ليس دفاعاً عن قداسة البابا بل ردا على هرطقات قديمة في ثوب حديث!!

القمص عبد المسيح بسيط أبو الخير

كاهن كنيسة السيدة العذراء الأثرية بمسطرد

كتب الدكتور جورج حبيب منشورا ضد قداسة البابا شنودة الثالث بعنوان: " الرد على كتاب الأنبا شنودة "، يمتلئ بعبارات لم نعتدها من شخص يفترض أنه أستاذ في اللاهوت!! يقولها في حق الجالس على كرسي ناظر الإله الإنجيلي مار مرقس الرسول! متجاهلاً قول الكتاب المقدس الذي يقول: " لأنه مكتوب رئيس شعبك لا تقل فيه سوءا "!! (أع23: 5). بل ووصف قداسة البابا بأنه شذ عن الآباء العظام الذين حفظوا لنا الإيمان، وأنه، قداسة البابا، هاجم الإيمان الذي دونه آباء الإسكندرية والذي نشر بكل لغات الأرض، وأنه " أصبح بالنسبة لنا لا يحمل صفة " بابا الإسكندرية " لأنه يمزق المسيح الواحد إلى اثنين ويكتب بيديه ذات إيمان أريوس!! هذا لا نستطيع أن نغفره له – إلا إذا تراجع وتاب – ولا نستطيع أن نغفر له الاستخفاف بجهل القارئ وبعقله "!!! والدكتور هنا يتكلم بصيغة الجمع متوهما أنه ممثل للشعب القبطي كله، وحامي عقيدته!! كما يتوهم، كعادته، عندما كان يستخف بعقول طلبة الأكليريكية ويستهلك ثلثي محاضراته في التهكم عليهم والسخرية منهم ووصفهم بالبلاهة والجهل!! كما وصف الشعب المصري أثناء محاضراته بقوله أن مصر " فيها 40 مليون حمار "!! ووصف أحد الطلبة وهو يسخر منه بالطبيب البيطري!! وقال له أنه سيخرج من المدرج إلى الشفخانة!! وهذا مسجل بصوت سيادته والموجود بموقع نيافة الأنبا بيشوي لمن يريد أن يستمع إليه:

http://www.metroplit-bishoy.org/arabic/index.htm

"!! هذه العادة التي كانت ويبدو أنها ما تزال متأصلة فيه، جعلته يتوهم أيضاً أن القارئ الذي هو، من وجهة نظره، الشعب القبطي المسكين، بما فيه من رجال الدين وعلماء في الكتاب المقدس، جاهل ومن السهل الاستخفاف بعقله، ومحتاج لسيادته ليحميه وينقذه من جهله ومن استخفاف قداسة البابا بعقله الجاهل!!

ووصف أقوال قداسة البابا ب " سلسلة التجاديف "!! وأنه، قداسة البابا، أرتد عن الإيمان الأرثوذكسي بل والإيمان المسيحي!! فقال: " الذي كان أسقفاً لمدينة الإسكندرية وترك وأنضم إلى الهراطقة والمسلمين أيضاً "!! فقد تصور، في لحظة من لحظات جنون العظمة، أنه قادر على عزل قداسة البابا بمجرد مقاله يكتبه في جريدة غير متخصصة دينيا!! وتوهم أنه يقدر أن يؤلب الشعب على قداسته بزعمه أن قداسته يتخذ من الإسلام مرجعية في الأمور العقائدية فقال: " هذه هي بقية كلمات الأنبا شنودة " فمن يدعون إذن الشركة في اللاهوت!! ولعل هذا بعض مما يسميه إخوتنا المسلمون الشرك بالله!! "، ويكمل: " سؤال لمن لا يزال مسيحياً متى أصبح الإسلام مرجعية لنا في الأمور العقائدية؟ وهل الشرك في الإسلام هو ذاته الشركة في الطبيعة الإلهية "!! وهنا كلام عجيب وغريب بل كلام شخص أصابه الغرور وتخطى كل الحدود! كما ينكر على ملايين من المسيحيين الأرثوذكس إيمانهم ويزعم أنهم ارتدوا عن المسيحية بسبب تعليم قداسة البابا؟؟!! والغريب حقا أنه هو نفسه يناقض نفسه ويقول في زعمه عن تأليه الجسد: " هذا هو المقصود بتأله الجسد أن يصير مثل جسد الله الكلمة ليس ترابياً يأكل ويشرب .. الخ مثل تعليم الإسلام عن الحياة بعد الموت في "الجنة "!! وهو يستشهد هنا بالإسلام ويساوي بين فكره عن تأليه الجسد بما يقوله الإسلام عن جسد الإنسان في حياة الإنسان في الجنة!! أليس هذا غريب حقا!! أنه ينكر على قداسة البابا أن يشبّه تأليه جسد الإنسان في أقوال الدكتور ومن يدافع عنهم في مؤلفاته، والتي تقول: أنه، أي الإنسان، أتخذ كل ما للاهوت وبالتالي الاشتراك في الطبيعة الإلهية بالشرك في الإسلام!! في حين يستخدم هو نفسه تعليم الإسلام كمثال في شرحه!! بل ويتصور أن الإسلام يقول بأن أجساد البشر في حياة ما بعد الموت تتحول إلى آلهة؟! وأنها لا تأكل ولا تشرب؟!

ثم يقلب الحقائق وبأسلوب مثيري الفتن يتوهم أنه يمكن أن يثير الشعب، الذي وصفه بالجهل!! ضد قداسة البابا فقال: " هل هذا بلاغ من الأنبا شنودة إلى الجماعات الإسلامية المسلحة أقتلوا واذبحوا رهبان الأنبا مقار والذين أصدروا الكتاب الأول والثاني باسم " الأصول الآبائية الأرثوذكسية لكتابات الأب متى المسكين " لأن هؤلاء " مشركين بالله " وأصبح دم هؤلاء حلال. لعلك الآن أيها القارئ قد أفقت من نومك وأدركت أن لدينا بطريرك يحض على القتل ولا يتورع على استخدام الأساليب الخسيسة للنيل من أعداء تعليم الأنبا شنودة "!! هل هذا هو أدب وتعليم من يفترض أنه أستاذاً للاهوت ويدعي أنه عميداً لمعهد لاهوتي مزعوم لا نعرف عنه شيء سوى مجرد اسمه الذي يضعه مرتبطا باسم سيادته!! أن يصف الجالس على كرسي مار مرقس الرسول بالمحرض على قتل أولاده بأساليب خسيسة!! وهل في أقوال قداسة البابا ما يشير من بعيد أو قريب لتحريض ضد أحد؟؟!! وهل كانت الجماعات الإرهابية التي يزعم الدكتور المهيج والمثير للفتن تؤمن بما يؤمن به سيادته أو ما يؤمن به رهبان دير أبو مقار حتى تجد في مثال قداسة البابا تحرض عليهم؟؟!! والغريب أن تلميذه النجيب مكس مشيل راح بانتهازية شديدة يتلقف مقال أستاذه، الذي ينكر في موقعه الخاص أية صلة له به، ويجري به هنا وهناك زاعما أنه يريد حماية رهبان الدير من تحريض قداسة البابا ضدهم!! حقا صدق الرب يسوع المسيح في قوله " الإنسان الشرير من كنز قلبه الشرير يخرج الشر. فانه من فضلة القلب يتكلم فمه " (لو6: 45)!!

هذه طريقة وفكر وأساليب الدكتور الذي هاجم قداسة البابا وسب الجالس على كرسي مار مرقس الرسول لأنه ناقش الأفكار المنحرفة عن فكر الكتاب المقدس وآباء الكنيسة برغم أن أصحابها يزعمون ويدعون العكس!! نتكلم عما رفضه وفنده قداسة البابا في مقالتيه (تأليه الإنسان ج1 و2) من أقواله هو والأقوال التي يدافع عنها والتي هي نفس أقواله وأفكاره:

(1) الفهم الخاطئ للتعبيرات التي وردت على لسان القديس أثناسيوس الرسولي وفهموا خطأ أنها تعني تأليه الإنسان بمعنى اتحاده بالطبيعة الإلهية!! مثل قوله: " لأن كلمة الله صار إنساناً لكي يؤلهنا نحن " (تجسد الكلمة ف54: 3). والعبارة " يؤلهنا "، كانت مشهورة عند آباء الكنيسة الكبار مثل القديسين ايريناؤس وأثناسيوس وكيرلس وغريغوريوس النيسّي وغريغوريوس النيزنزي واستخدمها القديس أثناسيوس أيضاً في كتاباته الأخرى حوالي 10 مرات، كما يعلق د جوزيف موريس فلتس، المتخصص في اليونانية والباترولوجي، الآبائيات، في ترجمته لكتاب (تجسد الكلمة هامش ص 159)، قائلاً: " وهذا التعبير عند الآباء لا يعني أن الإنسان يصير بطبيعته إلهاً، بل يعني أنه يشترك في الحياة الإلهية، حياة البر والقداسة ".

وقد فند قداسة البابا هذا الفهم الخاطئ على أساس أن القول بتأليه الإنسان يعني أن يتصف الإنسان بالصفات الإلهية غير المحدودة. ويقول قداسته بناء على الفهم الصحيح للمفهوم الآبائي لمثل هذا التعبير، ومن منطلق ما جاء في الكتاب المقدس، أنه من المستحيل أن يكون أحد الآباء قد نادى بهذا التأليه بهذا المفهوم الذي يعني أن الإنسان أتخذ صفات الله ذاته.

2 – الفهم الخاطئ لكيفية حلول الروح القدس على التلاميذ والذي زعموا أنه حلولا أقنوميا بمعنى اتحاد الطبيعة الإلهية، أي الروح القدس، بالطبيعة البشرية للتلاميذ!! وهذا المفهوم الخاطئ يرفع كل تلميذ إلى مستوى الإله المتجسد!! ويؤدي إلى هرطقة بولس السموساطي الذي كان أسقفا لإنطاكية (في الفترة من 260إلى 268م)، ونادى بأن الروح القدس، أو المسيح الإله، حل على جميع الأنبياء ولكن حل على يسوع الناصري بدرجة أكبر!! أو كما يرى قداسة البابا أن ذلك يؤدى إلى هرطقة أريوس. فأريوس نزل بالمسيح إلى درجة المخلوق الخالق، أي الذي خلقه الله من جوهر شبيه بجوهره وخلق به وفيه وله الكون وكل ما فيه، ويرفع التلاميذ إلى درجة الإلوهية غير المحدودة والتي لا تخطيء وهذا عكس الكتاب المقدس الذي يقول: " ولا تحزنوا روح الله القدوس الذي به ختمتم ليوم الفداء " (أف4: 30)، " لا تطفئوا الروح " (1تس5: 19). كما يتناقض مع الكتاب المقدس الذي يؤكد أن حلول الروح القدس على التلاميذ هو سكناه فيهم وتكلمه بلسانهم وعمله فيهم وكرازته من خلالهم وعمل النعمة فيهم لذا يقول: " أما تعلمون أنكم هيكل الله وروح الله يسكن فيكم " (1كو3: 16). كما قالوا أن المسيح حل في الإنسان حلولاً أقنومياً، أي مثل حلول لاهوت المسيح واتحاده بناسوته (أي طبيعته الإنسانية) كما يقول الكتاب المقدس عنه: " الذي فيه يحل كل ملء اللاهوت جسدياً " (كو2: 9)، فقالوا: " ونحن أيضاً نحيا فيه (أي المسيح) بذات الملء الإلهي مع الآب والابن والروح القدس، لأنه حيث يحل المسيح يحل الملء الإلهي "!! وقالوا أيضاً: " صحيح أن مكان المسيح تاريخياً كان في مزود طين، أما روحياً فالمسيح يستحيل أن يحل بملء لاهوته إلا في الإنسان "!! وما قالوه هذا يتنافي مع قول الكتاب: " ليحل المسيح بالإيمان في قلوبكم " (أف3: 17). والسؤال هنا هو: إذا كان اللاهوت قد حل في التجسد بملئه لاهوتياً، والمسيح يحل بملء لاهوته في الإنسان، فهل يعني ذلك أن كل مؤمن يحل فيه المسيح يصير إلهاً متجسداً؟؟!! وما الفارق بين الكلمة المتجسد والمؤمن العادي؟!

3 – وقالوا أن الكنيسة " اكتسبت كل ما للمسيح "، بمفهوم خاطئ يعني أنها اكتسبت كل ما للمسيح بما له من صفات إلهية!! " الكنيسة عروس المسيح، طبيعة إنسانية متحدة بطبيعة إلهية "!! وأن الكنيسة " تصير امتداد للوحدة الأقنومية الفائقة الوصف التي أقامها المسيح بين لاهوته وناسوته في عمق كيانه منذ الحبل به "!! وكلمة " كل " التي يستخدمونها هنا تساوي قول المسيح نفسه " كل ما للآب هو لي " (يو16: 15)، والتي يقصد بها كل ما للآب من ألقاب وصفات وأعمال!! ويتساءل قداسة البابا: فهل تتساوى الكنيسة في ذلك أيضاً؟ كما قالوا أن عبارة " أخذ الذي لنا وأعطانا الذي له " التي تتكرر في صلوات التسبحة، توحي بأنها تعني أنه أعطانا لاهوته!! في حين التسبحة تقصد، بحسب مفهوم الكتاب المقدس، أنه أعطانا البر والبنوة الروحية " أما كل الذين قبلوه فأعطاهم سلطانا أن يصيروا أبناء الله أي المؤمنين باسمه " (يو1: 11). ويضيف قداسة البابا " أنه أعطى البعض سلطان الحل والربط في الكهنوت " الحق أقول لكم كل ما تربطونه على الأرض يكون مربوطا في السماء. وكل ما تحلّونه على الأرض يكون محلولا في السماء " (مت18: 18).

4 – الفهم الخاطئ للتناول من جسد الرب (المسيح) ودمه والقول بأن المؤمن يأكل ويشرب اللاهوت حيث يقولون: " نحن نشرب اللاهوت طبعاً سرائرياً "!! وهذا عكس قول المسيح نفسه: " أن لم تأكلوا جسد ابن الإنسان وتشربوا دمه فليس لكم حياة فيكم. من يأكل جسدي ويشرب دمي فله حياة أبدية وأنا أقيمه في اليوم الأخير " (يو6: 53و54). ثم كيف يشربون اللاهوت الذي هو جوهر الله وطبيعته الإلهية؟ فالله روح (يو4: 24)، ونور (1يو1: 5)، " وساكنا في نور لا يدنى منه " (1تي6: 16)، وليس مادة " لا ينبغي أن نظن أن اللاهوت شبيه بذهب أو فضة أو حجر نقش صناعة واختراع إنسان " (أع17: 29).

5 – كما فهموا قول القديس بطرس بالروح، أننا سنصير " شركاء الطبيعة الإلهية "، بمعنى شركاء في نفس الطبيعة الإلهية التي للمسيح!! وليس شركاء مع الطبيعة الإلهية في العمل والإرادة " (2بط1: 3). فمن يصير شريكا في الطبيعة الإلهية بهذا المفهوم الخاطئ يعني أن له نفس طبيعة الله غير المحدود!! ويقول الدكتور جورج حبيب: " حقيقة اشتراكنا في اللاهوت!! بسبب حصولنا على السر السمائي واهب الحياة الأبدية "!! وأيضاً: " حتى نستطيع أن نشترك في لاهوت الكلمة " و " صلة الكلمة المتجسد بالذين أشترك هو في طبيعته، حتى يشتركوا في ألوهيته "!!

وما يقولونه هذا لم يقصده ولم يقله القديس بطرس لأنه لا يمكن إطلاقاً أن يشترك أي مخلوق في طبيعة الله، أو في كينونته، أو في جوهره. ومن يدّعى ذلك يكون قد دخل في خطأ لاهوتي خطير ضد الإيمان بالله، وبسمو جوهره وطبيعته فوق كل الخليقة. كما أن هذا الإدعاء هو لون من الكبرياء سقط فيه الشيطان من قبل حينما قال " أصير مثل العلى ". وما قصده القديس بطرس الرسول في قوله: " لكي تصيروا بها شركاء الطبيعة الإلهية " هو أن نشترك مع الله في ملكوته الأبدي من خلال اشتراكنا في قداسته حسب الوصية " كونوا قديسين لأني أنا قدوس " وحتى الاشتراك في قداسة الله هو مسألة نسبية، ليست مطلقة. فكمال الخليقة هو كمال نسبى، أما كمال الله فهو كمال مطلق. وقداسة الله قداسة طبيعية غير مكتسبة، أما قداسة القديسين فهي قداسة مكتسبة. أنه، القديس بطرس، يتكلم عن الاشتراك في الحياة الإلهية مثل ميراث القديسين في الحياة الأبدية. فقال: " بمعرفة الذي دعانا بالمجد والفضيلة، اللذين بهما قد وهب لنا المواعيد العظمى والثمينة، لكي تصيروا بها شركاء الطبيعة الإلهية، هاربين من الفساد الذي في العالم بالشهوة " (2بط1: 1-4).

إننا نشترك مع الله في العمل مثلما قال معلمنا بولس الرسول عن نفسه وعن أبلوس " نحن عاملان مع الله " (1كو3: 9)، نشترك مع الله في الحياة الروحية مثل البركة الرسولية التي يُقال فيها {شركة وموهبة وعطية الروح القدس تكون مع جميعكم}. " شركاء الطبيعة الإلهية " في الخلود، في القداسة، في الملكوت، في السعادة الأبدية، كما يوضح لنا القديس بطرس الرسول أنه يقصد أن حياة القداسة ضرورية لننال الوعد بميراث ملكوت الله. وهذا يقتضى الهروب من الفساد الذي في العالم بالشهوة، والسلوك في حياة المجد والفضائل الروحية. وقد أكّد الرسول بطرس نفسه هذا المعنى في رسالته الأولى بقوله " فألقوا رجاءكم بالتمام على النعمة التي يؤتى بها إليكم عند إستعلان يسوع المسيح كأولاد الطاعة. لا تشاكلوا شهواتكم السابقة في جهالتكم، بل نظير القدوس الذي دعاكم، كونوا أنتم أيضاً قديسين في كل سيرة، لأنه مكتوب: كونوا قديسين لأني أنا قدوس " (1بط1: 13-16).

الصفحة الرئيسية