (ياهو بن يهوشافاط) وقل هكذا قال الرب قد مسحتك ملكاً على إسرائيل" (2مل1: 9-3).
كان هؤلاء الأنبياء يحل عليهم روح الرب ويتنبأون فى جماعات وأحياناً كأفراد، ويعلن الله عن طريقهم ما سيكون فى المستقبل ويمسحون الملوك بأمر من رئيسهم. وكانت هذه الجماعات تقيم فى "بيت إيل" وفى "أريحا" وفى "الجلجال" وفى "جبل أفرايم"، وكانوا يخضعون لأحد الأنبياء الرئيسيين (المستقلين) وكانوا يدعونه ب "سيدهم" ويدعون أنفسهم "عبيداً" له، ويطيعونه ويطلبون موافقته فى بعض الأعمال التى يعملونها، وكان هو يطلب منهم ويكلفهم بالقيام ببعض المهام. وكان الله يكلف أفراداً منهم ليقوموا ببعض الأعمال النبوية. وكانوا يعيشون كمجموعات فى جماعات ويحيون حياة شركة ويقيمون فى مواضع وأماكن مشتركة سواء فى بيت إيل أو فى أريحا ... الخ، كما كانوا يأكلون ويشربون معاً على الرغم من أنه كانت لهم نساء يذكرهم الكتاب ب "نساء بنى الأنبياء" وكان لبعضهم أولاد. ويذكر الكتاب وجودهم بكثافة أيام الأنبياء صموئيل وإيليا وإليشع الذين كانوا رؤساء لهم ولا يذكرون فى غير الأسفار التاريخية خاصة صموئيل وملوك.
4- الحكماء والملوك والقادة التى كانت لهم مواهب النبوة (الأنبياء غير المتفرغين):
وكان هناك فئة أخرى من رجال الله أو رجال الروح القدس الذين تكلم الله معهم وكلمنا من خلالهم وبواسطتهم بأنواع وطرق الإعلان الإلهى المختلفة من ظهورات إلهية وحلول الروح القدس وإرسال ملائكة ورؤى وأحلام، ولكن أصحاب هذه الفئة لم يكونوا من الأنبياء الرئيسيين أو المنادين بكلمة الله والمتفرغين تماماً أو المكرسين للنبوة والعمل النبوى وإنما كانت لهم وظائف أخرى روحية أو مدنية، وكان عملهم الأساسى هو الحكمة أو الملك والقيادة الروحية والمدنية معاً، لم يكونوا أنبياء بالمعنى التقليدى والتطبيقى (التكنيكى - Theocracy) لكلمة "نبى – Nabi" فى اللغة العبرية، وإنما كان منهم شيخ القبيلة كأيوب البار، ومنهم الملك فى دولة ثيؤقراطية (Theo Cracy) يحكمها الله مباشرة من خلال ملوك ممسوحين بالدهن المقدس ويعملون على تطبيق شريعته، شريعة موسى النبى، وتنفيذ إرادته من خلال أحاديثه الإلهية، سواء معهم مباشرة أو أيضا عن طريق أنبياء آخرين، أنبياء بلاط، مثل داود الملك وسليمان الحكيم والملك اللذان كلمهما الله مباشرة وعن طريق أنبياء البلاط ناثان النبى وجاد الرائى، ومنهم الوالى والوزير ثم رئيس الوزراء فى مملكتى بابل وفارس مثل دانيال الحكيم ومفسر الأحلام وكاشف الأسرار الإلهية، ومنهم القادة الروحيون مثل عزرا الكاهن والكاتب، ونحميا رجل البلاط وساقى ملك فارس.
هؤلاء كانت لهم مواهب النبوّة أو كانوا قادة روحيون أو حكماء ولم يكونوا متفرغين للعمل النبوى تماماً.
كان أيوب أحد حكماء عصره ووصفه الله بأنه كان "كاملاً ومستقيماً يتقى الله ويحيد عن الشر(179)"، وكان رئيساً لقبيلة "أجلس رأساً وأسكن كملك فى جيش(180)"، "كان أعظم كل بنى المشرق(181)"، وقد كلمه الله من خلال العاصفة، إحدى علامات الظهور الإلهى، "فأجاب الرب أيوب من العاصفة وقال(182)"، "وكان بعدما تكلم الرب مع أيوب بهذا الكلام(183)".
ووصفه الله مع نوح البار ودانيال النبى فى سفر حزقيال بأنهم من أكثر الناس براً على وجه الأرض "هؤلاء الرجال الثلاثة نوح ودانيال وأيوب فأنهم إنما يخلصون أنفسهم ببرهم(184)"، ونعته العهد الجديد بالصبر "قد سمعتم بصبر أيوب ورأيتم عاقبة الرب(185)".
وكان داود ملكاً ومسيحاً للرب، كلمه الله وأوحى إليه وتكلم على فمه ونطق الروح القدس على لسانه، كقوله بالروح " وحى داود بن يسى ووحى الرجل القائم فى العلى مسيح إله يعقوب ومرنم إسرائيل الحلو. روح الربّ تكلّم بى وكلمتهُ على لسانى(186)". ووصف بأنه رجل بحسب قلب الله "وجدت داود بن يسى رجلاً حسب قلبى الذى سيصنع مل مشيئتى(187)"، وقال عنه السيد المسيح أنه تنبأ بالروح القدس "لأن داود نفسهُ قال بالروح القدس(188)"، وقال عنه القديس بطرس بالروح القدس أنه كان نبياً وسبق أن تنبأ عن قيامة المسيح "فإذا كان (داود) نبياً وعلم أن الله حلف له بقسم أنهُ من ثمرة صلبه يقيم المسيح حسب الجسد ليجلس على كرسيه سبق فرأى وتكلم عن قيامة المسيح(189)".
وكان سليمان ملكاً وممسوحاً بالدهن المقدس(190)، وحكيماً أعطاه الله الحكم بوفرة لا مثيل لها، وظهر له الله "تراءى له" مرتين فى حلمين إلهيين إعلانيين؛ فى المرة الأولى "تراءى له فى جبعون" وأعطاه الحكمة التى طلبها "هوذا أعطيتك قلباً حكيماً ومميزاً حتى أنهُ لم يكن مثلك قبلك ولا يقوم بعدك نظيرك(191)"، حتى يقول الكتاب المقدس "وأعطى الله سليمان حكمة وفهماً كثيراً جداً ورحبة قلب كالرمل الذى على شاطئ البحر. وفاقت حكمة سليمان جميع بنى المشرق وكل حكمة مصر. وكان أحكم من جميع الناس.. وتكلم بثلاثة آلاف مثل. وكانت نشائده الفاً وخمساً، وتكلم عن الأشجار من الأرز الذى فى لبنان إلى الزوفا النابت(199)". وقد وصفه الله أيضاً، فى سفر حزقيال، مع نوح وأيوب كأكثر الناس براً على وجه الأرض(200).كان دانيال أيضاً، رائياً "أراه الله أحلاماً ورؤى إلهية إعلانية وكشف له، المرسوم فى كتاب الحق"(201) وأعلن عن طريق الرُؤى التى رآها، سواء الليلية (الأحلام الإعلانية) أو الرُؤى النهارية، عن مصر الإمبراطوريات العالمية ومسيرتها عبر التاريخ وعلاقة ذلك بتجسد المسيح ومجيئه الثانى، وكذلك كشف النقاب عن كل الأحداث التى وقعت بين سوريا ومصر وفلسطين بما فيها، وعلى رأسها، القدس فى الفترة ما بين حكم الفرس وتجسد المسيح ودمار أورشليم النهائى(202) سنة 70م. كما كلمة الملاك جبرائيل وأعلن له، بل وحدث له زمن تجديد أورشليم والهيكل ومجيء المسيح الأول، تجسده، ودمار أورشليم النهائى بمدة محددة من السنين(203) كما رأى فى رؤيا خاصة المسيح كابن الإنسان الآتى على السحاب لتتعبد له كل المسكونة وباعتباره صاحب السلطان الأبدى والملكوت الذى لا يزول(204).
ودعاه المؤرخ والكاهن اليهودى يوسيفوس (26-100م) ب "دانيال النبى" وأشار السيد المسيح إليه وإلى نبواته قائلاً "متى رأيتم رجسه الخراب التى قال عنها دانيال النبى"(205). كان دانيال حكيماً ومفسراً للأحلام ورائياً ونبياً.
أما عذرا ونحميا اللذان قادا الشعب لبناء الهيكل وترميم وتجديد أسوار أورشليم وأحياء كلمة الله ووصاياه وناموسة والعمل بهم، يقول الكتاب أن الله حركهما بروحه القدوس فكانت يد الرب عليهم وروحه معهم: يقول الوحى الإلهى فى سفر عزرا "وأعطاه الملك (أرتحشتا ملك فارس) حسب يد الرب إلهه كل سُؤاله"(206)، و"جاء إلى أورشليم حسب يد الله الصالحة عليه"(207)، ويقول هو بالروح "وأما أنا فقد تشددتُ حسب يد الرب إلهى علىّ"(208)، ويقول نحميا بالروح "ما جعلهُ إلهى فى قلبى لأعمله فى أورشليم... يد إلهى الصالحة علىّ"(209).
هؤلاء كانوا حكماء روحيين يوحى إليهم وكانت لهم موهبة النبوة وتكلم الله معهم من خلال الظهورات الإلهية والملائكية وحلول روح الرب عليهم ورؤيتهم لرُوى وأحلام إلهية إعلانية ودعا العهد الجديد اثنين منهم بالأنبياء، داود ودانيال، ودعا العهد القديم اثنين منهم بالأبرار، أيوب ودانيال مع نوح. وكان واحداً منهم وهو داود كما يصفُه يوسيفوس "يعلم اللاويين ترتيل الأناشيد لله" كانت لديهم موهبة النبوة ولكنهم لم يعملوا كأنبياء متفرغين، لم يكونوا متفرغين أو مكرسين للعمل النبوُى. تكلم الله إليهم وتكلم بواسطتهم وأوحى إليهم بروحه القدوس وتركوا لنا أسفاراً إلهية دونوها مسوقين بالروح القدس، ومن ثم فقد كانوا رجال الله وعبيده ورسلهُ وخدامه الذين نطقوا بكلمته، بل وأنبيائه، لكن دون أن يمارسوا العمل النبوى كمكرسين له.
5- أنبياء البلاط الملكى الثيؤقراطى:
كان شعب الله فى القديم يقوده الله مباشرة من خلال موسى النبى ثم يشوع بن نون والقضاة إلى صموئيل النبى(210)، كان الله يكلم النبى أو القاضى ويوجه الشعب ويقوده من خلاله إلى حيث تشاء إرادة الله حسب إرادته الأزلية ومشورته وعلمه السابق وحسب وعودة للآباء البطاركة إبراهيم وإسحق ويعقوب.
ولما طلب الشعب أن يكون لهم ملكاً من بينهم مثل سائر البشر أمر صموئيل النبى أن يمسح لهم شاول بالدهن المقدس ملكاً، وهكذا كان الأنبياء مثل صموئيل وإيليا وإليشع إلى ملاخى يمسحون الملوك وكانوا يشددونهم ويقودونهم إلى حيث يريد الله وإلى طاعته والسير بحسب شريعته وناموسة ووصاياه، كما كانوا ينصحونهم ويحذرونهم من عاقبه العمل بما لا يرضى الله، ويوبخونهم، وينذرونهم فى حالة الوقوع فى الخطأ والحيد عن وصاياه الله والارتداد عنه، ويعلنون لهم قصاص الله وعقابه ودينونته فى حالة التمادى فى الأثم والخطية والارتداد عن الله.
وكان هناك أنبياء ورائون مخصصون فقط لحمل رسالة الله إلى الملوك، ملوك شعب الله فى القديم، ناثان النبى وجاد الرائى، وكانوا يعملون كمستشارين روحيين دائمين للملوك خاصة فى أيام داود الملك. وكان هؤلاء الملوك كثيراً ما سألون الرب خاصة فى أوقات الأزمات والضيقات والحروب، وعندما لا يجيبهم الله مباشرة، كان يجيبهم عن طريق هؤلاء الأنبياء، بل وكثيراً ما كان الرب يرسلهم لتوبيخ هؤلاء الملوك، على خطأ وقعوا فيه أو أثم ارتكبوه خاصة داود الملك.
+ ناثان النبى:
يظهر ناثان النبى للمرة الأول، حوالى سنة 948 ق.م. عندما أراد داود املك أن يبنى بيتاً للرب "فقال ناثان للملك اذهب أفعل كل ما بقلبك لأن الرب معك". يقول الكتاب "وفى تلك الليلة كان كلام الرب إلى ناثان قائلاً. أذهب وقل لعبدى داود هكذا قال الربّ. أأنت تبنى لى بيتاً لسكناى. لأني لم اسكن فى بيت منذ يوم أصعدت بنى إسرائيل من مصر إلى هذا اليوم بل كنت أسير فى خيمة وفى مسكن.. والآن فهكذا تقول لعبدى داود.. متى كملت أيامك واضطجعت مع آبائك أقيم بعدك نسلك الذى يخرج من أحشائك وأثبت مملكته. هو يبنى بيتاًً لا سمى وأنا أثبت كرسى مملكته إلى الأبد.. فحسب جميع هذا الكلام وحسب كل هذه الرؤيا كذلك كلم ناثان داود(212)". ويظهر للمرة الثانية، حوالى إلى سنة 977 ق.م، عندما أخطأ داود الملك مع بتشبع امرأة أوربا الحثى وتسبب فى موت زوجها فى الحرب، يقول الكتاب "فأرسل الرب ناثان إلى داود" وأعطاه مثالاً لرجلين أحدهما غنى يمتلك "غنم وبقر كثيرة جداً" والآخر فقير لا يملك إلا نعجة واحدة، ولما جاء ضيف للرجل الغنى أخذ نعجة هذا الفقير وذبحها له "فحمى غضب داود جداً على الرجل"، وكان حكمه أن يقتل ويرد النعجة أربعة أضعاف. "فقال ناثان لدواد أنت هو هذا الرجل". وبعد أن أعلن له غضب الله ودينونته على بيته "فقال داود لناثان قد أخطأت إلى الرب. فقال ناثان لداود. الربُّ أيضا قد نقل عنك خطيتك لا تموت(213)".ولما وُلد لداود سليمان " أسمه سليمان والرب أحبه وأرسل بيد ناثان النبى ودعا أسمه يديديا (أى حبيب الرب) من أجل الرب(214)". وعندما شاخ داود الملك شجع ناثان النبى بتشبع أم سليمان وأشار عليها أن تدخل على داود الملك وتذكره بوعده أن يملك أبنه سليمان بعده "وبينما هى متكلمة مع الملك إذا ناثان النبى داخل. فأخبروا الملك قائلين هوذا ناثان النبى". وأمر الملك داود أن يأخذ سليمان وأن يمسحهُ "صادق الكاهن وناثان النبى ملكاً على إسرائيل.. فنزل صادوق الكاهن وناثان النبى.. واركبوا سليمان على بغلة الملك داود وذهبوا به إلى جيحون.. ومسحهُ صادوق الكاهن وناثان النبى ملكاً(215)"، وذلك حوالى سنة 960ق.م.
ويذكر الكتاب أن ناثان النبى ساعد الملك داود مع جاد الرائى فى تنظيم العبادة فى بيت الرب "وأوقف اللاويين فى بيت الرب بصنوج ورباب وعيدان حسب أمر داود وجاد رائى الملك وناثان النبى لن من قبل الرب الوصية عن يد أنبيائه(216)". وكان ناثان أحد الأنبياء الذين دونوا أسفار صموئيل أو الملوك مسوقين من الروح القدس "وأمور داود الأولى والأخيرة هى مكتوبة فى أخيا صموئيل الرائى وأخبار ناثان النبى وأخبار جاد الرائى(217)"، "وبقية أمور سليمان الأولى والأخيرة أما هى مكتوبة لأي أخبار ناثان النبى وفى نبوّة أخبار الشيلونى وفى رُؤى يعدو الرائى على يربعام بن ناباط(218)".
+ جاد الرائى:
وُصف جاد بالرائى والنبى وكان لقبهُ المميز "رائى داود" و"رائى الملك":
+ "كان كلام الرب إلى جاد النبى رائى داود قائلاً" (2صم 11: 24).
+ "فكلم الرب جاد رائى داود وقال" (1 أخ 25: 29).
+ "حسب أمر داود وجاد رائى الملك" (2 أخ 25: 29).
ويظهر فى الكتاب للمرة الأولى عندما كان داود هارباً من وجه شاول الملك مختبئاً عند ملك موآب فى الحصن، فنصحه جاد النبى أن يرجع إلى أرض يهوذا، "فقال جاد النبى لداود لا تُقم فى الحصن. اذهب وأدخل أرض يهوذا" فعمل داود بنصيحته "فذهب داود وجاء إلى وعر حارث(219)"، وفى المرة الثانية عندما أحصى داود الملك الشعب، مع أن الله سبق أن حذر موسى النبى من ذلك. وقد أعتبر الإحصاء الذى قام به داود ليعرف قدرته الحربية نقص فى الثقة بالله لأنه كان يجب أن يعتمد على الله وحده فقط، ومن ثم كان "كلام الرب إلى جاد النبىّ رائى داود قائلاً أذهب وقل لداود هكذا قال الرب. ثلاثة أنا عارض عليك فأختر لنفسك واحداً منها فأفعله بك(220)". وخيره بين سبع سنين جوع، أو أن يهرب أمام أعدائه ثلاثة شهور، أو يكون هناك ثلاثة أيام من الوباء فى الأرض(221). فقال داود "فلنسقط فى يد الربّ لأن مراحمه كثيرة ولا أسقط فى يد إنسان(222)". فضرب الربُّ الأرض بالوباء فمات "سبعون ألف رجل". ولما ندم داود الملك وأعترف بخطيئته وذنبه "جاء جاد (النبى) فى ذلك اليوم وقال لهُ اصعد وأقم للرب مذبحاً فى بيدر أرونة اليبوسى. فصعد داود حسب كلام جاد كما أمر الرب(223)"، "وبنى هناك مذبحاً للربّ وأصعد محرقات وذبائح سلامة واستجاب الربًّ من أجل الأرض فكفت الضربة عن إسرائيل(224)".
وكان جاد الرائى والنبى قد ساعد داود الملك مع ناثان النبى فى تنظيم العبادة فى بيت الرب. كما كان أحد كُتّاب أسفار صموئيل الأول والثانى وملوك الأول، كما بينا أعلاه(225). ويضيف الكتاب أيضا كل من هيمان وآساف ويدثون كرائين للملك داود(226).
3- الأنبياء والعبادة:
العبادة هى الإيمان بالله ومحبته وهيبته وتعظيمه والخضوع له والسجود له وتقديم الاحترام والخشوع والتعظيم اللائق به والإكرام الواجب له فى حب وهيبة ووقار وخشوع وطاعة بالقلب والفكر والنفس والمشاعر والعمل وبكل قوة(227). والصلاة هى وسيلة الاتصال به للاعتراف بربوبيته وسيادته وفضله باعتباره الإله الواحد كلى الوجود والعلم والقدرة، خالق السموات والأرض ما يرى وما لا يرى(228)، وتسبيحه وتمجيده وحمده وشكره ومدح والاعتراف له والابتهال إليه والتضرع له والتوسل إليه(229).
وقد ارتبطت العبادة دائماً بالمذبح وخيمة الاجتماع ثم الهيكل والمجمع إلى أن أسس المسيح الكنيسة على أساس الإيمان به باعتباره "المسيح ابن الله الحى(230)"، والذى يجب أن يجتمع المؤمنون باسمه فى كل مكان "لأنه حيثما أجتمع اثنان أو ثلاثة بأسمى فهناك أكون فى وسطهم(231)".
وكان الآباء البطاركة والأنبياء هم أقرب الناس إلى الله باعتبارهم رجاله وعبيده وخدامه ورسله وأنبيائه وفمه الناطق والوسطاء بينه وبين بقية البشرية وكانوا هم أول من عبدوه وصلوا له وأقاموا له المذابح وبنوا له أماكن العبادة ليتعبدوا له ويدعوا باسمهُ ويصلوا له. وكان نوح، كما يذكر الكتاب هو أول بنى مذبح للرب بعد انتهاء الطوفان والخروج من الفلك "وبنى نوح مذبحاً للرب.. وأصعد محرقات على المذبح(232)"، وبنى إبراهيم أربعة مذابح، الأول فى حاران عندما ظهر لهُ الله "فبنى هناك مذبحاً للرب الذى ظهر لهُ(233)"، والثانى فى بيت إيل "فبنى هناك مذبحاً ودعا باسم الرب(234)"، والثالث فى بلوطات ممراً "بنى هناك مذبحاً للرب(235)"، والرابع فى جبل المريا عندما طلب منه الله أن يقدم أبنه إسحق "فلما أتيا إلى الموضع الذى قال لهُ الله بنى هناك إبراهيم المذبح ورتب الحطب(236)"، ولما ظهر الله لإسحق فى بئر سبع "بنى هناك مذبحاً ودعا باسم الرب(237)"، وعندما سكن يعقوب فى شكيم "أقام هناك مذبحاً ودعاه إيل إله إسرائيل(238)"، وطلب منه الله أن يصعد إلى بيت إيل وقال لهُ "أصعد إلى بيت إيل وأقيم هناك وأصنع مذبحاً لله الذى ظهر لك.. وبنى هناك مذبحاً ودعا المكان إيل بيت إيل(239)". وبعد الانتصار على عماليق "بنى موسى مذبحاً ودعا أسمه يَهْوَه نسىّ(240)"، وبعد أن أعطاه الله الوصايا طلب منه أن يبنى له "مذبحاً من حجارة(241)". وأوصى موسى بنى إسرائيل أن يبنوا للرب مذبحاً من حجارة فى جبل عيبال ويصعدوا عليه محرقات للرب.، وهذا العمل تممهُ يشوع بن نون "حينئذ بنى يشوع مذبحاً للرب إله إسرائيل فى جبل عيبال كم أمر موسى عبد الرب وكما هو مكتوب فى سفر توراة موسى(242)"، وبنى جدعون القاضى "مذبحاً للرب(243)" وأصعد عليه محرقة حسب أمر الرب نفسه لهُ. وبني أيضا صموئيل القاضى والنبى "مذبحاً للرب(244)" فى الرامة "وبنى شاول مذبحاً للرب(235)"، كما بنى داود الملك "مذبحاً للرب وأصعد محرقات وذبائح سلامة(246)" فى بيدار ارونة اليبوسى، بحسب أمر الرب. وبنى إيليا النبى "مذبحاً باسم الرب(247)"، على جبل الكرمل وقدم عليه ذبيحة ثور وانزل الله نار من السماء فأكلت الذبيحة وكل ما على المذبح مبرهناً أن الله، يهوه، هو الإله الواحد وحده الحقيقى إله الكون وحده الذى لا إله غيره(248)، ونظم موسى النبى العبادة فى خيمة الاجتماع بحسب ما طلب منه الله ذلك(249) وبحسب النموذج والمثال الذى أراه له(250)، وأنشد للرب أمام جميع الشعب نشيد حمد وشكر وتسبيح(251). وقاد داود الملك الشعب وهم ينقلون تابوت العهد "بالهتاف وبصوت البوق(252)". ورتب الخدمة "وجعل أمام تابوت الرب من اللاويين خداماً لأجل التذكير والشكر وتسبيح الرب إله إسرائيل.. حينئذ فى ذلك اليوم أولاً جعل داود يحمد الرب بيد آساف وأخوته ... وترك هناك أمام تابوت عهد الرب آساف وأخوته ليخدموا أمام التابوت دائماً خدمة كل يوم بيومها... وصادوق الكاهن وأخوته أمام مسكن الرب فى المرتفعة التى فى جبعون. ليصعدوا محرقات للرب على مذبح المحرقة دائماً صباحاً ومساءً وحسب كل ما هو مكتوب فى شريعة الرب التى أمر بها إسرائيل ومعهم هيمان ويدثون بابواق وصنوج للمصوتين وآلات غناء لله وبنو يدثون بوابون. ثم أنطلق كل الشعب كل واحد إلى بيته ورجع داود ليبارك بيته(253)". كما رتب داود الملك أيضا فرق الكهنة واللاويين للخدمة فى الهيكل "وأفرز داود رؤساء الجيش للخدمة بنى آساف وهيمان ويدثون المتنبئين بالعيدان والرباب والصنوج.. بنو آساف تحت يد آساف المتنبئ بين يدى الملك.. بنو يدثون.. المتنبئ بالعود لأجل الحمد والتسبيح للرب ... بنوهيمان رائى الملك بكلام الله لرفع القرن.. كل هؤلاء تحت يد أبيهم لأجل غناء بيت الربّ بالصنوج والرباب والعيدان لخدمة بيت الله تحت يد الملك وآساف ويدثون وهيمان(254)". ولما تم بناء الهيكل على يد سليمان الملك "وقف سليمان أمام مذبح الرب تجاه كل جماعة إسرائيل وبسط يديه إلى السماء"، وأخذ يصلى "وكان لما انتهى سليمان من الصلاة إلى الرب بكل هذه الصلاة والتضرع أنهُ نهض من أمام مذبح الرب من الجُثُوّ على ركبتيه ويداه مبسوطتان نحو السماء ووقف وبارك" كل الجماعة، وذبح أمام الرب ذبائح سلامة وقرب محرقات وتقدمات(255). كما قاد عزرا أيضاً الشعب فى صلاة حارة معترفين بخطاياهم وذنوبهم(256). كما حزن نحميا وصام وصلى بسبب خطايا الشعب وما آل إليه حال أورشليم(257)، وهذا ما سبق أن فعله دانيال النبى عندما صلى متضرعاً بخطايا شعبه ومتفرغاً لأجل انتهاء السبى وإعادة أورشليم لما كانت عليه قبل السبى(258).
وعلى الرغم من أن الأنبياء كانوا فوق الملوك والكهنة إلا أن كثيراً منهم كانوا فى الأصل كهنة، فقد كان صموئيل كاهناً(259) ونبياً وكان أرمياء "بن حلقيا من الكهنة الذين فى عناثوث(260)"، ويذكر حزقيال النبى فى بداية سفره ب "حزقيال الكاهن ابن بوزى(261)"، ورأى أشعياء النبى رُؤياه الأولى فى الهيكل "رأيت السيد جالساً على كرسى عالٍ ومرتفع وأذياله تملأ الهيكل(262)"، كما عمل كل من حجى وزكريا النبيان مع الكهنة فى إعادة بناء الهيكل، فكان زُربابل ويشوع بن يوصاداق الكاهن "يبنيان بيت الله الذى فى أورشليم ومعهما أنبياء الله يساعدونهم(263)"، وذهب عاموس النبى إلى "المقدس" فى بيت إيل ليتنبأ(264). ويربط الوحى كثيراً بين الكهنة والأنبياء(265)، كما قدم أرمياء النبى أكثر من رسالة للشعب والأنبياء والكهنة فى الهيكل(266). وإلى جانب ذلك فقد كان هناك بعض الأنبياء الذين تنبأوا فقط فى الهيكل، كانوا مخصصين للتنبؤ فى الهيكل، وكانت نبوّتهم هى التسبيح والحم للرب فى الهيكل، وكان عملهم هو التنبؤ والتسبيح وحمد الرب وإنشاد الأناشيد الروحية والترتيل بالمزامير سواء التى أوحى بها الله إليهم وتكلم بها الروح القدس على أفواههم، أو التى أوحى بها الله إلى داود الملك النبى وغيره من رجال الله، وكان على رأس هؤلاء آساف وهيمان ويدثون الموصوفين ب "الرائين" و "المتنبئين"، والذين كانوا رائين وأنبياء، وأحفادهم "آساف وهيمان ويدثون المتنبئين بالعيدان والرباب والصنوج ... آساف المتنبئ بين يدى الملك ... يدوثون المتنبئ بالعود لأجل الحمد والتسبيح للرب ... هيمان رائى الملك بكلام الله لرفع القرن(267)"، "والمغنون بنو آساف كانوا فى مقامهم حسب أمر داود وآساف وهيمان ويدثون رائى الملك(268)". كما حل روح الرب على يحزئيل بن زكريا الذى من بنى آساف وتكلم على لسانه قائلاً "هكذا قال الربُّ لكم لا تخافوا ولا ترتاعوا(269)"، و"لبس روح الله زكريا بن يهويا داع الكاهن فوقف فوق الشعب وقال لهم هكذا يقول الله لماذا تتعدون وصايا الربّ فلا تفلحون. لأنكم ترككم الرب قد يترككم(270)".
---
(1) خر 18: 31
(2) أر 13: 25؛ 1: 29؛ 2: 36
(3) 2مل 8: 22-13؛ عز 2: 3
(4) رو 4: 15
(5) 1 أخ 37: 16-42؛ 5: 25
(6) 1صم 5: 22؛ 2صم 1: 12-15، 2أخ 15: 12
(7) أنظر كتابنا "الإعلان الإلهى وكيف كلم الله الإنسان".
(8) عب 11: 4
(9) تك 24: 5
(10) سيراخ 16: 44
(11) 2بط 5: 2
(12) تك 18: 6؛ 9: 9-17
(13) تك 1: 12-3
(14) تك 4: 26؛ 14: 28؛ غل 16: 3؛ 4: 4
(15) تك 7: 20
(16) يه 14
(17) تك 25: 9-27؛ 29: 27؛ ص 48و49
(*) أع 32: 7
(18) تث 19: 18
(19) أع 23: 3
(20) أع 17: 13-22
(21) متى 9: 11،11
(22) أع 21: 7،22
(23) أع 30: 7
(24) أع 44: 7
(25) خر ص 35-40
(26) أع 36: 7
(27) قض 10: 3،27؛ 34: 6؛ 25: 13؛ 6: 14،19؛ 14: 15
(28) قض 16: 2-20
(29) أع 20: 13
(30) قض 4: 4
(31) قض 8: 6
(32) 1صم 27: 1،28
(33) 1صم 11: 2،18؛ 1: 3،10،11
(34) 1صم 1: 8
(35) 1صم 20: 3،21
(36) 1صم 15: 7
(37) 1صم 1: 9؛ 27: 10
(38) 1صم 20: 3،21
(39) 1صم 13: 16
(40) 1صم 17: 7
(41) 1 أخ 22: 9
(42) 2 أخ 18: 35
(43) 1صم 25: 10
(44) تث 26: 31
(45) 1صم 5: 10،10؛ 20: 9
(46) قض 11: 2-13
(47) 1مل 13: 18
(48) 1مل 18: 19
(49) 2مل 8: 1
(50) دائرة المعارف الكتابية ج 573: 1
(51) 1مل 1: 17
(52) 1مل 5: 17-7
(53) 1مل 1: 18
(54) لو 25: 4؛ يع 17: 5
(55) 1مل 22: 17
(56) 1مل 19: 18-24
(57) 1مل 38: 18-40
(58) 1مل 14: 19
(59) 1مل 4: 19
(60) 1مل 8: 19
(61) 1مل 11: 19-13
(62) 1مل 16: 19،17
(63) 1مل 17: 21-24
(64) 2مل 5: 1-17
(65) 2مل 11: 2
(66) 2مل 9: 4
(67) 2مل 11: 8-15
(68) 2مل 1: 9-6
(69) 2مل 11: 3-19
(70) 2مل 21: 6
(71) 2مل 14: 13
(72) 2مل 12: 2
(73) 2مل 7: 8،8
(74) 2مل 1: 4،38
(75) 1مل 20: 19
(76) 1مل 21: 19
(77) 2مل 11: 3
(78) 2مل 9: 2،15
(79) 2مل 21: 2،22
(80) 2مل 23: 2،24
(81) 2مل 1: 4
(82) 2مل 2: 4
(83) 2مل 7: 4
(84) 2مل 16: 4-35
(85) 2مل 39: 4-41
(86) 2مل 42: 4-44
(87) 2مل 10: 5
(88) 2مل 14: 5
(89) 2مل 1: 6-7
(90) 2مل 20: 6-27
(91) 2مل 12: 6
(92) 2مل 14: 6
(93) 2مل 15: 16
(94) 2مل 17: 6
(95) 2مل 21: 6،22
(96) 2مل 1: 7
(97) 2مل 20: 13،21
(98) أع 25: 28
(99) إش 2: 1-23
(100) إش 14: 43
(101) إش 23: 29
(102) إش 15: 43
(103) إش 16: 5
(104) إش 15: 57
(105) إش 13: 6
(106) إش 28: 44؛ 1: 45
(107) ص 18،19،20
(108) ص 13،14
(109) ص 18
(110) ص 15
(111) ص 17
(112) ص 21
(112) ص 21
(112) ص 21
(113) ص 23
(114) إش 6: 9،7
(115) إش 14: 7
(116) إش 1: 9،2
(117) إش 1: 55-5؛ 1: 60-3؛ لو 24: 1
(118)
(119) إش 17: 65-25؛ 22: 66
(120) أر 1: 16-4
(121) حدث ذلك حوالى سنة 1050 ق.م فى طفولة صموئيل النبى.
(122) يقصد دمار مملكة إسرائيل على يد الآشوريين سنة 721 ق.م (2مل ص17).
(123) أر 1: 7-15
(124) ص 52 مع 2مل 24،25؛ 2 أخ 36
(125) أر 5: 18-10
(126) أر 12: 25
(127) أر 10: 29-13
(128) أر 31: 31-33
(129) متى 28: 26
(130) أر 14: 33
(131) أر 1: 46-28
(132) أر 1: 47-7
(133) أر 1: 48-47
(134) أر 1: 49-6
(135) أر 7: 49-22
(136) أر 23: 49-27
(137) أر 28: 49-33
(138) أر 34: 49-39
(139) أر 1: 50؛ 64: 51
(140) أر 1: 19-20-18
(141) أر 1: 38-6؛ ص 43
(142) حز 10: 2
(143) حز 7: 3،14،15
(144) 2 أخ 6: 36،7؛ 1: 11-3
(145) دا 11: 1
(146) 2مل 14: 24-16، حز 1: 1
(147) حز 16
(148) حز 23
(149) حز 1: 22-2
(150) حز 11: 5،12
(151) حز 4: 10،18،19
(152) حز 25: 11
(153) 2مل 6: 25-12
(154) حز 11: 37
(155) حز 24: 36،25
(156) حز 16: 24-18
(157) حز 4: 4-8
(158) حز 9: 4-17
(159) حز 6: 2
(160) حز 32: 33
(161) الترجمة العربية الجديدة.
(162)
(163)
(164)
(166) حز 29-32
(167) حز 40-48
(168) ملا 3،4
(169) 1صم 12: 10
(170) 2مل 12: 2
(171) 2مل 21: 6
(172) 2مل 14: 13
(173) 1صم 20: 19،24
(174) 2مل 8: 4
(175) 2مل 22: 6
(176) أش 36: 37
(177) أش 1: 37-35
(178) حز 17: 3؛ 7: 33
(179) أيوب 1: 1،8
(180) اى 25: 29
(181) أى 3: 1
(182) أى 1: 38
(183) أى 7: 42
(184) حز 4: 14
(185) يع 11: 5
(186) 2صم 1: 23،2
(187) أع 22: 13
(188) مر 26: 12
(189) أع 30: 2،31
(190) 1مل 34: 1
(191) 1مل 12: 3
(199) حز 3: 28
(200) حز 14: 14-20.
(201) دا 1: 10و21.
(202) دا 12-7.
(203) دا 21: 9 – 27.
(204) دا 13: 7،14.
(205) متى 15: 24.
(206) عز 6: 7.
(207) عز 9: 7.
(208) عز 29: 7.
(209) نح 12: 2،18.
(210) أع 20: 13.
(212) 2صم 1: 7-5،12-17؛ 1 أخ 1: 17-15
(213) 2صم 1: 12-15
(214) 2صم 24: 12،25
(215) 1مل 8،11-45
(216) 2أخ 25: 29
(217) 1 أخ 29: 29
(218) 2 أخ 29: 9
(219)
(220) خر 11: 30،12
(221) 2صم 11: 24-13؛ أخ 9: 21،10
(222) 2صم 19: 24
(223) 2صم 18: 24،19
(224) 2صم 25: 24
(225) أنظر ص 85.
(226) 1 أخ 5: 25؛ 2 أخ 15: 35
(227) متى 37: 22
(228) رؤ 11: 4؛ كو 15: 1
(229) أش 3: 6؛ رؤ 12: 5-14
(230) متى 16: 16،18
(231) متى 20: 18
(232) تك 20: 8
(233) تك 7: 12
(234) تك 8: 12
(235) تك 18: 13
(236) تك 9: 22
(237) تك 25: 26
(238) تك 20: 33
(239) تك 1: 35،7
(240) خر 15: 17
(241) خر 24: 20-26
(242) يش 30: 8،31
(243) قض 26: 6،27
(244) 1صم 17: 7
(235) 1صم 35: 14
(246) 2صم 24: 18،25
(247)
(248) 1مل 39: 18
(249)
(250) خر 35-40
(251) خر 9: 25، عب 5: 8
(252) 2صم 15: 6،16
(253) 1 أخ 4: 16-43
(254) 1 أخ 1: 25-6
(255) 1مل 8
(256) خر 5: 9-15
(257) نح 4: 1-11
(258) دا 3: 9-19
(259) 1صم 1: 3،20
(260) أر 1: 1
(261) حز 1: 1
(262) أش 3: 6
(263) عز 2: 5
(264) عا 10: 7
(265) أر 26: 2،27
(266) أر 2: 26،7؛ 16: 27-22؛ 1: 28،5
(267) 1 أخ 2: 25-5
(268) 2 أخ 15: 35
(269) 2 أخ 14: 20،15
(270) 2 أخ 20: 24
الفصل الرابع
رسالة الأنبياء وكيفية إستلامها
1- رسالة الأنبياء:
غطت رسالة أنبياء العهد القديم حوالى 1100 سنة، من موسى النبى (حوالى سنة 1500 ق.م.) إلى داود الملك والنبى (حوالى سنة 1000 ق.م.)، ومن داود إلى ملاخى النبى (حوالى سنة 400 ق.م.) تنوعت وتغيرت فيها الظروف والأحوال الروحية الدينية والاجتماعية والبيئية والسياسية، بل والجغرافية، وتحول فيها بنو إسرائيل من عبادة الله إلى عبادة الأوثان، بل وعبدوا الأوثان مع الله وعرجوا "بين الفرقتين(1)" كما علق إيليا النارى. فقد عاشوا تحت الحكم الإلهى المباشر، الحكم الثيوقراطى "Theocracy"، أو الحكومة الإلهية، من خلال الأنبياء وعلى رأسهم موسى النبى والمشرع العظيم، ثم تلميذه يشوع بن نون، ثم القضاة إلى أخرهم وأعظمهم، صموئيل النبى والقاضى الحكيم وحزقيال ويوشيا الصالح، وولاة أبرار مثل زرُبابل وعزرا ونحميا، إلى جانب ملوك أشرار دفعوا الشعب دفعاً لترك وصايا الله والارتداد عنه وعبادة الأوثان، من أمثال يربعام بن ناباط وأخآب وزوجته إيزابل ومنسى وآمون، وعاشوا مستعبدين فى ظل عبودية فرعون القاسية فى مصر، وعاشوا فترة طويلة بين فكى كماشة أو شقى رحى فترات طويلة، كان عليهم فيها أن يعيشوا تحت وصاية ملوك وفراعنة مصر أو تحت وصاية ملوك آشور ثم بابل، وكان عليهم أن يدفعوا ثمن انحيازهم لأحد الجانبين. كما عاشوا تحت السبى البابلى فى ذل الأسر سبعين سنة بحسب نبوّة أرمياء النبى(2)، ثم عادت منهم مجرد بقية قليلة إلى الأرض، والتى سبق أن وصفها الوحى الإلهى "بالبقية الأمينة(3)". وحتى هذه البقية فقد عاشت وصارعت تحت ملوك فارس واليونان والرومان حتى دمار الهيكل نهائياً سنة 70م.
كما تأرجحوا بين عبادة الله والأوثان، فعبدوا الله كل أيام موسى النبى ويشوع بن نون وداود الملك وسليمان الحكيم وبعض ملوك يهوذا، ولكنهم سرعان ما كانوا يرتدون إلى عبادة الأوثان، ثم يعودون بيد شديدة وقوية إلى عبادة الله مرة أخرى، وارتدوا بشدة عن الله وعصوا عليه وأهملوا وصاياه وشريعته فترات كثيرة خاصة أيام الملوك المرتدين من أمثال أخآب ومنسى وآمون. وفى فترات كثيرة أيضا عبدوا الله عبادة شكلية، مارسوا فيها الفرائض بلا روح، لم تكن هى العبادة التى أرادها الله.
ولذلك فقد تنوعت رسالة الأنبياء والإعلانات الإلهية التى حملوها للشعب، كانت هناك رسائل وإعلانات موجهة للشعب ككل من الملوك والقادة والكهنة وكل فرد من الشعب، ورسائل موجهة إلى الملوك فقط، أو الملوك والقادة فقط، أو الكهنة فقط، أو الملوك والقادة والكهنة معاً، أو الشعب فقط، وفيما يلى أهم النقاط التى تركزت فيها رسالة الأنبياء وإعلاناتهم:
1- عبادة الله وحده ومحبته من كل القلب والفكر:
كانت الوصية الأولى والعظمى للأنبياء كما قال السيد المسيح هى "تحب الرب إلهك من كل قلبك ومن كل نفسك ومن كل قدرتك هذه هى الوصية الأول(4)"، والسلوك فى طرق الله وحفظ وصاياه وأحكامه وفرائضه وسماع صوته والالتصاق به، لكى يحيا الإنسان وتطول أيامه، لأن الله هو حياته:
v "ويختن الرب إلهك قلبك وقلب نسلك لكى تحب الرب إلهك من كل قلبك ومن كل نفسك لتحيا" (تث 6: 30).
v "بما أنى أوصيتك اليوم أن تحب الرب إلهك وتسلك فى طرقه وتحفظ وصاياه وفرائضه وأحكامه لكى تحيا وتنمو ويباركك الرب إلهك فى الأرض التى أنت داخل إليها لكى تمتلكها" (تث 16: 30).
v غذ تحب الرب إلهك وتسمع لصوته ويلتصق به لأنه هو حياتك والذى يطيل أيامك" (تث 20: 30).
وعبادة الله واتقائه ومحبته وحده والسلوك فى لك طرقه والالتصاق به وحفظ وصاياه بفرح وطيبة قلب، والسجود له وحده، ورفض عبادة الأصنام أو الأوثان بكل أنواعها وأشكالها، حتى يعطيهم الله المطر فى حينه ويملأ أرضهم وبيوتهم بالخير. أما فى حالة الارتداد عن الله وعبادة الأوثان فالمصير هو الإبادة:
v "الرب إلهك تتقى وإياه تعبد وباسمه تحلف" (تث 13: 6).
v "تتقى الرب إلهك لتسلك فى كل طرقه وتحبه وتعبد الرب إلهك من كل قلبك ومن كل نفسك" (تث 12: 10).
v "الرب إلهك تتقى وإياه تعبد وبه تلتصق وباسمه تحلف" (تث 12: 10).
v "فإذا سمعتم لوصاياى التى أنا أوصيكم بها اليوم لتحبوا الرب إلهكم وتعبدوه من كل قلوبكم ومن كل أنفسكم أعطى مطر أرضكم فى حينه المبكر والمتأخر فتجمع حنطتك وخمرك وزيتك. وأعطى لبهائمك عشباً فى حقلك فتأكل أنت وتشبع. فاحترزوا من أن تنغوى قلوبكم فتزيغوا وتعبدوا آلهة وتسجدوا لها فيحمى غضب الرب عليكم ويغلق السماء فلا يكون مطر ولا تعطى الأرض غلتها. فتبيدون سريعاً عن الأرض الجيدة التى يعطيكم الربّ" (تث 13: 11-17).
v "وراء الرب إلهكم تسيرون وإياه تتقون ووصاياه تحفظوا وصوته تسمعون وإياه تعبدون وبه تلتصقون" (تث 4: 13).
v "وإنما احرصوا جداً أن تعملوا الوصية والشريعة التى أمركم بها موسى عبد الرب أن تحبوا الرب إلهكم وتسيروا فى كل طرقه وتحفظوا وصاياه وتلتصقوا به وتعبدوه بكل قلبكم وبكل نفسكم" (يش 5: 22).
v "حينما تتعدون عهد الرب إلهكم الذى أمركم به وتسيرون وتعبدون آلهة أخرى وتسجدون لها يحمى غضب الرب عليكم فتبيدون سريعاً عن الأرض الصالحة التى أعطاكم" (يش 16: 23).
وفى أواخر أيام يشوع بن نون حذر الشعب من عاقبة الارتداد عن الله وعبادة الأوثان وأشهدهم على أنفسهم حتى يكون بريء مما سيحدث لهم "فقال يشوع للشعب لا تقدرون أن تعبدوا الربّ لأنه إله قدوس وإله غيور هو لا يغفر ذنوبكم وخطاياكم. وإذا تركتم الرب وعبدتم آلهة غريبة يرجع ويسئ إليكم ويفنيكم بعد أن أحسن إليكم. فقال الشعب ليشوع لا. بل الرب نعبد. فقال يشوع للشعب أنتم شهود على أنفسكم أنكم قد أخترتم لأنفسكم الربّ لتعبدوه. فقالوا نحن شهود" (يش 19: 24-22).
2- حفظ وصايا الله وشريعته وناموسه:
حث الرب الشعب من خلال أنبيائه على حفظ وصاياه وأحكامه وشريعته وناموسه وتطبيقها فى حياتهم بروحانية وخضوع من كل القلب وتسليم كامل لله ووعد بالبركات لمن يعمل بها وحذر ووعد بالويل فى حالة تركها وإهمالها:
v "احفظوا وصايا الرب إلهكم وشهاداته وفرائضه التى أوصاكم بها" (تث 17: 6).
v "وأحفظ وصايا الرب إلهك لتسلك فى طرقه وتتقيه" (تث 6: 8).
v "وتحفظ وصايا الرب وفرائضه التى أنا أوصيك به اليوم لخيرك" (تث 13: 10).
v "يقيمك الربّ لنفسه شعباً مقدساً كما حلف لك إذا حفظت وصايا الرب إلهك وسلكت فى طرقه" (تث 9: 28).
v "اذكروا عجائبه التى صنع آياته وأحكام فمه" (1 أخ 12: 16).
v "احفظ شعائر الرب إلهك إذ تسير فى طرقه وتحفظ فرائضه ووصاياهُ وأحكامهُ وشهاداتهُ كما هو مكتوب فى شريعة موسى لكى تفلح فى كل ما تفعل وحيث توجهت" (1مل 3: 2).
وكان جميع الأنبياء يحفظون هذه الوصايا والأحكام والشرائع وينادون للشعب ويحثونه على العمل بها ويحذرونه من عاقبة تركها وإهمالها وعقوبة الارتداد عن الله والويلات والدينونة القادمة بسبب ذلك وكانوا يلحون على الشعب لكى يقوم بواجباته نحو الله ونحو بعضهم البعض، الواجبات الأدبية والأخلاقية والروحية وممارسة الصلاة والعبادة والطقوس الدينية بروحانية وتقوى وورع وخشوع فى خوف الله وخشيته والتقرب إليه ومنه بروحانية والارتباط بالشركة الدائمة معه، وأعلنوا البركات والخيرات وطول العمر لمن يحفظ هذه الوصايا والأحكام والشرائع، والويلات والدينونة لمن يهملها ويتركها ولا يعمل بها:
v "انظر. أنا واضع أمامكم اليوم بركة ولعنة. البركة إذا سمعتم وصايا الرب إلهكم التى أنا أوصيكم بها اليوم. واللعنة إذا لم تسمعوا لوصايا الرب إلهكم وزغتم عن الطريق التى أنا أوصيكم بها" (تث26: 11،27).
ولكن الشعب سقط فى الخطية وفشل تماماً فى حفظ وصايا الرب وأحكامه وشريعته وتحقيق إرادة الله فيه. ولذلك فقد تركز الجزء الأكبر من رسالة أنبياء العهد القديم فى توبيخ الشعب وحثه على التوبة والرجوع إلى الله وتحذيره من العواقب الآتية والدينونة القادمة والويلات التى سبق أن حذر منها الله ذاته. وأنصب جزء كبير من رسالتهم على توبيخ رجال الدين بالدرجة الأولى ثم بقية الشعب على ممارستهم العبادة ممارسة شكلية بغيضة:
v "احفظوا واطلبوا جميع وصايا الرب إلهكم لكى ترثوا الأرض الجيدة وتورثوها لأولادكم بعدكم إلى الأبد" (1أخ 8: 28).
v "ولبس روح الله زكريا بن يهوياداع الكاهن فوقف فوق الشعب وقال لهم هكذا يقول الله لماذا تتعدون وصايا الرب فلا تفلحون لأنكم تركتم الرب قد ترككم" (2 أخ 20: 22).
v "وقد أرسلت إليكم كل عبيدى الأنبياء مبكراً ومرسلاً قائلاً أرجعوا كل واحد عن طريقه الرديئة وأصلحوا أعمالكم ولا تذهبوا وراء آلهة أخرى لتعبدوها فتسكنوا فى الأرض التى أعطيتكم وآباءكم، فلم تميلوا أذنكم ولا سمعتم لى" (أر 15: 35).
v "لماذا لى كثرة ذبائحكم يقول الرب. أتخمنت من محرقات كابش وشحم مسمنات. وبدم عجول وخرفان وتيوس ما أسرّ. حينما تأتون لتظهروا أمامى من طلب هذا من أيديكم أن تدوسوا دورى. لا تعودوا تأتون بتقدمة باطلة. البخور هو مكرهة لى ... فحين تبسطون أيديكم استر عينى عنكم وإن كثرتم الصلاة لا أسمع. أيديكم ملآنة دماً.
v أغتسلوا تنقوا اعزلوا شر أفعالكم من أمام عينى. كفوا عن فعل الشر تعلموا فعل الخير، أطلبوا الحق أنصفوا المظلوم أقضوا لليتيم حاموا عن الأرملة.. أن شئتم وسمعتم تأكلون خير الأرض. وأن أبيتم وتمردتم تؤكلون بالسيف لأن فم الرب تكلم" (أش 11: 1-20).
v "محرقاتكم غير مقبولة وذبائحكم لا تلدّ لى" (أر 20: 6).
v "هل يسير الرب بألوف الكباش بربوات أنهار زيت. هل أعطى بكرى عن معصيتى ثمرة جسدى عن خطية نفسى. قد أخبرك أيها الإنسان ما هو صالح، وماذا يطلبه منك الرب إلا أن تصنع الحق وتحب الرحمة وتسلك متواضعاً مع إلهك" (ميخا 7: 6،8).
v "أنى أريد رحمة لا ذبيحة ومعرفة الله أكثر من محرقات" (هو 6: 6).
v "بغضت كرهت أعيادكم ولست التذ باعتكافكم. إنى إذا قدمتم لى محرقاتكم وتقدماتكم لا أرتضى ... ابعد عنى ضجة أغانيك ونغمة ربابك لا أسمع. وليجر الحق كالمياه والبر كنهر دائم" (عا 21: 5-24) + "تدوسون المسكين وتأخذون منه هدية قمح بنيتم بيوتاً من حجارة منحوتة ولا تسكنون فيها وغرستم كروماً شهية ولا تشربون خمرها. لأنى علمت أن ذنوبكم كثيرة وخطاياكم وافرة أيها المضايقون البار الآخذون الرشوة الصادون البائسين فى الباب" (عا 11: 5-12).
v "حرثتم النفاق حصدتم الآثم. أكلتم ثمر الكذب" (هو 13: 10).
v "قد أحاط بى افرايم بالكذب وبيت إسرائيل بالمكر ولم يزل يهوذا شارداً عن الله وعن القدوس الأمين" (هو 12: 11).
v "فى بيت إسرائيل رأيت أمراً فظيعاً. هناك زنى أفرايم. تنجس إسرائيل" (هو 10: 6).
وكان التوبيخ الأقسى الذى وبخ به الله الشعب من خلال الأنبياء هو ترك الرب، ترك عبادته، وعبدوا الأصنام "تركوا عهد الرب إله آبائهم الذى قطعه معهم حين أخرجهم من أرض مصر" (تث 25: 29).
v "وتركوا الرب إله آبائهم الذى أخرجهم من أرض مصر وساروا وراء آلهة أخرى من آلهة الشعوب الذين حولهم وسجدوا لها وأغاظوا الرب" (قض 12: 2).
v "فقال (إيليا النبى) قد غرت غيرة للرب إله الجنود لأن بنى إسرائيل قد تركوا عهدك ونقضوا مذابحك وقتلوا أنبيائك بالسيف فبقيت أنا وحدى وهم يطلبون نفسى ليأخذوها" (1مل10: 19،14).
v "ويل للأمة الخاطئة الشعب الثقيل الآثم نسل فاعلى الشر أولاد مفسدين. تركوا الرب استهانوا بقدوس إسرائيل ارتدوا إلى وراء" (أش 4: 1).
v "لأن شعبى عمل شرين تركونى أنا ينبوع المياه الحية لينقروا لأنفسهم آباراً آباراً مشققة لا تضبط ماء" (أر 13: 2).
v "لأن بنى يهوذا قد عملوا الشر فى عينى يقول الرب، وضعوا مكرهاتهم فى البيت الذى دعى بأسمى لينجسوه، وبنوا مرتفعات توفة التى فى وادى ابن هنوم ليحرقوا بنيهم وبناتهم بالنار" (أر30: 7،31).
v "آباءكم قد تركونى يقول الرب وذهبوا وراء آلهة أخرى وعبدوها وسجدوا لها وإياى تركوا وشريعتى لم يحفظوها، وأنتم أسأتم فى عملكم أكثر من آبائكم وها أنتم ذاهبون كل واحد وراء عناد قلبه الشرير حتى لا تسمعوا لى. فأطردكم من هذه الأرض إلى أرض لم تعرفوها أنتم ولا آباؤكم فتعبدون هناك آلهة أخرى نهاراً وليلاً حيث لا أعطيكم نعمة" (أو 11: 16-13).
ثم أعلنوا غضب الله ودينونته وويلاته الآتية بسبب هذه الخطايا:
v "ويل للقائلين للشر خيراً وللخير شراً الجاعلين الظلام نوراً والنور ظلاماً الجاعلين المر حلواً والحلو مراً" (أش 20: 5).
v "ويل للذين يقضون أقضية الباطل وللكتبة يسجلون جوراً ليصدوا الضعفاء عن الحكم ويسلبوا حق بائسى شعبى لتكون الأرامل غنيمتهم وينهبوا الأيتام. وماذا تفعلون فى يوم العقاب حين تأتى التهلكة من بعيد. إلى من تهربون للمعونة وأين تتركون مجدكم. إما يجثون بين الأسرى وإما يسقطون تحت القتلى، مع كل هذا لم يرتد غضبه بل يده ممدودة" (أش 1: 10-5).
v "ويل للرعاة الذين يهلكون ويبددون غنم رعيتى يقول الرب" (أر 1: 23).
v "ويل لرعاة إسرائيل الذين كانوا يرعون أنفسهم. ألا يرعى الرعاة الغنم.. المريض لو تقووه والمجروح لم تعصبوه والمكسور لم تجبروه والمطرود لم تستردوه والضال لم تطلبوه بل بشدة وبعنف تسلطم عليهم. فتشتت بلا راع وصارت مأكلاً لجميع وحوش الأرض وتشتت. ضلت غنمى فى كل الجبال وعلى كل تل عال. وعلى وجه الأرض تشتت غنمى ولم يكن من يسأل أو من يفتش" (حز 1: 34-6).
v "ويل للمفتكرين بالباطل والصانعين الشر على مضاجعهم. نور الصباح يفعلونه لأنه فى قدرة يدهم. فأنهم يشتهون الحقول ويغتصبونها والبيوت ويأخذونها ويظلمون الرجل وبيته والإنسان وميراثه. لذلك هكذا قال الرب. هأنذا أفتكر على هذه العشيرة بشر لا تزيلون منه أعناقكم ولا تسلكون بالتشامخ لأنه زمان ردئ. فى ذلك اليوم ينطق عليكم بهجو ويرثى بمرثاة ويقال خربنا خراباً" (ميخا 1: 2-4).
3- حب الله الأبدي وتدبير الفداء:
وبرغم الويلات التى صبها الأنبياء على بنى إسرائيل وبرغم دمار المدينة والهيكل وسبى الشعب إلى بابل وتشتته فى بلاد كثيرة إلا أن الله أعلن عن حبة الأبدى لشعبه بسبب وعوده لإبراهيم وإسحق ويعقوب وعهده معهم أن جميع القبائل والشعوب والأمم ستتبارك بالنسل الآتى والموعود الذى سيأتى منهم؛ نسل إبراهيم ونسل إسحق ونسل يعقوب والأسد الخارج من سبط يهوذا أصل يسى والغصن الذى سينبت من حوله ونسل داود الذى سيجلس على كرسيه إلى الأبد، ومن هنا كان وعد الله أن يحفظ بقية، بقية أمينة، من شعبه يجمعها من بين الشعوب ويرجع بها ثانية إلى الأرض التى طردوا منها ليهيئ الطريق لهذا النسل الآتى والموعود. وقد أتخذت وعود الله، التى حملها الأنبياء ونادوا بها كنبؤات ستتحقق فى مستقبل الأيام، ثلاثة أشكال؛ الأول هو الوعد بالنسل الآتى والذى سيأتى فى ملء الزمان؛ والثانى هو الوعد بحفظ بقية أمينة تائبة تأتى من الشتات وتعود إلى أورشليم؛ الثالث هو أن يكون ابن داود الآتى ملكاً على هذه البقية.
أولاً: الوعد بالنسل الآتى فى ملء الزمان:
v قال الله للحية "وأضع عدواة بينك وبين المرأة وبين نسلك ونسلها هو يسحق رأسك وأنت تسحقين عقبه" (تك 15: 3). والكلام هنا عن الحية، والمرأة هنا هى الأمة اليهودية والتى يصفها سفر الرؤيا ب امرأة متسربلة بالشمس والقمر تحت رجليها وعلى رأسها إكليل من أثنى عشر كوكباً وهى حبلى تصرخ متمحضة لتلد.. والتنين واقف أمام المرأة العتيدة أن تلد حتى يبتلع ولدها مت ولدت. فولدت أبناً ذكراً عتيداً أن يرعى جميع الأمم بعضاً من حديد. وأختطف ولدها (أى المسيح) إلى الله وإلى عرشه"، وهذا التنين يقول عنه الكتاب "التنين العظيم الحية القديمة المدعو إبليس والشيطان الذى يضل العالم كله" (رؤ 1: 12-9).
v وقال لإبراهيم "ويتبارك فى نسلك جميع أمم الأرض" (تك 18: 22).
v وقال لإسحق "وتتبارك فيك وفى نسلك جميع أمم الأرض" (تك 4: 46).
v وقال ليعقوب "ويتبارك فيك وفى نسلك جميع قبائل الأرض" (تك 14: 28).
وأكد القديس بولس بالروح أن هذا النسل الموعود هو المسيح "وأما المواعيد فقيلت فى إبراهيم وفى نسله، لا يقول وفى الأنسال كأنه عن كثيرين بل كأنه عن واحد وفى نسلك الذى هو المسيح" (غل 16: 3).
v وتنبأ يعقوب أن هذا النسل سيأتى من سبط يهوذا "لا يزول قضيب من يهوذا ومشترع من بين رجليه حتى يأتى شيلون وله يكون خضوع شعوب" (تك 10: 49). و"شيلون" أو "شيلوة" معناه "الذى له" أى الذى له خضوع شعوب. وجاء فى سفر الرؤيا أن المسيح هو "الأسد الذى من سبط يهوذا أصل داود" (رؤ 5: 5). وجاء فى الرسالة إلى العبرانيين "أن ربنا (يسوع المسيح) طلع من سبط يهوذا" (عب 14: 7).
v وتنبأ أشعياء النبى أنه سيكون غصن من جذع يسى وفى نفس الوقت هو أصل يسى "ويخرج قضيب من جذع يسى وينبت غصن أصوله" (أش 1: 11)، "يكون فى ذلك اليوم أن أصل يسى القائم رايه للشعوب إياه تطلب الأمم ويكون محله مجداً" (أش 10: 11).
ونفس الآية والنبوة طبقها القديس بولس بالحرف على السيد المسيح (رو 12: 15).
v وقال الله لداود الملك النبى "ويكون متى كملت أيامك لتذهب مع آبائك أنى أقيم بعدك نسلك الذى سيكون من بنيك وأثبت مملكته" (1 أخ 11: 17).
وقد تحققت هذه النبوّة جزئياً فى سليمان الحكيم، ولكن إتمامها الجوهرى تم فى المسيح ابن داود وهذا ما تؤكد الآيات التالية:
v "وقطعت عهداً مع مختارى. حلفت لداود عبدى. إلى الدهر أثبّتُ نسلك وأبنى إلى دور فدور كرسيك.. مرة حلفت بقدسى أنى لا أكذب لداود. نسله إلى الدهر يكون وكرسيه كالشمس أمامى. مثل القمر يثبت إلى الدهر" (مز 3: 89،4،35-37).
v لأنهُ يولد لنا ونعطى أبناً وتكون الرياسة على كتفه ويُدعى أسمهُ عجيباً مشيراً إلهاً قديراً أباً أبدياً رئيس السلام. لنمّو رياسته والسلام لا نهاية على كرسى داود وعلى مملكته ليثبتّها ويعضدها بالحق والبر من الآن وإلى الأبد" (أش 6: 9،7).
ويبدأ الإنجيل للقديس متى بقوله "كتاب ميلاد يسوع المسيح ابن داود ابن إبراهيم(5)"، كما لُقب المسيح 13 مرة فى العهد الجديد ب "أبن داود(6)"، وقال الملاك للعذراء "هذا يكون عظيماً وابن العلى يدعى ويعطيه الرب الإله كرسى داود أبيه(7)".
وهذه الحقيقة كان يعرفها علماء اليهود فقالوا "ألم يقل الكتاب أنه من نسل داود ومن بيت لحم القرية التى كان داود فيها يأتى المسيح(8)"، وأكدوها أمام السيد المسيح عندما سألهم "ماذا تظنون فى المسيح ابن من هو؟ قالوا ابن داود(9)"، وأكدها السيد المسيح نفسه فى ختام سفر الرؤيا بقوله "أنا يسوع.. أنا أصل وذرية داود كوكب الصبح المنير(10)"، وقال القديس بولس بالروح عن المسيح "الذى صار من نسل داود من جهة الجسد(11)"، "يسوع المسيح المقام من الأموات من نسل داود(12)".
ثانياً: السبى والوعد بحفظ بقية أمينة تعود ثانية إلى الأرض:
لم يحفظ بنو إسرائيل عهودهم مع الله ولم يسلكوا بحسب أحكامه ووصاياه وارتدوا عن عبادته وعبدوا الأصنام وسلكوا بحسب أحكام الأمم وفرائضها، يقول الكتاب "وأشهد الربُّ على إسرائيل وعلى يهوذا عن يد جميع الأنبياء وكل راء قائلاً أرجعوا عن طرقكم الردية واحفظوا وصاياى فرائض حسب كل الشريعة التى أوصيت بها آباءكم والتى أرسلتها عن يد عبيدى الأنبياء. فلم يسمعوا بل صلبوا أقفيتهم كأفقية آبائهم الذين لم يؤمنوا بالرب إلههم. ورفضوا فرائضه وعهدهُ الذى قطعه مع آبائهم وشهاداته التى شهد بها عليهم وساروا وراء الباطل.. وتركوا جميع وصايا الرب.. وسجدوا لجميع جند السماء وعبدوا البعل. وغضب الرب جداً.. حتى نحى الرب إسرائيل من أمامه كما تكلم عن يد جميع عبيده الأنبياء فسبى إسرائيل من أرضه إلى آشور(13)"، وتم ذلك حوالى سنة 722 ق.م.
v ويقول أرمياء النبى بالروح "وقد أرسل الرب إليكم كل عبيده الأنبياء مبكراً ومرسلاً فلم تسمعوا ولم تميلوا أذنكم للسمع. قائلين ارجعوا كل واحد عن طريقه الردئ وعن شر أعمالكم" (أر4: 25،5).
v "هكذا قال الرب. إن لم تسمعوا لى لتسلكوا فى شريعتى التى جعلتها أمامكم لتسمعوا لكلام عبيدى الأنبياء الذين أرسلتهم أنا إليكم مبكراً ومرسلاً إياهم فلم تسمعوا. أجعل هذا البيت كشيلوة وهذه المدينة أجعلها لعنة لكل شعوب الأرض" (أر 5: 26،6).
ويقر دانيال النبى بهذه الحقيقة فى صلاته لأجل شعبه قائلاً "أخطأنا وأثمنا وعملنا الشر وتمردنا وحدنا عن وصاياك وعن أحكامك. وما سمعنا من عبيدك الأنبياء الذين باسمك كلموا ملوكنا ورؤساءنا وآباءنا وكل الشعب.. ما سمعنا صوت الرب إلهنا لنسلك فى شرائعه التى جعلها أمامنا عن يد عبيده الأنبياء(13)". وقال زكريا النبى بالروح "لاتكونوا كآبائكم الذين ناداهم الأنبياء الأولون قائلين هكذا قال رب الجنود أرجعوا عن طرقكم الشريرة فلم يسمعوا ولم يصغوا إلى يقول رب الجنود(14)"، "بل جعلوا قلبهم ماساً لئلا يسمعوا الشريعة والكلام الذى أرسله رب الجنود بروحه عن يد الأنبياء الأولين فجاء غضب عظيم من عند رب الجنود(15)".
وقد تم سبى مملكة يهوذا على يد الملك البابلى نبوخذ نصّر فى الفترة من سنة 605 إلى 586 ق.م.
وتكلم الله بفم الأنبياء عن عودة بقية أمينة من السبى والشتات يجمعها الله من بابل ومن كل الأمم التى تشتتوا إليها وتعود ثانية إلى الأرض لتصبح أمة واحدة ولا تعود ثانية لتكون أمتين كما كانت بعد نهاية حكم سليمان الحكيم وحتى السبى الآشورى ثم البابلى، كما لن تعود ثانية إلى عبادة الأوثان والارتداد عن الله:
v "ويكون فى ذلك اليوم أن بقية إسرائيل والناجين من بيت يعقوب لا يعودون أيضا يتوكلون على خاربهم بل يتوكلون على الرب قدوس إسرائيل بالحق ترجع البقية بقية يعقوب إلى الله القدير" (أش 20: 10،21).
v "وأنا أجمع بقية غنمى من جميع الأراضى التى طردتها إليها وأردها إلى مرابضها فتثمر وتكثر. وأقيم عليها رعاة يرعونها فلا تخاف بعد ولا ترتعد ولا تُفقد يقول الرب" (أر3: 23،4).
v "وأبقى بقية إذ يكون لكم ناجون من السيف بين الأمم عند تذريكم فى الأراضى" (حز 8: 6).
v "فهوذا بقية فيها ناجية تخرج بنون وبنات، هوذا يخرجون إليكم فتنظرون طريقهم وأعمالهم وتتعزون عن الشر الذى جلبتهُ على أورشليم عن كل ما جلبته عليها" (حز 22: 14).
v "هكذا قال السيد الرب. هأنذا آخذ بنى إسرائيل من بين الأمم التى ذهبوا إليها وأجمعهم من كل ناحية وآتى بهم إلى أرضهم. وأصيرهم أمة واحدة فى الأرض على جبال إسرائيل وملك واحد يكون ملكاً عليهم كلهم لا يكونون بعد أُمتين ولا ينقسمون بعد إلى مملكتين. ولا يتنجسون بعد بأصنامهم ولا برجاساتهم ولا بشئ من معاصيهم بل أخلصهم من كل مساكنهم التى أخطأوا فيها وأطهرهم فيكونون لى شعباً وأنا أكون لهم إلهاً" (حز 21: 37-23).
ثالثاً: ارتباط هذه العودة بالعهد الجديد:
أى أن هذه البقية الأمينة ستعود لتمهد الطريق للعهد الجديد الذى سيقيمه النسل الآتى والمسيح الموعود والمنتظر، نسل إبراهيم وإسحق ويعقوب والأسد الخارج من سبط يهوذا، والذى سيأتى من نسل داود ويجلس على كرسيه إلى الأبد. ومن ثم فقد دعاه الوحى بفم الأنبياء ب "داود ملكهم" و"غصن بر" أو الملك الذى سيجرى البر والحق والعدل فى الأرض، و"عبدى داود" الذى سيرعى شعبه أو إسرائيل الروحى، كما يقول العهد الجديد، و"عبدى داود رئيساً عليهم "، و"عبدى داود رئيس عليهم"، وأروع ما تسمى به هو "الرب برنا"لأنه كما قيل بأشعياء النبى "وعبدى البار بمعرفته يبرر كثيرين وآثامهم هم يحملها(16)":
v "ويخرج قضيب من جذع يسى وينبت غصن من حوله" (أش 1: 11).
v "أميلوا آذانكم وهلموا إلىّ. أسمعوا فتحيا أنفسكم وأقطع لكم عهداً أبدياً مراحم داود الصادقة. هوذا قد جعلته شارعاً للشعوب رئيساً وموحياً للشعوب" (أش 3: 55،4).
v "ها أيام تأتى يقول الرب وأقيم لداود غصن بر فيملك ملك وينجح ويجرى حقاً وعدلاً فى الأرض. فى أيامه يخلص يهوذا ويسكن إسرائيل أمناً. وهذا هو أسمهُ الذى يدعونهُ له الربُّ بُّرنا" (أر 5: 23،6).
v "ها أيام تأتى يقول الرب وأقيم الكلمة الصالحة التى تكلمت بها إلى بيت إسرائيل وبيت يهوذا. فى تلك الأيام وفى ذلك الزمان أنبتُ لداود أنبت غصن البر فيجرى عدلاً وبراً فى الأرض. فى تلك الأيام يخلص يهوذا وتسكن أورشليم آمنة وهذا ما تتسمى به لرب برنا" (أر 14: 23-16).
v "ها أيام تأتى يقول الرب وأقطع مع بيت إسرائيل وبيت يهوذا عهداً جديداً. ليس كالعهد الذى قطعتهُ مع آبائهم يوم أمسكتهم بيدهم لأخرجهم من أرض مصر حين نقضوا عهدى فرفضتهم يقول الرب. بل هذا هو العهد الذى أقطعه مع بيت إسرائيل بعد تلك الأيام يقول الرب. أجعل شريعتى فى داخلهم وأكتبها على قلوبهم وأكون لهم إلهاً وهم يكونون لى شعباً" (أر 31: 31-33).
v "هأنذا أجمعهم من كل الأراضى التى طردتهم إليها بغضبى وغيظى وبغيظ وبسخط عظيم واردهم إلى هذا الموضع وأسكنهم آمنين. ويكونون لى شعباً وأنا أكون لهم إلهاً.. وأقطع لهم عهداً أبدياً إنى لا أرجع عنهم لأحسن إليهم واجعل مخافتى فى قلوبهم فلا يحيدون عنى" (أر37: 32-40).
v "ها أيام تأتى يقول الرب وأقيم الكلمة الصالحة التى تكلمت بها إلى بيت إسرائيل وبيت يهوذا. فى تلك الأيام وفى ذلك الزمان أنبتُ لداود غصن البر فيجرى عدلاً وبراً فى الأرض. فى تلك الأيام يخلص يهوذا وتسكن أورشليم آمنة وهذا ما تتسمى به الربُّ برُنا" (أر 14: 33-16).
v "يخدمون الرب إلههم وداود ملكهم الذى أقيمهُ لهم" (إ 9: 30).
v "ولكنى أذكر عهدى معك فى أيام صباك وأقيم لك عهداً أبدياً.. وأنا أقيم عهدى معك فتعلمين أنى أنا الرب" (حز 60: 16،62).
v "وأقيم عليها راعياً واحداً فيرعاها عبدى داود هو يرعاها وهو يكون لها راعياً. وأنا الرب أكون لهم إلهاً وعبدى داود هو يرعاها وهو يكون لها راعياً. وأنا الرب أكون لهم إلهاً وعبدى داود رئيساً فى وسطهم" (حز 23: 34،24).
v "وداود عبدى يكون ملكاً عليهم ويكون لجميعهم راعٍ واحد فيسلكون فى أحكامى ويحفظون فرائضى ويعملون بها. ويسكنون فى الأرض التى أعطيتُ عبدى يعقوب إياها التى سكنها آباؤكم ويسكنون فيها هم وبنوهم وبنو بنيهم إلى الأبد وعبدى داود رئيس عليهم إلى الأبد. وأقطع معهم عهد سلام فيكون معهم عهداً مؤبداً وأقرُّهم وأكثرهم أجعل مقدسى فى وسطهم إلى الأبد. ويكون مسكنى فوقهم وأكون لهم إلهاً فيكونون لى شعباً" (حز 24: 37-27).
v "بعد ذلك يعود بنو إسرائيل ويطلبون الرب إلههم وداود ملكهم ويفزعون إلى الرب وإلى جوده فى آخر الأيام" (هو 5: 3).
v "فى ذلك اليوم أقيم مظلّة داود الساقطة وأحصن شقوقها وأقيم ردمها كأيام الدهر" (عا 11: 9).
ثم يتكلم الملاك جبرائيل مع دانيال النبى ويعلمهُ وفهمهُ ويخبرهُ عن هذا العهد الذى سيقيمه المسيح بقوله "ويثبت عهداً مع كثيرين فى أسبوع واحد وفى وسط الأسبوع يبطل الذبيحة والتقدمة(17)". وهذا الأسبوع المقصود به "أسبوع سنين"، أى سبع سنوات، هى مدة خدمة السيد المسيح من معمودية يوحنا المعمدان إلى يوم صعوده (ثلاث سنوات ونصف)، ومن حلول الروح القدس إلى تحول شاول الطرسوسى إلى بولس الرسول، رسول الأمم(17).
واعتبر القديس بولس أن قوله "مراحم داود الصادقة" قد تم بقيامة المسيح من الأموات(18)، وأن قوله "أقيم مظلة داود الساقطة" يشير إلى دخول الأمم فى الإيمان بالمسيح(19)، وأعتبر الكتاب هذا العهد الجديد الذى سيقيمه ابن داود الآتى ونسله المنتظر الذى سيجلس على كرسيه للأبد، أعظم من العهد القديم لأنه قام على أساس "دم المسيح الذى بروح أزلى قدّم نفسه لله بلا عيب يطهر ضمائركم من أعمال ميتة لتخدموا الله الحىّ، ولأجل هذا هو وسيط عهدً جديد لكى يكون المدعووّن إذ صار موت لفداء التعديات التى فى العهد الأول ينالون وعد الميراث الأبدى(20)".
لقد تحققت هذه الوعود وتمت هذه النبوات فى شخص وعمل السيد المسيح ابن داود، الذى جاء من نسل داود "بحسب (أو من جهة) الجسد(21)"، حيث قدم شريعة العهد الجديد فى موعظته على الجبل وفى تعليمه وأمثاله للشعب والتلاميذ مدة أيام خدمته "من معمودية يوحنا إلى اليوم الذى ارتفع فيه" صاعداً إلى السماء، هذه الشريعة التى ركزت على الحب والمغفرة والتسامح إلى أقصى حدود:
v "أنتم نور العالم ... فليضئ نوركم هكذا قدام الناس لكى يروا أعمالكم الحسنة ويمجدوا أباكم الذى فى السموات" (متى 14: 5،16).
كما ركزت على البر والقداسة والطهارة ونقاوة القلب:
v "طوبى للودعاء لأنهم يرثون الأرض. طوبى للجياع والعطاش إلى البرّ. لأنهم يشبعون. طوبى للرحماء لأنهم يُرحمون، طوبى للأنقياء القلب لأنهم يعاينون الله. طوبى لصانعى السلام لأنهم أبناء الله يدعون. طوبى للمطرودين من أجل البرّ. لأن لهم ملكوت السموات" (متى 5: 5-10).
v "قيل للقدماء لا تقتل ... وأما أنا فأقول لكم أن كل من يغضب على أخيه باطلاً يكون مستوجب الحكم ... ومن قال يا أحمق يكون مستوجب نار جهنم ... قيل للقدماء لا تزن. وأما أنا فأقول لكم كل من ينظر إلى امرأة ليشتهيها فقد زنى بها فى قلبه ... قيل عين بعين وسن بسن. وأما أنا فأقول لكم لا تقاوموا الشر بالشر ... قيل تحبُّ قريبك كنفسك وتبغض عدُوّك وأما أنا فأقول لكم أحبُّوا أعداءكم. باركوا لاعنيكم. أحسنوا إلى مُبغضيكم. وصلوا لأجل الذين يسيئون إليكم ويطردونكم. لكى تكونوا أبناء أبيكم الذى فى السموات. فأنهُ يشرق شمسهُ على الأشرار والصالحين ويمطر على الأبرار والظالمين ... فكونوا أنتم كاملين كما أن أباكم الذى فى السموات كامل" (متى 21: 5-48).
وكشف عن حب الله الأبدى لكل البشرية والفداء الذى كان قد أعده لها:
v "أحب خاصّتهُ الذين فى العالم أحبهم حتى المنتهى" (يو 1: 13).
v "هكذا احب الله العالم حتى بذل أبنه الوحيد لكى لا يهلك كلُّ من يُؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية" (يو 16: 3).
v فبهذه المشيئة نحن مقدسون بتقديم جسد يسوع المسيح مرة واحدة ... فبعدما قدم عن الخطايا ذبيحة واحدة جلس إلى الأبد عن يمين الله ... لأنهُ بعدما قال سابقاً هذا هو العهد الذى أعهدهُ معهم بعد تلك الأيام يقول الرب أجعل نواميسى فى قلوبهم وأكتبها فى أذهانهم ولن أذكر خطاياهم وتعدّياتهم فيما بعدُ. وإنما حيث تكون مغفرة لهذا لا يكون بعدُ قربان الخطية(22)"،وهذه المغفرة تمت بتقديم جسد ودم المسيح، لذلك يقول الوحى "فمن ثم يقدر أن يخلص أيضاً إلى التمام الذين يتقدمون به إلى الله إذ هو حى فى كل حين ليشفع فيهم(23)"، ويقول أيضا "وإن أخطأ أحد فلنا شفيع عند الآب يسوع المسيح البار وهو كفارة لخطايانا. ليس لخطايانا فقط بل لخطايا كل العالم(24)".
ومن ثم يؤكد الوحى الإلهى عظمة وأفضلية هذا العهد الجديد، الذى سبق أن وعد الله به الأنبياء فى القديم، وقطعه السيد المسيح أصل يسى ونسل داود الذى سيجلس على كرسيه الإلهى ويملك على يعقوب الروحى وإسرائيل الجديد الروحى، الذى هو كل مؤمنى العهد الجديد، فقد تثبت على خدمة أفضل مواعيد أفضل لأنها مواعيد العالم أجمع الحياة الأبدية:
"ولكنه الآن قد حصل على خدمة أفضل بمقدار ما هو وسيط لعهد اعظم وقد تثبت على مواعيد أفضل. لأنه لو كان الأول بلا عيب لما طُلب موضع لثانٍ. لأنه يقوم لهم لائماً هوذا أيام تأتى يقول الرب حين أكمل مع بيت إسرائيل وبيت يهوذا عهداً جديداً. لا كالعهد الذى عملتهُ مع آبائهم يوم أمسكتُ بيدهم لأخرجهم من أرض مصر لأنهم لم يثبتوا فى عهدى وأنا أهملتهم يقول الربُّ(25)". وبناء على ذلك وصفت جماعة العهد الجديد ب "كنيسة أبكار مكتوبين فى السموات(26)"، لأنها قامت وتأسست على أساس دم المسيح وصخرة الإيمان بأنه "المسيح ابن الله الحى(27)"، "على هذه الصخرة أبني كنيستى وأبواب الجحيم لن تقوى عليها(28)".
كما تنبأ جميع الأنبياء عن مستقبل أفراد وأمم وشعوب. وقد درسنا هذا الموضوع بالتفصيل فى كتابنا "الإعلان الإلهى وكيف كلم الله الإنسان" الفصل العاشر، وأشرنا إلى بعض هذه النبوات فى الفصل السابق.
3- كيفية استلام بعض الأنبياء للرسالة والإعلانات الإلهية:
كانت دعوة الأنبياء الجوهرية وعملهم الأساسى هو إعلان إرادة الله. وكان الشعب والقادة والملوك عادة يسألون الرب عن طريقهم فى أوقات الشدائد والآلامات والحروب والأمراض والتعرض للموت، وحتى عندما كانوا يريدون معرفة أشياء مفقودة، وكان الرب يجيبهم. بحسب إرادته، عن طريقهم، وكانت تترادف عبارة "يسأل الله" مع عبارة "يسأل النبى"، ويقول الكتاب "هكذا كان يقول الرجل عند ذهابه ليسأل الله. هلم نذهب إلى الرائى. لأن النبى اليوم كان يُدعى سابقاً الرائى(29)". وكانوا يقولون للنبى "أسأل الله" أو "أسأل الرب":
v "فقالوا له أسأل إذن من الله لنعلم هل ينجح طريقنا" (قض 5: 18).
v "أسأل اليوم عن كلام الرب ... فقال ميخا (النبى) حىّ هو الربُّ أن ما يقوله لى الرب به أتكلم" (1مل 5: 22،14).
v "فقال الملك لحزائيل ... أذهب لاستقبال رجال الله (إليشع النبى) وأسأل الرب قائلاً هل لى أشفى من مرضى هذا" (2مل 8: 8).
v "الكلام الذى صار إلى أرمياء من الرب حين أرسل إليه الملك حزقيا ... قائلاً أسأل الرب من أجلنا لأن نبوخذ نصرّ ملك بابل يحاربنا، لعل الرب يصنع معنا حسب كل عجائبه فيصعد عنا" (أر 1: 21،2).
v "أذهبوا أسألوا الرب لأجلى ولأجل الشعب ولأجل يهوذا من جهة كلام هذا السفر الذى وُجد ... فقالت لهم (خلدة النبية) هكذا قال الرب ..." (2مل 13: 22-15).
وقد تكلم الله من خلال الأنبياء، كما درسنا بالتفصيل فى الكتاب الأول من هذه السلسلة "الإعلان الإلهى وكيف كلم الله الإنسان"، بأنواع وطرق كثيرة، وفى كل الأحوال كان الأنبياء يتكلمون وهم مسوقون من الروح القدس "تكلم أناس الله القديسون مسوقين من الروح القدس(30)"، أو كما قال داود الملك والنبى "روح الرب تكلم بى وكلمتهُ على لسانى(31)"، كان الروح القدس يحل عليهم ويحملهم ويمتلئون بالروح ويتكلم بفمهم وعلى لسانهم، وسواء تكلم إليهم عن طريق ظهورات ملائكية أو رؤى وأحلام، أو تكلم معهم بالصوت الخارجى من خلال الآذان الخارجية، أو بالصوت الداخلى من خلال الآذان الروحية الداخلية، فقد كانوا فى كل الأحوال هم رجال الروح، روح الرب، الذى ساقهم وحملهم وتكلم بواسطتهم ومن خلالهم وبفمهم وعلى لسانهم. ولذلك فقد عبر الكتاب بقوله:
v "قول الرب الذى صار إلىّ" أو "فصار قول الرب إلىّ"؛ "أشعياء النبى(32)"، "هوشع بن بئيرى(33)"، "يوئيل بن فثوئيل(34)"، "يونان بن امتاى(35)"، "ميخا المرشتى(36)". و"صارت كلمة الرب إلى " أو "إلىّ" أو "كلمة الرب التى صارت إلى"، "أرمياء"، "حزقيال(36)"، "صفنيا(37)"، "حجى(38)"، وتكررت هذه العبارة "وصارت كلمة الرب إلى أرمياء" و"كلمة الرب التى صارت إلى أرمياء(39)"، عشرون مرة من 24 مرة فى العهد القديم.
v وهناك عبارة أخرى لها نفس المغزى والقوة وهى "وكانت كلمة الرب إلى" أو "إلى أرمياء(40)"، "إلى زكريا(41)"، والتى تكررت فى سفر حزقيال أربع مرات لتدل على توجيه الرب للنبى لتنفيذ إرادة الله بغم صعوبة ذلك على النبى نفسه(42).
v وهناك عبارتان مثيلتان هما "تكلم الرب عن يد عن يد(43)" ... النبى، أو "حسب قول الرب عن يد(44)" ... النبى، "وتكلم الرب عن يد عبيده الأنبياء(45)"، وهاتان العبارتان مثيلتان لقول الله لموسى "أذهب وأنا أكون مع فمك(46)"، "وأنا أكون مع فمك ومع فمه (هرون)(47)"،وقول بلعام "الكلام الذى يضعه الله فى فمى به أتكلم(48)"، وقول الكتاب "فوضع الرب كلاماً فى فم بلعام(49)"، وقوله لأشعياء النبى "روحى الذى عليك وكلامى الذى وضعته فى فمك(50)"، وقوله لأرمياء "ها قد جعلت كلامى فى فمك(51)"، "عن فم أرمياء كل كلام الرب(52)"، "عن فمى كل كلام الرب(53)"، "ثم صارت كلمة الرب ... عن فم أرمياء قائلة(54)". أما حزقيال النبى فقد جعله الله يأكل درج سفر ملئ بكلمة الله "أفتح فمك وكل ما أنا معطيكم ... ففتحت فمى فأطعمنى ذلك الدرج ... فأكلته فصار فى فمى كالعسل حلاوة(55)". وكان حزقيال لا يجرؤ على الكلام بل ويصير ابكم تماماً إلى أن يضع الله الكلام فى فمه فيتكلم فقط بحسب إرادة الله "وكانت يد الرب على مساء قبل مجئ المنفلت وفتحت فمى حتى جاء إلى صباحاً فأنفتح فمى ولم أكن بعد أبكم(56)".
أما أرمياء النبى فحاول الامتناع عن النطق بما يضعه الله على فمه فكانت فى قلبه "كنار محرقة محصورة فى عظامى فمللت من الإمساك ولم أستطع(57)". وهذا يشبه قول بلعام العراف "لا أقدر أن أتجاوز قول الرب إلهى لأعمل صغيراً أو كبيراً(58)"، "لا أقدر أن أتجاوز قول الرب لأعمل خيراً أو شراً من نفسى الذى يتكلمهُ الرب إياه أتكلم(59)"، كان النبى كما يقول الوحى الإلهى بفم هوشع النبى هو "إنسان الروح(60)"، الذى كان يتحرك بالروح ويعمل بالروح ويتكلم بالروح، روح الرب، الروح القدوس:
v يقول الكتاب عن بعض القضاة "فكان عليه (عثنيئيل) روح الرب(61)"، "ولبس روح الرب جدعون(62)"، "فكان روح الرب على يفتاح(63)"، "وأبتدأ روح الرب يحركه(64)"، أى شمشون "فحل عليه روح الرب(65)"، "وحل عليه روح الرب(66)". وعن شاول يقول "فحل عليه روح الرب فتنبأ معهم وتحول إلى رجل آخر(67)"، "وحل روح الرب على داود من ذلك اليوم فصاعداً(68)"، وقال بالروح "روح الرب تكلم بى وكلمته على لسانى(69)". وعن إيليا النبى يقول إليشع "أن روح الرب يحملك إلى حيث لا اعلم(70)"، "يحزيئيل ... من بنى آساف كان عليه روح الرب(71)". وعن المسيح الآتى تنبأ أشعياء قائلاً "ويحل عليه روح الرب(72)" ويعبر حزقيال عما كان يحدث له وهو فى الروح بقوله "ثم حملنى روح فسمعت خلفى صوت رعد عظيم مبارك مجد الرب(73)"، "وحل روح الرب وقال لى قل هكذا قال الرب(74)..."، "وحملنى روح وجاء بى فى الرؤيا بروح الله(75)"، وقال ميخا النبى بالروح "لكننى ملآن قوة روح الرب وحقاً وبأساً لأخبر يعقوب بزنيه وإسرائيل بخطيئته(76)".
---
(1) 1مل 20: 18
(2) أر 11: 25؛ 10: 29
(3) أش 21: 10؛ 11: 11؛ ميخا 12: 2
(5) متى 1: 1
(6) متى 27: 9؛ 23: 12؛ 22: 15؛ 30: 20،31؛ 42: 22؛ مر 47: 10؛48؛ 35: 12؛ لو 38: 18؛39؛ 41: 20
(7) لو 32
(8) يو 42: 7
(9) متى 42: 22
(10) رؤ 16: 22
(11) رو 3: 1
(12) 2تى 8: 2
(13) د 6: 9،10
(13) د 6: 9،10
(14) زك 4: 1
(15) زك 12: 7
(16) أش 11: 53
(17) دا 24: 9-27 وأنظر كتابنا "إعجاز الوحى والنبوة فى سفر دانيال" ف9.
(17) دا 24: 9-27 وأنظر كتابنا "إعجاز الوحى والنبوة فى سفر دانيال" ف9.
(19) أع 14: 15-17
(20) عب 14: 9،15
(21) رو 3: 1
(22) عب 10: 10-12
(23) عب 25: 7
(24) 1 يو 1: 2،2
(25) عب 6: 8-9
(26) عب 23: 12
(27) متى 16: 16
(28) متى 18: 16
(29) 1 صم 9: 9
(30) 2بط 20: 1
(31) 2صم 3: 23
(32) أش 4: 38،5
(33) هو 1: 1
(34) يؤ 1: 1
(35) يون 1: 1،2؛ 1: 3
(36) ميخا 1: 1؛ حز 16: 3،17
(36) ميخا 1: 1؛ حز 16: 3،17
(37) حج 1: 1
(38) حج 20: 2
(39) أر 2: 1،4،11،13؛ 1: 2؛ 1: 14؛ 3: 25؛ 6: 32،26؛ 1: 33،19،23؛ 12: 35؛ 27: 36؛ 15: 29؛ 7: 42؛ 8: 43؛ 1: 46؛ 1: 47؛ 34: 49
(40) أر 2: 1
(41) زك 1: 1؛ 8؛4
(42) حز 8: 12،12؛ 12: 14؛ 1: 16
(43) حز 35: 9
(44) عدد 37: 4،45،49؛ 13: 10؛ 23: 27؛ أش 2: 20؛ حج 1: 1،3؛ 1: 2؛ ملا 1: 1
(45) 2مل 10: 21
(46) خر 12: 4
(47) حز 15: 4
(48) عدد 38: 22؛ 12: 23
(49) عدد 5: 23
(50) أش 21: 59
(51) أر 9: 1
(52) أر 4: 36
(53) أر 6: 36
(54) أر 32: 36؛ 1: 45
(55) حز 8: 2؛ 2: 3،3
(56) حز 22: 33؛ 27: 24
(57) أر 9: 20
(58) عدد 18: 22
(59) عدد 13: 24
(60) هو 7: 9
(61) قض 10: 3
(62) قض 34: 6
(63) قض 29: 11
(64) قض 25: 13
(65) قض 6: 14؛ 14: 15
(66) قض 19: 14
(67) 1صم 6: 10
(68) 1صم 13: 16
(69) 2صم 2: 23
(70) 1مل 12: 18؛ 2مل 16: 2
(71) 2 أخ 14: 20
(72) أش 2: 11
(73) حز 12: 3
(74) حز 5: 11
(75) حز 24: 11
(76) ميخا 8: 3
الفصل الخامس
الأنبياء وأنواع وطرق إبلاغ الرسالة والإعلان الإلهى
قدم الأنبياء الإعلانات الإلهية ونادوا برسالتهم شفوياً وكتابياً ورمزياً وأستخدموا كل أنواع الفنون الأدبية والرمزية بل والحركية. وقد نادوا برسالتهم وقدموا الإعلانات الإلهية أولاً شفوياً سواء لأفراد بعينهم مثل موسى النبى مع فرعون، وصموئيل النبى مع شاول الملك ثم داود الملك، وناثان النبى وجاد الرائى والنبى مع داود الملك والنبى، وإيليا النبى مع اخآب الملك، وأشعياء النبى مع آحاز الملك، أو مع الشعب فى تجمعات كبيرة أو صغيرة، مثل موسى النبى ويشوع بن نون مع الشعب، وإيليا النبى مع الشعب وكهنة البعل وعشتاروث، وحزقيال مع المسبيين ومع رعاة إسرائيل.
وأستخدم الأنبياء فى إبلاغ رسالتهم ونبواتهم الخطب والعظات والرسائل الطويلة والقصيرة، مثل ناموس موسى ونبوات بلعام والكثير من نبوات أشعياء وأرمياء وحزقيال. كما استخدموا فى معظم نبواتهم وتنبؤاتهم الجمل الشعرية القصيرة سهلة الحفظ والترديد والتكرار. وكانوا يقدمون رسالتهم فى بعض الأحيان فى أشكال مكتوبة سواء فى "سفر" أو "كتاب" أو "لوح"، مثل الوصايا العشر وأجزاء كبيرة من ناموس موسى، بل وكل التوراة كتبها موسى النبى، وكذلك أشعياء النبى وكثيراً من نبوات أرمياء النبى التى دونها أكثر من مرة فى سفر وأرسلها مع تلميذه باروخ ليقرأها فى ساحة الهيكل.
كما أستخدموا فى أحاديثهم وأقوالهم كثيراً من أشكال الأحاديث الإلهية والنبوية، وكل أشكال الفنون الأدبية والصيغ البلاغية؛ من شعر ونثر وخطب وأمثال وقصص رمزية ورموز وكنايات وتشبيهات ومقارنات وتوازى وتضادات وحوارات درامية (ديالوج ومونولوج) مسرحية وصور تخيلية رؤُية وترادفات، سواء ترادفات لفظية أو مفردات لغوية، أو ترادف لجُمل وعبارات ومعانى، وذلك إلى جانب الأعمال الرمزية والبركة البطريركية التى بارك بها الآباء البطاركة أولادهم وأحفادهم.
1- الأشكال المكتوبة:
يتكلم الكتاب مرات مثير عن كتب وأسفار لأجزاء من كلمة الله كانت مكتوبة وموجودة فى أيدى الأنبياء أو أمرهم الله بكتابتها وبالتالى كانت فى متناول الشعب ثم انضمت بعد ذلك إلى الأسفار الكاملة للأنبياء وفيما يلى أهم ما يذكره العهد القديم عن ذلك:
v "فقال الرب لموسى اكتب هذا تذكارا فى الكتاب وضعه فى مسامع يشوع فأنى سوف أمحو ذكر عماليق من تحت السماء" (خر 14: 17).
v "وأخذ (موسى) كتاب العهد وقرأ فى مسامع الشعب. فقالوا كل ما تكلم به الرب نفعل ونسمع لهُ" (خر 7: 24).
v "ثم أعطى (الله) موسى عند فراغه من الكلام معه فى جبل سيناء لوحى حجر مكتوبين بأصبع الله" (خر 18: 31).
v "فانصرف موسى ونزل من الجبل ولوحا الشهادة فى يده لوحان مكتوبان على جانبيهما من هنا ومن هنا كانا مكتوبين" (خر 18: 31).
v "جميع لعنات العهد مكتوبة فى كتاب الشريعة هذا" (تث 21: 29).
v "كمل موسى كتابة كلمات هذه التوراة فى كتاب إلى تمامها" (تث 24: 31).
v "وفى الصباح كتب داود مكتوباً إلى يوآب وأرسله بيد أوريّا. وكتب فى المكتوب يقول" (2صم 14: 11،15).
ثم تذكر كل من أسفار الملوك الأول والثانى وسفر أخبار الأيام الأول والثانى أمور الملوك داود وسليمان ويربعام ورحبعام وابيا وآسا وناداب وبعشا وإيلة وزمرى وعمرى واخآب ويهوشافاط واخزيا ويورام وياهو ويوآش ويهوآحاز ويهوآش وأمصيا وعزريا وزكريا وشلوم ومنحيم وفقحيا وفقح ويوثام وآحاز وحزقيا ومنسى وآمون ويوشيا ويهوياقيم، وتؤكد أنها كانت مكتوبة فى الأسفار التى دونها الأنبياء(1)، سواء من الأنبياء الرئيسيين مثل صموئيل النبى وأنبياء البلاط مثل ناثان النبى وجاد الرئى والنبى الذين دونوا بالروح القدس أسفار صموئيل الأول والثانى والملوك الأول:
v "وأمور داود الملك الأولى والأخيرة هى مكتوبة فى أخبار صموئيل الرائى وأخبار ناثان النبى وأخبار جاد الرائى" (1أخ 29: 29).
v "وبقية أمور سليمان الأولى والأخيرة أما هى مكتوبة فى أخبار ناثان النبى وفى نبوة أخيا الشيلونى وفى رؤى يعدو الرائى على يربعام" (2 أخ 29: 9).
v "وأمور أسا الأولى والأخيرة ها هى مكتوبة فى سفر الملوك ليهوذا أو إسرائيل" (2أخ11: 16).
v "وبقية أمور حزقيا ومراحمه ها هى مكتوبة فى رؤيا أشعياء بن أموص فى سفر ملوك يهوذا وإسرائيل" (2أخ 32: 32).
أو الأسفار والحوليات التى كانت موجودة فى أيام هؤلاء الملوك والأنبياء وأصبحت الأساس لأسفار صموئيل والملوك وأخبار الأيام القانونية والموحى بها.
v وفى سفر أشعياء يقول "تعال الآن اكتب هذا عندهم على لوح وارسمه فى سفر ليكون لزمن آت للأبد إلى الدهور" (أش 8: 30).
v "الكلام الذى صار إلى أرمياء من قبل الرب قائلاً. هكذا تكلّم الرب إله إسرائيل قائلاً. اكتب كل الكلام الذى تكلمت به إليك فى سفر" (أر 1: 30،2).
v وكان أرمياء كما يقول تلميذه باروخ "بفمه كان يقرأ لى كل هذا الكلام وأنا كنت أكتب فى السفر بالحب" (أر 18: 36).
v "ثم صارت كلمة الرب إلى أرمياء بعد إحراق الملك الدرج والكلام الذى كتبه باروخ عن فم أرمياء ثانية عُد فخذ لنفسك درجاً أخر وأكتب فيه كل الكلام الأول الذى كان فى الدرج الأول الذى أحرقه يهوياقيم ملك يهوذا ... فأخذ أرمياء درجاً آخر ودفعه لباروخ بن نيريا الكاتب فكتب فيه عن فم أرمياء كل كلام السفر الذى أحرقهُ يهوياقيم ملك يهوذا بالنار وزيد عليه أيضا كلام كثير مثله" (أر 27: 36،28،32).
2- صيغ الأحاديث الإلهية والنبوية والرسولية:
النبى بالدرجة الأولى هو "رسول" رسله الله "برسالة" أو "رسائل" إلى الملوك والقادة والشعوب، إلى البشرية ويقول أرمياء النبى بالروح "قد سمعتُ خيراً من قبل الرب وأُرسل رسول إلى الأمم قائلاً(2)"، ويصف الوحى حجى النبى برسول الرب "فقال حجى رسول الرب برسالة الرب لجميع الشعب قائلاً أنا معكم يقول الرب(3)". ويقول الكتاب أن الله قال لموسى "هلم فأرسلك إلى فرعون وتخرج شعبى بنى إسرائيل من مصر(4)"،وبعد وفاة يشوع بن نون يقول "أن الرب أرسل رجلاً نبياً إلى بنى إسرائيل فقال لهم(5)"، وقال الله لأرمياء "لأنك إلى كل من أرسلك إليه تذهب وتتكلم بكل ما آمرك به(6)"، وعن مجئ يوحنا المعمدان كسابق للمسيح ومُعد الطريق له يقول الوحى "هأنذا أرسل ملاكى فيهيئ الطريق أمامى(7)"، وعن السيد المسيح يقول "أن الله قد أرسل أبنه الوحيد لكى نحيا به(8)".
وكانت هناك تعبيرات وصيغ معينة كان يستخدمها روح الرب على أفواه الأنبياء عندما يقومون بإبلاغ رسالتهم وإعلان إرادة الله وأهم هذه الصيغ هى: "هكذا يقول الرب" والتى تكررت واحد وستين مرة فى العهد القديم، وذلك للتأكيد على أن المتكلم هو الله، وان ما يقوله النبى هو رسالة حرفية منقولة حرفياً عن الله؛ "فتقول لفرعون هكذا يقول الرب(9)"، "بعد ذلك دخل موسى وهارون وقالا لفرعون هكذا يقول الرب إله إسرائيل أطلق شعبى ليعبدوا لى فى البرية(10)"، "ولبس روح الله زكريا بن يهوياداع الكاهن فوقف فوق الشعب وقال لهم هكذا يقول الرب لماذا تتعدون وصايا الرب فلا تفلحون لأنكم تركتم الرب(11)"، وأرسل الله أشعياء إلى حزقيا الملك وقال لهُ "أذهب وقل لحزقيا هكذا يقول الرب إله داود أبيك قد سمعت صلاتك قد رأيت دموعك هأنذا أضيف إلى أيامك خمس عشرة سنة(12)"، وقال عن وحدانية الله الخالق "هكذا يقول الرب فاديك وجابلك من البطن أنا الرب صانع كل شئ ناشر السموات وباسط الأرض من معى(13)"، وعن إرسال الأنبياء "وأقمت من بيتكم أنبياء ومن فتيانكم نذيرين أليس هكذا يا بنى إسرائيل يقول الرب(14)". وهناك صيغة أخرى هى "هكذا قال الرب" تستخدم بنفس المعنى وتقدم نفس النتيجة، "لأنه هكذا قال السيد الرب هأنذا أسأل عن غنمى وأفتقدها(15)". وتتكرر هذه الصيغة فى سفر حزقيال وحده 123 آية وهناك صيغة تكليف أو تفويض من الله للنبى أو الرسول والتي تبدأ بقوله "أذهب"؛ "أذهب من أرضك ومن عشيرتك ومن بيت أبيك إلى الأرض التى أريك(16)"، "أذهب إلى أرض المريا(17)"، "أذهب أرجع إلى مصر(18)"، "وقال الرب لهرون أذهب إلى البرية لاستقبال موسى(19)"، "اذهب إلى فرعون(20)"، "فقال الرب لموسى أذهب إلى الشعب وقدسهم(21)"، "وبعد أيام كثيرة كان كلام الرب إلى إيليا فى السنة الثالثة قائلاً أذهب وتراء لاخآب فأعطى مطر على وجه الأرض(22)"، "قال له الرب أذهب ... وأمسح حزائيل ملكاً على أرام(23)"، وقال لأرمياء النبى "أذهب وناد بهذه الكلمات(24)"، "أذهب إلى بيت الركابيين وكلمهم(25)"، وقال لحزقيال النبى "أذهب أمض إلى بيت إسرائيل وكلمهم بكلامى(26)"، وقال لهوشع "أذهب أيضا أحبب امرأة(27)"، وقال ليونان النبى "قم وأذهب إلى نينوى ... وناد عليها(28)"،وفى سفر أشعياء استخدمت صيغة "أذهب وقل لهذا الشعب(29)" مرة واحدة، وفى سفر أرمياء استخدمت صيغة "وتقول لهم هكذا قال الرب(30)" و"هكذا قال رب الجنود(31)".
وهناك أيضا عدة صيغ للدعوة وهى "اسمعوا كلام الرب" و"اسمع كلام الرب" و"اسمعوا كلمة الرب" و"اسمع كلمة الرب"، "اسمعوا قول الرب" و"اسمع قول الرب". وتتكرر فى ثلاثة وعشرين آية، خاصة فى سفر أرمياء الذى تتكرر فيه وحده أحد عشرة مرة، وذلك كمقدمة لما سيقوله الله على فم النبى:
v "فقال يشوع لبنى إسرائيل تقدموا إلى هنا وأسمعوا كلام الرب إلهكم" (يش 9: 3).
v وقال إليشع "أسمعوا كلام الرب هكذا قال الرب فى مثل هذا الوقت غداً تكون كيلة الدقيق بشاقل وكيلتا الشعير بشاقل فى باب السامرة" (2مل 1: 7).
v "فقال أشعياء لحزقيا اسمع قول الرب" (2مل 16: 20).
v "اسمعوا كلام الرب يا قضاة سدوم أصغوا إلى شريعة إلهنا" (أش 10: 1).
v "اسمعوا كلام الرب يا رجال الهزء" (أش 14: 28).
v "اسمعوا كلام الرب أيها المرتعدون" (أش 5: 66).
v "اسمعوا كلم الرب يا بيت يعقوب" (أر 4: 2).
v "قف فى باب بيت الرب وناد هناك بهذه الكلمة وقل اسمعوا كلمة الرب يا جميع يهوذا الداخلين فى هذه الأبواب لتسجدوا للرب(32)" (أر 2: 7).
v "اسمع كلمة الرب يا ملك يهوذا الجالس على كرسى داود(33)" (أر 2: 22).
v "أسمعوا كلمة الرب أيها الأمم وأخبروا فى الجزائر البعيدة" (أر 10: 31).
v "اسمعوا كلمة الرب يا جميع يهوذا الذين فى أرض مصر(44)" (أر 24: 44).
v "يا ابن آدم (حزقيال) تنبأ ... وقل ... اسمعوا كلمة الرب" (حز 2: 14).
v "فلذلك أيها الرعاة اسمعوا كلمة الرب" (حز 7: 34،9).
v "اسمعوا قول الرب يا بنى إسرائيل أن للرب محاكمة مع سكان الأرض لأنه لا أمانة ولا إحسان ولا معرفة الله فى الأرض" (هو 1: 4).
v "فالآن اسمع قول الرب" (عا 16: 7).
وهناك أيضا صيغة أكثر قوة ينادى بها الله السموات والأرض وعناصر الطبيعة ويستشهد بها على الإنسان سواء للمدح أو الذم أو لإعلان غضه ودينونته:
v "أسمعي أيتها السموات وأصغى أيتها الأرض لأن الرب يتكلم. ربيت بنين ونشأتها أما هم فعصوا على" (أش 2: 1).
v "أسمعي لى أيتها الجزائر أصغوا أيها الأمم من بعيد الرب من البطن دعانى من أحشاء أمى ذكر أسمى" (أش 1: 49).
v "يا أرض يا أرض أسمعى كلمة الرب. هكذا قال الرب" (أر 29: 22).
v "وقل يا جبال إسرائيل أسمعى كلمة السيد الرب هكذا قال السيد الرب للجبال والأكام للأودية وللأوطئة هأنذا جالب عليكم سيفاً وأبيد مرتفعاتكم" (حز 35: 16).
v "فلذلك يا زانية (أى أورشليم) أسمعي كلمة الرب" (حز 35: 16).
v "فقال لى تنّبأ على هذه العظام وقل لها أيتها العظام اليابسة أسمعى كلمة الرب" (حز 4: 37).
v "أسمعي خصومة الرب أيتها الجبال ويا أسس الأرض الدائمة فإن للرب خصومة مع شعبه وهو يحاكم إسرائيل" (ميخا 2: 6).
v "أسمع يا شعبى فأتكلم يا إسرائيل فأشهد عليك الله إلهك أنا" (مز 7: 50).
v "اسمع يا شعبى فأحذرك يا إسرائيل إن سمعت لى" (مز 8: 81).
ويستخدم الوحى الإلهى لتعليم الحكمة والناموس على فم الأنبياء الصيغ التالية:
v "أنصتى أيتها السموات فأتكلم ولتسمع الأرض أقوال فمى" (تث 1: 32).
v "أصغوا وأسمعوا صوتى وأنصتوا وأسمعوا قولى" (أش 23: 28).
v "والآن أيها الأبناء اسمعوا لى وأصغوا لكلمات فمى" (أم 24: 7).
v "اسمعوا هذا يا جميع الشعوب. أصغوا يا جميع سكان الدنيا" (مز 1: 49).
v "أسمعوا أيها البنون تأديب الأب وأصغوا لأجل معرفة الفهم" (أم 1: 4).
وهناك صيغتان للتأكيد على أن ما قاله الأنبياء هو كلام الله الموصى به والذى نطق به الروح القدس على أفواه الأنبياء، وهما "قول الرب" وتكررت فى العهد القديم 60 مرة، و"قال الرب" وتكررت 301 مرة.
وهناك عدة صيغ يستخدمها الله على فم الأنبياء للقسم، وتسمى صيغ القسم، حيث يقسم الله بذاته، أو يحلف بذاته وذلك للتأكيد على حتمية إتمام وعوده الذى سبق أن وعد بها أو إتمام قضائه ودينونيه الذى سبق أن حذر منهما:
v "بذاتى أقسمت يقول الرب(37)"، والرب "أقسم قائلاً(38)"، "حلف لك(39)" الرب، "فحمى غضب الرب فى ذلك اليوم وأقسم قائلاً(40)"، "وتملكوا الأرض التى أقسم الرب لآبائكم ... أن يعطيها لهم(41)"، "حلف الرب لداود(42)"، "أقسم الرب ولن يندم أنت كاهن إلى الأبد على رتبة ملكى صادق(43)"، "أقسم الرب لداود بالحق لا يرجع عنه من ثمرة بطنك أجعل على كرسيك(44)"، "قد حلف رب الجنود قائلاً كما قصدت يصير وكما نويت يثبت(45)"، "وإن لم تسمعوا لهذه الكلمات فقد أقسمت بنفسى يقول الرب أن هذا البيت يكون خراباً(46)"، "حلف رب الجنود بنفسه(47)"، "أقسم السيد الرب بقدسه(48)"، "أقسم السيد الرب بنفسه يقول الرب إله الجنود(49)"، "أقسم الرب بفخر يعقوب إنى لن أنسى إلى الأبد جميع أعمالهم(50)".
وهناك القسم الأعظم الذى يقسم فيه الرب بكونه الحى، الحياة، وبضمير المتكلم "حى أنا فتملأ كل الأرض من مجد الرب(51)"، "قل لهم حى أنا يقول الرب لأفعلن بكم كما تكلمتم فى أذنى(52)"، "أنى ارفع إلى السماء يدى وأقول حى أنا إلى الأبد(53)"، "حى أنا يقول الملك رب الجنود(54)"، "حى أنا يقول الرب(55)"، ويمدح أورشليم الجديدة فى المستقبل، ويدين يهوذا، "حى أنا يقول السيد الرب من أجل أنك نجست مقدسى" ويتحدث عن الخراب القادم على أورشليم(56)، "يا ابن آدم كلم شيوخ إسرائيل وقل لهم هكذا قال السيد الرب هل أنتم آتون لتسألونى حى أنا لا أُسأل منكم يقول السيد الرب(57)"، "حى أنا يقول السيد الرب أنى لا أسر بموت الشرير بل بأن يرجع عن طريقه ويحيا(58)"، "حى أنا يقول رب الجنود إله إسرائيل أن موآب تكون كسدوم وبنو عمون كعمورة(59)".
وأخيراً نأتى إلى صيغ الإعلان الإلهى على فم الأنبياء والتى تتركز فى قوله: "قال لى.. الرب"، "قال لى الرب" و"أراني الرب(60)"، "الكلمة التى أراني الرب إياها(61)"، "كلام الرب الذى أراني إياه(62)"، "هكذا أراني السيد الرب(63)"، وكلها تعبر عن رؤُى رآها الأنبياء عن أمور ستحدث فى المستقبل سواء القريب أو البعيد.
3- أنواع الأحاديث الإلهية النبوية الرسولية:
تتلخص أنواع وأشكال الأحاديث الإلهية والنبوية التى تكلم بها الله على فم الأنبياء فى حوالى ثمانية أنواع وأشكال هى كشف الله لذاته من خلال أعماله وشريعته؛ الأتكال على الله والثقة به "لا تخف"؛ التحذير من عواقب الارتداد عن الله وترك أحكامه ووصاياه؛ إعلان الويل والدينونة ومحاكمة الله للمرتدين عنه وتاركى وصاياه؛ ثم إعلان دينونة الأشرار وخلاص الأبرار فى شكل واحد وصيغة واحدة؛ وأخيراً العودة من الشتات إلى الأرض وخلاص كل الشعوب.
1- أقوال الكشف الذاتى لله "أنى أنا الربُّ":
يعلن الله ويكشف عن ذاته وقدرته وأعماله ودينونته فى فم الأنبياء من خلال الأقوال الإلهية النبوية بتعبيرات "فتعلمون أنى أنا الرب(64)"، "فيعرف المصريون إنى أنا الربُّ(65)"، "تعرفُ أنى أنا الربُّ(66)"، "لكى تعلم أنى أنا الرب(67)"، "ولكى تخبر فى مسامع ابنك وابن ابنك بما فعلته فى مصر وبآياتى التى صنعتها بينهم فتعلمون أنى أنا الربُّ(68)"، "فى العشية تأكلون لحماً وفى الصباح تشبعون خبزاً وتعلمون أنى أنا الرب(69)"، "أنى أنا الرب إلهكم فتتقدسون وتكونون قديسين لأنى أنا قدوس(70)"، "حكم واحد يكون لكم الغريب كالوطنى أنى أنا الرب إلهكم(71)"، "أنى أنا هو قبلى لم يصور إله وبعدى لا يكون(72)"، "وأعطيهم قلباً ليعرفونى أنى أنا الربُّ فيكونوا لى شعباً وأنا أكون لهم إلهاً لأنهم يرجعون إلى بكل قلبهم(73)"، وفى كل الأحوال يسبق عمل الله هذه التعبيرات أو يليها مباشرة. وأستخدم حزقيال النبى وحدة هذه التعبيرات "يعلمون ... فيعلمون ... تعلمون ... فتعلمون ... أنى أنا الرب" أو "أنى أنا السيد الرب" حوالى 86 مرة، وذلك للتأكيد على قدرة الله وما عملهُ وصنعهُ من آيات وعجائب مع شعبه(74)، كما عبرت الآيات المذكورة أعلاه فى بقية العهد القديم، ولكن أكثرها جاء عن غضب الله وأنتقامه ودينونته لشعبه، بنى إسرائيل، بسبب ارتدادهم عنه وعبادتهم للأوثان وتركهم وإهمالهم العمل بأحكامه ووصاياه، وكذلك الله لبعض الأمم مثل موآب وعمون وصيدون ومصر وأدوم وماجوج وجزائر البحر(75).
وفيما يلى نموذجين للحديث النبوى والأقوال الإلهية للكشف الإلهى الذاتى:
v "وإذا بنبى تقدم إلى أخآب ملك إسرائيل،
وقال: هكذا قال الربُّ.
هل رأيت كل هذا الجمهور العظيم؟
هأنذا أدفعه ليدك اليوم.
فتعلم أنى أنا الرب" (امل 13: 20).
v "فتقدك رجل الله وكلم ملك إسرائيل،
وقال: هكذا قال الرب،
من أجل أن الآراميين قالوا أن الربّ إنما هو إله جبال وليس إله أودية!
ادفع كل هذا الجمهور العظيم ليدك،
فتعلمون أنى أنا الربُّ" (1مل 28: 20).
2- أقوال الثقة بالله والاتكال عليه "لا تخف":
قال الله لإبراهيم "لا تخف يا إبرام أنا ترس(75) لك"، وقال لإسحق "لا تخف لأنى معك وأباركك وأكثر نسلك(76)"، وقال ليعقوب "لا تخف من النزول إلى مصر لأنى أجعلك أمة عظيمة هناك(77)"، وقال لموسى "لا تخف ولا ترتعب(78)"، وقال موسى النبى لتلميذه يشوع بن نون "الرب سائر أمامك هو يكون معك لا يهملك ولا يتركك لا تخف ولا ترتعب(79)"، و"قال الرب ليشوع لا تخف ولا ترتعب(80)"، وقال لجدعون القاضى "السلام لك لا تخف ولا تموت(81)"، ومن أجمل الأقوال الإلهية فى ذلك "لا تخف لأنى معك لاتتلفت لأنى إلهك قد أيدتك وأعنتك وعضدتك بيمين برى(82)"، "لأنى أنا الرب إلهك الممسك بيمينك القائل لك لا تخف أنا أعينك(83)"، "لا تخف لأنى فديتك ودعوتك باسمك أنت لى(84)"، "لا تخف فأنى معك(85)"، وهذه الأقوال الإلهية تؤكد الثقة بالله والاتكال عليه وحده لأنه يمسك بأولاده ولا يتركهم أبداً.
وفيما يلي نماذج للأقوال الإلهية والأحاديث النبوية التى تقدم الثقة بالله وحتمية الأتكال عليه وحده:
v "فبكر خادم رجل الله وقام وخرج وإذا جيش محيط بالمدينة وخيل ومركبات فقال غلامه لهُ: آه يا سيدى كيف نعمل؟
فقال: لا تخف لأن الذين معنا أكثر من الذين معهم.
وصلى إليشع وقال: يا رب أفتح عينيه فيبصر.
ففتح الرب عينى الغلام فأبصر وإذا الجبل مملوء خيلاً ومركبات نار حول إليشع" (2مل 15: 6-17).
v "وأن يحزيئيل ... من بنى آساف كان عليه روح الرب فى وسط الجماعة.
فقال: أصغوا يا جميع يهوذا وسكان أورشليم وأيها الملك شافاط. هكذا قال الربُّ لكم،
لا تخافوا ولا ترتاعوا بسبب هذا الجمهُور الكثير،
لان الحرب ليست لكم بل لله.
غداً أنزلوا عليهم ...
قفوا أثبتوا وانظروا خلاص الرب معكم يا يهوذا ويا أورشليم، لا تخافوا ولا ترتاعوا.
غداً أخرجوا للقائهم والربُّ معكم" (2 أخ 14: 20-17).
v "والآن هكذا يقول الرب ... لا تخف لأنى فديتك. دعوتك باسمك أنت لى. إذا اجتزت فى المياه فأنا معك وفى الأنهار فلا تغمرك إذا مشيت فى النار فلا تلذع واللهيب لا يحرقك. لأنى أنا الرب إلهك ... لا تخف فأنى معك. من المشرق آتى بنسلك ومن المغرب أجمعك. أقول للشمال أعط وللجنوب لا تمنع" (أش 1: 43-6).
v "وأما أنت فنطق حقويك وقم وكلمهم بكل ما آمرك به. لا ترتع من وجوههم لئلا أروعك أمامهم، هأنذا قد جعلتك اليوم مدينة حصينة وعمود حديد وأسوار نحاس على كل الأرض ... فيحاربونك ولا يقدرون عليك لأنى أنا معك يقول الرب لأنقذك" (أر17: 1-19)(87).
3- أقوال التحذير الإلهى والنبوى من عواقب الارتداد عن الله وإهمال وترك وصاياه وأحكامه:
"وأشهد الربُّ على إسرائيل وعلى يهوذا عن يد جميع الأنبياء وكل راء قائلاً أرجعوا عن طرقكم الردية وأحفظوا وصاياى فرائضى حسب كل الشريعة التى أوصيت بها آباءكم والتى أنزلتها عن يدى عبيدى الأنبياء(88)"، "هكذا قال رب الجنود إله إسرائيل اصلحوا طرقكم وأعمالكم فأسكنكم فى هذا الموضع(89)"، "من أيام آبائكم حدتم عن فرائضى ولم تحفظوها ارجعوا إلى ارجع إليكم قال رب الجنود(90)"، "لا تكونوا كآبائكم الذين ناداهم الأنبياء الأولون قائلين هكذا قال رب الجنود، أرجعوا عم طرقكم الشريرة وعن أعمالكم الشريرة فلم يسمعوا ولم يصغوا إلىّ يقول رب الجنود".
وهكذا يؤكد الله فى أقواله الإلهية بفم الأنبياء على حتمية وضرورة الإيمان به وعبادته والسجود له وحده والعمل بحسب أحكامه ووصاياه وفرائضه. ويحذر من عاقبة الارتداد عنه وعبادة الأصنام وترك شريعته وأحكامه ووصاياه، ويدعو بصيغة الأمر للتوبة والرجوع إليه وتجنب الوقوع فيما حذر منه، وفيما يلي ثلاثة أمثلة للأحاديث الإلهية النبوية التحذيرية:
v "وقف يهوشافاط وقال: اسمعوا يا يهوذا وسكان أورشليم،
آمنوا بالرب إلهكم فتأمنوا. آمنوا بأنبيائه فتفلحوا" (2 أخ 20: 20).
v وقال الله لأرمياء النبى: "فالآن كلم رجال يهوذا وسكان أورشليم،
قائلاً: هكذا قال الرب:
هأنذا مصدر عليكم شراً وقاصد عليكم قصداً.
فارجعوا كل واحد عن طريقهُ الردئ
واصلحوا طرقكم وأعمالكم" (أر 11: 18).
v وقال عاموس النبى: "لأنه هكذا قال الرب لبيت إسرائيل:
اطلبوني فتحيوا، ولا تطلبوا بيت إيل، وإلى الجلجال لا تذهبوا،
وإلى بئر سبع لا تعبروا.
لأن الجلجال تسبى سبياً وبيت إيل تصير عدماً
اطلبوا الرب فتحيوا،
لئلا يقتحم بيت يوسف كنار تحرق ولا يكون من يطفئها من بيت إيل" (عا 4: 5-6) (91).
4- أقوال الدينونة:
بعد التحذيرات السابقة يأتى حديث الدينونة والذى يتركز فى إعلان دينونة الله لفرد أو جماعة أو أمة ويسبق هذا الإعلان أو يليه الاتهام، أو سبب هذه الدينونة، وتأتى العقوبة دائماً فى صورة نبوة، تنؤ، بحدث سيحدث فى المستقبل سواء القريب، بعد الحديث النبوى مباشرة، أو البعيد، بعد الحديث النبوى بأسابيع أو شهور أو سنين أو حتى قرون. وفيما يلى نماذج لهذه الأحاديث النبوية والدينونة الإلهية:
v "وسقط أخزيا من الكوّة التى فى علّيته التى فى السامرة فمرض وأرسل رسلاً وقال لهم أسألوا بعل زبوب إله عقرون إن كنت أبرأُ من هذا المرض.
فقال ملاك الرب لإيليا التشبى قم أصعد للقاء رسل ملك السامرة،
وقل لهم: أليس لأنه لا يُوجد فى إسرائيل تذهبون لتسألوا بعل زنوب إله عقرون.
لذلك، هكذا قال الرب:
أن السرير الذى صعدت لا تنزل عنه بل موتاً تموت" (2مل 2: 1-4(92)).
v "هكذا قال الرب:
من أجل ذنوب دمشق الثلاثة والأربعة،
لا ارجع عنه،
لأنهم داسوا جلعاد بنوارج من حديد.
فأرسل ناراً على بيت حزائيل فتأكل قصور بمهدد.
وأكسر مغلاق دمشق ..." (عا 3: 1-5).
v "هكذا قال الرب:
من اجل ذنوب إسرائيل الثلاثة والأربعة،
لا أرجع عنه،
لأنهم باعوا البار بالفضة والبائس لأجل نعلين" (عا 6: 2(93)).
5- أقوال الخلاص:
تكلم الوحى الإلهى كثيراً بفم الأنبياء عن خلاص قادم سواء خلاص من مرض أو من الأعداء أو خلاص البقية الأمينة التى ستعود إلى الأرض لتتحقق من خلالها الوعود الإلهية أو خلاص كل الشعوب بالمخلص الآتى نسل إبراهيم وإسحق ويعقوب وداود. ويبدأ غالباً حديث الخلاص، وهو دائماً نبوّة أو تنبؤ بخلاص سيحدث فى المستقبل، بعبارة "هأنذا":
v "أرجع وقل لحزقيا رئيس شعبى هكذا قال الرب إله داود أبيك قد سمعت صلاتك، قد رأيت دموعك، هأنذا أشفيك فى اليوم الثالث تصعد إلى بيت الرب" (2مل 5: 20).
v "هأنذا صانع أمراً جديداً الآن ينبت ألا تعرفونه اجعل فى البرية طريقاً فى القفر أنهاراً" (أش19: 43).
v "لأنى هأنذا خالق سموات وجديدة وأرضاً جديدة فلا تذكر الأولى ولا تخطر على بال. بل أفرحوا وابتهجوا إلى الأبد فيما أنا خالق لأنى هأنذا خالق أورشليم بهجة وشعبها فرحاً" (أش17: 65،18).
v "أما أنت يا عبدى يعقوب فلا تخف يقول الرب ولا ترتعب يا إسرائيل لأنى هأنذا أخلصك من بعيد ونسلك من أرض سبيه فيرجع يعقوب ويطمئن ويستريح ولا مزعج ... هأنذا أرد سبى خيام يعقوب وارحم مساكنه وتبنى المدينة على تلتها والقصر يسكن على عادته" (أر 10: 30،18).
v "هأنذا أرسل ملاكى فيهيئ الطريق أمامى ويأتى بغتة إلى هيكله السيد الذى تطلبونه وملاك العهد الذى تسرون به هوذا يأتى قال رب الجنود" (ملا 1: 3).
6- أقوال للدينونة والخلاص معاً:
يتكلم الوحى الإلهى فى سفر أشعياء النبى بصفة خاصة عن الدينونة والخلاص فى حديث واحد يقارن فيه بين ما سيكون عليه المخلصون (الأبرار) وما سيكون عليه الأشرار، ما كان عليه الأبرار من حزن فى الماضى وما سيكونوا عليه من فرح فى المستقبل، وبين ابتعاد إسرائيل عن الله برغم اختياره لهم وبحث الأمم عنه فاستجاب لهم. وذلك فى تضاد بلاغى وصورة بلاغية رائعة:
v "أصغيت إلى الذين لم يسألوا. وجدتُ من الذين لم يطلبونى. قلت هأنذا لأمّة لم تُسمّ بأسمى" (أش1: 65).
v "لذلك هكذا قال الرب:
هوذا عبيدى يأكلون وانتم تجوعون
هوذا عبيدى يشربون وأنتك تعطشون
هوذا عبيدى يفرحون وأنتم تحزنون
هوذا عبيدى يترنمون من طيبة القلب
وأنتم تصرخون من كآبة القلب
ومن انكسار الروح توكولون" (أش 13: 65،14)(94).
7- أقوال الويل:
تكررت كلمة "ويل" فى أسفار الأنبياء من أشعياء إلى ملاخى 70 مرة، وقد أستخدمها الوحى الإلهى بفم الأنبياء فى أحاديثهم النبوية لإعلان غضب الله ودينونته للأشرار والعصاة والمرتدين عنه سواء كأفراد أو جماعات أو بنى إسرائيل ككل أو الأمم الأخرى التى تنبأ عليها، وعلى ما سيحدث لها فى مستقبل الأيام، الأنبياء مثل صور وصيدا وموآب وغيرهم:
v "ويل للأمة الخاطئة الشعب الثقيل الآثم نسل فاعلى الشر أولاد مفسدين، تركوا الرب استهانوا بقدوس إسرائيل ارتدوا إلى وراء" (أش 4: 1).
v "ويل للشرير شر لأن مجازاة يديه تعمل به" (أش 11: 3).
v "ويل للمبكرين صباحاً يتبعون المسكر للمتأخرين فى العتمة تلهبهم الخمر" (أش 11: 5).
v "ويل للذين يقضون أقضية البطل وللكتبة الذين يسجلون جوراً" (أش 1: 10).
v "ويل للرعاة الذين يهلكون ويبددون غنم رعيتى يقول الرب" (أر 1: 23).
v "يا ابن آدم تنبأ على رعاة إسرائيل وقل لهم هكذا قال السيد الرب للرعاة ويل لرعاة إسرائيل الذين كانوا يرعون أنفسهم ألا يرعى الرعاة الغنم" (حز 2: 34).
v "ويل للمفتكرين بالباطل الصانعين الشر على مضاجعهم
فى نور الصباح يفعلونهُ لأنهُ فى قدرة يدهم.
فأنهم يشتهون الحقول ويغتصبونها والبيوت ويأخذونها،
ويظلمون الرجل وبيتهُ والإنسان وميراثهُ.
لذلك هكذا قال الرب:
هأنذا أفتكر على هذه العشيرة بشرّ لا تزيلون منهُ أعناقكم،
ولا تسلكون بالتشامخ لأنهُ زمان ردئ" (ميخا 1: 2-3)(95).
8- الحديث القضائى (المحاكمة):
الحديث القضائى أو المحاكمة هو صورة بلاغية يقدم فيها الوحى الإلهى بفم الأنبياء ومن خلال أحاديثهم النبوية والإلهية مشهد لمحاكمة كالذى يحدث فى المحكمة وفى ساحة القضاء، وهذا المشهد يتكون من خصم وخصومة ومُخاصم أو مُدعى وخصومة ومُدعى عليه، أو من استدعاء للمحاكمة ومحكمة وحكم يصدر، أو استدعاء واتهام وحكم، والخصومة هنا بين الله وشعبه، وسبب الخصومة هو نقض العهد أو العقد الذى عُقد بين الله وشعبه، أو الارتداد عن عبادة الله وترك وصاياه وأحكامه وفرائضه. وهذه المحكمة أو المحاكمة محسومة دائماً لصالح الله كقول المرنم: "ولا تدخل فى المحاكمة مع عبدك فإنه لن يتبرر قدامك حى" (مز 2: 143).
v ويقدم لنا سفر هوشع النبى صورة بليغة رائعة ونموذج لمحاكمة الله للأشرار "أسمعوا قول الرب يا بنى إسرائيل. أن للرب محاكمة مع سُكان الأرض، (الاتهام) لأنه لا أمانة ولا إحسان ولا معرفة الله فى الأرض. لعن وكذب وقتل وسرقة وفسق. يعتنفون ودماء تلحق دماء.
(الحكم) لذلك تنوح الأرض ويذل كل من يسكن فيها مع حيوان البرية وطيور السماء وأسماك البحر أيضا تنتزع" (هو 1: 4-3).
v وفى سفر أشعياء يقول: "قد أنتصب الرب للمخاصمة وهو قائم لدينونة الشعوب. الرب يدخل فى المحاكمة مع شيوخ شعبه ورؤسائهم وأنتم قد أكلتم الكرم سلب البائس فى بيوتكم، مالكم تسحقون شعبى وتطحنون وجوه البائسين يقول السيد الرب" (أش 1: 3-15)(96).
v فى سفر أرمياء يقول "لأن للرب خصومة مع الشعب هو يحاكم كل ذى جسد يدفع الأشرار للسيف يقول الرب" (أر31: 25)(97).
4- الأمثال (القصص الرمزية):
أستخدم الوحى الإلهى بفم الأنبياء وفى أحاديثهم النبوية الأمثال والتى هى عبارة عن قصص رمزية تبدو كأنها حقيقة، وكان وما يزال المقصود منها أن تقدم مغزى معين ومحدد يريد الله أن يوصل رسالة من خلاله للشعب. وفى هذه الأمثال يصور الله ذاته بالآب والشعب بالبنين " ربّيتُ بنين ونشّأتهُم أما هم فعصوا على(98)"، كما يصور نفسه بالزوج المحب والمخلص والأمين لزوجته والتى أحبها محبة أبدية، وصور بنى إسرائيل بالزوجة، ولكن الزوجة الخائنة التى تركت زوجها وزنت مع عشاق كثيرين، فى إشارة لعبادة بنى إسرائيل لعبادة لأصنام وأوثان كل الشعوب المجاورة لها. كما صورهم بالكرمة التى كان من المفروض أن تكون من أجود الكروم ولكنها صارت الأردأ، بل والكرمة غير المثمرة. كما صور الله نفسه بالفخارى الذى يصنع الأوانى والأوعية الفخارية والإنسان بالوعاء الذى من طين والذى يشكله الفخارى (الله) بحسب ما يحسن فى عينيه. وفيما يلى أبرز هذه الأمثال التى وردت فى العهد القديم:
أ- مثال الكرمة أو الكرم "كرم الرب": يصور الوحى الإلهى بفم الأنبياء ومن خلال أحاديثهم الإلهية النبوية فى أسفار الأنبياء أشعياء وأرمياء وحزقيال وهوشع بنى إسرائيل بالكرم أو الكرمة التى غرسها الله، الكرام، لذاته فى أجود الأراضى وعلى مياه كثيرة وأنتقى أجود البذور، وكان من المفروض والمتوقع أن تثمر عنباً جيداً ولكنها صنعت عنباً رديئاً. ومن ثم كان لابد من قطعها وهلاكها، وذلك فى إشارة إلى اختيار الله لبنى إسرائيل كشعبه المختار واهتمامه بهم ورعايته لهم ولكنهم ارتدوا عنه وتركوا أحكامه ووصاياه وفرائضه "لأنشدن عن حبيبى نشيد محبى لكرمه. كان لحبيبى كرم على أكمة خصبة. قنقبة ونقى حجارته وغرس فيه كرم سورق (أفضل كرمة) وبنى برجاً فى وسطه ونقر فيه أيضا معصرة فأنتظر أن يصنع عنباً فصنع عنباً ردياً ... أن كرم رب الجنود هو بيت إسرائيل وغرس لذّته (بهجته) رجال يهوذا. فأنتظر حقاً فإذا سفك دم. وعدلاً فإذا صراخ(99)". وهذا الكلام قاله الله أيضا بفم أرمياء النبى "وأنا قد غرستك كرم سورق زرع حق كلها فكيف تحولت إلى سرُوغ (نبات برى) جفنة غريبة (أى تنكرت لى)(100)". وفى سفر هوشع يقول "إسرائيل جفنة كرمة ممتدة. يخرج ثمراً لنفسه. على حسب كثرة ثمره قد كثر المذابح. على حسب جودة أرضه أجاد الأنصاب(101)"، ويقصد بالمذابح والأنصاب هنا عناصر العبادة فى الديانة الكنعانية الوثنية، وذلك فى إشارة لعبادتهم للأصنام. ثم يقول الوحى بفم أرمياء النبى عن دينونة الله لهم "أصعدوا على أسوارها وأخربوها ولكن لا تفنوها. انزعوا أغصانها لأنها ليست للرب. لأنه خيانة خاننى بيت إسرائيل(102)". ويقول عن رفضهم لكلمة الرب وعدم سماعهم لها "تعليلاً يعللون كجفنة (كرمة) بقية إسرائيل ... ها أن أذنهم غلفاْ فلا يقدرون أن يصغوا. ها أن كلمة الرب صارت لهم عاراً. لا يُسرُّون بها(103)". وفى سفر حزقيال يصور غضب الله عليهم بقوله "مثل عود الكرم بين عيدان الوعر التى بذلتُها أكلاً للنار كذلك أبذل سكان أورشليم. وأجعل وجهى خدهم. يخرجون من نار فتأكلهم نار(104)". وفى ص 19 يرثيهم الوحى فى جزء من مرثاه على رعاة إسرائيل ويصفهم بالكرمة التى نبتت وازدهرت زمناً، فى إشارة إلى عبادتها النقية لله، ولكنها ستقلع وتطرح على الأرض وتلقى فى النار ويرثى لها بسبب عصيانها وارتدادها(105).
ب- مثال الأبنة اللقيطة: وفى هذا المثال يصور الوحى بفم حزقيال النبى فى حديثه النبوى أورشليم وإسرائيل ككل بصورة رمزية شديدة البراعة الأدبية، حيث يقدم لنا صورة لأبنة لقيطة ولدتها أمها بعيداً عن أعين الناس وألقت بها على قارعة الطريق وتركتها ملوثة بدمها وبكرامة نفسها دون أن تشفق عليها عين، سواء عين أمها أو غيرها، ونشأت كالفريسة التى لا أحد يحميها. ومر بها الله ورآها ملوثة بدمها وأخذها ورباها وقطع معها عهد فصار زمنها هو زمن الحب. ثم زينها وألبسها أفخر الملابس وجعلها تأكل أغلى وأفخر المأكولات وصارت جميلة كملكة وصار لها أسماً وجمالاً نتيجة لانعكاس بهاء الله ومجده عليها وآياته وأعماله التى صنع معها سواء فى سيناء أو فى أرض كنعان. ومع ذلك تركته، أى ارتدت عن عبادة الله وخانته وزنت من ورائه، أي عبدت الأوثان، ونكثت فى عهدها مع الله الذى قال لبنى إسرائيل "احترز أن تقطع عهداً مع سكان الأرض، فيزن وراء آلهتهم ويذبحون لآلهتهم(106)". ويستمر فى وصفه لزناها الروحى أو عبادتها للأوثان حتى يصل إلى قوله "أيتها الزوجة الفاسقة تأخذين أجنبيين مكان زوجها(107)"، ثم يحكم عليها بالهلاك "وأسلمك ليدهم ويأخذون أدوات زينتك ويتركونك عريانة وعارية ويصعدون عليك ويرجمونك بالحجارة ويقطعونك بسيوفهم ويحرقون بيوتك بالنار(108)". ثم يعود ويؤكد رحمتهُ لها بعد أن تتوب وتقر بذنوبها وذلك بسبب عهده الذى قطعهُ مع الآباء ولكى تتم من خلالها الوعود التى سبق أن وعد بها والمتركزة فى ابن داود الآتى الذى سيقيم ويؤسس العهد الجديد "ولكنى اذكر عهدى معك فى أيام صباك وأقيم لك عهداً أبدياً ... وأنا أقيم عهدى معك فتعلمين أنى أنا الرب(109)".
ويعود الوحى الإلهى ويعدد خطايا وآثام ومعاصى إسرائيل فى ص 20 تفصيلاً دون الحاجة للجوء للقصص الرمزية، فى حديث نبوى طويل ينتهى أيضا بالوعد بجمع المشتتين منهم من بين الشعوب، البقية الأمينة، ليس بسببهم هم ولكن لأجل أسم الله وحده فقط ولتحقيق وعوده "فتعلمون أنى أنا الرب إذا فعلتُ بكم من أجل أسمى(110)".
ج – مثال الأختان الزانيتان: وفى حديث نبوى طويل أيضا يصور الوحى الإلهى كل من مدينة أورشليم ومدينة السامرة عاصمتى مملكة يهوذا ومملكة إسرائيل بأختين زانيتين زنتا مع كل جيرانها سواء فى مصر أو أرض كنعان أو أشور أو بابل أو صور، أى عبدتا أصنام كل البلاد المجاورة لها وتركتا الرب إلهها لذلك يعلن عن غضب الله عليهما ودينونته لهما وانتقامه منهما ودماره لهما بواسطة أهل هذه البلاد التى عبدوا أوثانها(111).
د – مثال الزوجة الخائنة: يصف الوحى الإلهى بفم الأنبياء فى أحاديثهم النبوية عبادة إسرائيل للأصنام بالزنى الروحى "هل رأيت ما فعلت العاصية إسرائيل انطلقت إلى كل جبل عال وإلى كل شجرة خضراء وزنت هناك، ففقتُ بعد ما فعلت كل هذا أرجعى إلىّ. فلم ترجع ... فرأيت أنه لأجل كل هذه الأسباب إذ زنت العاصية إسرائيل فطلقتها وأعطيتها كتاب طلاقها(112)".
ويقول الوحى الإلهى بفم هوشع النبى "فى بيت إسرائيل رأيت أمراً فظيعاً. هناك زنى افرايم تنجس إسرائيل(113)".
أما أقوى مثال يصور فيه الوحى الإلهى بنى إسرائيل بالزوجة الخائنة ويصور الله بالمحب الذى أحب محبة أبدية ولذلك يغفر بلا حدود وفى حالة التوبة والرجوع إليه والابتعاد عن عبادة الأصنام وعبادته هو وحده باعتباره الإله الواحد الحق كلى القدرة خالق الكون وما فيه، هو ما فعله الله فى حياة هوشع النبى شخصاً. فقد أحب هوشع النبى جومر وتزوج بها بتدبير إلهى وتوجيه من الله، وأنجب منها ابنة واحدة وولدان، سمى الأبنة "لورحامة" بمعنى "غير مرحومة" فى إشارة إلى أن الله لن يرحم بنى إسرائيل بسبب خطاياهم "أدعُ أسمها لُورُحامة لأنى لا أعود أرحم بيت إسرائيل أيضاً بل أنزعهم نزعاً(114)"، والابن الأول أسماه "يزرعيل" فى إشارة إلى أن الله سيفنى إسرائيل مثلما أفنى عائلة أخآب الملك الذى قتل نابوت اليزراعيلى(115)، والابن الثانى أسماه "لوعمى" أى "ليس شعبى"، "أدعُ اسمه لوعمىّ لأنكم لستم شعبى وأنا لا أكون لكم(116)"، وذلك فى إشارة لرفض الله لهم بسبب شرورهم ومعاصيهم وارتدادهم عنه.
ثم تظهر جومر، زوجة النبى على حقيقتها كامرأة خائنة وتترك زوجها وتزنى مع رجال كثيرين إلى أن تصل إلي سن وحالة لا تصلح فيها كزانية فتباع كعبدة، ونظراً لمحبة زوجها لها، هذا الحب الأبدى الذى لا يتزعزع، لذلك يفتديها ويشتريها بثمن افتداء عبد "بخمسة عشر شاقل فضة(117)"، ويعطيها فرصة للتوبة ثم يردها إليه ثانية، وتمثل زوجة النبى، جومر، هنا شعب الله، وتمثل خيانتها وزناها عبادة الأصنام، ويمثل حب هوشع لها هذا الحب الغافر بلا حدود والذى لا يتزعزع والذى جعلهُ يفتديها ثم يعيدها إليه، حب الله الأبدى وطول أناته وقبوله توبة الخطاة ورجوعهم إليه، قبول توبة شعبه ورجوعهم إليه انتظارا لمجئ النسل الآتى ابن داود الذى سيقدم الفداء لكل البشرية "بعد ذلك يعدو بنو إسرائيل ويطلبون الرب إلههم وداود ملكهم ويفزعون إلى الرب وإلى جوده فى آخر الأيام(118)".
5- الأعمال الرمزية "
الأعمال الرمزية هى تصرفات شخصية كان يقوم بها الأنبياء بتوجيه إلهى وكانت تبدو غريبة وملفتة للنظر، وقد قصد بها الأنبياء لفت أنظار الشعب لهذا التصرف الذى كان يبدو غريباً وشاذاً وملفتاً للنظر والتفكير فى فحواه ومغزاه، كان الهدف إذاً هو لفت أنظار الشعب للمعنى المقصود فى هذا التصريف الرمزى الغريب بشدة وبصورة تجعله يفكر فى الحدث، أى العمل الرمزى الذى قام به النبى، وأن يظل محفوظاً فى ذاكرته أطول مدة ممكنة. وكانت هذه التصرفات والأعمال الرمزية للأنبياء تزيل عنهم عناء شرح بعض الأمور التى قد لا يستقبلها الشعب، كما كانت تزيل عنهم، فى بعض الأحيان، الحرج والوقوع فى مأزق دينى أو سياسى أو قومى وفى بعض الأحيان كانت توصل رسالة مباشرة وبصورة عملية رمزية مباشرة:
v فى نهاية حكم سليمان الحكيم، كان الله قد شاء أن يمزق المملكة بسبب ارتداد الشعب عن عبادة الله وعبادته لأوثان الشعوب المجاورة وتركه لأحكام الله ووصاياه وفرائضه. فأمسك أخيا الشيلونى النبى برداء يربعام بن ناباط الجديد الذى عليه "ومزّقهُ أثنتى عشرة قطعة(119)" إشارة إلى تمزق مملكة إسرائيل، وأعطى يربعام عشر قطع منها معلناً أنه سيملك على عشرة أسباط بينما يملك رحبعام بن سليمان على سبطين فقط(120).
v وطلب إليشع النبى من الملك يوآش أن يطلق سهمه فى اتجاه آرام وكانت قوة اندفاع السهم ترمز إلى درجة الانتصار على آرام(121).
v وأشترى أرمياء النبى منطقة من الكتان وارتداها لفترة دون أن يضعها فى الماء، وطلب منه الله أن يطمرها عند نهر الفرات ثم عاد وأخذها بعد فترة من الزمن، وكانت قد فسدت علامة ورمزاً على أن شعب الله كان قريب جداً من الله ثم ابتعد عنه وفسد وأصبح بلا فائدة(122).
v وطلب الله من أرمياء النبى أن يذهب إلى بيت الفخارى، وهناك رأى كيف يعيد الفخارى الإناء، الوعاء، الذى فسد وكيف يشكلهُ من جديد، وذلك رمزاً وإشارة لسلطان الله وسيادته على خليقته وكيف يعيد تشكيل الإنسان من جديد، خاصة فى حالة التوبة والرجوع إليه(123).
v وأمره الله أن يكسر إبريق من الفخار أمام الشعب رمزاً لدمار يهوذا وأورشليم وانكسار الشعب الآتى "هكذا أكسر هذا الشعب وهذه المدينة كما يكسر وعاء الفخارى بحيث لا يمكن جبرهُ بعد(124)".
v وأراه سلتان موضوعتان أمام الهيكل، واحدة بها تين جيد والأخرى بها تين ردئ، وقد رمز بالتين الجيد للذين ذهبوا إلى السبى فى بابل، والتين الردئ بالذين بقوا فى الأرض ولم يذهبوا إلى السبى سنة 597 ق.م.(125).
وكانت مهمة حزقيال النبى فى السبى شاقة وعسيرة، فقد كانت رسالته إلى شعب من "صلاب الجباه وقساة القلوب(126)"، وكان مستمعوه من اليهود الذين كانوا قد نقلوا إلى السبى فى المرحلتين الأولى (605ق.م.) والثانية (597ق.م.) ولم تكن أورشليم قد سقطت بعد، والهيكل كان لا يزال باقياً، قائماً، وكان المسبيون لا يزال لديهم الأمل فى الانتصار والعودة ثانية إلى أورشليم والصلاة فى الهيكل، برغم أن الله سبق وأكد بفم أرمياء النبى حتمية السبى ودوامه مدة سبعين سنة، ودمار المدينة والهيكل دماراً كاملاً. وقد أعلن الله هذه الحقيقة بفم حزقيال النبى أيضا ولكن الأنبياء الكذبة قالوا بعكس ذلك، كما لم يكن فى تصور الشعب أن الله سيتخلى عن أورشليم والهيكل، وبالتالى لم يكن أبداً مستعداً لسماع عكس ما كان يتصور وكان إعلان حتمية دمار الهيكل والمدينة يمثل الاتهام بالخيانة الوطنية ... ومن أجل ذلك وجه الله حزقيال النبى للعمل الرمزى والكشف عن هذه الحقائق بصورة رمزية.
v رسم على لبنة من طين (قالب طوب لم يحترق بعد) سوراً لأورشليم وجعل عليها حصار وذلك رمزاً لحصارها الأخير والقادم(127).
v كما أمره أن ينام على جنبه الأيسر 290 يوماً رمزاً لأثم إسرائيل، وأن ينام على جنبه الأيمن 40 يوماً رمزاً لأثم يهوذا. وأن يأكل الطعام بالوزن ويشرب الماء بالكيل رمزاً لما سيعانيه الشعب من جوع وعطش أثناء الحصار الآتى على أورشليم(128).
v كما أمره أن يحلق شعره بالموس وأن يوزنه ويقسمه إلى ثلاثة أقسام، ثم يحرق ثلثه بالنار ويضرب الثلث الثانى بالسيف ويذرى الثلث الباقى فى الريح، رمزاً لما سيحل بالشعب المحاصر بالمدينة والذى سيهلك ثلثه بالنار وثلثه بالسيف ويذهب الثلث الباقى إلى الشتات فى بلاد كثيرة(129).
6- البركة البطريركية (بركة نوح وإبراهيم وإسحق ويعقوب):
البركة البطريركية هى التى بارك بها الآباء البطاركة نوح وإبراهيم وإسحق ويعقوب وأولادهم وأحفادهم ونسلهم من بعدهم، وكانت بركتهم عبارة عن نبوات لما سيحدث فى مستقبل الأيام لنسلهم ونسل الشعوب المرتبطة بنسلهم، بل وبمستقبل ومصير كثير من الشعوب والأمم. كان الروح القدس يقودهم ويرشدهم ويتكلم بفمهم وعلى لسانهم، يقول القديس بولس بالروح:
v "بالإيمان إسحق بارك يعقوب وعيسو من جهة أمور عتيدة. بالإيمان يعقوب عند موته بارك كل واحد من أبنى يوسف وسجد على رأس عصاه بالإيمان يوسف عند موته ذكر خروج بنى إسرائيل وأوصى من جهة عظامه" (عب 20: 11-22).
كانوا يتكلمون بالروح القدس عما سبق أن قررته العناية الإلهية بحسب إرادة الله وعلمه السابق، عما سيحدث وما سيكون فى مستقبل الأيام، وكانت هذه البركة البطريركية، أو النبوات المستقبلة، تتم سواء بإرادة هؤلاء البطاركة أو بدون إرادتهم. وبارك نوح أبنه سام "وقال مبارك الرب إله سام وليكن كنعان عبداً لهم(130)". كما بارك ملكى صادق ملك ساليم وأقدم كاهن يذكر فى الكتاب المقدس إبراهيم "وقال مبارك إبرام من الله العلى(131)"، كما بارك إسحق يعقوب وقال له "ليستبعد لك شعوب وتسجد لك قبائل كن سيداً لأخوتك وليسجد لك بنو أمك..(132)"، كما بارك "يعقوب فرعون(133)"، "وبارك يوسف(134)"، وبارك ابنى يوسف "الملاك الذى خلصنى من كل شر يبارك الغلامين(135)"، وبارك بقية أولاده الأثنى عشر(136)، والملاحظ كانت تتم بناء على إرادة الله فقط، دون إرادة البشر، حتى لو أعترض البشر على ذلك. فعندما بارك إسحق يعقوب وكان يعتقد أنه عيسو لم يقدر أن يتراجع فى ذلك بعد أن عاد عيسو وعرف إسحق أن من باركه هو يعقوب وليس عيسو، ولأنه كان يرى بعين النبوّة ويضع الله على فمه ما كان يختص بيعقوب ومستقبل نسله، وإن كان إسحق قد أخطأ فى التمييز بين يعقوب وعيسو فالروح القدس ألا يمكن أن يخطئ، وما يدل على ذلك أنه عندما طلب الملاك بالاق من بلعام بن بعور العراف أن يلعن أبناء يعقوب "قال الله بلعام لا تذهب معهم (رجال بالاق) ولا تلعن الشعب لأنه مُبارك(137)"، ولما ألح بالاق على بلعام أن يلعن الشعب يقول الكتاب "فوافى الربُّ بلعام ووضع كلاماً فى فمه وقال أرجع إلى بالاق وتكلم هذا"، ثم قال بلعام لبالاق "إني قد أمرتُ أن أبارك. فأنهُ قد بارك فلا أرُّدهُ(138)"، ولما بارك يعقوب ابنى يوسف منسى وأفرايم تنبأ بأنهُ سيكون لهما مكانة بين أبناء يعقوب كرأوبين وشمعون. ولما قربهم يوسف من أبيه وضع منسى الابن الأكبر أمام يد يعقوب اليمنى ليأخذ بركة البكر، ووضع أفرايم أمام يد يعقوب اليسرى ليأخذ بركة الأصغر، فعبر يعقوب بيده اليمنى ووضعها على أفرايم وعبر يده اليسرى ووضعها على منسى، ولما أعترض يوسف على ذلك وحاول أن يضع يد أبيه على منسى ويلفت نظره أنه البكر، أصر يعقوب على موقفه الذى وضعهُ فيه روح الرب وقال "علمتُ يا ابنى علمت. هو أيضا يكون شعباً وهو أيضا يصير كبيراً. ولكن أخاهُ الصغير يكون أكبر منهُ ونسله يكون كجمهور من الأمم.. فقدم أفرايم على منسى"، مؤكداً على أن إرادة الله ومشيئته وعلمه السابق هو أن يكون نسل أفرايم الابن الأصغر أعظم من نسل منسى الابن الأكبر.
---
(1) 1مل 41: 11؛ 19: 14؛29؛ 7: 15،23،31؛ 5: 16،14،20،27؛ 11: 21؛ 39: 22،45؛
2مل 18: 1؛ 23: 8؛ 34: 10؛ 19: 12؛ 8: 13،12؛ 15: 14،28؛ 11: 15،15،21،26،31، 36؛ 19: 16؛ 20: 20؛ 17: 21،25؛ 28: 23؛ 5: 24؛ 1أخ 1: 9، 2أخ15: 12؛ 22: 13؛ 34: 20؛ 27: 24؛ 7: 27؛ 26: 28؛ 19: 33؛ 25: 35-27
(2) أر 14: 49 (أنظر عو 1: 1)
(3) حج 13: 1
(4) خر 10: 3
(5) قض 8: 6
(6) أر 7: 1
(7) ملا 1: 3
(8) 1يو 9: 4
(9) خر 22: 4
(10) حز 1: 5
(11) 2أخ 20: 24
(12) أش 5: 38
(13) أش 24: 44
(14) عا 1: 2
(15) حز 11: 34
(16) تك 1: 12
(17) تك 2: 22
(18) خر 19: 4
(19) خر 27: 4
(20) خر 15: 7
(21) خر 10: 19
(22) 1مل 1: 18
(23) 1مل 15: 19
(24) أر 12: 3
(25) أر 2: 35
(26) حز 4: 3
(27) هو 1: 3
(28) يون 2: 1؛ 2: 3
(29) أش 9: 6
(30) أر 19: 5؛ 4: 8؛ 17: 14؛ 2: 15؛ 8: 21؛ 4: 26؛ 4: 45
(31) أر 11: 19؛ 27: 25،28
(32) أنظر أر 20: 17؛ 3: 19؛ 11: 21
(33) أر 4: 34
(44) أر 15: 42؛ 26: 44
(37) تك 16: 22
(38) تك 7: 24؛ تث 10: 6،18
(39) حز 11: 13
(40) عدد 10: 32؛ تث 34: 1؛ 21: 4
(41) تث 8: 1؛ 14: 2؛ 8: 7،12؛ 1: 8،18؛ 5: 9؛ 9: 11،21؛ 17: 13؛ 8: 19؛ 3: 26؛ 9: 28،11؛ 20: 30
(42) 2صم 9: 3
(43) مز 4: 110
(44) مز 11: 132
(45) أش 24: 14؛ 8: 62
(46) أر 5: 22
(47) أر 14: 51
(48) عا 2: 4
(49) عا 8: 6
(50) عا 7: 8
(51) عد 21: 14
(52) عد 28: 14
(53) تث 40: 32
(54) أر 18: 46
(55) أش 18: 49؛ 24: 22
(56) حز 11: 5؛ 48: 16؛ 16: 17،19؛ 3: 18؛ 33: 20؛ 27: 33؛ 8: 34؛ 6: 35،11
(57) حز 3: 20،31
(58) حز 11: 33
(59) صف 9: 2
(60) عد 3: 23؛ 2مل 10: 8،13؛ أر 1: 24
(61) أر 21: 37
(62) حز 25: 11
(63) عا 1: 7،4،7؛ 1: 8
(64) حز 7: 6
(65) خر 5: 7؛ 4: 14،18
(66) خر 17: 7
(67) خر 22: 8
(68) خر 2: 10؛ 46: 29؛ لا 43: 23
(69) خر 12: 16
(70) لا 44: 11،45؛ عد 34: 35
(71) لا 22: 24
(72) أش 10: 43
(73) أر 7: 24
(74) حز 62: 16؛ 42: 20؛ 27: 34،30؛ 11: 36،23،36،38؛ 6: 37،13،14،28؛ 23: 38؛ 7: 39،22؛28: 39
(75) حز 8: 5،13؛ 7: 6،10،13،14؛ 4: 7،9،27؛10: 11،12؛ 16: 12؛ 21: 17، 24؛ 12: 20،20،26،33،38،44،48؛ 5: 21؛ 16: 22،22؛49: 23؛9: 24،24،27؛ 5: 5،7،11،17؛2: 26؛ 22: 28،23،24،26؛ 6: 29،9،16،21؛ 8: 30،19؛ 26: 25؛ 15: 32؛ 11: 33،39؛ 4: 35،6،9،12،15؛ 6: 39 (وأنظر خر 13: 31؛ لا 17: 25؛ تث 6: 29؛ 16: 60؛ أر 24: 9).
(76) تك 1: 15
(77) تك 24: 26
(78) تك 3: 46
(79) تث 21: 1
(80) تث 8: 31
(81) يش 1: 8
(82) قض 23: 6
(83) أش 10: 41
(84) أش 13: 41،14
(85) أش 10: 43
(87) وأنظر أش 4: 7؛ 2مل 6: 19؛ أش 8: 41-13،14-16؛ 1: 44-5، أر 10: 30،11؛ 9: 42-12؛ 19: 15-21؛ أش 7: 51؛ 4: 54؛ يؤ 19: 2-20؛ أش 9: 58؛ 1: 65
(88) 2مل 13: 17
(89) أر 3: 7
(90) ملا 8: 3
(91) أنظر أيضا أر 12: 3-13،22؛ 1: 7-15؛ 1: 11-8؛ 1: 4-4؛ أش 10: 1-17؛ هو 15: 5؛ 1: 6-6؛ 2: 14-4؛ عا 4: 4-7،11-15،21-24؛ 14: 5،15
(92) أنظر 2مل 6: 1،15-16؛ أش 12: 3، 10: 29-11،13-14؛ أر 11: 16-13؛ عا 2: 3؛ 1: 4-2؛ 11: 6،12؛ 4: 8-8؛ ميخا 9: 3؛ 13: 7
(93) 1مل 17: 21-19؛ أش 23: 13؛ أر 51: 46
(94) أنظر أيضا أش 12: 56؛ 1: 57؛ 13: 57؛ 7: 65-8،10،11
(95) أنظر أش 9: 3؛ 8: 5،18،20،21،22؛ 5: 6؛ 5: 10؛ 16: 24؛ 1: 28؛ 1: 19،15؛ 1: 30؛ 1: 33؛ 9: 45،10؛ أر 13: 4،31؛ 4: 6؛ 19: 10؛27: 13؛ 10: 15؛ 13: 22؛ 1: 23؛ 3: 45؛ 1: 48،46؛ 27: 50؛ مراثى 16: 5؛ حز 10: 2؛ 3: 13،18؛ 23: 16؛ 6: 24،9؛ هو 13: 7؛ 12: 9؛ عا 18: 5-20؛ 1: 6-7؛ ميخا 1: 7؛ ناحوم 1: 3؛ حب 6: 2،9،12،15،19؛ صف 5: 2؛1: 3؛ زك 17: 11
(96) أش 1: 41؛ 22: 51؛ 4: 59
(97) أر 19: 49؛ 44: 50؛ عا 4: 7؛ ميخا 2: 6
(98) أش 2: 1
(99) أش 1: 5،2،7
(100) أر 9ك35
(101) هو 1: 10
(102) أر 10: 5،11
(103) أر 9: 6،10
(104) حز 6: 15-8
(105) حز 10: 19-14
(106) حز 15: 34
(107) حز 32: 16
(108) حز 39: 16،40
(109) حز 61: 16،62
(110) حز 44: 20
(111) حز 23
(112) أر 6: 3-8
(113) هو 10: 6
(114) هو 6: 1
(115) هو 2مل 9-10
(116) هو 9: 1
(117) هو 2: 3
(118) هو 5: 3
(119) 1مل 30: 11
(120) 1مل 30"11،31
(121) 1مل 30: 11،11
(122) 2مل 15: 13-16
(123) أر 1: 13-11
(124) أر 1: 18-10
(125) أر 1: 19-11
(126) أر 1: 24-3
(127) حز 7: 3
(128) حز 1: 4-3
(129) حز 9: 4-11
(130) حز 1: 5-12
(131) تك 26: 9
(132) تك 19: 14
(133) تك 29: 27
(134) تك 10: 47
(135) تك 15: 48
(136) تك 16: 48
(137) تك 48،49
(138) عد 16: 22
الفصل السادس
الأنبياء والنبوة والتنبؤ فى العهد الجديد
1- المعنى اللغوى والكتابى:
1- وردت كلمة "نبى":
فى العهد الجديد فى صيغتها اليونانية “Prophetes” حوالى 144 مرة، 37 مرة فى الإنجيل للقديس متى، و29 مرة فى الإنجيل للقديس لوقا، و30 مرة فى سفر أعمال الرسل، و6 مرات فى الإنجيل للقديس مرقس، و14 مرة فى الإنجيل للقديس يوحنا، وتعنى فى اللغة اليونانية والعهد الجديد:
أ – "ينادى"، "يشرح علانية".
ب- "الذى يتنبأ".
ج- "الذى يعرف الماضى".
د- و"يعرف ما فى القلوب".
أى أن النبى هو الذى ينادى بالدعوة والرسالة الإلهية الموحى بها من الله، والذى يشرح ويفسر معنى كلمة الله بالروح القدس، والذى يتنبأ بما يكون وما سيحدث فى المستقبل، كما يعرف الماضى ويعلم ما فى القلوب بالروح القدس الساكن فيه والذى يتكلم على لسانه. وقد وردت كلمة "نبية" مرتين عن حنة النبية التى تنبأت عن الفداء الذى سيتم بالمسيح (1)، وإيزابل رمز الشر فى سفر الرؤيا(2)، كما يذكر القديس بولس نساء أخريات كن فى الكنيسة وكانت لهن موهبة النبوّة(3).
2- كما ورد الفعل "يتنبأ – Propheteuo":
حوالى 28 مرة، ويعنى فى اللغة اليونانية والعهد الجديد:
أ- "ينادى".
ب- "يشرح علانية".
ج- "يكشف ويعلن ما سيكون فى المستقبل".
د- "يعلن ويكشف الخفيات ".
ه- "له موهبة النبوة".
و- "يمجد الله أى ينادى ويتكلم بالأقوال الإلهية، الإعلان الإلهى والرسالة الإلهية، المعطاة بالروح القدس".
v "كل رجل يصلى أو يتنبأ وله على رأسه شئ يشين رأسه. وأما كل امرأة تصلى أو تتنبأ ورأسها غير مغطى تشين رأسها" (1كو 4: 11،5).
v "لأننا نعلم بعض العلم ونتنبّأّ بعض التنبؤ" (1كو 9: 13).
v "اتبعوا المحبة ولكن جدوا للمواهب الروحية وبالأولى أن تتنبأوا .... وأمّا من يتنبّأُ فيكلم الناس ببنيان ووعظ وتسلية. من يتكلم بلسانٍ يبنى نفسهُ. وأمّا من يتنبّأُ فيبنى الكنيسة ... بالأولى أن تتنبأوا. لأن من يتنبّأُ أعظم مّمن يتكلم بألسنة ... حتى تنال الكنيسة بنياناً ... فماذا أنفعكم أن لم أكلمكم إما بإعلان أو بعلم أو بنبوّة أو بتعليم ... إذاً أيها الأخوة جدُّوا للتنبّوء" (1كو1: 14،3-6،39).
ويشرح علانية ويفسر كلمة الله ويعلم وينصح ويعزى ويذكر:
v "وأما من يتنبّأ فيكلم الناس ببنيان ووعظ وتسلية ... لأنكم تقدرون جميعكم أن تتنبأُوا واحداً واحداً ليتعلم الجميع وليتعزى الجميع(4)". كما يعنى الفعل "يتنبأ" أيضا يكشف ويعلن ما سيكون وما سيقع وما سيحدث فى المستقبل "وقام واحد منهم أسمهُ أغابوس وأشار بالروح أن جوعاً عظيماً كان عتيداً أن يصير على المسكونة(5)". وهذا ما يدل عليه استخدام الفعل فى الآيات التالية:
v "إمراؤون حسناً تنبأ عنكم أشعياء النبى قائلاً" (متى 7: 15؛ مر 6: 7).
v "وامتلأ زكريا أبوه من الروح القدس وتنبأ قائلاً" (لو 67: 1).
v "قيافا ... إذ كان رئيس الكهنة فى تلك السنة تنبّأ أن يسوع مزمع أن يموت عن الأمّة. وليس عن الأمّة فقط بل ليجمع أبناء الله المتفرقين إلى واحد" (يو 51: 11،52).
v "الخلاص الذى فتش وبحث عنهُ أنبياء. الذين تنبأُ واعن النعمة التى لأجلكم باحثين أىُّ وقت أو ما الوقت الذى يدل عليه روح المسيح الذى فيهم إذ سبق فشهد بالآلام التى للمسيح والأمجاد التى بعدها" (1بط 10: 1،11).
v "وتنبأ عن هؤلاء (الأشرار) أيضا أخنوخ السابع من آدم قائلاً هوذا قد جاء الرب فى ربوات قديسيه ليصنع دينونة على الجميع" (يو 14: 1،15).
v "فقال (الملاك) لى (للقديس يوحنا) يجب أن تتنبأ أيضا على شعوب وأمم وألسنة وملوك كثيرين" (رؤ 11: 10).
ويعن الفعل أيضاً الذى يكشف الخفيات ويعلم ما فى القلوب وما فوق القدرات البشرية بروح الله الساكن فيه. يقول الكتاب فلما رأى الفريسى الذى دعا المسيح يتعامل مع المرأة الخاطئة "تكلم فى نفسه قائلاً لو كان هذا نبياً لعلم من هذه المرأة التى تلمسهُ وما هى أنها خاطئة(6)". وأثناء محاكمة السيد المسيح كان الجنود الرومان "يبصقون عليه ويغطون وجهه ويلكمونه ويقولون له " ساخرين "تنبأ(7)"، "تنبأ لنا أيها المسيح من ضربك(8)"، كما يعنى الفعل أيضا معرفة الماضى إذ أنه لمل كشف السيد المسيح ماضى المرأة السامرية وقال لها "كان لك خمسة أزواج. والذى لك الآن ليس هو زوجك ... قالت له المرأة يا سيد أرى أنك نبى(9)"، ويعنى من له موهبة النبوّة "وكان لهذا "فيلبس المبشر) أربع بنات عذارى كن يتنبأن(10)". وأيضا الذى يتنبأ باسم المسيح "كثيرون سيقولون لى فى ذلك اليوم يا رب يا رب أليس بأسمك تنبأنا".
3- أما كلمة "نبوّة" أو "نبؤه"، "Propheteia":
فقد وردت فى العهد الجديد بشكل عام حوالى 19 مرة، وتعنى فى اللغة اليونانية والعهد الجديد بصفة علمة "دعوة النبى"، "المقدرة على إعلان إرادة الله"، "المناداة بكلمة الله"، "موهبة النبوة ذاتها".
v "ولكن لنا مواهب مختلفة بحسب النعمة المعطاة لنا. أنبوّة فبالنسبة إلى الإيمان. أم خدمة ففى الخدمة. أم المعلم ففى التعليم" (رو 6: 12،7).
v "فأنه لو أحد يُعطى بالروح كلام حكمة ولآخر كلام علم بحسب الروح الواحد ... ولآخر عمل قُواتٍ ولآخر نبوّة" (1كو 8: 12،10).
v "فالآن أيها الأخوة إن جئت إليكم متكلماً بألسنة فماذا أنفعكم إن لم أكلمكم أمّا بإعلان أو بعلم أو بنبّوة أو بتعليم" (1كو 6: 14).
v "لا تهمل الموهبة التى فيك المعطاة لك بالنبوّة مع وضع أيدى المشيخة" (1تى 14: 4).
v "وسأعطى لشاهدى فيتنبأن ... هذان لهما السلطان أن يغلقا السماء حتى لا مطراً فى أيام نبوّتهما" (رؤ 3: 11،6).
v ".. السر الذى كان مكتوماً فى الأزمنة الأزلية. ولكن ظهر الآن واعلم به جميع الأمم بالكتب النبوية" (رو 25: 16،26).
v "وعندنا الكلمة النبوية وهى أثبت التى تفعلون حسناً أن أنتبهتم إليها كما إلى سراج منير فى موضع مظلم... عالمين هذا أولاً أن كل نبوّة الكتاب ليست من تفسير خاص. لأنهُ لم تأت نبوّة قط بمشيئة إنسان بل تكلم أناس الله القديسون مسوقين من الروح القدس" (بط 19: 1-21).
كما تعنى "النبؤة" أيضا التنبؤ، كشف وإعلان، بما سيكون وما سيقع وما سيحدث فى المستقبل:
v "حسناً تنبأ عنكم أشعياء النبى" (متى 7: 15).
v "فقد تمت فيهم نبوّة أشعياء النبى القائلة تسمعون سمعاً ولا تفهمون ومبصرين لا تبصرون ولا تنظرون" (متى 14: 13).
v "طوبى للذى يقرأ وللذين يسمعون أقوال نبوّة هذا الكتاب لأن الوقت قريب" (رؤ 3: 1).
v "فإن شهادة يسوع هى روح النبوّة" (رؤ 10: 19).
v "وقال لى (الملاك) لا تختم على أقوال نبوّة هذا الكتاب لأن الوقت قريب" (رؤ 18: 22).
v "وإن كانت لى نبوّة وأعلم جميع الأسرار وكل علم" (1كو 2: 13).
2- العهد الجديد وأنبياء العهد القديم:
يذكر العهد الجديد وبصفة خاصة الإنجيل بأوجهه الأربعة معظم أنبياء العهد القديم مثل إبراهيم وموسى وصموئيل وداود وإيليا وإليشع وأشعياء وأرمياء ودانيال وهوشع ويوئيل ويونان بأسمائهم ويقتبس من أسفار هوشع وعاموس وميخا وحبقوق وزكريا وملاخى دون ذكر أسمائهم، كما أشير إلى أخنوخ السابع من آدم وبلعام بن بعور.
1- الأنبياء هم فم الله ولسانه الناطق الذى تكلم من خلالهم وبفمهم وعلى لسانهم وبواسطتهم، بروحه القدوس:
v " كما تكلم الله بفم أنبيائه القديسين الذين هم منذ الدهر" (لو 70: 1).
v "كان ينبغى أن يتم هذا المكتوب الذى سبق الروح القدس فقال له بفم داود عن يهوذا" (أع16: 1).
v "وأما الله فما سبق وأنبأ به بأفواه جميع أنبيائه أن يتألم المسيح قد تتمه هكذا" (18: 3).
v "أزمنة رد كل شيئ التى تكلم عنها الله بفم جميع أنبيائه" (أع 25: 4).
v "حسنا كلم الروح القدس آباءنا بأشعياء النبى" (أع 5: 28).
v "الله بعدما كلم آباء بالأنبياء قديماً بأنواع وطرق كثيرة" (عب 1: 1).
وقد تكررت عبارات "لكي يتم ما قيل من الرب النبى القائل(11)"، "لكى يتم ما قيل بالأنبياء(12)"، "لكى يتم ما قيل بأشعياء النبى(13)"، "حينئذ تم ما قيل بأرمياء النبى(14)"، "فكان هذا كلهُ لكى يتم ما قيل النبى القائل(15)"، "أما قرأتم ما قيل لكم من قبل إله القائل(16)"، "لكى يتم ما قيل بالنبى(17)"، "ما قيل لها من قبل الرب(18)"، "كما قيل أن سمعتم صوته فلا تقسوا قلوبكم(19)" 14 مرة، وكلها تعنى ما قيل من الله "ما قيل لكن من قبل الله"، "ما قيل من الرب" بواسطة الأنبياء أو بفم الأنبياء وعلى لسانهم.
2- الأنبياء يدونون ويكتبون أقوال الله فى كتب وأسفار بالروح القدس:
استخدم العهد الجديد كلمة "مكتوب" 110 مرة فى 77 آية، وتشير فى معظمها لما هو مكتوب فى أسفار موسى الخمسة وأسفار الأنبياء والمزامير، ويستخدم عبارات "مكتوب(20)"" "هكذا مكتوب(21)"، "هكذا هو مكتوب(22)" "لأنه مكتوب(23)"، "هو مكتوب(24)"، "كما هو مكتوب(25)"، "فأنه مكتوب(26)"، كما استخدم كلمة "الكتاب" 34 مرة فى 21 آية لتدل معظمها على كتب الأنبياء من موسى النبى إلى ملاخى النبى، وأشهر العبارات التى وردت فيها كلمة "الكتاب" هى: "فتم الكتاب(27)"، "وتم الكتاب(28)"، "ليتم الكتاب(29)"، "كما قال الكتاب(30)"، "ألم يقل الكتاب(31)"، "يعرفون الكتاب(32)"، "يقول الكتاب(33)"، "لأن الكتاب يقول(34)"،"الذى فى الكتاب(35)"، "والكتاب إذ سبق فرأى(36)"، "الكتاب نفسه(37)"، "درج الكتاب(38)"، "حسب الكتاب(39)"، "يتضمن أيضا الكتاب(40)". ويسبق هذه العبارات أو يليها اقتباس آيات كثيرة من جميع أسفار العهد القديم. ثم يختم القديس بولس هذا كله بقول الروح "كل الكتاب" أى كل أسفار العهد القديم "هو موحى به من الله(41)".
ثم يحدد أسماء كثير من أسفار العهد القديم بالاسم: "كتاب موسى(42)"، "مكتوب فى سفر أقوال أشعياء(43)"،"فدفع إليه سفر أشعياء(44)"، "داود نفسه يقول فى كتاب المزامير(45)"، "مكتوب فى كتاب الناموس(46)"، "ما هو مكتوب فى الأنبياء(47)"، "مكتوب فى سفر المزامير(48)"، "مكتوب عنى فى ناموس موسى والأنبياء والمزامير(49)"، "مكتوب فى الناموس والأنبياء(50)".
3- أنبياء العهد القديم والسيد المسيح:
شهد السيد المسيح وتلاميذه لكل أنبياء العهد القديم وكل أسفارهم وكل نبوّاتهم وما سبقوا أن تنبأوا به ودونوه عن السيد المسيح، كما بينا فى الفقرتين أعلاه، كما أكد السيد المسيح وتلاميذه أيضا على ثلاث حقائق جوهرية متعلقة بهؤلاء الأنبياء:
(1) حتمية إتمام كل ما سبق وتنبأ به هؤلاء الأنبياء سواء عن المسيح أو عن الأمم.
(2) أن هؤلاء الأنبياء جميعاً أشتهوا أن يروا المسيح "الحق أقول لكم لأن أنبياء وأبراراً كثيرين أشتهوا أن يروا ما أنتم ترون ولم يروا وأن يسمعوا ما أنتم تسمعوا ولم يسمعون(51)".
(3) أن المسيح نفسه بالرغم من أنه جاء بمفهوم روحى سماوى لكلمة الله فى العهد الجديد، وتمم كل ما سبق أن تنبأ به عنه الأنبياء ودونوه فى أسفار العهد القديم بالروح القدس، وبالرغم من أنه أبطل كل الشرائح الطقسية التى كانت ترمز إليه وتنتهى عنده وبمجيئه مثل الذبائح وطقوس تقديمها التى كانت تتم فى خيمة الاجتماع ثم فى الهيكل بعد ذلك، إلا أنه لم يلغى كلمة الله فى العهد القديم أو ينقضها، إنما جاء ليكملها "لا تظنوا أنى جئت لأنقض الناموس والأنبياء. ما جئت لأنقض بل لأكمل(52)"، ويتمم كل ما سبق أن كتب عنه "لابد أن يتم جميع ما هو مكتوب عنى فى ناموس موسى والأنبياء والمزامير(53)"، ولذلك فقد كانت أسفار العهد القديم هى كتاب الكنيسة المسيحية المقدس الأول إلى جانب تعليم السيد المسيح وما يتكلم به الروح القدس على أفواه التلاميذ والرسل وأنبياء المسيحية، لذا يقول القديس بولس بالروح "مبنيين على أساس الرسل والأنبياء ويسوع المسيح نفسه حجر الزاوية(54)"، ويعبر عن إيمانه بالقول الموحى به أنه كان "مؤمناً بكل ما هو مكتوب فى الناموس والأنبياء(55)"، ويقول القديس بطرس بالروح "لتذكروا الأقوال التى قالها سابقاً الأنبياء القديسون ووصيتنا نحن الرسل وصية الرب والمخلص(56)".
ونتيجة لإيمان الكنيسة هذا الذى استلمته من السيد المسيح فقد أقتبس الرسل فى العهد الجديد 250 اقتباسا مباشراً من العهد القديم، منها آيات مثيرة وفقرات كثيرة اقتبست أكثر من مرة، وذلك إلى 2500 إشارة إلى آيات وروايات أقوال الله التى أشير إليها ولم تقتبس منها مباشرة. وكان يسبق هذه الاقتباسات أو الإشارات أو يليها العبارات التى ذكرناها أعلاه، فى بندى 1و2، مثل "مكتوب" و"لكي يتم" و"حينئذ تم" و"يقول الكتاب" و"مكتوب فى الناموس" و"مكتوب فى سفر أقوال أشعياء" ... الخ.
ومن هذا الإيمان والمنطلق كان التلاميذ والرسل وأنبياء المسيحية يبدأون الكرازة بالسيد المسيح، للعالم كله بصفة عامة ولليهود بصفة خاصة مبتدئين بأقوال الله على فم أنبيائه فى العهد القديم وخاصة التى تنبأوا فيها عن المسيح الموعود والآتى لفداء وخلاص كل البشرية، كقول الروح على فم القديس بولس "وأنا لا أقول شيئاً غير ما تكلم الأنبياء وموسى أنه عتيد أن يكون أن يؤلم المسيح يكن هو أول قيامة الأموات مزمعاً أن ينادى بنور للشعب وللأمم(57)"، ويقول القديس بطرس بالروح "له (المسيح) يشهد جميع الأنبياء أن كل من يؤمن به ينال باسمه غفران الخطايا(58)"، وأيضا "وأما الله فما سبق وأنبأ به بأفواه جميع أنبيائه أن يتألم المسيح قد تممه هكذا .... فإن موسى قال للآباء أن نبياً مثلى سيقيم لكم الرب إلهكم ... وجميع الأنبياء أيضا من صموئيل فما بعده جميع الذين تكلموا سبقوا وأنبأوا بمجيئ هذه الأيام(59)".
وكما ذكرنا فقد ذكر العهد الجديد معظم أنبياء العهد القديم ومعظم ما جاء به من أحداث وروايات وأقوال إلهية، سواء بالاقتباس المباشر أو بالإشارة، وخاصة ما تنبأ به وما كتبه الأنبياء بالروح القدس عن السيد المسيح. فقد ذكر نوح 22 مرة، وإبراهيم 73 مرة، وإسحق 19 مرة، ويعقوب 69 مرة، ويوسف 36 مرة، وسبط يهوذا 3 مرات، وأخنوخ السابع من آدم 3 مرات، موسى 80 مرة، ويشوع بن نون 3 مرات، والقضاة ككل 3 مرات، وكل من القضاة جدعون وباراق ويفتاح وشمشون مرة واحدة، وصموئيل 3 مرات، وداود 59 مرة، وإيليا 30 مرة، وإليشع مرة واحدة، وأشعياء 21 مرة، وأرمياء 3 مرات، وكل من دانيال وهوشع ويوئيل مرة واحدة، وميخا مرتين، ويونان 46 مرة، وناحوم 17 مرة، وزكريا 11 مرة، وبلعام العراف 3 مرات، وسليمان 12 مرة، كما أقتبسوا من أسفار ناحوم وحبقوق وحجى وملاخى، دون ذكر لأسماء هذه الأسفار ولكن بالمقدمات المعروفة "مكتوب".
4- الأنبياء الذين وجدوا وقت ميلاد المسيح "أنبياء وما قبل المسيحية:
يذكر الإنجيل للقديس لوقا كل من زكريا الكاهن وزوجته أليصابات وسمعان الشيخ وحنة بنت فنوئيل كأربعة أنبياء أمتلأوا من الروح القدس وتنبأوا عن المسيح، وتنبأ زكريا عن المسيح وعن نبوة يوحنا المعمدان. يقول الكتاب أنه بعد أن بشر ملاك الرب زكريا بأن زوجته ستحبل وتلد أبناً وهى فى شيخوختها ظل صامتاً إلى أن ولدت، ثم يقول "وامتلأ زكريا أباه من الروح القدس وتنبأ قائلاً". وتكلم عن الفداء الذى سبق أن وعد به الله "بفم أنبيائه القديسين" عن مجيء المسيح، كما تنبأ عن كون يوحنا نبياً للرب "وأنت أيها الصبى نبى العلى تدعى لأنك تتقدم أمام وجه الرب لتعد طرقه(60)". ولما دخلت العذراء مريم على أليصابات بعد بشارة الملاك لها بالحبل بالمسيح وأيضا بحبل أليصابات، يقول الكتاب "فلما سمعت أليصابات سلام مريم أرتكض الجنين بابتهاج فى بطنها وامتلأت أليصابات من الروح القدس"، وتكلمت عن حبل العذراء بالمسيح "الرب" وقالت "مباركة أنت فى النساء ومباركة هى ثمرة بطنك. فمن أين لى هذا أن تأتى أم ربى إلى(61)".
عند ختان الطفل يسوع فى اليوم الثامن فى الهيكل "كان (هناك) رجل فى أورشليم أسمه سمعان. وهذا الرجل كان باراً تقياً ينتظر تعزية إسرائيل والروح القدس كان عليه.وكان قد أوصى إليه بالروح القدس أنه لن يرى الموت قبل أن يرى مسيح الرب. فأتى بالروح إلى الهيكل" وحمل الطفل "على ذراعيه وبارك الله وقال الآن تطلق عبدك يا سيد حسب قولك بسلام لأن عيينى قد أبصرتا خلاصك الذى أعددته قدام وجه جميع الشعوب. نور إعلان للأمم ومجداً لشعبك إسرائيل(62)"، وفى نفس الوقت كانت هناك امرأة بارة وتقية ومسنة دعاها الكتاب ب "نبية"، "نبية حنة بنت فنوئيل"، هى أيضا "وقفت تسبح الرب وتكلمت عنه (المسيح) مع جميع المنتظرين فداء فى أورشليم(63)".
5- يوحنا المعمدان:
دعى يوحنا المعمدان منذ ميلاده بالنبى كقول أبيه "وأنت أيها الصبى نبى العلى تدعى". وكان العهد القديم قد أعلن أن نبياً سيسبق المسيح الآتى ليعد طرقه وقد وصف فى سفر أشعياء ب "صوت صارخ فى البرية أعدوا طريق الرب(64)"، وفى سفر ملاخى بقوله "هأنذا أرسل ملاكى فيهيئ الطريق أمامى(65)"، و"هأنذا أرسل إليكم إيليا النبى قبل مجيء يوم الرب(66)".
وعندما بشر الملاك زكريا أباه بولادته قال له أنه سيتقدم أمام الرب "بروح إيليا وقوته ليرد قلوب الآباء إلى الأبناء والعصاة إلى فكر الأبرار لكى يهيئ للرب شعباً مستعداً(67)"، وقال عنه السيد المسيح أنه ليس مجرد نبى عادى، بل وأفضل من نبى وأعظم مواليد النساء وأنه هو نفسه إيليا الذى أعلن عنه الروح القدس بفم ملاخى النبى لأنه جاء بروح إيليا وفكره وأسلوبه وحتى طريقة لبسه. "ماذا خرجتم لتنظروا. إنساناً لابساً ثياباً ناعمة ... أنبياً نعم أقول لكم وأفضل من نبىّ. فإن هذا هو الذى كتب عنه ها أنا أرسل أمام وجهك ملاكى الذى يُهيئّ طريقك قدامك. الحق أقول لكم لم يقم من بين المولودين من النساء أعظم من يوحنا المعمدان ... جميع الأنبياء والناموس إلى يوحنا تنبأوا.
وإن أردتم أن تقبلوا فهذا هو إيليا المزمع أن يأتى(68)". وبعد التجلى وظهور كل من موسى وإيليا مع المسيح أمام التلاميذ على جبل التجلى، سأل التلاميذ السيد قائلين "لماذا يقول الكتبة أن إيليا ينبغى أن يأتى أولاً. فأجاب يسوع وقال لهم أن إيليا يأتى أولاً ويرد كل شئ. ولكنى أقول لكم أن إيليا قد جاء ولم يعرفوه بل عملوا به كل ما أرادوا ... حينئذ فهم التلاميذ أنه قال عن يوحنا المعمدان(69)".
أ- كان يوحنا المعمدان آخر ممثل لأنبياء العهد القديم ومكملاً لسلسلتهم حسب قول السيد المسيح "لأن جميع الأنبياء والناموس إلى يوحنا تنبأوا(70)"، "كان الناموس والأنبياء إلى يوحنا(71)". وقد تنبأ مثلهم عن المسيح "يأتى بعدى من هو أقوى منى الذى لستُ آهلاً أن أحمل حذاءه. هو سيعمدكم بالروح القدس ونار(72)".
وكان الفرق بينه وبينهم هو أنهم تنبأوا عن المسيح قبل مجيئه بأزمنة وقرون، أما هو فقد وجد فى أيامه وجاء ليعد الطريق أمامه ويشهد له "كان إنسان مُرسل من الله اسمه يوحنا. هذا جاء للشهادة ليشهد للنور لكى يؤمن الكل بواسطته. لم يكن هو النور بل ليشهد للنور(73)"، وقال عن نفسه ما سبق أن أنبأ به عنه أشعياء النبى "صوت صارخ فى البرية قوموا طريق الرب كما قال أشعياء النبى(74)". كما قال أيضا "لست أنا المسيح بل أنى مُرسل أمامه(75)"، وقد عرف عند الشعب أنه نبى "لأن يوحنا كان عند الجميع مثل نبى(76)"، و"بالحقيقة نبى(77)"، و"واثقون بأن يوحنا نبى(78)"، وكان هيرودس الملك، كما يقول الكتاب "أنه رجل بارّ وقديس وكان يحفظهُ(79)".
ب- كان أسلوب يوحنا المعمدان وطريقة دعوته وتوصيله لكلمة الله مثل أنبياء العهد القديم؛ يقول الكتاب "كانت كلمة الله على يوحنا بن زكريا فى البرية فجاء إلى جميع الكورة المحيطة بالأردن يكرز بمعمودية التوبة لمغفرة الخطايا(80)". وواجه هيرودس الملك بخطيئته قائلاً "لا يحل أن تكون لك امرأة أخيك(81)"، وذلك بنفس الأسلوب الذى واجه به صموئيل النبى شاول الملك(82)، وناثان النبى عندما واجه داود الملك(83)، وكذلك إيليا عندما واجه اخآب الملك(84)، وكان اسلوبه حاداً ونارياً مثل إيليا النبى فقد جاء بأسلوبه وروحه وقوته وحتى فى طريقة ملابسه، فقد كان إيليا "رجل أشعر متنطق بمنطقة من جلد على حقويه(85)"، وكان رداء يوحنا المعمدان من "وبر الإبل ومنطقة من جلد على حقويه(86)".
ج- وكما أضطهد بنو إسرائيل الأنبياء وقتلوا بعضهم، كما قال السيد المسيح "جلدوا بعضاً وقتلوا بعضاً ورجموا بعضاً(87)"، وأيضا "لذلك ها أنا أرسل إليكم أنبياء وحكماء وكتبة فمنهم تقتلون وتصلبون ومنهم تجلدون فى مجامعكم(88)"، "إذ تشهدون وترضون بأعمال آبائكم لأنهم هم قتلوهم وأنتم تبنون قبورهم(89)"، وقال القديس استيفانوس فى مجمع لليهود "أى الأنبياء لم يضطهده آباؤكم وقد قتلوا الذين سبقوا فأنبأوا بمجيئ البار(90)"،وقال بولس الرسول "قتلوا الرب يسوع وأنبيائهم واضطهدونا نحن(91)"، هكذا أيضا قتلوا يوحنا المعمدان عندما قطع هيرودس الملك رأسه إرضاء لهيروديا امرأة أخيه التى تزوجها بعد أن قتل زوجها(92).
6- السيد المسيح هل كان نبياً؟
السيد المسيح هو "صورة الله(93)"، "صورة الله غير المنظور(94) وصورة الله هو الله "الذى إذ كان فى صورة الله لم يحسب خلسة أن يكون مساوياً لله(95)"، "الذى وهو بهاء مجده ورسم جوهره(96)"، أي بهاء مجد الله وصورة جوهره. كلمة الله الذى هو الله "ويدعى اسمه كلمة الله(97)"، "فى البدء كان الكلمة وكان الكلمة عند الله وكان الكلمة الله(98)"، وقوة الله وحكمة الله "بالمسيح قوة الله وحكمة الله(99)"، "المسيح يسوع صار لنا حكمة من الله وبر وقداسة(100)"، "المدخر فيه جميع كنوز الحكمة والعلم(101)"، وهو ابن الله الوحيد الذى من ذات الله الآب وفى ذاته "الله لم يره أحد قط الابن الوحيد الذى هو فى حضن الأب هو خبر(102)"، لذا قال "أنا والآب واحد(103)"، وأنه موجود سابقاً قبل العالم والخليقة "والآن مجدنى أنت أيها الآب عند ذاتك بالمجد الذى كان لى عندك قبل كون العالم ... لأنك أحببتنى قبل إنشاء العالم(104)"، وهو الذى خلق العالم "كل شئ به كان وبغيره لم يكن شئ مما كان. فيه كانت الحياة ... كان العالم وكون به العالم(105)"، "فإنه فيه خلق الكل ما فى السموات وما على الأرض ما يُرى وما لا يُرى سواء كان عروشاً أم سيادات أم رياسات أم سلاطين الكل به وله قد خلق(106)"، هو خالق الكل و"رب الكل(107)"، والذى يسجد له الكل "لكى تجثو باسم يسوع كل ركبة ممن فى السماء ومن على الأرض ومن تحت الأرض(108)"، "وأيضا متى أدخل البكر إلى العالم يقول ولتسجد له كل ملائكة الله(109)". وهو الديان الذى يدين الخليقة بالعدل ويجازى كل واحد بحسب أعماله "فإن ابن الإنسان سوف يأتى فى مجد أبيه مع ملائكته وحينئذ يجازى كل واحد حسب عمله(110)"، "الرب يسوع المسيح العتيد أن يدين الأحياء والأموات عند ظهوره وملكوته(111)". وهو الجالس على العرش الإلهى فى السماء "ثم أن الرب بعد ما كلمهم ارتفع إلى السماء وجلس عن يمين الله(112)"، "المسيح جالس عن يمين الله(113)"، "جلس فى يمين العظمة فى الأعالى(114)"، "جلس فى يمين عرش العظمة فى السموات(115)"، "جلس إلى الأبد عن يمين الله(116)".
وباعتبار أن المسيح هو ابن الله وكلمة الله وصورة الله الذى هو الله خالق الكون ومدبره وديانه فهو رب الكل وإله الكل وفوق الكل ولكنه فى ملء الزمان ظهر فى الجسد "ولما جاء ملء الزمان أرسل الله أبنه مولوداً من امرأة(117)"، و" الكلمة صار جسداً وحل بيننا ورأينا مجده مجداً كما لوحيد من الآب مملوء نعمة وحقاً(118)"، "الذى إذ كان فى صورة الله لم يحسب خلسة أن يكون مساوياً لله لكنه أخلى نفسه أخذاً صورة عبد صائراً فى شبه الناس وغذ وجد فى الهيئة كإنسان وضع نفسه وأطاع حتى الموت موت الصليب. لذلك رفعُ الله أيضا وأعطاهُ اسماً فوق كل أسم لكى تجثوا باسم يسوع كل ركبة ممن فى السماء ومن على الأرض ومن تحت الأرض. ويعترف كل لسان أن يسوع هو رب لمجد الله الآب(119)". جاء فى الجسد "يسوع المسيح ... جاء فى الجسد(120)"، ظهر فى الجسد "عظيم هو سر التقوى الله ظهر فى الجسد(121)"، وكان مجرباً "مثلنا فى كل شئ بلا خطية(122)".
وبتجسد السيد المسيح ومجيئه إلى العالم وظهوره فى الجسد أعلن عن ذات الله الآب وإرادته بصورة أكثر إيضاحاً من جميع الأنبياء لأنه تكلم فيما له وأعلن أن بتجسده ونزوله من السماء إلى العالم قد قدم بذاته الإعلان الأخير كقول الكتاب "الله بعدما كلم الآباء بالأنبياء قديماً بأنواع وطرق كثيرة كلمنا فى هذه الأيام الأخيرة فى أبنه الذى جعلهُ وارثاً لكل شئ الذى به أيضا عمل العالمين الذى وهو بهاء مجده ورسم جوهره وحامل كل الأشياء بكلمة قدرته بعد ما صنع بنفسه تطهيراً لخطايانا جلس فى يمين العظمة فى الأعالى(123)".
ولأن السيد المسيح جاء إلى العالم ظاهراً فى الجسد فقد أتخذ طبيعة الإنسان وصفاته فدعى ب "ابن الإنسان الآتى من السماء والذى نزل من السماء الجالس عن يمين العظمة فى الأعالى والديان المسجود له من جميع الخلائق "ومتى جاء ابن الإنسان فى مجده وجميع الملائكة القديسين معه فحينئذ يجلس على كرسى مجده. ويجتمع أمامه جميع الشعوب فيميز بعضهم عن بعض(124)"، "أقول لكم من الآن تبصرون ابن الإنسان جالساً عن يمين القوة وآتياً على سحاب السماء(125)"، "وليس أحد صعد إلى السماء إلا الذى نزل من السماء ابن الإنسان الذى هو فى السماء(126)"، "فإن رأيتم ابن الإنسان صاعداً إلى حيث كان أولاً(127)".
ومن ثم أتخذ ألقابا كثيرة كان من ضمنها لقب النبى. فلماذا لقب المسيح بالنبى؟ والإجابة ببساطة لأنه جاء فى الجسد وأتخذ صورة العبد وظهر فى الهيئة كإنسان وعمل أعمالاً إلهية قديرة لا تحصى ولكنه أخفى لاهوته ولم يشر إلى لاهوته صراحة إلا فى مرات قليلة، وإن كانت معظم أعماله وأقواله تؤكد حقيقة جوهره وكونه الإله المتجسد. لذلك أعتقد الناس أنه كان نبياً "فقالت الجموع هذا يسوع النبى الذى من الناصرة(128)"، "فلما رأى الناس الآية التى صنعها يسوع قالوا أن هذا هو بالحقيقة النبى الآتى إلى العالم(129)"، "فكثيرون من الجمع لما سمعوا هذا الكلام قالوا هذا بالحقيقة هو النبى.. آخرون قالوا هذا هو المسيح(130)"، فقد تحيرت الجموع فى أمره وتصور هيرودس أن يوحنا المعمدان قام من الأموات ولذلك تعمل به القوات. قال آخرون أنه إيليا. وقال آخرون أنه نبى (أو) كأحد الأنبياء(131)"، وحتى عندما سأل هو تلاميذه "من يقول الناس أنى أنا. فأجابوا. يوحنا المعمدان وآخرون إيليا وآخرون واحد من الأنبياء(132)"، ويقول الكتاب انه "كان عندهم مثل نبىّ(133)"، وقالت له المرأة السامرية "يا سيد أرى أنك نبى(134)"، وكذلك قال عنه المولود أعمى بعد أن شفاه "أنه نبى(135)"، وتصور تلميذا عمواس نفس الشيء "يسوع الناصرى الذى كان إنساناً نبياً مقتدراً فى الفعل والقول(136)"، أما المسيح نفسه فلم يطلق على ذاته لقب "نبى" على الإطلاق إلا فى مجرد إشارتين عابرتين تعطيان معنى عام لا يخص المسيح وحده وذلك فى قوله "ليس نبى بلا كرامة إلا فى وطنه وفى بيته(137)"، وينبغى أن أسير اليوم وغداً وما يليه لأنهُ لا يمكن أن يهلك نبى خارجاً عن أورشليم(138)".
ولكنه تكلم عن نفسه باعتباره ابن الله الوحيد الذى من ذات الآب وفى ذاته "أنا والآب واحد(139)"، "الابن الوحيد الذى فى حضن الآب هو خير(140)"، "أنا فى الآب والآب فى(141)"، وأكد على هذه الحقيقة جيداً عندما أجابه القديس بطرس على سؤاله "من يقول الناس أنى أنا؟" فأجاب بطرس "أنت هو المسيح ابن الله الحى" فمدحهُ قائلاً "طوبى لك يا سمعان بن يونا. أن لحماً ودماً لم يُعلن لك لكن أبي الذى فى السموات(142)"، وقد تكرر فى العهد الجديد لقب "ابن الله" و"الابن الأكبر" و"ابن الله الوحيد" و"الابن" حوالى 87 مرة منها 4 مرات مرتبطة بصفة "الوحيد". وتكرر لقب "ابن الإنسان" 83 مرة ارتبطت معظمها بصفات المسيح الإلهية كالديان والجالس على العرش عن يمين العظمة فى السماوات والنازل من السماء والموجود فى السماء والعائد إلى السماء إلى حيث كان أولاً والآتى على سحاب المجد مع ملائكته ورب السبت والذى له السلطان على غفران الخطايا ... الخ.
ومع ذلك فقد مارس السيد المسيح عمل النبى ووظيفة النبوّة والتنبؤ، وقام بكثير من الأعمال التى قام بها الأنبياء ولكن بسلطان إلهى نابع من كونه الإله المتجسد وكلمة الله الآتى من السماء، فلم يقل مثل الأنبياء "هكذا يقول / أو قال الرب" وإنما أستخدم أقواله الإلهية، فقد كرر عبارة "الحق أقول لكم" 62 مرة، وعبارة "الحق الحق أقول لكم" 25 مرة، وعبارة "وأنا أقول لكم" 6مرات، وعبارة "وأمّا أنا فأقول لكم" 6مرات أيضا وذلك فى المقارنة مع ما "قيل" فى شريعة موسى فى القديم(143). كان كلامه نابع من ذاته "أنا" وقوله هو الحق لأنه هو ذاته الحق. وكان يرى رُؤى كقوله "رأيت الشيطان ساقطاً من السماء مثل البرق(144)"، وكشف بالتفصيل عن ملكوت الله الوشيك الحدوث(145)، وشرح بالتفصيل دمار أورشليم والهيكل القادم(146)، بل وبكى على أورشليم لما كانت ستلاقيه وستعانيه وقت حصارها ودمارها(147)، وتكلم عن مجيئه الثانى والدينونة بالتفصيل(148)، بل وشرح الأحداث التى ستسبق المجيء الثانى بصورة تفصيلية دقيقة لا كمجرد نبوّات أو تنبؤات، كما يتصور البعض، وإنما باعتباره كلى العلم والمعرفة، العالم بكل شئ الذى وصف كل ما سيحدث بقة مذهلة، وذلك بناءً على معرفته السابقة وعلمه السابق وتدبيره للأحداث.. وحتى عندما سأله تلاميذه عن ذلك سألوه بصيغة العالم بكل شئ والذى يعرف ما سيحدث بالتفصيل كمعرفة نابعة من ذاته "قل لنا متى يكون هذا وما هى العلامة عندما يتم جميع هذا(149أ)". كان سؤال لصاحب الأمر، وكانت الإجابة من صاحب الأمر كما نادى بالتوبة وقام بأعمال رمزية مثل دخوله الأنتصارى لأورشليم وتطهير الهيكل ولعن شجرة التين، هاجم العباد الشكلية مثل أنبياء العهد القديم ويوحنا المعمدان. ولكن كان كلامه بسلطان إلهى وكانت أعماله بسلطان إلهى نابع من ذاته كقوله "دفع إلى كل سلطان فى السماء وعلى الأرض(149ب)"، "فبهتوا من تعليمه لأن كلامه كان بسلطان(150)"، وكان يغفر الخطايا بسلطان إلهى نابع من ذاته(151)، "فتحيروا كلهم من كلامه حتى سألوا بعضهم بعضاً قائلين ما هذا التعليم الجديد لأنه بسلطان يأمر حتى الأرواح النجسة فتطيعه(152)"، وأعطى تلاميذه ورسله "سلطاناً" ليدوسوا "الحيات والعقارب وكل قوة العدو ولا يضركم شئ(153)"، بل وكان له "سلطاناً على كل جسد ليعطى حياة أبدية(154)"، وهو جالس الآن "فى السماويات. فوق كل رياسة وسلطان وقوة وسيادة ... وأخضع كل شئ تحت قديمه(155)".
ولأن السيد المسيح ظهر فى الجسد وصار من نسل إبراهيم وداود بحسب الجسد كقول القديس بولس بالروح "ومنهم المسيح حسب الجسد الكائن على الكلى إلهاً مباركاً إلى الأبد(156)"، هكذا تنبأ موسى النبى عن المسيح أنه سيكون نبياً مثله "يقيم لك الرب إلهك نبياً من وسطك من إخوتك مثلى ... أقيم لهم نبياً من وسط اخوتهم مثلك وأجعل كلامى فى فمه فيكلمهم بكل ما أوصيه به(157)"، وقوله من وسطك يقصد من بنى إسرائيل، ومن أخوتك أى من سبط أخر غير سبط لاوى الذى منه موسى النبى، كان المسيح نبياً مثل موسى بحسب الجسد ومن سبط يهوذا بحسب الجسد كقول الوحى الإلهى "فأنه واضح أن ربنا طلع من سبط يهوذا الذى لم يتكلم عنه موسى شيئ من جهة الكهنوت(158)"، ووصف المسيح ب "الأسد الذى من سبط يهوذا أصل داود(159)". كان المسيح أهل ومصدر إبراهيم وداود كقول الوحى "أصل يسى(160)"، وقول المسيح " قبل أن يكون إبراهيم أنا كائن" و"أنا وأهل وذرية داود(161)"، ومع ذلك جاء من نسلهم بحسب الجسد. هكذا كان المسيح إله ورب موسى والفرق بينه وبين موسى كما يقول الكتاب هو الفرق بين صاحب البيت، المسيح، والخادم فى البيت،موسى(162). ومع ذلك فقد جاء المسيح نبياً مثل موسى ولكن حسب الجسد، قال القديس بطرس فى عظتهُ فى الهيكل "فأن موسى قال للآباء أن نبياً مثلى سيقيم لكم الرب إلهكم ... أنتم أبناء الأنبياء والعهد الذى عاهد به الله آباءنا قائلاً لإبراهيم وبنسلك تتبارك جميع قبائل الأرض. إليكم أولاً إذ أقام الله فتاه (يسوع) يبارككم برد كل واحد منكم عن شروره(163)"، وأشار إلى هذه النبؤة أيضا القديس استيفانوس(164). حقاً لقد جاء المسيح من نسل إبراهيم وداود بالجسد كان نبياً مثل موسى بالجسد ولكنه هو نفسه الإله المبارك "ومنهم المسيح حسب الجسد الكائن على الكل إلهاً مباركاً إلى الأبد(165)".
7- أنبياء المسيحية:
يذكر الكتاب الأنبياء، أنبياء المسيحية بعد حلول الروح القدس، ضمن قادة الكنيسة المسيحية الأولى مع الرسل والتلاميذ فيقول:
v "وفى تلك الأيام أنحدر أنبياء من أورشليم إلى إنطاكية" (أع 27: 11).
v "وكان فى إنطاكية فى الكنيسة هناك أنبياء ومعلمون برنابا وسمعان الذى يُدعى نيجر ولوكيوس القيروانى ومناين الذى تربى مع هيرودس رئيس الربع وشاول" (أع 1: 13).
v "فوضع الله أناساً فى الكنيسة فى الكنيسة أولاً رسلاً ثانياً أنبياء ثالثاً معلمين ثم قوات وبعد ذلك مواهب شفاء أعواناً تدابير وأنواع ألسنة" (1كو 28: 12).
v "وهو أعطى البعض أن يكونوا رسلاً والبعض أنبياء والبعض مبشرين والبعض رعاة ومعلمين" (أف 11: 4).
v "ويهوذا وسيلا إذ كانا هما أيضا نبيين وعظا الأخوة" (أع 32: 15).
v "انحدر من اليهودية نبى أسمه أغابوس" (أع 10: 21).
v "أما الأنبياء فليتكلم اثنان أو ثلاثة وليحكم الآخرون" (1كو 29: 14).
v "أن كان واحد يحسب نفسه نبياً أو روحياً فليعلم ما أكتبهُ إليكم هو وصايا الرب" (1كو37: 14).
كان أنبياء المسيحية قادة فى الكنيسة الأولى، وكانت قيادتهم روحية تعليمية رعوية فى إطار الجماعة المسيحية نفسها بالدرجة الأولى. فقد كان شاول، بولس الرسول، وبرنابا وسيلا ويهوذا ضمن أنبياء المسيحية.
وكان الروح القدس يقودهم ويوجههم لمهام روحية خاصة، يقول الكتاب "وبينما هم يخدمون الرب ويصومون قال الروح القدس افرزوا برنابا وشاول للعمل الذى دعوتهما إليه(167)"، وتنبأ أغابوس النبى بالمجاعة الآتية(168)، وتنبأ بولس الرسول بالشدائد والسجن والاضطهادات التى ستواجهه(169)، وكان يوحنا الرسول والرائى أيضا نبياً ودعا سفره ب "كتاب النبوّه"، "طوبى لمن يحفظ أقوال نبوة هذا الكتاب" (رؤ 7: 22).
---
(1) لو 38: 1
(2) رؤ 20: 2
(3) 1كو 4: 11،5
(4) 1كو 3: 14،13
(5) أع 28: 11
(6) لو 39: 7
(7) مر 65: 14
(8) متى 68: 26؛ لو 14: 22
(9) يو 18: 4،19
(10) متى 22: 7
(11) متى 22: 1؛ 5: 2؛ 35: 13؛ 4: 21؛ 35: 27
(12) متى 23: 2
(13) متى 14: 4؛ 17: 8؛ 17: 12؛ 4: 21
(14) متى 17: 2؛ 4: 21
(15) متى 4: 21
(16) متى 31: 22
(17) متى 35: 27
(18) لو 45: 1
(19) عب 7: 4
(20) متى 5: 2
(21) متى 4: 4،6،7،10؛ 3: 21،13؛ 1: 26
(22) متى 24: 26
(23) رو 11: 14؛ 1كو 19: 1؛ 9: 3؛ غل 13: 3؛ 27: 4
(24) لو 1
(25) يو 31: 6؛ 14: 12؛ أع 23: 13؛ رو 17: 1؛ 24: 2؛ 1كو 9: 10؛ 2كو 15: 8
(26) غل 22: 4
(27) مر 28: 15
(28) يع 23: 2
(29) يو 18: 13؛ 12: 17
(30) يو 48: 7
(31) يو 42: 7
(32) يو 9: 20
(33) رو 3: 4؛ 2: 11؛ 2: 3؛ 30: 4
(34) رو 11: 10؛ 1تى 18: 5؛ يع 5: 4
(35) رو 27: 2
(36) غل 8: 3
(37) عب 19: 9
(38) عب 7: 10
(39) يع 8: 2
(40) 1بط 6: 2
(41) 2تى 16: 3
(42) مر 26: 12
(43) لو 4: 3؛ أع 32: 8-35
(44) لو 17: 4-20
(45) لو 42: 20
(46) غل 10: 3
(47) لو 31: 18؛ يو 6: 45؛ أع 42: 7؛ 15: 15
(48) أع 20: 1
(49) لو 44: 24
(50) أع 14: 24
(51) متى 17: 13؛ لو 24: 10
(52) متى 17: 5
(53) لو 44: 24
(54) أف 20: 2
(55) أع 14: 24
(56) 2بط 2: 3
(57) أع 22: 26،23
(58) أع 43: 10
(59) أع 18: 2-24
(60) لو 67: 1-76
(61) لو 36: 1،42،43
(62) لو 25: 2-32
(63) لو 36: 2-38
(64) أش 3: 40
(65) ملا 1: 3
(66) ملا 5: 4
(67) لو 17: 1
(68) متى 9: 11-13
(69) متى 9: 17-13
(70) متى 13: 11
(71) لو 16: 16
(72) متى 11: 3
(73) يو 6: 1-8
(74) يو 23: 1
(75) يو 28: 3
(76) متى 5: 14؛ 6: 21
(77) مر 32: 11
(78) لو 6: 20
(79) مر 20: 6
(80) لو 2: 3
(81) مر 17: 6-18
(82) 1صم 10: 15-13
(83) 2صم 1: 12-3
(84) 1مل 17: 21-19
(85) مر 6: 1
(86) 2مل 8: 1
(87) متى 35: 21
(88) متى 34: 23
(89) لو 48: 11
(90) أع 52: 7
(91) أش 15: 2
(104) يو 5: 17،24
(105) يو 3: 1،4،10
(106) كو 18: 1
(107) أع 36: 10
(108) فى 10: 2
(109) عب 6: 1
(110) متى 27: 16
(111) 2تى 19: 4
(112) مر 19: 16
(113) كو 1: 3
(114) عب 3: 1
(115) عب 1: 8
(116) عب 12: 10
(117) غل 4: 4
(118) يو 18: 1
(119) فى 5: 2-11
(120) 1يو 2: 4
(121) 1تى 16: 3
(122) عب 5: 4
(123) عب 1: 1-4
(124) متى 31: 25،32
(125) متى 64: 26
(126) يو 13: 3
(127) يو 62: 6
(128) متى 11: 21
(129) يو 14: 6
(130) يو 40: 7،41
(131) مر 14: 6،15
(132) مر 27: 8،28
(133) متى 46: 21
(134) يو 19: 4
(135) يو 17: 9
(136) لو 18: 24
(137) متى 5: 14
(138) لو 33: 13
(139) يو 30: 10
(140) يو 18: 1
(141) يو 10: 14
(142) مت 16: 16،17
(143) متى 21: 5-44
(144) لو 18: 10
(145) متى 7: 10،8،23؛ 39: 23؛ مر 15: 1؛ 1: 9؛ 28: 13،29
(146) متى 61: 26؛ 40: 27؛ مر 2: 13؛ لو 6: 21
(147) لو 41: 19-44
(148) متى 27: 16؛ 32: 10-33؛ 40: 12؛ 37: 27-39
(149أ) مر 3: 13
(149ب) متى 8: 28
(150) لو 2: 4
(151) لو 24: 5
(152) مر 37: 1
(153) لو 19: 10
(154) يو 20: 17
(155) لو 32: 4
(156) رو 5: 9
(157) تث 15: 18،17
(158) عب 14: 7
(159) رؤ 5: 5
(160) أش 10: 11
(162) رؤ 16: 22
(163) عب 1: 3-6
(164) أع 22: 3،25
(165) أع 37: 7
(167) أع 1: 13-3
(168) أع 28: 11
(169) أع 11: 21