هل يمكن تحريف الكتاب المقدس؟

القمص عبد المسيح بسيط أبو الخير

كاهن كنيسة السيدة العذراء الأثرية بمسطرد

 

الفهرس

الفصل الأول: هل يمكن تحريف الكتاب المقدس

الفصل الثاني: كيف وصل إلينا العهد القديم سالماً وبدون تحريف

الفصل الثالث: كيف وصل إلينا العهد الجديد سالماً وبدون تحريف

الفصل الرابع: الوثائق التي تثبت صحة العهد القديم وعصمته واستحالة تحريفه

الفصل الخامس: الوثائق التي تثبت صحة العهد الجديد وعصمته واستحالة تحريفه

الفصل الأول

هل يمكن تحريف الكتاب المقدس؟

 

1 – ما هو التحريف وما معناه؟

تعني كلمة تحريف في أي كتاب مقدس تحريف الكلام بمعنى تفسيره على غير معناه بدون دليل وإعطائه معنى يخالف معناه الحقيقي. ويعني اصل التحريف في اللغة تبديل المعنى. والتحريف اصطلاحاً له معانٍ كثيرة منها: التحريف الترتيبي: أي نقل الآية من مكانها إلى مكان آخر. ومنها تحريف المعنى وتبديله إلى ما يخالف ظاهر لفظه، وهذا يشمل التفسير بالرأي، وكل من فسر الكلام بخلاف حقيقته وحمله على غير معناه فهو تحريف. ومنها تحريف اللفظ: وهو يشمل كل من الزيادة أو النقص، والتغيير والتبديل.

 

أولاً: التحريف بالزيادة:

بمعنى أنّ بعض الكتاب الذي بين أيدينا ليس من كلام الكتاب الأصلي.

1- الزيادة في الآية بحرف أو أكثر.

2- الزيادة في الآية بكلمة أو أكثر.

3- الزيادة في جزء من الكتاب.

4- الزيادة في مجموع الكتاب.

 

ثانيا: التحريف بالنقص:

بمعنى أنّ بعض الكتاب الذي بين أيدينا لا يشتمل على جميع ما كتبه الأنبياء بالروح، بأنْ يكون قد ضاع بعضه إمّا عمداً، أو نسياناً، وقد يكون هذا البعض حرفاً أو كلمةً أو آية أو جزءاً من الكتاب.

1 - النقص في الآية بحرف أو أكثر.

2 - النقص في الآية بكلمة أو أكثر.

3 - النقص في جزء واحد.

4 - النقص في مجموع الكتاب.

أي التحريف في تبديل كلمة بدل أخرى، التحريف في تبديل حرف بآخر، التحريف في تبديل حركة بأخرى.

هذا معنى التحريف وأقسامه كما عرفها وبينها علماء المسلمين. والسؤال هنا هو: هل ينطبق معنى التحريف هذا على أسفار الكتاب المقدس؟ وأن كان البعض يتصور ويزعم حدوث ذلك فهل يستطيع الإجابة على الأسئلة التالية؟

(1) متى حُرف الكتاب المقدس؟ وفي أي عصر تم التحريف؟

(2) هل تم التحريف قبل القرن السادس الميلادي أم بعده؟

(3) من الذي حرف الكتاب المقدس؟

(4) أين حُرف الكتاب المقدس؟ وفي أي بلد من بلاد العالم؟

(5) لماذا حُرف الكتاب المقدس؟ وما هو الهدف من ذلك؟

(6) هل يستطيع أحد أن يقدم دليلاً تاريخياً على هذا الزعم؟

(7) أين نسخة الكتاب المقدس الغير محرفة؟ وما هي النصوص التي حُرفت؟ وكيف تستطيع أن تميز بين ما حرف وما لم يحرف؟

(8) كيف تم التحريف؟ وهل كان في إمكان أحد أن يجمع جميع نسخ العهد القديم والتي كانت موجودة مع اليهود أو المسيحيين، و جميع أسفار العهد الجديد التي كانت منتشرة في عشرات الدول ومئات المدن وألوف القرى، سواء التي كانت مع الأفراد في المنازل أو التي كانت في الكنائس، ثم يقوم بتحريفها وإعادتها إلى من أُخذت منهم؟

 

2 – أسباب القول بتحريف الكتاب المقدس:

لم يقل أحد قط من المسيحيين سواء من المستقيمين في العقيدة أو الهراطقة بتحريف الكتاب المقدس عبر تاريخ الكتاب المقدس والمسيحية. وبرغم ظهور الفرق المسيحية المختلفة، سواء في القرون الأولى أو في العصور الحديثة، وظهور البدع والهرطقات عبر تاريخ المسيحية، واختلافها وتباينها في الفكر والعقيدة حول شخص وطبيعة الرب يسوع المسيح، فلم تقل فرقة واحدة أو مجموعة من المجموعات بتحريف الكتاب المقدس.

وقد كان كل من رجال الكنيسة والهراطقة علماء في الكتاب المقدس، وقد درسوا كل كلمة فيه وحفظوها عن ظهر قلب وكان لدى كل منهم نسخته الخاصة من الكتاب المقدس. وبسبب هؤلاء الهراطقة فقد عُقدت المجامع المكانية (في دولة واحدة) والمسكونية (العالمية) ودارت فيها مناقشات حامية حول مفهوم كل منهم لآيات نفس الكتاب المقدس الواحد، فقد اختلفوا حول تفسير بعض آياته ومفهوم كل منهم لها، وفسر بعضهم آياته لتخدم أفكاره الخاصة، ولكنهم جميعاً آمنوا بوحي واحد لكتاب مقدس واحد معصوم من الخطأ والزلل.

كما لم يقل أحد من اليهود بتحريف الكتاب المقدس، وكان قد أنضم إلى المسيحية المئات من كهنة اليهود في السنوات الأولى للبشارة بالإنجيل، يقول الكتاب " وكانت كلمة الله تنمو وعدد التلاميذ يتكاثر جدا في أورشليم وجمهور كثير من الكهنة يطيعون الإيمان " (أع7: 6). كما دارت مناقشات حامية بين اليهود والمسيحيين حول ما جاء عن المسيح من نبوات في العهد القديم آمن بسببها الآلاف منهم بالمسيحية ؛ " فدخل بولس إليهم حسب عادته وكان يحاجهم ثلاثة سبوت من الكتب، موضحا ومبينا انه كان ينبغي أن المسيح يتألم ويقوم من الأموات. وان هذا هو المسيح يسوع الذي أنا أنادى لكم به‏. فاقتنع قوم منهم وانحازوا إلى بولس وسيلا " (أع2: 17-4).

ومن اشهر المناقشات التي دارت في القرن الثاني، بين المسيحيين واليهود، الحوار الذي دار بين يوستينوس الشهيد وتريفو اليهودي، واعتماد كل منهما على آيات نفس الكتاب المقدس الواحد، ولم يتهم أحد منهما الآخر بالتحريف إنما اختلفا في التفسير والتطبيق(1).

وبرغم ظهور آلاف الترجمات للكتاب المقدس فقد تُرجمت جميعها من النص الأصلي، العبري والآرامي الذي كتب به العهد القديم، واليوناني الذي كتب به العهد الجديد، ولدينا لهما مخطوطات ترجع لأيام الرب يسوع المسيح وأيام رسله الأطهار.

فمن الذي قال بتحريف الكتاب المقدس وأدعى هذا الإدعاء غير الصحيح وغير المنطقي والذي لا يتفق لا مع المنطق ولا مع العقل ولا مع الحقائق التاريخية؟

والإجابة هي أن هذا الإدعاء جاء كمحاولة لإيجاد مخرج للخلاف القائم بين العقائد الجوهرية لكل من المسيحية والإسلام! ومن ثم فلم يقل أحد بتحريف الكتاب المقدس قبل العصور الوسطى وانتشار الإسلام في الأوساط المسيحية في العصور الوسطى وذلك للأسباب التالية:

1 – شهادة القرآن للكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد (التوراة والزبور [ المزامير ] والإنجيل) على أنه كلمة الله الموحى بها وأنه هدى ونور، ولكن وجود اختلاف في العقائد الجوهرية بينهما أدى إلى القول بتحريف الكتاب المقدس!

2 – الاعتقاد بأن الكتاب المقدس بشر بنبي آخر يأتي بعد المسيح وعدم وجود ذكر لهذه البشارة المفترضة في الكتاب المقدس بعهديه. وأن كان البعض قد لجأ لتطبيق بعض النبوات التي تنبأ بها أنبياء العهد القديم عن شخص المسيح الآتي والمنتظر، وكذلك إعلان الرب يسوع المسيح لتلاميذه عن إرسال الباراقليط الروح القدس عليهم في يوم الخمسين، على أنها هي البشارة التي قيل عنها!

3 – الاعتقاد بأن الإنجيل الذي نزل على المسيح هو إنجيل واحد لا أربعة، وأنه ليس أسفار العهد الجديد التي كتبها تلاميذه ورسله.

4 – الاختلاف حول عقيدة صلب المسيح وفدائه للبشرية بتقديم ذاته فدية عن خلاص العالم كله والتي هي محور الكتاب المقدس بعهديه " فان كلمة الصليب عند الهالكين جهالة وأما عندنا نحن المخلّصين فهي قوة الله " (1كو18: 1).

5 – الاختلاف حول عقيدة لاهوت المسيح وظهوره في الجسد ووحدته مع الآب والروح القدس، وبالتالي عقيدة وحدانية الله الجامعة، الآب والابن والروح القدس، كالموجود بذاته = الآب، والناطق بكلمته = الابن، والحي بروحه = الروح القدس.

6 – وذلك إلى جانب بعض الاختلافات الأخرى سواء العقيدية أو التشريعية مثل طبيعة الحياة فيما بعد الموت، في العالم الآخر " لأنهم في القيامة لا يزوجون ولا يتزوجون بل يكونون كملائكة الله في السماء " (مت30: 22)، وقيام المسيحية على أساس الحب بلا حدود ولا قيود ؛ حب الله الآب غير المحدود للبشرية " لأنه هكذا احب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية "، وحب الرب يسوع المسيح لخاصته " احب خاصته الذين في العالم احبهم إلى المنتهى " (يو1: 13)، ومحبة الإنسان لله من كل القلب " تحب الرب إلهك من كل قلبك ومن كل نفسك ومن كل قدرتك ومن كل فكرك وقريبك مثل نفسك " (لو27: 10)، ومحبة أعضاء الكنيسة بعضهم لبعض " وصية جديدة أنا أعطيكم أن تحبوا بعضكم بعضا. كما أحببتكم أنا تحبون انتم أيضا بعضكم بعضا " (يو34: 13)، بل وحتى محبة الأعداء " وأما أنا فأقول لكم احبوا أعداءكم. باركوا لاعنيكم. احسنوا إلى مبغضيكم. وصلّوا لأجل الذين يسيئون إليكم ويطردونكم " (مت44: 5)، وعدم مقاومة الشر بالشر " لا تقاوموا الشر. بل من لطمك على خدك الأيمن فحوّل له الآخر أيضا " (مت39: 5).

وبالإجمال " الله محبة " ؛ " ومن لا يحب لم يعرف الله لان الله محبة " (1يو8: 4)، " ونحن قد عرفنا وصدقنا المحبة التي للّه فينا. الله محبة ومن يثبت في المحبة يثبت في الله والله فيه " (1يو16: 4).

والسؤال الآن مرة أخري ؛ هل الكتاب المقدس كتاب معصوم أم كتاب محرف؟ كيف كُتب وكيف وصل إلينا؟ وهل الإنجيل واحد أم أربعة، أم هو كل أسفار العهد الجديد؟

وللإجابة على ذلك علينا أن نتتبع الكتاب المقدس من البدء ؛ كيف أعلن الله عن ذاته للبشرية، وكيف أوحى لأنبيائه ورسله بروحه القدوس، وكيف كُتبت أسفار الكتاب المقدس، وكيف نُقلت عبر تاريخ اليهودية والمسيحية وحتى اليوم.

 

2 – كيف كُتب العهد القديم:

اختار الله منذ البدء بعض الأشخاص التي رأت حكمته الإلهية ومشورته وعلمه السابق أن يكونوا وسطاء بينه وبين البشرية ليحملوا إعلاناته الإلهية ورسالته لها، وذلك دون أن يكون لأي منهم أي دخل في هذا الاختيار الإلهي. فقد اختار الله إبراهيم أبا الآباء ودعاه ليخرج من أرضه ويترك أهله وعشيرته ليذهب إلى الأرض التي يريه وقطع معه عهدا أبديا أن بنسله الذي يخرج من صلبه تتبارك جميع أمم الأرض " وقال الرب لإبرام اذهب من أرضك ومن عشيرتك ومن بيت أبيك إلى الأرض التي أريك. فأجعلك أمة عظيمة وأباركك واعظم اسمك وتكون بركة. وأبارك مباركيك ولاعنك العنه. وتتبارك فيك جميع قبائل الأرض. فذهب إبرام كما قال له الرب " (تك1: 12-4). كما أختار موسى وقال له " هلم فأرسلك إلى فرعون وتخرج شعبي بني إسرائيل من مصر. فقال موسى من أنا حتى أذهب إلى فرعون وحتى أخرج بني إسرائيل من مصر. فقال (الله) أني أكون معك " (خر12: 3). وقال لارميا " قبلما صورتك في البطن عرفتك وقبلما خرجت من الرحم قدستك. جعلتك نبيا للشعوب " (ار4: 1)، وقال عاموس النبي عن اختيار الله له " لست أنا نبيا ولا أنا ابن نبيّ بل أنا راع وجاني جميّز. فأخذني الرب من وراء الضأن وقال لي الرب اذهب تنبأ لشعبي إسرائيل " (عا14: 7).

ثم أعد الله هؤلاء الأنبياء والرسل الذين اختارهم وحل عليهم بروحه القدوس وتكلم بواسطتهم وعلى لسانهم، كما يقول داود النبي والملك بالروح " وحي داود بن يسّى ووحي الرجل القائم في العلا مسيح اله يعقوب ومرنم إسرائيل الحلو. روح الرب تكلم بي وكلمته على لساني " (2صم1: 23و2). وكما يقول القديس بطرس بالروح " لأنه لم تأت نبوة قط بمشيئة إنسان بل تكلم أناس الله القديسون مسوقين من الروح القدس " (2بط21: 1).

ومن ثم يكرر العهد الجديد مؤكداً وحي العهد القديم عبارات مثل " لان داود نفسه قال بالروح القدس " (مر36: 12)، " حسنا كلم الروح القدس آباءنا باشعياء النبي "(أع25: 28). وأن الله تكلم " بفم أنبيائه " ؛ " كما تكلم بفم أنبيائه القديسين الذين هم منذ الدهر " (لو70: 1). " كان ينبغي أن يتم هذا المكتوب الذي سبق الروح القدس فقاله بفم داود " (أع16: 1)، " أزمنة رد كل شيء التي تكلم عنها الله بفم جميع أنبيائه القديسين منذ الدهر" (أع21: 3).

أو " عن يد عبيده الأنبياء " ؛ " كلام الربّ إله إسرائيل الذي تكلم به عن يد عبده يونان " (2مل25: 14)، " كلام الرب الذي تكلم به عن يد عبيده الأنبياء " (2مل2: 24)، " لأنّ من قبل الرب الوصية عن يد أنبيائه " (2أخ5: 29).

كما استخدمت عبارة " ما قيل بالنبي " أو " بالأنبياء " ؛ " وهذا كله كان لكي يتم ما قيل من الرب بالنبي القائل " (مت22: 1؛15: 2)، " حينئذ تم ما قيل بارميا النبي القائل " (مت17: 2)، " لكي يتم ما قيل بالأنبياء " (مت23: 2)، " لكي يتم ما قيل باشعياء النبي القائل " (مت 14: 4؛17: 8؛17: 12)، " ما قيل لكم من قبل الله القائل " (مت31: 22).

فقد تكلم الله من خلال أنبيائه، بالروح القدس، بطرق الإعلان الإلهي المتنوعة " الله بعد ما كلم الآباء بالأنبياء قديما بأنواع وطرق كثيرة كلمنا في هذه الأيام الأخيرة في ابنه " (عب1: 1و2). سواء عن طريق الظهورات الإلهية كما حدث مع إبراهيم (تك7: 12؛1: 18) وأسحق (تك2: 26و24) ويعقوب (تك9: 35)، أو موسى في العليقة (خر2: 3). أو الحديث المباشر " فما لفم " كما حدث مع موسى النبي، أو بحلول الروح القدس على النبي والنطق بفمه وعلى لسانه، أو من خلال الرؤى والأحلام الإلهية " فقال (الرب) اسمعا كلامي. أن كان منكم نبي للرب فبالرؤيا استعلن له في الحلم أكلمه. وأما عبدي موسى فليس هكذا بل هو أمين في كل بيتي. فما إلى فم وعيانا أتكلم معه لا بالألغاز. وشبه الرب يعاين " (عد6: 12-8)، أو من خلال الظهورات الملائكية كما حدث مع يشوع بن نون (يش14: 5-16) و جدعون القاضي (قض11: 6-13).

وفي الوقت المعين حث الله، بروحه القدوس، هؤلاء الأنبياء والرسل على تدوين وكتابة كلمة الله ووحيه الإلهي، الذي سبق أن نطقوا به وأعلنوه وسلموه لمعاصريهم وحفظوه شفوياً، في أسفار بناء على أمر الله لتبقى لجميع الأجيال حتى المجيء الثاني ونهاية العالم:

 

(1) فكتب موسى التوراة: بناء على أمر الله:

+ " فقال الرب لموسى اكتب هذا تذكارا في الكتاب " (خر14: 17).

+ " وقال الرب لموسى اكتب لنفسك هذه الكلمات " (خر27: 34).

+ " فكتب موسى جميع أقوال الرب " (خر4: 24).

+ " وكتب موسى مخارجهم برحلاتهم حسب قول الرب " (عد2: 33).

+ " وكتب موسى هذه التوراة وسلمها للكهنة ... فعندما كمل موسى كتابة كلمات هذه التوراة في كتاب إلى تمامها أمر موسى اللاويين حاملي تابوت عهد الرب قائلا. خذوا كتاب التوراة هذا وضعوه بجانب تابوت عهد الرب إلهكم ليكون هناك شاهدا عليكم " (تث9: 31و24).

ويشير موسى النبي دائما للمكتوب في التوراة ب " المكتوب في سفر الشريعة " (تث10: 30) , " سفر الناموس هذا " (تث61: 28) و " المكتوبة في هذا السفر " (58: 28؛27: 29) و " كتاب التوراة هذا " (تث26: 31).

 

(2) وكتب يشوع بن نون تلميذ موسى النبي سفر يشوع:

+ " وكتب يشوع هذا الكلام في سفر شريعة الله " (يش26: 24).

 

(3) وكتب صموئيل النبي ومجموعة كبيرة من الأنبياء بقية أسفار العهد القديم وذلك ابتداء من أيام داود الذي كان ملكاً ونبياً يتكلم الروح القدس بفمه وينطق على لسانه وكان الله يكلمه أيضاً عن طريق أنبياء آخرين مثل ناثان النبي وجاد النبي " فأرسل الرب ناثان ألي داود " (2صم1: 12)، " كان كلام الرب ألي جاد النبي رائي داود قائلا " (2صم11: 24)، " فصعد داود حسب كلام جاد كما أمر الرب " (2صم19: 24)، " أوقف اللاويين في بيت الرب بصنوج ورباب وعيدان حسب أمر داود وجاد رائي الملك وناثان النبي لان من قبل الرب الوصية عن يد أنبيائه " (2أى25: 29). وكان سليمان الملك حكيماً ونبياً أيضاً وكان الله يكلمه عن طريق أنبياء آخرين مثل ناثان النبي وعدو الرائي.

وقد كتب هؤلاء الأنبياء تاريخ شعب الله وأخبار قضاته وملوكه وقادته ورسائل الملوك والقادة من بعد يشوع وحتى عزرا ونحميا في سجلات مكتوبة خاصة بهم وفى حوليات كانت تحفظ في قصور الملوك، وكانت هذه الحوليات التي كتبها هؤلاء الأنبياء في متناول الجميع ومعروفة للجميع وكانت هي المصدر الأول لكتابة الأسفار التاريخية بيد الأنبياء أنفسهم، الذين دونوها بالروح القدس، كشهود عيان ومعاصرين للأحداث ومحركين لها باعتبارهم الناطقين بفم الله والمتحدثين باسمه والممثلين له والوسطاء بينه وبين الملوك والقادة والشعب:

+ " وأمور داود الملك الأولى والأخيرة هي مكتوبة في أخبار صموئيل الرائي وأخبار ناثان النبي وأخبار جاد الرائي " (1أخ29: 29).

+ " وبقية أمور سليمان الأولى والأخيرة أما هي مكتوبة في أخبار ناثان النبي وفي نبوة آخيا الشيلوني وفي رؤى يعدو الرائي على يربعام بن نباط " (2أخ29: 9).

+ " وأمور رحبعام الأولى والأخيرة أما هي مكتوبة في أخبار شمعيا النبي وعدو الرائي " (2أخ15: 12).

+ " وبقية أمور يهوشافاط الأولى والأخيرة ها هي مكتوبة في أخبار ياهو بن حناني المذكور في سفر ملوك إسرائيل " (2أى34: 2خ).

+ " وبقية أمور رحبعام وكل ما فعل أما هي مكتوبة في سفر أخبار الأيام لملوك يهوذا " (1مل29: 14). " وبقية أمور ابيام وكل ما عمل أما هي مكتوبة في سفر أخبار الأيام لملوك يهوذا " (1مل15: 7). " وبقية كل أمور أسا ... أما هي مكتوبة في سفر أخبار الأيام لملوك يهوذا " (1مل23: 15).

+ " واما بقية أمور يربعام كيف حارب وكيف ملك فأنها مكتوبة في سفر أخبار الأيام لملوك إسرائيل " (1مل19: 14). " وبقية أمور ناداب وكل ما عمل أما هي مكتوبة في سفر أخبار الأيام لملوك إسرائيل " (1مل31: 15).

+ " وبقية أمور حزقيا ومراحمه ها هي مكتوبة في رؤيا اشعياء بن اموص النبي في سفر ملوك يهوذا وإسرائيل " (2أخ32: 32).

+ " ورثى ارميا يوشيا ... وها هي مكتوبة في المراثي " (2أخ25: 35).

وتتكرر مثل هذه العبارات وبنفس النصوص السابقة عن كل بقية الملوك الآخرين في كل العصور وحتى سبى بابل سنة 587 ق م.

وهذا يوضح لنا أن كل ما جاء ودون في الأسفار المقدسة التي كتبها الأنبياء بالروح القدس سواء كان مكتوباً أو محفوظاً شفاهه كان في متناول الجميع وتدل العبارة المتكررة " ها هي مكتوبة "، " أما هي مكتوبة " على ذلك. كما تؤكد لنا هذه الآيات كتابة الأنبياء للأسفار التاريخية كما يؤكد ذلك التقليد القديم، فقد كتب صمؤئيل النبي الجزء الأول من السفر المعروف باسمه ثم أكمل كل من ناثان النبي وجاد النبي بقية السفر (صموئيل الأول وصموئيل الثاني) وكتب اشعياء النبي جزءا من سفر الملوك وحرر السفر كله (ملوك الأول وملوك الثاني) ارميا النبي بالروح القدس والذي ختم آخر سفر الملوك الثاني (2مل25) بنفس خاتمة سفر ارميا، كما يؤكد لنا كتابة ارميا النبي لسفر المراثي (مراثي ارميا). أما سفر أخبار الأيام بجزأيه (الأول والثاني) فقد كتبه عزرا الكاهن والكاتب بالروح القدس من نفس الحوليات التي كتبها الأنبياء والمذكورة أعلاه إلى جانب أسفار صموئيل والملوك. وكانت توضع هذه الأسفار جميعها في الهيكل باعتبارها أسفار مقدسة وموحى بها بالروح القدس.

ويقول اشعياء النبي بالروح أن الله أمره قائلاً " تعال الآن اكتب هذا عندهم على لوح وارسمه في سفر ليكون لزمن آت للابد إلى الدهور

" (اش8: 30). ويقول ارميا النبي بالروح " هكذا تكلم الرب اله إسرائيل قائلا اكتب كل الكلام الذي تكلمت به إليك في سفر " (ار2: 30)، " خذ لنفسك درج سفر واكتب فيه كل الكلام الذي كلمتك به " (ار2: 36)، " فدعا ارميا باروخ بن نيريا فكتب باروخ عن فم ارميا كل كلام الرب الذي كلمه به في درج السفر " (ار4: 36).

وقد كتب كل نبي في جميع الأسفار النبوية العبارات التالية تأكيداً لوحي الروح القدس في كتابتهم للأسفار المعروفة بأسمائهم: " رؤيا اشعياء بن آموص التي رآها على يهوذا وأورشليم " (اش1: 1)، " رؤيا عوبديا " (عو1: 1)، " سفر رؤيا ناحوم " (نا1: 1)، " في السنة ... ظهرت لي أنا دانيال رؤيا " (دا1: 8)، " كلام ارميا بن حلقيا ... الذي كانت كلمة الرب إليه " (ار1: 1،2)، " صار كلام الرب إلى حزقيال ... وكانت عليه هناك يد الرب " (حز2: 1،3)، " قول الرب الذي صار إلى هوشع بن بئيرى " (هو1: 1)، " قول الرب الذي صار إلى يوئيل بن فثوئيل " (يؤ1: 1؛)، " وصار قول الرب إلى يونان بن أمتاي قائلاً " (يون1: 1)، " كلمة الرب التي صارت إلى صفنيا " (صف1: 1)، " كانت كلمة الرب عن يد حجى النبي " (حج1: 1)، " كانت كلمة الرب إلى زكريا بن برخيا بن عدو النبي " (زك1: 1)،" أقوال عاموس ... التي رآها عن إسرائيل " (عا1: 1)، " الوحي الذي رآه حبقوق النبي " (حب1: 1).

وقد كتبوا جميعاً وهم " محمولين بالروح القدس "، مسوقين من الروح القدس كما يقول الكتاب " وعندنا الكلمة النبوية وهي اثبت التي تفعلون حسنا أن انتبهتم إليها كما إلى سراج منير في موضع مظلم إلى أن ينفجر النهار ويطلع كوكب الصبح في قلوبكم عالمين هذا أولا أن كل نبوة الكتاب ليست من تفسير خاص لأنه لم تأت نبوة قط بمشيئة إنسان بل تكلم أناس الله القديسون مسوقين من الروح القدس " (2بط19: 1-21). وعبارة " كل نبوة الكتاب " حرفياً هي " كل نبوة الكتاب المقدس " فالكلمة المترجمة كتاب هنا هي " جرافيس -graphis- grafhV " وتعنى " الأسفار المقدسة، الكتاب المقدس - scripture ". أي أن كل الكتاب المقدس، كل ما كتبه الأنبياء في الكتاب المقدس، كل نقطة وكل حرف وكل كلمة وكل عبارة وكل جملة وكل فقرة وكل فصل، إصحاح، وكل سفر، كل الكتاب المقدس، كتبه الروح القدس بواسطة أناس الله القديسين، الأنبياء والرسل، فقد كانوا في حالة تسليم كامل بالعقل والإرادة للروح القدس المهيمن، الذي تكلم على لسانهم وبأفواههم ودون كتابه المقدس بأقلامهم، فالكتاب المقدس هو كلمة الله ووحيه الإلهي.

ويقول القديس بولس بالروح " كل الكتاب هو موحى به من الله " (2تي16: 3). والنص الحرفي لهذه الآية هو " كل الكتاب المقدس "، " كل الأسفار المقدسة هي ما تنفس به الله - All Scripture is God – breathed γραφη θεόπνευστος πασα "، أي أن كل كلمة في الكتاب المقدس هي ما تنفس به الله في أسفاره المقدسة، كتابه المقدس، كلام الله الذي تنفس به، نطق به.

 

4 – إنجيل واحد أم أربعة أناجيل؟

يتصور البعض أن الإنجيل نزل على المسيح من السماء عن طريق ملاك أو بطرق الوحي المتنوعة " لفظاً ومعنى "، ويزعم أن هذا الإنجيل هو إنجيل واحد ؛ إنجيل المسيح (عيسى)! وأنه مفقود، وأن الأناجيل الأربعة وبقية العهد الجديد ما هي إلا أحاديث للمسيح وسيّر ذاتية له كُتبت بأقلام البشر، من تأليف تلاميذه أو غيرهم، وليس وحي منزل من السماء، وبالتالي فلا يعتد بها!!

وهذه الأقوال تعبر عن عدم فهم لشخص المسيح وطبيعة رسالته، وسوء فهم لكلمة إنجيل ذاتها. فكلمة إنجيل في اللغة اليونانية والعهد الجديد هي " εύαγγελιον - euangelion ايفانجليون " ومعناها البشارة المفرحة أو الخبر السار Good News. ويرادفها في اللغة العبرية " بشارة " أو " بشرى " وقد وردت في العهد القديم بمعنى البشارة أو البشرى بأخبار سارة أو المكافأة على أخبار سارة (2صم10: 4؛20: 18و22و25؛2مل9: 7). ويرادفها في اللغة العربية أيضاً " بشارة " كما تنطق أيضاً " إنجيل ".

 

وهذا الإنجيل، البشارة السارة، ليس مجرد رسالة حملها المسيح إلى العالم بعد أن نزلت عليه من فوق وليس هو نصوص نزلت عليه من السماء، وليس وحياً أوحى إليه أو رؤيا رآها أو حلماً حلم به، ولا هو رسالة سمائية نقلت إليه بواسطة ملاك من السماء ولا كان بينه وبين الله الآب وسيط من أي جنس أو نوع من السماء سواء عن طريق الوحي الإلهي أو بواسطة ملاك أو في حلم أو في رؤيا أو بوسيلة أخرى كما حدث مع أنبياء العهد القديم، وإنما هو شخص وعمل وتعليم الرب يسوع المسيح نفسه كما يقول الإنجيل نفسه " جميع ما أبتدأ يسوع يفعله ويعلم به إلى اليوم الذي أرتفع فيه " (أع1: 2)، أو كما يقول القديس بطرس بالروح " فينبغي أن الرجال الذين اجتمعوا معنا كل الزمان الذي فيه دخل إلينا الرب يسوع وخرج منذ معمودية يوحنا إلى اليوم الذي ارتفع فيه عنا يصير واحدا منهم شاهدا معنا بقيامته " (أع21: 1و22). خاصة آلامه وصلبه وموته وقيامته " وأعرّفكم أيها الاخوة بالإنجيل الذي بشرتكم به وقبلتموه وتقومون فيه وبه أيضا تخلصون أن كنتم تذكرون أي كلام بشرتكم به إلا إذا كنتم قد آمنتم عبثا. فأنني سلمت إليكم في الأول ما قبلته أنا أيضا أن المسيح مات من اجل خطايانا حسب الكتب. وانه دفن وانه قام في اليوم الثالث حسب الكتب. وانه ظهر لصفا ثم للاثني عشر. وبعد ذلك ظهر دفعة واحدة لأكثر من خمس مئة أخ أكثرهم باق إلى الآن ولكن بعضهم قد رقدوا. وبعد ذلك ظهر ليعقوب ثم للرسل أجمعين " (1كو1: 15-7).

المسيح ذاته هو الرسالة، محورها وجوهرها، هدفها وغايتها. فهو كلمة الله الذي سبق وتكلم في الأنبياء بروحه القدوس " الذين تنبأوا عن النعمة التي لأجلكم باحثين أي وقت أو ما الوقت الذي كان يدل عليه روح المسيح الذي فيهم إذ سبق فشهد بالآلام التي للمسيح والأمجاد التي بعدها " (1بط10: 1-12).

هو نفسه كلمة الله النازل من السماء، وكلمة الله هو الله الذي نزل من السماء في " ملء الزمان " (غل4: 4)، صورة الله غير المنظور والمعلن عن الذات الإلهية والإرادة الإلهية والتدبير الإلهي، " الابن الوحيد الذي في حضن الآب "، الله ناطقاً، الله معلناً، الله ظاهراً، الله الظاهر في الجسد " عظيم هو سر التقوى الله ظهر في الجسد " (1تى16: 3)، الإله المتجسد،الابن الوحيد، الإله الوحيد، الله متجسداً وظاهراً ومتجلياً ومعلناً، الله ناطقاً:

V " في البدء كان الكلمة والكلمة كان عند الله وكان الكلمة الله، ... والكلمة صار جسدا وحل بيننا ورأينا مجده مجدا كما لوحيد من الآب مملوءا نعمة وحقا ... الله لم يره أحد قط الابن الوحيد الذي هو في حضن الآب هو خبر " (يو1: 1و14و18).

V " ويدعى اسمه كلمة الله " (رؤ13: 19).

V " بالمسيح قوة الله وحكمة الله " (1كو24: 1).

V " المسيح يسوع الذي صار لنا حكمة من الله " (1كو30: 1).

V " المذخر فيه جميع كنوز الحكمة والعلم " (كو3: 2).

V " المسيح الذي هو صورة الله " (2كو4: 4).

V " الذي هو صورة الله غير المنظور " (كو15: 1).

V " الذي وهو بهاء مجده ورسم جوهره وحامل كل الأشياء بكلمة قدرته " (عب3: 1).

V وكما يقول هو عن نفسه " وليس أحد صعد إلى السماء إلا الذي نزل من السماء ابن الإنسان الذي هو في السماء " (يو13: 3).

V " لأني قد نزلت من السماء " (يو38: 6).

V " أنا هو الخبز الحي الذي نزل من السماء " (يو51: 6).

وقال عنه القديس بولس بالروح: " الذي نزل هو الذي صعد أيضا فوق جميع السماوات لكي يملا الكل " (اف10: 4).

وقد كلمنا الله به وفيه ومن خلاله مباشرة " الله بعدما كلم الآباء بالأنبياء قديماً بأنواع وطرق كثيرة. كلمنا في هذه الأيام الأخيرة في ابنه الذي جعله وارثاً لكل شئ الذي به أيضاً عمل العالمين الذي وهو بهاء مجده ورسم جوهره وحامل كل الأشياء بكلمة قدرته "(عب1: 1-4).

وقد اختار الرب يسوع المسيح تلاميذه ورسله وتلمذهم على يديه ليحملوا رسالته (الإنجيل) لجميع الأمم. اختارهم ودعاهم هو نفسه بحسب إرادته ومشورته الإلهية وعلمه السابق، دون أن يسعوا هم لذلك ودون أن يكون لهم أي دخل في هذا الاختيار " أجابهم يسوع أليس أني أنا اخترتكم الأثني عشر وواحد منكم شيطان " (يو70: 6)، " ليس انتم اخترتموني بل أنا اخترتكم وأقمتكم لتذهبوا وتأتوا بثمر ويدوم ثمركم " (يو16: 15)، " أنا اخترتكم من العالم لذلك يبغضكم العالم " (يو15: 16). وكان قد عينهم وهم في أرحام أمهاتهم كقول القديس بولس " الذي أفرزني من بطن أمي ودعاني بنعمته " (غل15: 1)، بل وقبل تأسيس العالم " كما اختارنا فيه قبل تأسيس العالم " (أف4: 1).

وتلمذهم على يديه. حوالي ثلاث سنوات ونصف عاشوا فيها معه وتعايشوا معه بصورة كاملة، فقد تركوا كل شيء وتبعوه، أكلوا معه وشربوا، دخلوا معه وخرجوا، وكان هو، وليس سواه، بالنسبة لهم القدوة والمثال " احملوا نيري عليكم وتعلموا مني. لأني وديع ومتواضع القلب. فتجدوا راحة لنفوسكم " (مت29: 11)، رأوا كل أعماله بعيونهم وسمعوا كل ما قال وعلم ولمسوه بأيديهم، وسماهم بالقطيع الصغير (لو23: 12)، وكشف لهم أسرار ملكوت السموات " وقال لهم لأنه قد أعطي لكم أن تعرفوا أسرار ملكوت السموات " (11: 13)، وكشف لهم عن حقيقة ذاته باعتباره ابن الله الحي، الابن الوحيد الذي في حضن الآب (مت16: 16؛يو18: 1) وكشف لهم عن مجده ولاهوته عندما تجلى لهم بمجد على الجبل (مت1: 17-7؛مر1: 9-8؛لو28: 9-36)، وكشف لهم كل ما سيحدث له من آلام وصلب وقيامة وحتى صعوده " من ذلك الوقت ابتدأ يسوع يظهر لتلاميذه انه ينبغي أن يذهب إلى أورشليم ويتألم كثيرا من الشيوخ ورؤساء الكهنة والكتبة ويقتل وفي اليوم الثالث يقوم " (مت21: 16 أنظر23: 17؛19: 20). وظل يظهر لهم بعد قيامته مدة أربعين يوماً تكلم فيها معهم عن الأمور المختصة بملكوت السموات (أع3: 1)، وشرح لهم كل ما سبق أن تنبأ به الأنبياء وكتب عنه في جميع أسفار العهد القديم " ثم ابتدأ من موسى ومن جميع الأنبياء يفسر لهما الأمور المختصة به في جميع الكتب ... وقال لهم هذا هو الكلام الذي كلمتكم به وأنا بعد معكم انه لا بد أن يتم جميع ما هو مكتوب عني في ناموس موسى والأنبياء والمزامير. حينئذ فتح ذهنهم ليفهموا الكتب. وقال لهم هكذا هو مكتوب وهكذا كان ينبغي أن المسيح يتألم ويقوم من الأموات في اليوم الثالث. وان يكرز باسمه بالتوبة ومغفرة الخطايا لجميع الأمم مبتدأ من أورشليم. وأنتم شهود لذلك " (لو27: 24و44-48).

وأعطاهم سلطاناً ليصنعوا الآيات والقوات والعجائب، وقبل صعوده مباشرة أوصاهم أن يشهدوا له في العالم أجمع وليكرزوا بالإنجيل في المسكونة كلها " وقال لهم اذهبوا إلى العالم اجمع واكرزوا بالإنجيل للخليقة كلها وهذه الآيات تتبع المؤمنين. يخرجون الشياطين باسمي ويتكلمون بألسنة جديدة. يحملون حيّات وان شربوا شيئا مميتا لا يضرهم ويضعون أيديهم على المرضى فيبرأون. ثم أن الرب بعدما كلمهم ارتفع إلى السماء وجلس عن يمين الله. وأما هم فخرجوا وكرزوا في كل مكان والرب يعمل معهم ويثبت الكلام بالآيات التابعة " (مر15: 16-20)، " فاذهبوا وتلمذوا جميع الأمم وعمدوهم باسم الآب والابن والروح القدس. وعلموهم أن يحفظوا جميع ما أوصيتكم به. وها أنا معكم كل الأيام إلى انقضاء الدهر " (مت19: 28و20).

وكان قد وعدهم بأن يرسل لهم الروح القدس ليمكث فيهم ومعهم إلى الأبد ويعلمهم كل شيء ويذكرهم بكل ما عمله، الرب يسوع المسيح، وعلمه لهم ويخبرهم بالأمور الآتية ويرشدهم إلى جميع الحق:

V " وأنا اطلب من الآب فيعطيكم معزيا آخر ليمكث معكم إلى الأبد. روح الحق الذي لا يستطيع العالم أن يقبله لأنه لا يراه ولا يعرفه. وأما انتم فتعرفونه لأنه ماكث معكم ويكون فيكم " (يو16: 14و17).

V " وأما المعزي الروح القدس الذي سيرسله الآب باسمي فهو يعلّمكم كل شيء ويذكركم بكل ما قلته لكم " (يو26: 14).

V " ومتى جاء المعزي الذي سأرسله أنا إليكم من الآب روح الحق الذي من عند الآب ينبثق فهو يشهد لي. وتشهدون انتم أيضا لأنكم معي من الابتداء " (يو26: 15).

V " وأما متى جاء ذاك روح الحق فهو يرشدكم إلى جميع الحق ... ويخبركم بأمور آتية " (يو13: 16).

كما يتكلم على لسانهم " ومتى أسلموكم فلا تهتموا كيف أو بما تتكلمون. لأنكم تعطون في تلك الساعة ما تتكلمون به. لأن لستم انتم المتكلمين بل روح أبيكم الذي يتكلم فيكم " (مت19: 10و20).

V " بل مهما أعطيتم في تلك الساعة فبذلك تكلموا لان لستم انتم المتكلمين بل الروح القدس " (مر11: 13).

V " لان الروح القدس يعلمكم في تلك الساعة ما يجب أن تقولوه " (لو12: 12).

V " لأني أنا أعطيكم فماً وحكمةً لا يقدر جميع معانديكم أن يقاوموها أو يناقضوها " (لو15: 21).

 

ثم أكد عليهم بعد قيامته أن يبدءوا البشارة بالإنجيل بعد أن يحل الروح القدس عليهم وليس قبل ذلك " وها أنا أرسل إليكم موعد أبي. فأقيموا في مدينة أورشليم إلى أن تلبسوا قوة من الأعالي " (لو49: 24)، وقبل صعوده مباشرة قال لهم " لكنكم ستنالون قوة متى حل الروح القدس عليكم وتكونون لي شهودا في أورشليم وفي كل اليهودية والسامرة والى أقصى الأرض " (أع8: 1).

وبعد حلول الروح القدس عليهم حمل تلاميذ المسيح ورسله الإنجيل، البشارة السارة والخبر المفرح للعالم كله وكان الروح القدس يعمل فيهم وبهم ويوجههم ويقودهم ويرشدهم ويتكلم على لسانهم وبفمهم ؛ " فقال الروح لفيلبس تقدم ورافق هذه المركبة " (أع29: 8). " وبينما بطرس متفكر في الرؤيا قال له الروح " (أع19: 10). ويضيف " فقال لي الروح أن اذهب " (أع12: 11). ولما حاول القديس بولس ورفاقه الذهاب إلى بيثينية " لم يدعهم الروح " (أع7: 16). و " كان بولس منحصرا بالروح وهو يشهد لليهود بالمسيح يسوع " (اع15: 22)، " كان (أبولوس) وهو حار بالروح يتكلم ويعلم بتدقيق ما يختص بالرب " (أع25: 18). ويستخدم القديس يوحنا في سفر الرؤيا عبارات " كنت في الروح في يوم الرب " (رؤ10: 1)، " من له أذن فليسمع ما يقوله الروح للكنائس " (رؤ17: 2)، " صرت في الروح " (رؤ2: 4)، " يقول الروح " (رؤ13: 14)، " فمضى بي بالروح " (رؤ3: 17)، " وذهب بي بالروح " (رؤ10: 21).

وهكذا كرز التلاميذ وبشروا بالإنجيل للمسكونة كلها يقودهم الروح القدس، وكان جوهر رسالتهم وشهادتهم هو " الذي كان من البدء الذي سمعناه الذي رأيناه بعيوننا الذي شاهدناه ولمسته أيدينا من جهة كلمة الحياة. فان الحياة أظهرت وقد رأينا ونشهد ونخبركم بالحياة الأبدية التي كانت عند الآب وأظهرت لنا. الذي رأيناه وسمعناه نخبركم به لكي يكون لكم أيضا شركة معنا. وأما شركتنا نحن فهي مع الآب ومع ابنه يسوع المسيح ... ونكتب إليكم هذا لكي يكون فرحكم كاملا " (1يو1: 1-4).

وبعد كرازة الرسل وبشارتهم بالإنجيل الشفوي وجه الروح القدس أربعة منهم لتدّوين نفس الإنجيل الواحد في أربعة أماكن مختلفة لأربع فئات مختلفة من أربع وجهات متنوعة، فقد كتب القديس متى الإنجيل لليهود وكتب القديس مرقس للرومان وكتب القديس لوقا لليونانيين وكتب القديس يوحنا للكنيسة الجامعة في كل العالم. وقد عُرف كل واحد منها باسم كاتبه الذي دوّنه بالروح القدس.

هذا هو الإنجيل الواحد الذي انتشر في كل أنحاء العالم بأوجهه الأربعة. ولم يظهر في الوجود كتاب يسمى بالإنجيل الذي نزل على المسيح، ولم تعرف الكنيسة المسيحية والعالم أجمع سوى هذا الإنجيل بأوجهه الأربعة وبقية أسفار العهد الجديد، كالإنجيل الواحد.

يقول القديس أريناؤس أسقف ليون (120-102م) وتلميذ تلاميذ ورسل المسيح " لقد تعلمنا خطة خلاصنا من أولئك الذين سلموا لنا الإنجيل الذي سبق أن نادوا به للجميع عامة، ثم سلموه لنا بعد ذلك، حسب إرادة الله، في أسفار مقدسة ليكون أرضية وعامود إيماننا ... فقد كانوا يمتلكون إنجيل الله، كل بمفرده، فقد نشر متى إنجيل مكتوب بين العبرانيين بلهجتهم عندما كان بطرس وبولس يكرزان ويؤسسان الكنائس في روما. وبعد رحيلهما سلم لنا مرقس، تلميذ بطرس ومترجمه، كتابه ما بشر به بطرس. ودون لوقا، رفيق بولس، في سفر الإنجيل الذي بشر به (بولس)، وبعد ذلك

نشر يوحنا نفسه، تلميذ الرب والذي أتكأ على صدره، إنجيلاً أثناء إقامته في أفسس في آسيا الصغرى "(2).

وأضاف " ليس من الممكن أن تكون الأناجيل أكثر أو أقل عما هي عليه، لأنه حيث يوجد أربعة أركان zones في العالم الذي نعيش فيه وأربعة أرواح " رياح " جامعة حيث انتشرت الكنيسة في كل أنحاء العالم وأن " عامود وقاعدة " (1تي15: 13) الكنيسة هو الإنجيل وروح الحياة، فمن اللائق إذا أن يكون لها أربعة أعمدة تنفس الخلود وتحيى البشر من جديد. وذلك يوضح أن الكلمة، صانع الكل، الجالس على الشاروبيم والذي يحتوى كل شئ والذي ظهر للبشر أعطانا الإنجيل في أربعة أوجه ولكن مرتبطة بروح واحد "(3).

وأكد على وجود الإنجيل بأوجهه الأربعة وانتشاره في كل مكان حتى مع الهراطقة " الأرض التي تقف عليها هذه الأناجيل أرض صلبة حتى أن الهراطقة أنفسهم يشهدون لها ويبدأون من هذه الوثائق وكل منهم يسعى لتأييد عقيدته الخاصة منها "(4).

 

5– ما قاله القرآن عن الإنجيل ووحي التلاميذ الحواريين:

وعندما جاء القرآن في القرن السابع وبعد مرور ستة قرون على انتشار الإنجيل كما كتبه التلاميذ الأربعة، لم يقل أن الإنجيل الأصلي فُقد وأن هذه الأناجيل ليست هي الإنجيل الذي نزل على المسيح، بل تكلم عن الإنجيل الموجود بالفعل مع المسيحيين، في أيامه، الذي فيه هدى ونور، وطلب من المسيحيين أن يحكموا بما جاء فيه، ويقول أن الله جعل في قلوبهم رأفة ورحمة:

" ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِم بِرُسُلِنَا وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ الْإِنجِيلَ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً " (الحديد 26).

" وَآتَيْنَاهُ الإِنجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ َيدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ " (المائدة 45).

" وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الإِنجِيلِ بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فِيهِ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ " (المائدة 46).

كما تكلم عن الحواريين باعتبارهم أنصار الله وأن الله كان يوحي إليهم كما يوحي إلى بقية الأنبياء، وأنهم آمنوا بالمسيح وصدقوه وكانوا شهوداً على معجزاته وأعماله التي صنعها أمامهم:

" فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللّهِ آمَنَّا بِاللّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ " (آل عمران 51و52).

" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونوا أَنصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللَّهِ فَآَمَنَت طَّائِفَةٌ مِّن بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَت طَّائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آَمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ " (الصف 13).

" وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُواْ بِي وَبِرَسُولِي قَالُوَاْ آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ. إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَن يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَآئِدَةً مِّنَ السَّمَاءِ قَالَ اتَّقُواْ اللّهَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ. قَالُواْ نُرِيدُ أَن نَّأْكُلَ مِنْهَا وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا وَنَعْلَمَ أَن قَدْ صَدَقْتَنَا وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِن الشَّاهِدِينَ " (‏المائدة 110 – 113).

فهل كان يمكن أن يتكلم القرآن بهذا الأسلوب عن كتاب محرف أو من تأليف البشر؟ وإذا كان قد تكلم عن الحواريين باعتبارهم أنصار الله الذين آمنوا بالمسيح بناء على وحي من الله ذاته، وأنهم كانوا شهوداً للمسيح، فهل يمكن أن يقال أن هؤلاء الرجال الموحى إليهم قد جمعوا ودونوا الإنجيل بدون وحي؟!!

 

----

(3) Ibid. 3:. 11,8.

الفصل الثاني

كيف وصل إلينا العهد القديم سالماً وبدون تحريف؟

 

تصور البعض أن التوراة التي بين أيدي كل من المسيحيين واليهود الآن ليست هي التوراة الحقيقة التي أعطاها الله لموسى النبي!! ولا كتاب المزامير (الزبور) هو الكتاب الذي أعطاه الله لداود النبي، وكذلك بقية أسفار أنبياء العهد القديم!! وزعموا أن أنها كتب محرفة، بل ومن وضع اليهود أنفسهم!! ولهم في ذلك مزاعم عديدة أهمها:

1 – الزعم بان التوراة فقدت بعد موسى النبي!

2 – الزعم بأنها فقدت، ومعها مزامير داود، بعد أيام داود وابنه سليمان!

3 – الزعم بأن كل الكتب المقدسة، سواء التوراة أو المزامير أو بقية كتب الأنبياء الآخرين، قد فقدت عندما أحرق نبوخز نصر الملك البابلي الهيكل اليهودي وأسر معظم اليهود إلى بابل، فيما بين سنة 605 إلى 586 ق م!!

4- الزعم بأن هذه الكتب المقدسة فقدت أيام الملك السوري، أنتيوخس الرابع، الذي استولى على أورشليم فيما بين سنة 170 إلى 164 ق م، وأحرق كل ما وقع بين يديه من كتب مقدسة!!

والغريب أن هؤلاء جميعاً يتكلمون عن هذه الأسفار المقدسة وكأنه لم يوجد منها غير نسخة واحدة فقط وقد فقدت في العصر الذي تصوروا أنها فقدت فيه!!

والسؤال الآن هل كان من الممكن أن تحرف هذه الأسفار أو تفقد في أي عصر من العصور؟! وهل كان الله يسمح بذلك؟! والإجابة هي أن هذا مستحيل لأن الله هو الحافظ لكلمته كما يقول " لأني أنا ساهر على كلمتي لأجريها " (ار12: 1)، كما حذر من زيادة حرف واحد أو حذف حرف واحد من كلامه " لا تزيدوا على الكلام الذي أنا أوصيكم به ولا تنقصوا منه " (تث2: 4). " كل الكلام الذي أوصيكم به احرصوا لتعملوه. لا تزد عليه ولا تنقص منه " (تث32: 12).

وقد مرت أسفار العهد القديم من موسى النبي إلى الرب يسوع المسيح بعدة مراحل، كان من المستحيل أن يحدث فيها تحريف في أي حرف أو كلمة أو لفظ بأي شكل من الأشكال، لأن هذه الفترة لم ينقطع فيها الوحي على مدى 1100 سنة، من موسى النبي (1500 ق م) إلى ملاخي النبي (حوالي 400 ق م)، ولم ينقطع فيها الحكيم أو الغيور على كلمة الله من أمثال يشوع ابن سيراخ أو الجماعات الدينية التي كانت مهمتها الأولى دراسة وحفظ كلمة الله في هذه الأسفار وتطبيق ما جاء فيها.

 

(1) من موسى النبي إلى صموئيل النبي (1500 – 1... ق م):

في هذه الفترة التي استمرت حوالي خمسة قرون وُجد فيها موسى النبي وتلميذه يشوع بن نون وسبعون من الشيوخ الذين حل عليهم الروح القدس وكانوا يتنبأون، وكانوا مساعدين لموسى النبي، ثم القضاة الذين جاءوا بعد يشوع بن نون وكان أخرهم هو صموئيل النبي الذي كان قاضياً وكاهناً ونبياً. وكان جميع هؤلاء يحفظون ما جاء في أسفار موسى الخمسة ويحكمون بما جاء فيها إلى جانب الإعلانات الإلهية والوحي الإلهي الذي لم ينقطع عنهم، فقد كان الله يكلمهم ويتعامل معهم بالظهورات الملائكية والرؤى والأحلام الإلهية وكان الروح القدس يحل عليهم. كانت سلسلة لا تنقطع من رجال الله الموحى إليهم.

فعندما كتب موسى النبي التوراة (الأسفار الخمسة) سلمها للكهنة واللاويين الذين وضعوها إلى جوار تابوت العهد (تث26: 31) في خيمة الاجتماع، وكان يقوم بتطبيقها ويحفظ ما جاء بها هارون وبنوه (خر1: 28)، ومعهم بقية الكهنة وقادة المجموعات الذين عينهم موسى النبي رؤساء ألوف ورؤساء مئات ورؤساء خماسين ورؤساء عشرات ليقضوا للشعب كل حين (خر18)، والسبعون شيخاً الذين أختارهم الله ليقضوا للشعب ويساعدوا موسى والذين حل عليهم روح الرب " فلما حلّ عليهم الروح تنبأوا " (عد25: 11)، وذلك إلى جانب يشوع بن نون تلميذ موسى النبي وخادمه الذي تتلمذ على يديه وكان موسى يكتب التوراة ويضعها في مسامعه حسب وصية الله " فقال الرب لموسى اكتب هذا تذكارا في الكتاب وضعه في مسامع يشوع " (خر14: 17) والذي كلمه الله بعد أن تسلم قيادة الشعب من موسى النبي.

وكانت التوراة في أيام موسى ويشوع وبعد ذلك تقرأ أمام الشعب كل سبع سنوات في عيد المظال (تث31). وكان على جميع الشعب بجميع أفراده أن يتعلم ويحفظ التوراة كل كلمة فيها.

يقول المؤرخ والكاهن اليهودي يوسيفوس المعاصر لتلاميذ المسيح (سنة 36 - 100م) كانت " هذه النواميس محفورة في أرواحهم ومحفوظة في ذاكرتهم وكان للنواميس أيضاً سلطان أعظم بينهم وهذا ما نعرفه مما كان عليهم أن يكابدوه إذ كسروها "(1).

وكان صموئيل النبي حافظاً لهذه الأسفار وما كتبه يشوع بن نون بوحي الروح القدس ولما كتب هو أيضا بالروح القدس ضم ما كتبه للأسفار السابقة " فكلم صموئيل الشعب بقضاء المملكة وكتبه في السفر ووضعه أمام الرب " (1صم25: 10).

ويقول يوسيفوس أيضا " وضع الكتاب في خيمة الاجتماع ليكون للأجيال التالية "(2).

 

(2) من داود النبي إلى سبي بابل (1000– 586 ق م):

وهذه الفترة كانت تضم عدد كبير من الأنبياء مثل داود الملك وابنه سليمان الملك والحكيم ومعهما ناثان النبي (2صم25: 12) وجاد الرائي (1أخ29: 29) وأخيا الشيلوني ويعدو الرائي (2أخ29: 9)، ثم إيليا النبي وأليشع النبي وتلاميذهما " بنو الأنبياء " (1مل35: 20)، وغيرهم مثل عاموس وهوشع وميخا واشعياء إلى ارميا النبي الذي كان أخر أنبياء هذه الفترة والذي عاصر السبي بجميع مراحله.

وذلك إلى جانب أنبياء الهيكل الذين كانوا يسبحون بالمزامير ويكتبونها بالروح القدس مثل " بني آساف وهيمان ويدوثون المتنبئين بالعيدان والرباب والصنوج " (1أخ1: 25). بل ويتكلم سفر صموئيل عن أعداد كبيرة من الأنبياء كانت موجودة في تلك الفترة ويصفهم ب " زمرة من الأنبياء " (1صم5: 10؛10: 10)، و " جماعة الأنبياء " (1صم20: 19). وكان هناك أيضا تلاميذ الأنبياء الذين عرفوا ب " بني أو بنو الأنبياء " ؛ " بنو الأنبياء الذين في بيت إيل " (2مل3: 2)، " بنو الأنبياء الذين في أريحا " (2مل5: 2)، " فذهب خمسون رجلا من بني الأنبياء " (2مل7: 2).

وكان محور رسالة هؤلاء الأنبياء هو حفظ شريعة موسى وبقية الأسفار التي كتبت بعدها والتي كانت موجودة معهم جميعاً. مع داود وابنه سليمان (1مل2: 3)، ومع اشعياء (63: 11-12)، ومع ارميا (15: 1)، وغيرهم من الأنبياء.

بل وكانت وصية الرب لكل ملك يجلس على عرش إسرائيل " عندما يجلس على كرسي مملكته يكتب لنفسه نسخه من هذه الشريعة في كتاب من عند الكهنة واللاويين فتكون معه ويقرأ فيها كل أيام حياته " (تث19: 17).

وفي أيام الملك يوشيا (640609ق م) وجد حلقيا الكاهن (2مل22: 23) نفس نسخة التوراة التي كتبها موسى النبي بيده (بنفسه) أو على أقل تقدير هي نسخه منقولة عنها مباشرة، وإن كانت غالبية العلماء ترى أنها نفس النسخة التي كتبها موسى بنفسه.

 

(3) فترة السبي البابلي (605 – 538 ق م):

وكانت جميع أسفار موسى والأنبياء مع كل من حزقيال النبي ودانيال النبي في هذه الفترة في بابل. حيث يؤكد دانيال النبي قائلا " أنا دانيال فهمت من الكتب (أي الأسفار المقدسة) عدد السنيين التي كانت عنها كلمة الرب إلى ارميا النبي لكماله سبعين سنة على خراب أورشليم " (دا 2: 9، مع إر25). كما يشهد حزقيال لدانيال بأنه أحد الأبرار الثلاثة " نوح وأيوب ودانيال " (حز14: 14) وأنه كاشف الأسرار الذي لا يخفى عليه سر من الأسرار (حز3: 28).

وكان المسبيون متجمعين في تل أبيب ببابل على نهر خابور (حز15: 3) وكان معهم كهنتهم وشيوخهم فأقاموا المجامع كبديل للهيكل وكانوا يحتفظون فيها بالأسفار المقدسة ويدرسونها في كل السبوت والأعياد. وانتشرت هذه المجامع، والتي يقول عنها الفيلسوف اليهودي المعاصر للرب يسوع المسيح فيلو (26م) أنها كانت " بيوتاً للتعليم حيث كانت تدرس فلسفة الأباء وجميع الفضائل "، في جميع البلاد والمدن والقرى التي تشتت فيها اليهود في كل دول حوض البحر المتوسط، بعد السبي الآشوري الذي حدث سنة 723 ق م والسبي البابلي الذي حدث في الفترة من 605 ق م إلى 586.

وكانت لهذه المجامع ترتيباتها الخاصة والتي تشمل قراءة " الشيما " أي التلاوة وهي الاعتراف بوحدانية الله وتتكون من (تث6: 4-9،13: 11-21،عد 37: 15-41) وقراءة الناموس (أسفار موسى الخمسة) والذي كان منقسماً إلى مئة وأربعة وخمسين جزءاً تقرأ بالترتيب على ثلاث سنوات، لذا يقول الكتاب " لان موسى منذ أجيال قديمة له في كل مدينة من يكرز به إذ يقرأ في المجامع كل سبت " (أع21: 15)، ثم قراءة جزء مناسب من أسفار الأنبياء " قراءة الناموس والأنبياء " (أع15: 13). وقد انتشرت هذه المجامع مع انتشار اليهود في بلاد كثيرة، مثل أشور وفارس وميديا وأرمينيا ومصر وبابل وفلسطين واليونان وقبرص وتركيا 00الخ

 

(4) فترة ما بعد السبي (من زربابل إلى عزرا 440 ق م):

ولما عاد بعض الذين كانوا في السبي البابلي بقيادة زربابل (عز2) وبنوا الهيكل من جديد كانت معهم هذه الأسفار ومارسوا عبادتهم بحسب ما جاء فيها. ولما عادت الدفعة الثانية من هؤلاء المسبيين بقيادة عزرا الكاتب والكاهن ونحميا ساقي ملك فارس كانت معهم هذه الأسفار، فقد كانت مع عزرا الكاتب والكاهن حوالي سنة 440 ق م الذي جمع كل الأسفار المقدسة وأقر قانونيتها بإرشاد الروح القدس ورتب قراءة الناموس والأنبياء وأسس المجمع العظيم (السنهدرين) (نح 8-10 والمشنا 200م). ثم وضعت الأسفار المقدسة في الهيكل (الذي بناه زروبابل 520-516 ق م).

وفي تجمع هائل للشعب وقف عزرا يقرأ للشعب الناموس ويترجمه ويفسر معناه (نح8: 8). كما جمع نحميا رجل البلاط الفارسي الكتب المقدسة في مكتبه واحدة يصفها سفر المكابيين الثاني ب " السجلات التي لنحميا وكيف أنشأ مكتبة جمع فيها أخبار الملوك والأنبياء وكتابات ورسائل الملوك في التقادم" (2مك13: 2).

وهكذا وصلت الأسفار المقدسة من موسى النبي إلى يشوع بن نون واستلمها القضاة الذين كان أخرهم صموئيل النبي من يشوع، واستلمها الأنبياء من صموئيل وظلوا يسلمونها بعضهم لبعضهم حتى وصلت إلى عزرا ونحميا حوالي سنة 440 ق م، دون أن يكون هناك أي احتمال لزيادة حرف أو حذف حرف واحد منها. فقد كانوا جميعهم أنبياء يوحى إليهم ويكلمهم الله بروحه القدوس.

تقول المشنا (أبوت1: 1) " أستلم موسى الناموس من سيناء وسلمه ليشوع ويشوع سلمه للشيوخ والشيوخ سلموه للأنبياء والأنبياء سلموه لرجال المجمع العظيم ".

 

(5) فترة ما قبل الميلاد والميلاد (من 440 ق م إلى70 م):

في هذه الفترة كانت الأسفار المقدسة محفوظة في الهيكل وفي جميع المجامع اليهودية سواء في فلسطين أو في الكثير من البلاد الأخرى، ومع الكهنة والغيورين من الشعب والجماعات الدينية المختلفة. ولما حاول الملك السوري أنتيوخس الرابع (أبيفانس) (175-164 ق م) أن يستأصل اليهودية من جذورها أصدر أمراً بتمزيق وحرق الأسفار المقدسة " وما وجدوه من أسفار الشريعة مزقوه وأحرقوه بالنار وكل من وجد عنده سفر من العهد أو أتبع الشريعة كان يقتل بأمر الملك" (1مك1). وبرغم ذلك لم ينجح في القضاء على هذه الأسفار المقدسة في فلسطين بل كانت هذه الأسفار موجودة مع الغيورين من الشعب وقادته الدينيين والمدنيين فاجتمعوا على المصفاة على بعد 13 كم من أورشليم " ونشروا الشريعة " (1مك48: 3). ولما انتهت الحرب يقول سفر المكابيين " جمع يهوذا (المكابى) كل ما بعثر من الأسفار في الحرب التي حدثت لنا وهو عندنا " ويقول لليهود في مصر " فإذا كنتم في حاجة إلى شيء منها، أرسلوا من يأخذها إليكم " (2مك14: 2و15).

كان من المستحيل على من يحفظون كلمة الله أن يفرطوا فيها حتى ولو دفعوا حياتهم ثمناً لذلك. ولو افترضنا، جدلا، أن الملك السوري نجح في القضاء على هذه الأسفار المقدسة في فلسطين فهل كان في إمكانه أن يستأصلها من بلاد العالم الأخرى؟ مستحيل!

وكما كانت الأسفار المقدسة للعهد القديم في المجامع التي كانت منتشرة في دول عديدة كانت أيضاً مع الجماعات الدينية اليهودية، ومن أهم هذه الجماعات بالنسبة لدراستنا هذه جماعة الأسينيين الذين عاشوا في منطقة قمران في الطرف الشمالي الغربي للبحر الميت في القرن الثاني ق م وحتى سنة 68م، والتي اكتشفت مخطوطاتها في هذه المنطقة ابتدأ من سنة 1947م والتي وجدت بها مخطوطات عديدة لكل أسفار العهد القديم.

وكانت نسخ من جميع أسفار العهد القديم موجودة مع يشوع بن سيراخ الذي كتب سفره سنة 180 ق م. وقد لخص أهم أحداثها في الإصحاحات 44 إلى 49 من سفره ويقول حفيده في مقدمة السفر الذي ترجمه إلى اليونانية سنة 130 ق م. " جدي يشوع كرس نفسه مدة طويلة لقراءة الناموس والأنبياء والكتب الأخرى التي لآبائنا وتألف معها بدرجة عظيمة حتى كتب هو نفسه " سفره.

ويؤكد حفيد ابن سيراخ على انتشار هذه الأسفار المقدسة التي للعهد القديم في أيامه فيقول " لقد وصلتنا أشياء كثيرة عظيمة عن طريق الناموس والأنبياء والآخرين الذين اتبعوا خطواتهم ".

ويذكر سفر المكابيين الثاني الذي كُتب سنة 70 ق م أسفار العهد القديم وانتشارها بغزارة في أيامه ويدعوها " بالكتب المقدسة "، " والشريعة والأنبياء " (2مك19: 15).

 

(6) التحذير الإلهي من الحذف أو الإضافة في كلام الله:

وكان الله قد أوصى وحذر من حذف أو زيادة كلمة أو حرف على كلامه وقد ضمن الله ذاته سلامة الأسفار من التحريف والتبديل والحذف والإضافة:

+ " لا تزيدوا على الكلام الذي أنا أوصيكم به ولا تنقصوا منه " (تث2: 4).

+ " كل الكلام الذي أوصيكم به احرصوا لتعلموه. لا تزد عليه ولا تنقص منه " (تث32: 12).

+ " إلى الأبد يا رب كلمتك مثبتة في السموات " (مز89: 119).

+ " لا تزد على كلماته لئلا يوبخك فتكذب " (أم5: 30).

+ " أما كلمة إلهنا فتثبت إلى الأبد " (إش8: 40).

+ " لأني أنا ساهر على كلمتي لأجريها " (ار12: 1).

وقد عامل المؤمنون هذه الأسفار بكل تقديس وإجلال ودافعوا عنها حتى الموت. يقول المؤرخ اليهودي يوسيفوس " يوجد برهان عملي على كيفية معاملتنا (تقديرنا) لهذه الأسفار، فبرغم المدة الطويلة التي انقضت حتى الآن (1500 سنة) لم يجرؤ أحد أن يضيف إليها أو أن يحذف شيئاً منها أو يغير أي شيء منها. بل إنه من الطبيعي لكل اليهود من يوم الميلاد مباشرة يعتبرون هذه الأسفار هي تعاليم الله ويثابرون فيها وإذا دعت الضرورة يموتون لأجلها سعداء "(3).

 

(7) شهادة المسيح ورسله لأسفار العهد القديم:

وفي أيام الرب يسوع المسيح كانت أسفار العهد القديم منتشرة في المجامع، المنتشرة في الكثير من بلاد العالم، ومع الكهنة والكتبة والفريسيين وكانت هناك نسخة الهيكل الخاصة التي عرفها الرب يسوع المسيح وتلاميذه والتي كان الكهنة والكتبة والفرق الدينية في عصره ينقلون عنها نسخهم، وقد حصل عليها المؤرخ والكاهن اليهودي يوسيفوس (36-100م)، بعد أن دُمر الهيكل سنة 70م، واستخدمها في كتابة مجموعته "عاديات أو العصور القديمة لليهود - The antiquity of the Jews " التي لا تزال موجودة بأيدينا. ويقول يوسيفوس نفسه إنه بسماح من تيطس الروماني حصل على النسخة المعتمدة للأسفار المقدسة التي كانت في الهيكل " وحصلت على الكتب المقدسة أيضاً "(4).

وقد أشار الرب يسوع المسيح ورسله إلى صحة كل كلمة وكل حرف وكل حدث مذكور في أسفار العهد القديم واقتبسوا منها بشكل مباشر حوالي 250 مرة، واستشهدوا بما جاء فيها حوالي 2500 مرة، وشهدوا لكل سفر وكل فصل فيها، فقد أشاروا إلى موسى ككاتب التوراة حوالي خمسين مرة (مر19: 12) وإلى يشوع وأعماله (أع 35: 7، عب 8: 4) وصموئيل النبي (أع24: 3،13-20) وإلى داود كاتب المزامير " داود نفسه يقول في كتاب المزامير " (لو41: 20) وإلى سليمان (متى 42: 12) وإلى أيوب وصبره (يع 11: 5) وإلى إشعياء ككاتب لسفره " لكي يتم ما قيل بإشعياء النبي " (مت3: 3)، وكذلك ارميا " حينئذ تم ما قيل بارميا النبي القائل " (مت18: 2) وإلى دانيال ككاتب لسفره "رجسة الخراب التي قال عنها دانيال النبي" (مت5: 24) وإلى هوشع " كما يقول هوشع أيضاً " (رو9: 5) وإلى يونان وحوته (مت12).

وقد اقتبس الرب يسوع المسيح نفسه منها حوالي 31 مرة مؤكداً أنها أسفار مقدسة وكلمة الله التي نطق بها على أفواه الأنبياء وإنها كتبت بوحي الروح القدس كقوله " لأن داود نفسه يقول بالروح القدس " (مر36: 12)، وإنه لن يزول منها حرف واحد أو نقطة واحدة وإنه لابد أن يتم جميع ما هو مكتوب فيها كما دعاها بالكتب المقدسة ؛ " الحق أقول لكم إلى أن تزول السماء والأرض لا يزول حرف واحد أو نقطة واحدة من الناموس حتى يكون الكل " (مت18: 5). وأكد حتمية إتمام كل ما هو مكتوب فيها (مت54: 26).

كما أشار إلى أهم الأحداث التاريخية المذكورة فيها مثل خلقة الله للكون (مر19: 13)، وخلقة الله لآدم وحواء (مت3: 19-5؛مر6: 10-8)، وإلى الشيطان كمصدر للشر (يو44: 8)، ودمار العالم بالطوفان الذي حدث أيام نوح (مت38: 24و39؛لو26: 17و27)، وقصة لوط ودمار سدوم وعمورة (مت15: 10؛لو28: 17و29)، وظهور الله لموسى في العليقة (مر26: 12)، ونزول المن والسلوى في البرية (يو32: 6)، وأكل داود من خبز التقدمة في خيمة الاجتماع (لو3: 6)، وبقاء يونان في بطن الحوت ثلاثة أيام وثلاث ليال (مت40: 12).

كما أشار لكتابة موسى للتوراة وداود للمزامير وفسر وشرح كل ما جاء في أسفار الأنبياء عنه لتلاميذه قبل الصعود " ثم ابتدأ من موسى ومن جميع الأنبياء يفسر لهما الأمور المختصة به في جميع الكتب ... وقال لهم هذا هو الكلام الذي كلمتكم به وأنا بعد معكم انه لا بد أن يتم جميع ما هو مكتوب عني في ناموس موسى والأنبياء والمزامير. حينئذ فتح ذهنهم ليفهموا الكتب " (لو27: 24و44و45).

كما أكد ذلك تلاميذه ورسله وأشاروا إلى هذه الأسفار باعتبارها " ما تكلم به الأنبياء وموسى إنه عتيد أن يكون " (أع22: 26) و " الناموس والأنبياء " (2تي14: 3).

وهكذا يتبين لنا أن جميع أسفار العهد القديم نقلت بمنتهى الدقة عبر الأجيال وقد حفظها الله سالمة عبر العصور دون زيادة أو نقصان حتى وصلت للمسيح وتلاميذه فكان خير شاهد لها.

 

(8) تأكيد القرآن لصحة التوراة التي كانت وقت المسيح والتي كانت موجودة في القرن السابع الميلادي:

وعلى عكس ما يتصور ويتوقع النقاد فقد أكد القرآن أن التوراة الحقيقة والصحيحة والخالية من أي تحريف كانت بين يدي المسيح وأنه جاء مصدقاً بها. ويستخدم القرآن لتأكيد ذلك عبارة " وَمُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ " و عبارة " مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ ":

فقد قيل عن المسيح " وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ. وَرَسُولاً إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ اللّهِ وَأُبْرِئُ الأكْمَهَ والأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللّهِ وَأُنَبِّئُكُم بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ. وَمُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَلِأُحِلَّ لَكُم بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَجِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ فَاتَّقُواْ اللّهَ وَأَطِيعُونِ " (آل عمران 47-49).

وأيضا " وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِم بِعَيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الإِنجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ. وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الإِنجِيلِ بِمَا أَنزَلَ اللّهُ ِيهِ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ " (المائدة 46و47).

" وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ 00 " (الصف6).

وبالطبع لا يمكن أن تكون التوراة التي كانت بين يدي المسيح والذي جاء مصدقا بها ليست هي التوراة الأصلية أو أنها مزورة أو محرفة.

كما قال عنها القرآن أيضا " فيها هدى ونور ":

" نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنزَلَ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ مِن قَبْلُ هُدًى لِّلنَّاسِ " (آل عمران 2و3).

. " إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُواْ لِلَّذِينَ هَادُواْ وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُواْ مِن كِتَابِ اللّهِ وَكَانُواْ عَلَيْهِ شُهَدَاء " (المائدة 43).

فهل ينبع الهدى من كتاب مُحرف؟ وهل ينبع الهدى من الضلال؟

ثم يقول القرآن لمعاصريه " وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِندَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللّهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِن بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُوْلَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ " (المائدة 42).

والسؤال الآن هو: إذا كانت التوراة قد فقدت في أي عصر من العصور وأُعيد صياغتها وكتابتها أو تحريفها قبل مجيء المسيح، فهل كان المسيح يشهد لها ويستشهد بها ويقتبس منها ويؤكد حقيقة وصحة كل كلمة وكل حرف فيها؟ وهو القائل " السماء والأرض تزولان ولكن كلامي لا يزول " (مت35: 24) و " إلى أن تزول السماء والأرض لا يزول حرف واحد أو نقطة واحدة من الناموس حتى يكون الكل " (مت18: 5)؟ وهل كان القرآن يقول أن المسيح جاء " مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ

وإذا كان التوراة والإنجيل قد حُرفا أو تغيرا أو تبدلا بعد المسيح، فهل كان القرآن يقول أنه جاء مهيمناً على التوراة والإنجيل ومهيمناً عليهما " وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِم بِعَيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الإِنجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ. وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الإِنجِيلِ بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فِيهِ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ. وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ " (المائدة 47)؟

بل ويقول أيضا و " وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ " (النحل 42)، وأهل الذكر هنا هم أصحاب التوراة والإنجيل.

وإذا كانت التوراة الموجودة في القرن السابع الميلادي ليست هي التوراة الأصلية أو أنها كتاب مُحرف، فهل كان يخاطب القرآن معاصريه ويقول لهم عن اليهود " وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِندَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللّهِ "؟ كيف يقول " وعندهم " ويطلب سؤال أهل التوراة والإنجيل إذا كانت كتبهم غير صحيحة؟

وهل كان من الممكن أن يسمح الله لأسفاره المقدسة أن تفقد أو تتغيير أو تتبدل أو تُحرف؟ والإجابة كلا، بل ومستحيل يقول الكتاب المقدس " أنا ساهر على كلمتي لأجريها "، ويقول القرآن " إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ " (الحجر 8).

 

---

الفصل الثالث

كيف وصل إلينا العهد الجديد سالماً وبدون تحريف؟

 

بعد صعود الرب إلى السماء وحلول الروح القدس على التلاميذ خرجوا للبشارة في العالم أجمع وكانوا مزودين في كرازتهم بأربعة عناصر إلهية هي:

(1) السلطان الرسولي الذي منحه الرب يسوع المسيح لهم. وكان الرب قد أختار من تلاميذه " اثني عشر الذين سماهم أيضا رسلا " (لو13: 6)، " ثم دعا تلاميذه الاثني عشر وأعطاهم سلطانا على أرواح نجسة حتى يخرجوها ويشفوا كل مرض وكل ضعف " (مت1: 10)، " وبعد ذلك عيّن الرب سبعين آخرين أيضا وأرسلهم اثنين اثنين أمام وجهه إلى كل مدينة وموضع حيث كان هو مزمعا أن يأتي " (لو1: 10). وقبل صعوده قال لهم:

+ " اذهبوا إلى العالم اجمع واكرزوا بالإنجيل للخليقة كلها. من آمن واعتمد خلص. ومن لم يؤمن يدن. وهذه الآيات تتبع المؤمنين. يخرجون الشياطين باسمي ويتكلمون بألسنة جديدة. يحملون حيّات وان شربوا شيئا مميتا لا يضرهم ويضعون أيديهم على المرضى فيبرأون " (مر15: 18-18).

+ " فاذهبوا وتلمذوا جميع الأمم وعمدوهم باسم الآب والابن والروح القدس. وعلموهم أن يحفظوا جميع ما أوصيتكم به. وها أنا معكم كل الأيام إلى انقضاء الدهر " (مت19: 28و20).

+ " لكنكم ستنالون قوة متى حل الروح القدس عليكم وتكونون لي شهودا في أورشليم وفي كل اليهودية والسامرة والى أقصى الأرض " (أع8: 1).

 

(2) أسفار العهد القديم، والذي شرح لهم، الرب، كل ما جاء بها من نبوات عنه " ثم ابتدأ من موسى ومن جميع الأنبياء يفسر لهما الأمور المختصة به في جميع الكتب ... وقال لهم هذا هو الكلام الذي كلمتكم به وأنا بعد معكم انه لا بد أن يتم جميع ما هو مكتوب عني في ناموس موسى والأنبياء والمزامير. حينئذ فتح ذهنهم ليفهموا الكتب " (لو27: 24و44و45). والتي فهمها تلاميذه في ضوء رسالته وكانت منطلق الرسل في شهادتهم للمسيح " وأما الله فما سبق وأنبأ به بأفواه أنبيائه أن يتألم فقد تممه هكذا " (أع 18: 3).

(3) أعمال الرب يسوع المسيح وتعاليمه، البشارة المفرحة، والتي كان جوهرها هو تقديم ذاته فدية على الصليب. وقد عاشت الكنيسة بكلمته " متذكرين كلمات الرب يسوع " (أع35: 20)، " هكذا أمر الرب " (1كو14: 9)، " لأنني تسلمت من الرب ما سلمتكم أيضاً " (1كو23: 11).

(4) الروح القدس روح الله وروح ابنه " أرسل روح ابنه " (غل6: 4)، " روح المسيح " (1بط11: 1)، الذي وعد الرب يسوع المسيح تلاميذه أن يرسله ليحل عليهم ويكون فيهم ويمكث معهم إلى الأبد ويكون لهم القائد والموجه والمذكر والمعلم والمرشد يتكلم فيهم وبهم والذي أوحى لهم بكتابة أسفار العهد الجديد.

 

1- من التسليم الرسولى الشفوي إلى الإنجيل:

وفي بدء الكرازة بالإنجيل، بعد حلول الروح القدس عليهم، بشر الرسل بالأخبار السارة، الإنجيل، شفاهة كل سبت في مجامع اليهود وكل أحد في اجتماعات العبادة المسيحية وكانوا يعلمون الذين انضموا إلى المسيحية ويحفظونهم كل ما أوصى به الرب القائم من الأموات. واستمرت الكرازة الشفوية حوالي عشرين سنة قبل أن يدون الإنجيل المكتوب.

 

وكانت أعداد كبيرة من المسيحيين الأولين، في فلسطين، قد شاهدوا الرب يسوع وشاهدوا أعماله وسمعوا تعاليمه وحفظوها عن ظهر قلب، وكانوا يحفظون ما سمعوه من الرسل، تلاميذ المسيح، بآذانهم وما شاهدوه بأعينهم وما سلمه لهم الرسل، وصاروا لهم تلاميذاً.

وكانوا كيهود سابقين مدربين على حفظ كلمة الله وحفظ تقليد آبائهم ومتعودين على ذلك جيداً. وقد برهنت الدراسات التي قام بها أحد العلماء ويدعى جيرهارديسون B. Gerhardsson(1) (1961م) على أن معلمي اليهودية، الربيين " كانوا يعلمون تلاميذهم ويحفظونهم تقاليد اليهودية في قوالب وأشكال معينة ومفردات تحفظ عن ظهر قلب، وأنه كانت لديهم وسائل وطرق متعددة للمساعدة على الحفظ وتقوية الذاكرة. هذه الوسائل التعليمية التي اتبعوها جعلتهم يحفظون التقليد لمئات السنين شفوياً قبل أن يوضع في شكل مكتوب. ولأن تلاميذ المسيح ورسله كانوا من اليهود وكان معظم معلمي المسيحية الأولين من اليهود وكان بعضهم تلاميذاً ليوحنا المعمدان وكان بعضهم من الربيين أيضا، ولذا فمن الطبيعي أن يستخدموا نفس الوسائل السائدة بينهم في التعليم المسيحي ونقل التسليم الرسولي، الإنجيل، شفاهة.

وكان التقليد أو التسليم الرسولي المسيحي، الإنجيل، أسهل بكثير في حفظه شفوياً من التقليد اليهودي، فقد كان شخص المسيح الحي الصاعد إلى السماء، أعماله وأقواله وحياته أثناء التجسد، هو هدف ومحور وجوهر وغاية الإنجيل، وكان الروح القدس يعمل في الرسل شهود العيان الأحياء، فكان التعليم المسيحي تعليماً حياً يقوم على شخص حي ورسل أحياء ومؤمنين شهود عيان للرب الحي والإنجيل الحي، وذلك بعكس التعليم اليهودي الذي اعتمد على تحفيظ آيات التوراة وتقليد الآباء.

ولأن الرب يسوع المسيح كان يعلم الجموع بسلطان وليس كالكتبة والفريسيين (مت29: 7؛مر22: 1؛لو32: 4و36) ولأنه كلمة الله النازل من السماء وكلامه هو كلام الله وأعماله هي أعمال الله، وقد آمن المسيحيون بذلك منذ البدء، فقد كان كلامه، هو كلام الله المقدس وقيمته لا حد لها وكان المؤمنون يقبلون كل كلمة بلهفة تفوق الوصف ويحفظونها عن ظهر قلب ويحافظون عليها حتى الموت، وكان الروح القدس يعمل داخلهم ويحفظ كلمة الله في قلوبهم.

وقد برهنت الدراسات أيضاً على أنه كان هناك بعض المذكرات الصغيرة والملحوظات المكتوبة التي استخدمت في حفظ أقوال الرب وأعماله كالموعظة على الجبل والنبوات التي تنبأ بها أنبياء العهد القديم وفسرها هو بنفسه لتلاميذه، وبعض أعماله ومعجزاته، ويشير القديس لوقا لمثل هذه الوثائق بقوله " لأن كثيراً من الناس أخذوا يدونون رواية الأحداث التي جرت بيننا كما سلمها الذين كانوا من البدء شهود عيان للكلمة " (لو1: 1). هذه الملحوظات المكتوبة قد يرجع بعضها إلى ما قبل الصلب والقيامة.

وقد ساعدت أساليب الحفظ والوثائق (الملحوظات والمذكرات) المكتوبة على حفظ الإنجيل الشفوي ووصوله إلى درجة كبيرة من الثبات قبل تدوين الإنجيل المكتوب بفترة طويلة. فقد كان التسليم الشفوي المحفوظ بعمل الروح القدس دقيقاً جداً والاعتناء بحفظه يفوق الوصف وكان للمذكرات المكتوبة قيمة عظمى سواء قبل تدوين الإنجيل أو عند التدوين.

 

2 - الحاجة إلى الإنجيل المكتوب:

كان المؤمنون الأولون في أورشليم يحفظون التسليم الرسولى بدقة شديدة، وكان الكثير منهم شهود عيان لما عمله وعلمه الرب يسوع المسيح، وكان الرسل شهود العيان الموحى إليهم موجودين في وسطهم يرجعون إليهم وقت الحاجة باعتبارهم المرجع الأول ووسطاء الروح القدس الذي كان يعمل فيهم وبهم ومن خلالهم. وعندما خرجت الكنيسة من فلسطين إلى عواصم الدول الكبرى مثل إنطاكية والإسكندرية وأثينا ومدن اليونان ومدن آسيا الصغرى الرئيسية وروما وقبرص، كان الرسل أنفسهم على رأس هذه الكنائس وقد عينوا لهم مساعدين من تلاميذهم وخلفائهم والذين دعوا بعد ذلك بالآباء الرسوليين، على رأس هذه الكنائس في حالة انتقالهم إلى أماكن أخرى، ومن هؤلاء المساعدين الذين ذكروا في سفر الأعمال ورسائل القديس بولس والقديس بطرس، لوقا الطبيب وتيمؤثاوس وتيطس واكليمندس وفليمون وأنسيموس وسلوانس ونمفاس وتيخيكس وأرسترخس(2).

هؤلاء استلموا الإنجيل من الرسل شفاهة وحفظوه بكل دقة وقداسة وسلموه لآخرين مشهود لهم بالكفاءة والإيمان وهؤلاء سلموه لغيرهم وهكذا. يقول القديس بولس بالروح:

+ " أمدحكم أيها الاخوة على إنكم تذكرونني في كل شيء وتحفظون التعاليم كما سلمتها إليكم " (1كو2: 11).

+ " لأنني تسلمت من الرب ما سلمتكم أيضا " (1كو23: 11).

+ " فإنني سلمت إليكم في الأول ما قبلته أنا أيضا " (1كو3: 15).

+ " وما تعلمتموه وتسلمتموه وسمعتموه ورأيتموه في فهذا افعلوا " (فى9: 4).

+ " لأنكم إذ تسلمتم منا كلمة خبر من الله قبلتموها لا ككلمة أناس بل كما هي بالحقيقة ككلمة الله التي تعمل أيضا فيكم انتم المؤمنين " (1تس13: 2).

هذا التعليم أو التسليم كان يسلم من الرسل إلى تلاميذهم وتلاميذهم يسلمونه لآخرين وهكذا " وما سمعته مني بشهود كثيرين أودعه أناسا أمناء يكونون أكفاء أن يعلموا آخرين أيضا " (2تى2: 2).

فقد كان الذين قبلوا الأسفار في البداية هم نفس الذين تسلموا ما جاء فيها من قبل شفوياً وكانوا يحفظون كل ما كتب فيها ككلمة الله ووحيه الإلهي بل واكثر مما كتب فيها، حيث كرز رسل المسيح ونادوا لهم بالإنجيل وحفظوه لهم بأسلوب التعليم والتسليم الشفوي فلما دونت الأناجيل كان هؤلاء يحفظون كل ما دون فيها بل وأكثر مما دون فيها.

ولكن مع امتداد ملكوت الله وانتشار المسيحية في دول عديدة ومدن كثيرة وقرى لا حصر لها سواء بواسطة الرسل أو بواسطة تلاميذهم صار من المستحيل على الرسل أن يكونوا متواجدين في كل هذه الأماكن في وقت واحد، حتى جاء الوقت الذي آمن فيه الآلاف بالمسيحية ولم يروا الرسل في عصر الرسل، بل وأصبح من دواعي سرور البعض وفخرهم أنهم شاهدوا الرسل واستمعوا إليهم وصار من دواعي فخر البعض الآخر أنهم تعلموا بواسطة تلاميذ الرسل بل ومن تلاميذ خلفاء الرسل. ولذا فقد صارت الحاجة إلى جمع الإنجيل وتدوينه ونشره في جميع الكنائس تزداد كل يوم بالتدريج حتى صارت ملحة جداً.

كما كانت اجتماعات العبادة الأسبوعية والليتورجية والتي وجدت حيثما وجد المسيحيون في حاجة للإنجيل المكتوب للاستخدامات الليتورجية والقراءة والتعليم والشرح والتفسير.

وكان هناك العامل الأهم والذي كان من أهم الدوافع لتدوين الإنجيل وهو رحيل الرسل شهود العيان من هذا العالم إلى العالم الآخر فقد استشهدت الغالبية العظمى منهم، بل وكان من الطبيعي أن لا يبقى الرسل أحياء في هذا العالم إلى الأبد. ومن ثم فقد كانت عملية تدوين الإنجيل حتمية.

وكما أوحي للأنبياء في القديم بكتابة العهد القديم " كل الكتاب هو موحى به من الله " (2تى16: 3)، أوحى الله للتلاميذ والرسل بكتابة جميع أسفار العهد الجديد. فقد دون القديس متى والقديس مرقس الإنجيل الأول والثاني فيما بين سنة 50 وسنة 65م ودون القديس لوقا الإنجيل الثالث فيما بين 60 و 62م وسفر أعمال الرسل قبل سنة 67م، وكتب القديس بولس رسائله الأربع عشرة فيما بين 50 و 67م وكتب يعقوب الرسول رسالته فيما بين 49و62م حيث يرى البعض أنها كتبت قبل مجمع أورشليم سنة 50م ويرى البعض الآخر أنها كتبت في أواخر حياته فيما بين 60 و 62م وكتب القديس بطرس رسالتيه قبل استشهاده سنة 67م وكتب القديس يهوذا رسالته بعد رسالة بطرس الثانية وقبل سنة 70م وكتب القديس يوحنا رسائله الثلاث ودون الإنجيل الرابع وسفر الرؤيا فيما بين سنة 80-96م حيث ترك العالم سنة 100م.

وقد قبلت الكنيسة هذه الأسفار فور تدوينها واستخدمها الرسل في كرازتهم كالإنجيل المكتوب، وكانت تقرأ في الكنائس واجتماعات العبادة، في الكنائس التي كتبت فيها ولها أولاً، مع أسفار العهد القديم بالتساوي، خاصة في أيام الأحد، يقول القديس يوستينوس الشهيد في بداية القرن الثاني " وفى يوم الأحد يجتمع كل الذين يعيشون في المدن أو في الريف معاً في مكان واحد وتقرأ مذكرات الرسل (الأناجيل) أو كتابات الأنبياء بحسب ما يسمح الوقت "(3).

ويقول القديس بولس بالروح لأهل تسالونيكى " أناشدكم بالرب أن تقرا هذه الرسالة على جميع الاخوة القديسين " (1تس27: 5). ويؤكد سفر الرؤيا على ترتيب الكنيسة وطقسها في قراءة الأسفار المقدسة في الاجتماعات والقداسات، فيقول " طوبى للذي يقرا وللذين يسمعون أقوال النبوة ويحفظون ما هو مكتوب فيها لان الوقت قريب " (رؤ3: 1) وتتكرر في السفر عبارة " من له أذن فليسمع ما يقوله الروح للكنائس " سبع مرات (رؤ7: 2،11،17،29؛6: 3،13،22).، و" من له أذن فليسمع " (رؤ9: 13)، كما يؤكد على حقيقة قراءة السفر عموماً ككتاب مقدس لا يجوز تحريفه أو زيادة حرف عليه أو نقص حرف منه عندما يختم السفر بقوله " لأني اشهد لكل من يسمع أقوال نبوة هذا الكتاب أن كان أحد يزيد على هذا يزيد الله عليه الضربات المكتوبة في هذا الكتاب " (رؤ18: 22).

وكانت تنسخ نسخاً من هذه الأسفار وترسل للكنائس القريبة والمجاورة، وكانت كل كنيسة تحتفظ بالسفر الذي كتب لها أصلاً، سواء كان هذا السفر إنجيل من الأناجيل الأربعة أو رسالة من رسائل الرسل أو سفر الأعمال أو سفر الرؤيا، وتحتفظ بنسخ من الأسفار التي كتبت أو أرسلت للكنائس الأخرى. يقول القديس بولس في رسالته إلى كولوسي " ومتى قرئت عندكم هذه الرسالة فاجعلوها تقرا أيضا في كنيسة اللاودكيين والتي من لاودكية تقراونها انتم أيضا " (كو16: 4).

وقد انتشرت هذه الأسفار المقدسة بسرعة نسبية نتيجة لانتشار المسيحية في بلاد كثيرة، خاصة بلاد حوض البحر المتوسط في أفريقيا وآسيا وأوربا مثل فلسطين وسوريا وما بين النهرين ومصر وآسيا الصغرى واليونان وروما وقبرص وأطراف الجزيرة العربية وفارس والهند وغيرها من البلاد، فقد كُتب الإنجيل للقديس متى في فلسطين وانتشر منها إلى دول كثيرة، وعندما ذهب القديس توما إلى الهند كان يحمل معه نسخة منه وعندما بشر القديس برنابا في قبرص حمل معه نسخة منه أيضاً، وعندما مات ودفن هناك وضعت معه نسخة من هذا الإنجيل. وكتب الإنجيل للقديس مرقس في روما ولما سافر إلى مصر حمل معه نسخة منه إليها وأنتشر منهما إلى بلاد كثيرة، وأرسل القديس لوقا الإنجيل الثالث وسفر أعمال الرسل إلى العزيز ثاوفيلس وانتشرا من إنطاكية واليونان إلى بقية البلاد، ولأن القديس لوقا كان رفيقاً للقديس بولس لذا فمن الطبيعي أنهما حملا هذا الإنجيل معهما في البلاد التي بشرا وكرزا فيها، ومن الطبيعي أنهما تركا منه نسخاً في هذه البلاد. وكتب الإنجيل للقديس يوحنا في أفسس بآسيا الصغرى وكانت معه الأناجيل الثلاثة الأولى وأشار لما جاء في بعض أحداثها وأضاف معلومات توضح بعض ما جاء فيها ثم دون بالروح القدس بعض أعمال وأقوال للسيد المسيح لم تذكر فيها وتمثل 90% من هذا الإنجيل.

كما أشار القديس بطرس لوحي وانتشار كل رسائل القديس بولس فقال " واحسبوا أناة ربنا خلاصا كما كتب إليكم أخونا الحبيب بولس أيضا بحسب الحكمة المعطاة له كما في الرسائل كلها أيضا متكلما فيها عن هذه الأمور التي فيها أشياء عسرة الفهم يحرفها غير العلماء وغير الثابتين كباقي الكتب أيضا لهلاك أنفسهم " (2بط15: 3،16). وأقتبس القديس يهوذا أخو يعقوب في رسالته من رسالة القديس بطرس الثانية (2بط2: 3-3) بقوله " وأما انتم أيها الأحباء فاذكروا الأقوال التي قالها سابقا رسل ربنا يسوع المسيح. فانهم قالوا لكم انه في الزمان الأخير سيكون قوم مستهزئون سالكين بحسب شهوات فجورهم " (يه18،19).

 

3 - الآباء الرسوليون وأسفار العهد الجديد:

الأباء الرسوليون هم تلاميذ الرسل وخلفائهم الذين تتلمذوا على أيديهم وخدموا معهم وكانوا معاونين لهم وصاروا خلفاء لهم واستلموا مسئولية الكرازة والخدمة من بعدهم، وحملوا الإنجيل، سواء الشفوي أو المكتوب، وكان مصدر عقيدتهم ومصدر تعليمهم، ومن ثم فقد استشهدوا بآياته ونصوصه في كرازتهم وعظاتهم وتعليمهم، وكتاباتهم التي بقى لنا منها عدد كاف ليكشف لنا عما تسلموه من الرسل وما تعلموه وعلموه من عقائد. وكان على رأس هذه الشخصيات التي تركت لنا أعمالاً مكتوبة ظلت ومازالت تشهد للأجيال لصحة كل نقطة وكل حرف وكل كلمة وكل آية وكل فقرة وكل إصحاح وكل سفر في العهد الجديد والكتاب المقدس كله.

 

(1) القديس اكليمندس الروماني (30 - 100م):

الذي كان أسقفا لروما(4)، كما كان أحد تلاميذ ومساعدي القديس بولس الرسول والذي قال عنه انه جاهد معه في نشر الإنجيل (في3: 4)، والذي تعرف على الكثيرين من الرسل وتعلم منهم، يقول عنه القديس إريناؤس أسقف ليون (120 -202م) أنه رأى الرسل الطوباويين وتحدث معهم وكانت كرازتهم لا تزال تدوي في أذنيه وتقاليدهم ماثلة أمامه عينيه(5).

هذا القديس أشار في رسالته التي أرسلها إلى كورنثوس، والتي كتبها حوالي سنة 96م، إلى تسليم السيد المسيح الإنجيل للرسل ومنحه السلطان الرسولى لهم فقال " تسلم الرسل الإنجيل لنا من الرب يسوع المسيح، ويسوع المسيح أًرسل من الله. المسيح، إذا، من الله والرسل من المسيح وكلاهما ينبعان من إرادة الله بترتيب منظم. وقد حمل الرسل بشارة اقتراب الملكوت السماوي بعد أن استمدوا معرفتهم من قيامة السيد المسيح وتأكدوا من كلام الرب بالروح القدس

ثم يؤكد لنا بصورة مطلقة إيمان الكنيسة بوحي كل أسفار العهد الجديد فيقول عن رسالة القديس بولس الرسول التي أُرسلت إليهم من قبل " انظروا إلى رسالة بولس الطوباوى. ماذا كتب لكم في بداية الكرازة بالإنجيل؟ في الواقع فقد كتب لكم بوحي من الروح القدس رسالة تتعلق به وبكيفا (أي بطرس) وأبولوس ".

 

(2) القديس أغناطيوس الإنطاكى (30 - 107م):

الذي كان أسقفاً لإنطاكية وتلميذاً لبطرس الرسول وقال عنه المؤرخ الكنسي يوسابيوس القيصري (340م) " أغناطيوس الذي اختير أسقفاً لإنطاكية خلفاً لبطرس والذي لا تزال شهرته ذائعة بين الكثيرين "(6). وقد كتب هذا الرجل سبعة رسائل أكد فيها على المساواة بين ما كتبه الرسل وبين أسفار العهد القديم باعتبارهما، كليهما، كلمة الله الموحى بها وأسفار مقدسة وأستشهد فيها بمعظم ما جاء في العهد الجديد. كما أشار لوحي كل رسائل القديس بولس الرسول وإيمان الكنيسة في عصره أنها كلمة الله فقال " وقد اشتركتم في الأسرار مع القديس بولس الطاهر الشهيد المستحق كل بركة ... الذي يذكركم في كل رسائله بالمسيح يسوع " (أفسس12).

 

(3) القديس بوليكاربوس (65 - 155م):

أسقف سميرنا بآسيا الصغرى والذي قال عنه كل من القديس إريناؤس والمؤرخ الكنسي يوسابيوس القيصري أنه كان تلميذاً للقديس يوحنا وبعض الرسل الذين أقاموه أسقفاً على سميرنا بآسيا الصغرى والذي استلم منهم التقليد الرسولي، يقول عنه القديس إريناؤس " إنه لا يزال ثابتاً في مخيلتي نوع الاحتشام والرصانة الذي كان يتصف به القديس بوليكاربوس مع احترام هيئته ووقار طلعته وقداسة سيرته، وتلك الإرشادات الإلهية التي كان يعلم بها رعيته وبابلغ من ذلك كأني أسمع ألفاظه التي كان ينطق بها عن الأحاديث التي تمت بينه وبين القديس يوحنا الإنجيلي وغيره من القديسين الذين شاهدوا يسوع المسيح على الأرض وترددوا معه وعن الحقائق التي تعلمها وتسلمها منهم "(7).

وقد كتب رسالة قصيرة سنة 110م أستشهد فيها 122مرة من الكتاب المقدس كله منها 100 من 17 سفراً من العهد الجديد و 12 سفراً من العهد القديم.

ومثل الآباء في عصره وفى فجر الكنيسة الباكر فقد أكد على وحي رسائل القديس بولس ككلمة الله الموحى بها فقال " فلا أنا ولا أي إنسان آخر قادر على أن يصل إلى حكمة المبارك والممجد بولس الذي كان قائماً يعلم بين الذين عاشوا في تلك الأيام، وعلم الحق بدقة وثبات، وبعد رحيله ترك لكم رسائل إذا درستموها صرتم قادرين على أن تبنوا إيمانكم الذي تسلمتموه "(8).

 

(4) الدياديكية (أو تعليم الرسل الأثنى عشر - 100م):

كُتب هذا الكتاب في نهاية القرن الأول وأقتبس كثيراً من الإنجيل للقديس متى وأشار إلى الإنجيل ككل، سواء الإنجيل الشفوي أو المكتوب بقوله " كما هي عندكم في الإنجيل " (3: 15،4) و " كما أمر الرب في إنجيله " (2: 8) و " حسب ما جاء في الإنجيل " (3: 11) و " كما يقول الإنجيل " (3: 15)، و يقتبس كثيراً من الإنجيل للقديس متى.

 

(5) رسالة برنابا (حوالي سنة 100م):

يجمع العلماء على أن هذه الرسالة قد كتبت في نهاية القرن الأول وأن كاتبها مستقيم الرأي (أرثوذكسي) واقتبست من الإنجيل للقديس متى (16: 20) باعتباره كتاب مقدس وموحى به من الله بقوله " كما هو مكتوب " (4: 14). كما أقتبست من رسالتي بولس الرسول إلى تيموثاؤس 1و2.

 

(6) الرسالة الثانية المنسوبة لاكليمندس الروماني (بداية ق 2):

والتي يجمع العلماء على أنها ترجع لبداية القرن الثاني، وترجع قيمتها بالنسبة لنا في هذا المجال، لكونها كانت تعبر عن فكر إحدى الجماعات المسيحية في بداية القرن الثاني وشهادتها لوحي أسفار العهد الجديد وقانونيتها، فهي تقتبس من الأناجيل الأربعة كثيراً وتسبق هذه الاقتباسات عبارات " لأن الرب يقول في الإنجيل "(9) و " يقول كتاب مقدس آخر "(10). ويؤكد استخدام الكاتب للفعل المضارع " يقول " أنه يشير إلى الأناجيل المكتوبة وإيمانه بأنها كلمة الله وكتابه المقدس.

 

3– آباء الكنيسة في القرن الثاني:

شهد القرن الثاني للميلاد انتشارا واسعاً للمسيحية في كل البلاد المحيطة بالبحر المتوسط، في آسيا وأفريقيا وأوربا، وقد عبر يوستينوس الشهيد في بداية القرن الثاني (120م) عن هذا الانتشار بقوله للإمبراطور الروماني " لا توجد سلالة واحدة من البشر سواء كانت بربر أو إغريق، سواء كانت ساكنة خيام أو بدو متجولين بينها مصلين ومقدمي شكر لا يقدمون صلواتهم باسم يسوع المصلوب "(11).

وقال العلامة ترتليان (145-220م)، من شمال أفريقيا، في دفاعه الذي أرسله إلى الإمبراطور الروماني " نحن نملأ كل مكان بينكم، المدن والقرى والأسواق والمعسكر والقبائل والجماعات والقصر ومجلس الشيوخ والساحة العامة، ولم نترك لكم شيئاً سوى معابد آلهتكم ".

هذا الانتشار، الذي بدأ في أيام الرسل وامتد بعدهم، كان وراءه

العشرات بل والمئات من خلفاء الرسل وتلاميذهم الذين استلموا منهم الإنجيل الشفوي والإنجيل المكتوب، بل وكانت هناك ضرورة لوجود نسخ من الإنجيل المكتوب في كل هذه البلاد، هذه النسخ التي بدأت في الانتشار أولاً عن طريق الرسل. وهذا أدى بطبيعة الحال لوجود مئات بل آلاف النسخ منه في كل تجمعات المسيحيين في هذه البلاد.

 

(1) بابياس أسقف هيرابوليس (60 - 130م):

الذي يقول عنه القديس إريناؤس والقديس جيروم أنه كان تلميذاً للقديس يوحنا ورفيقاً للقديس بوليكاربوس وكان أسقفاً لهيرابوليس فريجية بآسيا الصغرى وجمع التقاليد الشفوية عن أفواه الرسل ووضع كتاباً من خمس مقالات في تفسير كلام الرب. وكان يهتم بكلام الرسل الحي المنقول عنهم بنفس درجة الكلام المكتوب، ويعبر عن ذلك بقوله " وإذا جاءني أحد ممن تبع الشيوخ نظرت في كلام الشيوخ مما قاله أندراوس أو بطرس أو فيلبس أو توما أو يعقوب أو يوحنا أو متى أو أحد تلاميذ ربنا أو أرستون أو يوحنا الشيخ. فأنى ما ظننت أن ما يستقى من الكتب يفيدني بقدر ما أنقله من الصوت الحي الباقي "(12).

وهو يؤكد لنا هنا وجود الإنجيل الشفوي، من خلال تلاميذ الرسل ومن استمعوا إليهم وحفظوا ما تسلموه منهم مع الإنجيل المكتوب جنباً إلى جنب مما يؤكد استحالة التفكير في مجرد تغيير أو تعديل حرف واحد في كلمة الله المكتوبة، أو في العقيدة التي تسلمها آباء الكنيسة من الرسل.

 

(2) يوستينوس الشهيد (100 - 165م):

من نابلس بفلسطين وقد كرس حياته للدفاع عن المسيحية وكان من أول المدافعين عنها وقد بقى لنا مما كتبه دفاعان عن المسيحية كان قد وجههما إلى الإمبراطور الروماني أنطونيوس بيوس (138 - 161م) والسانتوس الروماني(13)، وحوار مع شخص يدعى تريفو اليهودي. وقد شهد فيها للأناجيل الأربعة وأشار إليها أكثر من سبع عشرة مره بعبارات مثل: " لأن الرسل سلموا لنا في المذكرات التي دونوها والتي تسمى أناجيل "(14). ثم يقول معبرا عن فكر معاصريه في وحي العهد الجديد " لأنه كما آمن إبراهيم بصوت الله وحسب له ذلك براً ونحن بنفس الطريقة آمنا بصوت الله الذي تحدث لنا بواسطة رسل المسيح وأعلن لنا بواسطة الأنبياء حتى الموت أن إيماننا تبرأ بكل ما في العالم "(15).

كما تحدث عن انتشار الأسفار المقدسة، العهد الجديد والعهد القديم، في كل مكان في العالم كان يوجد به مسيحيون، وعن قراءتها في اجتماعات العبادة في الكنائس في كل مكان " وفى اليوم الذي يدعى الأحد يجتمع معاً كل الذين يعيشون في المدن أو في الريف في مكان واحد وتقرأ مذكرات الرسل (الأناجيل) أو كتابات الأنبياء بحسب ما يسمح الوقت، وعندما يتوقف القارئ يعلم الرئيس وينصح بالعمل بهذه الأمور السارة "(16).

 

(3) تاتيان السوري (110 - 172م):

هذا الرجل كان تلميذا ليوستينوس الشهيد، ثم أنحرف عن الإيمان السليم، وقد جمع فيما بين (166 - 170م) الأناجيل الأربعة في كتاب واحد أسماه " دياتسرون " أي الرباعي وقد أنتشر هذا الكتاب بغزارة في سوريا حتى جمع منه ثيودوريت، أسقفCyrus بسوريا، سنة 420م اكثر من 200 نسخه في كنائسه وأستبدلها بالأناجيل الأربعة. ويبدأ هذا الكتاب بمقدمة الإنجيل للقديس يوحنا " في البدء كان الكلمة 00 " وينتهى أيضا بخاتمة الإنجيل للقديس يوحنا " وأشياء أخر كثيرة صنعها يسوع.. " وهو يشهد للإنجيل بأوجهه الأربعة باعتباره الإنجيل الواحد(17).

 

(4) إيريناؤس أسقف ليون (120 - 202م):

كان إيريناؤس أسقف ليون بفرنسا حاليا أحد الذين تتلمذوا على أيدي تلاميذ الرسل، خاصة القديس بوليكاربوس، وخلفائهم، وكان حلقة وصل بين الآباء الرسوليين تلاميذ الرسل ومن جاءوا بعده. وقد كتب مجموعة من الكتب بعنوان " ضد الهراطقة " دافع فيها عن المسيحية وأسفارها المقدسة وأقتبس منها حوالي 1064 اقتباسا منها 626 من الأناجيل الأربعة و325 من رسائل القديس بولس الرسول الأربع عشرة و112 من بقية أسفار العهد الجديد، منها 29 من سفر الرؤيا. وأكد على حقيقة انتشار الأناجيل الأربعة في كل مكان بقوله " لقد تعلمنا خطة خلاصنا من أولئك الذين سلموا لنا الإنجيل الذي سبق أن نادوا به للجميع عامة، ثم سلموه لنا بعد ذلك، حسب إرادة الله، في أسفار مقدسة ليكون أرضية وعامود إيماننا ... فقد كانوا يمتلكون إنجيل الله، كل بمفرده، فقد نشر متى إنجيل مكتوب بين العبرانيين بلهجتهم عندما كان بطرس وبولس يكرزان ويؤسسان الكنائس في روما. وبعد رحيلهما سلم لنا مرقس تلميذ بطرس ومترجمه، كتابة ما بشر به بطرس. ودون لوقا، رفيق بولس في سفر الإنجيل الذي بشر به (بولس)، وبعد ذلك نشر يوحنا نفسه، تلميذ الرب والذي اتكأ على صدره إنجيلا أثناء أقامته في أفسس في آسيا الصغرى "(18).

وقال عن وحدة الإنجيل " ليس من الممكن أن تكون الأناجيل أكثر أو أقل مما هي عليه الآن حيث يوجد أربعة أركان في العالم الذي نعيش فيه أو أربعة رياح جامعة حيث انتشرت الكنيسة في كل أنحاء العالم وأن "عامود الحق وقاعدة " الكنيسة هو الإنجيل روح الحياة، فمن اللائق أن يكون لها أربعة أعمدة تنفس الخلود وتحي البشر من جديد، وذلك يوضح أن الكلمة صانع الكل، الجالس على الشاروبيم والذي يحتوى كل شيء والذي ظهر للبشر أعطانا الإنجيل في أربعة أوجه ولكن مرتبطة بروح واحد ... ولأن الإنجيل بحسب يوحنا يقدم ميلاده الأصلي القدير والمجيد من الآب، يقول " في البدء كان الكلمة وكان الكلمة عند الله وكان الكلمة الله " و" كل شيء به كان وبغيره لم يكن شيء مما كان ... ولكن الذي بحسب لوقا يركز على شخصيته (المسيح) الكهنوتية فقد بدأ بزكريا الكاهن وهو يقدم البخور لله. لأن العجل المسمن (أنظر لوقا 23: 15)، الذي كان سيقدم ذبيحة بسبب الابن الأصغر الذي وُجد، كان يعُد حالاً ... ويركز متى على ميلاده الإنساني قائلاً " كتاب ميلاد يسوع المسيح ابن داود ابن إبراهيم " و " وكان ميلاد يسوع المسيح هكذا ". فهو إذا إنجيل الإنسانية، ولذا يظهر [ المسيح ] خلال كل الإنجيل كإنسان وديع ومتواضع. ويبدأ مرقس من جهة أخرى بروح النبوة الآتي على الناس من الأعالي قائلاً " بدء إنجيل يسوع المسيح، كما هو مكتوب في اشعياء النبي " مشيراً إلى المدخل المجنح للإنجيل. لذلك صارت رسالته وجيزة ومختصره لمثل هذه الشخصية النبوية "(19).

 

(5) القديس أكليمندس الإسكندري (150 - 215م):

كان القديس اكليمندس الإسكندري مديراً لمدرسة الإسكندرية اللاهوتية وتلميذاً للعلامة بنتينوس ومُعلماً لكل من العلامة أوريجانوس وهيبوليتوس وكان كما يصفه المؤرخ الكنسي يوسابيوس القيصري " متمرساً في الأسفار المقدسة "(20)، وينقل يوسابيوس عن كتابه وصف المناظر أنه أستلم التقليد بكل دقة من الذين تسلموه من الرسل، فقد كان هو نفسه خليفة تلاميذ الرسل أو كما يقول هو عن نفسه إنه " التالي لخلفاء الرسل "(21)، " ويعترف بأن أصدقاءه قد طلبوا منه بإلحاح أن يكتب من أجل - الأجيال المتعاقبة - التقاليد التي سمعها من الشيوخ الأقدمين "(22)، وذلك باعتباره أحد خلفائهم. ومن ثم فقد سجل التقليد الشفوي الذي سمعه ورآه وتعلمه وعاشه وحوله إلى تقليد مكتوب، كما شرحه ودافع عنه. وينقل عنه يوسابيوس، أيضا، قوله عن معلميه الذين استلم منهم التقليد " وقد حافظ هؤلاء الأشخاص على التقليد الحقيقي للتعليم المبارك، المسلم مباشرة من الرسل القديسين بطرس ويعقوب ويوحنا وبولس، إذ كان الابن يتسلمه عن أبيه (وقليلون هم الذين شابهوا آباءهم) حتى وصل إلينا بإرادة الله لنحافظ على هذه البذار الرسولية "(23).

وقد أقتبس من أسفار العهد الجديد 1433 مرة منها 591 من الأناجيل الأربعة و731 اقتباسا من رسائل القديس بولس الرسول و111 من بقية العهد الجديد.

 

(6) العلامة ترتليان (145 -220م):

وقال العلامة ترتليان، من قرطاجنة بشمال أفريقيا والذي قال عنه القديس جيروم أنه " يعتبر رائداً للكتبة اللاتين "، عن صحة ووحي الأناجيل الأربعة " أن كتاب العهد الإنجيلي هم الرسل الذين عينهم الرب نفسه لنشر الإنجيل إلى جانب الرجال الرسوليين الذين ظهروا مع الرسل وبعد الرسل ... يوحنا ومتى اللذان غرسا الإيمان داخلنا، ومن الرسوليين لوقا ومرقس اللذين جدداه لنا بعد ذلك "(24). كما اقتبس من كل أسفار العهد الجديد واستشهد بأكثر من 7... (سبعة آلاف) اقتباسٍ.

وقد كتب هؤلاء الآباء وغيرهم عشرات الكتب في تعليم الإيمان وشرح العقيدة وتفسير الأسفار المقدسة نفسها، ومن ثم استشهدوا في كتاباتهم بمعظم آيات الكتاب المقدس واقتبسوا منها بغزارة شملت جميع آيات العهد الجديد. وقد أحصى أحد العلماء عدد الاقتباسات التي اقتبسها آباء الكنيسة الذين كتبوا قبل مجمع نيقية سنة 325م، بحسب الكتب التي لا تزال باقية معنا، فبلغ عددها 32... (اثنان وثلاثون ألفا)، وذلك غير الذي اقتبسوه في الكتب الأخرى التي لم يصلنا منها شئ، وعندما أضاف ما اقتبسه المؤرخ الكنسي المعاصر لمجمع نيقية يوسابيوس القيصري المتوفى سنة 340م بلغ عدد الاقتباسات 38... (ثمانية وثلاثين ألف) اقتباسٍ.

 

---

(1) أنظر كتابنا " الإنجيل كيف كتب وكيف وصل إلينا؟ " ص 105.

(2) أنظررو5: 16؛1كو19: 16؛2كو1: 1؛أف21: 6؛فى1: 1؛أف21: 6؛1بط 12: 5.

(3) Abol. 47.

(4) يوسابيوس ك 3ف15.

(5) Adv. Haer.b.3: 31.

(6) يوسابيوس ك3ف2: 36.

(7) الآباء الرسوليين للقمص تادرس يعقوب ص126.

(8) مشاهير الرجال للقديس جيروم ف2: 3.

(9) 2Clem5: 8.

(10) Ibid4: 2.

(11) Dial: 117.

(12) آباء الكنيسة في القرون الثلاثة الأولى أسد رستم ص 42.

(13) يوسابيوس ك4ف18.

(14) 1Apol 97-Dial.103.

(15) Dial.19.

(16) 1Apol.67.

(17) أنظر الترجمة العربية لهذا الكتاب See also Anti Nicene F. vol. 1.

(18) Ag. Haer.3: 1.

(19) Ibid. 3: 11,8.

(20) يوسابيوس ك5ف1.

(21) يوسابيوس ك6ف13.

(22) يوسابيوس ك6ف8: 13.

(23) يوسابيوس ك5ف5: 11.

(24) Ag. Marcion 4: 2.

الفصل الرابع

الوثائق التي تثبت صحة العهد القديم

وعصمته وإستحالة تحريفه

 

وصلت أسفار العهد القديم من موسى النبي إلى الرب يسوع المسيح وتلاميذه ورسله سالمة ومحفوظة بدقة شديدة، وقد شهد المسيح لكل كلمة، بل وكل حرف فيها " فإني الحق أقول لكم إلى أن تزول السماء والأرض لا يزول حرف واحد أو نقطة واحدة من الناموس حتى يكون الكل " (مت18: 5)، كما بينا في الفصل السابق.

والسؤال الآن هو كيف وصلت إلينا هذه الأسفار منذ المسيح وحتى الآن؟ وما هي الوسائل التي وصلت بها إلينا؟ وهل وصلت إلينا هي هي كما تسلمها المسيح ورسله؟ وهل حفظها الله بالفعل في رحلتها إلينا عبر التاريخ والبلاد؟ وهل لدينا، الآن، ما يؤكد أن هذه الأسفار، الموجودة لدينا الآن، هي نفسها التي كتبها الأنبياء والرسل؟

وللإجابة على هذه الأسئلة نقول نعم ؛ فقد انتشرت الأسفار المقدسة بين اليهود في القديم وشعوب العالم المؤمن في العهد الجديد عبر القارات والدول والمدن والقرى بالطرق التالية:

 

(1) النص العبري الماسوري

والذي كان مع الكهنة، وذلك إلى جانب كتابات الكاهن والمؤرخ اليهودي يوسيفوس، المعاصر لتلاميذ المسيح (35 – 100م)، والذي حصل على نسخة العهد القديم الأصلية من الإمبراطور الروماني تيطس الذي دمّر الهيكل اليهودي سنة 70م.

وهي النسخة التي حررها ونسخها عزرا الكاهن والكاتب بالروح القدس في نهاية القرن الخامس قبل الميلاد ووضعها في الهيكل.

 

(2) الترجمة اليونانية السبعينية

التي قام بترجمتها مجموعة من شيوخ وعلماء اليهود من النص العبري المحفوظ في الهيكل فيما بين سنة 285 وسنة 160ق م، والتي كانت منتشرة في جميع مجامع اليهود في الشتات واستخدمتها الكنيسة الأولى مع العهد الجديد في الكرازة والبشارة بالإنجيل في بلاد العالم الناطق باليونانية.

وقد تُرجمت أسفار العهد القديم بعد ذلك إلى السريانية واللاتينية والقبطية وغيرها، من اللغات القديمة والحديثة، من الترجمة اليونانية والنص العبري معاً أو من النص العبري مباشرة كما فعل القديس جيروم في نهاية القرن الرابع الميلادي وبداية القرن الخامس.

(3) مخطوطات خربة وادي قمران أو البحر الميت والتي اُكتشفت ابتداء من سنة 1946 إلى سنة 1956م.

 

1 – النص العبري ودور الكهنة في حفظ العهد القديم:

وصلت إلينا أسفار العهد القديم في النص العبري عبر الأجيال بكل دقة عن طريق النسخ اليدوي من نسخة إلى أخرى أقدم منها:

أولاً: عن طريق فئة من الكهنة دعيت بالكتبة، وكان هؤلاء الكتبة مدربين ومتعلمين النسخ والكتابة، كمهنة مقدسة. وكانوا يحفظون الأسفار المقدسة ويحافظون عليها وينسخون نسخاً منها للهيكل وللمجامع وللدارسين من الشعب، كما كانوا يحفظون النطق الصحيح لكلمة الله شفوياً. واستمر عملهم هذا من أيام عزرا الكاتب والكاهن (440 ق م) إلى القرون الأولى للميلاد.

ثانياً: وابتداء من حوالي سنة 160 ق م قامت جماعة من هؤلاء الكتبة دعوا بالماسوريين، أي حملة التقليد، من كلمة " ماسورا " أي يسلم التقليد والوحي الإلهي الذي تسلموه من أسلافهم، بمهمة حفظ ونقل أسفار العهد القديم من مخطوطة إلى أخرى بكل دقة. وقد ظهر نتاج عملهم في الفترة من 500م إلى 950م حيث وضعوا العلامات المتحركة وحركات النطق والتي أثبتت كشوف قمران أنها استمرار لما قاموا به في القرنين السابقين للميلاد. واستمر عمل هؤلاء الكتبة حتى القرن الثاني عشر الميلادي.

ولكي يحفظ هؤلاء الكتبة كلمة الله بكل دقة ويقوموا بتطبيق وصية الله القائلة " لا تزيدوا على الكلام الذي أنا أوصيكم به ولا تنقصوا منه " (تث2: 4)، وضعوا، على مر الأجيال، قواعد صارمة لضمان نقل آيات ونصوص الأسفار المقدسة من مخطوطة إلى أخرى بدقة شديدة حتى لا يقعوا في أي خطأ. يقول كل من السير فردريك كنيون عالم البرديات ومدير المتحف البريطاني الأسبق في كتابه " كتابنا المقدس والمخطوطات القديمة " و ف. ف بروس من علماء النقد النصي للكتاب المقدس في كتابه " الكتب والرقوق "(1)، أنهم (أي الكتبة والماسوريين) أحصوا عدد الآيات والكلمات والحروف في كل سفر، وحددوا الحرف الأوسط في أسفار موسى الخمسة والحرف الأوسط في العهد القديم كله، وعرفوا الآيات التي تحتوى كلماتها على كل حروف الأبجدية. ووضعوا قواعد وخطوات كان يجب أتباعها كما جاءت في التلمود والقواميس والكتب الكثيرة أهمها:

(1) أن يتم النسخ بكل دقة من مخطوطة صحيحة تماماً.

(2) ولا يجب كتابة كلمة أو حرف أو نقطة من الذاكرة، بل يجب أن ينقل الكاتب كل شيء من المخطوطة النموذجية (المقياس).

(3) أن يلبس الناسخ ملابس كهنوتية كاملة. وأن يغسل جسده كله.

(4) ولو أن ملكا خاطب الكاتب وهو يكتب اسم الله فلا يجب أن يلتفت إليه.

وقد أحصوا عدد آيات التوراة، 5,845 آية، وعدد كلماتها، 97,586 كلمة، وعدد حروفها،400,945 حرف!! بل وحددوا الآية الوسطى في التوراة (لا8: 8)، والكلمة الوسطى (darash - لا16: 10)، والحرف الأوسط (و – waw – لا42: 11)(2)!!

وكانت كل مخطوطة لا تتبع فيها التعليمات المذكورة أعلاه ولا تكون فيها هذه الإحصائيات مضبوطة بدقة، أو إذا تغير مكان الآية الوسطى أو الكلمة الوسطى أو الحرف الأوسط، تدفن في الأرض أو تحرق أو ترسل للمدارس لتقرأ فيها ككتب مطالعة، ولا تستعمل في المجامع ككتب مقدسة. ومن ثم كانت تنقل المخطوطة الجديدة عن المخطوطة القديمة وتكون مطابقة لها كلمة كلمة وحرف حرف بدون زيادة أو نقصان.

وهكذا كما وصلت أسفار العهد القديم من موسى إلى عزرا محفوظة بكل قداسة ودقة، كما سلم لنا الكهنة والكتبة، من عزرا (440 ق م) إلى الماسورسيين، أسفار العهد القديم محفوظة بكل دقة، بدون زيادة أو نقصان وبدون تغيير أو تبديل.

تقول المشنا (أبوت 1: 1) " أستلم موسى التوراة في سيناء وسلمها ليشوع ويشوع سلمها للشيوخ والشيوخ سلموها لرجال المجمع العظيم وقالوا ثلاثة أشياء: كن متروياً في القضاء، أقم تلاميذ كثيرين، وأعمل سورا حول التوراة ".

ويقول المؤرخ اليهودي يوسيفوس (36-100م) معاصر تلاميذ الرب يسوع المسيح " ويوجد برهان عملي على كيفية معاملتنا لهذه الأسفار، فبرغم المدة الطويلة التي انقضت حتى الآن لم يجرؤ أحد أن يضيف شيئاً إليها أو أن يحذف شيئاً منها "(3).

 

2 – الترجمة اليونانية والترجمات الأخرى للعهد القديم:

بعد جلاء اليهود عن فلسطين في السبي الآشوري (حوالي 723 ق م) والسبي البابلي (605-586 ق م) وعودة بقية قليلة منهم إلى فلسطين مرة أخرى فيما بين 537 إلى 440 ق م تشتت الكثيرون منهم في بلاد كثيرة في أوربا وأسيا وأفريقيا وتباعدوا عن لغتهم العبرية. وبعد سيطرت الإسكندر الأكبر على هذه البلاد، من اليونان غربا إلى الهند شرقا ومصر جنوبا وفرضه للغة اليونانية في كل أنحاء الإمبراطورية اليونانية، إلى جانب اللغات المحلية، احتاج اليهود في هذه البلاد، خاصة الإسكندرية بمصر التي كان يعيش فيها حوالي مليون يهودي وقت المسيح، لترجمة أسفار العهد القديم إلى اللغة اليونانية، فقام مجموعة من العلماء اليهود، فيما ين سنة 285 وسنة 160 ق م، بعمل هذه الترجمة التي سُميت بالترجمة السبعينية Septuagent , LXX، والتي انتشرت، من الإسكندرية، بين معظم اليهود في العالم حتى في فلسطين.

ولما كرز تلاميذ المسيح ورسله بالإنجيل، في بلاد العالم الناطقة باليونانية، كانت هذه الترجمة هي المستخدمة في المجامع، ثم في الكنائس مع الإنجيل، العهد الجديد، ومن ثم انتشرت هذه الترجمة اليونانية السبعينية في كل الأوساط المسيحية إلى جانب اليهودية في الشرق والغرب. وكان المسيحيون يقدسونها ويحفظونها بكل دقة ويستشهدون بآياتها لإقناع اليهود بحقيقة الإيمان المسيحي.

وفي بداية القرن الثالث الميلادي قام العلامة الإسكندري أوريجانوس (185-254م) بعمل ما يسمى ب " الهكسابلا - Hexapla "، أي السداسي، وهو كتاب جمع فيه النص العبري والترجمة السبعينية مع ترجمة خاصة به لأسفار العهد القديم من العبرية إلى اليونانية، إلى جانب ثلاث ترجمات أخرى في ستة أعمدة متوازية.

ومع الوقت قل الاهتمام باللغة اليونانية في الغرب وخاصة في شمال أفريقيا، وأخذت اللغة اللاتينية، لغة الرومان، مكانها الطبيعي، فقام بعض العلماء منذ بداية القرن الثاني الميلادي بعمل ترجمات للكتاب المقدس بعهديه إلى اللاتينية. وفي سنة 382م كلّف البابا داماسوس بابا روما سكرتيره الخاص القس جيروم (347-420م)، الذي كان يجيد اللاتينية والمثقف بآدابها واليونانية والعبرية بطلاقة، قراءة وكتابة وحديث، وذلك إلى جانب معرفته لكل من اللغتين السريانية والعربية، بعمل ترجمة للكتاب المقدس إلى اللغة اللاتينية التي كان يتكلم بها الناس في عصره. وعلى مدى 22 سنة قام القديس جيروم بترجمة كل أسفار العهد القديم من النص العبري الأصلي بمساعدة العلماء اليهود في فلسطين، وذلك إلى جانب الترجمة السبعينية، وترجم الأناجيل الأربعة وبعض أجزاء العهد الجديد من اللغة اليونانية من المخطوطات القديمة التي ترجع للقرن الأول الميلادي. وقد عرفت هذه الترجمة ب Vulgate من "versio vulgate " اللاتينية، أي الترجمة العامة.

وقد استخدمت هذه الترجمة في الغرب ولكن ظل الشرق المسيحي يستخدم الترجمة اليونانية السبعينية حتى انتشار الترجمات المحلية.

 

3 – أهم مخطوطات العهد القديم:

ونظراً لانتشار المسيحية في معظم بلاد العالم، وكذلك انتشار مجامع اليهود في الكثير من بلاد العالم، فقد انتشرت نسخ الأسفار المقدسة في القرون الأولى للميلاد، سواء العبرية أو اليونانية، في كل مكان على الأرض. ويوجد الآن في مكتبات الجامعات ومتاحف العالم عشرات الألوف من مخطوطات العهد القديم باللغة العبرية وآلاف أخرى باللغة اليونانية وبلغات الترجمات الأخرى، سواء الكاملة أو الجزئية أو التي تضم قصاصات أو جذاذات صغيرة، وفيما يلي أهم مجموعات هذه المخطوطات:

 

أولاً: العبرية:

1 - يوجد حوالي 100,... (مائة آلف) مخطوطة في كامبردج، من مجموع المخطوطات التي اكتشفت في جنيزة القاهرة (جنيزة مخزن تحفظ فيه الكتب القديمة والمستهلكة).

2 - وتضم مكتبة لينينجراد (بطرس برج حاليا) بروسيا 1,582 مخطوطة مكتوبة على رقوق، و 725 مخطوطة مكتوبة على ورق، و1,200 قصاصة من مخطوطات غير عبرية.

3 - ويوجد 161 مخطوطة في المتحف البريطاني.

4 - كما يوجد 146 مخطوطة في مكتبة بودلين.

5 - ويوجد في الولايات المتحدة الأمريكية وحدها عشرات الألوف من المخطوطات والجذاذات (القصاصات) السامية والتي تشكل أسفار العهد القديم 5% منها، أكثر من 500 مخطوطة.

6 - تم اكتشاف حوالي 200,... (مائتي ألف) مخطوطة وقصاصة في معبد بن عزرا في القاهرة سنة1890 م منها حوالي 10,... (عشرة آلاف) لأجزاء من أسفار العهد القديم وترجع للقرنين السادس والتاسع للميلاد. وفيما يلي أقدم وأهم هذه المخطوطات:

 

(1) بردية ناش ؛ وترجع للقرن الثاني الميلادي، حصل عليها ناش في مصر سنة 1902م، وكانت تعتبر اقدم مخطوطة قبل اكتشاف لفائف البحر الميت، وتحتوى على نص ليتورجى للوصايا العشر وجانب من الشما (من خر2: 20،3؛ تث6: 5،7؛4: 6،5)، والتي كانت تمارس في الصلاة يوميا.

 

(2) مخطوطة القاهرة ؛ التي نسخها موسى بن أشير في طبرية بفلسطين سنة 895 م وتحتوى على أسفار يشوع وقضاة وصموئيل 1و2 وملوك 1و2 واشعياء وارميا وحزقيال والأنبياء الأثنى عشر، وهى موجودة في مجمع اليهود القراءين بالقاهرة.

 

(3) مخطوطة المتحف البريطاني ؛ (شرقيات 4445) وهى نص كامل لأسفار موسى الخمسة، التوراة، (تك20: 39 - تث33: 1)، كتبت فيما بين سنة 820 و 850 م، وعليها أسم بن اشير.

 

(4) مخطوطة حلب ؛ وتحتوى على العهد القديم كاملاً، نسخها هارون بن موسى بن أشير وتؤرخ بسنة 900 إلى 925 م، وكانت محفوظة في مجمع اليهود السفرديم بحلب وهى الآن بالقدس.

 

(5) مخطوطة بطرسبرج B3(لينينجراد سابقاً) ؛ وتحتوى على الأنبياء القدامى (اشعياء وارميا وحزقيال) والمتأخرين (الأثنى عشر)، وترجع لسنة 916 م.

 

(6) مخطوطة بطرسبرج B19a (لينينجراد) ؛ وتحتوى على العهد القديم كاملاً، وقد نسخت سنة 1008 - 1009 م على يد صموئيل بن ياكوب بالقاهرة.

 

ثانياً: مخطوطات الترجمة اليونانية السبعينية:

ومن أهم مخطوطات العهد القديم اليونانية:

(1) أجزاء من سفري اللاويين والتثنية ترجع للقرن الثاني قبل الميلاد.

(2) وأجزاء من كل أسفار موسى الخمسة (تكوين وخروج ولاويين وعدد وتثنية) والأنبياء الصغار، ترجع للقرن الأول قبل الميلاد.

(3) وذلك إلى جانب المخطوطات الفاتيكانية والسينائية والإسكندرية والتي ترجع للقرن الرابع وأول الخامس الميلادي.

وذلك إلى جانب الآلاف من مخطوطات الترجمات اللاتينية والسريانية والقبطية.

 

4- اكتشاف مخطوطات قمران وأهميتها:

بدأ اكتشاف مخطوطات قمران أو لفائف البحر الميت ابتداء من سنة 1946م في خربة وادى قمران القديمة على الشواطئ الشمالية الغربية للبحر الميت، وتعتبر هذه المخطوطات أو اللفائف، برغم حداثة اكتشافها من أثمن مخطوطات الكتاب المقدس بل واكتشافات القرن العشرين لأنها ترجع للقرون الثلاثة السابقة للميلاد والقرن الأول الميلادي (من حوالي 280 ق. م إلى حوالي 133م)، وتزيد في متوسطها عن أقدم مخطوطة كانت بين أيدينا، للنص العبري، بحوالي1150 سنة، فهي تضم عشرات النسخ لكل سفر من أسفار العهد القديم عدا أستير.

وبالطبع فهذه المخطوطات منقولة أو منسوخة عن نسخ أقدم منها بعشرات بل ومئات السنين، وبالتالي يقترب بعضها من زمن عزرا الكاتب، الذي جمع كل أسفار العهد القديم وأعاد تحريرها ونسخها بالروح القدس، بحوالي من 150 إلى 250 سنة، وقد يكون بعضها منقولاً عن النسخ التي نسخت في زمن عزرا نفسه، كما أن معظمها موجود من قبل تجسد الرب يسوع المسيح، الذي أكد صحة كل حرف وكل كلمة في أسفار العهد القديم، بقرنين أو ثلاثة قرون.

وهى بذلك تؤكد الاستمرار الطبيعي غير المنقطع في تواصل النص الأصلي لأسفار العهد القديم ووصوله إلينا بكل دقة عبر الزمان والتاريخ وتبطل كل نظريات وأراء الذين يزعمون تحريف العهد القديم. فقد كانت أقدم نسخة موجودة للعهد القديم، حتى سنة 1947م، ترجع إلى القرن العاشر للميلاد، أي بينها وبين الرب يسوع المسيح حوالي 1000 (ألف) سنة ومع ذلك كان كل اليهود والمسيحيين واثقين أن لديهم كلمة الله كما سلمت منذ البدء. وقد أكدت مخطوطات قمران على ثلاث حقائق جوهرية:

الأولى هي وجود نسخ كثيرة لكل سفر من أسفار العهد القديم، عدا سفر واحد هو سفر أستير، وكلها ترجع للقرون الثلاثة السابقة للرب يسوع المسيح والقرن الأول للميلاد، مع ملاحظة أن هذه المخطوطات منقولة عن مخطوطات أخرى أقدم منها ترجع لأيام عزرا الكاتب، وبالتالي أصبح لدينا مخطوطات للعهد القديم ترجع لما قبل تجسد الرب يسوع المسيح وتلاميذه، ومخطوطات معاصرة له.

والثانية هي إيمان اليهود في كل العصور بوحي وقداسة هذه الأسفار فقد اقتبسوا منها واستشهدوا بها في كتاباتهم بنفس الأسلوب والطريقة التي اقتبس واستشهد بها العهد الجديد. فقد استخدموا تعبيرات مثل " ما أمر به الله خلال موسى وخلال كل خدامه الأنبياء " الذين ساووا فيه بين أسفار موسى النبي وجميع الأنبياء باعتبارها جميعاً كلمة الله. ومثل الصيغة المقدسة " مكتوب " في مقدمة اقتباسات كثيرة من أسفار كثيرة مثل أسفار موسى الخمسة واشعياء وحزقيال وهوشع وعاموس وميخا وناحوم وزكريا وملاخى. وجاء في إحدى كتاباتهم " الوثيقة الصادوقية " قول الكاتب أن ناموس موسى لا يمكن أن ينتهك وسيحرم الإنسان الذي " ينتهك كلمة واحدة من ناموس موسى ". وكانت هذه الوثيقة تستخدم عبارات " كلمة الله "، " قال هو "، " قال الله "، " كتاب الناموس "، " قال موسى "، " كمقدمة لاقتباساتهم من أسفار العدد والتثنية واشعياء وعاموس وهوشع وزكريا وملاخى، واقتبست من سفر الأمثال كسفر مقدس وكلمة الله واستخدمت عبارة " الناموس والأنبياء " مرتين للإشارة إلى كل أسفار العهد القديم.

والثالثة هي عصمة أسفار الكتاب المقدس ودقة حفظها على مر العصور بدون زيادة أو حذف أو تغيير أو تبديل، وصحة كل كلمة وكل حرف فيها والتأكد من تطبيق القواعد التي وضعها الكتبة لعمل نسخ منها بكل أمانة ودقة، فقد قام العلماء بعمل مقارنة بين لفه لسفر اشعياء ترجع لسنة 916م ولفة أخرى لسفر اشعياء (اشعياء A) من مخطوطات قمران وترجع لسنة 125 ق م، بفارق زمني قدره حوالي 1050 سنة، وكانت النتيجة مذهلة، فقد تبين لهم حقيقة حفظ الله لكلمته والدقة المتناهية والتي وصلت بها إلينا، وكانت النتيجة كالآتي ؛ فقد وجدوا في 166 كلمة من ص53 تساؤل حول 17 حرفاً، عشرة منها في حروف الهجاء وأربعة في طريقة الكتابة، دون أي تأثير على المعنى، وثلاثة حروف في كلمة " نور " الموجودة في آية 11 والتي وجدت في الترجمة اليونانية السبعينية. ثم وجدت مخطوطة أخرى لسفر اشعياء (اشعياء B) تتفق بصورة أدق وأروع مع المخطوطة الماسورية.

والسؤال الآن: هل يملك علماء الكتاب المقدس نسخة دقيقة ومطابقة للأصل كما خرج من أيدي الرسل والأنبياء كتبة الوحي الإلهي؟ والإجابة هي: مما سبق نقول بكل تأكيد وثقة نعم.

 

---

الفصل الخامس

الوثائق التي تثبت صحة العهد الجديد

وعصمته واستحالة تحريفه

 

من أهم أسباب القول بتحريف الإنجيل هو الإيمان بلاهوت المسيح وصلبه وفدائه للبشرية بدمه، وتصور البعض أن هذه العقائد أُدخلت إلى المسيحية في القرنين الثاني والثالث للميلاد بعد الاضطهادات الشديدة التي عانت منها المسيحية على أيدي الرومان واستشهاد معظم قادة المسيحية وفقدان الإنجيل الحقيقي، الذي أحرقه الأباطرة الرومان، وانضمام أعداد كثيرة من الوثنيين إلى المسيحية وإدخال عقائدهم إليها!! وادعوا أن الإنجيل وبقية أسفار العهد الجديد أُعيد صياغتها وكتابتها من جديد بعد توقف الاضطهادات في القرن الرابع!!

والسؤال الآن: ما حقيقة هذه المزاعم والادعاءات؟ وهل تغير الإيمان المسيحي في القرون الأولى؟ وهل فقدت كل نسخ الإنجيل وأعيد صياغتها وكتابتها مرة ثانية في القرن الرابع؟ هل حُرف الإنجيل بعد انتقال الرسل وخلفائهم من العالم؟ وللرد على ما سبق من مزاعم وادعاءات كاذبة نقدم الحقائق التالية:

 

1 – إيمان آباء الكنيسة في القرنين الأول والثاني(*):

كان إيمان هؤلاء الآباء هو الإيمان الذي تسلموه من تلاميذ المسيح ورسله، وكان جوهره هو الإيمان بلاهوت المسيح وصلبه وفدائه للبشرية بدمه:

+ قال القديس أكليمندس الروماني (95م) ؛ " الذي هو بهاء مجده، صار أعظم من الملائكة بمقدار ما ورث أفضل منهم. فقد كتب ... " يقول الرب عن ابنه " أنت ابني أنا اليوم ولدتك ... ويقول له أيضا " اجلس عن يميني حتى أضع أعداءك تحت قدميك "(رسالته ف36).

+ وجاء في كتاب الدياديكية (100م) " وبعد أن تعلّموا كل ما سبق عمدوا كما يأتي " باسم الآب والابن والروح القدس بماء جار "(1: 7).

+ وجاء في رسالة برنابا (من 90 - 100م)، قوله " يا أخوتي إذا كان السيد قد احتمل أن يتألم من أجل نفوسنا وهو رب المسكونة 00 فكيف قبل أن يتألم على أيدي الناس ... ولكي يبطل الموت ويبرهن القيامة من الأموات ظهر بالجسد وأحتمل الآلام " (5: 4،6).

+ ويقول القديس أغناطيوس (35-107م) تلميذ بطرس الرسول في رسالته إلى روما " وإلهنا كلنا يسوع المسيح " (53: 3)، وفي رسالته إلى سميرنا " المسيح إلهنا " (1: 107). ويختم رسالته إلى بوليكاربوس بقوله " وداعا في إلهنا يسوع المسيح " (1: 1).

+ ويؤكد على حقيقة تجسده وصلبه فيقول " المسيح يسوع الذي من نسل داود والمولود من مريم، الذي وُلد حقا وأكل حقا وشرب حقا، وصلب حقا على عهد بيلاطس البنطي، ومات حقا أمام السمائيين والأرضيين " (ترالس 9).

+ ويقول يوستينوس (100-165م) مكتوب في الأناجيل " أنه ابن الله، ولأننا ندعوه الابن، فقد أدركنا أنه ولد من الآب قبل كل الخلائق بقوته وإرادته ... وصار إنسانا من العذراء ".

+ ويقول أريناؤس (12-202م) " تسلمت الكنيسة ... من الرسل ومن تلاميذهم هذا الإيمان [ فهي تؤمن ] بإله واحد الآب القدير خالق السماء والأرض والبحر وكل ما فيها، وبيسوع المسيح الواحد، ابن الله الذي تجسد لأجل خلاصنا ".

2 - شهادة الوثائق اليهودية والرومانية واليونانية:

شهد المؤرخون والكتاب اليهود والرومان واليونانيون أن المسيحيين في القرن الأول الميلادي كانوا يؤمنون بلاهوت المسيح ويعبدونه كإله وأنه صلب على الصليب في عهد الوالي الروماني بيلاطس البنطي:

 

(1) شهادة التقليد اليهودي:

+ يوسيفوس المؤرخ والكاهن المعاصر لتلاميذ المسيح (35 - 100م): قال في عادياته التى كتبها بعد دمار الهيكل عن صلب الرب يسوع المسيح وقيامته من الأموات " في ذلك الوقت كان هناك رجل حكيم يُدعى يسوع اشتهر بحسن السلوك وبالتقوى، فتبعه عدد غفير من بين اليهود والأمم الأخرى. غير أن بيلاطس البنطي حكم عليه بالموت صلباً. أما الذين تبعوه فلم يتخلوا عن تلمذتهم له. وادعوا أنه قد ظهر لهم بعد ثلاثة أيام من صلبه وأنه حيّ. وبناء عليه فقد يكون هو المسيح الذي عزا إليه الأنبياء أشياء عجيبة "(1).

 

+ التلمود: جاء في نسخته التي نشرت في أمستردام عام 1943، ص 42 قوله " لقد صُلب يسوع قبل الفصح بيوم واحد "(2).

 

+ وقال يوحنا بن زكا تلميذ هليل المعلم الشهير في كتابه سيرة يسوع الناصري " إن الملك وحاخامات اليهود قد حكموا على يسوع بالموت لأنه جدف حين ادعى أنه ابن الله ... وأنه الله "(3).

V وقال الحاخام اليهودي جوزيف كلاونز الذي عاش في القرن التاسع عشر في كتابه يسوع الناصري بعد فحص الإشارات إلى يسوع في التلمود معترفا دون محاباة قائلا " لم ينكر شيئاً في الأناجيل!! فقد جري تحريفها (في التلمود) فقط إلى مصدر لوم واستهزاء "(4).

 

(2) شهادة التاريخ الروماني والوثائق الوثنية:

+ كورنيليوس تاسيتوس (55-125م)، وهو مؤلف روماني عاصر ستة أباطرة ولُقب بمؤرخ روما العظيم. وقال عنه ف. ف بروس F.F.Bruce أنه، تاسيتوس، كان، بحكم علاقته بالحكومة الرومانية، مطلعاً على تقارير حكام أقاليم الإمبراطورية وسجلات الدولة الرسمية. وقد أشار إلى المسيح في كتابيه " الحوليات والتواريخ " ثلاث مرات أهمها قوله في الحوليات الجزء الثالث " لكي يتخلص نيرون من التهمة (أي حرق روما) ألصق هذه الجريمة بطبقة مكروهة معروفة باسم المسيحيّين، ونكَّل بها أشد تنكيل. فالمسيح الذي اشتق المسيحيون منه اسمهم، كان قد تعرض لأقصى عقاب في عهد طيباريوس على يد أحد ولاتنا المدعو بيلاطس البنطي "(5).

 

+ لوسيان اليوناني: كان هذا أحد مؤرخي اليونان البارزين في مطلع القرن الثاني الميلادي قال عن إيمان المسيحيين ساخراً " إن المسيحيين، كما تعلم، ما زالوا إلى هذا اليوم يعبدون رجلاً - وهو شخصية متميزة، استنّ لهم طقوسهم الجديدة وصُلب من أجلها ...ومنذ اللحظة التي اهتدوا فيها (إلى المسيحية) وأنكروا آلهة اليونان وعبدوا الحكيم المصلوب، استقرّ في عرفهم أنهم إخوة "(6).

 

+ كلسوس الفيلسوف الأبيقوري (مولود 140م): وكان من ألد أعداء المسيحية، وقد هاجمها في كتابه " الخطاب الحقيقي " بشدة وعنف وزعم أن المسيح كان شخصية ساحرة استحق أن يعلق على الصليب ويموت على خشبة العار، وقال ساخراً عن صلب المسيح " احتمل المسيح آلام الصلب لأجل خير البشرية "(7).

 

+ الرواقي مارا السوري (73 – 160): كتب في رسالة له لابنه سيرابيون، كتبها من السجن، عن يسوع باعتباره ملك حكيم كسقراط وفيثاغورس قائلاً " أية فائدة جناها اليهود من قتل ملكهم الحكيم لم يمت هذا الملك الحكيم إلى الأبد لأنه عاش من خلال تعاليمه التي علم بها "، ولكن الله أنتقم له " بتدميرهم وتشتيتهم في كل مكان "(8).

وهكذا شهد التاريخ اليهودي والروماني واليوناني لحقيقة الإيمان المسيحي، في القرن الأول، بلاهوت المسيح وصلبه.

3 – ترجمات العهد الجديد القديمة:

تُرجم العهد الجديد في القرن الثاني وبداية القرن الثالث، من المخطوطات القديمة التي ترجع للقرنين الأول و الثاني، إلى اللغات السريانية واللاتينية والقبطية، وترجم بعد ذلك إلى لغات كثيرة جداً. ويوجد لهذه الترجمات القديمة، حاليا، حوالي 20,... مخطوطة، منها أكثر من 10,... مخطوطة لاتينية و350 مخطوطة سريانية وأكثر من 100 مخطوطة قبطية. وترجع بعض مخطوطاتها للقرنين الثالث والرابع، مثل مخطوطة الترجمة القبطية الصعيدية التي تحتفظ بالعهد الجديد كله وترجع لسنة 300م ومخطوطة إنجيل يوحنا في الترجمة القبطية البحيرية والتي توجد في مكتبة بودمير وترجع للقرن الرابع. ومن ثم تبرهن لنا هذه الترجمات ومخطوطاتها على عصمة وصحة ودقة انتقال العهد الجديد عبر العصور واستحالة تحريفه.

4 – أهم مخطوطات القرون الخمسة الأولى للعهد الجديد:

يوجد لدينا الآن حوالي 20,... مخطوطة للعهد الجديد في بلاد كثيرة ومن عصور متنوعة، ويتكون هذا العدد من 5,507 مخطوطة باللغة اليونانية التي كتبت بها أسفار العهد الجديد، وحوالي14,500 مخطوطة للترجمات الأخرى وفيما يلي أهم المخطوطات اليونانية التي ترجع إلى القرون الثلاثة الأولي:

أولاً: أهم المخطوطات التي ترجع للقرنين الأول والثاني:

(1) مخطوطتا الإنجيل للقديس متى والإنجيل للقديس لوقا:

1 – بردية الإنجيل للقديس متى: من احدث وأروع الاكتشافات الحديثة فهو الخاص بالإنجيل للقديس متى حيث زعم البعض أن كاتبه ليس هو القديس متى ولا أحد الرسل الآخرين!! فقد وجدت البردية (P64) والتي تتكون من ثلاث قصاصات من الإنجيل للقديس متى في كنيسة بالأقصر سنة 1901م واستقرت بعد ذلك في كلية مجدالين Magdalen Collage بأكسفورد ، وكانت تؤرخ على أنها قد كتبت فيما بين سنة 150 -200 م. ثم أعاد عالم البرديات الألماني البارز كارستن ثيد Thiede Carsten اكتشافها وبعد دراسات عديدة معقدة اكتشف أنها ترجع بكل تأكيد لسنة 65م وأن كاتب الإنجيل لا بد أن يكون أحد رسل المسيح وأن كاتب المخطوطة نفسها لابد أن يكون أحد الذين شاهدوا المسيح شهادة عيان.

وأثار هذه الخبر ضجة في العالم وحطم كل النظريات المضادة للكتاب المقدس والعقيدة المسيحية. ونشر الخبر في الصحف ووكالات الأنباء العالمية سنة 1994م، ثم نشرت الخبر جريدة الديلى ميل البريطانية في 23 مارس 1996م تحت عنوان " هل هذه شهادة شاهد عيان تبرهن على أن يسوع عاش على الأرض " في صفحتين كاملتين معلنة نهاية مزاعم وادعاءات النقاد الذين زعموا أن الأناجيل قد كتبت بعد فترة طويلة من صعود المسيح وأكدت على أن ناسخ هذه البردية لا بد وان يكون أحد الذين شاهدوا السيد المسيح واستمعوا إليه (وتصور الصورة أعلاه الأجزاء المكتشفة والترجمة الإنجليزية لها كما نشرتها الجريدة)(9).

 

2 - بردية الإنجيل للقديس لوقا، وتوجد هذه البردية (P4) والتي تضم أجزاء من الإنجيل للقديس لوقا في المكتبة القومية في باريس وكانت تؤرخ على أنها ترجع للقرن الثالث الميلادي ، وبعد الدراسات الحديثة التي تمت مؤخراً أعلن العلماء ومنهم العالم الألماني كارستين ثيد، أيضاً، في كتابه " Jesus Papyrus " أن هذه البردية كانت جزءًا من نفس مجلد بردية الإنجيل للقديس متى وترجع لنفس تاريخ نسخها، أي قبل سنة 68م، ويرى البعض أنها ترجع لنهاية القرن الأول أو بداية القرن الثاني على الأكثر.

 

(2) مخطوطة جون رايلاندز (P5) والتي اكتشفت بصحراء الفيوم بمصر سنة 1935والمحفوظة بمكتبة جون رايلاندز في مانشستر بإنجلترا وعندما قام روبرتس C H Roberts خبير البرديات في أوكسفورد بدراستها واستشارة علماء البرديات الأكثر خبرة منه وجدوا أنها ترجع لما بين 117 و135م، ويرى بعض العلماء أنها ترجع لما بين 85 و95م. وتحتوى على (يوحنا 31: 18-33).

وقد برهنت هذه المخطوطة على بطلان ادعاءات النقاد الذين زعموا أن القديس يوحنا لم يكتب الإنجيل المعروف باسمه وإنما الذي كتبه هو أحد تلاميذ مدرسة الإسكندرية اللاهوتية في القرن الثاني!! ولكن بعد اكتشاف هذه المخطوطة انهارت هذه النظرية تماماً وتأكد لهم صدق ما سلمته لنا الكنيسة بالتقليد وأن كاتب هذا الإنجيل بالروح القدس هو القديس يوحنا الرسول.

 

(2) مخطوطة أكسفورد (p90) وتشتمل على جزء من الإنجيل للقديس يوحنا (36: 18-7: 19) ومحفوظة بمتحف اشمولين بأكسفورد وترجع لحوالي سنة 150م.

 

(3) مجموعة بودمير التي اكتشفت بمصر سنة1950م ومحفوظة بمكتبة بودمير بجنيف بسويسرا وتضم خمسة مخطوطات تحتوى على جزء كبير من العهد الجديد، أهمها:

أ - مخطوطة (P66) موجودة في مجلد مكون أصلاً من 146 ورقة ويوجد منها الآن 100ورقة وبعض الأوراق القليلة في مكتبات أخرى، وتشتمل على الإنجيل للقديس يوحنا بالكامل باستثناء بعض الأجزاء التي تلفت صفحاتها. وترجع حسب احدث الدراسات لما بين سنة 125 و150م.

ب - مخطوطة (P72) وتشتمل على رسالتي بطرس الرسول الأولى والثانية وترجع لسنة 200 م.

ج مخطوطة(P75) وتضم الجزء الأكبر من الإنجيل للقديس يوحنا والإنجيل للقديس لوقا. وترجع لحوالي سنة 180م ونصها شبيه تماماً بنص المخطوطة الفاتيكانية والتي ترجع للقرن الرابع وهى بذلك تبطل بصورة حاسمة وقاطعة مزاعم النقاد الذين ادعوا أنه حدثت مراجعة للعهد الجديد في القرن الرابع وتثبت سلامة نصوص وآيات العهد الجديد عبر كل العصور.

 

(4) مجموعة تشستر بيتى المحفوظة في مكتبة تشستر بيتى في دبلن والتي ظهرت أيضا بمصر سنة 1930 / 1931م وتلي مجموعة بودمير مباشرة من حيث الزمن أو المحتوى:

أ - مخطوطة (P45) وتحتوى على أجزاء كبيرة من الأناجيل الأربعة وأعمال الرسل. ولهذه البردية جزء آخر موجود في المكتبة الوطنية بفيينا يحتوى على جزء من الإنجيل للقديس متى (41: 25-39: 26)، وكان يعتقد أنها ترجع لحوالي سنة 200م، وقد أثبتت الدراسات الحديثة أنها ترجع لسنة 150م.

ب - مخطوطة (P46) وتحتوى على جزء كبير من تسع رسائل لبولس الرسول (رومية و1كورنثوس و2كورنثوس وغلاطيه وأفسس فيلبى وكولوسى و1تسالونيكى وعبرانيين)، وكان يعتقد أنها ترجع لحوالي سنة200م. وقد أثبتت الدراسات الحديثة أنها ترجع لحوالي سنة 85م، أي أنها نسخت في حياة القديس يوحنا.

ثانيا: أهم مخطوطات القرن الثالث والرابع والخامس:

(1) مخطوطة (P47) وتحتوى على ثلث سفر الرؤيا (10: 9-2: 17) في عشر ورقات وترجع لحوالي سنة 280م. ويوجد منها ثلاثون ورقة في جامعة ميتشجان بامريكا.

(2) المخطوطة السينائية (الف عبري 01) وكان قد اكتشفها العالم الألماني قسطنطين فون تشندروف في دير سانت كاترين بسيناء سنة 1844م، وترجع لسنة 340م وتضم العهد الجديد كاملاً ونصف العهد القديم (الترجمة اليونانية السبعينية) وتمثل النص الأصلي بدقة شديدة. وهى محفوظة الآن بالمتحف البريطاني.

(3) المخطوطة الإسكندرية (A02) وتضم الكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد كاملاً عدا أجزاء من الإنجيل للقديس متى والإنجيل للقديس يوحنا و2كورنثوس، وترجع لسنة 450م ومحفوظة في المتحف البريطاني إلى جانب المخطوطة السينائية.

(4) المخطوطة الفاتيكانية (B03) ؛ ومحفوظة بمكتبة الفاتيكان، وهى مكتوبة في الإسكندرية، وترجع لما بين 325 و350 م وتضم معظم العهد الجديد والعهد القديم، وهى مثل المخطوطة السينائية تمثل النص الأصلي بدقة شديدة وتتفق مع البردية P75 التي ترجع لحوالي سنة 180م.

(5) المخطوطة الأفرايمية (C04) ؛ وترجع لسنة 450م وتضم أجزاء كبيرة من كل أسفار العهد القديم والعهد الجديد وتمثل النص الأصلي بدرجة كبيرة وهى محفوظة في المكتبة القومية في باريس.

(9) المخطوطة البيزية (D05) وترجع لسنة 450م وتضم الأناجيل الأربعة وسفر أعمال الرسل ومكتوبة باللغتين اليونانية واللاتينية على صفحتين متقابلتين ومحفوظة في مكتبة جامعة كامبردج.

4 – مخطوطات قمران والعهد الجديد(10):

1- مخطوطة (7Q5) والإنجيل للقديس مرقس ؛ بعد اكتشاف مخطوطات قمران في كهوف وادي قمران بالبحر الميت وجد في كهف 7 مجموعة من المخطوطات باللغة اليونانية وعند دراسة العالم الأسباني جوسي آو كالاجان O Callagghan وجد بها بعض القصاصات بها آيات من العهد الجديد، وبعد الدراسة توصل للآتي ؛

(1) أن كهف 7 هو الكهف الوحيد في كهوف قمران الذي وجد به نصوص يونانية.

(2) أقفل الكهف نهائياً سنة 68 م عندما استولت الكتيبة الرومانية العاشرة على المنطقة في ذلك التاريخ، وبالتالي فكل ما بالكهف مكتوب قبل سنة68م.

(3) المخطوطة(7Q5) تحتوى على الآيات (52: 6-53) من الإنجيل للقديس مرقس.

(4) بعد دراسة اللغة وأسلوب الكتابة توصل إلى أن التاريخ المحتمل لهذه المخطوطة يرجع لسنة 50 م. ويجب أن نضع في الاعتبار أن وجود جزء من الإنجيل في مغارة متعبد يهودي يعنى أنه قد توصل إليها بعد انتشارها في الأوساط المسيحية بعدة سنوات، وبما أن الكهف قد أغلق سنة 68 م فلابد أن يكون قد حصل عليها قبل ذلك بفترة وبعد أن كتب الإنجيل واستدار وأنتشر بعدة سنوات. وهذا يعنى أن هذه المخطوطة قد كتبت في الوقت الذي كان فيه القديس مرقس ومعظم الرسل أحياء.

2- مخطوطات قمران وبقية اسفار العهد الجديد ؛ كما وجد أيضاً في نفس الكهف 8 قصاصات أخرى غير (7Q5) تتطابق مع بعض فقرات العهد الجديد منها ثلاثة من الإنجيل للقديس مرقس، وهي كالآتي:

7Q6 = مر28: 4 7Q7 = مر17: 12 7Q6= أع38: 27 7Q9 = رو11: 5- 12

7Q4 = 1تى 16: 3-3: 4 7Q8 = يعقوب 23: 1-24

7Q10 = 2بط15: 1 7Q15 = مر48: 6

وكان منطقه في ذلك هو ؛ ما دام هناك نصوص في الكهف من العهد الجديد فمن الطبيعي أن يكون هناك نصوصاً أخرى منه. وقد تبين له أن الأربع قصاصات المأخوذة من الإنجيل للقديس مرقس نسخها أربعة نساخ مختلفين.

وفيما يلي جدول بأهم وأقدم الوثائق والمخطوطات التي وجدت في القرنين الأول والثاني الميلاديان والتي تؤكد وجود مخطوطات العهد الجديد في نهاية القرن الأول وبداية الثاني وصحة العقائد المسيحية كما سلمها لنا رسل المسيح وتلاميذه:

المخطوطة

محتوياتها

تاريخها

كتابة كل أسفار العهد

الجديد بالروح القدس

45 - 95

بردية الكلية المجدلية P64

متى: 726- 8 10و14-15

و21-23و31

قبل سنة 66م

مخطوطة قمران 7Q5

مرقس52: 6-53

ما بين سنة 50 و68م

مخطوطة قمران 7Q4

1 تيموثاؤس 16: 3-3: 4

قبل سنة68م

مخطوطة برشلونة P67

متى 9: 3،15؛

متى 20: 5-22 ,25-28

قبل سنة 66م

مخطوطة باريس P4

لوقا 23: 3؛38: 5

قبل سنة 66 م

مجموعة رسائل ق. بولس

10 من رسائل القديس بولس

سنة 85 م

أكليمندس الروماني

أقتبس من متى ومرقس ولوقا و1كورنثوس وأفسس و1تيموثاؤس وتيطس وعبرانيين.

95م

الدياديكية

أشار إلى الإنجيل ككل وأقتبس كثيرا من متى.

حوالي 100م

رسالة برنابا

اقتبست من متى و1و2تيموثاؤس.

حوالي 100م

أغناطيوس

أقتبس من متى ويوحنا وأعمال ورومية وأفسس وكولوسي و1تسالونيكي.

توفي 107م

بوليكاربوس

اقتبس من متى ومرقس ولوقا وأعمال 1و2كورنثوس وغلاطية وأفسس وفيلبي و1و2تسالونيكي و1و2تيموثاؤس وعبرانيين و1يوحنا.

108م

بابياس

تحدث عن كتابة متى ومرقس بواسطة الرسولين

110م

جون ريلاندز P52

أقدم مخطوطة ليوحنا وتحتوي على يوحنا 31: 18 - 33 و37و38

ما بين سنة 100 - 125 م

ماركيون الهرطوقي

استخدم إنجيل لوقا وعشر من رسائل بولس.

140م

مجلد يوحنا P66

معظم الإنجيل للقديس يوحنا

ما بين 125 و 150 م

P45

11 من رسائل القديس بولس

سنة 150 م

P77

متى 30: 23-39

سنة 150 م

P87

فليمون 13 - 15 و 24 - 25

سنة 125 م

P90

يوحنا36: 18 - 7: 19

سنة150 م

P77

30: 23 -39

سنة 150م

P1

متى 1: 1-9 و 12 و14 - 20

حولى سنة 100 م

P90

يوحنا 36: 18 -7: 19

ما بين 125 - 150 م

يوستينوس الشهيد

شهد لقراءة الأناجيل الأربعة أيام الأحد وأقتبس منها جميعاً ومن معظم رسائل بولس والرسائل الجامعة وسفر الرؤيا.

150م

تاتيان السوري

يضم الأناجيل الأربعة في إنجيل واحد أسماه الدياتسرون أي الرباعي.

160م

P32

تيطس 11: 1-15 ؛ 3: 2-8

سنة 175 م

إريناؤس

أكد وحدة الأناجيل الأربعة وأقتبس 1,819 مرة من كل أسفار العهد الجديد، عدا فليمون وعبرانيين و2بطرس و2و3يوحنا ويهوذا.

180م

الوثيقة الموروتارية

تضمنت الأناجيل الأربعة و12 من رسائل بولس و1و2يوحنا ويهوذا ورؤيا.

200م

المخطوطة السينائية

كل العهد الجديد

سنة 340 م

المخطوطة الإسكندرية

كل العهد الجديد

سنة 450 م

 

مما سبق يتبين لنا أنه كان من المستحيل على الأباطرة الرومان، برغم كل قوتهم وجيوشهم، أن يجمعوا كل نسخ الإنجيل التي كانت مع المؤمنين، في عشرات الدول ومئات المدن وآلاف القرى وعشرات الألوف من المنازل والكنائس والكهوف والمقابر ومغارات الجبال التي كان يصلي ويختبئ فيها المسيحيون؟ أو التي كانت مدفونة في الرمال.

 

5 – اقتباسات آباء الكنيسة من أسفار العهد الجديد:

أقتبس هؤلاء الآباء، تلاميذ رسل المسيح وخلفائهم، والذين عاشوا في بلاد مختلفة في الشرق والغرب والشمال والجنوب وتكلموا بلغات مختلفة، آلاف الاقتباسات من الأناجيل الأربعة وبقية أسفار العهد الجديد. وكانت هذه الاقتباسات كثيرة جداً لدرجة أن أحد العلماء نجح في إعادة العهد الجديد بالكامل، عدا إحدى عشرة آية فقط، وذلك من الاقتباسات التي اقتبسها آباء ما قبل مجمع نيقية (سنة 325م) والتي بلغ عددها 32,... اقتباساً. ويصل عدد الاقتباسات بإضافة ما اقتبسه المؤرخ الكنسي يوسابيوس القيصري (المتوفى سنة 430م) 38,... اقتباسٍ. كما وجد العلماء أن عدد الاقتباسات التي اقتبسها آباء الكنيسة، في كتاباتهم وتفاسيرهم وعظاتهم، حتى سنة 440م يزيد عن 200,... اقتباساً يمكن منها استعادة العهد الجديد أكثر من مرة في أكثر من لغة بدون الحاجة إلى مخطوطات النص ذاته.

وفيما يلي جدول بعدد ما أقتبسه بعض آباء الكنيسة في الشرق والغرب، في كتاباتهم التي وصلت إلينا، في القرنين الثاني والثالث:

 

الكاتب

الأناجيل

أعمال

رسائل بولس

الرسائل العامة

رؤيا

الإجمالي

يوستينوس

268

10

43

6

3

330

إريناؤس

1,038

194

499

23

65

1,819

أكليمندس الإسكندري

1,017

44

1,127

207

11

2,406

أوريجانوس

9,231

349

7,779

399

165

17,922

ترتليان

3,822

502

2,609

120

205

7,258

هيبوليتوس

734

42

387

27

188

1,378

يوسابيوس

3,258

211

1,592

88

27

5,176

المجموع

19 ألف و368

ألف و

352

14 ألف و35

870

664

36 ألف و289

 

وهكذا تبرهن لنا صحة كتابة العهد الجديد في القرن الأول وعصمة الكتاب المقدس واستحالة تحريفه ووصوله إلينا سالماً بدون زيادة أو حذف كلمة واحدة. ويمكننا أن نقول مع فريديك كنيون المتخصص في علم البرديات " إن نصوص الكتاب المقدس أكيدة في مادتها ... والعلماء مقتنعون أنهم يمتلكون صورة النص الحقيقي ... ويمكن للمسيحي أن يمسك بالكتاب المقدس كله في يده ويقول بدون خوف أو تردد أنه يمسك بكلمة الله الحقيقية التي سُلمت عبر القرون من جيل إلى جيل بدون أن يفقد شيئاً من قيمتها ".

 

---

(*) أنظر كتابنا " هل آمنت الكنيسة الأولى بلاهوت المسيح؟ " ج 6 من سلسلة " أسئلة عن المسيح ".

(2) Josh McDowell & Bill Wilson. He Walked Among Us p. 64.

(3) عوض سمعان "قضية الغفران" ص 108 وبقولا يعقوب غبريال "مباحث المجتهدين" ط 6 ص 76.

(4) W.T. Bib. Is The Bible The Word of God? p. 65.

(5) The Verdict of History, by Gary R. Habermas, pub. by Thomas Nelson Publication, Nashville, Tn, 1982, pp. 87-88.

(6) The Verdict of History, p. 100 & He Walked Among Us p. 53,54..

(7) عوض سمعان " قضية الغفران " 109.

(9) See also " The Jesus Papyrus: The Most Sensational Evidence on the Origins of the Gospels Since the Discovery of the Dead Sea Scrolls
Carsten Peter Thiede & Matthew D' Ancona
.

(10) Charisten Peter Thiede "The Earliest Gospel Manuscript? 7Q5 Qumran Fragment And Its significant For The New Testament studies".

 

الصفحة الرئيسية