كيف انتشرت المسيحية؟
دروس من سفر أعمال الرسل
الجزء الأول
القس يوسف عبد النور
مفتاح سفر أعمال الرّسل
« لَكِنَّكُمْ سَتَنَالُونَ قُوَّةً مَتَى حَلَّ الرُّوحُ الْقُدُسُ عَلَيْكُمْ
وَتَكُونُونَ لِي شُهُوداً فِي أُورُشَلِيمَ وَفِي كُلِّ الْيَهُودِيَّةِ وَالسَّامِرَةِ،
وَإِلَى أَقْصَى الأَرْضِ».
(أعمال الرسل 1: 8)
كيف تدرس هذا الكتاب؟
المقصود من هذا الكتاب أن يساعدك على دراسة سفر أعمال الرّسل، وفهم كلمة الله، ومعرفة كيف أنّ جماعة ضعيفة من الصيادين والبسطاء امتلأت بقوّة سماوية هي قوّة الروح القدس بعد قيامة المسيح بخمسين يوماً، فنشرت المسيحية في العالم بقوة الله وحده، فتحيا أنت الحياة المقدسة الشاهدة لعمل نعمة الله فيك.
ونرجو أن تحتفظ بالكتاب المقدس معك وأنت تطالع هذا الكتاب، لتراجع بنفسك الشواهد الكتابية التي أوردناها فيه. وننصح أن تقرأ النصَّ المقتبس من سفر الأعمال أكثر من مرّة قبل أن تقرأ الشرح الذي قدّمناه، وذلك للفوائد الآتية:
1- قد يكلمك الروح القدس بواسطة الشرح، لكنه يحدثك بوضوح أكثر متى حاولت أن تكون تلميذاً لكلمة الله. 2- لتشارك الكاتب في اكتشاف الحقائق الإلهية. اقرأ بنفسك أولاً، لتكتشف لنفسك ذلك.
3- لتشترك مع أصدقائك من محبي دراسة كلمة الله في بركة الدراسة المنظمة لهذا السفر.
4- لتتعلم طاعة كلمة الله، فالروح القدس مستعد أن يفتح ذهن المطيع للكلمة الحيّة.
كما نرجو أن ترفع الصلاة المقترحة بالنيابة عن شخصك، وتجاوب الأسئلة المقترحة، لتتعمق أكثر في الفهم، وتصبح واحداً من العاملين على انتشار كلمة الله. وأثناء إجابتك اسأل نفسك التالي:
1- ما هي الأفكار الجديدة التي اكتسبتها عن الشهادة للمسيح من دراستي لسفر الأعمال؟
2- ماذا تعمل كنيستي الآن لتشهد للمسيح كما حدث في سفر أعمال الرسل؟
3- ماذا أعمل أنا لأكون شاهداً للمسيح في بلدي ومجتمعي؟
لذلك نرجو أن تدرس سفر أعمال الرسل في روح التواضع والصلاة، حتى يعلمك الرّوح القدس الدروس التي تحتاج إليها والتي تبني إيمانك.
مقدمة سفر أعمال الرسل
سفر الأعمال هو السفر الخامس من أسفار العهد الجديد، بعد الأناجيل الأربعة. وهو لا يذكر كل أعمال الرسل الذين استخدمهم الروح القدس لينشروا كلمة الله في العالم، كما أنّه لا يحتوي على خاتمة. وهذا يدلّ على أمرين:
1- هناك أعمال كثيرة وخدمات متنوعة يعرفها الله وحده.
2- كتلميذٍ للمسيح لا زالت لديك الفرصة لتعمل على نشر كلمة الله.
والأقسام الرئيسية الثلاثة هي:
1- انتشار المسيحيَّة في أورشليم، أو شهادة الكنيسة في أورشليم.
2- انتشار المسيحيَّة في كل اليهودية والسامرة، أو شهادة الكنيسة في اليهودية والسامرة.
3- انتشار المسيحيَّة إلى أقصى الأرض، أو شهادة الكنيسة في أقصى الأرض.
من هو الكاتب؟
كاتب السفر بوحيٍ من الرّوح القدس هو البشير لوقا، الذي دعاه الرسول بولس «لُوقَا الطَّبِيب الْحَبِيب» (كولوسي 4: 14) ولم يذكره مع اليهود «الَّذِينَ مِنَ الْخِتَانِ» (كولوسي 4: 10، 11). لذلك نفهم أنّه كان أممياً في الأصل وليس يهوديّاً. ومعنى اسمه «حامل النور».
ويقول التقليد الكنسي إنّه من أنطاكية في سوريا، وكان يمارس مهنة الطب في مدينة فيلبي. ومن المحتمل أنّه آمن بالمسيح عندما سمع الرسول بطرس يبشر في أنطاكية مع برنابا.
كتب لوقا سفر الأعمال نحو عام 64م، ووجَّهه لصديقه ثاوفيلس الذي كان يحتلّ مكاناً مهمّاً في الإمبراطورية الرومانية. وثاوفيلس اسم يوناني معناه «خليل الله» وكان لوقا قد كتب له تاريخ خدمة المسيح في ما نعرفه اليوم باسم «بشارة لوقا». فأظهر لثاوفيلس (في البشارة كما في سفر الأعمال) كيف استمرت رسالة المسيح مشرقة مضيئة بدءاً من إقليم اليهودية حتى وصلت إلى أقصى العالم المعروف وقتها، يحملها الأتقياء «بنفس واحدة» بعد أن حلَّ الروح القدس عليهم فنالوا قوّة وصاروا شهوداً أمناء ناجحين. وهو ما يجب أن يكونه القارئ في يومنا هذا.
الكنيسة تشهد في أورشليم
الأصحاحات من 1-7
« وَتَكُونُونَ لِي شُهُوداً فِي أُورُشَلِيمَ..»
(أعمال 1: 8)
الفصل الأول
الكنيسة المنتظرة
أعمال الرسل 1،2
كتب لوقا الطبيب بشارته عن حياة السيد المسيح وتعاليمه، وموته، وقيامته إلى ثاوفيلس.. واستمرّ يكتب له في سفر الأعمال عن عمل الروح القدس، الذي وعد به السيد المسيح تلاميذه قبل صعوده مباشرة، إذ أوصاهم أن لا يتركوا أورشليم، بل ينتظروا موعد معموديّتهم بالرّوح القدس. ومن ذلك نفهم أنّ سفر الأعمال تكملةٌ لذكر أعمال السيد المسيح التي عملها بعد صعوده، من خلال تلاميذه بواسطة قوّة الروح القدس الذي حلّ عليهم حسب وعد المسيح لهم.
المسيح يعد بحلول الروح القدس
1 اَلْكَلاَمُ الأَوَّلُ أَنْشَأْتُهُ يَا ثَاوُفِيلُسُ عَنْ جَمِيعِ مَا ابْتَدَأَ يَسُوعُ يَفْعَلُهُ وَيُعَلِّمُ بِهِ، 2 إِلَى الْيَوْمِ الَّذِي ارْتَفَعَ فِيهِ، بَعْدَ مَا أَوْصَى بِالرُّوحِ الْقُدُسِ الرُّسُلَ الَّذِينَ اخْتَارَهُمْ، 3 اَلَّذِينَ أَرَاهُمْ أَيْضاً نَفْسَهُ حَيّاً بِبَرَاهِينَ كَثِيرَةٍ بَعْدَ مَا تَأَلَّمَ، وَهُوَ يَظْهَرُ لَهُمْ أَرْبَعِينَ يَوْماً وَيَتَكَلَّمُ عَنِ الأمُورِ الْمُخْتَصَّةِ بِمَلَكُوتِ اللهِ. 4 وَفِيمَا هُوَ مُجْتَمِعٌ مَعَهُمْ أَوْصَاهُمْ أَنْ لاَ يَبْرَحُوا مِنْ أُورُشَلِيمَ، بَلْ يَنْتَظِرُوا «مَوْعِدَ الآبِ الَّذِي سَمِعْتُمُوهُ مِنِّي» 5 لأَنَّ يُوحَنَّا عَمَّدَ بِالْمَاءِ، وَأَمَّا أَنْتُمْ فَسَتَتَعَمَّدُونَ بِالرُّوحِ الْقُدُسِ لَيْسَ بَعْدَ هَذِهِ الأَيَّامِ بِكَثِيرٍ (أعمال 1: 1-5).
يبدأ سفر الأعمال بتلخيصٍ لبشارة لوقا، يشرح ما ابتدأ يسوع يفعله ويعلِّم به، ويتحدث عن موته وقيامته، ثم صعوده بعد أربعين يوماً من القيامة، أوضح المسيح أثناءها لتلاميذه الأمور المختصة بملكوت الله.. فملكوت الله ليس ملكاً أرضيّاً، لكنّه مملكة روحية يملك فيها الله على قلوب الناس.
لم يولد الناس في هذا الملكوت، لكنهم يدخلونه بعد أن يولدوا ثانيةً، فإنّه «إِنْ كَانَ أَحَدٌ لا يُولَدُ مِنْ فَوْقُ لا يَقْدِرُ أَنْ يَرَى مَلَكُوتَ اللَّهِ» (يوحنا 3: 3). وهذه الولادة الثانية تحدث بقوة عمل الرّوح القدس، لكن ينبغي أن يكون هناك استعداد لقبول الرّوح القدس. لذلك أوصى المسيح تلاميذه أن ينتظروا موعد الله الآب «وَأَنَا أَطْلُبُ مِنَ الآبِ فَيُعْطِيكُمْ مُعَزِّياً آخَرَ لِيَمْكُثَ مَعَكُمْ إِلَى الأَبَدِ» (يوحنا 14: 16).
عمَّد يوحنا المعمدان التائبين بالماء.. والماء، كما نفهم من العهد القديم، يرمز للاغتسال والتطهير، أمّا المسيح فعمَّد بالروح القدس المطهِّر والمقدِّس.
صعود المسيح
6 أَمَّا هُمُ الْمُجْتَمِعُونَ فَسَأَلُوهُ: «يَا رَبُّ، هَلْ فِي هَذَا الْوَقْتِ تَرُدُّ الْمُلْكَ إِلَى إِسْرَائِيلَ؟» 7 فَقَالَ لَهُمْ: «لَيْسَ لَكُمْ أَنْ تَعْرِفُوا الأَزْمِنَةَ وَالأَوْقَاتَ الَّتِي جَعَلَهَا الآبُ فِي سُلْطَانِهِ، 8 لَكِنَّكُمْ سَتَنَالُونَ قُوَّةً مَتَى حَلَّ الرُّوحُ الْقُدُسُ عَلَيْكُمْ، وَتَكُونُونَ لِي شُهُوداً فِي أُورُشَلِيمَ وَفِي كُلِّ الْيَهُودِيَّةِ وَالسَّامِرَةِ وَإِلَى أَقْصَى الأَرْضِ». 9 وَلَمَّا قَالَ هَذَا ارْتَفَعَ وَهُمْ يَنْظُرُونَ، وَأَخَذَتْهُ سَحَابَةٌ عَنْ أَعْيُنِهِمْ. 10 وَفِيمَا كَانُوا يَشْخَصُونَ إِلَى السَّمَاءِ وَهُوَ مُنْطَلِقٌ إِذَا رَجُلاَنِ قَدْ وَقَفَا بِهِمْ بِلِبَاسٍ أَبْيَضَ 11 وَقَالاَ: «أَيُّهَا الرِّجَالُ الْجَلِيلِيُّونَ، مَا بَالُكُمْ وَاقِفِينَ تَنْظُرُونَ إِلَى السَّمَاءِ؟ إِنَّ يَسُوعَ هَذَا الَّذِي ارْتَفَعَ عَنْكُمْ إِلَى السَّمَاءِ سَيَأْتِي هَكَذَا كَمَا رَأَيْتُمُوهُ مُنْطَلِقاً إِلَى السَّمَاءِ» (أعمال 1: 6-11).
علَّم المسيح تلاميذه أنّ ملكوت الله ليس ملكاً أرضياً كمُلك داود، بل هو ملك روحي. لكنهم حتى تلك الساعة لم يكونوا قد فهموا قصده، فسألوه: «يَا رَبُّ، هَلْ فِي هَذَا الْوَقْتِ تَرُدُّ الْمُلْكَ إِلَى إِسْرَائِيلَ؟» لأنّ أفكارهم كانت أرضية وزمنية. فصحَّح المسيح أفكارهم، وعلَّمهم أن هذا الملكوت يختلف تماماً عن كل ما كان في فكرهم، فهو ملكوت روحي، يعطيهم قوة روحية عظيمة هي قوّة الرّوح القدس، كما يشهد أبناء هذا الملكوت بعمل الله في المسيح وبواسطته.
وأوصى المسيح تلاميذه أن ينتظروا حلول الروح عليهم، لينالوا قوّة ليعيشوا حياة مقدّسة منتصرة، وليبدأوا شهادة ناجحة له أولاً في أورشليم، ومن ثمَّ في اليهودية والسامرة، وبعد ذلك إلى أقصى الأرض.
بعد أن أعطى السيد المسيح هذا الوعد لتلاميذه، صعد إلى السماء، وأخفته سحابة عن أعينهم. وتعلقت كل أفكارهم به وهو صاعد. وربّما ظنّوا أنّه سيرجع ثانيةً وهم أحياء. وفيما كانوا ينظرون إلى السماء، جاءهم ملاكان بملابس بيضاء وأخبراهم أنّ المسيح سيأتي ثانية كما صعد إلى السماء. وربما تسأل: من كان مع التلاميذ بعد أن صعد المسيح إلى السماء؟ والجواب هو أنّ المسيح حيٌّ في قلوب أتباعه، يرشدهم ويعلمهم بقيادة الروح القدس، الذي هو حالّ فيهم.
هل آمنت بالمسيح المخلِّص؟ اطلب منه أن يعمل في قلبك بقوّة روحه القدّوس.
آية للحفظ:
«سَتَنَالُونَ قُوَّةً مَتَى حَلَّ الرُّوحُ الْقُدُسُ عَلَيْكُمْ» (أعمال 1: 8)
صلاة:
أبانا السّماوي، نشكرك لأنّك تقبل أن يحل روحك فينا. أطلب أن يملأني الروح القدس بقوّة لأكرز بالمسيح للجميع.
سؤال:
1 - ما هما الهدفان من حلول الروح القدس على التلاميذ يوم الخمسين؟
الرسل ينتظرون حلول الروح القدس
12 حِينَئِذٍ رَجَعُوا إِلَى أُورُشَلِيمَ مِنَ الْجَبَلِ الَّذِي يُدْعَى جَبَلَ الزَّيْتُونِ، الَّذِي هُوَ بِالْقُرْبِ مِنْ أُورُشَلِيمَ، عَلَى سَفَرِ سَبْتٍ. 13 وَلَمَّا دَخَلُوا صَعِدُوا إِلَى الْعِلِّيَّةِ الَّتِي كَانُوا يُقِيمُونَ فِيهَا: بُطْرُسُ وَيَعْقُوبُ وَيُوحَنَّا، وَأَنْدَرَاوُسُ وَفِيلُبُّسُ وَتُومَا، وَبَرْثُولَمَاوُسُ وَمَتَّى وَيَعْقُوبُ بْنُ حَلْفَى، وَسِمْعَانُ الْغَيُورُ وَيَهُوذَا بْنُ يَعْقُوبَ. 14 هَؤُلاَءِ كُلُّهُمْ كَانُوا يُواظِبُونَ بِنَفْسٍ وَاحِدَةٍ عَلَى الصَّلاَةِ وَالطِّلْبَةِ مَعَ النِّسَاءِ وَمَرْيَمَ أُمِّ يَسُوعَ وَمَعَ إِخْوَتِهِ (أعمال 1: 12-14).
صعد المسيح إلى السماء من على جبل الزيتون بعد أن وعد تلاميذه بحلول الروح القدس عليهم، فرجعوا إلى أورشليم. والمسافة بين جبل الزيتون وأورشليم حوالي كيلو متر واحد، وهي المسافة التي كان مسموحاً لليهودي أن يمشيها في يوم السبت، ولهذا سمّوها «سفر سبت». واتَّجه التلاميذ إلى الغرفة التي سمّوها «العليّة» والتي كانت غالباً في بيت أم يوحنا مرقس، الذي كتب بشارة مرقس.
ونلاحظ هنا أنّ عدد التلاميذ كان أحد عشر تلميذاً، لأنّ يهوذا الإسخريوطي كان قد انتحر بعد أن خان المسيح وسلَّمه لشيوخ اليهود.
وكانت النساء ومريم أمّ يسوع وإخوة يسوع مع التلاميذ في العليّة يواظبون على الصّلاة بنفس واحدة. هكذا كانت حياة الكنيسة الأولى، حياة الصّلاة والاتحاد، منتظرين إتمام وعد المسيح بحلول الروح القدس عليهم. وما أحوجنا اليوم إلى مثل هذه الحياة. فهل تصلّي لأجل نفسك ولأجل الكنيسة لتكونوا بنفس واحدة، وأقوياء؟
آية للحفظ:
«هَؤُلاَءِ كُلُّهُمْ كَانُوا يُواظِبُونَ بِنَفْسٍ وَاحِدَةٍ عَلَى الصَّلاَةِ وَالطِّلْبَةِ» (أعمال 1: 14).
صلاة:
يا رب، أعطنا روح الوحدة لتكون لنا رجالاً ونساءً، نفس واحدة في الصلاة والطلبة في عائلتنا وكنيستنا ومجتمعنا.
سؤال:
2 - كيف تكون لنا، رجالاً ونساءً، نفس واحدة في الصلاة والطلبة؟
التلاميذ يختارون بديلاً ليهوذا
15 وَفِي تِلْكَ الأَيَّامِ قَامَ بُطْرُسُ فِي وَسَطِ التَّلاَمِيذِ، وَكَانَ عِدَّةُ أَسْمَاءٍ مَعاً نَحْوَ مِئَةٍ وَعِشْرِينَ. فَقَالَ: 16 «أَيُّهَا الرِّجَالُ الإِخْوَةُ، كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَتِمَّ هَذَا الْمَكْتُوبُ الَّذِي سَبَقَ الرُّوحُ الْقُدُسُ فَقَالَهُ بِفَمِ دَاوُدَ عَنْ يَهُوذَا الَّذِي صَارَ دَلِيلاً لِلَّذِينَ قَبَضُوا عَلَى يَسُوعَ 17 إِذْ كَانَ مَعْدُوداً بَيْنَنَا، وَصَارَ لَهُ نَصِيبٌ فِي هَذِهِ الْخِدْمَةِ. 18 فَإِنَّ هَذَا اقْتَنَى حَقْلاً مِنْ أُجْرَةِ الظُّلْمِ، وَإِذْ سَقَطَ عَلَى وَجْهِهِ انْشَقَّ مِنَ الْوَسَطِ فَانْسَكَبَتْ أَحْشَاؤُهُ كُلُّهَا. 19 وَصَارَ ذَلِكَ مَعْلُوماً عِنْدَ جَمِيعِ سُكَّانِ أُورُشَلِيمَ، حَتَّى دُعِيَ ذَلِكَ الْحَقْلُ فِي لُغَتِهِمْ «حَقْلَ دَمَا» (أَيْ: حَقْلَ دَمٍ). 20 لأَنَّهُ مَكْتُوبٌ فِي سِفْرِ الْمَزَامِيرِ: لِتَصِرْ دَارُهُ خَرَاباً، وَلاَ يَكُنْ فِيهَا سَاكِنٌ، وَلْيَأْخُذْ وَظِيفَتَهُ آخَرُ. 21 فَيَنْبَغِي أَنَّ الرِّجَالَ الَّذِينَ اجْتَمَعُوا مَعَنَا كُلَّ الزَّمَانِ الَّذِي فِيهِ دَخَلَ إِلَيْنَا الرَّبُّ يَسُوعُ وَخَرَجَ 22 مُنْذُ مَعْمُودِيَّةِ يُوحَنَّا إِلَى الْيَوْمِ الَّذِي ارْتَفَعَ فِيهِ عَنَّا، يَصِيرُ وَاحِدٌ مِنْهُمْ شَاهِداً مَعَنَا بِقِيَامَتِهِ». 23 فَأَقَامُوا اثْنَيْنِ: يُوسُفَ الَّذِي يُدْعَى بَارْسَابَا الْمُلَقَّبَ يُوسْتُسَ، وَمَتِّيَاسَ. 24 وَصَلَّوْا قَائِلِينَ: «أَيُّهَا الرَّبُّ الْعَارِفُ قُلُوبَ الْجَمِيعِ، عَيِّنْ أَنْتَ مِنْ هَذَيْنِ الاِثْنَيْنِ أَيّاً اخْتَرْتَهُ 25 لِيَأْخُذَ قُرْعَةَ هَذِهِ الْخِدْمَةِ وَالرِّسَالَةِ الَّتِي تَعَدَّاهَا يَهُوذَا لِيَذْهَبَ إِلَى مَكَانِهِ». 26 ثُمَّ أَلْقَوْا قُرْعَتَهُمْ فَوَقَعَتِ الْقُرْعَةُ عَلَى مَتِّيَاسَ، فَحُسِبَ مَعَ الأَحَدَ عَشَرَ رَسُولاً (أعمال 1: 15-26).
اجتمع التلاميذ مع نحو مائة وعشرين شخصاً من المؤمنين في أورشليم للصلاة والتعليم. ولم يفهموا أولاً لماذا أسلم يهوذا المسيح ليد أعدائه ليصلبوه، فبدأوا يدرسون النبوّات ليفهموا معناها فهماً صحيحاً. وشرح بطرس أنّ خيانة يهوذا للسيد المسيح وانتحاره بعد ذلك (مع أنّه واحد من التلاميذ) كان إتماماً لنبوّات العهد القديم الواردة في مزمور 69: 25، 109: 8. ومن تحقيق النبوّات نفهم أنّ الكتاب المقدس كُتب بوحي الروح القدس. وقال بطرس إنهم يجب أن يختاروا شخصاً آخر بدل يهوذا، حتى يكون عدد الرسل اثني عشر، بشرط أن يكون هذا الشخص ضمن الذين شاهدوا المسيح من وقت معموديّة يوحنا حتى الصعود، فيشهد أنّه رأى المسيح يُصلب كما رآه حيّاً بعد أن قام من الموت.
وبعد الصّلاة اختار التلاميذ شخصين من بين المائة والعشرين نفساً، هما يوسف الذي دُعي «بارسابا» والملقب يوستس، ومتياس، واثقين أن الله سيختار من بينهما الشخص المطلوب.
ومن صلاتهم ندرك قوّة إيمانهم بأنّ الله كلي المعرفة، فقد قالوا: «أَيُّهَا الرَّبُّ الْعَارِفُ قُلُوبَ الْجَمِيعِ». كما حدَّدوا الغرض الذي صلّوا من أجله قائلين: «عَيِّنْ أَنْتَ مِنْ هَذَيْنِ الاِثْنَيْنِ أَيّاً اخْتَرْتَهُ» وأعلنوا طاعتهم واستعدادهم لقبول إرشاد الله لهم.
بعد أن صلّوا ألقوا القرعة ليعرفوا ما هي إرادة الله، فوقعت القرعة على متياس، فأصبح عدد الرسل اثني عشر من جديد.
حلول الرّوح القدس
1 وَلَمَّا حَضَرَ يَوْمُ الْخَمْسِينَ كَانَ الْجَمِيعُ مَعاً بِنَفْسٍ وَاحِدَةٍ، 2 وَصَارَ بَغْتَةً مِنَ السَّمَاءِ صَوْتٌ كَمَا مِنْ هُبُوبِ رِيحٍ عَاصِفَةٍ وَمَلأَ كُلَّ الْبَيْتِ حَيْثُ كَانُوا جَالِسِينَ، 3 وَظَهَرَتْ لَهُمْ أَلْسِنَةٌ مُنْقَسِمَةٌ كَأَنَّهَا مِنْ نَارٍ وَاسْتَقَرَّتْ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ. 4 وَامْتَلأَ الْجَمِيعُ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ، وَابْتَدَأُوا يَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَةٍ أُخْرَى كَمَا أَعْطَاهُمُ الرُّوحُ أَنْ يَنْطِقُوا (أعمال 2: 1-4).
كان الرسل يجتمعون مع أعضاء الكنيسة للصلاة ودرس كلام الله. ولمّـا حضر يوم الخمسين، كانوا يتعبدون معاً حسب عادتهم، بنفس واحدة.. ويوم الخمسين هو أحد أعياد اليهود، ويُسمّى أيضاً «عيد الأسابيع» ويقع بعد الفصح بخمسين يوماً (لاويين 23: 15، 16 وتثنية 16: 9، 10). ويكون عادةً في أول الأسبوع (أي يوم الأحد) لأنّ اليوم الأول لعيد الفصح السابق كان في اليوم السابع الذي هو يوم السبت. ويوم الأحد هو اليوم الذي قام فيه المسيح فصحنا من الموت، وفيه بدأ يظهر لتلاميذه. وهو أول الأسبوع (يوحنا 20: 1).
وعندما كان الجميع بنفس واحدة في الصلاة انسكب عليهم الرّوح القدس بصورة قوية، بصوت تسمعه الأذن، كما من هبوب ريح عاصفة ملأت المكان، وبألسنة كأنها من نار تراها العين، وابتدأ الجميع يتكلمون بلغات مختلفة لم يكونوا يعرفونها من قبل، وبهذا تمّ وعد المسيح لتلاميذه بحلول الرّوح القدس.
ولم تكن هذه النار ناراً طبيعية، لكن كأنّـها من نار، مثل ألسنة اللهب. وكانت هذه الألسنة منقسمة أي متفرقة، وكل منها مستقل، تحقِّق ما قيل عن المسيح إنّه «سَُيعَمِّدُ بِالرُّوحِ الْقُدُسِ ونَارٍ» (متى 3: 11 ولوقا 3: 16).
والنار ترمز إلى التطهير والإرشاد والغيرة والقوة. وكانت الألسنة المختلفة لازمة لبناء الكنيسة الناشئة في الإيمان، والتي سيكرزون بها إلى أقصى الأرض.. ونحن نحتاج في هذه الأيام إلى قوّة الروح القدس لنشهد لإنجيل المسيح بلغة قلبية حيَّة يفهمها سامعونا.
آية للحفظ:
«وَامْتَلأَ الْجَمِيعُ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ» (أعمال 2: 4)
صلاة:
أبي السماوي، أنا ضعيف محتاج إلى قوّة الرّوح القدس. فرِّغْني من خطاياي وضعفاتي، واملأني بروحك القدوس.
سؤال:
3 - إلى أي شيء تشير الألسنة المنقسمة كأنها من نار، والتي حلّت على التلاميذ يوم الخمسين؟
5 وَكَانَ يَهُودٌ رِجَالٌ أَتْقِيَاءُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ تَحْتَ السَّمَاءِ سَاكِنِينَ فِي أُورُشَلِيمَ. 6 فَلَمَّا صَارَ هَذَا الصَّوْتُ اجْتَمَعَ الْجُمْهُورُ وَتَحَيَّرُوا، لأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ كَانَ يَسْمَعُهُمْ يَتَكَلَّمُونَ بِلُغَتِهِ، 7 فَبُهِتَ الْجَمِيعُ وَتَعَجَّبُوا قَائِلِينَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: «أَتُرَى لَيْسَ جَمِيعُ هَؤُلاَءِ الْمُتَكَلِّمِينَ جَلِيلِيِّينَ؟ 8 فَكَيْفَ نَسْمَعُ نَحْنُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا لُغَتَهُ الَّتِي وُلِدَ فِيهَا: 9 فَرْتِيُّونَ وَمَادِيُّونَ وَعِيلاَمِيُّونَ وَالسَّاكِنُونَ مَا بَيْنَ النَّهْرَيْنِ وَالْيَهُودِيَّةَ وَكَبَّدُوكِيَّةَ وَبُنْتُسَ وَأَسِيَّا 10 وَفَرِيجِيَّةَ وَبَمْفِيلِيَّةَ وَمِصْرَ، وَنَوَاحِيَ لِيبِيَّةَ الَّتِي نَحْوَ الْقَيْرَوَانِ، وَالرُّومَانِيُّونَ الْمُسْتَوْطِنُونَ يَهُودٌ وَدُخَلاَءُ 11 كِرِيتِيُّونَ وَعَرَبٌ، نَسْمَعُهُمْ يَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَتِنَا بِعَظَائِمِ اللهِ؟». 12 فَتَحَيَّرَ الْجَمِيعُ وَارْتَابُوا قَائلِينَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: «مَا عَسَى أَنْ يَكُونَ هَذَا؟». 13 وَكَانَ آخَرُونَ يَسْتَهْزِئُونَ قَائِلِينَ: «إِنَّهُمْ قَدِ امْتَلأُوا سُلاَفَةً» (أعمال 2: 5-13)
كان جمع كبير من اليهود موجودين في أورشليم، جاء كثيرون منهم ليحتفلوا بالعيد من غرب آسيا وشمال أفريقيا، ولا بد أنهم كانوا يتكلمون بلغات مختلفة حسب اختلاف بلادهم. وهذه معجزة عظيمة لأن أولئك الرسل لم تكن لهم فرصة ليتعلموا لغات أخرى غير لغتهم، ولكنّ الله ألهمهم أن يعلنوا رسالة المسيح الصادقة بمختلف لغات الحاضرين. وكانت تلك معجزة ضرورية في بداءة التبشير بالإنجيل. واندهش السامعون لأنهم سمعوا عن أعمال الله العظيمة بلغاتهم التي وُلدوا فيها.
وأعمال الله العظيمة واضحة في إرسال المسيح في صورة إنسان، وموته بالصّلب، وقيامته من الموت، وكونه مخلصاً لكل من يؤمن به. ومع هذا فقد قال البعض، ولعلهم من سكان أورشليم الذين لم يفهموا تلك اللغات الأجنبية، إن كلام الرسل لا معنى له، وسخروا واستهزأوا قائلين إن الرسل سكروا كثيراً!
عظة بطرس الأولى
تستغرق عظة الرسول بطرس الآيات 14-36 من الأصحاح الثاني، ونرى فيها خمسة أمور:
1- دفاع عقليّ ونقليّ عن الرسالة والرسل (آيات 14-21)
2- حياة المسيح على الأرض (آية 22)
3- موت المسيح الكفاري (آية 23)
4- قيامة المسيح (آيات 24-32)
5- صعود المسيح (آيات 33-36)
1 - دفاع عقليّ ونقليّ عن الرسالة والرسل
14 فَوَقَفَ بُطْرُسُ مَعَ الأَحَدَ عَشَرَ وَرَفَعَ صَوْتَهُ وَقَالَ لَهُمْ: «أَيُّهَا الرِّجَالُ الْيَهُودُ وَالسَّاكِنُونَ فِي أُورُشَلِيمَ أَجْمَعُونَ، لِيَكُنْ هَذَا مَعْلُوماً عِنْدَكُمْ وَأَصْغُوا إِلَى كَلاَمِي، 15 لأَنَّ هَؤُلاَءِ لَيْسُوا سُكَارَى كَمَا أَنْتُمْ تَظُنُّونَ، لأَنَّهَا السَّاعَةُ الثَّالِثَةُ مِنَ النَّهَارِ. 16 بَلْ هَذَا مَا قِيلَ بِيُوئِيلَ النَّبِيِّ. 17 يَقُولُ اللهُ: وَيَكُونُ فِي الأَيَّامِ الأَخِيرَةِ أَنِّي أَسْكُبُ مِنْ رُوحِي عَلَى كُلِّ بَشَرٍ، فَيَتَنَبَّأُ بَنُوكُمْ وَبَنَاتُكُمْ، وَيَرَى شَبَابُكُمْ رُؤىً، وَيَحْلُمُ شُيُوخُكُمْ أَحْلاَماً. 18 وَعَلَى عَبِيدِي أَيْضاً وَإِمَائِي أَسْكُبُ مِنْ رُوحِي فِي تِلْكَ الأَيَّامِ فَيَتَنَبَّأُونَ، 19 وَأُعْطِي عَجَائِبَ فِي السَّمَاءِ مِنْ فَوْقُ، وَآيَاتٍ عَلَى الأَرْضِ مِنْ أَسْفَلُ: دَماً وَنَاراً وَبُخَارَ دُخَانٍ. 20 تَتَحَوَّلُ الشَّمْسُ إِلَى ظُلْمَةٍ وَالْقَمَرُ إِلَى دَمٍ قَبْلَ أَنْ يَجِيءَ يَوْمُ الرَّبِّ الْعَظِيمُ الشَّهِيرُ. 21 وَيَكُونُ كُلُّ مَنْ يَدْعُو بِاسْمِ الرَّبِّ يَخْلُصُ» (أعمال 2: 14-21).
لمّـا ضحك بعض اليهود وقالوا عن الرسل إنهم سكروا كثيراً، وقف بطرس وألقى عظته الأولى التي بدأها بالدفاع العقلي، فقال: «هَؤُلاَءِ لَيْسُوا سُكَارَى كَمَا أَنْتُمْ تَظُنُّونَ، لأَنَّهَا السَّاعَةُ الثَّالِثَةُ مِنَ النَّهَارِ» (آية 15). والساعة الثالثة حسب توقيتهم هي التاسعة صباحاً بتوقيتنا، وهي ساعة صلاة الصبح عند اليهود. وليس من المعقول أن يسكر الناس في الصباح، في ساعة الصلاة! ولم يكن اليهودي المتعبّد يتناول إفطاره إلاّ بعد صلاة الصبح في المعبد. وعلى هذا يكون التكلّم بلغات مختلفة نتيجة الامتلاء بالروح القدس، وليس من تأثير السكر بالخمر.
ثم انتقل الرسول بطرس إلى الدفاع النقلي، فشرح أنّ ما حدث هو تحقيق وإتمام لنبوّة يوئيل النبي عن حلول الرّوح القدس على الرجال والنساء، وعلى الكبار والصغار (يوئيل 2: 28-32). فقد جاءت الأيام الأخيرة التي تنبأ عنها يوئيل، وهي الأيام التي صُلب فيها المسيح ومات ودُفن وقام في اليوم الثالث وصعد إلى السّماء، وأرسل الروح القدس. هذا بالمفارقة مع الأيام الأولى للملوك والأنبياء (إشعياء 2: 2). وكل من يطلب اسم الله ويؤمن بالمسيح الفادي يخلص من خطاياه.
أمّا الأيام التي فيها تتحوّل الشمس إلى ظلمة والقمر إلى دم فهي تتمّ عند مجيء اليوم الأخير، الذي يعلم الله وحده ميعاده، وهو يوم الرب العظيم الشهير ببركاته للمؤمنين وبويلاته للأشرار.
آية للحفظ:
«كُلُّ مَنْ يَدْعُو بِاسْمِ الرَّبِّ يَخْلُصُ» (أعمال 2: 21).
صلاة:
أبي السّماوي، أشكرك لأنّ بابك مفتوح لكل من يدعوك. خلِّصني من ضعفاتي وخطاياي التي أعرفها والتي أجهلها.
سؤال:
4 - كيف دافع بطرس عن تهمة أنَّ التلاميذ سكارى؟
2 - حياة المسيح على الأرض
22 «أَيُّهَا الرِّجَالُ الإِسْرَائِيلِيُّونَ، اسْمَعُوا هَذِهِ الأَقْوَالَ: يَسُوعُ النَّاصِرِيُّ رَجُلٌ قَدْ تَبَرْهَنَ لَكُمْ مِنْ قِبَلِ اللهِ بِقُوَّاتٍ وَعَجَائِبَ وَآيَاتٍ صَنَعَهَا اللهُ بِيَدِهِ فِي وَسَطِكُمْ، كَمَا أَنْتُمْ أَيْضاً تَعْلَمُونَ (آية 22).
لم يكن هناك ما يدعو الرسول بطرس ليذكُر لسامعيه اليهود معجزات المسيح، الذي أشبع الجياع، وشفى المرضى، وطرد الشياطين، وهدّأ الأمواج، وأقام الموتى، فقد رأوا هذه المعجزات بعيونهم، فاكتفى بطرس بالإشارة إليها في هذه الآية الواحدة. وقال إنّ يسوع الناصري رجلٌ، لأنّه الله الذي أخلى نفسه وأخذ صورة عبد، وهو الإنسان الكامل (فيلبّي 2: 7).
3 - موت المسيح الكفَّاري
23 هَذَا أَخَذْتُمُوهُ مُسَلَّماً بِمَشُورَةِ اللهِ الْمَحْتُومَةِ وَعِلْمِهِ السَّابِقِ، وَبِأَيْدِي أَثَمَةٍ صَلَبْتُمُوهُ وَقَتَلْتُمُوهُ (آية 23).
ولم يكن هناك داعٍ لأن يبرهن لهم أنّـهم صالبو المسيح وقاتلوه، فهم الذين صرخوا لبيلاطس: «اصْلِبْهُ! اصْلِبْهُ!» (لوقا 23: 21)، وقد رأوه بعيونهم معلَّقاً على الصليب، وسمعوه يقول «يَا أَبَتَاهُ، فِي يَدَيْكَ أَسْتَوْدِعُ رُوحِي» (لوقا 23: 46). وأوضح بطرس أنّ هذا الصلب والموت تحقيق للنبوّات، فهو بمشورة الله المحتومة وحسب علمه السابق، ورغم أنّ هذا لا يعفي هؤلاء الأشرار من المسؤولية، فقد صلبوه وقتلوه بأيدٍ أثيمة.
آية للحفظ:
«بِأَيْدِي أَثَمَةٍ صَلَبْتُمُوهُ وَقَتَلْتُمُوهُ» (أعمال 2: 23)
صلاة:
أبي السّماوي، أشكرك لأجل المسيح الذي بذل نفسه فدية عن كثيرين، لكي لا يهلك كل من يؤمن به، بل تكون له الحياة الأبدية.
سؤال:
5 - كيف أوضح بطرس لليهود حقيقة الصّلب؟
4 - قيامة المسيح
24 اَلَّذِي أَقَامَهُ اللهُ نَاقِضاً أَوْجَاعَ الْمَوْتِ إِذْ لَمْ يَكُنْ مُمْكِناً أَنْ يُمْسَكَ مِنْهُ. 25 لأَنَّ دَاوُدَ يَقُولُ فِيهِ: كُنْتُ أَرَى الرَّبَّ أَمَامِي فِي كُلِّ حِينٍ أَنَّهُ عَنْ يَمِينِي لِكَيْ لاَ أَتَزَعْزَعَ. 26 لِذَلِكَ سُرَّ قَلْبِي وَتَهَلَّلَ لِسَانِي. حَتَّى جَسَدِي أَيْضاً سَيَسْكُنُ عَلَى رَجَاءٍ. 27 لأَنَّكَ لَنْ تَتْرُكَ نَفْسِي فِي الْهَاوِيَةِ، وَلاَ تَدَعَ قُدُّوسَكَ يَرَى فَسَاداً. 28 عَرَّفْتَنِي سُبُلَ الْحَيَاةِ، وَسَتَمْلأُنِي سُرُوراً مَعَ وَجْهِكَ.
29 أَيُّهَا الرِّجَالُ الإِخْوَةُ، يَسُوغُ أَنْ يُقَالَ لَكُمْ جِهَاراً عَنْ رَئِيسِ الآبَاءِ دَاوُدَ إِنَّهُ مَاتَ وَدُفِنَ وَقَبْرُهُ عِنْدَنَا حَتَّى هَذَا الْيَوْمِ. 30 فَإِذْ كَانَ نَبِيّاً وَعَلِمَ أَنَّ اللهَ حَلَفَ لَهُ بِقَسَمٍ أَنَّهُ مِنْ ثَمَرَةِ صُلْبِهِ يُقِيمُ الْمَسِيحَ حَسَبَ الْجَسَدِ لِيَجْلِسَ عَلَى كُرْسِيِّهِ 31 سَبَقَ فَرَأَى وَتَكَلَّمَ عَنْ قِيَامَةِ الْمَسِيحِ: أَنَّهُ لَمْ تُتْرَكْ نَفْسُهُ فِي الْهَاوِيَةِ وَلاَ رَأَى جَسَدُهُ فَسَاداً. 32 فَيَسُوعُ هَذَا أَقَامَهُ اللهُ، وَنَحْنُ جَمِيعاً شُهُودٌ لِذَلِك (أعمال 2: 24-32).
توسَّع الرسول بطرس في الحديث عن القيامة للأسباب التالية على الأقل:
(أ) لأنّ اليهود أشاعوا أنّ المسيح لم يقُم من الموت، بل إنّ تلاميذه سرقوا جسده من القبر وقالوا إنّه قام (متّى 28: 13). فأكد الرسول بطرس أنّه قام كما قال، وبرهن أنّ قيامة المسيح تحقيق وإتمام لنبوة داود في سفر المزامير (مزمور 16: 8-11). وكان اليهود يظنون أنّ هذه النبوّة خاصّة بداود نفسه، فشرح الرسول بطرس أنّـها تخصّ المسيح وحده. فالأوصاف الواردة بها لا تنطبق على داود الذي لا يزال مدفوناً في قبره، بل تنطبق على المسيح الذي صُلب، ومات، ودُفن وقام!
(ب) لأنّ القيامة تعني أنّ كفارة المسيح قد قُبلت، فالذي مات لأجلنا قام غالباً، وفيه يموت الذي يؤمن بكفارة المسيح عن خطاياه، وفيه يقوم أيضاً لحياة روحيّة جديدة. كما يقول الوحي: «وَأَنْتُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَمْوَاتاً بِالذُّنُوبِ وَالْخَطَايَا.. اَللَّهُ الَّذِي هُوَ غَنِيٌّ فِي الرَّحْمَةِ.. وَنَحْنُ أَمْوَاتٌ بِالْخَطَايَا أَحْيَانَا مَعَ الْمَسِيحِ.. وَأَقَامَنَا مَعَهُ» (أفسس 2: 1-6).
(ج) جعلت القيامة الحياة حقاً لكل من يؤمن بالمسيح المصلوب المقام، وأصبحت الشّهادة للمسيح واجباً عليه.
آية للحفظ:
«فَيَسُوعُ هَذَا أَقَامَهُ اللهُ، وَنَحْنُ جَمِيعاً شُهُودٌ لِذَلِك» (أعمال 2: 32)
صلاة:
يا رب، أشكرك لأنّي أتبع مخلِّصاً يحبّني ومات لأجلي، وهو مخلِّص قويّ هزم الموت، فصارت لي حياة.
سؤال:
6 - لماذا توسّع الرسول بطرس في شرح حقيقة قيامة المسيح؟
5 - صعود المسيح
33 وَإِذِ ارْتَفَعَ بِيَمِينِ اللهِ، وَأَخَذَ مَوْعِدَ الرُّوحِ الْقُدُسِ مِنَ الآبِ، سَكَبَ هَذَا الَّذِي أَنْتُمُ الآنَ تُبْصِرُونَهُ وَتَسْمَعُونَهُ. 34 لأَنَّ دَاوُدَ لَمْ يَصْعَدْ إِلَى السَّمَاوَاتِ. وَهُوَ نَفْسُهُ يَقُولُ: قَالَ الرَّبُّ لِرَبِّي اجْلِسْ عَنْ يَمِينِي 35 حَتَّى أَضَعَ أَعْدَاءَكَ مَوْطِئاً لِقَدَمَيْكَ. 36 فَلْيَعْلَمْ يَقِيناً جَمِيعُ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ أَنَّ اللهَ جَعَلَ يَسُوعَ هَذَا الَّذِي صَلَبْتُمُوهُ أَنْتُمْ رَبّاً وَمَسِيحاً (آيات 33-36).
وأكّد الرسول بطرس لسامعيه أنّ المسيح صعد إلى السماء، وأرسل الرّوح القدس، بحسب نبوّة المزمور 110، الذي فيه يقول الرب الآب للرب الابن: «اجْلِسْ عَنْ يَمِينِي». ولا يمكن أن تنطبق هذه النبوّة على داود، لأنّ داود لم يصعد إلى السّماء. لكن المسيح الذي صلبه اليهود بأيدي أثمة وقتلوه هو الرب والمسيح الذي قام وصعد إلى السماء، وهو الذي يفدي الخطاة ويغفر الخطايا.
37 فَلَمَّا سَمِعُوا نُخِسُوا فِي قُلُوبِهِمْ وَسَأَلُوا بُطْرُسَ وَسَائِرَ الرُّسُلِ: «مَاذَا نَصْنَعُ أَيُّهَا الرِّجَالُ الإِخْوَةُ؟» 38 فَقَالَ لَهُمْ بُطْرُسُ: «تُوبُوا وَلْيَعْتَمِدْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ عَلَى اسْمِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ لِغُفْرَانِ الْخَطَايَا فَتَقْبَلُوا عَطِيَّةَ الرُّوحِ الْقُدُسِ. 39 لأَنَّ الْمَوْعِدَ هُوَ لَكُمْ وَلأَوْلاَدِكُمْ، وَلِكُلِّ الَّذِينَ عَلَى بُعْدٍ، كُلِّ مَنْ يَدْعُوهُ الرَّبُّ إِلَهُنَا». 40 وَبِأَقْوَالٍ أُخَرَ كَثِيرَةٍ كَانَ يَشْهَدُ لَهُمْ وَيَعِظُهُمْ قَائِلاً: «اخْلُصُوا مِنْ هَذَا الْجِيلِ الْمُلْتَوِي». 41 فَقَبِلُوا كَلاَمَهُ بِفَرَحٍ وَاعْتَمَدُوا، وَانْضَمَّ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ نَحْوُ ثَلاَثَةِ آلاَفِ نَفْسٍ (أعمال 2: 37-41).
سمع اليهود عظة بطرس القوية الواضحة، وفهموا أنهم أخطأوا عندما صلبوا المسيح، فبكتتهم ضمائرهم وتألّموا ألماً نفسيّاً شديداً لشعورهم بإثمهم، لأنّ الروح القدس وبّخهم، فأرادوا أن يعرفوا طريق الخلاص من غضب الله، وسألوا الرسل: «مَاذَا نَصْنَعُ أَيُّهَا الرِّجَالُ الإِخْوَةُ؟». لقد تغيَّر شعورهم بعد تأثير الرّوح القدس فيهم، فبعد أن ضحكوا على الرسل وقالوا إنهم سكارى، دعوهم «إخوة» وطلبوا إرشادهم. ومن هذا نرى أنّ الشعور بالخطيّة والنّدامة عليها هو طريق قبول بشارة الإنجيل.
وردَّ بطرس على سؤالهم، نيابة عن باقي الرسل، فقال: «تُوبُوا» لأنّـهم خطاة، والتّوبة هي تغيير الاتجاه. ثم قال: «ولْيَعْتَمِدْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ عَلَى اسْمِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ لِغُفْرَانِ الْخَطَايَا». فمن يقبل المعمودية يعترف بإيمانه أن يسوع هو المسيح والمخلِّص. وترمز المعموديّة إلى تطهير القلب بالرّوح القدس، وهي علامة الاشتراك في كنيسة المسيح. ومتى اعتمد المؤمن على اسم يسوع المسيح لغفران خطاياه يقبل عطية الرّوح القدس الذي يجدّد قلبه ويريح ضميره.
وقال بطرس إنّ عطية الروح القدس ليست لليهود فقط، بل لكل الذين على بُعد، من كلّ الذين اختارهم الرب لنفسه من كلّ الشّعوب والألسنة. ففرح الحاضرون وقبلوا كلمة الله وتعمَّدوا، وانضمّوا إلى الكنيسة. وكان عددهم نحو ثلاثة آلاف نفس، وهذا عدد كبير، فلا بدّ أنّ باقي الرّسل اشتركوا مع بطرس في معموديتهم.
أيّها القارئ العزيز، هل عرفت أنّ المسيح هو المخلِّص الذي صُلب ومات ودُفن وقام وصعد إلى السماوات ليغفر لك خطاياك؟ وهل قبلت الخلاص والغفران الذي يقدّمه لك؟
آية للحفظ:
«اخْلُصُوا مِنْ هَذَا الْجِيلِ الْمُلْتَوِي» (أعمال 2: 40).
صلاة:
أبي السّماوي، كما عمل الروح القدس بكلمات الرسول بطرس، اعمل بكلمة الوعظ في هذه الأيّام، ليخلص الكثيرون من هذا الجيل الملتوي.
سؤال:
7 – اذكر إجابة بطرس على سؤال سامعيه «ماذا نصنع أيّـها الرّجال الإخوة؟»
42 وَكَانُوا يُواظِبُونَ عَلَى تَعْلِيمِ الرُّسُلِ والشَّرِكَةِ وَكَسْرِ الْخُبْزِ وَالصَّلَوَاتِ. 43 وَصَارَ خَوْفٌ فِي كُلِّ نَفْسٍ. وَكَانَتْ عَجَائِبُ وَآيَاتٌ كَثِيرَةٌ تُجْرَى عَلَى أَيْدِي الرُّسُلِ. 44 وَجَمِيعُ الَّذِينَ آمَنُوا كَانُوا مَعاً، وَكَانَ عِنْدَهُمْ كُلُّ شَيْءٍ مُشْتَرَكاً. 45 وَالأَمْلاَكُ وَالْمُقْتَنَيَاتُ كَانُوا يَبِيعُونَهَا وَيَقْسِمُونَهَا بَيْنَ الْجَمِيعِ كَمَا يَكُونُ لِكُلِّ وَاحِدٍ احْتِيَاجٌ. 46 وَكَانُوا كُلَّ يَوْمٍ يُواظِبُونَ فِي الْهَيْكَلِ بِنَفْسٍ وَاحِدَةٍ. وَإِذْ هُمْ يَكْسِرُونَ الْخُبْزَ فِي الْبُيُوتِ كَانُوا يَتَنَاوَلُونَ الطَّعَامَ بِابْتِهَاجٍ وَبَسَاطَةِ قَلْبٍ 47 مُسَبِّحِينَ اللهَ، وَلَهُمْ نِعْمَةٌ لَدَى جَمِيعِ الشَّعْبِ. وَكَانَ الرَّبُّ كُلَّ يَوْمٍ يَضُمُّ إِلَى الْكَنِيسَةِ الَّذِينَ يَخْلُصُونَ (أعمال 2: 42-47).
كان عدد أعضاء الكنيسة قبل حلول الروح القدس نحو مائة وعشرين شخصاً، وبعد أول عظة ألقاها الرسول بطرس انضمّ إليهم نحو ثلاثة آلاف آخرين. وزاد عدد المؤمنين الذين كوَّنوا أول كنيسة بعد صعود المسيح، وثبتوا في حياة الإيمان لأنّهم كانوا يواظبون على تعليم الرسل وشرح كلمة الله. ومع أنّ الجميع نالوا عطيّة الروح القدس، إلا أنّ هذا لم يمنعهم من الاستماع إلى التعليم.
وعاش المؤمنون الجدد في شركة روحيّة قويّة، فشاركوا الرّسل في أفراحهم بالخلاص وفي خدمتهم بالتبشير، وفي احتمالهم للإهانات، وفي مشاركتهم في الصّلاة والتّسبيح، وكانوا يواظبون مع الرسل على كسر الخبز كعائلة واحدة، ويأكلون طعامهم العاديّ معاً. وهذا دليل على اتّحاد الكنيسة برأس واحد هو المسيح، الذي وحَّد القلوب في وحدانية الإيمان.
وكان المؤمنون الأوّلون يختمون تناولهم للطعام بتناول العشاء الرباني، كما فعل المسيح عندما أكل الفصح مع الرسل، ليذكروا ذبيحة موت المسيح لغفران الخطايا، وهكذا شعروا بحضور الله معهم دائماً، ولم يحسب أحدٌ منهم أنّ ما عنده هو لنفعه الخاص، بل اعتبره أمانة أعطاها له الله لينفقها على إخوته في الإيمان عند حاجتهم. فكان عندهم كلّ شيء مشتركاً.
لقد كانت حياتهم حياة البساطة والفرح والابتهاج، مملوءة بالمحبة، غيورة على التبشير باسم المسيح، وهم يعلِّموننا اليوم أن نواظب على سماع كلام الله، وأن نحبّ بعضنا بعضاً، وأن ننكر ذواتنا، ونواظب على الصّلاة الجمهورية، ونتناول العشاء الرباني معاً.
وما زال الرب حيّاً يعمل في كنيسته بواسطة الروح القدس. فاطلب من الله أن يسكب روحه على كنيستك في هذه الأيام حتى نرى كثيرين يخلصون وينضمّون إليها.
آية للحفظ:
«جَمِيعُ الَّذِينَ آمَنُوا كَانُوا مَعاً، وَكَانَ عِنْدَهُمْ كُلُّ شَيْءٍ مُشْتَرَكاً» (أعمال 2: 44)
صلاة:
أبي السّماوي، علِّمني أن أشارك المحتاجين في ما أعطيته لي، لأشارك في تسديد إعوازهم.
سؤال:
8 - ما الذي ميَّز أعضاء الكنيسة الأولى؟
الكنيسة في أورشليم
أعمال الرسل 3-5
بعد حلول الروح القدس على الرسل، ووعظ بطرس في يوم الخمسين، واعتماد نحو ثلاثة آلاف نفس وانضمامهم إلى الكنيسة، ظهرت قوّة الروح القدس في الكنيسة. إذ كان الرب كل يوم يضمّ إلى الكنيسة الذين يخلصون.
فرح الرسل والمؤمنون بمساعدة الرب للكنيسة الناشئة التي تكوَّنت في أورشليم، فقد تمَّ وعد المسيح بحلول الروح القدس، وخرج الرسل يبشرون بقوّة المسيح المقام.
شفاء رجل أعرج
1 وَصَعِدَ بُطْرُسُ وَيُوحَنَّا مَعاً إِلَى الْهَيْكَلِ فِي سَاعَةِ الصَّلاَةِ التَّاسِعَةِ. 2 وَكَانَ رَجُلٌ أَعْرَجُ مِنْ بَطْنِ أُمِّهِ يُحْمَلُ كَانُوا يَضَعُونَهُ كُلَّ يَوْمٍ عِنْدَ بَابِ الْهَيْكَلِ الَّذِي يُقَالُ لَهُ «الْجَمِيلُ» لِيَسْأَلَ صَدَقَةً مِنَ الَّذِينَ يَدْخُلُونَ الْهَيْكَلَ. 3 فَهَذَا لَمَّا رَأَى بُطْرُسَ وَيُوحَنَّا مُزْمِعَيْنِ أَنْ يَدْخُلاَ الْهَيْكَلَ سَأَلَ لِيَأْخُذَ صَدَقَةً. 4 فَتَفَرَّسَ فِيهِ بُطْرُسُ مَعَ يُوحَنَّا وَقَالَ: «انْظُرْ إِلَيْنَا!» 5 فَلاَحَظَهُمَا مُنْتَظِراً أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُمَا شَيْئاً. 6 فَقَالَ بُطْرُسُ: «لَيْسَ لِي فِضَّةٌ وَلاَ ذَهَبٌ، وَلَكِنِ الَّذِي لِي فَإِيَّاهُ أُعْطِيكَ: بِاسْمِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ النَّاصِرِيِّ قُمْ وَامْشِ». 7 وَأَمْسَكَهُ بِيَدِهِ الْيُمْنَى وَأَقَامَهُ. فَفِي الْحَالِ تَشَدَّدَتْ رِجْلاَهُ وَكَعْبَاهُ، 8 فَوَثَبَ وَوَقَفَ وَصَارَ يَمْشِي، وَدَخَلَ مَعَهُمَا إِلَى الْهَيْكَلِ وَهُوَ يَمْشِي وَيَطْفُرُ وَيُسَبِّحُ اللهَ، 9 وَأَبْصَرَهُ جَمِيعُ الشَّعْبِ وَهُوَ يَمْشِي وَيُسَبِّحُ اللهَ. 10 وَعَرَفُوهُ أَنَّهُ هُوَ الَّذِي كَانَ يَجْلِسُ لأَجْلِ الصَّدَقَةِ عَلَى بَابِ الْهَيْكَلِ الْجَمِيلِ، فَامْتَلأُوا دَهْشَةً وَحَيْرَةً مِمَّا حَدَثَ لَهُ (أعمال 3: 1-10).
ذهب بطرس ويوحنا إلى الهيكل في ساعة الصلاة التاسعة، وهي الثالثة بعد الظهر بتوقيتنا، وهذا وقت تقديم الذّبيحة المسائية (سفر العدد 28: 4، 8).
وهناك وجدا رجلاً أعرج منذ ولادته، في الأربعين من عمره (أعمال 4: 22) يجلس عند باب الهيكل المعروف باسم «باب الجميل» يطلب إحساناً ومساعدة من الناس. وكان هذا الباب شرقي الهيكل، وكان الناس يدخلون منه للصلاة. ولا بدّ أنّ ذلك الأعرج كان معروفاً لجميع اليهود الذين كانوا يذهبون للهيكل. ولما رأى بطرس ويوحنا الأعرج قال له بطرس: «انظر إلينا» ففرح لأنه ظنّ أنّه سيأخذ منهما نقوداً.
ولم يقل بطرس ولا يوحنا إنّ وقوفهما مع الأعرج يؤخّرهما عن الصّلاة. ولم يقدّما له فضة ولا ذهباً، بل أعطياه شيئاً أعظم، فقد قال له بطرس: «بِاسْمِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ النَّاصِرِيِّ قُمْ وَامْشِ» فقام فوراً وصار يمشي ويقفز ويسبّح الله.
قال له بطرس: «قُمْ وَامْشِ» ليظهر لنا ضرورة الإيمان الذي يجب أن يملأ القلب قبل حدوث المعجزة. والإيمان الصحيح يدفع صاحبه إلى العزم والطاعة. وكلّ من يريد أن يخلص من الخطيّة لا بدّ أن يعزم ويؤمن بقوّة اسم المسيح لخلاصه.
شُفي الرجل الأعرج ودخل الهيكل مع بطرس ويوحنا، وأبصره جميع الشعب الذي كان داخل الهيكل، وهم يعرفونه. فاندهشوا وتعجبوا وعلموا أنَّ قوة إلهية شفته، وقد تحققت فيه نبوّة إشعياء النبي عما يحدث عند مجيء المسيح «حِينَئِذٍ يَقْفِزُ الأَعْرَجُ كَالإِيَّلِ» (إشعياء 35: 6).
آية للحفظ:
«بِاسْمِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ النَّاصِرِيِّ قُمْ وَامْشِ» (أعمال 3: 6).
صلاة:
ساعدني يا أبي السّماوي لأشكرك وأسبّح لك على كلّ عطاياك وشفاءاتك لي.
سؤال:
9 - كيف تحققت نبوّة إشعياء 35: 6؟
عظة بطرس الثانية
11 وَبَيْنَمَا كَانَ الرَّجُلُ الأَعْرَجُ الَّذِي شُفِيَ مُتَمَسِّكاً بِبُطْرُسَ وَيُوحَنَّا تَرَاكَضَ إِلَيْهِمْ جَمِيعُ الشَّعْبِ إِلَى الرِّوَاقِ الَّذِي يُقَالُ لَهُ «رِوَاقُ سُلَيْمَانَ» وَهُمْ مُنْدَهِشُونَ. 12 فَلَمَّا رَأَى بُطْرُسُ ذَلِكَ قَالَ لِلْشَّعْبَ: «أَيُّهَا الرِّجَالُ الإِسْرَائِيلِيُّونَ، مَا بَالُكُمْ تَتَعَجَّبُونَ مِنْ هَذَا؟ وَلِمَاذَا تَشْخَصُونَ إِلَيْنَا كَأَنَّنَا بِقُوَّتِنَا أَوْ تَقْوَانَا قَدْ جَعَلْنَا هَذَا يَمْشِي؟ 13 إِنَّ إِلَهَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ إِلَهَ آبَائِنَا مَجَّدَ فَتَاهُ يَسُوعَ الَّذِي أَسْلَمْتُمُوهُ أَنْتُمْ وَأَنْكَرْتُمُوهُ أَمَامَ وَجْهِ بِيلاَطُسَ، وَهُوَ حَاكِمٌ بِإِطْلاَقِهِ. 14 وَلَكِنْ أَنْتُمْ أَنْكَرْتُمُ الْقُدُّوسَ الْبَارَّ، وَطَلَبْتُمْ أَنْ يُوهَبَ لَكُمْ رَجُلٌ قَاتِلٌ. 15 وَرَئِيسُ الْحَيَاةِ قَتَلْتُمُوهُ، الَّذِي أَقَامَهُ اللهُ مِنَ الأَمْوَاتِ، وَنَحْنُ شُهُودٌ لِذَلِكَ. 16 وَبِالإِيمَانِ بِاسْمِهِ شَدَّدَ اسْمُهُ هَذَا الَّذِي تَنْظُرُونَهُ وَتَعْرِفُونَهُ، وَالإِيمَانُ الَّذِي بِوَاسِطَتِهِ أَعْطَاهُ هَذِهِ الصِّحَّةَ أَمَامَ جَمِيعِكُمْ.
17 «وَالآنَ أَيُّهَا الإِخْوَةُ أَنَا أَعْلَمُ أَنَّكُمْ بِجَهَالَةٍ عَمِلْتُمْ كَمَا رُؤَسَاؤُكُمْ أَيْضاً. 18 وَأَمَّا اللهُ فَمَا سَبَقَ وَأَنْبَأَ بِهِ بِأَفْوَاهِ جَمِيعِ أَنْبِيَائِهِ أَنْ يَتَأَلَّمَ الْمَسِيحُ قَدْ تَمَّمَهُ هَكَذَا. 19 فَتُوبُوا وَارْجِعُوا لِتُمْحَى خَطَايَاكُمْ لِكَيْ تَأْتِيَ أَوْقَاتُ الْفَرَجِ مِنْ وَجْهِ الرَّبِّ، 20 وَيُرْسِلَ يَسُوعَ الْمَسِيحَ الْمُبَشَّرَ بِهِ لَكُمْ قَبْلُ. 21 الَّذِي يَنْبَغِي أَنَّ السَّمَاءَ تَقْبَلُهُ إِلَى أَزْمِنَةِ رَدِّ كُلِّ شَيْءٍ الَّتِي تَكَلَّمَ عَنْهَا اللهُ بِفَمِ جَمِيعِ أَنْبِيَائِهِ الْقِدِّيسِينَ مُنْذُ الدَّهْرِ. 22 فَإِنَّ مُوسَى قَالَ لِلآبَاءِ: إِنَّ نَبِيّاً مِثْلِي سَيُقِيمُ لَكُمُ الرَّبُّ إِلَهُكُمْ مِنْ إِخْوَتِكُمْ. لَهُ تَسْمَعُونَ فِي كُلِّ مَا يُكَلِّمُكُمْ بِهِ. 23 وَيَكُونُ أَنَّ كُلَّ نَفْسٍ لاَ تَسْمَعُ لِذَلِكَ النَّبِيِّ تُبَادُ مِنَ الشَّعْبِ. 24 وَجَمِيعُ الأَنْبِيَاءِ أَيْضاً مِنْ صَمُوئِيلَ فَمَا بَعْدَهُ، جَمِيعُ الَّذِينَ تَكَلَّمُوا، سَبَقُوا وَأَنْبَأُوا بِهَذِهِ الأَيَّامِ. 25 أَنْتُمْ أَبْنَاءُ الأَنْبِيَاءِ وَالْعَهْدِ الَّذِي عَاهَدَ بِهِ اللهُ آبَاءَنَا قَائِلاً لإِبْراهِيمَ: وَبِنَسْلِكَ تَتَبَارَكُ جَمِيعُ قَبَائِلِ الأَرْضِ. 26 إِلَيْكُمْ أَوَّلاً إِذْ أَقَامَ اللهُ فَتَاهُ يَسُوعَ أَرْسَلَهُ يُبَارِكُكُمْ بِرَدِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ عَنْ شُرُورِهِ» (أعمال 3: 11-26).
شاهد الناس بأنفسهم المعجزة التي جرت على يديْ بطرس ويوحنا، وكيف أنّ الأعرج بدأ يمشي ويقفز ويسبّح الله، وتعجّبوا كثيراً واحتاروا في فهم القوّة التي شفت الأعرج، فانتهز بطرس هذه الفرصة ليبشر بقوة المسيح، وأجاب عن الأسئلة التي شغلتهم ولم ينطقوا بها، فقال لهم إنّ يسوع المسيح هو الذي شفى الأعرج وأعطاه الصحة.. وإنهم أنكروا يسوع أمام بيلاطس وطلبوا إطلاق باراباس اللص.. ومع أنّ المسيح هو رئيس الحياة إلاّ أنهم تسبّبوا في قتله. لكنّ الله الآب أقامه من الأموات، و«نحن شهود لذلك». ولا بدّ أنّ بعض السامعين كانوا قد شاهدوا يسوع وعرفوا عن معجزاته وصلبه، كما سمعوا بقيامته أيضاً.
وأوضح بطرس لهم جهلهم بالمسيح الحقيقي، فقد ظنّوا أنّ المسيح الآتي يملك عليهم ملكاً أرضياً، لكن المسيح الحقيقي الذي ينتظرونه قد جاء، وهو نفسه الذي تنبّـأت النبوّات عنه وعن موته وقيامته. وكلّ من يؤمن بالمصلوب المُقام يخلُص من خطاياه.
وقال بطرس: عندما صلبتم المسيح أخطأتم، لذلك توبوا عن جهلكم، وارجعوا عن عدم إيمانكم، حتى يغفر الله ذنوبكم فتشتركوا في فوائد ملكوت المسيح، وتنالوا راحة الضمير، والمصالحة مع الله الآب، وفرح الروح القدس، وهذه هي أوقات الفرج.
كان اليهود ينتظرون الفرج بمجيء المسيح لينجيهم من عبوديّة الرّومان، فقال الرسول بطرس إنّ أوقات الفرج قد جاءت في يسوع المسيح الناصري، وإن ذلك الفرج فرج روحي، يمكن نواله بالتّوبة والإيمان بالمسيح. وقد بدأ بمجيء يسوع المسيح ليعلن الله للناس، ويعلمهم الأمور السماوية. وتبقى أوقات الفرج هذه حتى مجيء المسيح ثانيةً في نهاية العالم، وذلك للدينونة. لأنَّ المسيح قد جاء وأكمل الفداء، وصعد إلى السّماء ودُفع له كل سلطان في السّماء وعلى الأرض (متّى 28: 18) وسيظل في السّماء يشفع في المؤمنين حتى يتمّ قصد الله بعمل الفداء العظيم، ويتمّ انتصار الإنجيل بقوّة عمل الرّوح القدس، فيرجع الناس إلى حالة الطهارة التي كانوا عليها قبل دخول الخطية. وهذا معنى «أزمنة رد كلّ شيء». وهو ما تنبأ به الأنبياء من موسى وصموئيل ومن جاء بعدهما (تثنية 18: 15، 18، 19).
وختم بطرس عظته الثانية بتشجيع سامعيه من اليهود على التوبة رغم أنّهم أبناء الأنبياء، وأبناء العهد الذي أعطاه الله لأبيهم إبراهيم (تكوين 12: 1-3) وقد أظهر لهم الله رحمته بعهده مع آبائهم عندما أرسل لهم المخلِّص الروحي ليباركهم. وليست البركة التي لهم في المسيح كشعب، بل هي لكل واحدٍ منهم كفردٍ يرجع عن شروره.
في هذه العظة نبَّر الرسول بطرس على عمل يسوع المسيح في الخلاص، وكان قد نبَّر في العظة الأولى (أعمال 2: 14-36) على عمل الرّوح القدس في الخلاص. ولكن هناك أوجه شبه بين عظته الأولى وهذه العظة:
1- في تقديم البراهين من الأسفار المقدّسة أنَّ يسوع هو المسيح.
2- في خطيّة اليهود برفضهم المسيح وصلبهم إيّـاه.
3- في أنَّ الرحمة هي بواسطة المسيح وحده.
4- في دعوتهم إلى التوبة والإيمان بالمسيح.
آية للحفظ:
«تُوبُوا وَارْجِعُوا لِتُمْحَى خَطَايَاكُمْ لِكَيْ تَأْتِيَ أَوْقَاتُ الْفَرَجِ مِنْ وَجْهِ الرَّبِّ» (أعمال 3: 19).
صلاة:
يا رب، توِّبني إليك فأتوب. أَرجِعني إليك فأرجع، لتأتيني أوقات الفرج من عندك.
سؤال:
10 - ما هي أوقات الفرج؟
شيوخ اليهود يقبضون على بطرس ويوحنا
1 وَبَيْنَمَا هُمَا يُخَاطِبَانِ الشَّعْبَ أَقْبَلَ عَلَيْهِمَا الْكَهَنَةُ وَقَائِدُ جُنْدِ الْهَيْكَلِ وَالصَّدُّوقِيُّونَ، 2 مُتَضَجِّرِينَ مِنْ تَعْلِيمِهِمَا الشَّعْبَ وَنِدَائِهِمَا فِي يَسُوعَ بِالْقِيَامَةِ مِنَ الأَمْوَاتِ. 3 فَأَلْقَوْا عَلَيْهِمَا الأَيَادِيَ وَوَضَعُوهُمَا فِي حَبْسٍ إِلَى الْغَدِ، لأَنَّهُ كَانَ قَدْ صَارَ الْمَسَاءُ. 4 وَكَثِيرُونَ مِنَ الَّذِينَ سَمِعُوا الْكَلِمَةَ آمَنُوا، وَصَارَ عَدَدُ الرِّجَالِ نَحْوَ خَمْسَةِ آلاَفٍ (أعمال 4: 1-4).
شُفي الرجل الأعرج باسم المسيح، وشاهد اليهود المعجزة التي حدثت، ووعظهم بطرس وعلّمهم أنّ الإيمان بالمسيح يشفي من مرض الجسد ومن الخطيّة أيضاً. لكنّ الكهنة وشيوخ اليهود لم يعجبهم وعظ بطرس ويوحنا. وتضايق الصدوقيون من قول الرسولين إنّ المسيح قام من الموت لأنّـهم لا يؤمنون بالقيامة، فقبضوا عليهما ووضعوهما في السجن حتى اليوم التالي، لأنّ المعجزة كانت قد حدثت في الساعة الثالثة بعد الظهر، وكانت الساعة قد بلغت السادسة مساءً، والقانون اليهودي يحرّم المحاكمة ليلاً.
وقبل أن ينتهي الرسولان بطرس ويوحنا من كلامهما قبض شيوخ اليهود عليهما. لكنّ كثيرين من الذين سمعوا كلمة الله آمنوا، وأصبح عدد المسيحيين حوالي خمسة آلاف نفس.
إنّ كلمة الله لا يمكن أن تُقيَّد، حتى لو كره الخطاة المبشّرين بها واضطهدوهم، لأنّها حيّة وفعّالة.
بطرس ويوحنا يشهدان أمام مجلس اليهود
5 وَحَدَثَ فِي الْغَدِ أَنَّ رُؤَسَاءهُمْ وَشُيُوخَهُمْ وَكَتَبَتَهُمُ اجْتَمَعُوا إِلَى أُورُشَلِيمَ 6 مَعَ حَنَّانَ رَئِيسِ الْكَهَنَةِ وَقَيَافَا وَيُوحَنَّا وَالإِسْكَنْدَرِ، وَجَمِيعِ الَّذِينَ كَانُوا مِنْ عَشِيرَةِ رُؤَسَاءِ الْكَهَنَةِ. 7 وَلَمَّا أَقَامُوهُمَا فِي الْوَسَطِ جَعَلُوا يَسْأَلُونَهُمَا: «بِأَيَّةِ قُوَّةٍ وَبِأَيِّ اسْمٍ صَنَعْتُمَا أَنْتُمَا هَذَا؟» 8 حِينَئِذٍ امْتَلأَ بُطْرُسُ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ وَقَالَ لَهُمْ: «يَا رُؤَسَاءَ الشَّعْبِ وَشُيُوخَ إِسْرَائِيلَ، 9 إِنْ كُنَّا نُفْحَصُ الْيَوْمَ عَنْ إِحْسَانٍ إِلَى إِنْسَانٍ سَقِيمٍ بِمَاذَا شُفِيَ هَذَا، 10 فَلْيَكُنْ مَعْلُوماً عِنْدَ جَمِيعِكُمْ وَجَمِيعِ شَعْبِ إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ بِاسْمِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ النَّاصِرِيِّ الَّذِي صَلَبْتُمُوهُ أَنْتُمُ، الَّذِي أَقَامَهُ اللهُ مِنَ الأَمْوَاتِ، بِذَاكَ وَقَفَ هَذَا أَمَامَكُمْ صَحِيحاً. 11 هَذَا هُوَ الْحَجَرُ الَّذِي احْتَقَرْتُمُوهُ أَيُّهَا الْبَنَّاؤُونَ، الَّذِي صَارَ رَأْسَ الزَّاوِيَةِ. 12 وَلَيْسَ بِأَحَدٍ غَيْرِهِ الْخَلاَصُ. لأَنْ لَيْسَ اسْمٌ آخَرُ تَحْتَ السَّمَاءِ قَدْ أُعْطِيَ بَيْنَ النَّاسِ بِهِ يَنْبَغِي أَنْ نَخْلُصَ» (أعمال 4: 5-12).
قبض شيوخ اليهود على بطرس ويوحنا ووضعوهما في السجن حتّى اليوم التالي، ولمّا جاء اليوم التالي اجتمعوا في أورشليم ليحاكموهما، كما حاكموا المسيح من قبل. وكان مجلس المحاكمة يتكوّن من سبعين عضواً، هم من الرؤساء (أي الكهنة)، والشيوخ (أي رؤساء العشائر)، والكتبة (أي علماء الشعب ومعلّموه). ورأس حنّان رئيس الكهنة المجلس، وحضره قيافا زوج ابنة حنّان، كما حضره يوحنا والإسكندر من أقرباء حنّان وقيافا. ولا بدّ أنّ المجلس كان يعرف أنّ بطرس هو الذي أنكر المسيح وقت صلبه (لوقا 22: 55-62).
سأل رئيس المجلس بطرس ويوحنا: «بأيّة قوّة وبأيّ اسم صنعتما أنتما هذا؟» قاصداً تخويف الرسولين، معتقداً أنّ بطرس ويوحنا فكّرا طول الليل وهما في السجن في الخطر والتعذيب الذي ينتظرهما، فينكران المسيح.
وما أن سمع بطرس هذا السؤال حتّى امتلأ من الروح القدس، ونال قوة داخلية كما وعد المسيح: «سَتَنَالُونَ قُوَّةً مَتَى حَلَّ الرُّوحُ الْقُدُسُ عَلَيْكُمْ» (أعمال 1: 8). ونلاحظ أنه سبق لبطرس أن امتلأ بالروح القدس. فما معنى أنّـه امتلأ مرة ثانية؟
معناه أنّ معمودية الروح القدس تحدث مرة واحدة، أمّا الامتلاء بالروح فيتكرر حسب الحاجة، ليرشد روح الله المتكلم ويضع الكلام في فمه، وهذا يوافق وعد المسيح لتلاميذه بأنّ الروح يتكلّم فيهم (متّى 10: 18-20). إذاً هناك معموديّة واحدة وامتلاءات متعدّدة.
كان الخطر ينتظر بطرس، وكان سهلاً عليه أن يتخلّص من ذلك بأن ينكر المسيح، لكنه لم يفعل ذلك بل صرّح بشجاعة أنّ الأعرج شُفي باسم يسوع المسيح الناصري الذي سبق للمجلس أن حكم عليه بالصّلب، ولكنّ الله أقامه من الأموات. ونتعلّم من هذه الإجابة أنّ التبشير باسم يسوع المسيح الناصري، يعني إعلان أنّ المسيح هو الله الذي ظهر في الجسد (1تيموثاوس 3: 16) وأنه الكلمة الذي صار جسداً (يوحنا 1: 14) وعاش في الناصرة، وصلبه اليهود، وأقامه الله من بين الأموات.
وفي دفاعه اقتبس بطرس نبوَّة مزمور 118: 22 عن أنّ المسيح هو رأس الزاوية، وهو أهم ما يكون في البناء لأنه يربط الحيطان معاً. ومع هذا فقد رفضه البنّاؤون اليهود. وقد أشار المسيح إلى نبوَّة مزمور 118 في لوقا 20: 17 باعتبار أنه ركن الخلاص الذي عليه يبني المؤمنون رجاءهم في الحياة الأبدية. وقد برهن الله صدق رسالة صليب المسيح بقيامته من الموت.
آية للحفظ:
«وَلَيْسَ بِأَحَدٍ غَيْرِهِ الْخَلاَصُ. لأَنْ لَيْسَ اسْمٌ آخَرُ تَحْتَ السَّمَاءِ قَدْ أُعْطِيَ بَيْنَ النَّاسِ بِهِ يَنْبَغِي أَنْ نَخْلُصَ» (أعمال 4: 12).
صلاة:
أشكرك يا إلهي الصالح لأنّك دبَّرت لي الخلاص بالمسيح، فتغفر لي خطايا ماضيَّ بفضل كفّارة المسيح على الصّليب، وتقدّس حاضري بعمل الروح القدس، وتملأني ثقة في المستقبل.
سؤال:
11 - ما معنى أنَّ المسيح رأس الزاوية؟
مجلس اليهود يُهدّد بطرس ويوحنا
13 فَلَمَّا رَأَوْا مُجَاهَرَةَ بُطْرُسَ وَيُوحَنَّا وَوَجَدُوا أَنَّهُمَا إِنْسَانَانِ عَدِيمَا الْعِلْمِ وَعَامِّيَّانِ تَعَجَّبُوا، فَعَرَفُوهُمَا أَنَّهُمَا كَانَا مَعَ يَسُوعَ. 14 وَلَكِنْ إِذْ نَظَرُوا الإِنْسَانَ الَّذِي شُفِيَ وَاقِفاً مَعَهُمَا لَمْ يَكُنْ لَهُمْ شَيْءٌ يُنَاقِضُونَ بِهِ. 15 فَأَمَرُوهُمَا أَنْ يَخْرُجَا إِلَى خَارِجِ الْمَجْمَعِ وَتَآمَرُوا فِيمَا بَيْنَهُمْ 16 قَائِلِينَ: «مَاذَا نَفْعَلُ بِهَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ؟ لأَنَّهُ ظَاهِرٌ لِجَمِيعِ سُكَّانِ أُورُشَلِيمَ أَنَّ آيَةً مَعْلُومَةً قَدْ جَرَتْ بِأَيْدِيهِمَا، وَلاَ نَقْدِرُ أَنْ نُنْكِرَ. 17 وَلَكِنْ لِئَلاَّ تَشِيعَ أَكْثَرَ فِي الشَّعْبِ لِنُهَدِّدْهُمَا تَهْدِيداً أَنْ لاَ يُكَلِّمَا أَحَداً مِنَ النَّاسِ فِيمَا بَعْدُ بِهَذَا الاِسْمِ». 18 فَدَعُوهُمَا وَأَوْصُوهُمَا أَنْ لاَ يَنْطِقَا الْبَتَّةَ وَلاَ يُعَلِّمَا بِاسْمِ يَسُوعَ.
19 فَأَجَابَهُمْ بُطْرُسُ وَيُوحَنَّا: «إِنْ كَانَ حَقّاً أَمَامَ اللهِ أَنْ نَسْمَعَ لَكُمْ أَكْثَرَ مِنَ اللهِ فَاحْكُمُوا، 20 لأَنَّنَا نَحْنُ لاَ يُمْكِنُنَا أَنْ لاَ نَتَكَلَّمَ بِمَا رَأَيْنَا وَسَمِعْنَا». 21 وَبَعْدَمَا هَدَّدُوهُمَا أَيْضاً أَطْلَقُوهُمَا إِذْ لَمْ يَجِدُوا الْبَتَّةَ كَيْفَ يُعَاقِبُونَهُمَا بِسَبَبِ الشَّعْبِ، لأَنَّ الْجَمِيعَ كَانُوا يُمَجِّدُونَ اللهَ عَلَى مَا جَرَى، 22 لأَنَّ الإِنْسَانَ الَّذِي صَارَتْ فِيهِ آيَةُ الشِّفَاءِ هَذِهِ كَانَ لَهُ أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعِينَ سَنَةً (أعمال 4: 13-22).
لاحظ أعضاء مجلس اليهود أنّ بطرس ويوحنا غير متعلّمين تعليماً لاهوتياً، لكنّهما يشهدان باسم المسيح بشجاعة وصراحة، ويؤيّـدان كلامهما بأقوال الأنبياء فتعجّبوا من شجاعتهما. والحقيقة أنّـها كانت من عند الروح القدس. ولم يجدوا عليهما علَّةً ولا أنّـهما ارتكبا جريمة، فأخرجوهما خارج المجمع وخافوا أن يعاقبوهما، لأنّ الشعب رأى بنفسه شفاء الأعرج. فأمروهما بسلطان المجلس أن يمتنعا عن التبشير باسم المسيح. لكن بطرس ويوحنا لم يسمعا لهذا التهديد، وقرّرا أن يطيعا الله وليس شيوخ اليهود. وكان الشعب يمجد الله.
أيّـها القارئ الكريم، إنّ الخلاص من مرض الخطية ومرض الجسد هو باسم المسيح وحده، فليس اسم آخر غير اسم المسيح يخلص الناس. فهل انتصرت باسم المسيح على مرض خطيتك؟
تقرير بطرس ويوحنا للكنيسة
23 وَلَمَّا أُطْلِقَا أَتَيَا إِلَى رُفَقَائِهِمَا وَأَخْبَرَاهُمْ بِكُلِّ مَا قَالَهُ لَهُمَا رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ وَالشُّيُوخُ. 24 فَلَمَّا سَمِعُوا رَفَعُوا بِنَفْسٍ وَاحِدَةٍ صَوْتاً إِلَى اللهِ وَقَالُوا: «أَيُّهَا السَّيِّدُ، أَنْتَ هُوَ الإِلَهُ الصَّانِعُ السَّمَاءَ وَالأَرْضَ وَالْبَحْرَ وَكُلَّ مَا فِيهَا، 25 الْقَائِلُ بِفَمِ دَاوُدَ فَتَاكَ: لِمَاذَا ارْتَجَّتِ الأُمَمُ وَتَفَكَّرَ الشُّعُوبُ بِالْبَاطِلِ؟ 26 قَامَتْ مُلُوكُ الأَرْضِ وَاجْتَمَعَ الرُّؤَسَاءُ مَعاً عَلَى الرَّبِّ وَعَلَى مَسِيحِهِ. 27 لأَنَّهُ بِالْحَقِيقَةِ اجْتَمَعَ عَلَى فَتَاكَ الْقُدُّوسِ يَسُوعَ الَّذِي مَسَحْتَهُ هِيرُودُسُ وَبِيلاَطُسُ الْبُنْطِيُّ مَعَ أُمَمٍ وَشُعُوبِ إِسْرَائِيلَ 28 لِيَفْعَلُوا كُلَّ مَا سَبَقَتْ فَعَيَّنَتْ يَدُكَ وَمَشُورَتُكَ أَنْ يَكُونَ. 29 وَالآنَ يَا رَبُّ، انْظُرْ إِلَى تَهْدِيدَاتِهِمْ، وَامْنَحْ عَبِيدَكَ أَنْ يَتَكَلَّمُوا بِكَلاَمِكَ بِكُلِّ مُجَاهَرَةٍ، 30 بِمَدِّ يَدِكَ لِلشِّفَاءِ، وَلْتُجْرَ آيَاتٌ وَعَجَائِبُ بِاسْمِ فَتَاكَ الْقُدُّوسِ يَسُوعَ». 31 وَلَمَّا صَلَّوْا تَزَعْزَعَ الْمَكَانُ الَّذِي كَانُوا مُجْتَمِعِينَ فِيهِ، وَامْتَلأَ الْجَمِيعُ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ، وَكَانُوا يَتَكَلَّمُونَ بِكَلاَمِ اللهِ بِمُجَاهَرَةٍ (أعمال 4: 23-31).
هدَّد شيوخ اليهود بطرس ويوحنا وأطلقوهما، فذهبا إلى الكنيسة التي كانت تصلّي لأجلهما وهما في السجن. وأخبرا بكل ما حدث معهما، ففرحت الكنيسة عندما سمعت هذا التقرير، وعبَّرت عنه بأن رفعت صلاة شكر لله، ومن صلاة الكنيسة نتعلم أن نصلي:
صلَّت الكنيسة بنفس واحدة وفكر واحد (آية 24). وكلما اتَّحد المؤمنون في الصلاة نالوا الإجابة الفوريّة (متّى 18: 19، 20).
صلَّت الكنيسة كلمات الكتاب المقدس، فرفعت صلاة داود في مزمور 2: 1، 2 (آيتا 25، 26). وكُلما صلّينا كلمات الكتاب ننال قوّة في الصلاة.
اعترفت الكنيسة أنّ طريقها هو طريق حمل الصليب، كما حمل المسيح صليبه (آية 27).
رأت الكنيسة أنّ كل ما يجري لها هو ما سبقت مشورة الرب أن عيَّنته (آية 28).
طلبت الكنيسة شجاعةً لكل عضو فيها ليكون شاهداً أميناً للمسيح (آية 29).
طلبت الكنيسة أن يبارك الله من يضطهدونها بإجراء معجزات شفاء باسم المسيح (آية 30).
واستجاب الله صلاة الكنيسة، لأنّـها صلاة إيمان. وظهرت نتيجة الاستجابة بأن تزعزع المكان، وامتلأ الجميع من الروح القدس، وكانوا يتكلّمون بكلام الله بمجاهرة.
لا توجد قوّة خارج الكنيسة المؤمنة تستطيع أن تمنعها عن أن تشهد لخلاص المسيح، وأبواب الجحيم لن تقوى على الكنيسة (متّى 16: 18).
آية للحفظ:
«وَالآنَ يَا رَبُّ، انْظُرْ إِلَى تَهْدِيدَاتِهِمْ، وَامْنَحْ عَبِيدَكَ أَنْ يَتَكَلَّمُوا بِكَلاَمِكَ بِكُلِّ مُجَاهَرَةٍ» (أعمال 4: 29).
صلاة:
يا ربّ، أعطنا أن نحبّ الذين يقاوموننا، وأن نخدمهم، ولتُجرَ آيات وعجائب في حياتهم بالشفاء والبركة.
سؤال:
12 - كيف صلَّت الكنيسة كلمات الكتاب المقدس؟
حياة الكنيسة الاشتراكية
32 وَكَانَ لِجُمْهُورِ الَّذِينَ آمَنُوا قَلْبٌ وَاحِدٌ وَنَفْسٌ واحِدَةٌ، وَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ يَقُولُ إِنَّ شَيْئاً مِنْ أَمْوَالِهِ لَهُ، بَلْ كَانَ عِنْدَهُمْ كُلُّ شَيْءٍ مُشْتَرَكاً. 33 وَبِقُوَّةٍ عَظِيمَةٍ كَانَ الرُّسُلُ يُؤَدُّونَ الشَّهَادَةَ بِقِيَامَةِ الرَّبِّ يَسُوعَ، وَنِعْمَةٌ عَظِيمَةٌ كَانَتْ عَلَى جَمِيعِهِمْ 34 إِذْ لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ أَحَدٌ مُحْتَاجاً، لأَنَّ كُلَّ الَّذِينَ كَانُوا أَصْحَابَ حُقُولٍ أَوْ بُيُوتٍ كَانُوا يَبِيعُونَهَا وَيَأْتُونَ بِأَثْمَانِ الْمَبِيعَاتِ 35 وَيَضَعُونَهَا عِنْدَ أَرْجُلِ الرُّسُلِ، فَكَانَ يُوزَّعُ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ كَمَا يَكُونُ لَهُ احْتِيَاجٌ. 36 وَيُوسُفُ الَّذِي دُعِيَ مِنَ الرُّسُلِ بَرْنَابَا، الَّذِي يُتَرْجَمُ «ابْنَ الْوَعْظِ» وَهُوَ لاَوِيٌّ قُبْرُسِيُّ الْجِنْسِ 37 إِذْ كَانَ لَهُ حَقْلٌ بَاعَهُ وَأَتَى بِالدَّرَاهِمِ وَوَضَعَهَا عِنْدَ أَرْجُلِ الرُّسُلِ (أعمال 4: 32-37).
حلَّ الروح القدس على الكنيسة فكانت قلباً واحداً ونفساً واحدة، واتّـحدت برباط المحبة الأخوية، ولم يقل أحد من أعضائها إن شيئاً من أمواله له، بل أنكروا نفوسهم وهزموا محبة الذات. وهكذا كان كلّ شيء بينهم مشتركاً، فامتلأوا من نعمة الله «وَالَّذِينَ كَانُوا أَصْحَابَ حُقُولٍ أَوْ بُيُوتٍ» زيادة عن حاجتهم، باعوها وأتوا بأثمانها باختيارهم عند «أَقْدَامِ الرُّسُلِ» الذين وزّعوها على المحتاجين. كان من بين الذين أعطوا رجل اسمه يوسف من سبط لاوي، كان يقيم في قبرص، سمَّاه الرسل برنابا ومعناه «ابن الوعظ» أي ابن التشجيع والنصح والإرشاد، صار بعد ذلك رفيقاً لبولس الرسول في رحلاته التبشيرية.. باع برنابا حقله وأتى بثمنه عند أقدام الرسل ليوزّعوه على المحتاجين. وهذا يعلّمنا أن نعتني بالمحتاجين، ونعطيهم بسخاء وإنكار ذات كما فعلت الكنيسة الأولى.
موت حنانيا وسفيرة
1 وَرَجُلٌ اسْمُهُ حَنَانِيَّا وَامْرَأَتُهُ سَفِّيرَةُ بَاعَ مُلْكاً، 2 وَاخْتَلَسَ مِنَ الثَّمَنِ، وَامْرَأَتُهُ لَهَا خَبَرُ ذَلِكَ. وَأَتَى بِجُزْءٍ وَوَضَعَهُ عِنْدَ أَرْجُلِ الرُّسُلِ. 3 فَقَالَ بُطْرُسُ: «يَا حَنَانِيَّا، لِمَاذَا مَلأَ الشَّيْطَانُ قَلْبَكَ لِتَكْذِبَ عَلَى الرُّوحِ الْقُدُسِ وَتَخْتَلِسَ مِنْ ثَمَنِ الْحَقْلِ؟ 4 أَلَيْسَ وَهُوَ بَاقٍ كَانَ يَبْقَى لَكَ؟ وَلَمَّا بِيعَ أَلَمْ يَكُنْ فِي سُلْطَانِكَ؟ فَمَا بَالُكَ وَضَعْتَ فِي قَلْبِكَ هَذَا الأَمْرَ؟ أَنْتَ لَمْ تَكْذِبْ عَلَى النَّاسِ بَلْ عَلَى اللهِ». 5 فَلَمَّا سَمِعَ حَنَانِيَّا هَذَا الْكَلاَمَ وَقَعَ وَمَاتَ. وَصَارَ خَوْفٌ عَظِيمٌ عَلَى جَمِيعِ الَّذِينَ سَمِعُوا بِذَلِكَ. 6 فَنَهَضَ الأَحْدَاثُ وَلَفُّوهُ وَحَمَلُوهُ خَارِجاً وَدَفَنُوهُ.
7 ثُمَّ حَدَثَ بَعْدَ مُدَّةِ نَحْوِ ثَلاَثِ سَاعَاتٍ أَنَّ امْرَأَتَهُ دَخَلَتْ وَلَيْسَ لَهَا خَبَرُ مَا جَرَى. 8 فَسَأَلَهَا بُطْرُسُ: «قُولِي لِي: أَبِهَذَا الْمِقْدَارِ بِعْتُمَا الْحَقْلَ؟» فَقَالَتْ: «نَعَمْ بِهَذَا الْمِقْدَارِ». 9 فَقَالَ لَهَا بُطْرُسُ: «مَا بَالُكُمَا اتَّفَقْتُمَا عَلَى تَجْرِبَةِ رُوحِ الرَّبِّ؟ هُوَذَا أَرْجُلُ الَّذِينَ دَفَنُوا رَجُلَكِ عَلَى الْبَابِ وَسَيَحْمِلُونَكِ خَارِجاً». 10 فَوَقَعَتْ فِي الْحَالِ عِنْدَ رِجْلَيْهِ وَمَاتَتْ. فَدَخَلَ الشَّبَابُ وَوَجَدُوهَا مَيْتَةً فَحَمَلُوهَا خَارِجاً وَدَفَنُوهَا بِجَانِبِ رَجُلِهَا. 11 فَصَارَ خَوْفٌ عَظِيمٌ عَلَى جَمِيعِ الْكَنِيسَةِ وَعَلَى جَمِيعِ الَّذِينَ سَمِعُوا بِذَلِكَ (أعمال 5: 1-11).
بعد أن أطلق مجلس اليهود سراح بطرس ويوحنا ذهبا إلى الكنيسة في أورشليم، ففرحت بهما، كما فرحت بنجاح التبشير باسم المسيح، وعبَّرت عن فرحها بالصّلاة، وأنفق الأغنياء على الفقراء على قدر الحاجة.
وكان بالكنيسة رجل اسمه حنانيا ومعنى اسمه «حنوّ الرب» متزوّجاً من امرأة اسمها سفيرة، ومعنى اسمها «مضيئة أو جميلة». كان حنانيا يمتلك حقلاً باعه وجاء ببعض ثمنه إلى الرسل. وانتظر أن يمدحه بطرس أمام الجميع على سخائه. ولكنّ الربّ كشف للرّسول بطرس خيانة حنانيا، فقال له: «لِمَاذَا مَلأَ الشَّيْطَانُ قَلْبَكَ لِتَكْذِبَ عَلَى الرُّوحِ الْقُدُسِ وَتَخْتَلِسَ مِنْ ثَمَنِ الْحَقْلِ؟.. أَنْتَ لَمْ تَكْذِبْ عَلَى النَّاسِ بَلْ عَلَى اللهِ».
أليس عجيباً أن يوجد بعض المرائين بين الذين اعترفوا بالمسيح! لقد كان أحد تلاميذ المسيح خائناً، هو يهوذا، وقال المسيح إنَّ ملكوت الله يشبه إنساناً زرع في حقله زرعاً جيداً، ولكنّ عدوّه زرع زواناً وسط الحنطة (متى 13: 24، 25). وهكذا تواجه الكنيسة صعوبات من الداخل بسبب رياء ونفاق بعض أعضائها، كما تواجه صعوبات من الخارج بسبب الاضطهاد.
وكما لم تجبر الكنيسة حنانيا أن يبيع حقله، ولم تجبر غيره أن يبيع ممتلكاته، لا يقدر الشيطان أن يجبر أحداً على الكذب أو ارتكاب الخطية. لكن حنانيا خضع لاقتراح الشيطان أن يكذب ليحتلَّ مكانة محترمة بين المؤمنين، هو في الواقع لا يستحقها، فقرر أن يختلس، وأعطى مجالاً للشيطان أن يعمل في قلبه.
تظاهر حنانيا بأنّ الروح القدس أرشده ليبيع حقله، ولكنه كذب على روح الله القدوس. ولمّا انفضح أمره وظهر خداعه وقع ومات.
ومن حادثة حنانيا نتعلم أنّ الله العارف بكل شيء عن الإنسان وعن أفكاره، يكره الكذب والرياء والطمع. وكان عقاب الله شديداً وظاهراً، ولكنّه كان ضرورياً في أول عهد الكنيسة، ليتجنّب المؤمنون مثل ذلك الرياء.
إنّ الله عظيم الرحمة، فشفى الأعرج (أعمال 3: 1-10)، وهو أيضاً شديد النقمة، قتل المرائي حالاً عقب كذبه. وهو سبحانه في الحالتين يحفظ كنيسته من الأضرار الخارجية ومن الأضرار الداخلية.
لقد قصد الله بموت حنانيا أن يثبِّت سلطان الرسل لأنهم رسله هو. فلمّا سمع جميع الحاضرين كلام بطرس إلى حنانيا، وشاهدوه يسقط ميتاً، خافوا من قداسة الله الذي لا يحبّ الكذب.
وحمل الشباب حنانيا ودفنوه، واستغرقهم ذلك نحو ثلاث ساعات.
ودخلت سفيرة، زوجة حنانيا، وهي لا تعلم ما حدث لزوجها. ولم يعطها بطرس فرصة للاستفهام أو الكلام، لكنّه أعطاها فرصة الاعتراف بالحق لتنجو، فسألها: «أَبِهَذَا الْمِقْدَارِ بِعْتُمَا الْحَقْلَ؟». وكذبت سفيرة على روح الرب، كما كذب زوجها حنانيا. وكانت النتيجة أنّـها ماتت في الحال كما مات زوجها.
الله يعاقب على الخطيّة. وقد يكون العقاب سريعاً، ولكنّه يصبر على الخاطئ ليعطيه فرصة الاعتراف والتوبة.. الله إله العدل والحقّ، كما أنّه إله المحبة والرحمة. وهو يكره الخطيّة لكنّه يحبّ الخاطئ ويريد أن يخلّصه.
آية للحفظ:
«وَبِقُوَّةٍ عَظِيمَةٍ كَانَ الرُّسُلُ يُؤَدُّونَ الشَّهَادَةَ بِقِيَامَةِ الرَّبِّ يَسُوعَ، وَنِعْمَةٌ عَظِيمَةٌ كَانَتْ عَلَى جَمِيعِهِمْ» (أعمال 4: 33).
صلاة:
يا رب، لتكن أقوال فمي وفكر قلبي مرضيَّةً أمامك يا صخرتي ووليّي.
سؤال:
13 - ما سبب موت حنانيا وزوجته سفيرة؟
مزيد من المعجزات
12 وَجَرَتْ عَلَى أَيْدِي الرُّسُلِ آيَاتٌ وَعَجَائِبُ كَثِيرَةٌ فِي الشَّعْبِ. وَكَانَ الْجَمِيعُ بِنَفْسٍ وَاحِدَةٍ فِي رِوَاقِ سُلَيْمَانَ. 13 وَأَمَّا الآخَرُونَ فَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنْهُمْ يَجْسُرُ أَنْ يَلْتَصِقَ بِهِمْ، لَكِنْ كَانَ الشَّعْبُ يُعَظِّمُهُمْ. 14 وَكَانَ مُؤْمِنُونَ يَنْضَمُّونَ لِلرَّبِّ أَكْثَرَ، جَمَاهِيرُ مِنْ رِجَالٍ وَنِسَاءٍ 15 حَتَّى إِنَّهُمْ كَانُوا يَحْمِلُونَ الْمَرْضَى خَارِجاً فِي الشَّوَارِعِ وَيَضَعُونَهُمْ عَلَى فُرُشٍ وَأَسِرَّةٍ، حَتَّى إِذَا جَاءَ بُطْرُسُ يُخَيِّمُ وَلَوْ ظِلُّهُ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ. 16 وَاجْتَمَعَ جُمْهُورُ الْمُدُنِ الْمُحِيطَةِ إِلَى أُورُشَلِيمَ حَامِلِينَ مَرْضَى وَمُعَذَّبِينَ مِنْ أَرْوَاحٍ نَجِسَةٍ، وَكَانُوا يُبْرَأُونَ جَمِيعُهُمْ (أعمال 5: 12-16).
شاهدت الكنيسة موت حنانيا وسفيرة، وسمع آخرون بذلك، فعرف الجميع أنّ روح الله يعلم كلّ شيء، حتّى ما يحدث في الخفاء، وأنّ الله يفحص القلوب. فصار خوف عظيم في قلوب الجميع، حتَّى في الذين ليسوا من الكنيسة.
كانت الكنيسة تواظب على صلاة الإيمان بروح الاتحاد والمحبّة والعبادة، وكان الله يستجيب صلاة المؤمنين فحدثت معجزات كثيرة استجابة للصلاة.
اجتمع المؤمنون في رواق سليمان، وهو عبارة عن ممشى مسقوف على جانب الهيكل الشرقي، يُستخدم مجتمعاً لعامة الناس، فاستعمله الرسل مكاناً لمخاطبة الشعب. ولم يتجاسر المراؤون من أمثال حنانيا وسفيرة أن يقتربوا من المؤمنين. وكان الشعب يكرم الرسل، فآمن كثيرون من رجال ونساء وانضمّوا إلى الكنيسة في أورشليم. وكانت الكنيسة تنمو رغم كل الظروف.
تعجّب الناس من قوّة الله العاملة في الرسل، فأحضروا مرضاهم بإيمان كامل في قوّة المسيح الذي يعظ به بطرس، حتّى أنّ ظل بطرس كان يشفي المريض عندما يقع عليه. وسمع كثيرون من خارج أورشليم عن أعمال الله العظيمة، فأحضروا مرضاهم للرسل لينالوا الشّفاء.
ونلاحظ أنّ الرسل لم يستطيعوا شفاء بعض المرضى قبل صعود المسيح (متّى 17: 16، 19) لكن بعد حلول الرّوح القدس استطاعوا أن يشفوا المرضى ويخرجوا الأرواح النجسة. المسيح لا زال حيّاً. ومن يؤمن به ينال الشفاء. فهل وضعت ثقتك في المسيح الفادي والشافي؟
آية للحفظ:
«وَجَرَتْ عَلَى أَيْدِي الرُّسُلِ آيَاتٌ وَعَجَائِبُ كَثِيرَةٌ فِي الشَّعْبِ» (أعمال 5: 12)
صلاة:
أنت يا رب هو هو، لا تغيير عندك. وأنا كما أنا، ضعيف عاجز. أَجْرِ معجزاتك معي ومع عائلتي ومع كنيستي ومع مجتمعي.
سؤال:
14 - فسِّر أعمال 5: 12-16 في نور ما قاله المسيح في يوحنا 14: 12.
القبض على الرسل
17 فَقَامَ رَئِيسُ الْكَهَنَةِ وَجَمِيعُ الَّذِينَ مَعَهُ، الَّذِينَ هُمْ شِيعَةُ الصَّدُّوقِيِّينَ، وَامْتَلأُوا غَيْرَةً، 18 فَأَلْقَوْا أَيْدِيَهُمْ عَلَى الرُّسُلِ وَوَضَعُوهُمْ فِي حَبْسِ الْعَامَّةِ. 19 وَلَكِنَّ مَلاَكَ الرَّبِّ فِي اللَّيْلِ فَتَحَ أَبْوَابَ السِّجْنِ وَأَخْرَجَهُمْ وَقَالَ: 20 «اذْهَبُوا قِفُوا وَكَلِّمُوا الشَّعْبَ فِي الْهَيْكَلِ بِجَمِيعِ كَلاَمِ هَذِهِ الْحَيَاةِ». 21 فَلَمَّا سَمِعُوا دَخَلُوا الْهَيْكَلَ نَحْوَ الصُّبْحِ وَجَعَلُوا يُعَلِّمُونَ. ثُمَّ جَاءَ رَئِيسُ الْكَهَنَةِ وَالَّذِينَ مَعَهُ وَدَعَوُا الْمَجْمَعَ وَكُلَّ مَشْيَخَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَأَرْسَلُوا إِلَى الْحَبْسِ لِيُؤْتَى بِهِمْ. 22 وَلَكِنَّ الْخُدَّامَ لَمَّا جَاءُوا لَمْ يَجِدُوهُمْ فِي السِّجْنِ، فَرَجَعُوا وَأَخْبَرُوا 23 قَائِلِينَ: «إِنَّنَا وَجَدْنَا الْحَبْسَ مُغْلَقاً بِكُلِّ حِرْصٍ، وَالْحُرَّاسَ وَاقِفِينَ خَارِجاً أَمَامَ الأَبْوَابِ. وَلَكِنْ لَمَّا فَتَحْنَا لَمْ نَجِدْ فِي الدَّاخِلِ أَحَداً» (أعمال 5: 17-23).
كانت الكنيسة تنمو، وكان الرب يعمل معجزات بواسطة رسله، فاغتاظ رئيس الكهنة والصدوقيون الذين لا يؤمنون بالقيامة، فأمروا بالقبض على الرسل ووضعوهم في سجن العامّة في أورشليم، وهو مكان محصَّن حتّى لا ينجو الرسل منه.
قضى الرسل وقتهم في السجن يصلّون. واستجاب الله صلاتهم وأرسل ملاكه في الليل ففتح أبواب السجن، وأخرج الرسل وأوصاهم أن يكلِّموا الشعب في الهيكل بجميع كلام الحياة. وأطاع الرسل أمر الرب وذهبوا إلى الهيكل للتبشير باسم يسوع.
ولم يعرف شيوخ اليهود أنَّ الرسل نجوا من السجن، فدعوا المجمع المكوَّن من السبعين عضواً، وأرسلوا العساكر إلى السجن لإحضار الرّسل لمحاكمتهم. وعندما ذهبوا إلى السجن وجدوه مغلقاً والحراس واقفين أمامه، ولكنهم لما فتحوه لم يجدوا الرسل، فرجعوا وأخبروا شيوخ اليهود بذلك.
شهادة الرسل أمام مجمع اليهود
24 فَلَمَّا سَمِعَ الْكَاهِنُ وَقَائِدُ جُنْدِ الْهَيْكَلِ وَرُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ هَذِهِ الأَقْوَالَ ارْتَابُوا مِنْ جِهَتِهِمْ: مَا عَسَى أَنْ يَصِيرَ هَذَا؟ 25 ثُمَّ جَاءَ وَاحِدٌ وَأَخْبَرَهُمْ قَائِلاً: «هُوَذَا الرِّجَالُ الَّذِينَ وَضَعْتُمُوهُمْ فِي السِّجْنِ هُمُْ فِي الْهَيْكَلِ وَاقِفِينَ يُعَلِّمُونَ الشَّعْبَ». 26 حِينَئِذٍ مَضَى قَائِدُ الْجُنْدِ مَعَ الْخُدَّامِ فَأَحْضَرَهُمْ لاَ بِعُنْفٍ، لأَنَّهُمْ كَانُوا يَخَافُونَ الشَّعْبَ لِئَلاَّ يُرْجَمُوا. 27 فَلَمَّا أَحْضَرُوهُمْ أَوْقَفُوهُمْ فِي الْمَجْمَعِ. فَسَأَلَهُمْ رَئِيسُ الْكَهَنَةِ: 28 «أَمَا أَوْصَيْنَاكُمْ وَصِيَّةً أَنْ لاَ تُعَلِّمُوا بِهَذَا الاِسْمِ؟ وَهَا أَنْتُمْ قَدْ مَلأْتُمْ أُورُشَلِيمَ بِتَعْلِيمِكُمْ، وَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْلِبُوا عَلَيْنَا دَمَ هَذَا الإِنْسَانِ». 29 فَأَجَابَ بُطْرُسُ وَالرُّسُلُ: «يَنْبَغِي أَنْ يُطَاعَ اللهُ أَكْثَرَ مِنَ النَّاسِ. 30 إِلَهُ آبَائِنَا أَقَامَ يَسُوعَ الَّذِي أَنْتُمْ قَتَلْتُمُوهُ مُعَلِّقِينَ إِيَّاهُ عَلَى خَشَبَةٍ. 31 هَذَا رَفَّعَهُ اللهُ بِيَمِينِهِ رَئِيساً وَمُخَلِّصاً لِيُعْطِيَ إِسْرَائِيلَ التَّوْبَةَ وَغُفْرَانَ الْخَطَايَا. 32 وَنَحْنُ شُهُودٌ لَهُ بِهَذِهِ الأُمُورِ، وَالرُّوحُ الْقُدُسُ أَيْضاً الَّذِي أَعْطَاهُ اللهُ لِلَّذِينَ يُطِيعُونَهُ» (أعمال 5: 24-32).
اندهش شيوخ اليهود واغتاظوا من الرسل بعد أن سمعوا أنهم ليسوا في السجن، واندهشوا أكثر عندما أخبرهم أحد النّاس أنّ الرسل في الهيكل! فأرسلوا وأحضروهم. وفي غضب سألهم رئيس الكهنة: «أما أوصيناكم وصية أن لا تعلموا بهذا الاسم؟» فأجابه بطرس نيابة عن الرسل، أنّه ينبغي أن يُطاع الله أكثر من الناس، وأنّ الله أقام المسيح الذي قتله اليهود من الموت، وأنّ المسيح هو قلب رسالة الإنجيل، وأنّ غفران الخطايا هو بالإيمان باسمه وحده لأنه مات نيابة عن الخطاة، وأنّ الروح القدس يعمل في المؤمنين ويشجعهم أن يثقوا في الله أكثر من ثقتهم في الناس.
آية للحفظ:
«يَنْبَغِي أَنْ يُطَاعَ اللهُ أَكْثَرَ مِنَ النَّاسِ» (أعمال 5: 29).
صلاة:
علِّمني يا رب أن أطيعك في كلّ ما تأمرني به، كما قالت العذراء مريم للملاك: «هُوَذَا أَنَا أَمَةُ الرَّبِّ. لِيَكُنْ لِي كَقَوْلِكَ».
سؤال:
15 - ما هو شرط الامتلاء من الروح القدس؟
غمالائيل يحذّر مجمع اليهود
33 فَلَمَّا سَمِعُوا حَنِقُوا وَجَعَلُوا يَتَشَاوَرُونَ أَنْ يَقْتُلُوهُمْ. 34 فَقَامَ فِي الْمَجْمَعِ رَجُلٌ فَرِّيسِيٌّ اسْمُهُ غَمَالاَئِيلُ، مُعَلِّمٌ لِلنَّامُوسِ مُكَرَّمٌ عِنْدَ جَمِيعِ الشَّعْبِ، وَأَمَرَ أَنْ يُخْرَجَ الرُّسُلُ قَلِيلاً. 35 ثُمَّ قَالَ لَهُمْ: «أَيُّهَا الرِّجَالُ الإِسْرَائِيلِيُّونَ، احْتَرِزُوا لأَنْفُسِكُمْ مِنْ جِهَةِ هَؤُلاَءِ النَّاسِ فِي مَا أَنْتُمْ مُزْمِعُونَ أَنْ تَفْعَلُوا. 36 لأَنَّهُ قَبْلَ هَذِهِ الأَيَّامِ قَامَ ثُودَاسُ قَائِلاً عَنْ نَفْسِهِ إِنَّهُ شَيْءٌ، الَّذِي الْتَصَقَ بِهِ عَدَدٌ مِنَ الرِّجَالِ نَحْوُ أَرْبَعِمِئَةٍ، الَّذِي قُتِلَ، وَجَمِيعُ الَّذِينَ انْقَادُوا إِلَيْهِ تَبَدَّدُوا وَصَارُوا لاَ شَيْءَ. 37 بَعْدَ هَذَا قَامَ يَهُوذَا الْجَلِيلِيُّ فِي أَيَّامِ الاِكْتِتَابِ وَأَزَاغَ وَرَاءَهُ شَعْباً غَفِيراً. فَذَاكَ أَيْضاً هَلَكَ، وَجَمِيعُ الَّذِينَ انْقَادُوا إِلَيْهِ تَشَتَّتُوا. 38 وَالآنَ أَقُولُ لَكُمْ: تَنَحَّوْا عَنْ هَؤُلاَءِ النَّاسِ وَاتْرُكُوهُمْ! لأَنَّهُ إِنْ كَانَ هَذَا الرَّأْيُ أَوْ هَذَا الْعَمَلُ مِنَ النَّاسِ فَسَوْفَ يَنْتَقِضُ، 39 وَإِنْ كَانَ مِنَ اللهِ فَلاَ تَقْدِرُونَ أَنْ تَنْقُضُوهُ، لِئَلاَّ تُوجَدُوا مُحَارِبِينَ للهِ أَيْضاً». 40 فَانْقَادُوا إِلَيْهِ. وَدَعُوا الرُّسُلَ وَجَلَدُوهُمْ، وَأَوْصُوهُمْ أَنْ لاَ يَتَكَلَّمُوا بِاسْمِ يَسُوعَ، ثُمَّ أَطْلَقُوهُمْ (أعمال 5: 33-40).
سمع شيوخ اليهود إجابة الرسل فاغتاظوا وفكروا في قتلهم، ولكن شيخاً جليلاً اسمه غمالائيل كان أستاذاً في الشريعة اختلف معهم، لأنه كان يؤمن أن الله يؤيد أعماله ويظهرها بقوّة لا يوقفها إنسان، فأمر بإخراج الرسل من القاعة، وتشاور مع زملائه من الشيوخ، وحذرهم من قتل الرسل، واستشهد بما حدث مع ثوداس الذي عصى الدولة الرومانية وقال إنه نبيّ، أو إنّه المسيح المنتظر، وآمن به كثيرون لكنه فشل وسقط وانكسر.. وقصد غمالائيل بذلك أنّه إن كان الرسل مثل ثوداس فسيسقطون، وإن كانوا من المؤمنين فسيثبتون. وأخبر غمالائيل عن يهوذا الجليلي الذي أثار الفتن مدّة أربع سنوات لكنّه هلك. وقصد غمالائيل أنّه إن كان عمل الرسل من عند الناس فلا بد سيفشل، ولكن إن كان عملهم بإرادة الله فسيثبت، لأنّـهم ينفّذون إرادة الله. وتكون مقاومتهم مقاومة لله.. ومن يستطيع أن يقف ضد الله؟!!
واقتنع شيوخ اليهود بمنطق غمالائيل، فاكتفوا بجلد الرسل، وأوصوهم أن يمتنعوا عن الكلام باسم المسيح، ثم أطلقوهم.
الرسل يستمرّون في شهادتهم
41 وَأَمَّا هُمْ فَذَهَبُوا فَرِحِينَ مِنْ أَمَامِ الْمَجْمَعِ لأَنَّهُمْ حُسِبُوا مُسْتَأْهِلِينَ أَنْ يُهَانُوا مِنْ أَجْلِ اسْمِهِ. 42 وَكَانُوا لاَ يَزَالُونَ كُلَّ يَوْمٍ فِي الْهَيْكَلِ وَفِي الْبُيُوتِ مُعَلِّمِينَ وَمُبَشِّرِينَ بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ (أعمال 5: 41، 42).
خرج الرسل والدماء تسيل من أجسادهم، لكنهم كانوا فرحين، ولم يتوقفوا عن التبشير بالمسيح كما ظن أعضاء مجلس اليهود أنّـهم سيتوقّفون. وكان سبب فرح الرسل أنهم أطاعوا الله، وأصبحوا مثل المسيح الذي تألّـم لأجلهم، وأنّـه باضطهادهم سينتشر الإنجيل، وأنّ لهم إكليل المجد في السماء (متّى 5: 11، 12).
واستمرّ الرّسل يبشّرون باسم المسيح في الهيكل وفي البيوت. ولا بدّ أنّ الروح القدس أرشدهم وشجعهم ليبشروا، فمهما كانت الضيقات في وجه المؤمنين بالمسيح، فلن يمتنعوا عن الشهادة للمسيح بقوّة الرّوح القدس.
آية للحفظ:
«وَكَانُوا لاَ يَزَالُونَ كُلَّ يَوْمٍ فِي الْهَيْكَلِ وَفِي الْبُيُوتِ مُعَلِّمِينَ وَمُبَشِّرِينَ بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ» (أعمال 5: 42).
صلاة:
علِّمني يا ربّ أن أستمر في الوفاء بوعودي لك، بأن أحيا حياة الطاعة، ومساعدة المحتاجين.
سؤال:
16 - ما الذي ساعد التلاميذ الأولين على الاستمرار في التعليم والتبشير بيسوع في بيوتهم وفي الهيكل؟
الفصل الثالث
شهادة استفانوس واستشهاده
أعمال الرّسل 6، 7
حارب شيوخ اليهود الكنيسة الناشئة في أورشليم، وحاولوا منع الرسل من التبشير باسم المسيح، وذلك بضربهم وسجنهم أكثر من مرة.. لكنّ الرب كان مع كنيسته بقوّة الروح القدس، فكان عدد المؤمنين ينمو ويزيد.
وكانت مقتنياتهم مشتركة وحياتهم مبنية على المحبة، وشعار الكنيسة لكل محتاج فيها: «ما لي فهو لك». والآن لنتأمل نتيجة هذه الحياة المشتركة، وكيف تعاملت الكنيسة معها.
انتخاب الشمامسة السبعة
1 وَفي تِلْكَ الأَيَّامِ إِذْ تَكَاثَرَ التَّلاَمِيذُ حَدَثَ تَذَمُّرٌ مِنَ الْيُونَانِيِّينَ عَلَى الْعِبْرَانِيِّينَ أَنَّ أَرَامِلَهُمْ كُنَّ يُغْفَلُ عَنْهُنَّ فِي الْخِدْمَةِ الْيَوْمِيَّةِ، 2 فَدَعَا الاِثْنَا عَشَرَ جُمْهُورَ التَّلاَمِيذِ وَقَالُوا: «لاَ يُرْضِي أَنْ نَتْرُكَ نَحْنُ كَلِمَةَ اللهِ وَنَخْدِمَ مَوَائِدَ. 3 فَانْتَخِبُوا أَيُّهَا الإِخْوَةُ سَبْعَةَ رِجَالٍ مِنْكُمْ مَشْهُوداً لَهُمْ وَمَمْلُوِّينَ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ وَحِكْمَةٍ فَنُقِيمَهُمْ عَلَى هَذِهِ الْحَاجَةِ. 4 وَأَمَّا نَحْنُ فَنُواظِبُ عَلَى الصَّلاَةِ وَخِدْمَةِ الْكَلِمَةِ». 5 فَحَسُنَ هَذَا الْقَوْلُ أَمَامَ كُلِّ الْجُمْهُورِ، فَاخْتَارُوا اسْتِفَانُوسَ رَجُلاً مَمْلُوّاً مِنَ الإِيمَانِ وَالرُّوحِ الْقُدُسِ، وَفِيلُبُّسَ، وَبُرُوخُورُسَ، وَنِيكَانُورَ، وَتِيمُونَ، وَبَرْمِينَاسَ، وَنِيقُولاَوُسَ دَخِيلاً أَنْطَاكِيّاً. 6 اَلَّذِينَ أَقَامُوهُمْ أَمَامَ الرُّسُلِ، فَصَلُّوا وَوَضَعُوا عَلَيْهِمِ الأَيَادِيَ. 7 وَكَانَتْ كَلِمَةُ اللهِ تَنْمُو، وَعَدَدُ التَّلاَمِيذِ يَتَكَاثَرُ جِدّاً فِي أُورُشَلِيمَ، وَجُمْهُورٌ كَثِيرٌ مِنَ الْكَهَنَةِ يُطِيعُونَ الإِيمَانَ (أعمال 6: 1-7).
عاشت الكنيسة الأولى عيشة مشتركة كما رأينا في الأصحاح الخامس، وكانت تنمو وتزداد لمدة حوالي سبع سنوات. ولمّـا زاد عدد المؤمنين جداً عجز الرسل عن القيام بكل الواجبات الزمنيّة والرّوحية، ولم يقدروا أن يلتفتوا إلى كلّ فرد من المحتاجين المختلفين في احتياجاتهم وأذواقهم، فقد كانت الكنيسة تضمّ أعضاء من اليهود الذين سكنوا في بلاد أخرى وتعلموا اللغة اليونانية، كما ضمَّت بعضاً آخر من اليهود الذين عاشوا في اليهودية وكانوا يتكلَّمون اللغة العبرانية، والذين اعتبروا أنفسهم أقدس من اليونانيين لأنّـهم بقوا في أرض الآباء حيث كان الهيكل. وغضب اليونانيون من العبرانيين وقالوا إنّ أرامل العبرانيين يأخذن مساعدة أكثر من أراملنا.
لم يقصد الرسل أن يميّزوا بين جنس وآخر، أو بين محتاج ومحتاج، وكان من الصعب عليهم أن يقوموا بالوعظ وتوزيع المساعدات للمحتاجين في وقت واحد. وربّما طلب الرسل من بعض أعضاء الكنيسة أن يساعدوهم في التوزيع، لكن عدد الموزّعين كان قليلاً. وأراد الرسل الإثنا عشر أن ينقذوا الكنيسة من خطر الانشقاق، فجمعوا أعضاء الكنيسة وقالوا لهم: إنَّ واجب الكنيسة أن تبشر وتوزع المال على الفقراء في نفس الوقت، ولكننا لا نقدر أن نفعل الأمرين معاً. صحيحٌ أنَّ الاعتناء بنفوس الناس أهمّ من الاعتناء بأجسادهم، فيجب أن نهتمّ بالأمور الروحية أولاً، وأن نكلّف غيرنا بالاعتناء بالفقراء. واقترح الرسل أن يختار أعضاء الكنيسة سبعة رجال من اليونانيين ومن العبرانيين، على أن يكونوا ممتلئين من الرّوح القدس ومن روح المحبة غير المغرضة، لتعيينهم لتوزيع المساعدات، حتى يتفرّغوا هم للوعظ والتّبشير. فارتاح أعضاء الكنيسة لهذا الحلّ الناجح، واختاروا سبعة رجال. ومن المعلوم أنّ عدد السبعة من الأعداد المقدّسة عند اليهود. وصلّى الرّسل طالبين بركة الله على الرّجال السبعة ووضعوا عليهم الأيادي، أي رسموهم لهذا الغرض. وهكذا أصبح عمل الشماس مساعدة الرسل في تدبير أمور الكنيسة الزمنيّة (1تيموثاوس 3: 8-12). وقد أراح هذا الحلّ الكنيسة في أورشليم، فكانت كلمة الله تنمو وتنتشر حتّى أنَّ جمهوراً كثيراً من الكهنة آمن بالمسيح.
آية للحفظ:
«فَانْتَخِبُوا أَيُّهَا الإِخْوَةُ سَبْعَةَ رِجَالٍ مِنْكُمْ مَشْهُوداً لَهُمْ وَمَمْلُوِّينَ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ وَحِكْمَةٍ فَنُقِيمَهُمْ عَلَى هَذِهِ الْحَاجَةِ» (أعمال 7: 3)
صلاة:
نشكرك يا ربّ لأنّك تهتمّ بحاجات الجسد كما تهتمّ بحاجات الرّوح. أعطني أن أطلب ملكوتك أولاً، وهذه كلها تُزاد لي.
سؤال:
17 - ما هي وظيفة الشماس؟
استفانوس أمام المجمع
8 وَأَمَّا اسْتِفَانُوسُ فَإِذْ كَانَ مَمْلُوّاً إِيمَاناً وَقُوَّةً كَانَ يَصْنَعُ عَجَائِبَ وَآيَاتٍ عَظِيمَةً فِي الشَّعْبِ. 9 فَنَهَضَ قَوْمٌ مِنَ الْمَجْمَعِ الَّذِي يُقَالُ لَهُ مَجْمَعُ اللِّيبَرْتِينِيِّينَ وَالْقَيْرَوَانِيِّينَ وَالإِسْكَنْدَرِيِّينَ وَمِنَ الَّذِينَ مِنْ كِيلِيكِيَّا وَأَسِيَّا يُحَاوِرُونَ اسْتِفَانُوسَ. 10 وَلَمْ يَقْدِرُوا أَنْ يُقَاوِمُوا الْحِكْمَةَ وَالرُّوحَ الَّذِي كَانَ يَتَكَلَّمُ بِهِ. 11 حِينَئِذٍ دَسُّوا لِرِجَالٍ يَقُولُونَ: «إِنَّنَا سَمِعْنَاهُ يَتَكَلَّمُ بِكَلاَمِ تَجْدِيفٍ عَلَى مُوسَى وَعَلَى اللهِ». 12 وَهَيَّجُوا الشَّعْبَ وَالشُّيُوخَ وَالْكَتَبَةَ، فَقَامُوا وَخَطَفُوهُ وَأَتَوْا بِهِ إِلَى الْمَجْمَعِ، 13 وَأَقَامُوا شُهُوداً كَذَبَةً يَقُولُونَ: «هَذَا الرَّجُلُ لاَ يَفْتُرُ عَنْ أَنْ يَتَكَلَّمَ تَجْدِيفاً ضِدَّ هَذَا الْمَوْضِعِ الْمُقَدَّسِ وَالنَّامُوسِ، 14 لأَنَّنَا سَمِعْنَاهُ يَقُولُ: إِنَّ يَسُوعَ النَّاصِرِيَّ هَذَا سَيَنْقُضُ هَذَا الْمَوْضِعَ وَيُغَيِّرُ الْعَوَائِدَ الَّتِي سَلَّمَنَا إِيَّاهَا مُوسَى». 15 فَشَخَصَ إِلَيْهِ جَمِيعُ الْجَالِسِينَ فِي الْمَجْمَعِ وَرَأَوْا وَجْهَهُ كَأَنَّهُ وَجْهُ مَلاَكٍ (أعمال 6: 8-15).
كان استفانوس واحداً من الشمامسة السبعة، وكان مملوءاً بالإيمان وقوة الروح القدس، فكان يبشر أيضاً ويصنع المعجزات باسم المسيح. وهذا يعلمنا أن الله لم يكلف الرسل وحدهم بالتبشير، لكنه كلف جميع المؤمنين بذلك أيضاً. وأثار نجاح استفانوس التبشيري غضب اليهود الذين يصلّون في بعض المجامع.
ويُقال إنّـه كان في أورشليم 480 مجمعاً، يُدعى أحدهم «مجمع الليبرتينيين» وهو خاصّ بيهودٍ أسرهم الرومان وأخذوهم عبيداً إلى إيطاليا ثم حرروهم وسموهم الليبرتينيين، ومعناها «المحررين». وكان هناك مجمع آخر خاصّ باليهود الذين من قيروان في أفريقيا. (قيروان تقع على مسافة 224 كيلومتراً شرقي بنغازي في الجبل الأخضر في ليبيا واسمها الحالي شحات. وهذا التفسير أدق بالنسبة للكتاب المقدّس)، ومجمع ثالث خاصّ بيهود الإسكندرية في مصر، ومجمع آخر خاصّ بيهود كيليكية في آسيا الصغرى، ومجمع آخر خاصّ بيهود الجزء الغربي من آسيا الصغرى.
اجتمع علماء تلك المجامع لمحاورة استفانوس في أمر السيّد المسيح، فهزمهم في الحوار لأنّـه كان يتكلم بقوّة الرّوح القدس، أمّـا شيوخ اليهود فكانوا يتكلّمون من عند أنفسهم. مساكين شيوخ اليهود، افتكروا أنهم يستطيعون أن يقاوموا الرّوح القدس! ولمّـا فشلوا في محاورة استفانوس طلبوا من بعض اليهود سرّاً أن يقولوا إنهم سمعوا استفانوس يشتم الله والهيكل وشريعة موسى. ولا بد أن استفانوس قال إنّ المسيح أعظم من موسى ومن الهيكل.
وهاج الشعب الذي سمع التهمة وخطف استفانوس وأتى به إلى مجمع السبعين الذي له حقّ الحكم في الأمور الدينيّة. ووقف استفانوس أمام المجمع الذي سمع شكاية اليهود عليه، فنظر إليه جميع الجالسين ورأوا وجهه كأنّه وجه ملاك، لأنّ علامات الاطمئنان والبراءة والمحبة كانت في قلبه وظاهرة على وجهه، بفضل الرّوح القدس الساكن فيه. ولا توجد قوّة في العالم تستطيع أن تخفي الحياة الطاهرة اللامعة من على وجه المؤمن الحقيقيّ.
دفاع استفانوس
في دفاع استفانوس نرى ستَّ حقائق:
1 - عهد الله مع شعبه سابق لشريعة موسى ولبناء الهيكل (آيات 1-8)
2 - النّجاة من عبوديّة فرعون أمر رمزيّ (آيات 9-19)
3- موسى يرمز للمسيح (آيات 20-36)
4- اليهود يرفضون العبادة الحقيقية (آيات 37-43)
5- الهيكل الحقيقي (آيات 44-50)
6 – اليهود دائماً يقاومون الروح القدس (آيات 51-53)
1 - عهد الله مع شعبه سابق لشريعة موسى ولبناء الهيكل
1 فسأَلَ رَئِيسُ الْكَهَنَةِ: «أَتُرَى هَذِهِ الأُمُورُ هَكَذَا هِيَ؟» 2 فَأَجَابَ: «أَيُّهَا الرِّجَالُ الإِخْوَةُ وَالآبَاءُ اسْمَعُوا. ظَهَرَ إِلَهُ الْمَجْدِ لأَبِينَا إِبْرَاهِيمَ وَهُوَ فِي مَا بَيْنَ النَّهْرَيْنِ، قَبْلَمَا سَكَنَ فِي حَارَانَ 3 وَقَالَ لَهُ: اخْرُجْ مِنْ أَرْضِكَ وَمِنْ عَشِيرَتِكَ وَهَلُمَّ إِلَى الأَرْضِ الَّتِي أُرِيكَ. 4 فَخَرَجَ حِينَئِذٍ مِنْ أَرْضِ الْكَلْدَانِيِّينَ وَسَكَنَ فِي حَارَانَ. وَمِنْ هُنَاكَ نَقَلَهُ بَعْدَ مَا مَاتَ أَبُوهُ إِلَى هَذِهِ الأَرْضِ الَّتِي أَنْتُمُ الآنَ سَاكِنُونَ فِيهَا. 5 وَلَمْ يُعْطِهِ فِيهَا مِيرَاثاً وَلاَ وَطْأَةَ قَدَمٍ. وَلَكِنْ وَعَدَ أَنْ يُعْطِيَهَا مُلْكاً لَهُ وَلِنَسْلِهِ مِنْ بَعْدِهِ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ بَعْدُ وَلَدٌ. 6 وَتَكَلَّمَ اللهُ هَكَذَا: أَنْ يَكُونَ نَسْلُهُ مُتَغَرِّباً فِي أَرْضٍ غَرِيبَةٍ فَيَسْتَعْبِدُوهُ وَيُسِيئُوا إِلَيْهِ أَرْبَعَ مِئَةِ سَنَةٍ، 7 وَالأُمَّةُ الَّتِي يُسْتَعْبَدُونَ لَهَا سَأَدِينُهَا أَنَا يَقُولُ اللهُ. وَبَعْدَ ذَلِكَ يَخْرُجُونَ وَيَعْبُدُونَنِي فِي هَذَا الْمَكَانِ. 8 وَأَعْطَاهُ عَهْدَ الْخِتَانِ. وَهَكَذَا وَلَدَ إِسْحَاقَ وَخَتَنَهُ فِي الْيَوْمِ الثَّامِنِ. وَإِسْحَاقُ وَلَدَ يَعْقُوبَ، وَيَعْقُوبُ وَلَدَ رُؤَسَاءَ الآبَاءِ الاِثْنَيْ عَشَرَ (أعمال 7: 1-8).
أحضر اليهود استفانوس إلى رئيس الكهنة ليحاكمه، فسأله إن كان مذنباً أم بريئاً. وكان استفانوس شجاعاً، فلم يُجب رئيس الكهنة وحده بل تكلّم إلى كلّ الشعب ودعاهم آباء وإخوة.
وبدأ استفانوس دفاعه بقوله إن دعوة الله لإبراهيم ووعوده له كانت سابقة لمولد موسى وإعطائه الشريعة، وسابقة لبناء هيكل سليمان، وإنّ ظهور الله لشعبه ليس مقصوراً على أورشليم فقط، لأنّ الله ظهر لإبراهيم ويوسف وموسى في أماكن غير أورشليم.
2 - النّجاة من عبوديّة فرعون أمر رمزيّ
9 وَرُؤَسَاءُ الآبَاءِ حَسَدُوا يُوسُفَ وَبَاعُوهُ إِلَى مِصْرَ، وَكَانَ اللهُ مَعَهُ 10 وَأَنْقَذَهُ مِنْ جَمِيعِ ضِيقَاتِهِ، وَأَعْطَاهُ نِعْمَةً وَحِكْمَةً أَمَامَ فِرْعَوْنَ مَلِكِ مِصْرَ فَأَقَامَهُ مُدَبِّراً عَلَى مِصْرَ وَعَلَى كُلِّ بَيْتِهِ.
11 ثُمَّ أَتَى جُوعٌ عَلَى كُلِّ أَرْضِ مِصْرَ وَكَنْعَانَ وَضِيقٌ عَظِيمٌ، فَكَانَ آبَاؤُنَا لاَ يَجِدُونَ قُوتاً. 12 وَلَمَّا سَمِعَ يَعْقُوبُ أَنَّ فِي مِصْرَ قَمْحاً أَرْسَلَ آبَاءَنَا أَوَّلَ مَرَّةٍ. 13 وَفِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ اسْتَعْرَفَ يُوسُفُ إِلَى إِخْوَتِهِ وَاسْتَعْلَنَتْ عَشِيرَةُ يُوسُفَ لِفِرْعَوْنَ، 14 فَأَرْسَلَ يُوسُفُ وَاسْتَدْعَى أَبَاهُ يَعْقُوبَ وَجَمِيعَ عَشِيرَتِهِ خَمْسَةً وَسَبْعِينَ نَفْساً. 15 فَنَزَلَ يَعْقُوبُ إِلَى مِصْرَ وَمَاتَ هُوَ وَآبَاؤُنَا، 16 وَنُقِلُوا إِلَى شَكِيمَ وَوُضِعُوا فِي الْقَبْرِ الَّذِي اشْتَرَاهُ إِبْرَاهِيمُ بِثَمَنٍ فِضَّةٍ مِنْ بَنِي حَمُورَ أَبِي شَكِيمَ. 17 وَكَمَا كَانَ يَقْرُبُ وَقْتُ الْمَوْعِدِ الَّذِي أَقْسَمَ اللهُ عَلَيْهِ لإِبْرَاهِيمَ كَانَ الشَّعْبُ يَنْمُو وَيَكْثُرُ فِي مِصْرَ 18 إِلَى أَنْ قَامَ مَلِكٌ آخَرُ لَمْ يَكُنْ يَعْرِفُ يُوسُفَ، 19 فَاحْتَالَ هَذَا عَلَى جِنْسِنَا وَأَسَاءَ إِلَى آبَائِنَا حَتَّى جَعَلُوا أَطْفَالَهُمْ مَنْبُوذِينَ لِكَيْ لاَ يَعِيشُوا (أعمال 7: 9-19).
في ظلم الإخوة ليوسف إشارة إلى ظلم اليهود للمسيح، الذي خرج من الآلام إلى المُلك. كما أن استعباد فرعون لبني إسرائيل، وإطلاق الرب لهم أحراراً إشارة واضحة لآلام المسيح والأمجاد التي بعدها.
3 - موسى يرمز للمسيح
20 «وَفِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وُلِدَ مُوسَى وَكَانَ جَمِيلاً جِدّاً فَرُبِّيَ هَذَا ثَلاَثَةَ أَشْهُرٍ فِي بَيْتِ أَبِيهِ. 21 وَلَمَّا نُبِذَ اتَّخَذَتْهُ ابْنَةُ فِرْعَوْنَ وَرَبَّتْهُ لِنَفْسِهَا ابْناً، 22 فَتَهَذَّبَ مُوسَى بِكُلِّ حِكْمَةِ الْمِصْرِيِّينَ، وَكَانَ مُقْتَدِراً فِي الأَقْوَالِ وَالأَعْمَالِ. 23 وَلَمَّا كَمِلَتْ لَهُ مُدَّةُ أَرْبَعِينَ سَنَةً خَطَرَ عَلَى بَالِهِ أَنْ يَفْتَقِدَ إِخْوَتَهُ بَنِي إِسْرَائِيلَ. 24 وَإِذْ رَأَى وَاحِداً مَظْلُوماً حَامَى عَنْهُ وَأَنْصَفَ الْمَغْلُوبَ إِذْ قَتَلَ الْمِصْرِيَّ. 25 فَظَنَّ أَنَّ إِخْوَتَهُ يَفْهَمُونَ أَنَّ اللهَ عَلَى يَدِهِ يُعْطِيهِمْ نَجَاةً وَأَمَّا هُمْ فَلَمْ يَفْهَمُوا. 26 وَفِي الْيَوْمِ الثَّانِي ظَهَرَ لَهُمْ وَهُمْ يَتَخَاصَمُونَ فَسَاقَهُمْ إِلَى السَّلاَمَةِ قَائِلاً: أَيُّهَا الرِّجَالُ أَنْتُمْ إِخْوَةٌ. لِمَاذَا تَظْلِمُونَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً؟ 27 فَالَّذِي كَانَ يَظْلِمُ قَرِيبَهُ دَفَعَهُ قَائِلاً: مَنْ أَقَامَكَ رَئِيساً وَقَاضِياً عَلَيْنَا؟ 28 أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ أَمْسَ الْمِصْرِيَّ؟ 29 فَهَرَبَ مُوسَى بِسَبَبِ هَذِهِ الْكَلِمَةِ وَصَارَ غَرِيباً فِي أَرْضِ مَدْيَانَ حَيْثُ وَلَدَ ابْنَيْنِ.
30 «وَلَمَّا كَمِلَتْ أَرْبَعُونَ سَنَةً ظَهَرَ لَهُ مَلاَكُ الرَّبِّ فِي بَرِّيَّةِ جَبَلِ سِينَاءَ فِي لَهِيبِ نَارِ عُلَّيْقَةٍ. 31 فَلَمَّا رَأَى مُوسَى ذَلِكَ تَعَجَّبَ مِنَ الْمَنْظَرِ. وَفِيمَا هُوَ يَتَقَدَّمُ لِيَتَطَلَّعَ صَارَ إِلَيْهِ صَوْتُ الرَّبِّ: 32 أَنَا إِلَهُ آبَائِكَ، إِلَهُ إِبْرَاهِيمَ وَإِلَهُ إِسْحَاقَ وَإِلَهُ يَعْقُوبَ. فَارْتَعَدَ مُوسَى وَلَمْ يَجْسُرْ أَنْ يَتَطَلَّعَ. 33 فَقَالَ لَهُ الرَّبُّ: اخْلَعْ نَعْلَ رِجْلَيْكَ لأَنَّ الْمَوْضِعَ الَّذِي أَنْتَ وَاقِفٌ عَلَيْهِ أَرْضٌ مُقَدَّسَةٌ. 34 إِنِّي رَأَيْتُ مَشَقَّةَ شَعْبِي الَّذِينَ فِي مِصْرَ وَسَمِعْتُ أَنِينَهُمْ وَنَزَلْتُ لأُنْقِذَهُمْ. فَهَلُمَّ الآنَ أُرْسِلُكَ إِلَى مِصْرَ.
35 «هَذَا مُوسَى الَّذِي أَنْكَرُوهُ قَائِلِينَ: مَنْ أَقَامَكَ رَئِيساً وَقَاضِياً؟ هَذَا أَرْسَلَهُ اللهُ رَئِيساً وَفَادِياً بِيَدِ الْمَلاَكِ الَّذِي ظَهَرَ لَهُ فِي الْعُلَّيْقَةِ. 36 هَذَا أَخْرَجَهُمْ صَانِعاً عَجَائِبَ وَآيَاتٍ فِي أَرْضِ مِصْرَ وَفِي الْبَحْرِ الأَحْمَرِ وَفِي الْبَرِّيَّةِ أَرْبَعِينَ سَنَةً» (أعمال 7: 20-36).
استمرّ استفانوس في دفاعه قائلاً إنّه يرى في موسى رمزاً للمسيح منقذ إخوته، ومع هذا فإنّ إخوته رفضوه وقالوا له: «مَنْ أَقَامَكَ رَئِيساً وَقَاضِياً عَلَيْنَا؟». ومع هذا فإنَّ موسى كان المنقذ بالعجائب والآيات. وفي هذا يكون موسى رمزاً للمسيح.
4 - اليهود يرفضون العبادة الحقيقيّة
37 «هَذَا هُوَ مُوسَى الَّذِي قَالَ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ: نَبِيّاً مِثْلِي سَيُقِيمُ لَكُمُ الرَّبُّ إِلَهُكُمْ مِنْ إِخْوَتِكُمْ. لَهُ تَسْمَعُونَ. 38 هَذَا هُوَ الَّذِي كَانَ فِي الْكَنِيسَةِ فِي الْبَرِّيَّةِ مَعَ الْمَلاَكِ الَّذِي كَانَ يُكَلِّمُهُ فِي جَبَلِ سِينَاءَ وَمَعَ آبَائِنَا. الَّذِي قَبِلَ أَقْوَالاً حَيَّةً لِيُعْطِيَنَا إِيَّاهَا 39 الَّذِي لَمْ يَشَأْ آبَاؤُنَا أَنْ يَكُونُوا طَائِعِينَ لَهُ، بَلْ دَفَعُوهُ وَرَجَعُوا بِقُلُوبِهِمْ إِلَى مِصْرَ، 40 قَائِلِينَ لِهَارُونَ: اعْمَلْ لَنَا آلِهَةً تَتَقَدَّمُ أَمَامَنَا، لأَنَّ هَذَا مُوسَى الَّذِي أَخْرَجَنَا مِنْ أَرْضِ مِصْرَ لاَ نَعْلَمُ مَاذَا أَصَابَهُ. 41 فَعَمِلُوا عِجْلاً فِي تِلْكَ الأَيَّامِ، وَأَصْعَدُوا ذَبِيحَةً لِلصَّنَمِ وَفَرِحُوا بِأَعْمَالِ أَيْدِيهِمْ. 42 فَرَجَعَ اللهُ وَأَسْلَمَهُمْ لِيَعْبُدُوا جُنْدَ السَّمَاءِ كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ فِي كِتَابِ الأَنْبِيَاءِ: هَلْ قَرَّبْتُمْ لِي ذَبَائِحَ وَقَرَابِينَ أَرْبَعِينَ سَنَةً فِي الْبَرِّيَّةِ يَا بَيْتَ إِسْرَائِيلَ؟ 43 بَلْ حَمَلْتُمْ خَيْمَةَ مُولُوكَ وَنَجْمَ إِلَهِكُمْ رَمْفَانَ التَّمَاثِيلَ الَّتِي صَنَعْتُمُوهَا لِتَسْجُدُوا لَهَا. فَأَنْقُلُكُمْ إِلَى مَا وَرَاءَ بَابِلَ» (أعمال 7: 37-43).
ومضى استفانوس يقول إن الشريعة وعوائد موسى ليست أبديّة، لأنّ موسى أنبأ بمجيء نبي آخر، وأنّ تعاليم موسى كانت تجهِّز شعبه لمجيء نبيّ آخر هو المسيح. والنبيّ الآخر الذي أشار إليه هو الذي أشار الرسول بطرس إليه في موعظته الثانية (أعمال 3: 22)، وهو المسيح الذي يشترك مع موسى في صفتين: أنّه يكلّم الله بدون وسيط، وأنّـه أجرى معجزات كثيرة.
وقال استفانوس إنّ الماضي يكرّر نفسه، وإنّ بني إسرائيل الذين منحهم الرب خلاصه المعجزي هم الذين عبدوا العجل، وقدّموا قرابين للصنم، وصنعوا أوثاناً سجدوا لها، فأغضبوا الله. وهو نفس ما فعلوه بالمسيح، المخلِّص الروحي الذي سلموه لبيلاطس وهم يصرخون: «اصْلِبْهُ! اصْلِبْهُ! دَمُهُ عَلَيْنَا وَعَلَى أَوْلادِنَا». فإنهم دائماً يرفضون العبادة التي من عند الله، والتي أمر بها الله، ويجرون وراء الباطل.
آية للحفظ:
«فَصَارَ إِلَيْهِ صَوْتُ الرَّبِّ: أَنَا إِلَهُ آبَائِكَ، إِلَهُ إِبْرَاهِيمَ وَإِلَهُ إِسْحَاقَ وَإِلَهُ يَعْقُوبَ» (أعمال 7: 31، 32).
صلاة:
أعطني أن أعبدك يا ربّ بالرّوح والحق.
سؤال:
18 - ما هي العبادة الحقيقيّة؟
5 - الهيكل الحقيقي
44 «وَأَمَّا خَيْمَةُ الشَّهَادَةِ فَكَانَتْ مَعَ آبَائِنَا فِي الْبَرِّيَّةِ كَمَا أَمَرَ الَّذِي كَلَّمَ مُوسَى أَنْ يَعْمَلَهَا عَلَى الْمِثَالِ الَّذِي كَانَ قَدْ رَآهُ، 45 الَّتِي أَدْخَلَهَا أَيْضاً آبَاؤُنَا إِذْ تَخَلَّفُوا عَلَيْهَا مَعَ يَشُوعَ فِي مُلْكِ الأُمَمِ الَّذِينَ طَرَدَهُمُ اللهُ مِنْ وَجْهِ آبَائِنَا إِلَى أَيَّامِ دَاوُدَ، 46 الَّذِي وَجَدَ نِعْمَةً أَمَامَ اللهِ، وَالْتَمَسَ أَنْ يَجِدَ مَسْكَناً لإِلَهِ يَعْقُوبَ. 47 وَلَكِنَّ سُلَيْمَانَ بَنَى لَهُ بَيْتاً. 48 لَكِنَّ الْعَلِيَّ لاَ يَسْكُنُ فِي هَيَاكِلَ مَصْنُوعَةٍ بِالأَيَادِي كَمَا يَقُولُ النَّبِيُّ: 49 السَّمَاءُ كُرْسِيٌّ لِي، وَالأَرْضُ مَوْطِئٌ لِقَدَمَيَّ. أَيَّ بَيْتٍ تَبْنُونَ لِي يَقُولُ الرَّبُّ، وَأَيٌّ هُوَ مَكَانُ رَاحَتِي؟ 50 أَلَيْسَتْ يَدِي صَنَعَتْ هَذِهِ الأَشْيَاءَ كُلَّهَا؟ (أعمال 7: 44-50).
ومضى استفانوس يقول إنَّ العبادة اليهودية بدأت في خيمة الاجتماع، حيث كان تابوت العهد موضوعاً في قدس الأقداس، واشتاق داود أن يبني للربّ هيكلاً، فكلَّف الربّ سليمان بإقامته. ولكنّ العبادة الحقيقية هي العبادة الروحيّة، والساجدون لله ينبغي أن يسجدوا بالرّوح والحق. فلم يكن ما وعظ به استفانوس بخصوص «الْمَوْضِعِ الْمُقَدَّسِ وَالنَّامُوسِ» تجديفاً، كما اتّـهمه أهل مجمع الليبرتينيين وغيرهم، بل كان توضيحاً للعبادة الحقيقيّة التي يطلبها الله.
آية للحفظ:
«السَّمَاءُ كُرْسِيٌّ لِي، وَالأَرْضُ مَوْطِئٌ لِقَدَمَيَّ» (أعمال 7: 47).
صلاة:
يا ربّ، قُدني دائماً إلى بيتك وهيكلك، واجعل جسدي هيكلاً مقدّساً لك.
سؤال:
19 - كيف يكون جسدك هيكلاً مقدّساً للرب؟
6 – اليهود دائماً يقاومون الروح القدس
51 «يَا قُسَاةَ الرِّقَابِ وَغَيْرَ الْمَخْتُونِينَ بِالْقُلُوبِ وَالآذَانِ، أَنْتُمْ دَائِماً تُقَاوِمُونَ الرُّوحَ الْقُدُسَ. كَمَا كَانَ آبَاؤُكُمْ كَذَلِكَ أَنْتُمْ. 52 أَيُّ الأَنْبِيَاءِ لَمْ يَضْطَهِدْهُ آبَاؤُكُمْ، وَقَدْ قَتَلُوا الَّذِينَ سَبَقُوا فَأَنْبَأُوا بِمَجِيءِ الْبَارِّ، الَّذِي أَنْتُمُ الآنَ صِرْتُمْ مُسَلِّمِيهِ وَقَاتِلِيهِ، 53 الَّذِينَ أَخَذْتُمُ النَّامُوسَ بِتَرْتِيبِ مَلاَئِكَةٍ وَلَمْ تَحْفَظُوهُ؟» (أعمال 7: 51-53).
ختم استفانوس دفاعه بأن قال إنّ بني إسرائيل يقاومون الرّوح القدس دائماً، وإنهم تمردوا على الله عندما رفضوا المسيح كما تمرّد آباؤهم من قبل. ووصل إلى قمة دفاعه بالقول إنّ يسوع المسيح هو المسيا والمخلِّص الذي صلبه اليهود وقتلوه.
54 فَلَمَّا سَمِعُوا هَذَا حَنِقُوا بِقُلُوبِهِمْ وَصَرُّوا بِأَسْنَانِهِمْ عَلَيْهِ. 55 وَأَمَّا هُوَ فَشَخَصَ إِلَى السَّمَاءِ وَهُوَ مُمْتَلِئٌ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ، فَرَأَى مَجْدَ اللهِ وَيَسُوعَ قَائِماً عَنْ يَمِينِ اللهِ، 56 فَقَالَ: «هَا أَنَا أَنْظُرُ السَّمَاوَاتِ مَفْتُوحَةً وَابْنَ الإِنْسَانِ قَائِماً عَنْ يَمِينِ اللهِ». 57 فَصَاحُوا بِصَوْتٍ عَظِيمٍ وَسَدُّوا آذَانَهُمْ وَهَجَمُوا عَلَيْهِ بِنَفْسٍ وَاحِدَةٍ 58 وَأَخْرَجُوهُ خَارِجَ الْمَدِينَةِ وَرَجَمُوهُ. وَالشُّهُودُ خَلَعُوا ثِيَابَهُمْ عِنْدَ رِجْلَيْ شَابٍّ يُقَالُ لَهُ شَاوُلُ. 59 فَكَانُوا يَرْجُمُونَ اسْتِفَانُوسَ وَهُوَ يَدْعُو وَيَقُولُ: «أَيُّهَا الرَّبُّ يَسُوعُ، اقْبَلْ رُوحِي». 60 ثُمَّ جَثَا عَلَى رُكْبَتَيْهِ وَصَرَخَ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ: «يَا رَبُّ لاَ تُقِمْ لَهُمْ هَذِهِ الْخَطِيَّةَ». وَإِذْ قَالَ هَذَا رَقَدَ، وَكَانَ شَاوُلُ رَاضِياً بِقَتْلِهِ (أعمال 7: 54-8: 1).
بلغ الغضب بأعضاء المجلس قمّته، فصرّوا بأسنانهم علامة شدة غيظهم وحقدهم عليه، فرفع استفانوس عينيه إلى السماء كأنه يرفع دعواه إلى الله، فرأى رؤية سماوية أنعم الله عليه بها عندما طلب وجهه.. رأى مجد الله، والمسيح عن يمين الله. وهذا معناه أن المسيح في موضع الشرف والسلطة، لأنّه هو الديان العادل. وأخبر استفانوس أعضاء المجمع واليهود بهذه الرؤيا فصرخوا وسدوا آذانهم لأنهم لم يقبلوا أن يسمعوا أكثر. وهجموا عليه وأخرجوه خارج أورشليم ورجموه، فقد كان الرجم عقاب المجدف (يوحنا 10: 31). وخلع الراجمون ثيابهم تسهيلاً لرمي استفانوس بالحجارة، ووضعوها عند رجليْ شاول الطرسوسي الذي كان راضياً بقتله.
وعندما كانت الحجارة تنهال على استفانوس، الشهيد المسيحيّ الأول، كان يصلي أن يقبل الله روحه، مقتدياً بالمسيح الذي طلب الغفران لصالبيه (لوقا 23: 46). وطلب استفانوس صفح الله للذين يرجمونه. ثم جثا على ركبتيه، ومات وهو يصليّ.
آية للحفظ:
«يَا رَبُّ، لاَ تُقِمْ لَهُمْ هَذِهِ الْخَطِيَّةَ» (أعمال 7: 60).
صلاة:
علِّمني يا ربّ كيف أغفر لمن يسيئون إليَّ، حتى أطلب كما طلب استفانوس.
سؤال:
20 لماذا رجم اليهود استفانوس؟
مسابقة الجزء الأول
من تفسير أعمال الرسل
أيّـها القارئ العزيز،
إن تعمّقت في دراسة هذا الكتاب تقدر أن تجاوب هذه الأسئلة بسهولة. وتقديراً لاشتراكك نرسل لك أحد كتبنا كجائزة. لا تنسَ أن تكتب اسمك وعنوانك كاملين عند إرسال إجابتك إلينا.
1- ما هما الهدفان من حلول الرّوح القدس على التلاميذ يوم الخمسين؟
2- كيف تكون لنا رجالاً ونساءً نفس واحدة في الصّلاة والطلبة؟
3- إلى أيّ شيء تشير الألسنة المنقسمة كأنّـها من نار، والتّي حلّت على التلاميذ يوم الخمسين؟
4- كيف دافع بطرس عن تهمة أنّ التلاميذ سكارى؟
5- كيف أوضح بطرس لليهود حقيقة الصّلب؟
6- لماذا توسّع الرسول بطرس في شرح حقيقة قيامة المسيح؟
7 – اذكر إجابة بطرس على سؤال سامعيه «ماذا نصنع أيّـها الرّجال الإخوة؟»
9- كيف تحقّقت نبوّة إشعياء 35: 6؟
10- ما هي أوقات الفرج؟
11- ما معنى أنَّ المسيح رأس الزاوية؟
12- كيف صلَّت الكنيسة كلمات الكتاب المقدس؟
13- ما سبب موت حنانيا وزوجته سفيرة؟
14- فسِّر أعمال 5: 12-16 في نور ما قاله المسيح في يوحنا 14: 12.
15- ما هو شرط الامتلاء من الروح القدس؟
16- ما الذي ساعد التلاميذ الأولين ليستمرّوا في التّعليم والتّبشير بيسوع في بيوتهم وفي الهيكل؟
17- ما هي وظيفة الشّماس؟
18- ما هي العبادة الحقيقيّة؟
19- كيف يكون جسدك هيكلاً مقدّساً للربّ؟
20- لماذا رجم اليهود استفانوس؟
عنواننا:
شهادة الكنيسة في اليهودية والسامرة
الأصحاحات من 8-12
«وَتَكُونُونَ لِي شُهُوداً.. فِي كُلِّ الْيَهُودِيَّةِ، والسَّامِرَةِ..»
(أعمال الرّسل 1: 8)
الفصل الرابع
الكنيسة المضطهَدة
أعمال الرسل 8
رأينا في الجزء الأول من سفر أعمال الرسل كيف انتشرت كلمة الله في أورشليم، وكيف جاهدت الكنيسة في الدائرة الأولى، دائرة الوطن الداخلي الصغير، وانتشرت فيه.
ونبدأ من هذا الدرس دراسة الجزء الثاني من هذا السفر، وهو انتشار المسيحية في اليهودية والسامرة، التي هي الدائرة الثانية، دائرة البلاد القريبة من الوطن، عملاً بوصية المسيح: «وتَكُونُونَ لِي شُهُوداً فِي أُورُشَلِيمَ وَفِي كُلِّ الْيَهُودِيَّةِ وَالسَّامِرَةِ وَإِلَى أَقْصَى الأَرْضِ» (أعمال الرسل 1: 8).
شاول يضطهد كنيسة أورشليم
1 وَحَدَثَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ اضْطِهَادٌ عَظِيمٌ عَلَى الْكَنِيسَةِ الَّتِي فِي أُورُشَلِيمَ فَتَشَتَّتَ الْجَمِيعُ فِي كُوَرِ الْيَهُودِيَّةِ وَالسَّامِرَةِ، مَا عَدَا الرُّسُلَ. 2 وَحَمَلَ رِجَالٌ أَتْقِيَاءُ اسْتِفَانُوسَ وَعَمِلُوا عَلَيْهِ مَنَاحَةً عَظِيمَةً. 3 وَأَمَّا شَاوُلُ فَكَانَ يَسْطُو عَلَى الْكَنِيسَةِ وَهُوَ يَدْخُلُ الْبُيُوتَ وَيَجُرُّ رِجَالاً وَنِسَاءً وَيُسَلِّمُهُمْ إِلَى السِّجْنِ (أعمال 8: 1-3).
لم يترك شيوخ اليهود كنيسة أورشليم تُبشّر باسم المسيح، وأرادوا إفناءها فاضطهدوها ورجموا استفانوس شهيدها الأول. على أن موت استفانوس لم يشفِ غيظهم، فظلوا غاضبين على أتباع المسيح، فحبسوا بعضهم وسلبوا أموالهم وجلدوهم، فهرب البعض من شدة الاضطهاد إلى بلاد في اليهودية مثل حبرون وغزّة ولدّة ويافا، كما ذهب بعضهم إلى السامرة. ولمّا كان السامريون أعداء لليهود فقد أمَّنوا المسيحيين الهاربين إليهم. أمّا الرسل فبقوا في أورشليم لأنهم كانوا يعلِّمون الكنيسة، وكان يجب عليهم أن يبقوا فيها حتى وإن تعرَّضوا للخطر.
كانت عادة اليهود عند موت أي شخص أن يقيموا مناحةً يندبون فيها الميْت، فناح المؤمنون على استفانوس الذي رجمه المتعصّبون اليهود، كما ناح عليه بعض اليهود الأتقياء لأنه بريء. أمّا شاول الطرسوسي فلم يوافقهم على المناحة عليه، بل كان راضياً بقتله.
وشاول اسم عبراني معناه «المطلوب أو المرغوب فيه»، ولعله وُلد في أول القرن الأول من التاريخ المسيحي، لأنه يقول عن نفسه في سنة 64م إنه شيخ (فليمون 9). كان شاول الطرسوسي عبرانياً من سبط بنيامين، فريسي ابن فريسي، ومع هذا فقد كان يتمتع بحقوق المواطنة الرومانية لأنه وُلد في طرسوس التي يتمتع أهلها بامتيازات المواطنين الرومان. درس شاول الفنون والفلسفة اليونانية في مدارس طرسوس، وجاء إلى أورشليم ليدرس الشريعة اليهودية، فتعلم عند قدمي «غمالائيل» المعلِّم اليهودي المشهور. وكان قد تعلم صناعة الخيام، لأن كل يهودي مهما ارتقى في تعليمه كان يجب أن يتعلم حرفةً. وكان شاول يهودياً متعصِّباً، فكان يسطو كالوحش المفترس على المسيحيين، فيدخل البيوت التي اختبأوا فيها، ويجر الرجال والنساء إلى السجن.
لقد حاول شاول أن يلاشي كنيسة أورشليم من الوجود. لكن رب الكنيسة كان معها رغم الاضطهاد. إنّ الكنيسة هي كنيسة المسيح، ولا تستطيع كل قُوى العالم مجتمعة أن تلاشيها، لأن ليس هناك من هو أقوى من المسيح!
فيلبس يكرز في السامرة
4 فَالَّذِينَ تَشَتَّتُوا جَالُوا مُبَشِّرِينَ بِالْكَلِمَةِ. 5 فَانْحَدَرَ فِيلُبُّسُ إِلَى مَدِينَةٍ مِنَ السَّامِرَةِ وَكَانَ يَكْرِزُ لَهُمْ بِالْمَسِيحِ. 6 وَكَانَ الْجُمُوعُ يُصْغُونَ بِنَفْسٍ وَاحِدَةٍ إِلَى مَا يَقُولُهُ فِيلُبُّسُ عِنْدَ اسْتِمَاعِهِمْ وَنَظَرِهِمُ الآيَاتِ الَّتِي صَنَعَهَا، 7 لأَنَّ كَثِيرِينَ مِنَ الَّذِينَ بِهِمْ أَرْوَاحٌ نَجِسَةٌ كَانَتْ تَخْرُجُ صَارِخَةً بِصَوْتٍ عَظِيمٍ. وَكَثِيرُونَ مِنَ الْمَفْلُوجِينَ وَالْعُرْجِ شُفُوا. 8 فَكَانَ فَرَحٌ عَظِيمٌ فِي تِلْكَ الْمَدِينَةِ (أعمال 8: 4-8).
تشتَّت المؤمنون بسبب الاضطهاد المرير، فذهب البعض إلى السامرة ومعهم رسالة المسيح المفرحة، ولم يطلبوا راحةً واطمئناناً بسكوتهم عن التبشير، بل شهدوا للحق حيثما ذهبوا، محققين قول المسيح: « وَتَكُونُونَ لِي شُهُوداً فِي أُورُشَلِيمَ، وَفِي كُلِّ الْيَهُودِيَّةِ، وَالسَّامِرَةِ..». وكان فيلبس، أحد الشمامسة السبعة، من بين الذين تشتتوا، فذهب إلى بلاد السامرة وبشرهم بأنّ المسيح قد أتى وعلَّم وصُلب وقام فادياً مخلِّصاً، فحصل تأثير عظيم من تبشيره، وأعدَّ الروح القدس قلوب بعض السامعين ليقبلوا كلمة الخلاص. وأعطى قوّة لفيلبس ليعمل آيات ومعجزات، فشُفي مرضى كثيرون من المسكونين بالأرواح النجسة التي تخدم إبليس والتي سقطت بسقوطه عندما تكبَّر، فأفسدت عقول الناس وأجسادهم.
وعندما شاهد السّامريون المرضى يُشفون فرحوا بالشفاء الجسدي، وبالبركات الروحية وخلاص نفوسهم. إنّ الإنجيل هو ينبوع السرور لكل من يقبله، لأنّ الفرح هو من ثمر الروح القدس.
آية للحفظ:
«فَالَّذِينَ تَشَتَّتُوا جَالُوا مُبَشِّرِينَ بِالْكَلِمَةِ» (أعمال 8: 4)
صلاة:
علِّمني يا أبي السّماوي أن لا أتردّد في أن أخبر الآخرين كم صنعت بي ورحمتني.
سؤال:
1 - لماذا كان فرحٌ عظيم في تلك المدينة؟
سيمون الساحر يؤمن ويعتمد
9 وَكَانَ قَبْلاً فِي الْمَدِينَةِ رَجُلٌ اسْمُهُ سِيمُونُ يَسْتَعْمِلُ السِّحْرَ وَيُدْهِشُ شَعْبَ السَّامِرَةِ قَائِلاً: «إِنَّهُ شَيْءٌ عَظِيمٌ!». 10 وَكَانَ الْجَمِيعُ يَتْبَعُونَهُ مِنَ الصَّغِيرِ إِلَى الْكَبِيرِ قَائِلِينَ: «هَذَا هُوَ قُوَّةُ اللهِ الْعَظِيمَةُ». 11 وَكَانُوا يَتْبَعُونَهُ لِكَوْنِهِمْ قَدِ انْدَهَشُوا زَمَاناً طَوِيلاً بِسِحْرِهِ. 12 وَلَكِنْ لَمَّا صَدَّقُوا فِيلُبُّسَ وَهُوَ يُبَشِّرُ بِالأُمُورِ الْمُخْتَصَّةِ بِمَلَكُوتِ اللهِ وَبِاسْمِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ اعْتَمَدُوا رِجَالاً وَنِسَاءً. 13 وَسِيمُونُ أَيْضاً نَفْسُهُ آمَنَ. وَلَمَّا اعْتَمَدَ كَانَ يُلاَزِمُ فِيلُبُّسَ، وَإِذْ رَأَى آيَاتٍ وَقُوَّاتٍ عَظِيمَةً تُجْرَى انْدَهَشَ (اقرأ أعمال 8: 9-13).
كان في مدن السامرة قبل أن يصل إليها فيلبس، ساحر اسمه سيمون، يقول البعض إنّـه ادَّعى أنّـه ابن الله، فأضلَّ أُناساً كثيرين فتبعوه. وكان يقول إنّـه يجعل أرواح الموتى تخدمه، كما يستخدم الأرواح الشريرة في تنفيذ رغباته، وكان يعمل التعاويذ والأحجبة ويخدع الناس قائلاً إنّه يستطيع أن يعرف المستقبل ويفسّر الأحلام، ويكتشف المسروقات. وقد اندهش سكان السامرة من سحره، فقالوا إنّ الله أعطاه قوّة عظيمة حتى يقوم بتلك الأعمال. مساكين هم الذين ينخدعون بالسحر والكذب. إنّـهم جهلاء لا يعرفون كذب السحرة!
وسمع سيمون من فيلبس عن أعمال المسيح العظيمة وعن اسمه العظيم، وتعليمه عن الملكوت الروحي الذي تأسس، فاعترف مع بعض الناس بإيمانه، واعتمدوا باسم المسيح المخلِّص، وبذلك تأسّست كنيسة السامرة، بعد أن حوَّل الله اضطهاد الكنيسة إلى بركة، فهو لا يترك نفسه بلا شاهد حتى في وقت الضيق والاضطهاد.
آمن سيمون بالمسيح لأنه اندهش من المعجزات التي كان يصنعها فيلبس باسم المسيح، فقد كانت أقوى بكثير من سحره، وكان يجب أن يندهش أكثر من محبة الله للخطاة حتى بذل ابنه الوحيد من أجل خلاصهم.
آية للحفظ:
«وَلَمَّا اعْتَمَدَ كَانَ يُلاَزِمُ فِيلُبُّسَ، وَإِذْ رَأَى آيَاتٍ وَقُوَّاتٍ عَظِيمَةً تُجْرَى انْدَهَشَ» (أعمال 8: 13)
صلاة:
أعطني يا أبي السماوي نعمة الإيمان القوّي الثابت بك، لا لأنّـي أندهش من المعجزات التي تُجرى باسم المسيح، بل لأنّـي مندهش من محبة المسيح وكفّارته العظيمة.
سؤال:
2 - لماذا قبل سيمون المعمودية؟
بطرس ويوحنا في السامرة
14 وَلَمَّا سَمِعَ الرُّسُلُ الَّذِينَ فِي أُورُشَلِيمَ أَنَّ السَّامِرَةَ قَدْ قَبِلَتْ كَلِمَةَ اللهِ أَرْسَلُوا إِلَيْهِمْ بُطْرُسَ وَيُوحَنَّا، 15 اللَّذَيْنِ لَمَّا نَزَلاَ صَلَّيَا لأَجْلِهِمْ لِكَيْ يَقْبَلُوا الرُّوحَ الْقُدُسَ، 16 لأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ قَدْ حَلَّ بَعْدُ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ - غَيْرَ أَنَّهُمْ كَانُوا مُعْتَمِدِينَ بِاسْمِ الرَّبِّ يَسُوعَ. 17 حِينَئِذٍ وَضَعَا الأَيَادِيَ عَلَيْهِمْ فَقَبِلُوا الرُّوحَ الْقُدُسَ. 18 وَلَمَّا رَأَى سِيمُونُ أَنَّهُ بِوَضْعِ أَيْدِي الرُّسُلِ يُعْطَى الرُّوحُ الْقُدُسُ قَدَّمَ لَهُمَا دَرَاهِمَ، 19 قَائِلاً: «أَعْطِيَانِي أَنَا أَيْضاً هَذَا السُّلْطَانَ حَتَّى أَيُّ مَنْ وَضَعْتُ عَلَيْهِ يَدَيَّ يَقْبَلُ الرُّوحَ الْقُدُسَ». 20 فَقَالَ لَهُ بُطْرُسُ: «لِتَكُنْ فِضَّتُكَ مَعَكَ لِلْهَلاَكِ، لأَنَّكَ ظَنَنْتَ أَنْ تَقْتَنِيَ مَوْهِبَةَ اللهِ بِدَرَاهِمَ. 21 لَيْسَ لَكَ نَصِيبٌ وَلاَ قُرْعَةٌ فِي هَذَا الأَمْرِ، لأَنَّ قَلْبَكَ لَيْسَ مُسْتَقِيماً أَمَامَ اللهِ. 22 فَتُبْ مِنْ شَرِّكَ هَذَا وَاطْلُبْ إِلَى اللهِ عَسَى أَنْ يُغْفَرَ لَكَ فِكْرُ قَلْبِكَ 23 لأَنِّي أَرَاكَ فِي مَرَارَةِ الْمُرِّ وَرِبَاطِ الظُّلْمِ». 24 فَأَجَابَ سِيمُونُ: «اطْلُبَا أَنْتُمَا إِلَى الرَّبِّ مِنْ أَجْلِي لِكَيْ لاَ يَأْتِيَ عَلَيَّ شَيْءٌ مِمَّا ذَكَرْتُمَا».
25 ثُمَّ إِنَّهُمَا بَعْدَ مَا شَهِدَا وَتَكَلَّمَا بِكَلِمَةِ الرَّبِّ رَجَعَا إِلَى أُورُشَلِيمَ وَبَشَّرَا قُرىً كَثِيرَةً لِلسَّامِرِيِّينَ (أعمال 8: 14-25).
بشّر فيلبس في السامرة، وبارك الله تبشيره، فَجَرَت معجزاتٌ على يديه، وآمن كثيرون بالمسيح. ووصلت هذه الأخبار المفرحة عن عمل الرب في السامرة إلى الرسل في أورشليم، ففرحوا وأرسلوا إليهم بطرس ويوحنا، ليُظهِروا رضاهم وسرورهم بهذه الأخبار، وليساعد الأخيران فيلبس بحكمتهما واختباراتهما، لأنّ العمل كثير عليه وحده. وذهب يوحنا مع بطرس ليكمّل أحدهما الآخر، فبطرس شجاع غيور متحمّس، ويوحنا وديع لطيف حليم. وكانت هذه آخر مرّة يُذكَر فيها اسم يوحنا في سفر أعمال الرسل.
وعندما وصل بطرس ويوحنا إلى السامرة صلَّيا وطلبا من الله أن يرسل الروح القدس ليغيِّر قلوب الناس ويقدِّس أهل السامرة، ووضعا عليهم الأيادي. وعادة وضع الأيادي عادة قديمة، فقد وضع يعقوب يديه على حفيديه أفرايم ومنسّى ليباركهما (تكوين 48: 14)، ووضع موسى يديه على يشوع عندما أقامه خليفة له (عدد 27: 23)، وطلب الرئيس الذي ماتت ابنته، من المسيح أن يحضر ويضع يده عليها فتحيا (متّى 9: 18).
وضع بطرس ويوحنا أيديهما بعد الصلاة على بعض الذين آمنوا في مدن السامرة، فقبلوا عطية الروح القدس وتكلموا بلغات غريبة، وتنبأوا. وهذا يدلّ على صحة التعليم الذي علَّم به فيلبس، كما يدلّ على رضى الله على التبشير في السامرة، ويُظهِر إخلاص السامريين في إيمانهم بالمسيح.
رأى سيمون بطرس ويوحنا وهما يضعان أيديهما على المؤمنين فينالون عطية الروح القدس ويتكلمون بلغات ويصنعون عجائب، ففكر أنّهما يتمتعان بقوّة أعظم من قوّته هو ومن قوّة فيلبس أيضاً. وظنّ أنّه إذا حصل على تلك القوّة يستطيع أن يربح أموالاً كثيرة. ولمّا كان يحب المال ظنّ أنّ الرسولين سيفرحان بالمال، فقدّم لهما دراهم ليعطياه سلطان الروح القدس حتى يستمر سلطانه القديم على الناس، وحتى يحصل على مال أكثر.
ولمّـا سمع بطرس كلام سيمون رآه مشرفاً على الهلاك، وتألّـم من طلبه ومن الطريق المُهلك الذي سلكه، لأنّ عطية الروح القدس لا تُقدَّر بثمن ولا تُشترى بالمال، بل هي هبة وعطية الله لمن يريد وعندما يريد، لأنّ الله هو الملك السماوي الذي يعطي روحه القدوس مجاناً لكل من يؤمن.
ومحاولة شراء قوّة الروح القدس بالمال إهانة إلى الله، وكُفر بعطيّته وقيمتها، لذلك قال له بطرس: «لِتَكُنْ فِضَّتُكَ مَعَكَ لِلْهَلاَكِ، لأَنَّكَ ظَنَنْتَ أَنْ تَقْتَنِيَ مَوْهِبَةَ اللهِ بِدَرَاهِمَ».
مسكين سيمون المخدوع! لم يفهم أنّ عطايا الله مجاناً وبدون مقابل. ولا زلنا نرى البعض يفكرون أن يشتروا عطايا الله بالإحسان إلى الفقراء، أو بأعمالهم الصالحة، أو باعتقادهم أنّ حسناتهم تزيل سيّئاتهم! صحيح أنّ الأعمال الصالحة ومساعدة المحتاجين أمر طيّب، لكنّها لا تشتري مواهب الله ولا رضاه. وقال بطرس لسيمون إنّـه ليس له نصيب في المواهب الروحية، لأنّ الله لا يُسرّ به، فقد تظاهر سيمون بالإيمان وتعمّد، لكن قلبه لم يتغير، وبقيت أفكاره أرضية دنيوية، ولم يفهم الأمور الروحية. ومن هذا نتعلم أنّ معمودية الماء لا تغيِّر قلب الإنسان، لكنّها علامة خارجية وشهادة على الإيمان بالمسيح فقط.
عرف بطرس أنَّ سيمون لم يتُب توبة صادقة، وأمره أن يبتعد عن خطاياه بالتوبة، وأن يرجع إلى الله، وطلب منه أن يصلّي حتى يغفر الله له فكره الشرير ويحوِّل قلبه إلى الطريق الصحيح، لأن قلب سيمون كان مملوءاً بالأفكار التي يبغضها الله من الطمع والرياء ومحبة المال. كانت الخطية قد تسلطت عليه وربطته في الظلام وقوة الشر، فهو عبد للخطية وليس ابناً لله.
كان سيمون قاسي القلب، فلم يشأ أن يتوب ويصلّي إلى الله، فطلب من بطرس ويوحنا أن يصليا لأجله حتى يخلُص من العقاب. ومع أنّ بطرس طلب إليه أن يخلُص من رباط الخطية، لكن سيمون رغب في الخلاص والنجاة بدون التوبة أو الصلاة. وهذا يعلِّمنا أنّ صلاة الآخرين لأجلنا لا تعطينا غفران خطايانا، بل علينا نحن أن نعزم على التوبة عنها توبة صادقة، ثم نطلب من الله بإيمان أن يغفر آثامنا.
بقي بطرس ويوحنا في مدن السامرة مدة كافية لتعليم الشعب وتثبيت المؤمنين وتنظيم الكنيسة، ثم تركا فيلبس ليكمل العمل، ورجعا إلى أورشليم. وفي طريق رجوعهما بشرا قرى كثيرة.
ومن دراستنا لحياة الرسول يوحنا نلاحظ أنّه كان قد أتى إلى السامرة مع المسيح، ولمّا رفض السّامريون البشارة طلب من المسيح أن يُنزل ناراً من السَّماء لتهلكهم (لوقا 9: 54). أمّا الآن فقد تغيَّر فكره، لأنَّ الروح القدس أزال البُغض القديم من قلبه، والذي كان طبيعياً بين اليهود والسامريين. إنَّ الروح القدس يهدم الحواجز بين البشر.
آية للحفظ:
«وَبَشَّرَا قُرىً كَثِيرَةً لِلسَّامِرِيِّينَ» (أعمال 8: 25).
صلاة:
يا ربُّ، أعطني أن أنال موهبة الروح القدس لأخدمك كيف تريد وحيث تريد، لأفرح برؤية كثيرين يرجعون إليك.
سؤال:
3 - لماذا أرسلت الكنيسة في أورشليم بطرس ويوحنا إلى السامرة؟
فيلبّس يبشّر الخصيّ الحبشيّ
26 ثُمَّ إِنَّ مَلاَكَ الرَّبِّ قَالَ لِفِيلُبُّسَ: «قُمْ وَاذْهَبْ نَحْوَ الْجَنُوبِ عَلَى الطَّرِيقِ الْمُنْحَدِرَةِ مِنْ أُورُشَلِيمَ إِلَى غَزَّةَ» الَّتِي هِيَ بَرِّيَّةٌ. 27 فَقَامَ وَذَهَبَ. وَإِذَا رَجُلٌ حَبَشِيٌّ خَصِيٌّ، وَزِيرٌ لِكَنْدَاكَةَ مَلِكَةِ الْحَبَشَةِ كَانَ عَلَى جَمِيعِ خَزَائِنِهَا - فَهَذَا كَانَ قَدْ جَاءَ إِلَى أُورُشَلِيمَ لِيَسْجُدَ. 28 وَكَانَ رَاجِعاً وَجَالِساً عَلَى مَرْكَبَتِهِ وَهُوَ يَقْرَأُ النَّبِيَّ إِشَعْيَاءَ. 29 فَقَالَ الرُّوحُ لِفِيلُبُّسَ: «تَقَدَّمْ وَرَافِقْ هَذِهِ الْمَرْكَبَةَ». 30 فَبَادَرَ إِلَيْهِ فِيلُبُّسُ وَسَمِعَهُ يَقْرَأُ النَّبِيَّ إِشَعْيَاءَ فَسَأَلَهُ: «أَلَعَلَّكَ تَفْهَمُ مَا أَنْتَ تَقْرَأُ؟» 31 فَأَجَابَ: «كَيْفَ يُمْكِنُنِي إِنْ لَمْ يُرْشِدْنِي أَحَدٌ؟». وَطَلَبَ إِلَى فِيلُبُّسَ أَنْ يَصْعَدَ وَيَجْلِسَ مَعَهُ. 32 وَأَمَّا فَصْلُ الْكِتَابِ الَّذِي كَانَ يَقْرَأُهُ فَكَانَ هَذَا: «مِثْلَ شَاةٍ سِيقَ إِلَى الذَّبْحِ، وَمِثْلَ خَرُوفٍ صَامِتٍ أَمَامَ الَّذِي يَجُزُّهُ، هَكَذَا لَمْ يَفْتَحْ فَاهُ. 33 فِي تَوَاضُعِهِ انْتَزَعَ قَضَاؤُهُ، وَجِيلُهُ مَنْ يُخْبِرُ بِهِ، لأَنَّ حَيَاتَهُ تُنْتَزَعُ مِنَ الأَرْضِ؟» 34 فَسَأَلَ الْخَصِيُّ فِيلُبُّسَ: «أَطْلُبُ إِلَيْكَ: عَنْ مَنْ يَقُولُ النَّبِيُّ هَذَا؟ عَنْ نَفْسِه، أَمْ عَنْ وَاحِدٍ آخَرَ؟». 35 فَابْتَدَأَ فِيلُبُّسُ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ يُبَشِّرَهُ بِيَسُوعَ.
36 وَفِيمَا هُمَا سَائِرَانِ فِي الطَّرِيقِ أَقْبَلاَ عَلَى مَاءٍ فَقَالَ الْخَصِيُّ: «هُوَذَا مَاءٌ. مَاذَا يَمْنَعُ أَنْ أَعْتَمِدَ؟» 37 فَقَالَ فِيلُبُّسُ: «إِنْ كُنْتَ تُؤْمِنُ مِنْ كُلِّ قَلْبِكَ يَجُوزُ». فَأَجَابَ: «أَنَا أُومِنُ أَنَّ يَسُوعَ الْمَسِيحَ هُوَ ابْنُ اللهِ». 38 فَأَمَرَ أَنْ تَقِفَ الْمَرْكَبَةُ، فَنَزَلاَ كِلاَهُمَا إِلَى الْمَاءِ، فِيلُبُّسُ وَالْخَصِيُّ، فَعَمَّدَهُ. 39 وَلَمَّا صَعِدَا مِنَ الْمَاءِ خَطَفَ رُوحُ الرَّبِّ فِيلُبُّسَ فَلَمْ يُبْصِرْهُ الْخَصِيُّ أَيْضاً، وَذَهَبَ فِي طَرِيقِهِ فَرِحاً. 40 وَأَمَّا فِيلُبُّسُ فَوُجِدَ فِي أَشْدُودَ. وَبَيْنَمَا هُوَ مُجْتَازٌ كَانَ يُبَشِّرُ جَمِيعَ الْمُدُنِ حَتَّى جَاءَ إِلَى قَيْصَرِيَّةَ (أعمال 8: 26-40).
رجع بطرس ويوحنا من السامرة إلى أورشليم، وتركا فيلبس في السامرة. وطلب ملاك الرب من فيلبس أن يذهب إلى مدينة غزّة في جنوب السامرة. وغزّة من أقدم مدن العالم، وكانت إحدى مدن الفلسطينيين الخمس الكبار، وتقع على بُعد ستين ميلاً من أورشليم. والملائكة هم جنود السماء الذين يرسلهم الله لإتمام مقاصده، وقد استخدمهم الله كثيراً في بدء تأسيس الكنيسة (أعمال 1: 10 و5: 19 و10: 3 و12: 7 و27: 23).
وكان هناك طريقان من أورشليم إلى غزّة: إحداهما مستقيمة عامرة بالقرى والسكان، والثانية أبعد وخالية من السكان وتناسب سفر المركبات، لذلك قال عنها الملاك إنها «برية».
إن الله يعلم كل ما يحدث في العالم، وهو يحب البشر ويريد أن يخلِّصهم. وفي سابق علمه أن رجلاً خصيّاً من الحبشة (من نسل حام) سيكون على الطريق من أورشليم إلى غزّة، أراد أن يوصِّل له رسالة الإنجيل، فأمر فيلبس أن يذهب ليقابله، وهو وزير مالية الملكة «كنداكة». وكانت كل أميرة تملك على الحبشة يتغير اسمها إلى كنداكة، كما كان كل أمير يملك على مصر يتغير اسمه إلى فرعون. وكانت عادة الملوك قديماً، أن يخصصوا بعض الخصيان لخدمتهم، واستأمنوهم كثيراً ورفعوهم إلى أعلى المناصب. وقد أعطت ملكة الحبشة سلطاناً عظيماً لذلك الخصيّ الذي كان غالباً يهوديَّ الديانة، كما كان يوسف في خدمة فرعون ملك مصر، وربما يكون قد اعتنق اليهودية، وزار أورشليم ليحتفل فيها بالعيد حسب شريعة موسى.
كان الحبشي في مركبته يقرأ من نبوّات إشعياء بصوت مسموع عندما اقترب فيلبس منه وسأله: «أَلَعَلَّكَ تَفْهَمُ مَا أَنْتَ تَقْرَأُ؟» فقال الحبشي إنه يحتاج إلى من يرشده إلى معنى ذلك الكلام، وطلب منه أن يصعد ويجلس معه في المركبة ليشرح له معنى تلك النبوّات. وهكذا ينبغي أن نتواضع حتى نفهم كلمة الله.
كان الحبشي يقرأ من إشعياء 53: 7، 8 «كَشَاةٍ تُسَاقُ إِلَى الذَّبْحِ، وَكَنَعْجَةٍ صَامِتَةٍ أَمَامَ جَازِّيهَا، فَلَمْ يَفْتَحْ فَاهُ». وسأل: من يكون الشخص الذي تنبّـأ عنه إشعياء؟ لأنّه كان يعرف أنّ المسيح يكون عظيماً، وصاحب سلطان يُجري المعجزات. فكيف يمكن أن يتعذَّب هكذا؟ فبدأ فيلبس يشرح معنى النبوّة، وأنّ إشعياء لم يتكلم عن نفسه بل تكلم عن المسيح الذي جاء أرضنا باعتبار أنه «اللَّهُ ظَهَرَ فِي الْجَسَدِ» (1تيموثاوس 3: 16)، ووضَّح له كيف تمّت النبوّة في أعمال المسيح وتعليمه وموته وقيامته، وأنّه قام من بين الأموات ليكون رئيساً للحياة، ومخلِّصاً لكل من يؤمن به.
فرح الحبشي بالشرح، وعمل الروح القدس في قلبه، وبكل تواضع قبل الإيمان بالمسيح الفادي والمخلِّص. ولمّا شاهد ماءً طلب أن يتعمَّد. ولا بدّ أنّ فيلبس علَّمه عن المعمودية ولزومها كعلامة للاعتراف بالمسيح، وأنّـها دليل الدخول إلى عضوية الكنيسة العامة، وأنّ من شروطها الإيمان من كل القلب بالمسيح ابن الله وفادي الخطاة. فأمر الحبشيُّ أن تقف المركبة، ونزل مع فيلبس إلى الماء، فعمده فيلبس. ولمّـا صعدا من الماء خطف الروح القدس فيلبس فلم يعُد الحبشي يراه. ولعل الحبشيَّ فرح لوجود فيلبس معه، فأراد أن يأخذه معه إلى بلاده، لكن روح الرب أراد أن يكلِّف فيلبس بعمل آخر في أشدود لأجل مجد المسيح، فخطفه عن أنظار الحبشي.
تأثّـر الوزير بأخبار المسيح المفرحة. فقد وجده مخلّصاً غفر له خطاياه وصالحه مع الله الآب. وفرح أيضاً لأنه يستطيع أن يخبر أصدقاءه بالكنز الذي وجده في المسيح.
أما فيلبس فقد أخذه الروح القدس إلى أشدود، وهي إحدى مدن فلسطين الخمس الكبيرة، وتقع على بُعد 20 ميلاً شمال شرق غزّة. وكان فيلبس يبشر في أشدود وفي المدن المجاورة لها مثل يافا ولدّة. وأخيراً جاء إلى قيصرية، وهي مدينة كبيرة. وظل في قيصرية حتى جاء إليها بولس الرسول بعد ذلك بخمس وعشرين سنة (اقرأ أعمال 21: 8).
آية للحفظ:
«أَنَا أُومِنُ أَنَّ يَسُوعَ الْمَسِيحَ هُوَ ابْنُ اللهِ» (أعمال 8: 37)
صلاة:
أعطني يا ربُّ أن أطيع إرشاداتك كما أطاعك فيلبس، ففي برية الحياة يوجد كثيرون يقولون: كيف يمكنني أن أفهم إن لم يرشدني أحد؟.
سؤال:
4 - ما معنى ما جاء في نبوّة إشعياء 53: 7، 8؟
الفصل الخامس
تغيير شاول
أعمال الرسل 9
عمل الروح القدس بقوّة في الكنيسة في أورشليم بالرغم من الاضطهاد. وبقي الرسل فيها يعلِّمون ويبشرون ويثبِّتون المؤمنين الجدد. وساعد الرب كنيسته في مدن السامرة حيث ذهب فيلبس للتبشير. وزار بطرس ويوحنا كنيسة السامرة لتشجيع الذين عمل الرب في قلوبهم، ولربح المزيد من النفوس للمسيح.
وهيَّج الشيطان أتباعه على الكنيسة في أورشليم والسامرة، فاضطهدوها وألقوا ببعض المؤمنين في السجون. وكان من بين القساة الذين اضطهدوا الكنيسة شخص اسمه شاول.
المسيح يدعو شاول
1 أَمَّا شَاوُلُ فَكَانَ لَمْ يَزَلْ يَنْفُثُ تَهَدُّداً وَقَتْلاً عَلَى تَلاَمِيذِ الرَّبِّ، فَتَقَدَّمَ إِلَى رَئِيسِ الْكَهَنَةِ 2 وَطَلَبَ مِنْهُ رَسَائِلَ إِلَى دِمَشْقَ إِلَى الْجَمَاعَاتِ، حَتَّى إِذَا وَجَدَ أُنَاساً مِنَ الطَّرِيقِ رِجَالاً أَوْ نِسَاءً يَسُوقُهُمْ مُوثَقِينَ إِلَى أُورُشَلِيمَ. 3 وَفِي ذَهَابِهِ حَدَثَ أَنَّهُ اقْتَرَبَ إِلَى دِمَشْقَ، فَبَغْتَةً أَبْرَقَ حَوْلَهُ نُورٌ مِنَ السَّمَاءِ، 4 فَسَقَطَ عَلَى الأَرْضِ وَسَمِعَ صَوْتاً قَائِلاً لَهُ: «شَاوُلُ شَاوُلُ، لِمَاذَا تَضْطَهِدُنِي؟» 5 فَسَأَلَهُ: «مَنْ أَنْتَ يَا سَيِّدُ؟» فَقَالَ الرَّبُّ: «أَنَا يَسُوعُ الَّذِي أَنْتَ تَضْطَهِدُهُ. صَعْبٌ عَلَيْكَ أَنْ تَرْفُسَ مَنَاخِسَ». 6 فَسَأَلَ وَهُوَ مُرْتَعِدٌ وَمُتَحَيِّرٌ: «يَا رَبُّ، مَاذَا تُرِيدُ أَنْ أَفْعَلَ؟» فَقَالَ لَهُ الرَّبُّ: «قُم وَادْخُلِ الْمَدِينَةَ فَيُقَالَ لَكَ مَاذَا يَنْبَغِي أَنْ تَفْعَلَ». 7 وَأَمَّا الرِّجَالُ الْمُسَافِرُونَ مَعَهُ فَوَقَفُوا صَامِتِينَ، يَسْمَعُونَ الصَّوْتَ وَلاَ يَنْظُرُونَ أَحَداً. 8 فَنَهَضَ شَاوُلُ عَنِ الأَرْضِ، وَكَانَ وَهُوَ مَفْتُوحُ الْعَيْنَيْنِ لاَ يُبْصِرُ أَحَداً. فَاقْتَادُوهُ بِيَدِهِ وَأَدْخَلُوهُ إِلَى دِمَشْقَ. 9 وَكَانَ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ لاَ يُبْصِرُ فَلَمْ يَأْكُلْ وَلَمْ يَشْرَبْ (أعمال 9: 1-9).
اضطهد كثيرون من اليهود الكنيسة الناشئة، كان من بينهم رجل اسمه شاول، كلّمنا الوحي عنه لأنّـه تغيَّر وآمن بالمسيح. وبعد أن كان يضطهد الكنيسة صار يخدمها بإخلاص، وتحوَّل من عدو للكنيسة إلى خادم محبّ لها، وإلى رسول للأمم الذين هم من غير اليهود.
وُلد شاول في طرسوس لأبٍ عبراني، سمّاه «شاول». وهو من سبط بنيامين، ويتبع مذهب الفريسيين. وكان يتمتّع بالحقوق المدنية الرومانية وامتيازاتها لأنّه وُلد في مدينة جعلها الإمبراطور أوغسطس مدينة رومانية وعاصمة لإقليم كيليكية. وتعلَّم بولس صناعة الخيام، كما درس الشريعة اليهودية في أورشليم على يديّ غمالائيل معلم الناموس العظيم. وفي نحو الثلاثين من عمره قبل خلاص المسيح، وجال يبشر بالإنجيل نحو خمس وعشرين سنة.
وقد وردت حادثة تغيير شاول ثلاث مرات في سفر أعمال الرسل لأنّها قصة هامة جداً، فقد ذكرها لوقا في هذا الأصحاح، وذكرها بولس في دفاعه عن نفسه أمام اليهود (أعمال 22)، وذكرها مرة أخرى في دفاعه عن نفسه أمام أغريباس (أعمال 26).
كان شاول قوياً ومتعلماً، لكنه كان يستخدم قوته وعلمه في اضطهاد المسيحيين والكنيسة، فكان يخبر أصدقاءه بعزمه على تعذيب تلاميذ الرب، وكثيراً ما أنذر المسيحيين بالموت إن لم يرجعوا عن إيمانهم، وكان موافقاً على رجم استفانوس.
وذات يوم طلب شاول من رئيس الكهنة رسائل توصية تمنحه سلطاناً على المسيحيين في دمشق حتى يعذبهم ويعود بهم إلى أورشليم ليحاكمهم أمام مجلس السبعين. ودمشق من أقدم مدن العالم، وعلى نحو 140 ميلاً شمال شرق أورشليم. ولعل بعض الذين آمنوا بالمسيح يوم الخمسين كانوا من دمشق، ولمّا رجعوا إليها بشروا هناك باسم المسيح، ولذلك كان هناك مسيحيون.
كان الوقت ظهراً عندما اقترب شاول من مدينة دمشق وفي قلبه رغبة قاتلة ضد المسيحيين. وفجأة ظهر من السماء نور أقوى من نور الشمس أضاء حوله، لأن يسوع ظهر له بجلاله ومجده، كما ظهر الله لموسى في العليقة (خروج 3: 2).
خاف شاول جداً ووقع على الأرض، وسمع صوت المسيح واضحاً يكلّمه من وسط ذلك النور القويّ. وشاهد الذين كانوا مع شاول ذلك النور، كما سمعوا الصوت، لكنهم لم يروا يسوع ولم يميزوا الكلمات. قال له يسوع: «صَعْبٌ عَلَيْكَ أَنْ تَرْفُسَ مَنَاخِسَ» كما يرفس الثور منخس المحراث فيجرح نفسه ولا يؤذي المنخس. وهكذا يضرُّ بولس نفسه عندما يضطهد الكنيسة دون أن يؤذيها. إنّ الذي يهاجم الكنيسة يُحزن الروح القدس، لكنه يضر نفسه ولا يوقف تقدم الكنيسة.
أدرك شاول شناعة خطيته وقسوة العقاب الذي ينتظره بسبب اضطهاده للكنيسة، فسأل المسيح أن يخبره بما يجب أن يفعله. وبهذا أعلن الفريسي المتكبر المفتخر بصلاحه وغيرته على دين اليهود خضوعه للمسيح. وطلب المسيح منه أن يدخل دمشق، لا لتنفيذ رغبته الشريرة أو رغبة مجلس السبعين لتعذيب المسيحيين، بل ليقابل شخصاً اسمه «حنانِيّا» يعمده باسم المسيح.
فقد شاول بصره، فكان وهو مفتوح العينين لا يبصر أحداً، فقادوه كالأعمى ودخلوا به إلى دمشق وظل هناك ثلاثة أيام لا يبصر. ولم يأكل أو يشرب لأنه قضى كل الوقت في الصوم والصلاة والتأمل في محبة المسيح له.
لم يكن ممكناً لأحدٍ من التلاميذ أن يبشّر الطرسوسي بإنجيل المسيح، فتراءى المسيح لشاول في هذه الرؤيا. ولا زال المسيح اليوم يظهر في رؤى وأحلام لكثيرين من غير المؤمنين بلاهوته وفدائه، ليعلن لهم محبته وخلاصه.
وكان ممكناً أيضاً أن يشرح المسيح بنفسه لشاول ماذا يجب أن يعمل، لكنه هذا كان ممكناً لأحد تلاميذ المسيح، فاختار الرب حنانيّا ليعلِّم شاول. وبنفس الطريقة يستخدم الله المؤمنين لينشروا تعاليمه في العالم. وعلى كل مسيحي أن يتعلّم من غيره من المسيحيين المختبرين، وأن يعلِّم غيره ويرشدهم.
أيّـها القارئ العزيز، هل تحب وتحترم الذين يتعبون بيننا ويدبّروننا في الرب وينذروننا؟
آية للحفظ:
«يَا رَبُّ، مَاذَا تُرِيدُ أَنْ أَفْعَلَ؟» (أعمال 9: 6)
صلاة:
أشكرك يا ربّ لأنّك تحوِّل القلوب عن الشر وترشدها للخير، وتباركها بالتقوى والقداسة. حوِّل قلبي عن الخطأ وارشدني إلى الصواب.
سؤال:
5 - لماذا ظهر المسيح بنفسه لشاول وكلّمه في رؤيا؟
حنانيا يعمّد شاول
10 وَكَانَ فِي دِمَشْقَ تِلْمِيذٌ اسْمُهُ حَنَانِيَّا، فَقَالَ لَهُ الرَّبُّ فِي رُؤْيَا: «يَا حَنَانِيَّا». فَقَالَ: «هَأَنَذَا يَا رَبُّ». 11 فَقَالَ لَهُ الرَّبُّ: «قُمْ وَاذْهَبْ إِلَى الزُّقَاقِ الَّذِي يُقَالُ لَهُ الْمُسْتَقِيمُ، وَاطْلُبْ فِي بَيْتِ يَهُوذَا رَجُلاً طَرْسُوسِيّاً اسْمُهُ شَاوُلُ - لأَنَّهُ هُوَذَا يُصَلِّي. 12 وَقَدْ رَأَى فِي رُؤْيَا رَجُلاً اسْمُهُ حَنَانِيَّا دَاخِلاً وَوَاضِعاً يَدَهُ عَلَيْهِ لِكَيْ يُبْصِرَ». 13 فَأَجَابَ حَنَانِيَّا: «يَا رَبُّ، قَدْ سَمِعْتُ مِنْ كَثِيرِينَ عَنْ هَذَا الرَّجُلِ كَمْ مِنَ الشُّرُورِ فَعَلَ بِقِدِّيسِيكَ فِي أُورُشَلِيمَ. 14 وَهَهُنَا لَهُ سُلْطَانٌ مِنْ رُؤَسَاءِ الْكَهَنَةِ أَنْ يُوثِقَ جَمِيعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ بِاسْمِكَ». 15 فَقَالَ لَهُ الرَّبُّ: «اذْهَبْ، لأَنَّ هَذَا لِي إِنَاءٌ مُخْتَارٌ لِيَحْمِلَ اسْمِي أَمَامَ أُمَمٍ وَمُلُوكٍ وَبَنِي إِسْرَائِيلَ. 16 لأَنِّي سَأُرِيهِ كَمْ يَنْبَغِي أَنْ يَتَأَلَّمَ مِنْ أَجْلِ اسْمِي». 17 فَمَضَى حَنَانِيَّا وَدَخَلَ الْبَيْتَ وَوَضَعَ عَلَيْهِ يَدَيْهِ وَقَالَ: «أَيُّهَا الأَخُ شَاوُلُ، قَدْ أَرْسَلَنِي الرَّبُّ يَسُوعُ الَّذِي ظَهَرَ لَكَ فِي الطَّرِيقِ الَّذِي جِئْتَ فِيهِ لِكَيْ تُبْصِرَ وَتَمْتَلِئَ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ». 18 فَلِلْوَقْتِ وَقَعَ مِنْ عَيْنَيْهِ شَيْءٌ كَأَنَّهُ قُشُورٌ، فَأَبْصَرَ فِي الْحَالِ وَقَامَ وَاعْتَمَدَ. 19 وَتَنَاوَلَ طَعَاماً فَتَقَوَّى. وَكَانَ شَاوُلُ مَعَ التَّلاَمِيذِ الَّذِينَ فِي دِمَشْقَ أَيَّاماً (أعمال 9: 10-19).
أعدَّ الرب تلميذه حنانيّا ليرشد شاول إلى طريق الخلاص، وطلب من حنانيا أن يذهب إلى الشارع الرئيسي في دمشق، واسمه «المستقيم» لأنه يمتد من شرق دمشق إلى غربها، وأن يدخل بيت يهوذا حيث يوجد شاول الطرسوسي الذي كان يصلي، علامة على تغييره. كما أعدَّ الرب شاول بأن كلمه في رؤيا وأراه حنانيا واضعاً يده عليه ليبصر.
واندهش حنانيا من تكليف المسيح له، وتصوَّر أنه يأمره أن يسعى على قدميه إلى هلاكه بيد شاول الذي يضطهد المسيحيين، فطمأنه الرب أنّه قد اختار شاول ليكون وسيلة نقل بشارة الخلاص إلى اليهود والأمم، وحتى إلى الملوك.
أطاع حنانيا المسيح وذهب إلى بيت يهوذا حيث قابل شاول ووضع عليه يديه وصلّى علامة منحه البركة وشفائه حتى يبصر ويمتلئ من الروح القدس. وفي الحال سقط شيء من عيني شاول كأنه قشور، فأبصر بعد أن كان أعمى مدة ثلاثة أيام، وظهر إيمانه بالمسيح ودخوله إلى الكنيسة بأن قبل المعمودية، وأكل طعاماً بعد أن كان صائماً، وبقي مع المسيحيين في دمشق وبلاد العرب يصلي معهم حوالي ثلاث سنوات. وكانت هذه الفترة فترة استعداد للخدمة جلس فيها عند أقدام المسيح في الصلاة والتعبُّد ودرس الكلمة.
آية للحفظ:
«هَذَا لِي إِنَاءٌ مُخْتَارٌ لِيَحْمِلَ اسْمِي أَمَامَ أُمَمٍ وَمُلُوكٍ وَبَنِي إِسْرَائِيلَ» (أعمال 9: 15)
صلاة:
علِّمني يا رب أن أطيع إرشادك مهما كانت الصعوبة في طاعته، لأنك تعطي البركة لمن يطيعك وتضمن سلامته.
سؤال:
6 - لماذا تردَّد حنانيّا في إطاعة الأمر الإلهي بالذهاب إلى شاول؟
شاول يكرز بالمسيح
20 وَلِلْوَقْتِ جَعَلَ يَكْرِزُ فِي الْمَجَامِعِ بِالْمَسِيحِ «أَنْ هَذَا هُوَ ابْنُ اللهِ». 21 فَبُهِتَ جَمِيعُ الَّذِينَ كَانُوا يَسْمَعُونَ وَقَالُوا: «أَلَيْسَ هَذَا هُوَ الَّذِي أَهْلَكَ فِي أُورُشَلِيمَ الَّذِينَ يَدْعُونَ بِهَذَا الاِسْمِ، وَقَدْ جَاءَ إِلَى هُنَا لِيَسُوقَهُمْ مُوثَقِينَ إِلَى رُؤَسَاءِ الْكَهَنَةِ؟». 22 وَأَمَّا شَاوُلُ فَكَانَ يَزْدَادُ قُوَّةً وَيُحَيِّرُ الْيَهُودَ السَّاكِنِينَ فِي دِمَشْقَ مُحَقِّقاً «أَنَّ هَذَا هُوَ الْمَسِيحُ» (أعمال 9: 20-22).
ما أن عرف شاول الطرسوسي المسيح واعتمد حتى بدأ يشهد للمسيح في مجامع اليهود ويخبرهم بقوّة الإنجيل والخلاص، موضِّحاً لهم أنَّ يسوع هو المسيح المخلِّص المنتظَر، وأنّه كلمة الله الأزلي الذي تجسّد وجال يعمل خيراً، وعلَّم تعليماً حسناً، وحكم عليه رؤساء اليهود ظلماً، وصلبوه فمات ودُفن، لكنّه قام وصعد إلى السماء، وجلس عن يمين الله يشفع في كل من يؤمن به، وهو حاضر في كنيسته بقوّة الروح القدس.
سمع اليهود شاول يكرز باسم المسيح في مجامعهم، فتعجبوا كيف أنّ هذا الذي كان يضطهد المسيحيين في أورشليم، وجاء إلى دمشق ليعذبهم، تغيَّر وأصبح من أتباع المسيح.
كان شاول يدرس التوراة بعين جديدة وبصيرة مفتوحة، بعد أن أدرك صحة الديانة المسيحية، فكان يكلم اليهود ببراهين قويّة ومقنعة من نبوّات العهد القديم على أنّ يسوع هو المسيح ابن الله الوحيد. فاحتار اليهود في أمره ولم يعرفوا كيف يجاوبونه.. وبدل أن يخضعوا لكلمة الله، أغلقوا آذانهم وقلوبهم وامتلأوا تعصّباً.
مسكين كل من يسمع عن المسيح ويرفض قبوله فادياً ومخلَّصاً.
آية للحفظ:
«وَلِلْوَقْتِ جَعَلَ يَكْرِزُ فِي الْمَجَامِعِ بِالْمَسِيحِ أَنْ هَذَا هُوَ ابْنُ اللهِ» (أعمال 9: 20)
صلاة:
أشكرك يا ربّ لأنّك كشفت لشاول من هو المسيح، بعد أن فتحت بصيرته. افتح بصيرتي دائماً لأعرف المسيح وقوّة قيامته وشركة آلامه، متشبِّهاً بموته.
سؤال:
7 - لماذا اندهش اليهود من وعظ شاول؟
شاول يهرب من اليهود
23 وَلَمَّا تَمَّتْ أَيَّامٌ كَثِيرَةٌ تَشَاوَرَ الْيَهُودُ لِيَقْتُلُوهُ، 24 فَعَلِمَ شَاوُلُ بِمَكِيدَتِهِمْ. وَكَانُوا يُرَاقِبُونَ الأَبْوَابَ أَيْضاً نَهَاراً وَلَيْلاً لِيَقْتُلُوهُ. 25 فَأَخَذَهُ التَّلاَمِيذُ لَيْلاً وَأَنْزَلُوهُ مِنَ السُّورِ مُدَلِّينَ إِيَّاهُ فِي سَلٍّ (أعمال 9: 23-25).
قضى شاول نحو ثلاث سنوات في دمشق وبلاد العرب مبشراً بالمسيح. وتضايق اليهود منه، وعجزوا عن هدم براهينه القويّة عن المسيح، كما فشلوا في منع تأثير كلامه على الناس لأن كثيرين آمنوا بالمسيح، ففكروا أن يقتلوه حتى يُسكِتوه كما فعلوا مع استفانوس من قبل. ويظهر أنهم اتفقوا مع والي دمشق أن يراقبوا أبواب المدينة حتى لا يهرب من أيديهم. لكنّ شاول عرف فكرهم الشرير، وتباحث في الأمر مع تلاميذ الرب وكان أحدهم يسكن في بيت على سور دمشق، فاتفقوا أن يضعوا شاول في سل (أي زنبيل) ويُنزلوه من النافذة إلى خارج سور دمشق حتى يهرب (2كورنثوس 11: 32، 33).
قصد شاول أن يدخل دمشق في وضح النهار ليعذب المسيحيين ويخرج من المدينة متكبراً مرفوع الرأس، فسمح الرب بخروجه من المدينة ليلاً من كوة في سل، وهكذا تحقق قول المسيح: « لأَنِّي سَأُرِيهِ كَمْ يَنْبَغِي أَنْ يَتَأَلَّمَ مِنْ أَجْلِ اسْمِي» (أعمال 9: 16).
آية للحفظ:
«فَأَخَذَهُ التَّلاَمِيذُ لَيْلاً وَأَنْزَلُوهُ مِنَ السُّورِ مُدَلِّينَ إِيَّاهُ فِي سَلٍّ» (أعمال 9: 25)
صلاة:
أشكرك يا إلهي لأنَّ الساكن في ستر العلي في ظل القدير يبيت. أقول للرب ملجإي وحصني إلهي، فأتّكل عليه.
سؤال:
8 - لماذا فكر اليهود أن يقتلوا شاول في دمشق؟
شاول يرجع إلى أورشليم
26 وَلَمَّا جَاءَ شَاوُلُ إِلَى أُورُشَلِيمَ حَاوَلَ أَنْ يَلْتَصِقَ بِالتَّلاَمِيذِ، وَكَانَ الْجَمِيعُ يَخَافُونَهُ غَيْرَ مُصَدِّقِينَ أَنَّهُ تِلْمِيذٌ. 27 فَأَخَذَهُ بَرْنَابَا وَأَحْضَرَهُ إِلَى الرُّسُلِ، وَحَدَّثَهُمْ كَيْفَ أَبْصَرَ الرَّبَّ فِي الطَّرِيقِ وَأَنَّهُ كَلَّمَهُ، وَكَيْفَ جَاهَرَ فِي دِمَشْقَ بِاسْمِ يَسُوعَ. 28 فَكَانَ مَعَهُمْ يَدْخُلُ وَيَخْرُجُ فِي أُورُشَلِيمَ وَيُجَاهِرُ بِاسْمِ الرَّبِّ يَسُوعَ. 29 وَكَانَ يُخَاطِبُ وَيُبَاحِثُ الْيُونَانِيِّينَ فَحَاوَلُوا أَنْ يَقْتُلُوهُ. 30 فَلَمَّا عَلِمَ الإِخْوَةُ أَحْدَرُوهُ إِلَى قَيْصَرِيَّةَ وَأَرْسَلُوهُ إِلَى طَرْسُوسَ.
31 وَأَمَّا الْكَنَائِسُ فِي جَمِيعِ الْيَهُودِيَّةِ وَالْجَلِيلِ وَالسَّامِرَةِ فَكَانَ لَهَا سَلاَمٌ، وَكَانَتْ تُبْنَى وَتَسِيرُ فِي خَوْفِ الرَّبِّ، وَبِتَعْزِيَةِ الرُّوحِ الْقُدُسِ كَانَتْ تَتَكَاثَرُ (أعمال 9: 26-31).
مضت نحو ثلاث سنوات منذ غادر شاول أورشليم إلى دمشق ليضطهد الكنيسة، عندما قابله الرب في الطريق وغيَّر قلبه. وها هو يرجع إلى أورشليم ليلتصق بتلاميذ المسيح كواحدٍ منهم، وليقابل الرسل، وخصوصاً بطرس لأنّه سمع عنه كثيراً.
وخاف التلاميذ منه لأنّـهم ظنّوه جاسوساً يريد أن يقبض عليهم. ولكنّ أحدهم، واسمه برنابا، لاوي من قبرس، كان قد سمع عن شاول وعرف إخلاصه للمسيح، أخذه إلى الرسل ليقابل بطرس ويعقوب. وظل شاول معهم في بيت إنسان مؤمن مدة خمسة عشر يوماً يعلن جهاراً اسم المسيح ويعلِّم الآخرين بدون خوف (غلاطية 1: 18.. وبخصوص برنابا اقرأ تعليقنا على أعمال 4: 36، 37).
كان شاول شجاعاً بعد أن آمن، لذلك كان يبشر اليهود الذين كانوا يسكنون بين اليونانيين ويتكلمون اللغة اليونانية، وكان يشرح لهم النبوّات عن يسوع المسيح في المجمع، فأرادوا أن يقتلوه. وعرف المؤمنون في أورشليم برغبة اليهود الدنيئة في قتل شاول، وأرادوا أن ينقذوه لأنّهم أحبّوه كثيراً، فأخذوه إلى قيصرية، وهي مدينة على شاطئ البحر بين عكا ويافا، ثم أرسلوه إلى طرسوس وطنه الذي وُلد فيه.. وبقى شاول في طرسوس إلى أن دعاه برنابا ليساعده في التبشير في أنطاكية (أعمال 11: 25، 26).
والأرجح أنّ شاول بقي في طرسوس مدة تتراوح بين ثلاث وأربع سنوات صرفها في التبشير باسم المسيح. ومنح الرب كنيسته سلاماً واطمئناناً في مدن اليهودية والجليل والسامرة، فاستراحت الكنيسة فترة من الاضطهاد الذي وقع عليها خصوصاً بعد قتل استفانوس، واستخدم الرب شاول في مساعدة الكنيسة وبنائها. وكان الروح القدس يقوّي الكنيسة ويعزّيها، فكانت تنمو وتتكاثر في سلام. أمّا اليهود فانشغلوا بالأمور السياسية لأنّ والي سوريا الروماني أمر أن يُقام له تمثال في هيكل أورشليم، فانشغلوا به عن المسيحيين. وما زال الله يعمل في كنيسته العامة، وحيث روح الرب فهناك حياة وحرية وغيرة ونموّ في الإيمان.
آية للحفظ:
«وَأَمَّا الْكَنَائِسُ فِي جَمِيعِ الْيَهُودِيَّةِ وَالْجَلِيلِ وَالسَّامِرَةِ فَكَانَ لَهَا سَلاَمٌ، وَكَانَتْ تُبْنَى وَتَسِيرُ فِي خَوْفِ الرَّبِّ، وَبِتَعْزِيَةِ الرُّوحِ الْقُدُسِ كَانَتْ تَتَكَاثَرُ» (أعمال 9: 31)
صلاة:
أشكرك يا ربّ لأنه عندما يأتي العدوّ كنهر جارف فنفخةٌ منك تدفعه. فاحفظ شعبك في سلام.
سؤال:
9 - ما هي الخدمة التي قدمها برنابا لشاول وللرسل بخصوص شاول؟
شفاء إينياس
32 وَحَدَثَ أَنَّ بُطْرُسَ وَهُوَ يَجْتَازُ بِالْجَمِيعِ نَزَلَ أَيْضاً إِلَى الْقِدِّيسِينَ السَّاكِنِينَ فِي لُدَّةَ 33 فَوَجَدَ هُنَاكَ إِنْسَاناً اسْمُهُ إِينِيَاسُ مُضْطَجِعاً عَلَى سَرِيرٍ مُنْذُ ثَمَانِي سِنِينَ وَكَانَ مَفْلُوجاً. 34 فَقَالَ لَهُ بُطْرُسُ: «يَا إِينِيَاسُ، يَشْفِيكَ يَسُوعُ الْمَسِيحُ. قُمْ وَافْرُشْ لِنَفْسِكَ». فَقَامَ لِلْوَقْتِ. 35 وَرَآهُ جَمِيعُ السَّاكِنِينَ فِي لُدَّةَ وَسَارُونَ الَّذِينَ رَجَعُوا إِلَى الرَّبِّ (أعمال 9: 32-35).
ذهب بطرس إلى مدينة لدّة (وهي الآن اللد) التي تبعد عن يافا نحو تسعة أميال، حيث كان مسيحيون كثيرون، يصفهم سفر الأعمال بأنهم «قديسون» لا لأنّـهم كانوا كاملين في كل شيء، بل لأنهم كانوا يسعون إلى القداسة التي لهم في المسيح وهم على الأرض، حتى تكمل قداستهم في السماء. وفي لدّة وجد بطرس رجلاً مفلوجاً اسمه إينياس. واسم «إينياس» يوناني، مما يدل على أنه نشأ في بلد تتكلم اللغة اليونانية. والفالج هو الشلل الذي يُعجِز صاحبه عن الحركة، ولم يكن لهذا المرض علاج في ذلك الوقت.
كان إينياس مشلولاً مدة ثماني سنوات يرقد على سرير، فاقترب منه بطرس، ورأى علامات الإيمان واضحة على وجهه المُتعَب من المرض، فقال له: «يشفيك يسوع المسيح». وفي الحال قام إينياس وفرش فراشه لنفسه!
وشاهد إينياس كثيرون من سكان لدّة وسهل سارون الذي يقع على شاطئ البحر من يافا إلى قيصرية. وكانوا قد اعتادوا أن يروه نائماً بلا حراك في فراشه، ولكنهم شاهدوه يسير ويتحرك، وعلموا أنّ المسيح عمل معجزة شفائه، فآمن كثيرون بالمسيح وتغيَّرت قلوبهم وتركوا ظلمة عدم الإيمان ورجعوا إلى نور الإيمان بالمسيح وبقوته وخلاصه. وهكذا كان اسم المسيح يتمجّد بين الناس.
إنّ المسيح لم يتغير ولن يتغير، وهو لا يزال يعمل عجباً في حياة كل من يؤمن به. فهل آمنت بقوّته الفادية الشافية؟
آية للحفظ:
«يَا إِينِيَاسُ، يَشْفِيكَ يَسُوعُ الْمَسِيحُ. قُمْ وَافْرُشْ لِنَفْسِكَ» (أعمال 9: 34)
صلاة:
يا مَن شَفيت وأقمت من الشلل، اشفِ أيادٍ شلَّتها الخطية عن فعل الخير، وأقداماً شلَّها الشر عن السير إلى بيتك.
سؤال:
10 - ما معنى أنّ الرسول بطرس نزل إلى «القديسين» في لدّة؟
إقامة طابيثا من الموت
36 وَكَانَ فِي يَافَا تِلْمِيذَةٌ اسْمُهَا طَابِيثَا، الَّذِي تَرْجَمَتُهُ غَزَالَةُ. هَذِهِ كَانَتْ مُمْتَلِئَةً أَعْمَالاً صَالِحَةً وَإِحْسَانَاتٍ كَانَتْ تَعْمَلُهَا. 37 وَحَدَثَ فِي تِلْكَ الأَيَّامِ أَنَّهَا مَرِضَتْ وَمَاتَتْ، فَغَسَّلُوهَا وَوَضَعُوهَا فِي عِلِّيَّةٍ. 38 وَإِذْ كَانَتْ لُدَّةُ قَرِيبَةً مِنْ يَافَا وَسَمِعَ التَّلاَمِيذُ أَنَّ بُطْرُسَ فِيهَا، أَرْسَلُوا رَجُلَيْنِ يَطْلُبَانِ إِلَيْهِ أَنْ لاَ يَتَوَانَى عَنْ أَنْ يَجْتَازَ إِلَيْهِمْ. 39 فَقَامَ بُطْرُسُ وَجَاءَ مَعَهُمَا. فَلَمَّا وَصَلَ صَعِدُوا بِهِ إِلَى الْعِلِّيَّةِ، فَوَقَفَتْ لَدَيْهِ جَمِيعُ الأَرَامِلِ يَبْكِينَ وَيُرِينَ أَقْمِصَةً وَثِيَاباً مِمَّا كَانَتْ تَعْمَلُ غَزَالَةُ وَهِيَ مَعَهُنَّ. 40 فَأَخْرَجَ بُطْرُسُ الْجَمِيعَ خَارِجاً وَجَثَا عَلَى رُكْبَتَيْهِ وَصَلَّى، ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَى الْجَسَدِ وَقَالَ: «يَا طَابِيثَا، قُومِي!». فَفَتَحَتْ عَيْنَيْهَا. وَلَمَّا أَبْصَرَتْ بُطْرُسَ جَلَسَتْ، 41 فَنَاوَلَهَا يَدَهُ وَأَقَامَهَا. ثُمَّ نَادَى الْقِدِّيسِينَ وَالأَرَامِلَ وَأَحْضَرَهَا حَيَّةً. 42 فَصَارَ ذَلِكَ مَعْلُوماً فِي يَافَا كُلِّهَا، فَآمَنَ كَثِيرُونَ بِالرَّبِّ. 43 وَمَكَثَ أَيَّاماً كَثِيرَةً فِي يَافَا عِنْدَ سِمْعَانَ رَجُلٍ دَبَّاغٍ (أعمال 9: 36-43).
عاشت في مدينة يافا سيدة مسيحية ممتازة اسمها طابيثا (واسمها سرياني معناه غزالة) كانت تعمل أعمالاً صالحة كثيرة، فتخيط أقمصة وثياباً للفقراء، ويقول الكتاب عنها إنّـها كانت «مُمْتَلِئَةً أَعْمَالاً صَالِحَةً وَإِحْسَانَاتٍ».
ومدينة يافا ميناء هام على البحر الأبيض المتوسط، تبعد تسعة أميال عن لدّة، وكان بطرس في لدة. وحدث أن طابيثا مرضت، واشتد عليها المرض فماتت، وغسلوها ووضعوها في غرفة عالية استعداداً لدفنها.
وسمع المسيحيون أنّ بطرس في لدّة، وفكّروا أنه قد يقيم طابيثا الصالحة من الموت، فأرسلوا رجلين إلى لدّة يطلبان منه أن يحضر. ربّما افتكر بعض التلاميذ أنّ بطرس سيقيم طابيثا من الموت، وربما افتكر البعض الآخر أنّـه سيحضر ويعظ الشعب أثناء الجنازة.
وذهب بطرس إلى يافا حيث كانت جثة طابيثا وقد اجتمعت حولها الأرامل اللواتي كانت تُحسِن إليهنّ في حياتها. وبالبكاء أريْنَ بطرس الأقمصة التي صنعتها طابيثا لهنَّ. فأمر بطرس الأرامل أن يخرجن من العلية حتى يتمكّن من الصلاة في جو هادئ، وحتى لا يمجّده الناس، لأنّ القوّة التي تقيم الموتى هي قوّة الله المحيي، سامع الصلاة.
صلّـى بطرس بإيمان ثم نادى: «يَا طَابِيثَا، قُومِي!» فعادت إلى الحياة وفتحت عينيها، فأمسك يدها وأقامها، ثم نادى المؤمنين والأرامل وأراهم طابيثا بعد أن قامت. كانت المعجزة صحيحة، فقد تأكد الناس أنها ماتت، وسمعوا بكاء الأرامل عليها.. وكانت هذه أول معجزة يقيم فيها أحد الرسل إنساناً من الموت، فآمن كثيرون بالمسيح رب الحياة.
ولا بد أن بطرس جعل يافا مركزاً للتبشير، فقد أقام فيها نحو ثلاث سنوات في بيت سمعان الذي كان يدبغ الجلود. وكان اليهود يرون في أن تكون الدباغة بعيدة عن مكان السكن لما فيها من مخالفةٍ لشعائر الطهارة. وهذا يرينا أن المسيحية تهتم بطهارة القلب، لا بطهارة الطقوس.
آية للحفظ:
«هَذِهِ كَانَتْ مُمْتَلِئَةً أَعْمَالاً صَالِحَةً وَإِحْسَانَاتٍ كَانَتْ تَعْمَلُهَا» (أعمال 9: 36)
صلاة:
يا ربُّ، أشكرك لأنك جعلتني في المسيح خليقة جديدة لأعمل أعمالاً صالحة قد سبقت فأعددتها لي لأقوم بها. افتح عينيَّ لأرى حاجات المحيطين بي لأسدّدها بقدر ما تغدق عليَّ من عطايا سخيّة.
سؤال:
11- ما معنى اسم طابيثا؟
الفصل السادس
الكنيسة تقبل المؤمنين من الأمم
أعمال 10، 11
كان الرب يسوع مع كنيسته وأعطاها سلاماً، فكانت تنمو في أورشليم والسامرة. ولم يسكت الرسل والتلاميذ عن التبشير باسم المسيح، فكان بطرس يذهب إلى اليهودية والسامرة والجليل يبشر اليهود فقط باسم المسيح. وكان على الكنيسة أن تطيع أمر المسيح «اذْهَبُوا إِلَى الْعَالَمِ أَجْمَعَ وَاكْرِزُوا بِالإِنْجِيلِ لِلْخَلِيقَةِ كُلِّهَا» (مرقس 16: 15). وهذا ما فعله الرب بواسطة رسوله بطرس.
رؤيا كرنيليوس
1 وَكَانَ فِي قَيْصَرِيَّةَ رَجُلٌ اسْمُهُ كَرْنِيلِيُوسُ قَائِدُ مِئَةٍ مِنَ الْكَتِيبَةِ الَّتِي تُدْعَى الإِيطَالِيَّةَ، 2 وَهُوَ تَقِيٌّ وَخَائِفُ اللهِ مَعَ جَمِيعِ بَيْتِهِ، يَصْنَعُ حَسَنَاتٍ كَثِيرَةً لِلشَّعْبِ وَيُصَلِّي إِلَى اللهِ فِي كُلِّ حِينٍ. 3 فَرَأَى ظَاهِراً فِي رُؤْيَا نَحْوَ السَّاعَةِ التَّاسِعَةِ مِنَ النَّهَارِ مَلاَكاً مِنَ اللهِ دَاخِلاً إِلَيْهِ وَقَائِلاً لَهُ: «يَا كَرْنِيلِيُوسُ». 4 فَلَمَّا شَخَصَ إِلَيْهِ وَدَخَلَهُ الْخَوْفُ قَالَ: «مَاذَا يَا سَيِّدُ؟» فَقَالَ لَهُ: «صَلَوَاتُكَ وَصَدَقَاتُكَ صَعِدَتْ تَذْكَاراً أَمَامَ اللهِ. 5 وَالآنَ أَرْسِلْ إِلَى يَافَا رِجَالاً وَاسْتَدْعِ سِمْعَانَ الْمُلَقَّبَ بُطْرُسَ. 6 إِنَّهُ نَازِلٌ عِنْدَ سِمْعَانَ رَجُلٍ دَبَّاغٍ بَيْتُهُ عِنْدَ الْبَحْرِ. هُوَ يَقُولُ لَكَ مَاذَا يَنْبَغِي أَنْ تَفْعَلَ». 7 فَلَمَّا انْطَلَقَ الْمَلاَكُ الَّذِي كَانَ يُكَلِّمُ كَرْنِيلِيُوسَ، نَادَى اثْنَيْنِ مِنْ خُدَّامِهِ وَعَسْكَرِيّاً تَقِيّاً مِنَ الَّذِينَ كَانُوا يُلاَزِمُونَهُ 8 وَأَخْبَرَهُمْ بِكُلِّ شَيْءٍ وَأَرْسَلَهُمْ إِلَى يَافَا (أعمال 10: 1-8).
كان اليهود يعتقدون أنّ الله اختارهم وحدهم شعباً له، ويعتبرون الشعوب الأخرى أمماً نجسة! وكان في قيصرية ضابط إيطالي في الجيش الروماني، قائداً لمائة جندي من الكتيبة المكوَّنة من 600 جنديّ، اسمه كرنيليوس كان تقيّاً يعبد الله ولا يعبد الأوثان، ويقوم بالأعمال التي تُرضي الله. ولعله سمع عن وحدانية الله من اليهود الذين عاش بينهم، فعبده.. ولم يكتفِ كرنيليوس بأن يعبد وحده الله، لكنّه أثَّر على أهله وعبيده فعبدوا معه الله الواحد. وكان رحيماً بالفقراء، يواظب على الصلاة في الأوقات المعينة عند اليهود، وهي الصباح والظهر والعصر.
وذات مرّة بينما كان كرنيليوس يصلي في الساعة الثالثة بعد الظهر (وهو وقت تقديم الذبيحة المسائية عند اليهود) رأى ملاكاً في صورة بشرية آتياً إليه من عند الله، كلّمه بصوت مسموع، وناداه باسمه، فخاف وسأل الملاك عما يريده منه، فأعلن له أن الله قبل صلواته وإحساناته، لكنها ليست كافية لخلاص نفسه، وطلب منه أن يرسل رجالاً إلى يافا ليُحضروا بطرس الذي كان يقيم في بيت سمعان الدباغ.
لم يكن ممكناً أن يذهب بطرس ليبشر كرنيليوس، لأنه لم يكن يهوديٌّ يقدر أن يزور ضابطاً رومانياً. لذلك أرسل الله ملاكه ليخبر كرنيليوس، في رؤيا، أن يدعو بطرس. وهذا يشبه إرسال حنانيّا ليشرح طريق المسيح لشاول الطرسوسي.. ولا زال الله يوصل رسالته أولاً بالرؤى والإعلانات السماوية، فينفتح الطريق لمبشّرٍ مسيحي يشرح طريق الخلاص.
وأطاع كرنيليوس الرؤيا واستدعى اثنين من خدامه وعسكرياً، وأخبرهم بما حدث، وطلب منهم أن يذهبوا إلى يافا لإحضار بطرس.
كان فيلبّس ساكناً في قيصرية حيث وُجد كرنيليوس، وكان يمكن أن يختار الله فيلبس ليبشر كرنيليوس بالمسيح، لكنّ الله اختار بطرس ليقوم بهذا العمل، حتى يعلّمه أن المسيح ليس لليهود فقط بل لكل البشر أيضاً.
آية للحفظ:
«صَلَوَاتُكَ وَصَدَقَاتُكَ صَعِدَتْ تَذْكَاراً أَمَامَ اللهِ» (أعمال 10: 4)
صلاة:
أشكرك يا ربّي من أجل المُخْلصين الذين يصلّون ويتصدَّقون، وأطلب أن تعرِّفهم بحاجتهم لأن يسمعوا عن المسيح المخلِّص كي يقبلوه فادياً.
سؤال:
12 - لماذا لم تكن صلوات وصدقات كرنيليوس كافية لحصوله على الخلاص؟
9 ثُمَّ فِي الْغَدِ فِيمَا هُمْ يُسَافِرُونَ وَيَقْتَرِبُونَ إِلَى الْمَدِينَةِ صَعِدَ بُطْرُسُ عَلَى السَّطْحِ لِيُصَلِّيَ نَحْوَ السَّاعَةِ السَّادِسَةِ، 10 فَجَاعَ كَثِيراً وَاشْتَهَى أَنْ يَأْكُلَ. وَبَيْنَمَا هُمْ يُهَيِّئُونَ لَهُ وَقَعَتْ عَلَيْهِ غَيْبَةٌ، 11 فَرَأَى السَّمَاءَ مَفْتُوحَةً وَإِنَاءً نَازِلاً عَلَيْهِ مِثْلَ مُلاَءةٍ عَظِيمَةٍ مَرْبُوطَةٍ بِأَرْبَعَةِ أَطْرَافٍ وَمُدَلاَّةٍ عَلَى الأَرْضِ. 12 وَكَانَ فِيهَا كُلُّ دَوَابِّ الأَرْضِ وَالْوُحُوشِ وَالزَّحَّافَاتِ وَطُيُورِ السَّمَاءِ. 13 وَصَارَ إِلَيْهِ صَوْتٌ: «قُمْ يَا بُطْرُسُ، اذْبَحْ وَكُلْ». 14 فَقَالَ بُطْرُسُ: «كَلاَّ يَا رَبُّ، لأَنِّي لَمْ آكُلْ قَطُّ شَيْئاً دَنِساً أَوْ نَجِساً». 15 فَصَارَ إِلَيْهِ أَيْضاً صَوْتٌ ثَانِيَةً: «مَا طَهَّرَهُ اللهُ لاَ تُدَنِّسْهُ أَنْتَ!». 16 وَكَانَ هَذَا عَلَى ثَلاَثِ مَرَّاتٍ ثُمَّ ارْتَفَعَ الإِنَاءُ أَيْضاً إِلَى السَّمَاءِ (أعمال 10: 9-16).
سافر رسل كرنيليوس إلى يافا لإحضار بطرس، والمسافة بين قيصرية ويافا 35 ميلاً، يستغرق قطعها اثنتي عشرة ساعة. وصعد بطرس على سطح بيت سمعان الدباغ ليصلي نحو الساعة السادسة من النهار (أي نحو الظهر). وكان المفروض على اليهود أن يصلّوا يومياً في الساعة الثالثة والساعة التاسعة، وزاد الأتقياء منهم صلاة الساعة السادسة.
كان بطرس يصلّي عندما جاء موعد تناوله الطعام، فجاع كثيراً. وبينما كان أهل بيت سمعان يهيئون له الغداء وقعت عليه غيبة، شبيهة بالرؤيا، حيث تدرك النفس أموراً لا تدركها بحواسها الطبيعية، فرأى كأنّ الجوّ انشقّ والسماء انفتحت، ونزلت ملاءة من السماء مربوطة من أطرافها الأربعة بحبال، فأصبحت كأنّـها إناء. ولمّـا اقتربت منه رأى ما فيها، فإذ هي تحوي كل أنواع الدواب والوحوش والزحافات والطيور، بعضها طاهر (أي يجوز أكله)، والبعض الآخر نجس (حرَّمته الشريعة اليهودية. انظر تثنية 14: 3-30). وسمع بطرس صوتاً يقول له: «اذْبَحْ وَكُلْ». فتعجّب من أمر سماوي يعارض الشريعة، وقال: «كَلاّ يَا رَبُّ، لأنِّي لَمْ آكُلْ قَطُّ شَيْئاً دَنِساً أَوْ نَجِساً». فجاءه الصوت السماوي مرة ثانية: «مَا طَهَّرَهُ اللهُ لاَ تُدَنِّسْهُ أَنْتَ!». فقد كانت الرسالة من عند الله ليلغي التمييز بين الطاهر والنجس من الحيوانات، وأهمّ من ذلك أنّه لا تمييز عند الله بين اليهود والأمم، فقد اعتقد اليهود أنّـهم وحدهم الطاهرون، وأن باقي الناس نجسون. وكان الله يجهِّز بطرس ليقبل دعوة كرنيليوس ويذهب إلى بيته.
ومن ذلك نفهم أنّ المسيح الذي مات عن كل البشر لا يميِّز بين اليهود والأمم، وقد أعطى للأمم كل الحقوق الروحية والبركات السماوية التي ظنّها اليهود لهم وحدهم. وهذا يعني أنه يجب تبشير الأمم بالإنجيل في قيصرية وأورشليم سواءً بسواء.
تكرّر الأمر لبطرس ثلاث مرات ليؤكد له الرؤيا، وبعد ذلك ارتفع الإناء إلى السماء.
آية للحفظ:
«مَا طَهَّرَهُ اللهُ لاَ تُدَنِّسْهُ أَنْتَ!» (أعمال 10: 15)
صلاة:
ساعدني يا ربّ لأرى كيف تحبّ أنت كل الناس، فأُحبّهم كما تحبهم، وأطلب خيرهم وخلاص نفوسهم بحسب إرادتك الصالحة.
سؤال:
13 - لماذا كرَّر الرب أمره لبطرس ثلاث مرات؟
17وَإِذْ كَانَ بُطْرُسُ يَرْتَابُ فِي نَفْسِهِ: مَاذَا عَسَى أَنْ تَكُونَ الرُّؤْيَا الَّتِي رَآهَا؟ إِذَا الرِّجَالُ الَّذِينَ أَرْسَلَهُمْ كَرْنِيلِيُوسُ كَانُوا قَدْ سَأَلُوا عَنْ بَيْتِ سِمْعَانَ وَوَقَفُوا عَلَى الْبَابِ 18وَنَادَوْا يَسْتَخْبِرُونَ: هَلْ سِمْعَانُ الْمُلَقَّبُ بُطْرُسَ نَازِلٌ هُنَاكَ؟ 19وَبَيْنَمَا بُطْرُسُ مُتَفَكِّرٌ فِي الرُّؤْيَا قَالَ لَهُ الرُّوحُ: «هُوَذَا ثَلاَثَةُ رِجَالٍ يَطْلُبُونَكَ. 20لَكِنْ قُمْ وَانْزِلْ وَاذْهَبْ مَعَهُمْ غَيْرَ مُرْتَابٍ فِي شَيْءٍ، لأَنِّي أَنَا قَدْ أَرْسَلْتُهُمْ». 21فَنَزَلَ بُطْرُسُ إِلَى الرِّجَالِ الَّذِينَ أَرْسَلَهُمْ إِلَيْهِ كَرْنِيلِيُوسُ وَقَالَ: «هَا أَنَا الَّذِي تَطْلُبُونَهُ. مَا هُوَ السَّبَبُ الَّذِي حَضَرْتُمْ لأَجْلِهِ؟» 22فَقَالُوا: «إِنَّ كَرْنِيلِيُوسَ قَائِدَ مِئَةٍ رَجُلاً بَارّاً وَخَائِفَ اللهِ وَمَشْهُوداً لَهُ مِنْ كُلِّ أُمَّةِ الْيَهُودِ، أُوحِيَ إِلَيْهِ بِمَلاَكٍ مُقَدَّسٍ أَنْ يَسْتَدْعِيَكَ إِلَى بَيْتِهِ وَيَسْمَعَ مِنْكَ كَلاَماً». 23فَدَعَاهُمْ إِلَى دَاخِلٍ وَأَضَافَهُمْ. ثُمَّ فِي الْغَدِ خَرَجَ بُطْرُسُ مَعَهُمْ وَأُنَاسٌ مِنَ الإِخْوَةِ الَّذِينَ مِنْ يَافَا رَافَقُوهُ (أعمال 10: 17-23).
أخذ بطرس يفكّر في الرؤيا، فأخبره روح الرب عن الرجال الثلاثة الذين أرسلهم إليه كرنيليوس، وطلب منه أن يذهب معهم دون أن يسأل عن المكان. لقد عرف روح الرب أنّ بطرس سيتعرّض لشكوكٍ ومخاوف، لذلك قال له: «اذْهَبْ مَعَهُمْ غَيْرَ مُرْتَابٍ فِي شَيْءٍ، لأَنِّي أَنَا قَدْ أَرْسَلْتُهُمْ».
نزل بطرس من على السطح طاعةً للأمر الإلهي، وقابل رجال كرنيليوس الثلاثة وسألهم عن سبب مجيئهم، فأخبروه بكل ما حدث مع كرنيليوس، فدعاهم إلى داخل البيت، رغم أنه عرف أنهم ليسوا يهوداً، واستضافهم حتى اليوم التالي، ثم ذهب معهم، وصحبه ستة رجال من اليهود الذين آمنوا بالمسيح (اقرأ أعمال 11: 12). أخذهم بطرس معه ليكونوا شهوداً بما حدث، وليخبروا كنيسة يافا والكنائس الأخرى بضرورة تبشير الأمم بإنجيل المسيح.
24 وَفِي الْغَدِ دَخَلُوا قَيْصَرِيَّةَ. وَأَمَّا كَرْنِيلِيُوسُ فَكَانَ يَنْتَظِرُهُمْ وَقَدْ دَعَا أَنْسِبَاءهُ وَأَصْدِقَاءهُ الأَقْرَبِينَ. 25 وَلَمَّا دَخَلَ بُطْرُسُ اسْتَقْبَلَهُ كَرْنِيلِيُوسُ وَسَجَدَ وَاقِعاً عَلَى قَدَمَيْهِ. 26 فَأَقَامَهُ بُطْرُسُ قَائِلاً: «قُمْ. أَنَا أَيْضاً إِنْسَانٌ». 27 ثُمَّ دَخَلَ وَهُوَ يَتَكَلَّمُ مَعَهُ، وَوَجَدَ كَثِيرِينَ مُجْتَمِعِينَ. 28 فَقَالَ لَهُمْ: «أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ كَيْفَ هُوَ مُحَرَّمٌ عَلَى رَجُلٍ يَهُودِيٍّ أَنْ يَلْتَصِقَ بِأَحَدٍ أَجْنَبِيٍّ أَوْ يَأْتِيَ إِلَيْهِ. وَأَمَّا أَنَا فَقَدْ أَرَانِي اللهُ أَنْ لاَ أَقُولَ عَنْ إِنْسَانٍ مَا إِنَّهُ دَنِسٌ أَوْ نَجِسٌ. 29 فَلِذَلِكَ جِئْتُ مِنْ دُونِ مُنَاقَضَةٍ إِذِ اسْتَدْعَيْتُمُونِي. فَأَسْتَخْبِرُكُمْ: لأَيِّ سَبَبٍ اسْتَدْعَيْتُمُونِي؟». 30 فَقَالَ كَرْنِيلِيُوسُ: «مُنْذُ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ إِلَى هَذِهِ السَّاعَةِ كُنْتُ صَائِماً. وَفِي السَّاعَةِ التَّاسِعَةِ كُنْتُ أُصَلِّي فِي بَيْتِي، وَإِذَا رَجُلٌ قَدْ وَقَفَ أَمَامِي بِلِبَاسٍ لاَمِعٍ 31 وَقَالَ: يَا كَرْنِيلِيُوسُ، سُمِعَتْ صَلاَتُكَ وَذُكِرَتْ صَدَقَاتُكَ أَمَامَ اللهِ. 32 فَأَرْسِلْ إِلَى يَافَا وَاسْتَدْعِ سِمْعَانَ الْمُلَقَّبَ بُطْرُسَ. إِنَّهُ نَازِلٌ فِي بَيْتِ سِمْعَانَ رَجُلٍ دَبَّاغٍ عِنْدَ الْبَحْرِ. فَهُوَ مَتَى جَاءَ يُكَلِّمُكَ. 33 فَأَرْسَلْتُ إِلَيْكَ حَالاً. وَأَنْتَ فَعَلْتَ حَسَناً إِذْ جِئْتَ. وَالآنَ نَحْنُ جَمِيعاً حَاضِرُونَ أَمَامَ اللهِ لِنَسْمَعَ جَمِيعَ مَا أَمَرَكَ بِهِ اللهُ» (أعمال 10: 24-33).
سافر الرجال العشرة من يافا إلى قيصرية: بطرس، والثلاثة الذين أرسلهم كرنيليوس، وستة من اليهود المؤمنين بالمسيح. وكان كرنيليوس في انتظارهم مع بعض أقربائه وأصدقائه الذين أراد أن يشركهم معه في السماع عن المسيح. ومن هذا نتعلم أن الروح القدس يعمل متى يشاء في قلوب من يشاء حتى يؤمنوا بالمسيح.
وعندما دخل بطرس بيت كرنيليوس أراد كرنيليوس أن يكرمه فسجد له، فرفض بطرس أن يطلب مجداً لنفسه لأنّـه إنسان مخلوق مثل باقي الناس ومثل كرنيليوس، كما أنّ السجود ينبغي أن يكون لله وحده، لذلك أقامه وقال له: «قُمْ. أَنَا أَيْضاً إِنْسَانٌ».
كانت هذه أول مرة يدخل فيها يهودي بيت شخص أممي من غير اليهود ليبشّره بالمسيح. وهناك وجد كثيرين من أصدقاء كرنيليوس وأنسبائه وعساكره.
بدأ بطرس الكلام بمقدمة قال فيها إنّـه خالف عادات اليهود بمجيئه، لأن اليهود لا يخالطون الأمم ويعتبرونهم أجانب عنهم وعن تقاليدهم. ثم قال لهم إنّ الله علَّمه أن لا يرفض أحداً من الناس، لأنّ المسيح ابن الله عندما اتّـخذ الطبيعة البشرية ومات على الصليب أوجد تطهيراً لجميع الناس بدم صليبه. ثم سأل بطرس كرنيليوس عن سبب استدعائه، فروى له كرنيليوس ما حدث له، وقال: «وَالآنَ نَحْنُ جَمِيعاً حَاضِرُونَ أَمَامَ اللهِ لِنَسْمَعَ جَمِيعَ مَا أَمَرَكَ بِهِ اللهُ». إنّ الله فاحص القلوب يخاطب المؤمنين بكتابه المقدس وصوت خدّامه الأمناء.
آية للحفظ:
«وَالآنَ نَحْنُ جَمِيعاً حَاضِرُونَ أَمَامَ اللهِ لِنَسْمَعَ جَمِيعَ مَا أَمَرَكَ بِهِ اللهُ» (أعمال10: 33)
صلاة:
ساعدني يا رب لتكون هذه الآية صلاتي كلما دخلت بيتك للعبادة، فأسمع كلمتك السماوية وأعمل بها.
سؤال:
14 - لماذا لا يجب أن يرفض المؤمن أحداً من الناس؟
34 فَقَالَ بُطْرُسُ: «بِالْحَقِّ أَنَا أَجِدُ أَنَّ اللهَ لاَ يَقْبَلُ الْوُجُوهَ، 35 بَلْ فِي كُلِّ أُمَّةٍ الَّذِي يَتَّقِيهِ وَيَصْنَعُ الْبِرَّ مَقْبُولٌ عِنْدَهُ. 36 الْكَلِمَةُ الَّتِي أَرْسَلَهَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ يُبَشِّرُ بِالسَّلاَمِ بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ. هَذَا هُوَ رَبُّ الْكُلِّ. 37 أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ الأَمْرَ الَّذِي صَارَ فِي كُلِّ الْيَهُودِيَّةِ مُبْتَدِئاً مِنَ الْجَلِيلِ بَعْدَ الْمَعْمُودِيَّةِ الَّتِي كَرَزَ بِهَا يُوحَنَّا. 38 يَسُوعُ الَّذِي مِنَ النَّاصِرَةِ كَيْفَ مَسَحَهُ اللهُ بِالرُّوحِ الْقُدُسِ وَالْقُوَّةِ، الَّذِي جَالَ يَصْنَعُ خَيْراً وَيَشْفِي جَمِيعَ الْمُتَسَلِّطِ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ، لأَنَّ اللهَ كَانَ مَعَهُ. 39 وَنَحْنُ شُهُودٌ بِكُلِّ مَا فَعَلَ فِي كُورَةِ الْيَهُودِيَّةِ وَفِي أُورُشَلِيمَ. الَّذِي أَيْضاً قَتَلُوهُ مُعَلِّقِينَ إِيَّاهُ عَلَى خَشَبَةٍ. 40 هَذَا أَقَامَهُ اللهُ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ، وَأَعْطَى أَنْ يَصِيرَ ظَاهِراً، 41 لَيْسَ لِجَمِيعِ الشَّعْبِ، بَلْ لِشُهُودٍ سَبَقَ اللهُ فَانْتَخَبَهُمْ. لَنَا نَحْنُ الَّذِينَ أَكَلْنَا وَشَرِبْنَا مَعَهُ بَعْدَ قِيَامَتِهِ مِنَ الأَمْوَاتِ. 42 وَأَوْصَانَا أَنْ نَكْرِزَ لِلشَّعْبِ وَنَشْهَدَ بِأَنَّ هَذَا هُوَ الْمُعَيَّنُ مِنَ اللهِ دَيَّاناً لِلأَحْيَاءِ وَالأَمْوَاتِ. 43 لَهُ يَشْهَدُ جَمِيعُ الأَنْبِيَاءِ أَنَّ كُلَّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ يَنَالُ بِاسْمِهِ غُفْرَانَ الْخَطَايَا» (أعمال 10: 34-43).
قال بطرس إنّ الله أعلن له إرادته ببراهين قويّة أزالت شكوكه، لأنّ الله لا يفضّل إنساناً على آخر بسبب رتبته أو مقامه أو غناه أو انتمائه، لأن الله ينظر إلى قلب الإنسان وليس إلى مظهره. وقول بطرس هذا يخالف اعتقاد اليهود الذين ظنوا أنهم أفضل من باقي الناس لأنّـهم من نسل إبراهيم (لوقا 3: 8).
ومن هذا نتعلم أنّ المسيح رفع الحاجز بين اليهود والأمم وهو يقدّم الخلاص لكل من يؤمن به تائباً عن شروره، لأن جميع البشر خطاة مهما كان جنسهم، وكل الذين يخلُصون إنما يخلصون من خطاياهم برحمة الله التي ظهرت في المسيح لجميع الناس.
وكما لم يتبرّر كرنيليوس بتقواه ولا بصدقاته بل بإيمانه بالمسيح، هكذا كلّ إنسان مهما كانت جنسيّته لا يمكن أن يخلُص إلاّ إن آمن بالمسيح الفادي والمخلِّص. وكل من يريد الخلاص من خطاياه يمكنه الحصول على ذلك بواسطة الإيمان بالمسيح، الذي يجمع حوله المؤمنين به من كلّ قبيلة ولسان وشعب وأمّة. فكل إنسان مهما كانت أمّته، إن سلك بحسب ما وصل إليه من معرفة الله، سينال خلاصه بفضل كفّارة المسيح طريق الخلاص الوحيد.
حوت كلمة الرسول بطرس خبر المصالحة بين الله البار والإنسان الخاطئ، وهي مصالحة تغرس السلام في قلب المؤمن، كما تغرس السلام بين اليهود والأمم.
وشرح بطرس لسامعيه أنّ المسيح نادى بكلمته بعد أن تعمد من يوحنا، وأنّ الله مسحه بقوّة الروح القدس ملكاً وكاهناً ونبيّاً ليكون وسيطاً بين الله والناس، وأنّه جال يصنع خيراً ويشفي جميع المتسلط عليهم إبليس. وأكد بطرس لهم أنّه شاهد مع باقي التلاميذ شخص المسيح بالعيان، وسمع كلامه، ثم ذكر لهم أنّه صُلب وقام في اليوم الثالث، وأوصى تلاميذه أن يشهدوا لعمله الخلاصي، وأنّه الديان الوحيد لكلّ الأجيال الماضية والحاضرة والآتية، وكلّ من يؤمن به ينال غفران خطاياه.
44 فَبَيْنَمَا بُطْرُسُ يَتَكَلَّمُ بِهَذِهِ الأُمُورِ حَلَّ الرُّوحُ الْقُدُسُ عَلَى جَمِيعِ الَّذِينَ كَانُوا يَسْمَعُونَ الْكَلِمَةَ. 45 فَانْدَهَشَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ مِنْ أَهْلِ الْخِتَانِ، كُلُّ مَنْ جَاءَ مَعَ بُطْرُسَ لأَنَّ مَوْهِبَةَ الرُّوحِ الْقُدُسِ قَدِ انْسَكَبَتْ عَلَى الأُمَمِ أَيْضاً. 46 لأَنَّهُمْ كَانُوا يَسْمَعُونَهُمْ يَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَةٍ وَيُعَظِّمُونَ اللهَ. حِينَئِذٍ قَالَ بُطْرُسُ: 47«أَتُرَى يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ أَنْ يَمْنَعَ الْمَاءَ حَتَّى لاَ يَعْتَمِدَ هَؤُلاَءِ الَّذِينَ قَبِلُوا الرُّوحَ الْقُدُسَ كَمَا نَحْنُ أَيْضاً؟» 48 وَأَمَرَ أَنْ يَعْتَمِدُوا بِاسْمِ الرَّبِّ. حِينَئِذٍ سَأَلُوهُ أَنْ يَمْكُثَ أَيَّاماً (أعمال 10: 44-48).
قبل أن تنتهي موعظة بطرس في بيت كرنيليوس حل الروح القدس على كل السامعين، وأعطاهم نفس المواهب الروحية التي أعطاها للتلاميذ واليهود في أورشليم يوم الخمسين. فشهد الرّوح القدس أنّ ما نادى به بطرس يوافق قصد الله، وهو أنّ خلاص المسيح موهوب لكلّ من يؤمن، سواء أكان يهودياً أم أممياً.
وشاهد المؤمنون اليهود الستَّة الذين جاءوا مع بطرس حلول الرّوح القدس على المجتمعين في بيت كرنيليوس، وتكلُّمهم بلغات غريبة، فاندهشوا. وقال لهم بطرس: لا يمكن أن يمنع أحد معمودية هؤلاء الناس، فقد كانت العادة أن يحلّ الرّوح القدس على الناس بعد المعمودية ووضع الأيدي، لكنّهم رأوا الرّوح القدس يحل على غير المعمَّدين، وهذا يزيل من قلوبهم كل شكّ في حقّ الأمم في الإيمان بالمسيح قبل أن يعتمدوا، لأنّ الذي يعتمد بالروح القدس يستحق أن يعتمد بالماء، فإن كان الله قد قبله يجب أن يقبله الإنسان أيضاً.
ولم يعترض أحد من المؤمنين الستَّة على معمودية كرنيليوس وأهل بيته. ولا بدّ أن بعضهم كانوا من القادة، فأمرهم بطرس أن يعمّدوهم، لأنّ المعمودية ضرورية، وقد أمر بها المسيح، وهي ختم العهد المسيحي، وعلامة الدخول إلى الكنيسة المنظورة على الأرض.
ومن هذا نفهم حقّ الأمم في أن ينالوا نعمة المعمودية، إن هم آمنوا بالمسيح الفادي والمخلِّص.
تعمّد كرنيليوس وأهل بيته وفرحوا فرحاً عظيماً بنوالهم خلاص المسيح، وطلبوا من بطرس ورفقائه أن يمكثوا معهم أياماً، فقبلوا واعتبروهم إخوة في المسيح، وخالطوهم غير خائفين من التدنّس حسب تقاليد اليهود.
آية للحفظ:
«لَهُ يَشْهَدُ جَمِيعُ الأَنْبِيَاءِ أَنَّ كُلَّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ يَنَالُ بِاسْمِهِ غُفْرَانَ الْخَطَايَا» (أعمال 10: 43)
صلاة:
أشكرك يا الله لأنّك تعود ترحمنا وتدوس آثامنا، وتطرح في أعماق البحر جميع خطايانا، بفضل المسيح الذي دفع ديوننا على الصليب.
سؤال:
15 - كيف تبرهن ضرورة المعمودية؟
1 فَسَمِعَ الرُّسُلُ وَالإِخْوَةُ الَّذِينَ كَانُوا فِي الْيَهُودِيَّةِ أَنَّ الأُمَمَ أَيْضاً قَبِلُوا كَلِمَةَ اللهِ. 2 وَلَمَّا صَعِدَ بُطْرُسُ إِلَى أُورُشَلِيمَ خَاصَمَهُ الَّذِينَ مِنْ أَهْلِ الْخِتَانِ 3 قَائِلِينَ: «إِنَّكَ دَخَلْتَ إِلَى رِجَالٍ ذَوِي غُلْفَةٍ وَأَكَلْتَ مَعَهُمْ». 4 فَابْتَدَأَ بُطْرُسُ يَشْرَحُ لَهُمْ بِالتَّتَابُعِ قَائِلاً: 5 «أَنَا كُنْتُ فِي مَدِينَةِ يَافَا أُصَلِّي فَرَأَيْتُ فِي غَيْبَةٍ رُؤْيَا: إِنَاءً نَازِلاً مِثْلَ مُلاَءةٍ عَظِيمَةٍ مُدَلاَّةٍ بِأَرْبَعَةِ أَطْرَافٍ مِنَ السَّمَاءِ فَأَتَى إِلَيَّ. 6 فَتَفَرَّسْتُ فِيهِ مُتَأَمِّلاً، فَرَأَيْتُ دَوَابَّ الأَرْضِ وَالْوُحُوشَ وَالزَّحَّافَاتِ وَطُيُورَ السَّمَاءِ، 7 وَسَمِعْتُ صَوْتاً قَائِلاً لِي: قُمْ يَا بُطْرُسُ اذْبَحْ وَكُلْ. 8 فَقُلْتُ: كَلاَّ يَا رَبُّ لأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ فَمِي قَطُّ دَنِسٌ أَوْ نَجِسٌ. 9 فَأَجَابَنِي صَوْتٌ ثَانِيَةً مِنَ السَّمَاءِ: مَا طَهَّرَهُ اللهُ لاَ تُنَجِّسْهُ أَنْتَ. 10 وَكَانَ هَذَا عَلَى ثَلاَثِ مَرَّاتٍ، ثُمَّ انْتُشِلَ الْجَمِيعُ إِلَى السَّمَاءِ أَيْضاً. 11 وَإِذَا ثَلاَثَةُ رِجَالٍ قَدْ وَقَفُوا لِلْوَقْتِ عِنْدَ الْبَيْتِ الَّذِي كُنْتُ فِيهِ مُرْسَلِينَ إِلَيَّ مِنْ قَيْصَرِيَّةَ. 12 فَقَالَ لِي الرُّوحُ أَنْ أَذْهَبَ مَعَهُمْ غَيْرَ مُرْتَابٍ فِي شَيْءٍ. وَذَهَبَ مَعِي أَيْضاً هَؤُلاَءِ الإِخْوَةُ السِّتَّةُ. فَدَخَلْنَا بَيْتَ الرَّجُلِ، 13 فَأَخْبَرَنَا كَيْفَ رَأَى الْمَلاَكَ فِي بَيْتِهِ قَائِماً وَقَائِلاً لَهُ: أَرْسِلْ إِلَى يَافَا رِجَالاً وَاسْتَدْعِ سِمْعَانَ الْمُلَقَّبَ بُطْرُسَ، 14 وَهُوَ يُكَلِّمُكَ كَلاَماً بِهِ تَخْلُصُ أَنْتَ وَكُلُّ بَيْتِكَ. 15 فَلَمَّا ابْتَدَأْتُ أَتَكَلَّمُ حَلَّ الرُّوحُ الْقُدُسُ عَلَيْهِمْ كَمَا عَلَيْنَا أَيْضاً فِي الْبَدَاءةِ. 16 فَتَذَكَّرْتُ كَلاَمَ الرَّبِّ كَيْفَ قَالَ: إِنَّ يُوحَنَّا عَمَّدَ بِمَاءٍ وَأَمَّا أَنْتُمْ فَسَتُعَمَّدُونَ بِالرُّوحِ الْقُدُسِ. 17 فَإِنْ كَانَ اللهُ قَدْ أَعْطَاهُمُ الْمَوْهِبَةَ كَمَا لَنَا أَيْضاً بِالسَّوِيَّةِ مُؤْمِنِينَ بِالرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ، فَمَنْ أَنَا؟ أَقَادِرٌ أَنْ أَمْنَعَ اللهَ؟». 18 فَلَمَّا سَمِعُوا ذَلِكَ سَكَتُوا وَكَانُوا يُمَجِّدُونَ اللهَ قَائِلِينَ: «إِذاً أَعْطَى اللهُ الأُمَمَ أَيْضاً التَّوْبَةَ لِلْحَيَاةِ!» (أعمال 11: 1-18).
سمع الرسل والإخوة الذين في أورشليم والمتجوّلون للتبشير في البلاد الأخرى أنّ الأمم قبلوا كلمة الخلاص، وأنّ بطرس وافق على معموديتهم دون أن يأمر بختانهم حسب شريعة موسى، فغضبوا من بطرس. ولمّـا رجع بطرس إلى أورشليم جادلوه كثيراً بغضب لأنّـه خالف شريعة موسى، فقد كانت أفكارهم عن الأمم مثل أفكار بطرس قبل رؤيا الملاءة. وفي تواضع حكى بطرس لهم ما حدث معه، وكيف علَّمه الله أنّـه لا فرق بين اليهودي والأممي، عندما قال له «مَا طَهَّرَهُ اللهُ لاَ تُنَجِّسْهُ أَنْتَ». ثم حكى لهم كيف ذهب إلى بيت كرنيليوس ووعظ عن المسيح، وكيف حلّ عليهم الروح القدس كما قال المسيح لهم قبل صعوده: «يُوحَنَّا عَمَّدَ بِالْمَاءِ، وَأَمَّا أَنْتُمْ فَسَتَتَعَمَّدُونَ بِالرُّوحِ الْقُدُسِ» (أعمال 1: 5). لأنّ معموديّة يوحنا كانت رمزاً لمعموديّة الرّوح القدس. ثمّ وصل بطرس إلى قمّة هدفه وهو أنّ ما حدث كان من عمل الرب وليس من عمله هو. فمَن هو بطرس حتى يعترض على عمل الرب؟
سمع الرسل والإخوة كلام بطرس واقتنعوا أن ما حدث هو من الرب، وفرحوا أيضاً لأن للأمم نصيباً مع اليهود في شخص المسيح. وبذلك تغير تفكير الكنيسة تغييراً كاملاً وابتدأت تقبل المؤمنين من الأمم.
المسيح لجميع الناس، فهل تعمل على توصيل رسالته إلى البعيدين عنه، مهما كان لون بشرتهم، أو عقيدتهم؟
19 أَمَّا الَّذِينَ تَشَتَّتُوا مِنْ جَرَّاءِ الضِّيقِ الَّذِي حَصَلَ بِسَبَبِ اسْتِفَانُوسَ فَاجْتَازُوا إِلَى فِينِيقِيَةَ وَقُبْرُسَ وَأَنْطَاكِيَةَ، وَهُمْ لاَ يُكَلِّمُونَ أَحَداً بِالْكَلِمَةِ إِلاَّ الْيَهُودَ فَقَطْ. 20 وَلَكِنْ كَانَ مِنْهُمْ قَوْمٌ، وَهُمْ رِجَالٌ قُبْرُسِيُّونَ وَقَيْرَوَانِيُّونَ، الَّذِينَ لَمَّا دَخَلُوا أَنْطَاكِيَةَ كَانُوا يُخَاطِبُونَ الْيُونَانِيِّينَ مُبَشِّرِينَ بِالرَّبِّ يَسُوعَ. 21 وَكَانَتْ يَدُ الرَّبِّ مَعَهُمْ، فَآمَنَ عَدَدٌ كَثِيرٌ وَرَجَعُوا إِلَى الرَّبِّ.
22 فَسُمِعَ الْخَبَرُ عَنْهُمْ فِي آذَانِ الْكَنِيسَةِ الَّتِي فِي أُورُشَلِيمَ، فَأَرْسَلُوا بَرْنَابَا لِكَيْ يَجْتَازَ إِلَى أَنْطَاكِيَةَ. 23 الَّذِي لَمَّا أَتَى وَرَأَى نِعْمَةَ اللهِ فَرِحَ، وَوَعَظَ الْجَمِيعَ أَنْ يَثْبُتُوا فِي الرَّبِّ بِعَزْمِ الْقَلْبِ، 24 لأَنَّهُ كَانَ رَجُلاً صَالِحاً وَمُمْتَلِئاً مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ وَالإِيمَانِ. فَانْضَمَّ إِلَى الرَّبِّ جَمْعٌ غَفِيرٌ.
25 ثُمَّ خَرَجَ بَرْنَابَا إِلَى طَرْسُوسَ لِيَطْلُبَ شَاوُلَ. وَلَمَّا وَجَدَهُ جَاءَ بِهِ إِلَى أَنْطَاكِيَةَ، 26 فَحَدَثَ أَنَّهُمَا اجْتَمَعَا فِي الْكَنِيسَةِ سَنَةً كَامِلَةً وَعَلَّمَا جَمْعاً غَفِيراً. وَدُعِيَ التَّلاَمِيذُ «مَسِيحِيِّينَ» فِي أَنْطَاكِيَةَ أَوَّلاً (أعمال 11: 19-26).
نشر الرّوح القدس رسالة الإنجيل في أورشليم والسامرة، بواسطة الرسل، وفي الحبشة بواسطة فيلبس، وفي يافا وقيصرية بواسطة بطرس. وها نحن نرى الإنجيل يصل إلى أنطاكية. وكنّـا قد رأينا في الأصحاح الثامن كيف هرب المؤمنون من أورشليم بعد رجم استفانوس وذهبوا إلى فينيقية وقبرس وأنطاكية. وكانت أنطاكية مدينة عظيمة مليئة بهياكل الأصنام وعاصمة لسوريا (في ذلك الوقت)، وكان بها يهود كثيرون. وعندما ذهب إليها بعض المؤمنين بالمسيح بشروا اليهود فقط، لأنّـهم لم يكونوا قد سمعوا بقصة كرنيليوس ولا بإيمانه. وكان من ساكني أنطاكية بعض المؤمنين القبرسيين مثل برنابا، وبعضٌ آخر من القيروانيين، (وقيروان هي مدينة في تونس - أو منطقة صحراوية في ليبيا كثيرة الواحات يرتفع فيها الجبل الأخضر). سمع كلّ هؤلاء بشارة المسيح فآمن عدد كبير منهم.
سمعت كنيسة أورشليم عن إيمان الأمم في أنطاكية، فأرسلت إليهم برنابا الذي شاهد نجاح كلمة الرب هناك وفرح كثيراً. وكان برنابا قويّـاً في وعظه حتى لقّبوه «ابن الوعظ». فوعظهم أن يثبتوا في الرب، فانضمّ عدد كبير من الناس إلى الكنيسة بعد أن آمنوا بالمسيح.
وعرف برنابا أنّ شاول موجود في مدينة طرسوس، كما عرف عن قوّة إيمانه وشعر أنّ العمل في أنطاكية محتاجٌ إليه، فذهب إليه وأحضره من طرسوس إلى أنطاكية.
مكث شاول وبرنابا في أنطاكية سنة كاملة يعلّمان الناس عن المسيح، ودُعي التلاميذ «مسيحيين» في أنطاكية أولاً، وهذا معناه أنّ هذه أول مرة يُلقَّب فيها أتباع المسيح بهذا اللقب، وكان ذلك بعد صَلْب المسيح بنحو عشر سنوات. ورغم أنّ هذا اللقب سبَّب الموت والخسارة للمسيحيين، لكنهم ازدادوا تمسكاً بالمسيح وبخلاصه العظيم.
هل تفتخر في المسيح، وهل أنت مسيحي حقيقي؟
آية للحفظ:
«وَكَانَتْ يَدُ الرَّبِّ مَعَهُمْ، فَآمَنَ عَدَدٌ كَثِيرٌ وَرَجَعُوا إِلَى الرَّبِّ» (أعمال11: 21)
صلاة:
نشكرك أيّها الربّ المسيح لأنّ اسمك دُعي علينا فمنحنا شرفاً عظيماً لا نستحقه. ساعدنا ليكون سلوكنا معبّراً ومنسجماً حقاً مع لقبنا أنّـنا مسيحيون.
سؤال:
16 - لماذا دُعي برنابا «ابن الوعظ»؟
27 وَفِي تِلْكَ الأَيَّامِ انْحَدَرَ أَنْبِيَاءُ مِنْ أُورُشَلِيمَ إِلَى أَنْطَاكِيَةَ، 28 وَقَامَ وَاحِدٌ مِنْهُمُ اسْمُهُ أَغَابُوسُ وَأَشَارَ بِالرُّوحِ أَنَّ جُوعاً عَظِيماً كَانَ عَتِيداً أَنْ يَصِيرَ عَلَى جَمِيعِ الْمَسْكُونَةِ - الَّذِي صَارَ أَيْضاً فِي أَيَّامِ كُلُودِيُوسَ قَيْصَرَ. 29 فَحَتَمَ التَّلاَمِيذُ حَسْبَمَا تَيَسَّرَ لِكُلٍّ مِنْهُمْ أَنْ يُرْسِلَ كُلُّ وَاحِدٍ شَيْئاً خِدْمَةً إِلَى الإِخْوَةِ السَّاكِنِينَ فِي الْيَهُودِيَّةِ. 30 فَفَعَلُوا ذَلِكَ مُرْسِلِينَ إِلَى الْمَشَايِخِ بِيَدِ بَرْنَابَا وَشَاوُلَ (أعمال 11: 27-30).
بينما كان برنابا وشاول يبشّران في أنطاكية جاءهم مبشّرون من أورشليم، أحدهم اسمه أغابوس، تكلم الرّوح القدس على فمه عن المجاعة التي ستحصل في سوريا وفلسطين وسائر أنحاء المملكة الرومانية في ذلك الوقت. ولمّـا سمع مسيحيّو أنطاكية نبوّة أغابوس قرّروا أن يرسلوا مساعدات حسب مقدرتهم لإخوتهم المسيحيين في اليهودية.
وها أنت تلاحظ اتّـحاد المسيحيين مع بعضهم، بغضّ النظر عن اختلافهم في الجنس. ولمّـا كانت كنيسة أنطاكية غنيّة قررت أن تساعد كنيسة اليهودية الفقيرة، وأرسلت مساعدتها بيد برنابا وشاول. ومن هذا نتعلم أن مساعدة الكنائس المحتاجة أمر واجب على الكنائس المقتدرة.
آية للحفظ:
«فَحَتَمَ التَّلاَمِيذُ حَسْبَمَا تَيَسَّرَ لِكُلٍّ مِنْهُمْ أَنْ يُرْسِلَ كُلُّ وَاحِدٍ شَيْئاً خِدْمَةً إِلَى الإِخْوَةِ السَّاكِنِينَ فِي الْيَهُودِيَّةِ» (أعمال 11: 29)
صلاة:
يا ربّ، ساعدني لأرى احتياجات المحيطين بي والبعيدين عني، وأن أعمل كل ما في وسعي لتسديدها.
سؤال:
17 - ماذا كانت نبوّة أغابوس، وماذا كان تأثيرها؟
الفصل السابع
هيرودس يضطهد الكنيسة
أعمال 12
كان المسيح مع الكنيسة ومنحها قوّة الرّوح القدس. واستراحت الكنيسة فترة من الاضطهاد الشديد الواقع عليها، خصوصاً بعد تغيير شاول، وانفتحت أمامها آفاقٌ جديدة للخدمة، واتسعت دائرة التبشير خصوصاً بعد أن قام بطرس بمعمودية أهل بيت كرنيليوس، فقد قررت الكنيسة أن تقبل المؤمنين من الأمم الذين ليسوا يهوداً.
على أنّ الشيطان دائماً يحاول معاكسة الكنيسة، فملأ قلب هيرودس الملك ليضطهد الكنيسة.
1 وَفِي ذَلِكَ الْوَقْتِ مَدَّ هِيرُودُسُ الْمَلِكُ يَدَيْهِ لِيُسِيءَ إِلَى أُنَاسٍ مِنَ الْكَنِيسَةِ، 2 فَقَتَلَ يَعْقُوبَ أَخَا يُوحَنَّا بِالسَّيْفِ. 3 وَإِذْ رَأَى أَنَّ ذَلِكَ يُرْضِي الْيَهُودَ عَادَ فَقَبَضَ عَلَى بُطْرُسَ أَيْضاً. وَكَانَتْ أَيَّامُ الْفَطِيرِ. 4 وَلَمَّا أَمْسَكَهُ وَضَعَهُ فِي السِّجْنِ مُسَلِّماً إِيَّاهُ إِلَى أَرْبَعَةِ أَرَابِعَ مِنَ الْعَسْكَرِ لِيَحْرُسُوهُ، نَاوِياً أَنْ يُقَدِّمَهُ بَعْدَ الْفِصْحِ إِلَى الشَّعْبِ. 5 فَكَانَ بُطْرُسُ مَحْرُوساً فِي السِّجْنِ. وَأَمَّا الْكَنِيسَةُ فَكَانَتْ تَصِيرُ مِنْهَا صَلاَةٌ بِلَجَاجَةٍ إِلَى اللهِ مِنْ أَجْلِهِ (أعمال 12: 1-5).
جاء برنابا وشاول إلى اليهودية نحو سنة 44م، وكانت الكنيسة تنمو وتنتشر، ورأى هيرودس ذلك فاغتاظ. وهيرودس هذا هو أغريباس الأول شقيق هيروديا التي طلبت قتل يوحنا المعمدان. وقد تولى هيرودس في أول حكمه على جزء من مملكة جدّه هيرودس الكبير، ثم تولّـى بعد ذلك على بقية المملكة.
وتربّى هيرودس بين الوثنيين، ولكنه عندما استولى على اليهودية تظاهر بالغيرة على الدين اليهودي حتى يُرضي اليهود الذين يملك عليهم بأمر من الرومان. وكان اليهود يكرهون الملك الذي يعيِّنه الرومان عليهم، لأنّه رمز الاستعمار والسلطان الأجنبي. ولمّا أراد هيرودس أن يثبِّت ملكه فكَّر في اضطهاد المسيحيين إمّا بالسجن أو النفي أو بسلب أموالهم، وحتى بقتلهم.
وقابلت الكنيسة اضطهاداً أقسى من كل اضطهاد سابق، فقد كان كل ما سبق من اضطهاد بواسطة السلطات الدينية اليهودية. أمّا الآن فقد واجهت الكنيسة أول اضطهاد من السلطة السياسية، وكان أول مظاهر اضطهاد هيرودس للكنيسة أن أمر بقتل يعقوب بالسيف.
ويعقوب هذا هو أحد تلاميذ المسيح المعروفين بالرسل (متّى 10: 1) وكان أحد الثلاثة الذين قرَّبهم المسيح إليه، فأخذه معه عند إقامة ابنة يايرس (مرقس 5: 37) وعلى جبل التجلي (متّى 17: 1) وحين تألم في بستان جثسيماني (متّى 26: 37). ويعقوب هذا هو أخو يوحنا الذي كان لا زال حيّـاً عندما كتب لوقا الطبيب سفر أعمال الرسل بوحي الرّوح القدس.
وإذ كان يعقوب متقدّماً بين المسيحيين في ذلك الوقت أمر هيرودس أن تُقطع رأسه بالسيف. ومن المعروف أنّ اليهود كانوا يعتبرون قطع الرأس بالسيف إهانة عظيمة. وفرح اليهود بقتل يعقوب، وعرف هيرودس ذلك، فتمادى في اضطهاد المسيحيين وعزم على قتل رؤسائهم بدءاً ببطرس أعظم الرسل، على أن يكون قتله وقت عيد الفطير، ليكون العيد عيد فرح بين اليهود بموته.. وأيام الفطير هي أيام عيد الفصح السبعة التي لا يجوز لليهود فيها أن يكون في بيوتهم شيء من الخمير (اقرأ خروج 12: 18-27).
قبض هيرودس على بطرس وسجنه، وأقام ستة عشر جندياً لحراسته حتى لا ينقذه أصدقاؤه. وكانت عادة الرومان عندما يسجنون شخصاً أن يضعوا على حراسته أربعة أشخاص يتغيّـرون كل ثلاث ساعات، يظل اثنان من هؤلاء الأربعة خارج باب السجن، واثنان بالداخل، ويد كل منهما مربوطة بيد المسجون.
وكان اليهود يحسبون القتل في أيام الأعياد تنجيساً لها. وأراد هيرودس أن يظهر لهم غيرته على حفظ شرائعهم، فأمر بحراسة بطرس في السجن ليُقتل بعد العيد.
لكنّ الكنيسة آمنت بقوّة الصلاة التي تهزم قوّة السجون، وكانت الكنيسة تحب بطرس كثيراً، فلم تطلب من هيرودس أن يعفو عنه، لأنّه لن يقبل! لكنها طلبت من الله صاحب السلطان على جميع الناس، والذي يسمع ويستجيب. وحددت الكنيسة غرضها في الصلاة وهو نجاة بطرس من السجن.
هل تؤمن بقوّة الصلاة وبأنّ الله الذي استجاب صلاة الكنيسة لأجل نجاة بطرس مستعد أن يسمع صلاتك؟
آية للحفظ:
«أَمَّا الْكَنِيسَةُ فَكَانَتْ تَصِيرُ مِنْهَا صَلاَةٌ بِلَجَاجَةٍ إِلَى اللهِ مِنْ أَجْلِهِ» (أعمال 12: 5).
صلاة:
يا ربُّ علِّمني أن أصلّـي، فألقي همومي عليك، ولا أقلق أنا ولا أنزعج، لأنّي جعلتك أمامي في كل حين.
سؤال:
18 - كيف أراد هيرودس أن يُرضي اليهود؟
6 وَلَمَّا كَانَ هِيرُودُسُ مُزْمِعاً أَنْ يُقَدِّمَهُ كَانَ بُطْرُسُ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ نَائِماً بَيْنَ عَسْكَرِيَّيْنِ مَرْبُوطاً بِسِلْسِلَتَيْنِ، وَكَانَ قُدَّامَ الْبَابِ حُرَّاسٌ يَحْرُسُونَ السِّجْنَ. 7 وَإِذَا مَلاَكُ الرَّبِّ أَقْبَلَ وَنُورٌ أَضَاءَ فِي الْبَيْتِ، فَضَرَبَ جَنْبَ بُطْرُسَ وَأَيْقَظَهُ قَائِلاً: «قُمْ عَاجِلاً». فَسَقَطَتِ السِّلْسِلَتَانِ مِنْ يَدَيْهِ. 8 وَقَالَ لَهُ الْمَلاَكُ: «تَمَنْطَقْ وَالْبَسْ نَعْلَيْكَ». فَفَعَلَ هَكَذَا. فَقَالَ لَهُ: «الْبَسْ رِدَاءَكَ وَاتْبَعْنِي». 9 فَخَرَجَ يَتْبَعُهُ - وَكَانَ لاَ يَعْلَمُ أَنَّ الَّذِي جَرَى بِوَاسِطَةِ الْمَلاَكِ هُوَ حَقِيقِيٌّ، بَلْ يَظُنُّ أَنَّهُ يَنْظُرُ رُؤْيَا. 10 فَجَازَا الْمَحْرَسَ الأَوَّلَ وَالثَّانِيَ، وَأَتَيَا إِلَى بَابِ الْحَدِيدِ الَّذِي يُؤَدِّي إِلَى الْمَدِينَةِ فَانْفَتَحَ لَهُمَا مِنْ ذَاتِهِ، فَخَرَجَا وَتَقَدَّمَا زُقَاقاً وَاحِداً وَلِلْوَقْتِ فَارَقَهُ الْمَلاَكُ.
11 فَقَالَ بُطْرُسُ وَهُوَ قَدْ رَجَعَ إِلَى نَفْسِهِ: «الآنَ عَلِمْتُ يَقِيناً أَنَّ الرَّبَّ أَرْسَلَ مَلاَكَهُ وَأَنْقَذَنِي مِنْ يَدِ هِيرُودُسَ وَمِنْ كُلِّ انْتِظَارِ شَعْبِ الْيَهُودِ». 12 ثُمَّ جَاءَ وَهُوَ مُنْتَبِهٌ إِلَى بَيْتِ مَرْيَمَ أُمِّ يُوحَنَّا الْمُلَقَّبِ مَرْقُسَ، حَيْثُ كَانَ كَثِيرُونَ مُجْتَمِعِينَ وَهُمْ يُصَلُّونَ. 13 فَلَمَّا قَرَعَ بُطْرُسُ بَابَ الدِّهْلِيزِ جَاءَتْ جَارِيَةٌ اسْمُهَا رَوْدَا لِتَسْمَعَ. 14 فَلَمَّا عَرَفَتْ صَوْتَ بُطْرُسَ لَمْ تَفْتَحِ الْبَابَ مِنَ الْفَرَحِ، بَلْ رَكَضَتْ إِلَى دَاخِلٍ وَأَخْبَرَتْ أَنَّ بُطْرُسَ وَاقِفٌ قُدَّامَ الْبَابِ. 15 فَقَالُوا لَهَا: «أَنْتِ تَهْذِينَ!». وَأَمَّا هِيَ فَكَانَتْ تُؤَكِّدُ أَنَّ هَكَذَا هُوَ. فَقَالُوا: «إِنَّهُ مَلاَكُهُ!». 16 وَأَمَّا بُطْرُسُ فَلَبِثَ يَقْرَعُ. فَلَمَّا فَتَحُوا وَرَأَوْهُ انْدَهَشُوا. 17 فَأَشَارَ إِلَيْهِمْ بِيَدِهِ لِيَسْكُتُوا وَحَدَّثَهُمْ كَيْفَ أَخْرَجَهُ الرَّبُّ مِنَ السِّجْنِ. وَقَالَ: «أَخْبِرُوا يَعْقُوبَ وَالإِخْوَةَ بِهَذَا». ثُمَّ خَرَجَ وَذَهَبَ إِلَى مَوْضِعٍ آخَرَ (أعمال 12: 6-17).
أراد هيرودس أن يقتل بطرس، وحدَّد يوم قتله بعد انتهاء عيد الفصح. وفي ليلة اليوم المعيّن كان بطرس مربوطاً بسلسلتين بين العسكريين الموجودين معه داخل السجن، وقلبه ممتلئ بسلام الله فلم يضطرب، بل سلّم أمره للمسيح ونام نوماً عميقاً.
ونحو الفجر جاء ملاك الرب إلى داخل السجن، وربما ظهر في هيئة بشرية. وأشرق النور في المكان، واقترب الملاك من بطرس وضربه ضرباً خفيفاً في جنبه ليوقظه، ثم كلّمه بصوت مسموع وطلب منه أن يقوم. وفي الحال سقطت السلسلتان من يديه. وأراد الملاك أن يؤكد لبطرس أن ما حدث معه حقيقة وليس حلماً أو رؤيا فقال له: «تَمَنْطَقْ وَالْبَسْ نَعْلَيْكَ». وأخرجه معه من السجن الداخلي إلى باب السجن الحديدي، فانفتح لهما الباب من ذاته.. وسارا معاً في شارع ضيق حتى وصلا إلى مفترق طرق، وعندئذٍ فارقه الملاك، فعلم أنّ ما حدث معه حقيقة واقعة وليس حلماً، وتأكّد أنّ الله أنقذه من يد هيرودس ومن حقد اليهود الخطاة.
اتَّجه بطرس إلى بيت مريم أم مرقس (كاتب إنجيل مرقس) حيث اعتاد المسيحيون أن يجتمعوا. ولمّا قرع الباب سمعته رودا الخادمة وعرفت صوته، ففرحت كثيراً حتى أنّـها نسيت أن تفتح، وذهبت تخبر المجتمعين في البيت بالخبر الغريب، فلم يصدّقوها وظنوا أنّ الملاك الذي عيّنه الله لحراسة بطرس تكلّم بمثل صوت بطرس ليخبرهم بقرب موته. وظلّ بطرس واقفاً على الباب يقرع. وعندئذ فتحوا الباب واندهشوا عندما رأوه، وتعالت أصواتهم المتعجبة، فأسكتهم بطرس وأخبرهم بكل ما حدث معه، وأمرهم أن يخبروا يعقوب بن حلفى بذلك، ولعل يعقوب كان راعياً لكنيسة أورشليم، وخرج بطرس إلى مكان آخر ليأمن خطر هيرودس وجواسيسه.
آية للحفظ:
«الآنَ عَلِمْتُ يَقِيناً أَنَّ الرَّبَّ أَرْسَلَ مَلاَكَهُ وَأَنْقَذَنِي مِنْ يَدِ هِيرُودُسَ وَمِنْ كُلِّ انْتِظَارِ شَعْبِ الْيَهُودِ» (أعمال 12: 11)
صلاة:
أشكرك يا ربّ لأنّ ملاكك حالّ حول خائفيك وينجّيهم، وأشكرك لأنك توصي ملائكتك بنا لكي يحفظونا في كل طرقنا.
سؤال:
19 - كيف استطاع بطرس النوم وهو مسجون ويعلم أنّ الموت ينتظره؟
18 فَلَمَّا صَارَ النَّهَارُ حَصَلَ اضْطِرَابٌ لَيْسَ بِقَلِيلٍ بَيْنَ الْعَسْكَرِ: تُرَى مَاذَا جَرَى لِبُطْرُسَ؟ 19 وَأَمَّا هِيرُودُسُ فَلَمَّا طَلَبَهُ وَلَمْ يَجِدْهُ فَحَصَ الْحُرَّاسَ وَأَمَرَ أَنْ يَنْقَادُوا إِلَى الْقَتْلِ. ثُمَّ نَزَلَ مِنَ الْيَهُودِيَّةِ إِلَى قَيْصَرِيَّةَ وَأَقَامَ هُنَاكَ (أعمال 12: 18، 19).
طلع النهار واستيقظ الحراس ولم يجدوا بطرس، كما لم يعثروا على أثر لكيفية خروجه من السجن، فخافوا خوفاً عظيماً، وأرسل هيرودس جلاّده إلى السجن ليحضر بطرس فأخبره الحراس أنّـه غير موجود، فاستدعاهم هيرودس وسألهم، ولمّـا لم يعرفوا كيف خرج بطرس ظنّ أنّ بطرس هرب وهم نيام. وكان القانون الروماني يقضي بقتل من ينام من الحراس. كما اغتاظ لخيبة أمله في قتل بطرس ليُرضي اليهود، وربّما اعتقد أنّ الحراس سهَّلوا الطريق لهروب السجين، فأمر بقتلهم. وفي غيظه ترك أورشليم وذهب إلى قيصرية ومكث هناك.
20 وَكَانَ هِيرُودُسُ سَاخِطاً عَلَى الصُّورِيِّينَ وَالصَّيْدَاوِيِّينَ فَحَضَرُوا إِلَيْهِ بِنَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَاسْتَعْطَفُوا بَلاَسْتُسَ النَّاظِرَ عَلَى مَضْجَعِ الْمَلِكِ ثُمَّ صَارُوا يَلْتَمِسُونَ الْمُصَالَحَةَ لأَنَّ كُورَتَهُمْ تَقْتَاتُ مِنْ كُورَةِ الْمَلِكِ. 21 فَفِي يَوْمٍ مُعَيَّنٍ لَبِسَ هِيرُودُسُ الْحُلَّةَ الْمُلُوكِيَّةَ وَجَلَسَ عَلَى كُرْسِيِّ الْمُلْكِ وَجَعَلَ يُخَاطِبُهُمْ. 22 فَصَرَخَ الشَّعْبُ: «هَذَا صَوْتُ إِلَهٍ لاَ صَوْتُ إِنْسَانٍ!». 23 فَفِي الْحَالِ ضَرَبَهُ مَلاَكُ الرَّبِّ لأَنَّهُ لَمْ يُعْطِ الْمَجْدَ لِلَهِ فَصَارَ يَأْكُلُهُ الدُّودُ وَمَاتَ.
24 وَأَمَّا كَلِمَةُ اللهِ فَكَانَتْ تَنْمُو وَتَزِيدُ. 25 وَرَجَعَ بَرْنَابَا وَشَاوُلُ مِنْ أُورُشَلِيمَ بَعْدَ مَا كَمَّلاَ الْخِدْمَةَ وَأَخَذَا مَعَهُمَا يُوحَنَّا الْمُلَقَّبَ مَرْقُسَ (أعمال 12: 20-25).
ذهب هيرودس إلى قيصرية، وكان شرّيراً قاسياً يسخط على الناس وعلى كل شيء. وكان سكان صور وصيدا يتاجرون عن طريق البحر مع البلاد الأخرى، كما كان سكان قيصريّة تجاراً أيضاً. وحدثت منازعات بين تجار قيصريّة والتجار الصوريين والصيداويين. فاتفق تجار صور وصيدا أن يستعطفوا هيرودس ليساعدهم في التجارة، فذهبوا إلى بلاستس صديق الملك المقرَّب إليه وتوسلوا إليه أن يساعدهم في إجراء الصلح مع هيرودس وفي تسهيل تجارتهم، لأنّ بلادهم كانت تشتري الغلال من اليهودية التي يحكمها هيرودس. وعيَّن هيرودس يوماً لمقابلتهم، ولبس حُلة ملكية فاخرة، وجلس على كرسيّ العرش وابتدأ يخاطب الشعب بكل كبرياء. وكان أهل صور وصيدا من الوثنيين ففرحوا بعفوه عنهم، وقالوا إنه إلهٌ وليس إنساناً، فتكبَّر هيرودس وفرح ولم يعطِ المجد لله بل ظن نفسه إلهاً. وفي الحال أرسل الرب ملاكه، فأصاب هيرودس بمرض مكروه وخطير، فصار الدود يأكله وهو حيّ حتى مات.
في بداية أصحاحنا (أعمال 12) تلمس ظلم هيرودس وقوّته، وفي نهايته ترى قوّة الله الساهرة لإنقاذ كنيسته. لقد أراد هيرودس أن يلاشي الكنيسة التي نشأت بكلمة الله، لكن رب الكنيسة أقوى من هيرودس ومن أية قوّة أخرى تقف ضد الكنيسة. فمات هيرودس، وانتشرت كلمة الله، ونمَت الكنيسة وزاد أعضاؤها. فهل تثق في قوّة رب الكنيسة؟
كانت كنيسة أنطاكية قد أرسلت برنابا وشاول إلى كنيسة أورشليم،وأرسلت معهما مساعدة مالية. وعندما أكمل برنابا وشاول الخدمة في كنيسة أورشليم رجعا إلى كنيسة أنطاكية، وأخذا معهما يوحنا الملقَّب مرقس، كاتب إنجيل مرقس وابن أخت برنابا.
آية للحفظ:
«وَأَمَّا كَلِمَةُ اللهِ فَكَانَتْ تَنْمُو وَتَزِيدُ» (أعمال 12: 24)
صلاة:
يا ربُّ، ساعدني واستخدمني لأكون عاملاً على نموّ الكلمة المقدسة في قلبي وقلوب المحيطين بي.
سؤال:
20 - ما هو الفرق بين بداية الأصحاح الثاني عشر من سفر أعمال الرسل ونهايته؟
مسابقة الجزء الثاني
من سفر أعمال الرسل
أيّـها القارئ العزيز
إن تعمّقت في دراسة هذا الكتاب تقدر أن تجاوب هذه الأسئلة بسهولة. وتقديراً لاشتراكك نرسل لك أحد كتبنا كجائزة. لا تنسَ أن تكتب اسمك وعنوانك كاملين عند إرسال إجابتك إلينا.
1- لماذا كان فرحٌ عظيم في تلك المدينة؟
2- لماذا قبل سيمون المعمودية؟
3- لماذا أرسلت الكنيسة في أورشليم بطرس ويوحنا إلى السامرة؟
4- ما معنى ما جاء في نبوة إشعياء 53: 7، 8؟
5 - لماذا ظهر المسيح بنفسه لشاول وكلّمه في رؤيا؟
6- لماذا تردّد حنانيّا في إطاعة الأمر الإلهي بالذهاب إلى شاول؟
7- لماذا اندهش اليهود من وعظ شاول؟
8- لماذا فكر اليهود أن يقتلوا شاول في دمشق؟
9- ما هي الخدمة التي قدّمها برنابا لشاول وللرسل بخصوص شاول؟
10- ما معنى أنّ الرسول بطرس نزل إلى «القديسين» في لُدّة؟
11- ما معنى اسم طابيثا؟
12- لماذا لم تكفِ صلوات وصدقات كرنيليوس لحصوله على الخلاص؟
13- لماذا كرّر الرب أمره لبطرس ثلاث مرات؟
14- لماذا لا يجب أن يرفض المؤمن أحداً من الناس؟
15- كيف تبرهن ضرورة المعمودية؟
16- لماذا دُعي برنابا «ابن الوعظ»؟
17- ماذا كانت نبوّة أغابوس، وماذا كان تأثيرها؟
18- كيف أراد هيرودس أن يُرضي اليهود؟
19- كيف استطاع بطرس النوم وهو مسجون ويعلم أن الموت بانتظاره؟
20- ما هو الفرق بين بداية الأصحاح الثاني عشر من سفر أعمال الرسل ونهايته؟
عنواننا:
الجزء الثالث
شهادة الكنيسة إلى أقصى الأرض
« وَتَكُونُونَ لِي شُهُوداً.. إِلَى أَقْصَى الأَرْضِ»
(أعمال 1: 8)
الفصل الثامن
الرحلة التبشيرية الأولى
أعمال 13 و14
رأينا في الجزئين الأول والثاني من سفر الأعمال كيف عمل المسيح بواسطة الروح القدس في الكنيسة فنَمَت وانتشرت في أورشليم واليهودية والسامرة، بحسب وعد المسيح لتلاميذه قبل صعوده، أنّه سيمنحهم قوّة الروح القدس، فيكونون له شهوداً في أورشليم وفي كل اليهودية والسامرة، وإلى أقصى الأرض. وقد تحقّق وعد المسيح، فتأسّست الكنيسة (كما رأينا) في أورشليم واليهودية والسامرة.
بقي على الرّسُل أن يتمّموا وصيّة المسيح بأن يشهدوا له في أقصى حدود الإمبراطورية الرومانية، فتكمل طاعتهم لوصيّته: «وَتَكُونُونَ لِي شُهُوداً... إِلَى أَقْصَى الأَرْضِ».
1 وَكَانَ فِي أَنْطَاكِيَةَ فِي الْكَنِيسَةِ هُنَاكَ أَنْبِيَاءُ وَمُعَلِّمُونَ: بَرْنَابَا وَسِمْعَانُ الَّذِي يُدْعَى نِيجَرَ، وَلُوكِيُوسُ الْقَيْرَوَانِي، وَمَنَايِنُ الَّذِي تَرَبَّى مَعَ هِيرُودُسَ رَئِيسِ الرُّبْعِ، وَشَاوُلُ. 2 وَبَيْنَمَا هُمْ يَخْدِمُونَ الرَّبَّ وَيَصُومُونَ قَالَ الرُّوحُ الْقُدُسُ: «أَفْرِزُوا لِي بَرْنَابَا وَشَاوُلَ لِلْعَمَلِ الَّذِي دَعَوْتُهُمَا إِلَيْهِ». 3 فَصَامُوا حِينَئِذٍ وَصَلُّوا وَوَضَعُوا عَلَيْهِمَا الأَيَادِيَ ثُمَّ أَطْلَقُوهُمَا (أعمال 13: 1-3).
رأينا في سفر الأعمال 1-12 أعمال الرّوح القدس بواسطة الرسول بطرس، ونموّ الكنيسة من أنطاكية باعتبارها مركز البشارة في سوريا وآسيا الصغرى حتّى روما، وكان معظم هذا النموّ بين الأمم. وقد كانت كنيسة أنطاكية قويّة في شهادتها للمسيح، فاتسعت دائرة التّبشير بالإنجيل. وأنطاكية هي المدينة الأولى التي دُعي فيها التلاميذ «مسيحيّين» (أعمال 11: 26).
ولعل برنابا كان راعياً لتلك الكنيسة، كما كان فيها بعض الأنبياء الذين يُكلّمون الناس «بِبُنْيَانٍ وَوَعْظٍ وَتَسْلِيَةٍ» (1كورنثوس 14: 3) كما أنهم يتنبّأون عن مستقبل الكنيسة. وكان بها أيضاً بعض المعلّمين الذين يفسِّرون كلمة الله، أمثال برنابا وسمعان الذي دُعي نيجر (لأنه كان أسود اللون)، ولوكيوس القيراوني، ومناين الذي أرضعت أمُّه هيرودسَ معه عندما كان طفلاً - وهيرودس هذا هو الذي قتل يوحنا المعمدان.. وقد حُسب شاول من الأنبياء والمعلّمين بعد أن عيَّنه الله رسولاً.
اجتمع أعضاء كنيسة أنطاكية للصلاة والتَّعليم والعبادة الجمهورية حسب عادتهم، وصاموا تضرُّعاً إلى الله لينتشر الإنجيل في العالم، وليطلبوا إرشاده في ذلك، فأعلن لهم الروح القدس: «أَفْرِزُوا لِي بَرْنَابَا وَشَاوُلَ» للتّبشير في أماكن أخرى غير أنطاكية. واستمرَّ أعضاء كنيسة أنطاكية في صلاتهم يشكرون الله على إرشاده، ثم وضعوا الأيادي على برنابا وشاول، علامة فرزهما للخدمة، ثم أطلقوهما للقيام بخدمتهما في أماكن جديدة.
آية للحفظ:
«أَفْرِزُوا لِي بَرْنَابَا وَشَاوُلَ لِلْعَمَلِ الَّذِي دَعَوْتُهُمَا إِلَيْهِ» (أعمال 13: 2)
صلاة:
يا أبي السماوي، أشكرك لأنك قد رسمت خطة لحياتي وعملاً خاصاً لأقوم به. أرشدني للعمل، وأيِّدني بالقوّة لأكون مطيعاً لصوتك.
سؤال:
1 - ما هو العمل الذي دعا الله برنابا وشاول ليقوما به؟
4 فَهَذَانِ إِذْ أُرْسِلاَ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ انْحَدَرَا إِلَى سَلُوكِيَةَ، وَمِنْ هُنَاكَ سَافَرَا فِي الْبَحْرِ إِلَى قُبْرُسَ. 5 وَلَمَّا صَارَا فِي سَلاَمِيسَ نَادَيَا بِكَلِمَةِ اللهِ فِي مَجَامِعِ الْيَهُودِ. وَكَانَ مَعَهُمَا يُوحَنَّا خَادِماً. 6 وَلَمَّا اجْتَازَا الْجَزِيرَةَ إِلَى بَافُوسَ وَجَدَا رَجُلاً سَاحِراً نَبِيّاً كَذَّاباً يَهُودِيّاً اسْمُهُ «بَارْيَشُوعُ» 7 كَانَ مَعَ الْوَالِي سَرْجِيُوسَ بُولُسَ، وَهُوَ رَجُلٌ فَهِيمٌ. فَهَذَا دَعَا بَرْنَابَا وَشَاوُلَ وَالْتَمَسَ أَنْ يَسْمَعَ كَلِمَةَ اللهِ. 8 فَقَاوَمَهُمَا «عَلِيمٌ السَّاحِرُ» لأَنْ هَكَذَا يُتَرْجَمُ اسْمُهُ، طَالِباً أَنْ يُفْسِدَ الْوَالِيَ عَنِ الإِيمَانِ.
9 وَأَمَّا شَاوُلُ (الَّذِي هُوَ بُولُسُ أَيْضاً) فَامْتَلأَ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ وَشَخَصَ إِلَيْهِ 10 وَقَالَ: «أَيُّهَا الْمُمْتَلِئُ كُلَّ غِشٍّ وَكُلَّ خُبْثٍ! يَا ابْنَ إِبْلِيسَ! يَا عَدُوَّ كُلِّ بِرٍّ! أَلاَ تَزَالُ تُفْسِدُ سُبُلَ اللهِ الْمُسْتَقِيمَةَ؟ 11 فَالآنَ هُوَذَا يَدُ الرَّبِّ عَلَيْكَ فَتَكُونُ أَعْمَى لاَ تُبْصِرُ الشَّمْسَ إِلَى حِينٍ». فَفِي الْحَالِ سَقَطَ عَلَيْهِ ضَبَابٌ وَظُلْمَةٌ، فَجَعَلَ يَدُورُ مُلْتَمِساً مَنْ يَقُودُهُ بِيَدِهِ. 12 فَالْوَالِي حِينَئِذٍ لَمَّا رَأَى مَا جَرَى آمَنَ مُنْدَهِشاً مِنْ تَعْلِيمِ الرَّبِّ (أعمال 13: 4-12).
حالما أفرزت كنيسة أنطاكية برنابا وشاول حسب أوامر الرّوح القدس وأرسلتهما للتّبشير، سافرا من أنطاكية إلى ميناء سلوكية على شاطئ البحر الأبيض المتوسط. وسلوكية مدينة قديمة اسمها اليوم «السويدية» وكانت ميناءً لأنطاكية، تبعد عنها بنحو ستة عشر ميلاً إلى الغرب. ومن سلوكية سافرا بحراً إلى جزيرة قبرس التي وُلد فيها برنابا، ولعلّه أراد تبشير أهله أولاً.
وفي قبرس ذهب برنابا وشاول أولاً إلى مدينة سلاميس (واسمها الآن «فماغوستا»). وكان فيها مجامع لليهود، فذهبا لتبشير اليهود أولاً طاعةً لأمر المسيح بأن يُبشَّر اليهود أولاً، لأن عندهم الشريعة والتوراة وكتب الأنبياء التي تنبّأت بمجيء المسيح، فتكون قلوبهم أكثر استعداداً لقبول الرسالة.
وصحب يوحنا مرقس برنابا وشاول في هذه الرحلة التّبشيريّة الأولى ليخدمهما. ومرقس هذا هو ابن أخت برنابا، والذي صار بعد ذلك الكارز بالإنجيل في مصر، وكتب الإنجيل الذي يحمل اسمه.
بشَّر برنابا وشاول في سلاميس وبعض القرى الصغيرة في قبرس، ثم ذهبا إلى مدينة بافوس في قبرس أيضاً، حيث يوجد هيكل الزهرة الذي مارس فيه الوثنيون عبادتهم. وكان في بافوس ساحر يهودي كذاب اسمه اليهودي «بار يشوع» واسمه اليوناني «عليم» لأنه كان يدَّعي أنه يعرف أمور السّحر، مع أنّ الشريعة اليهودية حرّمته (تثنية 18: 9-12). وكان «بار يشوع» هذا صديقاً لسرجيوس بولس، والي بافوس، وهو رجل فهيم. فلمّا سمع الوالي عن الرسولين برنابا وشاول دعاهما إليه ليسمع منهما كلمة الله.
وعندما عرف «بار يشوع» بذلك خاف على مركزه عند الوالي، وقاوم الرسولين بالجدال والاستهزاء حتى لا يؤمن الوالي بكلامهما عن المسيح.
لكن الرّوح القدس الذي أرسل برنابا وشاول للتَّبشير، كان لا بدَّ أن يُجري عمله على أيديهما، لذلك حلَّ على شاول (الذي هو بولس) بقوّة خاصة ليكشف خداع الساحر «بار يشوع» الذي ادَّعى أنَّه عليم بالأمور، فقال له: «أَيُّهَا الْمُمْتَلِئُ كُلَّ غِشٍّ وَكُلَّ خُبْثٍ! يَا ابْنَ إِبْلِيسَ! يَا عَدُوَّ كُلِّ بِرٍّ! أَلاَ تَزَالُ تُفْسِدُ سُبُلَ اللهِ الْمُسْتَقِيمَةَ؟».
كان عليم السّاحر ابناً للشيطان فامتلأ قلبه وعقله بالخداع والمكر، وحاول أن يقاوم طرق الخلاص التي هي سبُل الله المستقيمة، فكان يقول عن الشّر خيراً وعن الخير شرّاً، وجعل الظلام نوراً والنور ظلاماً. ولما كان عليم الساحر يقاوم عمل الله، طلب بولس أن تمتدّ يد الله القادرة لتصيبه بالعمى المؤقّت حتى يتحوّل عن شرّ قلبه. وفي الحال ضعف بصره ثم صار أعمى، وطلب أن يقودوه حتى لا يتخبّط في سيره.
رأى الوالي سرجيوس قوة الله بواسطة بولس فاندهش، ولمس الرّب قلبه عن طريق هذه المعجزة فآمن بالمسيح.
إنّ الله لا يُسرُّ بموت الخاطئ، وهو يحب أنّ جميع الناس يتوبون عن خطاياهم. لكن إذا قسَّى الإنسان قلبه ولم يسمع كلمة الرب فإنه يجلب العقاب على نفسه، كما حدث مع عليم الساحر.
ويلاحظ قارئ سفر الأعمال أنّ اسم شاول قد تغيَّر في بافوس إلى «بولس». ولهذا سببان: أولهما أنّ العادة جرت أن يحمل اليهودي اسمين، أحدهما عبرانيّ والآخر يونانيّ، فكان اسم شاول اليونانيّ «بولس»، واسمه العبرانيّ «شاول». ولمّا كان الله قد اختار شاول رسولاً للأمم، صار اسمه «بولس» وهو الأكثر استخداماً.
أمّا السبب الثاني فهو أنّ اسم «بولس» أُطلق عليه تذكاراً لربح الوالي سرجيوس بولس للإيمان بالمسيح، وقد جرت العادة أن يُكرَم القائد الروماني بأن يلقِّبوه باسم المعركة الأولى التي انتصر فيها.
فهل آمنت أنت بقوة المسيح الفادي والمخلِّص؟
آية للحفظ:
«فَالْوَالِي حِينَئِذٍ لَمَّا رَأَى مَا جَرَى آمَنَ مُنْدَهِشاً مِنْ تَعْلِيمِ الرَّبِّ» (أعمال 13: 12)
صلاة:
ساعدني يا رب لأنير عيناً مظلمة لتبصر الحق، وأذناً صمّاء لتسمع الحق.
سؤال:
2 - اذكر سبباً لتغيير اسم شاول إلى بولس.
13 ثُمَّ أَقْلَعَ بُولُسُ وَمَنْ مَعَهُ مِنْ بَافُوسَ وَأَتَوْا إِلَى بَرْجَةَ بَمْفِيلِيَّةَ. وَأَمَّا يُوحَنَّا فَفَارَقَهُمْ وَرَجَعَ إِلَى أُورُشَلِيمَ. 14 وَأَمَّا هُمْ فَجَازُوا مِنْ بَرْجَةَ وَأَتَوْا إِلَى أَنْطَاكِيَةَ بِيسِيدِيَّةَ، وَدَخَلُوا الْمَجْمَعَ يَوْمَ السَّبْتِ وَجَلَسُوا. 15 وَبَعْدَ قِرَاءةِ النَّامُوسِ وَالأَنْبِيَاءِ أَرْسَلَ إِلَيْهِمْ رُؤَسَاءُ الْمَجْمَعِ قَائِلِينَ: «أَيُّهَا الرِّجَالُ الإِخْوَةُ، إِنْ كَانَتْ عِنْدَكُمْ كَلِمَةُ وَعْظٍ لِلشَّعْبِ فَقُولُوا». 16 فَقَامَ بُولُسُ وَأَشَارَ بِيَدِهِ وَقَالَ: «أَيُّهَا الرِّجَالُ الإِسْرَائِيلِيُّونَ وَالَّذِينَ يَتَّقُونَ اللهَ اسْمَعُوا. 17 إِلَهُ شَعْبِ إِسْرَائِيلَ هَذَا اخْتَارَ آبَاءَنَا وَرَفَعَ الشَّعْبَ فِي الْغُرْبَةِ فِي أَرْضِ مِصْرَ وَبِذِرَاعٍ مُرْتَفِعَةٍ أَخْرَجَهُمْ مِنْهَا. 18 وَنَحْوَ مُدَّةِ أَرْبَعِينَ سَنَةً احْتَمَلَ عَوَائِدَهُمْ فِي الْبَرِّيَّةِ. 19 ثُمَّ أَهْلَكَ سَبْعَ أُمَمٍ فِي أَرْضِ كَنْعَانَ وَقَسَمَ لَهُمْ أَرْضَهُمْ بِالْقُرْعَةِ. 20 وَبَعْدَ ذَلِكَ فِي نَحْوِ أَرْبَعِمِئَةٍ وَخَمْسِينَ سَنَةً أَعْطَاهُمْ قُضَاةً حَتَّى صَمُوئِيلَ النَّبِيِّ. 21 وَمِنْ ثَمَّ طَلَبُوا مَلِكاً فَأَعْطَاهُمُ اللهُ شَاوُلَ بْنَ قَيْسٍ رَجُلاً مِنْ سِبْطِ بِنْيَامِينَ أَرْبَعِينَ سَنَةً. 22 ثُمَّ عَزَلَهُ وَأَقَامَ لَهُمْ دَاوُدَ مَلِكاً الَّذِي شَهِدَ لَهُ أَيْضاً إِذْ قَالَ: وَجَدْتُ دَاوُدَ بْنَ يَسَّى رَجُلاً حَسَبَ قَلْبِي الَّذِي سَيَصْنَعُ كُلَّ مَشِيئَتِي. 23 مِنْ نَسْلِ هَذَا حَسَبَ الْوَعْدِ أَقَامَ اللهُ لإِسْرَائِيلَ مُخَلِّصاً، يَسُوعَ. 24 إِذْ سَبَقَ يُوحَنَّا فَكَرَزَ قَبْلَ مَجِيئِهِ بِمَعْمُودِيَّةِ التَّوْبَةِ لِجَمِيعِ شَعْبِ إِسْرَائِيلَ. 25 وَلَمَّا صَارَ يُوحَنَّا يُكَمِّلُ سَعْيَهُ جَعَلَ يَقُولُ: «مَنْ تَظُنُّونَ أَنِّي أَنَا؟ لَسْتُ أَنَا إِيَّاهُ، لَكِنْ هُوَذَا يَأْتِي بَعْدِي الَّذِي لَسْتُ مُسْتَحِقّاً أَنْ أَحُلَّ حِذَاءَ قَدَمَيْهِ».
26 «أَيُّهَا الرِّجَالُ الإِخْوَةُ بَنِي جِنْسِ إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ بَيْنَكُمْ يَتَّقُونَ اللهَ، إِلَيْكُمْ أُرْسِلَتْ كَلِمَةُ هَذَا الْخَلاَصِ. 27 لأَنَّ السَّاكِنِينَ فِي أُورُشَلِيمَ وَرُؤَسَاءهُمْ لَمْ يَعْرِفُوا هَذَا. وَأَقْوَالُ الأَنْبِيَاءِ الَّتِي تُقْرَأُ كُلَّ سَبْتٍ تَمَّمُوهَا إِذْ حَكَمُوا عَلَيْهِ. 28 وَمَعْ أَنَّهُمْ لَمْ يَجِدُوا عِلَّةً وَاحِدَةً لِلْمَوْتِ طَلَبُوا مِنْ بِيلاَطُسَ أَنْ يُقْتَلَ. 29 وَلَمَّا تَمَّمُوا كُلَّ مَا كُتِبَ عَنْهُ أَنْزَلُوهُ عَنِ الْخَشَبَةِ وَوَضَعُوهُ فِي قَبْرٍ. 30 وَلَكِنَّ اللهَ أَقَامَهُ مِنَ الأَمْوَاتِ. 31 وَظَهَرَ أَيَّاماً كَثِيرَةً لِلَّذِينَ صَعِدُوا مَعَهُ مِنَ الْجَلِيلِ إِلَى أُورُشَلِيمَ، الَّذِينَ هُمْ شُهُودُهُ عِنْدَ الشَّعْبِ. 32 وَنَحْنُ نُبَشِّرُكُمْ بِالْمَوْعِدِ الَّذِي صَارَ لآبَائِنَا 33 إِنَّ اللهَ قَدْ أَكْمَلَ هَذَا لَنَا نَحْنُ أَوْلاَدَهُمْ إِذْ أَقَامَ يَسُوعَ كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ أَيْضاً فِي الْمَزْمُورِ الثَّانِي: أَنْتَ ابْنِي أَنَا الْيَوْمَ وَلَدْتُكَ. 34 إِنَّهُ أَقَامَهُ مِنَ الأَمْوَاتِ غَيْرَ عَتِيدٍ أَنْ يَعُودَ أَيْضاً إِلَى فَسَادٍ فَهَكَذَا قَالَ: إِنِّي سَأُعْطِيكُمْ مَرَاحِمَ دَاوُدَ الصَّادِقَةَ. 35 وَلِذَلِكَ قَالَ أَيْضاً فِي مَزْمُورٍ آخَرَ: لَنْ تَدَعَ قُدُّوسَكَ يَرَى فَسَاداً. 36 لأَنَّ دَاوُدَ بَعْدَ مَا خَدَمَ جِيلَهُ بِمَشُورَةِ اللهِ رَقَدَ وَانْضَمَّ إِلَى آبَائِهِ وَرَأَى فَسَاداً. 37 وَأَمَّا الَّذِي أَقَامَهُ اللهُ فَلَمْ يَرَ فَسَاداً. 38 فَلْيَكُنْ مَعْلُوماً عِنْدَكُمْ أَيُّهَا الرِّجَالُ الإِخْوَةُ أَنَّهُ بِهَذَا يُنَادَى لَكُمْ بِغُفْرَانِ الْخَطَايَا، 39 وَبِهَذَا يَتَبَرَّرُ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ مِنْ كُلِّ مَا لَمْ تَقْدِرُوا أَنْ تَتَبَرَّرُوا مِنْهُ بِنَامُوسِ مُوسَى. 40 فَانْظُرُوا لِئَلاَّ يَأْتِيَ عَلَيْكُمْ مَا قِيلَ فِي الأَنْبِيَاءِ: 41 اُنْظُرُوا أَيُّهَا الْمُتَهَاوِنُونَ وَتَعَجَّبُوا وَاهْلِكُوا، لأَنَّنِي عَمَلاً أَعْمَلُ فِي أَيَّامِكُمْ عَمَلاً لاَ تُصَدِّقُونَ إِنْ أَخْبَرَكُمْ أَحَدٌ بِهِ» (أعمال 13: 13-41).
ترك بولس وبرنابا ويوحنا مرقس ومن معهم بافوس في جزيرة قبرس، وسافروا بالبحر إلى الشّرق إلى «برجة» بولاية بمفيليّة. وبمفيليّة ولاية صغيرة في آسيا الصغرى كان فيها هيكل الإلهة الوثنية أرطاميس (إلهة القمر - الإلهة الأم عند اليونانيين، واسمها عند الرومان ديانا). وكانت خدمة التّبشير في «برجة» أصعب مما توقَّع يوحنا مرقس، مع أنَّ عدد الذين آمنوا بالمسيح فيها لم يكن قليلاً، ورأى خطورة الخدمة وصعوبتها، كما أنّه اشتاق إلى أهله في أورشليم، فترك بولس وبرنابا ورجع إلى أورشليم.
وبعد رجوع مرقس إلى أورشليم تابع الرسولان بولس وبرنابا سفرهما إلى مدينة «أنطاكية» بولاية بيسيديّة (وهي غير أنطاكية الواقعة في ولاية سلوكية، والتي بدأت منها الرحلة التبشيرية الأولى). وتبعد أنطاكية بيسيديّة عن «برجة» مسافة طويلة، والطريق إليها طريق صعب، ومع هذا سافر الرسولان إليها.
كان في أنطاكية بيسديّة مجمع لليهود، فذهب الرسولان إليه وجلسا في مكان المعلّمين. وقد اعتاد اليهود في مجامعهم أن يقرأوا من الناموس الذي هو أسفار موسى، ثمّ من أسفار الأنبياء. ولمّا رأى رؤساء المجمع بولس وبرنابا في مكان المعلمين وعرفوا أنهما ضيفان، طلبوا منهما أن يعظا الشعب، فقام بولس ليعظ. ومع أنّ برنابا كان واعظاً مشهوراً، إلا أنّه أعطى الكلمة لبولس عملاً بالمبدأ « مُقَدِّمِينَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً فِي الْكَرَامَةِ» (رومية 12: 10). وفي أنطاكية بيسيدية ألقى بولس أول عظة سجّلها له سفر الأعمال.
بدأ بولس عظته بتذكير اليهود بتاريخهم القديم من وقت اختيار الله لإبراهيم حتى وقت داود النبي، ثمّ قال إنّ الله أقام يسوع المسيح المخلّص من نسل داود، مولوداً من مريم العذراء، وشهد له يوحنا المعمدان الذي كان نبيـّاً في نظر اليهود، وهيـّأ الطريق للإيمان به، واعترف أنّه ليس مستحقاً أن يحلَّ سيور حذائه كعبدٍ له. فكم يكون سموّ يسوع وعظمته!
ثمّ حدَّث بولس سامعيه في المجمع عن كلمة الخلاص التي أرسلها الله إليهم في المسيح، وكيف صُلب المسيح إتماماً لنبوّات العهد القديم، بحسب الوعد الذي أعطاه الله للآباء إبراهيم وإسحاق ويعقوب، فقد أرسل الله «كلمته» إلى العالم متجسّداً، تحقيقاً لنبوَّة داود في سفر المزامير، ونبوّة إشعياء في سفره، وأظهر أنّ تلك النبوّات تمَّت في يسوع الذي مات وقام وغفر خطايا كلّ من يتوب مؤمناً بكفّارته وصليبه، وأوضح أنّ الناموس عاجز عن تبرير الخاطئ، أمّا يسوع فقد حمل في صليبه خطايا العالم، فصار برُّه كافياً ليستر كلّ آثام من يؤمن بفدائه.
واستخدم الرّوح القدس ما تعلّمه بولس قديماً من الشّريعة اليهودية بطريقة فعّالة، ففسّر كلّ شيء بإخلاص حسب كلمة الإنجيل غير خائف من أحد، بل مؤمناً بقوّة كلمة الله.
آية للحفظ:
«وَجَدْتُ دَاوُدَ بْنَ يَسَّى رَجُلاً حَسَبَ قَلْبِي الَّذِي سَيَصْنَعُ كُلَّ مَشِيئَتِي» (أعمال 13: 22)
صلاة:
أشكرك يا ربّ لأجل داود النبيّ صاحب المزامير. أشكرك لأجل مزاميره ونبوّاته، كما أشكرك لأنّك تعلّمني من مثاله أن أكون حسب قلبك، أفعل كلّ مشيئتك.
سؤال:
3 - لماذا رجع يوحنا مرقس إلى أورشليم؟
42 وَبَعْدَمَا خَرَجَ الْيَهُودُ مِنَ الْمَجْمَعِ جَعَلَ الأُمَمُ يَطْلُبُونَ إِلَيْهِمَا أَنْ يُكَلِّمَاهُمْ بِهَذَا الْكَلاَمِ فِي السَّبْتِ الْقَادِمِ. 43 وَلَمَّا انْفَضَّتِ الْجَمَاعَةُ تَبِعَ كَثِيرُونَ مِنَ الْيَهُودِ وَالدُّخَلاَءِ الْمُتَعَبِّدِينَ بُولُسَ وَبَرْنَابَا اللَّذَيْنِ كَانَا يُكَلِّمَانِهِمْ وَيُقْنِعَانِهِمْ أَنْ يَثْبُتُوا فِي نِعْمَةِ اللهِ. 44 وَفِي السَّبْتِ التَّالِي اجْتَمَعَتْ كُلُّ الْمَدِينَةِ تَقْرِيباً لِتَسْمَعَ كَلِمَةَ اللهِ. 45 فَلَمَّا رَأَى الْيَهُودُ الْجُمُوعَ امْتَلأُوا غَيْرَةً وَجَعَلُوا يُقَاوِمُونَ مَا قَالَهُ بُولُسُ مُنَاقِضِينَ وَمُجَدِّفِينَ. 46 فَجَاهَرَ بُولُسُ وَبَرْنَابَا وَقَالاَ: «كَانَ يَجِبُ أَنْ تُكَلَّمُوا أَنْتُمْ أَوَّلاً بِكَلِمَةِ اللهِ، وَلَكِنْ إِذْ دَفَعْتُمُوهَا عَنْكُمْ وَحَكَمْتُمْ أَنَّكُمْ غَيْرُ مُسْتَحِقِّينَ لِلْحَيَاةِ الأَبَدِيَّةِ هُوَذَا نَتَوَجَّهُ إِلَى الأُمَمِ. 47 لأَنْ هَكَذَا أَوْصَانَا الرَّبُّ: قَدْ أَقَمْتُكَ نُوراً للأُمَمِ لِتَكُونَ أَنْتَ خَلاَصاً إِلَى أَقْصَى الأَرْضِ». 48 فَلَمَّا سَمِعَ الأُمَمُ ذَلِكَ كَانُوا يَفْرَحُونَ وَيُمَجِّدُونَ كَلِمَةَ الرَّبِّ، وَآمَنَ جَمِيعُ الَّذِينَ كَانُوا مُعَيَّنِينَ لِلْحَيَاةِ الأَبَدِيَّةِ، 49 وَانْتَشَرَتْ كَلِمَةُ الرَّبِّ فِي كُلِّ الْكُورَةِ. 50 وَلَكِنَّ الْيَهُودَ حَرَّكُوا النِّسَاءَ الْمُتَعَبِّدَاتِ الشَّرِيفَاتِ وَوُجُوهَ الْمَدِينَةِ وَأَثَارُوا اضْطِهَاداً عَلَى بُولُسَ وَبَرْنَابَا وَأَخْرَجُوهُمَا مِنْ تُخُومِهِمْ. 51 أَمَّا هُمَا فَنَفَضَا غُبَارَ أَرْجُلِهِمَا عَلَيْهِمْ وَأَتَيَا إِلَى إِيقُونِيَةَ. 52 وَأَمَّا التَّلاَمِيذُ فَكَانُوا يَمْتَلِئُونَ مِنَ الْفَرَحِ وَالرُّوحِ الْقُدُسِ (أعمال 13: 42-52).
كان اليهود الذين اجتمعوا في المجمع يوم السبت يعرفون تاريخهم جيداً، ويعرفون أنّ الله اختارهم وأعطاهم الشريعة والنبوّات، لكنّهم لم يسمعوا إنساناً قبل بولس الرسول يوضح لهم أنّ الشريعة والنبوات تمَّت وتحقّقت في يسوع الناصري. وكان بولس يعرف هذا، وأراد أن يوصِّل هذا الحق لسامعيه، فإنّ قمّة هدفه وغاية وعظه أن يؤمنوا بالمسيح الربّ والمخلّص.
وسمع بعض الدّخلاء وعظ بولس، وهم الوثنيون الذين تهوَّدوا، ففرحوا لأنهم بدأوا يفهمون شيئاً عن المسيح، وفتح الربّ قلوبهم للكلمة، فطلبوا من بولس وبرنابا أن يحضُرا إلى المجمع في السبت القادم ليعظا بهذا الكلام المُشبع والمُفرح عن المسيح الفادي والمخلِّص. وانتشر خبر الرسولين في أنطاكية بيسدية، فلمّا جاء السبت التالي اجتمع عدد كبير جداً في المجمع للاستماع.
وفرح الرسولان عندما شاهدا عدداً كبيراً جاءوا ليسمعوا كلمة الخلاص. لكنّ الشيطان الذي لا يُسرّ بنجاح كلمة الله عمل في قلوب بعض اليهود وملأهم بالكبرياء والتّعصُّب الأعمى، فخافوا على مركزهم كمعلّمين ورؤساء لليهود، كما لم يوافقوا أن يتساوى اليهود مع الأمم في بركات مجيء المسيح. واشتعلت في قلوبهم نيران الحسد والتعصّب، فبدأوا يقاومون ما قاله بولس، مجدّفين ومعلّمين أنّ يسوع الناصري ليس هو المسيح المنتظر.
ولم يخَفْ بولس ولا برنابا من هذا الهجوم، ولم يسكتا عن الوعظ، فأخبراهم أنّ المسيح لا يعطي الخلاص لليهود فقط، لكنّه أمر بتبشير اليهود أولاً حتى يؤمنوا ويكونوا وسيلة لتبشير الأمم. وإذ رفض اليهود قبول المسيح فإنّ النتيجة السّيئة تقع عليهم، لأنهم يكونون غير مستحقين للحياة الأبدية، وعلى الرّسولين أن يحملا رسالة الخلاص إلى الأمم. واستشهد بولس الرسول بآية من الكتاب المقدس ليؤيّد كلامه (إشعياء 49: 6) فقد أقام الله المسيح نوراً للأمم. وفرح بعض الأمميين عندما سمعوا كلمة الله التي تقول إنّ لهم نصيباً في المسيح، فقبلوا المسيح. وهكذا آمن بعض أهل أنطاكية الوثنيّون بالمسيح، لأنّ الله الذي جهّز الخلاص جهّز أيضاً قلوب بعض أهل تلك المدينة لقبوله بتأثير الروح القدس. واستمرَّ الذين آمنوا في استعمال وسائط الخلاص لأنهم كانوا معيَّنين للحياة الأبدية.
أمّا الذين لم ينالوا الخلاص لأنهم رفضوا الرسالة التي سمعوها فقد حكموا على أنفسهم أنهم غير مستحقين للحياة الأبدية. لأنّ: «اللَّهِ يُرِيدُ أَنَّ جَمِيعَ النَّاسِ يَخْلُصُونَ وَإِلَى مَعْرِفَةِ الْحَقِّ يُقْبِلُونَ» (1تيموثاوس 2: 4). وانتشرت بشارة الخلاص في أنطاكية وبعض المدن المجاورة لها بالرغم من مقاومة شيوخ مجمع اليهود لكلمة الله، وبالرغم من تحريفهم كلام الرسولين. وطلب شيوخ اليهود من الرجال والنساء الذين تركوا الوثنيّة وصاروا يهوداً أن يثيروا الفتن والشّغب ضد بولس وبرنابا. ولا نستبعد أن يكون اليهود قد دفعوا رشوة لهم حتى يطردوا الرّسولين.
ونتيجةً لهذه المؤامرة وقع اضطهاد عظيم على بولس وبرنابا، فنفضا غبار أرجلهما، لأنّ الذنب يقع على أولئك القُساة الذين رفضوا الإيمان بالمسيح (وهذا موافق لأمر المسيح في متّى 10: 14). وترك بولس وبرنابا أنطاكية بيسيديّة وذهبا إلى إيقونيّة، وهي مدينة في آسيا الصغرى، اسمها الآن «قونية».
وأمّا الذين آمنوا بالمسيح من اليهود ومن الأمم فقد امتلأوا فرحاً لأنّ الروح القدس كان في قلوبهم، وكان يعمل لإرشادهم.
هل شعرت بتأثير قوّة الرّوح القدس في قلبك؟ اطلب من الله أن يمنحك بركة عطية الروح القدس.
آية للحفظ:
«قَدْ أَقَمْتُكَ نُوراً للأُمَمِ لِتَكُونَ أَنْتَ خَلاَصاً إِلَى أَقْصَى الأَرْضِ» (أعمال 13: 47)
صلاة:
أشكرك يا ربّ لأنّ المسيح نور العالم قد أنار قلبي بمعرفة أخبار الخلاص المفرحة. ساعدني لأكون نوراً للعالم، أشارك الآخرين في ما متّعتني به.
سؤال:
4 - لماذا بشّر برنابا وبولس اليهود أولاً؟
1 وَحَدَثَ فِي إِيقُونِيَةَ أَنَّهُمَا دَخَلاَ مَعاً إِلَى مَجْمَعِ الْيَهُودِ وَتَكَلَّمَا حَتَّى آمَنَ جُمْهُورٌ كَثِيرٌ مِنَ الْيَهُودِ وَالْيُونَانِيِّينَ. 2 وَلَكِنَّ الْيَهُودَ غَيْرَ الْمُؤْمِنِينَ غَرُّوا وَأَفْسَدُوا نُفُوسَ الأُمَمِ عَلَى الإِخْوَةِ. 3 فَأَقَامَا زَمَاناً طَوِيلاً يُجَاهِرَانِ بِالرَّبِّ الَّذِي كَانَ يَشْهَدُ لِكَلِمَةِ نِعْمَتِهِ، وَيُعْطِي أَنْ تُجْرَى آيَاتٌ وَعَجَائِبُ عَلَى أَيْدِيهِمَا. 4 فَانْشَقَّ جُمْهُورُ الْمَدِينَةِ، فَكَانَ بَعْضُهُمْ مَعَ الْيَهُودِ وَبَعْضُهُمْ مَعَ الرَّسُولَيْنِ. 5 فَلَمَّا حَصَلَ مِنَ الأُمَمِ وَالْيَهُودِ مَعَ رُؤَسَائِهِمْ هُجُومٌ لِيَبْغُوا عَلَيْهِمَا وَيَرْجُمُوهُمَا، 6 شَعَرَا بِهِ، فَهَرَبَا إِلَى مَدِينَتَيْ لِيكَأُونِيَّةَ: لِسْتِرَةَ وَدَرْبَةَ، وَإِلَى الْكُورَةِ الْمُحِيطَةِ. 7 وَكَانَا هُنَاكَ يُبَشِّرَانِ (أعمال 14: 1-7).
عمل شيوخ اليهود على طرد بولس وبرنابا من أنطاكية بيسيدية، فذهب الرسولان إلى إيقونية ودخلا مجمع اليهود حسب عادتهما لتبشير اليهود والمتعبّدين من الأمم. غير أنّ كبرياء اليهود وتعصّبهم ظهرا في مقاومة تبشير الرسولين. ومع هذا فقد أقام بولس وبرنابا زمناً كافياً لتوصيل رسالة المسيح لأهل إيقونية. وكان الربّ يعمل بقوّة الروح القدس لنشر الرسالة بالآيات والمعجزات الكثيرة التي حدثت على أيدي الرسولين. ورأى بعض الذين سمعوا الرسالة بأنّ ديانة المسيح هي ديانة السلام، ولكنّ اليهود قاوموا رسالة المسيح، فانقسم سكان المدينة، وتبع قسم منهم رسالة بولس وبرنابا، بينما تبع قسم آخر تعصّب اليهود وجهلهم.
وهيَّج اليهود أتباعهم ليرجموا الرسولين، لأنهما قالا إن المسيح هو ابن الله. وشعر بولس وبرنابا بقصد اليهود وشرِّهم فهربا إلى ولاية ليكأونية، وكانا يبشران بالمسيح وبخلاصه في مدينتي لسترة ودربة، وكان الربّ معهما وأعطى نجاحاً لكلمته.
لم يترك بولس وبرنابا التبشير باسم المسيح رغم تكرار اضطهاد اليهود لهما، فإن كلمة الله يجب أن تصل إلى الجميع مهما كانت الظروف.
آية للحفظ:
«الرَّبُّ الَّذِي كَانَ يَشْهَدُ لِكَلِمَةِ نِعْمَتِهِ وَيُعْطِي أَنْ تُجْرَى آيَاتٌ وَعَجَائِبُ عَلَى أَيْدِيهِمَا» (أعمال 14: 3)
صلاة:
أشكرك يا ربّ لأجل معجزات كثيرة أجريتها في حياتي، من استجابة صلاة، وغفران خطايا، ونجاة من مآزق. ثبِّت إيماني وقوِّني في خدمتك.
سؤال:
5 - كيف عمل الربّ بقوّة الروح القدس لينشر الإنجيل في إيقونية؟
8 وَكَانَ يَجْلِسُ فِي لِسْتِرَةَ رَجُلٌ عَاجِزُ الرِّجْلَيْنِ مُقْعَدٌ مِنْ بَطْنِ أُمِّهِ وَلَمْ يَمْشِ قَطُّ. 9 هَذَا كَانَ يَسْمَعُ بُولُسَ يَتَكَلَّمُ فَشَخَصَ إِلَيْهِ، وَإِذْ رَأَى أَنَّ لَهُ إِيمَاناً لِيُشْفَى 10 قَالَ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ: «قُمْ عَلَى رِجْلَيْكَ مُنْتَصِباً». فَوَثَبَ وَصَارَ يَمْشِي. 11 فَالْجُمُوعُ لَمَّا رَأَوْا مَا فَعَلَ بُولُسُ رَفَعُوا صَوْتَهُمْ بِلُغَةِ لِيكَأُونِيَّةَ قَائِلِينَ: «إِنَّ الآلِهَةَ تَشَبَّهُوا بِالنَّاسِ وَنَزَلُوا إِلَيْنَا». 12 فَكَانُوا يَدْعُونَ بَرْنَابَا «زَفْسَ» وَبُولُسَ «هَرْمَسَ» إِذْ كَانَ هُوَ الْمُتَقَدِّمَ فِي الْكَلاَمِ. 13 فَأَتَى كَاهِنُ زَفْسَ الَّذِي كَانَ قُدَّامَ الْمَدِينَةِ بِثِيرَانٍ وَأَكَالِيلَ عِنْدَ الأَبْوَابِ مَعَ الْجُمُوعِ وَكَانَ يُرِيدُ أَنْ يَذْبَحَ. 14 فَلَمَّا سَمِعَ الرَّسُولاَنِ بَرْنَابَا وَبُولُسُ مَزَّقَا ثِيَابَهُمَا وَانْدَفَعَا إِلَى الْجَمْعِ صَارِخَيْنِ: 15 «أَيُّهَا الرِّجَالُ لِمَاذَا تَفْعَلُونَ هَذَا؟ نَحْنُ أَيْضاً بَشَرٌ تَحْتَ آلاَمٍ مِثْلُكُمْ، نُبَشِّرُكُمْ أَنْ تَرْجِعُوا مِنْ هَذِهِ الأَبَاطِيلِ إِلَى الإِلَهِ الْحَيِّ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاءَ وَالأَرْضَ وَالْبَحْرَ وَكُلَّ مَا فِيهَا، 16 الَّذِي فِي الأَجْيَالِ الْمَاضِيَةِ تَرَكَ جَمِيعَ الأُمَمِ يَسْلُكُونَ فِي طُرُقِهِمْ – 17 مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَتْرُكْ نَفْسَهُ بِلاَ شَاهِدٍ – وَهُوَ يَفْعَلُ خَيْراً: يُعْطِينَا مِنَ السَّمَاءِ أَمْطَاراً وَأَزْمِنَةً مُثْمِرَةً، وَيَمْلأُ قُلُوبَنَا طَعَاماً وَسُرُوراً». 18 وَبِقَوْلِهِمَا هَذَا كَفَّا الْجُمُوعَ بِالْجَهْدِ عَنْ أَنْ يَذْبَحُوا لَهُمَا (أعمال 14: 8-18).
ذهب بولس وبرنابا إلى لسترة هروباً من اضطهاد اليهود لهما في إيقونية، وكان الرب قد جهّز طريقة تدفع أهل لسترة إلى الإيمان. فقد كان فيها رجل مُقعد، عاجز الرّجلين، يجلس في مكان معروف يطلب إحساناً من الناس، ولم يكن له أمل في الشفاء. وسمع هذا المُقعد بولس الرسول يتكلّم عن ديانة المسيح، وتأثر من الكلام عن معجزات المسيح ووثق أنّه يقدر أن يشفيه. ولاحظ بولس ذلك على وجه المقعَد، فامتلأ حماساً وصرخ بصوت عظيم قائلاً: «قُمْ عَلَى رِجْلَيْكَ مُنْتَصِباً». ففي الحال قام وقفز فرحاً وأخذ يمشي. واندهش الحاضرون الذين كانوا يسمعون بولس وهم يرون المقعَد يمشي، فنطقوا بلغتهم الأصلية (وهي لغة ولاية ليكأونية) وظنّوا أنّ آلهتهم الوثنية أخذت هيئة إنسان وحلّت في بولس وبرنابا. ولم يكن هذا غريباً على أهل لسترة لأنّ كتبهم الوثنية علّمتهم أنّ الإلهين «زفس وهرمس» ظهرا بهيئة رجُلين، وأنّ أهل تلك المدينة رفضوا ضيافتهما. ولكنّ فقيرَين قبِلاهما في كوخهما في الصحراء، فسخط الإلهان على أهل تلك المدينة، وأغرقهم زفس بالطوفان، وكافأ الفقيرَين بأن حوَّل كوخهما إلى هيكل عظيم لعبادته، وجعلهما كاهنين فيه.
وظنَّ أهل لسترة أنَّ الإله زفس قد زارهم مرة أخرى كما زار الفقيرين في كوخهما من قبل. وقال أهل لسترة إنَّ برنابا هو زفس، وهو المعروف عند الرومان باسم «جوبيتر» وهو ملك الآلهة، وأبو الآلهة والناس. كما قالوا عن بولس إنه «هرمس» وهو الكوكب «عطارد» وقد ظنّه الوثنيون خادم «زفس» ورسوله الذي يرسله ليزور البشر، واعتبروه إله الفصاحة وصاحب القدرة في الكلام. ولمّا كان بولس هو المتقدّم في الكلام قالوا إنه «هرمس» أحد كبار آلهة اليونانيين. وكان غاية في الفصاحة والحذق في التجارة والمعاملات.
وعندما سمع كاهن «زفس» عن عمل بولس وبرنابا أحضر ذبائح من الثيران ليقدّمها ذبيحة لزفس. وسمع بولس وبرنابا هتافات الناس للوثن، وشاهدا الكهنة والثيران، وعرفا قصد الناس في تكريم الوثن، فمزَّق بولس وبرنابا ثيابهما علامة الحزن على جهل الناس، واندفعا يطلبان منهم أن يمتنعوا عن تقديم الذبائح، وقالا إنهما ليسا إلهين بل هما بشر مثلهم، وأنهما عُرضة للآلام من الجوع والعطش والمرض والموت، وطلبا منهم رفض الأوثان الباطلة والرجوع إلى الإله الحيّ الواحد الذي خلق كل شيء، لأنّه الإله الحيّ الذي لم يترك نفسه بلا شاهد، فأظهر لجميع الناس صلاحه بفعل الخير معهم، إذ يعطي جميع الناس الأمطار لإرواء الزرع، ويُخرج لهم نباتاً من الأرض ويعطيهم طعاماً، ويفرّح قلوبهم بعنايته بجميع الناس.
سمع الناس كلام بولس وبرنابا، وامتنعوا عن تقديم الذبائح للوثن، وإن كان البعض لم يقتنع.
آية للحفظ:
«وَهُوَ يَفْعَلُ خَيْراً يُعْطِينَا مِنَ السَّمَاءِ أَمْطَاراً وَأَزْمِنَةً مُثْمِرَةً وَيَمْلأُ قُلُوبَنَا طَعَاماً وَسُرُوراً» (أعمال 14: 17)
صلاة:
أنت الإله السّخي في العطاء والكريم في التوزيع، فأشكرك على محبّتك وعطاياك. ساعدني لأعطي كما أعطيتني.
سؤال:
6 - ما هي الطريقة التي جهَّزها الرب ليدفع أهل لسترة إلى الإيمان؟
19 ثُمَّ أَتَى يَهُودٌ مِنْ أَنْطَاكِيَةَ وَإِيقُونِيَةَ وَأَقْنَعُوا الْجُمُوعَ فَرَجَمُوا بُولُسَ وَجَرُّوهُ خَارِجَ الْمَدِينَةِ ظَانِّينَ أَنَّهُ قَدْ مَاتَ. 20 وَلَكِنْ إِذْ أَحَاطَ بِهِ التَّلاَمِيذُ قَامَ وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ وَفِي الْغَدِ خَرَجَ مَعَ بَرْنَابَا إِلَى دَرْبَةَ. 21 فَبَشَّرَا فِي تِلْكَ الْمَدِينَةِ وَتَلْمَذَا كَثِيرِينَ، ثُمَّ رَجَعَا إِلَى لِسْتِرَةَ وَإِيقُونِيَةَ وَأَنْطَاكِيَةَ 22 يُشَدِّدَانِ أَنْفُسَ التَّلاَمِيذِ وَيَعِظَانِهِمْ أَنْ يَثْبُتُوا فِي الإِيمَانِ، وَأَنَّهُ بِضِيقَاتٍ كَثِيرَةٍ يَنْبَغِي أَنْ نَدْخُلَ مَلَكُوتَ اللهِ. 23 وَانْتَخَبَا لَهُمْ قُسُوساً فِي كُلِّ كَنِيسَةٍ، ثُمَّ صَلَّيَا بِأَصْوَامٍ وَاسْتَوْدَعَاهُمْ لِلرَّبِّ الَّذِي كَانُوا قَدْ آمَنُوا بِهِ (أعمال 14: 19-23).
كان بولس وبرنابا في أنطاكية وإيقونية قبل مجيئهما إلى لسترة، وقد هاج اليهود ضدّهما وطردوهما، كما تبعهما بعض اليهود لشدّة غيظهم وحسدهم حتى يُفسدوا أفكار الناس ويهيجوهم عليهما.
ولمّا شاهد اليهود شفاء الرجل المقعَد ورغبة الوثنيين في تكريم أوثانهم، وكيف منعهما بولس وبرنابا، ثار حقدهم وقالوا لأهل لسترة إنّ بولس وبرنابا يحتقران آلهتكم ويقولان إنها أباطيل. ومع أن اليهود لا يؤمنون بالوثن، إلا أنهم اختاروا الطرق الدنيئة لتعطيل رسالة المسيح. وهاج الوثنيون في لسترة وغضبوا عندما سمعوا هذا الكلام، فرجموا بولس لأنّه كان المتقدِّم في الكلام. ولمّا ظنّوا أنه مات، سحبوه إلى خارج المدينة حتى يطرحوه للوحوش لتلتهم جثّته. ولكنّ الحقيقة أنّه لم يكن قد مات.
وأحاط بعض المسيحيين ببولس بعد رجمه وإلقائه خارج المدينة لينوحوا عليه إن كان قد مات، وليكرموه إن كان لا يزال حياً. ولم يترك الله بولس، بل حفظه بعنايته وقوّاه، فاستطاع أن يمشي ويسافر أيضاً، فذهب مع برنابا إلى دربة. ولم تقابلهما صعوبات هناك، لأنّ الأعداء ظنوا أنّ بولس قد مات، فأقاما فترة في دربة وبشرا باسم المسيح وتلمذا كثيرين ممَّن آمنوا هناك.
كان بولس وبرنابا في لسترة وإيقونية وأنطاكية من قبل، وأسّسا فيها كنائس، فأرادا أن يزوراها مرة أخرى حتى يسقيا ما زرعاه من كلمة الله في القلوب، ويبنيا بعد أن وضعا الأساس، فقد كان المسيحيون في حاجة شديدة لمعرفة العقائد والواجبات المسيحية، فنصحهم الرسولان وعلّماهم أن لا يفشلوا من الاضطهاد والضيق، فإنّ الذي يرى أنّ حمل الصليب ثقيلاً وهو على الأرض لا يتمكن من لبس إكليل الحياة في السماء، وإن كانت الصعوبات تحيط بحياة المؤمن على الأرض فإنّ حياته في السماء ستكون حياة الثواب والراحة.
رأى بولس وبرنابا ضرورة تنظيم الكنائس في لسترة وإيقونية وأنطاكية، لأنّ الروح القدس أرشدهما إلى ذلك لتثبيت المؤمنين وتقدّمهم في حياة الإيمان، فانتخبا لهم قسوساً. والقس هو الشيخ المعلّم، ويسمى أيضاً الأسقف، والراعي، والسفير، والكارز، والخادم، ووكيل سرائر الله.
وانتظمت الكنائس المسيحية الأولى باختيار رعاة أو قسوس لها لإجراء المعمودية، وكسر الخبز في العشاء الربّاني، والتّعليم، والتعزية، وسياسة الكنيسة، ودفن الموتى. وكان الرسولان يصومان ويصلّيان وهما يرسمان القسوس.
آية للحفظ:
«بِضِيقَاتٍ كَثِيرَةٍ يَنْبَغِي أَنْ نَدْخُلَ مَلَكُوتَ اللهِ» (أعمال 14: 22)
صلاة:
علِّمني يا أبي السماوي أن لا أفشل بسبب الاضطهاد والضيق، فإنّ الذي يرى أنّ حمل الصليب ثقيل وهو على الأرض لا يتمكّن من لِبس إكليل الحياة في السّماء.
سؤال:
7 - لماذا أحاط بعض المؤمنين ببولس بعد رجمه وإلقائه خارج لسترة؟
24 وَلَمَّا اجْتَازَا فِي بِيسِيدِيَّةَ أَتَيَا إِلَى بَمْفِيلِيَّةَ، 25 وَتَكَلَّمَا بِالْكَلِمَةِ فِي بَرْجَةَ ثُمَّ نَزَلاَ إِلَى أَتَّالِيَةَ، 26 وَمِنْ هُنَاكَ سَافَرَا فِي الْبَحْرِ إِلَى أَنْطَاكِيَةَ حَيْثُ كَانَا قَدْ أُسْلِمَا إِلَى نِعْمَةِ اللهِ لِلْعَمَلِ الَّذِي أَكْمَلاَهُ. 27 وَلَمَّا حَضَرَا وَجَمَعَا الْكَنِيسَةَ أَخْبَرَا بِكُلِّ مَا صَنَعَ اللهُ مَعَهُمَا، وَأَنَّهُ فَتَحَ لِلأُمَمِ بَابَ الإِيمَانِ. 28 وَأَقَامَا هُنَاكَ زَمَاناً لَيْسَ بِقَلِيلٍ مَعَ التَّلاَمِيذِ (أعمال 14: 24-28).
استودع بولس وبرنابا الكنائس للربّ ليحفظها ويقوّيها، ثم ذهبا إلى بيسيديّة وبرجة وأتّالية، ومن هناك أخذا سفينة وأبحرا إلى أنطاكية (في ولاية سلوكية) من حيث بدأت الرحلة، وحيث دعاهما الروح القدس وأفرزتهما الكنيسة. وأخبر الرسولان قادة وأعضاء كنيسة أنطاكية بقوّة الله التي جرت بواسطتهما، وكيف فتح الله باب الإيمان أمام الأمم لينالوا الخلاص بالمسيح. وأقاما في أنطاكية نحو سنتين لتشجيع المؤمنين والاستعداد للعمل القادم بين الأمم.
إنَّ الخدمة المقدسة تحتاج إلى الاستعداد الرّوحي والعيشة بين المؤمنين لنوال القوّة الرّوحية. فهل تصلّي طالباً من الله انتشار ونجاح عمل الكنيسة؟
الفصل التاسع
اقتناع الكنيسة العامة بتبشير الأمم
أعمال 15: 1-25
كان المسيح مع كنيسته، وعمل بفاعليّة الرّوح القدس في قلوب الذين سمعوا كلمة الخلاص، فآمن عدد كبير من اليهود، كما فتح الرب باب الإيمان أمام الأمم. وكان بطرس قد سبق وأخبر قادة الكنيسة وأعضاءها كيف أرشده الربّ ليبشر الأمم، وكيف حلَّ الروح القدس في قيصرية على كرنيليوس وأهل بيته وأصدقائه، الأمر الذي يبرهن ضرورة قبول المؤمنين من الأمم في الكنيسة المسيحية من غير أن يخضعوا لطقوس شريعة موسى.
1 وَانْحَدَرَ قَوْمٌ مِنَ الْيَهُودِيَّةِ وَجَعَلُوا يُعَلِّمُونَ الإِخْوَةَ أَنَّهُ «إِنْ لَمْ تَخْتَتِنُوا حَسَبَ عَادَةِ مُوسَى لاَ يُمْكِنُكُمْ أَنْ تَخْلُصُوا». 2 فَلَمَّا حَصَلَ لِبُولُسَ وَبَرْنَابَا مُنَازَعَةٌ وَمُبَاحَثَةٌ لَيْسَتْ بِقَلِيلَةٍ مَعَهُمْ رَتَّبُوا أَنْ يَصْعَدَ بُولُسُ وَبَرْنَابَا وَأُنَاسٌ آخَرُونَ مِنْهُمْ إِلَى الرُّسُلِ وَالْمَشَايِخِ إِلَى أُورُشَلِيمَ مِنْ أَجْلِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ. 3 فَهَؤُلاَءِ بَعْدَ مَا شَيَّعَتْهُمُ الْكَنِيسَةُ اجْتَازُوا فِي فِينِيقِيَةَ وَالسَّامِرَةِ يُخْبِرُونَهُمْ بِرُجُوعِ الأُمَمِ، وَكَانُوا يُسَبِّبُونَ سُرُوراً عَظِيماً لِجَمِيعِ الإِخْوَةِ. 4 وَلَمَّا حَضَرُوا إِلَى أُورُشَلِيمَ قَبِلَتْهُمُ الْكَنِيسَةُ وَالرُّسُلُ وَالْمَشَايِخُ، فَأَخْبَرُوهُمْ بِكُلِّ مَا صَنَعَ اللهُ مَعَهُمْ. 5 وَلَكِنْ قَامَ أُنَاسٌ مِنَ الَّذِينَ كَانُوا قَدْ آمَنُوا مِنْ مَذْهَبِ الْفَرِّيسِيِّينَ وَقَالُوا: «إِنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يُخْتَنُوا وَيُوصَوْا بِأَنْ يَحْفَظُوا نَامُوسَ مُوسَى» (أعمال 15: 1-5).
سبق أن أوضح بطرس للكنيسة إمكانية قبول المؤمنين من الأمم من غير أن يتقيَّدوا أو يخضعوا لطقوس شريعة موسى. غير أنّ بعض اليهود غاروا على شريعتهم، وسافروا إلى أنطاكية ليعلِّموا الإخوة هناك أنّه يجب على المؤمنين من الأمم أن يحفظوا أيضاً طقوس شريعة موسى، وقالوا إنّ الله لا يقبلهم إلا إذا اختتنوا كعلامة على دخولهم في العهد مع الله، وحفظوا باقي مطالب وصايا ناموس موسى. كما قالوا إنهم جاءوا نيابة عن كنيسة أورشليم لأنها أمّ الكنائس التي تعتني بسلامة باقي الكنائس في العقائد والأعمال.
ولم يوافق بولس ولا برنابا على هذا التعليم الخاطئ، فحدثت مناقشات كثيرة بين هؤلاء الإخوة وبين بولس وبرنابا، لأنهما اعتقدا غير اعتقادهم، وحكما بأنّ تعليمهم يضرّ الكنيسة ويمنع تقدّمها، كما أنّه ضدّ روح الإنجيل.
ونتيجةً لتلك المباحثات انقسم الإخوة إلى فريقين: فريق يرى ضرورة المحافظة على الشريعة اليهودية، وفريق آخر اقتنع بكلام بولس وبرنابا. ولم تستطع كنيسة أنطاكية أن تصدر حكماً جازماً يقنع الجميع، كما أنها رأت إنّ إطالة المباحثات ضارّة، فقرّر الفريقان أن يذهب بولس وبرنابا إلى أورشليم لدراسة الأمر مع الرسل والمشايخ (الذين هم القسوس) في أورشليم ليضعوا حداً للجدال، لأنّ كنيسة أورشليم أمّ الكنائس المسيحية، ومنها انتشرت المسيحية، كما أنّ الرسل في أورشليم كانوا أصحاب الخبرة، لأنهم شاهدوا المسيح نفسه وتعلّموا منه مباشرة.
ووافق بولس وبرنابا على الذهاب إلى أورشليم لأداء هذه المهمّة. وأظهرت كنيسة أنطاكية لهما كل إكرام، فكلّفت بعض أعضائها ليصحبوهما بالنيابة عنها، وودَّعتهم بكل إكرام.
وفي طريقهم إلى أورشليم مرّوا بكنائس فينيقيّة والسّامرة، وأخبروا الإخوة كيف رجع كثيرون من الأمم عن عبادة الأوثان وعبدوا الله الحيّ الحقيقيّ، ففرح الجميع بذلك.
وعندما وصل بولس وبرنابا والإخوة إلى أورشليم استقبلتهم الكنيسة بسرور، وسمع الرّسل ومؤمنو أورشليم بفرح عن قبول المؤمنين من الأمم ومعموديتهم بدون إجبارهم على حفظ ناموس موسى. وكان بعض الحاضرين من مذهب الفريسيين الذين يتمسّكون بطقوس وتقاليد الشريعة الموسوية، قد قبلوا المسيح، وبعضهم بقي متمسّكاً بتلك الطقوس بعد قبولهم الإيمان المسيحي. هؤلاء قالوا إنّه يجب أن يختتن الأمم ويحافظوا على شريعة موسى بالإضافة إلى إيمانهم بالمسيح.
وقرّر الرّسل أن يعقدوا مجمعاً كنسيّاً لدرس هذا الموضوع، ولم يحاولوا أن يحكموا في هذا الأمر وحدهم، فدعوا قسوس سائر الكنائس للنظر فيه لراحة الكنيسة كلها حاضراً ومستقبلاً. وكان هذا أول مجمع في تاريخ الكنيسة المسيحية، جمع أكثر رؤساء الكنائس في أورشليم وما حولها في ذلك الوقت.
آية للحفظ:
«وَلَمَّا حَضَرُوا إِلَى أُورُشَلِيمَ قَبِلَتْهُمُ الْكَنِيسَةُ وَالرُّسُلُ وَالْمَشَايِخُ، فَأَخْبَرُوهُمْ بِكُلِّ مَا صَنَعَ اللهُ مَعَهُمْ» (أعمال 15: 4)
صلاة:
أشكرك يا ربّ لأنّ بابك مفتوح لكلّ صارخ إليك تائباً وراجعاً عن خطاياه، فكلّ من يأتي إليك لا تُخرجه خارجاً.
سؤال:
8 - لماذا قرَّر مؤمنو أنطاكية أن يرفعوا خلافاتهم العقائدية إلى كنيسة أورشليم؟
6 فَاجْتَمَعَ الرُّسُلُ وَالْمَشَايِخُ لِيَنْظُرُوا فِي هَذَا الأَمْرِ. 7 فَبَعْدَ مَا حَصَلَتْ مُبَاحَثَةٌ كَثِيرَةٌ قَامَ بُطْرُسُ وَقَالَ لَهُمْ: «أَيُّهَا الرِّجَالُ الإِخْوَةُ، أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنْذُ أَيَّامٍ قَدِيمَةٍ اخْتَارَ اللهُ بَيْنَنَا أَنَّهُ بِفَمِي يَسْمَعُ الأُمَمُ كَلِمَةَ الإِنْجِيلِ وَيُؤْمِنُونَ. 8 وَاللهُ الْعَارِفُ الْقُلُوبَ شَهِدَ لَهُمْ مُعْطِياً لَهُمُ الرُّوحَ الْقُدُسَ كَمَا لَنَا أَيْضاً، 9 وَلَمْ يُمَيِّزْ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ بِشَيْءٍ إِذْ طَهَّرَ بِالإِيمَانِ قُلُوبَهُمْ. 10 فَالآنَ لِمَاذَا تُجَرِّبُونَ اللهَ بِوَضْعِ نِيرٍ عَلَى عُنُقِ التَّلاَمِيذِ لَمْ يَسْتَطِعْ آبَاؤُنَا وَلاَ نَحْنُ أَنْ نَحْمِلَهُ؟ 11 لَكِنْ بِنِعْمَةِ الرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ نُؤْمِنُ أَنْ نَخْلُصَ كَمَا أُولَئِكَ أَيْضاً». 12 فَسَكَتَ الْجُمْهُورُ كُلُّهُ. وَكَانُوا يَسْمَعُونَ بَرْنَابَا وَبُولُسَ يُحَدِّثَانِ بِجَمِيعِ مَا صَنَعَ اللهُ مِنَ الآيَاتِ وَالْعَجَائِبِ فِي الأُمَمِ بِوَاسِطَتِهِمْ (أعمال 15: 6-12).
ترجع أهميّة هذا المجمع إلى أنّ فيه تقرّر مستقبل الكنيسة المسيحية: هل تكون فرعاً من الكنيسة الناموسية الموسوية، محصورة في دائرتها الصغيرة؟ أم تكون كنيسة جامعة رسولية تفتح أبوابها لكلّ أمم الأرض.
حدثت مناقشات كثيرة بين المتمسّكين بالناموس اليهودي القديم الذين أرادوا وضع نير الشريعة اليهوديّة على أعناق المؤمنين من الأمم، وبين أصحاب المعتقد الجديد الذين رغبوا في الحريّة التي أعطاها المسيح للكنيسة. وكان موضوع البحث: علاقة الناموس بالإنجيل.
كان بطرس بين الحاضرين، وكان يذكر جيداً ما جرى معه منذ نحو عشرين سنة، والرؤيا التي رآها في يافا، واختباره في قيصرية عندما سكب الله روحه القدوس على كرنيليوس وأهل بيته وأصدقائه. وكان يذكر أنّه دافع عن ذلك أمام كنيسة أورشليم عندما اختلف معه أهل الختان من اليهود. ولا شك أنّ كلام بطرس كان له تأثير قويّ في المجمع. ودافع بطرس عن فكر بولس وبرنابا، لأنّه هو الذي دخل بيت كرنيليوس وعمَّدهم دون أن يطالبهم بالختان أو ممارسة الطقوس الموسوية، ووضّح بطرس أنّه لم يقبل كرنيليوس وأصدقاءه من نفسه، لكنّ الله هو الذي ظهر له وأمره بما فعل، لأنّ الله يعرف القلوب ولا يمكن أن يخفى عليه المؤمن الحقيقي، سواء شهد له الناس أو لم يشهدوا.
أعلن بطرس للجميع أنّ الله لم يميّز بين اليهود أهل الختان المؤمنين بالمسيح وبين الوثنيين أهل الغرلة الذين آمنوا بالمسيح، رغم أنّ اليهود اعتبروا الأمم نجسين لأنهم غير مختونين واعتقدوا أنهم يتطهّرون بالختان. وقال بطرس إنّ الله يطهّر الجميع بالإيمان، الذي هو ختان القلب الحقيقي. وقد برهن الله على ذلك إذ سكب روحه القدوس على المؤمنين من الأمم كما سكبه على اليهود الذين آمنوا بالمسيح.
وكأنّ بطرس يقول: إن كان الأمر كذلك، فلماذا نجرّب الله بطلب براهين أخرى، خصوصاً وأنّه أعلن أنّ الإيمان هو الشرط الوحيد لدخول الكنيسة؟ ولماذا نطلب من الأمم أن يحفظوا الطقوس اليهودية وممارستها، مع أنّ اليهود أنفسهم يشعرون بثقل الذي يطلبونه من الأمم؟ ثم قال فإنّنا نخلص بالنعمة وليس بأعمال الناموس.
إنّ تعليم الخلاص بالنعمة هو محور تعليم الإنجيل، وهذا الخلاص عطيّة مجانية لكلّ من يقبله. ويمكننا تلخيص شهادة بطرس في النقاط التالية:
1- أصدر الله حكمه في مسألة قبول المؤمنين من الأمم دون التزامهم بمطالب الناموس. وكلّ من يطلب دليلاً آخر يجرّب الله.
2- الشريعة الموسوية حمل ثقيل ونير، وليس فيها شيء من راحة الضمير ولا من خلاص نفس الخاطئ.
3- نعمة المسيح وحدها هي الكافية للخلاص لكلّ من يؤمن، من اليهود أو من الأمم.
ولما سمع المجمع كلام بطرس وشهادته سكت الجميع، وأعطوا مجالاً لبولس وبرنابا أن يتكلما عن الآيات والعجائب التي عملها الله بواسطتهما، دليلاً على أنّ الله أرسلهما لتبشير الأمم وتنظيم كنائسهم بعد إيمانهم، دون التزامهم بشريعة موسى. وهذه هي آخر مرة يُذكر فيها شيء عن بطرس في سفر الأعمال.
آية للحفظ:
«بِنِعْمَةِ الرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ نُؤْمِنُ أَنْ نَخْلُصَ» (أعمال 15: 11)
صلاة:
أشكرك يا الله لأنّ خلاصك لي هو بالنّعمة، وليس بأعمالي، إذ أكمل المسيح الخلاص على الصليب. ولا يوجد في خلاص نفسي ما يبرّر أن افتخر إلا بالرب يسوع المسيح.
سؤال:
9 - لماذا طلب بطرس إعفاء الراجعين للمسيح من خلفيّة وثنيّة من الاختتان؟
13 وَبَعْدَمَا سَكَتَا قَالَ يَعْقُوبُ: «أَيُّهَا الرِّجَالُ الإِخْوَةُ، اسْمَعُونِي: 14 سِمْعَانُ قَدْ أَخْبَرَ كَيْفَ افْتَقَدَ اللهُ أَوَّلاً الأُمَمَ لِيَأْخُذَ مِنْهُمْ شَعْباً عَلَى اسْمِهِ. 15 وَهَذَا تُوافِقُهُ أَقْوَالُ الأَنْبِيَاءِ كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ: 16 سَأَرْجِعُ بَعْدَ هَذَا وَأَبْنِي أَيْضاً خَيْمَةَ دَاوُدَ السَّاقِطَةَ، وَأَبْنِي أَيْضاً رَدْمَهَا وَأُقِيمُهَا ثَانِيَةً، 17 لِكَيْ يَطْلُبَ الْبَاقُونَ مِنَ النَّاسِ الرَّبَّ وَجَمِيعُ الأُمَمِ الَّذِينَ دُعِيَ اسْمِي عَلَيْهِمْ، يَقُولُ الرَّبُّ الصَّانِعُ هَذَا كُلَّهُ. 18 مَعْلُومَةٌ عِنْدَ الرَّبِّ مُنْذُ الأَزَلِ جَمِيعُ أَعْمَالِهِ. 19 لِذَلِكَ أَنَا أَرَى أَنْ لاَ يُثَقَّلَ عَلَى الرَّاجِعِينَ إِلَى اللهِ مِنَ الأُمَمِ، 20 بَلْ يُرْسَلْ إِلَيْهِمْ أَنْ يَمْتَنِعُوا عَنْ نَجَاسَاتِ الأَصْنَامِ وَالزِّنَا وَالْمَخْنُوقِ وَالدَّمِ. 21 لأَنَّ مُوسَى مُنْذُ أَجْيَالٍ قَدِيمَةٍ لَهُ فِي كُلِّ مَدِينَةٍ مَنْ يَكْرِزُ بِهِ إِذْ يُقْرَأُ فِي الْمَجَامِعِ كُلَّ سَبْتٍ» (أعمال 15: 13-21).
لاقى كلام بطرس استحساناً من الجميع، وأعطى الرُّسل المجال لبولس وبرنابا للكلام. وبعد ذلك تكلّم يعقوب موافقاً مع ما قاله الذين سبقوه.
ويعقوب هذا هو أخو الرب (اقرأ غلاطية 1: 19 و2: 9) وهو كاتب رسالة يعقوب. ويعتقد البعض أنّه كان رئيس المجمع. والأغلب أنّه أقام بأورشليم أكثر من باقي الرُّسل واعتنى بالكنيسة فيها. وأيَّد يعقوب ما قاله بطرس، واستشهد بكلمة الله بفم الأنبياء والتي تمّت في حادثة معموديّة كرنيليوس. كما استشهد بقول النبي عاموس (9: 11، 12) الذي تنبّأ بدعوة الأمم ليشتركوا في فوائد مجيء المسيح بدون ذكر الختان أو غيره من أمور الشريعة الموسوية، فقد انتهى عهد الكنيسة اليهودية، وتأسّست مملكة روحية هي الكنيسة المسيحية. ثم قال يعقوب إنه بناءً على إعلان الله الذي شهد به الأنبياء، يرى عدم التثقيل على الأمم الراجعين إلى الله بطلب حفظ شريعة موسى. واقترح يعقوب أن يكتب المجمع إلى مؤمني الأمم أن يمتنعوا عن أربعة أمور: اثنان منهما يتعلقان بالديانة الوثنية، واثنان يتعلقان بالديانة اليهودية.
أمّا ما يتعلق بالوثنية فهو أن يمتنع المؤمنون عن مشاركة الوثنيين في ولائمهم الوثنية، فلا يأكلون من الذبائح المقدّمة للأوثان. ثمّ أن يمتنعوا عن الزنا، لأنّ الديانات الوثنية كانت تصرّح بالزنا في الهياكل مع الكاهنات، كجزءٍ من العبادة الوثنية.
أمّا ما يتعلق بالديانة اليهودية فهو الامتناع عن أكل المخنوق أي المقتول بلا سفك دم، وعن أكل الدم (اقرأ تكوين 9: 4، 5 ولاويين 3: 17 و7: 26 وتثنية 12: 16). واقترح يعقوب أن يكتبوا للمؤمنين من الأمم فقط، لأنّ اليهود لا يحتاجون إلى سماع هذه الأمور، لأنهم كانوا يسمعونها في مجامعهم باستمرار.
آية للحفظ:
«مَعْلُومَةٌ عِنْدَ الرَّبِّ مُنْذُ الأَزَلِ جَمِيعُ أَعْمَالِهِ» (أعمال 15: 18)
صلاة:
أشكرك يا رب لأنك تعلم كل شيء، وقد دبرت لي الخلاص بفضل كفارة المسيح على الصليب، كما دبرته بنعمتك لكل من يؤمن.
سؤال:
10 - ماذا كان موقف يعقوب من طلب بولس وبرنابا؟
22 حِينَئِذٍ رَأَى الرُّسُلُ وَالْمَشَايِخُ مَعَ كُلِّ الْكَنِيسَةِ أَنْ يَخْتَارُوا رَجُلَيْنِ مِنْهُمْ فَيُرْسِلُوهُمَا إِلَى أَنْطَاكِيَةَ مَعَ بُولُسَ وَبَرْنَابَا: يَهُوذَا الْمُلَقَّبَ بَرْسَابَا وَسِيلاَ، رَجُلَيْنِ مُتَقَدِّمَيْنِ فِي الإِخْوَةِ. 23 وَكَتَبُوا بِأَيْدِيهِمْ هَكَذَا: «اَلرُّسُلُ وَالْمَشَايِخُ وَالإِخْوَةُ يُهْدُونَ سَلاَماً إِلَى الإِخْوَةِ الَّذِينَ مِنَ الأُمَمِ فِي أَنْطَاكِيَةَ وَسُورِيَّةَ وَكِيلِيكِيَّةَ: 24 إِذْ قَدْ سَمِعْنَا أَنَّ أُنَاساً خَارِجِينَ مِنْ عِنْدِنَا أَزْعَجُوكُمْ بِأَقْوَالٍ، مُقَلِّبِينَ أَنْفُسَكُمْ وَقَائِلِينَ أَنْ تَخْتَتِنُوا وَتَحْفَظُوا النَّامُوسَ - الَّذِينَ نَحْنُ لَمْ نَأْمُرْهُمْ. 25 رَأَيْنَا وَقَدْ صِرْنَا بِنَفْسٍ وَاحِدَةٍ أَنْ نَخْتَارَ رَجُلَيْنِ وَنُرْسِلَهُمَا إِلَيْكُمْ مَعَ حَبِيبَيْنَا بَرْنَابَا وَبُولُسَ، 26 رَجُلَيْنِ قَدْ بَذَلاَ نَفْسَيْهِمَا لأَجْلِ اسْمِ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ - 27 فَقَدْ أَرْسَلْنَا يَهُوذَا وَسِيلاَ وَهُمَا يُخْبِرَانِكُمْ بِنَفْسِ الأُمُورِ شِفَاهاً. 28 لأَنَّهُ قَدْ رَأَى الرُّوحُ الْقُدُسُ وَنَحْنُ أَنْ لاَ نَضَعَ عَلَيْكُمْ ثِقْلاً أَكْثَرَ غَيْرَ هَذِهِ الأَشْيَاءِ الْوَاجِبَةِ: 29 أَنْ تَمْتَنِعُوا عَمَّا ذُبِحَ لِلأَصْنَامِ، وَعَنِ الدَّمِ، وَالْمَخْنُوقِ، وَالزِّنَا، الَّتِي إِنْ حَفِظْتُمْ أَنْفُسَكُمْ مِنْهَا فَنِعِمَّا تَفْعَلُونَ. كُونُوا مُعَافَيْنَ» (أعمال 15: 22-29).
سمع أعضاء المجمع كل الكلام الذي قيل بخصوص قبول المؤمنين من الأمم دون ممارستهم لشريعة موسى، واستراح جميع أعضاء المجمع من الرسل وقسوس الكنائس لكل ما سمعوا، لأنّ الرّوح القدس عمل في قلوبهم وأرشدهم، فقرّروا إرسال رجُلَين من أعضاء كنيسة أورشليم ليحملا الأخبار، مكتوبةً، إلى كنيسة أنطاكية. ولعلّ هذين الرجلين كانا من قسوس الكنيسة. فقرّر المجمع إرسالهما إلى أنطاكية، لأنّ الدعوة جاءت منها. كما أرسل المجمع معهما بولس وبرنابا احتراماً لهما، وحتى لا يُقال إنهما زوَّرا قرارات مجمع أورشليم.
كان هذان الرَّجلان هما يهوذا الملقَّب «برسابا» وهو من الأنبياء الذين كانوا يعظون ويتنبّأون بمستقبل الكنيسة، و«سيلا» وهو سلوانس الذي صار رفيق بولس الرّسول في رحلته التّبشيرية الثانية، وسُجن مع بولس بعد ذلك في فيلبي.
بدأ الخطاب كالمعتاد بالتّحية وإهداء السّلام للمؤمنين من الأمم في أنطاكية وسوريا وكيليكية. ثم جاء صُلب الخطاب، وهو سبب اجتماع مجمع أورشليم: سماع المجمع عن بعض المعلّمين الذين ادَّعوا أنّـهم رُسل وأنّـهم تكلّموا نيابة عن كنيسة أورشليم. وقد نفت الكنيسة أنّـها أعطتهم سلطان التّعليم بوجوب حفظ الشريعة اليهودية، وأنّ الذين حضروا المجمع اتّفقوا جميعاً بعد مناقشة الموضوع على إرسال هؤلاء الأربعة ليعلنوا لهم قرار المجمع.
وختم المجمع خطابه حسب عادة اليونانيين بالقول: «كُونُوا مُعَافَيْنَ» وهو تمنّي دوام النجاح نفساً وجسداً.
آية للحفظ:
«(يَهُوذَا الْمُلَقَّبَ بَرْسَابَا وَسِيلاَ) نُرْسِلْهُمَا.. رَجُلَيْنِ قَدْ بَذَلاَ نَفْسَيْهِمَا لأَجْلِ اسْمِ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ» (أعمال 15: 26)
صلاة:
يا ربّ، نشكرك من أجل قرار مجمع أورشليم الذي رأى فيه الروح القدس ورسل المسيح أن يعفوا مؤمني الأمم من الختان كعلامة عهد مع الله، ومن حفظ شريعة موسى.
سؤال:
11 - ما معنى «كُونُوا مُعَافَيْنَ»؟
30 فَهَؤُلاَءِ لَمَّا أُطْلِقُوا جَاءُوا إِلَى أَنْطَاكِيَةَ وَجَمَعُوا الْجُمْهُورَ وَدَفَعُوا الرِّسَالَةَ. 31 فَلَمَّا قَرَأُوهَا فَرِحُوا لِسَبَبِ التَّعْزِيَةِ. 32 وَيَهُوذَا وَسِيلاَ إِذْ كَانَا هُمَا أَيْضاً نَبِيَّيْنِ وَعَظَا الإِخْوَةَ بِكَلاَمٍ كَثِيرٍ وَشَدَّدَاهُمْ. 33 ثُمَّ بَعْدَ مَا صَرَفَا زَمَاناً أُطْلِقَا بِسَلاَمٍ مِنَ الإِخْوَةِ إِلَى الرُّسُلِ. 34 وَلَكِنَّ سِيلاَ رَأَى أَنْ يَلْبَثَ هُنَاكَ. 35 أَمَّا بُولُسُ وَبَرْنَابَا فَأَقَامَا فِي أَنْطَاكِيَةَ يُعَلِّمَانِ وَيُبَشِّرَانِ مَعَ آخَرِينَ كَثِيرِينَ أَيْضاً بِكَلِمَةِ الرَّبِّ (أعمال 15: 30-35).
ذهب الرّجال الأربعة مُرسَلين من كنيسة أورشليم إلى كنيسة أنطاكية يحملون الرد المطلوب، وقرأوا الرسالة على الكنيسة كلها، ففرح الجميع بانتهاء الجدال، ولأنهم تحققوا أن إيمانهم لم يكن باطلاً، وأنّ الكنيسة لم تحمِّلهم ثقل الختان والنّاموس.
ولم يكتفِ يهوذا وسيلا وبولس وبرنابا بقراءة الخطاب على مسامع الكنيسة، بل وعظوا الكنيسة لتقويتها وتثبيتها في الإيمان بالمسيح، ومكثوا زماناً كافياً للتّشجيع والتّعليم. وبعد ذلك صلَّت الكنيسة شاكرة الله على غيرة يهوذا وسيلا المقدّسة، وسمحت لهما بالرّجوع إلى كنيسة أورشليم. لكنّ سيلا طلب أن يبقى مع الإخوة في أنطاكية، كما أقام فيها بولس وبرنابا مواظبين على التبشير والتعليم بكلمة الرب، العمل الذي قاما به قبل ذهابهما إلى أورشليم.
فهل تعمل على انتشار كلمة الخلاص لمن حولك؟
آية للحفظ:
«فَلَمَّا قَرَأُوهَا (الرِّسَالَةَ) فَرِحُوا لِسَبَبِ التَّعْزِيَةِ» (أعمال 15: 31)
صلاة:
أشكرك يا ربّ لأنّ كلّ رسالة تصلني من عندك هي مصدر عزاء وتشجيع لي. باركني لأكون رسالة عزاء وتشجيع لإخوتي.
سؤال:
12 - لماذا فرح المؤمنون عندما قرأوا قرار مجمع أورشليم؟
الفصل العاشر
رحلة بولس الرسول التبشيرية الثانية
أعمال 15: 36-18: 22
رأينا في الدرس السابق رجوع بولس وبرنابا من أورشليم إلى كنيسة أنطاكية يحملان رسالة من مجمع أورشليم توصي بقبول المؤمنين من الأمم من غير أن يخضعوا لشريعة موسى، لأنّ نعمة المسيح وحدها كافية للخلاص. كما رأينا فرح كنيسة أنطاكية بقرار المجمع، وترحيبها ببولس وبرنابا ومن معهما. وفي هذا الدّرس سنرى غيرة بولس الرّسول على انتشار كلمة الله بين الأمم. ونبدأ بدرس رحلته التبشيرية الثانية.
36 ثُمَّ بَعْدَ أَيَّامٍ قَالَ بُولُسُ لِبَرْنَابَا: «لِنَرْجِعْ وَنَفْتَقِدْ إِخْوَتَنَا فِي كُلِّ مَدِينَةٍ نَادَيْنَا فِيهَا بِكَلِمَةِ الرَّبِّ كَيْفَ هُمْ». 37 فَأَشَارَ بَرْنَابَا أَنْ يَأْخُذَا مَعَهُمَا أَيْضاً يُوحَنَّا الَّذِي يُدْعَى مَرْقُسَ. 38 وَأَمَّا بُولُسُ فَكَانَ يَسْتَحْسِنُ أَنَّ الَّذِي فَارَقَهُمَا مِنْ بَمْفِيلِيَّةَ وَلَمْ يَذْهَبْ مَعَهُمَا لِلْعَمَلِ، لاَ يَأْخُذَانِهِ مَعَهُمَا. 39 فَحَصَلَ بَيْنَهُمَا مُشَاجَرَةٌ حَتَّى فَارَقَ أَحَدُهُمَا الآخَرَ. وَبَرْنَابَا أَخَذَ مَرْقُسَ وَسَافَرَ فِي الْبَحْرِ إِلَى قُبْرُسَ، 40 وَأَمَّا بُولُسُ فَاخْتَارَ سِيلاَ وَخَرَجَ مُسْتَوْدَعاً مِنَ الإِخْوَةِ إِلَى نِعْمَةِ اللهِ. 41 فَاجْتَازَ فِي سُورِيَّةَ وَكِيلِيكِيَّةَ يُشَدِّدُ الْكَنَائِسَ (أعمال 15: 36-41).
مكث بولس وبرنابا وقتاً في كنيسة أنطاكية. وبعد ذلك أعلن بولس لبرنابا رغبته في زيارة الكنائس التي سبق وأنشآها في آسيا الصغرى، ليعرفا إن كان عدد الأعضاء قد زاد أم لا، وليطمئنّا على تقدّم المؤمنين في النّعمة ومعرفة المسيح المخلّص. ورحَّب برنابا بفكرة بولس، ورغب أن يأخذا معهما مرقس، ابن أخته (وهو كاتب إنجيل مرقس)، وكان قد صاحبهما في الرّحلة التبشيرية الأولى خادماً لهما (أعمال 12: 25، 13: 5). ولكن عند وصولهم إلى مدينة برجة بولاية بمفيلية تركهما ورجع إلى أورشليم (أعمال 13: 13). لذلك خاف بولس أن يتركهما مرقس مرّة أخرى في وقت يكونان فيه في شديد الحاجة إلى خدمته، كما فعل من قبل. ولهذا اقترح بولس عدم سفر مرقس معهما. واختلف برنابا مع بولس، فافترقا.
وقد أخرج الله من هذه المشاجرة شيئاً صالحاً، فقد تكوَّنت فرقتان للتّبشير بدلاً من فرقة واحدة، سافرتا إلى اتجاهين، فوصلت رسالة الإنجيل إلى بلاد أكثر. وفي نهاية خدمة بولس الرّسول كتب إلى تلميذه تيموثاوس يقول: « خُذْ مَرْقُسَ وَأَحْضِرْهُ مَعَكَ لأَنَّهُ نَافِعٌ لِي لِلْخِدْمَةِ» (2تيموثاوس 4: 11)، فقد نجح يوحنا مرقس في خدمته أيضاً بفضل عمل الرّوح القدس فيه.
أخذ برنابا ابن أخته يوحنا مرقس معه، وسافر بحراً إلى قبرس لتشجيع الكنيسة هناك. وأخذ بولس سيلا معه في رحلة تبشيريّة جديدة. وظلّ سيلا يرافق بولس في رحلاته (1بطرس 5: 12).
ويبدو أنّ كنيسة أنطاكية ساندت بولس في موقفه، وباركت سفره مع سيلا، لأنّ بولس «خَرَجَ مُسْتَوْدَعاً مِنَ الإِخْوَةِ إِلَى نِعْمَةِ اللهِ». وبدأ بولس وسيلا رحلة تبشيرية ثانية استغرقت نحو ثلاث سنوات ونصف، وقد كانت الفترة بين الرّحلة التبشيرية الأولى والثانية نحو خمس سنوات.
وذهب بولس وسيلا أولاً إلى سوريا وكيليكية لتشجيع الكنائس هناك وتثبيتها في الإيمان، وليعلنا لأعضائها قرار مجمع أورشليم بشأن مؤمني الأمم.
ومن مشاجرة بولس وبرنابا وافتراقهما نلاحظ أنّ الرّسل كانوا بشراً لم ينسبوا لأنفسهم العصمة، وكانوا أمناء في تسجيل ما حدث، كما نلاحظ أنّـهم لم يبغضوا الذين اختلفوا معهم في وجهات نظرهم.
آية للحفظ:
«وَأَمَّا بُولُسُ فَاخْتَارَ سِيلاَ وَخَرَجَ مُسْتَوْدَعاً مِنَ الإِخْوَةِ إِلَى نِعْمَةِ اللهِ» (أعمال 15: 40)
صلاة:
أنت وحدك يا الله القادر أن تُخرج من الآكل أكلاً ومن الجافي حلاوة. علِّمني أن أدرك أنَّ كل الأشياء تعمل معاً للخير للذين يحبّون الله.
سؤال:
13 - لماذا سجَّل الوحي لنا خبر مشاجرة بولس وبرنابا؟
1 ثُمَّ وَصَلَ إِلَى دَرْبَةَ وَلِسْتِرَةَ وَإِذَا تِلْمِيذٌ كَانَ هُنَاكَ اسْمُهُ تِيمُوثَاوُسُ ابْنُ امْرَأَةٍ يَهُودِيَّةٍ مُؤْمِنَةٍ، وَلَكِنَّ أَبَاهُ يُونَانِيٌّ، 2 وَكَانَ مَشْهُوداً لَهُ مِنَ الإِخْوَةِ الَّذِينَ فِي لِسْتِرَةَ وَإِيقُونِيَةَ. 3 فَأَرَادَ بُولُسُ أَنْ يَخْرُجَ هَذَا مَعَهُ، فَأَخَذَهُ وَخَتَنَهُ مِنْ أَجْلِ الْيَهُودِ الَّذِينَ فِي تِلْكَ الأَمَاكِنِ، لأَنَّ الْجَمِيعَ كَانُوا يَعْرِفُونَ أَبَاهُ أَنَّهُ يُونَانِيٌّ. 4 وَإِذْ كَانُوا يَجْتَازُونَ فِي الْمُدُنِ كَانُوا يُسَلِّمُونَهُمُ الْقَضَايَا الَّتِي حَكَمَ بِهَا الرُّسُلُ وَالْمَشَايِخُ الَّذِينَ فِي أُورُشَلِيمَ لِيَحْفَظُوهَا. 5 فَكَانَتِ الْكَنَائِسُ تَتَشَدَّدُ فِي الإِيمَانِ وَتَزْدَادُ فِي الْعَدَدِ كُلَّ يَوْمٍ (أعمال 16: 1-5).
ذهب بولس مع سيلا إلى دربة ولسترة وقد سبق أن زاراهما من قبل (أعمال 14: 6). ويقول الوحي إنّ بولس وصل إلى دربة أولاً قبل لسترة، لأنّه أتى إليها من جهة الشّرق. وفي لسترة قابل بولس «تيموثاوس» وكان قد عمَّده وعلَّمه عندما التقى به في رحلته التّبشيرية الأولى. وكانت أمّ تيموثاوس يهودية تقيّة اسمها أفنيكي، وكذلك كانت جدَّته لوئيس (2 تيموثاوس 1: 5) مع أنَّ أباه كان وثنياً يونانياً.
وكان تيموثاوس حديث السّن، لكنّه كان تقياً عارفاً بالكتب المقدسة، مشهوداً له بالتّقوى من أعضاء الكنيسة وقسوسها، فأراد بولس أن يأخذه معه للتّبشير باسم المسيح. ولم يكن تيموثاوس مختوناً لأنّ أباه يونانيّ وثنيّ، فقرّر بولس أن يُختَتن حتى لا يعترض اليهود عليه إذا وقف بينهم مبشّراً بالمسيح، مع أنّ الختان ليس ضرورياً للخلاص، كما قرّر مجمع أورشليم. وهذا يعني أننا يجب أن نتساهل في الأمور الثانوية العرضية متى كان هذا التساهل وسيلة لربح النفوس للمسيح، لأنّ « رَابِحُ النُّفُوسِ حَكِيمٌ» (أمثال 11: 30). وكان بولس يقول: «صِرْتُ لِلْيَهُودِ كَيَهُودِيٍّ لأَرْبَحَ الْيَهُودَ، وَلِلَّذِينَ تَحْتَ النَّامُوسِ كَأَنِّي تَحْتَ النَّامُوسِ لأَرْبَحَ الَّذِينَ تَحْتَ النَّامُوسِ» (1كورنثوس 9: 20). وكان لبولس تلميذ آخر هو «تيطس» لم يُختَن (غلاطية 2: 3) لأنّ خدمته كانت بين الأمم.
ذهب بولس ومعه تيموثاوس وسيلا إلى الكنائس التي تأسّست في دربة ولسترة وإيقونية وأنطاكية بيسيدية وغيرها ليخبروهم بقرار مجمع أورشليم، وذلك لراحة الكنائس. وفرحت الكنائس وتعمَّقت ثقتها بحقائق الإنجيل، لأنّـها عرفت أنّ المسيح هو المخلّص الوحيد، فزاد عدد المؤمنين في الكنائس.
آية للحفظ:
«فَكَانَتِ الْكَنَائِسُ تَتَشَدَّدُ فِي الإِيمَانِ وَتَزْدَادُ فِي الْعَدَدِ كُلَّ يَوْمٍ» (أعمال 16: 5)
صلاة:
أشكرك يا ربّ لأجل الحرّية التي حرّرني المسيح بها. شدّد إيماني ليكون قوياً أمام العواصف، وباركني وبارك كنيستي لتنمو في العدد كل يوم.
سؤال:
14 - لماذا ختن بولس تيموثاوس، بالرغم من قرار مجمع أورشليم؟
6 وَبَعْدَ مَا اجْتَازُوا فِي فِرِيجِيَّةَ وَكُورَةِ غَلاَطِيَّةَ مَنَعَهُمُ الرُّوحُ الْقُدُسُ أَنْ يَتَكَلَّمُوا بِالْكَلِمَةِ فِي أَسِيَّا. 7 فَلَمَّا أَتَوْا إِلَى مِيسِيَّا حَاوَلُوا أَنْ يَذْهَبُوا إِلَى بِثِينِيَّةَ فَلَمْ يَدَعْهُمُ الرُّوحُ. 8 فَمَرُّوا عَلَى مِيسِيَّا وَانْحَدَرُوا إِلَى تَرُوَاسَ. 9 وَظَهَرَتْ لِبُولُسَ رُؤْيَا فِي اللَّيْلِ: رَجُلٌ مَكِدُونِيٌّ قَائِمٌ يَطْلُبُ إِلَيْهِ وَيَقُولُ: «اعْبُرْ إِلَى مَكِدُونِيَّةَ وَأَعِنَّا!». 10 فَلَمَّا رَأَى الرُّؤْيَا لِلْوَقْتِ طَلَبْنَا أَنْ نَخْرُجَ إِلَى مَكِدُونِيَّةَ مُتَحَقِّقِينَ أَنَّ الرَّبَّ قَدْ دَعَانَا لِنُبَشِّرَهُمْ (أعمال 16: 6-10).
ذهب بولس إلى فريجية وهي القسم الأكبر من وسط آسيا الصغرى، وفيها ثلاث مدن عظيمة هي كولوسي وهيرابوليس ولاودكية. كما ذهب إلى منطقة غلاطية، وهي قسم آخر من آسيا الصغرى كان أكثر سكّانها من الوثنيين، وكان فيها كثير من اليهود. ومنع الروح القدس بولس من التّبشير في الجزء الغربي من آسيا الصغرى، وكان للرّوح القدس قصد في ذلك الوقت، لأنّ بولس رجع إليها بعد ذلك وأسّس فيها كنائس قويّة.
وذهب بولس إلى ميسيّا، وهي القسم الشمالي من آسيا الصغرى، ثم إلى بيثينيّة شرق ميسيّا، فمنعه الروح أيضاً من التّبشير فيها، لأنّه أراد أن يذهب بولس ومن معه إلى أوروبا تحقيقاً لقول المسيح: «تَكُونُونَ لِي شُهُوداً.. إِلَى أَقْصَى الأَرْضِ».
ثمّ ذهب بولس إلى ترواس القريبة من آثار مدينة «طروادة» التي حاربها اليونانيون قديماً.
وذات ليلة بينما كان بولس نائماً رأى في رؤيا رجلاً تدلّ ملابسه ولهجته أنّه من مقاطعة مكدونية يصرخ طالباً منه أن يساعد أهل مكدونية وباقي بلاد أوربا على الشّيطان والجهل والخطيّة والهلاك، وذلك بالتّبشير برسالة خلاص المسيح. وبهذا أعلن الله إرادته لبولس ليُدخِل المسيحية إلى أوروبا. واستجاب بولس ومعه سيلا لصوت الرّبّ عن طريق هذه الرؤيا، وجهّزا وسائل السّفر إلى مكدونية. ومن المرجّح أنّ لوقا الطبيب كاتب سفر الأعمال ذهب مع بولس وسيلا إلى مكدونية بدليل قوله: « لِلْوَقْتِ طَلَبْنَا أَنْ نَخْرُجَ إِلَى مَكِدُونِيَّةَ» .
واليوم يوجد كثيرون في العالم يحتاجون إلى الخلاص، من جيراننا ومن البعيدين عنّا، وهم يصرخون صرخة المكدوني لنعينهم. وعلينا كمسيحيين حقيقيين أن نبشّرهم برسالة الخلاص. فهل أنت مستعدّ لخدمة المسيح؟ قُل: «هَئَنَذَا أَرْسِلْنِي» (إشعياء 6: 8) .
11 فَأَقْلَعْنَا مِنْ تَرُوَاسَ وَتَوَجَّهْنَا بِالاِسْتِقَامَةِ إِلَى سَامُوثْرَاكِي، وَفِي الْغَدِ إِلَى نِيَابُولِيسَ، 12 وَمِنْ هُنَاكَ إِلَى فِيلِبِّي الَّتِي هِيَ أَوَّلُ مَدِينَةٍ مِنْ مُقَاطَعَةِ مَكِدُونِيَّةَ، وَهِيَ كُولُونِيَّةُ. فَأَقَمْنَا فِي هَذِهِ الْمَدِينَةِ أَيَّاماً. 13 وَفِي يَوْمِ السَّبْتِ خَرَجْنَا إِلَى خَارِجِ الْمَدِينَةِ عِنْدَ نَهْرٍ حَيْثُ جَرَتِ الْعَادَةُ أَنْ تَكُونَ صَلاَةٌ، فَجَلَسْنَا وَكُنَّا نُكَلِّمُ النِّسَاءَ اللَّوَاتِي اجْتَمَعْنَ. 14 فَكَانَتْ تَسْمَعُ امْرَأَةٌ اسْمُهَا لِيدِيَّةُ بَيَّاعَةُ أُرْجُوانٍ مِنْ مَدِينَةِ ثَيَاتِيرَا مُتَعَبِّدَةٌ لله، فَفَتَحَ الرَّبُّ قَلْبَهَا لِتُصْغِيَ إِلَى مَا كَانَ يَقُولُهُ بُولُسُ. 15 فَلَمَّا اعْتَمَدَتْ هِيَ وَأَهْلُ بَيْتِهَا طَلَبَتْ قَائِلَةً: «إِنْ كُنْتُمْ قَدْ حَكَمْتُمْ أَنِّي مُؤْمِنَةٌ بِالرَّبِّ فَادْخُلُوا بَيْتِي وَامْكُثُوا». فَأَلْزَمَتْنَا (أعمال 16: 11-15).
رأى بولس وهو في ترواس الرؤيا التي أرشدته للذهاب إلى مكدونية، فأخذ مركباً شراعياً مع رفاقه وتوجّه إلى «ساموثراكي» وهي جزيرة في منتصف الطريق بين ترواس ونيابوليس، ووصل نيابوليس بعد يومين، ومنها إلى مدينة فيلبي، وهي «كولونية» بمعنى أن سكانها يتمتعون بما يتمتع به الرومان من حقوق. وهي أول مدينة يصل إليها المسافر من الشّرق إلى الغرب.
ومكث بولس في فيلبي حتى يوم السبت. ولم يكن فيها مجمع لليهود لقلَّة عددهم، فكانوا يتعبَّدون عند نهر اسمه «كنجس» لأن العبادة اليهودية تتطلَّب الكثير من الاغتسال. وذهب بولس ورفاقه إلى النّهر فوجدوا بعض النّساء، فبشّروهنَّ بإنجيل المسيح. وكانت بينهنَّ سيدة اسمها «ليدية» من مدينة ثياتيرا التي تقع بين برغامس وساردس. وكانت ثياتيرا قديماً مشهورة بوجود نوع من صبغة الثياب حمراء اللون، تُستخرج من أصداف البحر الأبيض المتوسط، فكانت ليدية تحمل الثياب المصبوغة بهذه الصبغة الحمراء المعروفة باسم «الأرجوان» من ثياتيرا إلى فيلبي لتبيعها فيها. وعمل الروح القدس في قلب ليدية وهي تسمع وعظ بولس، فآمنت وطلبت أن تعتمد هي وأهل بيتها.
ولما رأى بولس قوّة إيمانها واعترافها العلني بقبول المسيح مخلصاً لها عمّدها مع أهل بيتها. ومن هذا نتعلّم جواز معمودية أطفال المؤمنين. وطلبت ليدية من بولس ورفاقه أن يقضوا وقتاً في بيتها للصلاة والعبادة. ولمّا علمت أنهم غرباء طلبت منهم أن يمكثوا في بيتها. والمسيحية تشجّع على إضافة الغرباء. وقبل بولس ورفاقه دعوة ليدية. وهكذا بدأ تأسيس أول كنيسة في أوروبا.
آية للحفظ:
«فَفَتَحَ الرَّبُّ قَلْبَهَا لِتُصْغِيَ إِلَى مَا كَانَ يَقُولُهُ بُولُسُ» (أعمال 16: 14)
صلاة:
أشكرك يا ربّ لأجل عمل نعمتك التي تفتح القلوب لتسمع كلمتك وتقبلها وتفهمها، فتأتي بثمر يدوم ويكثر. عمِّق نعمتك فيَّ وافتح قلبي لمزيد منها.
سؤال:
15 - لماذا كانت ليدية في فيلبّي مع أنّـها من ثياتيرا؟
16 وَحَدَثَ بَيْنَمَا كُنَّا ذَاهِبِينَ إِلَى الصَّلاَةِ أَنَّ جَارِيَةً بِهَا رُوحُ عِرَافَةٍ اسْتَقْبَلَتْنَا. وَكَانَتْ تُكْسِبُ مَوَالِيَهَا مَكْسَباً كَثِيراً بِعِرَافَتِهَا. 17 هَذِهِ اتَّبَعَتْ بُولُسَ وَإِيَّانَا وَصَرَخَتْ قَائِلَةً: «هَؤُلاَءِ النَّاسُ هُمْ عَبِيدُ اللهِ الْعَلِيِّ الَّذِينَ يُنَادُونَ لَكُمْ بِطَرِيقِ الْخَلاَصِ». 18 وَكَانَتْ تَفْعَلُ هَذَا أَيَّاماً كَثِيرَةً. فَضَجِرَ بُولُسُ وَالْتَفَتَ إِلَى الرُّوحِ وَقَالَ: «أَنَا آمُرُكَ بِاسْمِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ أَنْ تَخْرُجَ مِنْهَا». فَخَرَجَ فِي تِلْكَ السَّاعَةِ (أعمال 16: 16-18).
بينما كان بولس ورفاقه ذاهبين من بيت ليدية إلى نهر كنجس للصّلاة قابلتهم جارية بها شيطان سمَّاه أهل فيلبّي «روح عرافة» لأنّـهم ظنّوا أنّ في هيكل «دلفي» (في اليونان) كاهنات يعرفن الأسرار بوحي من الإله «أبلو». وكان كثيرون من الوثنيّين يذهبون إلى هيكل «دلفي» ليعرفوا شيئاً عن الأسرار والمستقبل. وظنَّ سكان فيلبّي أنّ تلك الجارية كاهنة تعرف الأسرار، بينما كان الشيطان يعمل فيها. فكانت تكسب أموالاً كثيرة تعطيها لأسيادها الذين اشتروها ليربحوا من عرافتها.
سمعت تلك الجارية بولس يعظ عن الإله المقتدر وعن الخلاص بالمسيح، فتبعته وأصحابه عند ذهابهم للصلاة وهي تصرخ: «هَؤُلاَءِ النَّاسُ هُمْ عَبِيدُ اللهِ الْعَلِيِّ الَّذِينَ يُنَادُونَ لَكُمْ بِطَرِيقِ الْخَلاَصِ». وقد دفعها الشّيطان أو الروح النجس أن تشهد للمسيح، كما شهدت الشّياطين للمسيح من قبل (مرقس 5: 7 ولوقا 4: 34 و8: 24). ودفع الشّيطان تلك الجارية لتكرّر هذا الكلام، فتضايق بولس لأنّـها تمنع الناس من سماع وعظه بصراخها المستمر، وشفق عليها لأنّ الشيطان استعبدها، فأمر الشيطان الساكن فيها: «أَنَا آمُرُكَ بِاسْمِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ أَنْ تَخْرُجَ مِنْهَا». ففي الحال تركها وخرج، فاستراحت المسكينة منه.
آية للحفظ:
«هَؤُلاَءِ النَّاسُ هُمْ عَبِيدُ اللهِ الْعَلِيِّ الَّذِينَ يُنَادُونَ لَكُمْ بِطَرِيقِ الْخَلاَصِ» (أعمال 16: 17)
صلاة:
أشكرك يا الله لأجل القوّة السّماوية التي تحرّر الناس من الضّلال والسّحر والعِرَافَة، كما تحرّرهم من استعباد الناس. أطلق كثيرين في الحريّة بالمسيح.
سؤال:
16 - لماذا طرد بولس روح العِرَافَة من الجارية؟
19 فَلَمَّا رَأَى مَوَالِيهَا أَنَّهُ قَدْ خَرَجَ رَجَاءُ مَكْسَبِهِمْ أَمْسَكُوا بُولُسَ وَسِيلاَ وَجَرُّوهُمَا إِلَى السُّوقِ إِلَى الْحُكَّامِ. 20 وَإِذْ أَتَوْا بِهِمَا إِلَى الْوُلاَةِ قَالُوا: «هَذَانِ الرَّجُلاَنِ يُبَلْبِلاَنِ مَدِينَتَنَا وَهُمَا يَهُودِيَّانِ، 21 وَيُنَادِيَانِ بِعَوَائِدَ لاَ يَجُوزُ لَنَا أَنْ نَقْبَلَهَا وَلاَ نَعْمَلَ بِهَا، إِذْ نَحْنُ رُومَانِيُّونَ». 22 فَقَامَ الْجَمْعُ مَعاً عَلَيْهِمَا وَمَزَّقَ الْوُلاَةُ ثِيَابَهُمَا وَأَمَرُوا أَنْ يُضْرَبَا بِالْعِصِيِّ. 23 فَوَضَعُوا عَلَيْهِمَا ضَرَبَاتٍ كَثِيرَةً وَأَلْقُوهُمَا فِي السِّجْنِ، وَأَوْصُوا حَافِظَ السِّجْنِ أَنْ يَحْرُسَهُمَا بِضَبْطٍ. 24 وَهُوَ إِذْ أَخَذَ وَصِيَّةً مِثْلَ هَذِهِ أَلْقَاهُمَا فِي السِّجْنِ الدَّاخِلِيِّ وَضَبَطَ أَرْجُلَهُمَا فِي الْمِقْطَرَةِ (أعمال 16: 19-24).
خرج الشّيطان من الجارية فهدأت وتغيّرت هيئتها لأنها شُفيت، فجُنَّ جنون أسيادها لأنّ الشّيطان الذي كان فيها كان مصدر مكسبهم الماديّ، وأرادوا الانتقام من بولس وسيلا لأنّـهما المتقدّمان في الكلام، فأمسكوهما وجرّوهما إلى السّوق، حيث مبنى الحكومة، وحيث يجتمع الناس، وقالوا للحكّام إنّ هذين الرجلين يفسدان أفكار سكان المدينة، وهما يهوديّان يناديان بعقائد غير عقائدنا. وسمع جهلاء الشّعب هذا الكلام فانضمّوا إلى أولئك الرجال، وطلبوا من الحُكّام معاقبة بولس وسيلا، فأمر الحُكّام الجلادين أن يُعرّوهما ليجلدوهما، فمزّقوا ثيابهما وضربوهما كثيراً بالعصي، ووضعوهما في السجن، وأوصوا مدير السجن أن يشدّد الحراسة عليهما. وكان السّجن ثلاثة أقسام: الأول يدخله النور والهواء، والثاني داخل باب من الحديد، والثالث تحت الأرض مثل الكهف، ولا يُسجَن فيه إلاّ من يستحقّ الموت. ولما سمع مدير السّجن بضرورة تشديد الحراسة على بولس وسيلا وضعهما في أردأ أقسام السّجن، ووضع أرجلهما في المقطرة، وهي قطعتا خشب ثقيلتان، في كل منهما خمس فتحات بشكل نصف دائرة، فتحة للرأس، وفتحتان لليدين، وفتحتان للرِّجلين. وفتحتا الرجلين إحداهما بعيدة عن الأخرى لتسبِّب ألماً شديداً للمسجون. وكانوا يضعون إحدى الخشبيتين فوق الأخرى وبينهما رأس السّجين ويداه ورجلاه.. على أنّ مدير سجن فيلبّي اكتفى بوضع أرجل الرسولين فقط في المقطرة.
25 وَنَحْوَ نِصْفِ اللَّيْلِ كَانَ بُولُسُ وَسِيلاَ يُصَلِّيَانِ وَيُسَبِّحَانِ اللهَ وَالْمَسْجُونُونَ يَسْمَعُونَهُمَا. 26 فَحَدَثَ بَغْتَةً زَلْزَلَةٌ عَظِيمَةٌ حَتَّى تَزَعْزَعَتْ أَسَاسَاتُ السِّجْنِ، فَانْفَتَحَتْ فِي الْحَالِ الأَبْوَابُ كُلُّهَا وَانْفَكَّتْ قُيُودُ الْجَمِيعِ. 27 وَلَمَّا اسْتَيْقَظَ حَافِظُ السِّجْنِ وَرَأَى أَبْوَابَ السِّجْنِ مَفْتُوحَةً اسْتَلَّ سَيْفَهُ وَكَانَ مُزْمِعاً أَنْ يَقْتُلَ نَفْسَهُ، ظَانّاً أَنَّ الْمَسْجُونِينَ قَدْ هَرَبُوا. 28 فَنَادَى بُولُسُ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ قَائِلاً: «لاَ تَفْعَلْ بِنَفْسِكَ شَيْئاً رَدِيّاً لأَنَّ جَمِيعَنَا هَهُنَا». 29 فَطَلَبَ ضَوْءاً وَانْدَفَعَ إِلَى دَاخِلٍ وَخَرَّ لِبُولُسَ وَسِيلاَ وَهُوَ مُرْتَعِدٌ 30 ثُمَّ أَخْرَجَهُمَا وَقَالَ: «يَا سَيِّدَيَّ، مَاذَا يَنْبَغِي أَنْ أَفْعَلَ لِكَيْ أَخْلُصَ؟» 31 فَقَالاَ: «آمِنْ بِالرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ فَتَخْلُصَ أَنْتَ وَأَهْلُ بَيْتِكَ». 32 وَكَلَّمَاهُ وَجَمِيعَ مَنْ فِي بَيْتِهِ بِكَلِمَةِ الرَّبِّ، 33 فَأَخَذَهُمَا فِي تِلْكَ السَّاعَةِ مِنَ اللَّيْلِ وَغَسَّلَهُمَا مِنَ الْجِرَاحَاتِ، وَاعْتَمَدَ فِي الْحَالِ هُوَ وَالَّذِينَ لَهُ أَجْمَعُونَ. 34 وَلَمَّا أَصْعَدَهُمَا إِلَى بَيْتِهِ قَدَّمَ لَهُمَا مَائِدَةً وَتَهَلَّلَ مَعَ جَمِيعِ بَيْتِهِ إِذْ كَانَ قَدْ آمَنَ بِاللهِ (أعمال 16: 25-34).
كان بولس وسيلا في السّجن في شدّة الألم ولم يستطيعا النوم، لكنّهما كانا في سلام كامل لأنّ الله قوَّى إيمانهما، فكانا يصليان ويرنّمان لله بصوت مرتفع حتى سمعهما كل المسجونين. فما أعجب سلام الله الكامل الذي ينشئ فرحاً داخلياً مهما كانت قسوة الظروف المحيطة. ولا يستطيع أعداء المؤمن أن يحرموه من سلام الله حتى وإن كان في السجن.
وفي منتصف الليل حدثت زلزلة عظيمة، شعر بها بولس وسيلا أكثر من الجميع لأنّـهما كانا في السّجن الداخلي تحت الأرض! وانفتحت جميع أبواب أقسام السّجن وانفكَّت السّلاسل من أيدي وأرجل جميع المسجونين!
انزعج مدير السّجن جداً من الزلزلة، وارتعب وهو يرى أبواب السجن مفتوحة، واعتقد أنّ جميع المسجونين قد هربوا، فاستلّ سيفه وأراد أن يقتل نفسه أو ينتحر خوفاً من العار الذي يصيبه لو قتله الحكّام أمام الناس بسبب إهماله. ولم يكن الانتحار عيباً عند الرومان بل حسبوه شجاعة. فصرخ بولس بصوت عالٍ جداً وطلب من مدير السّجن أن لا يقتل نفسه لأنّ جميع المسجونين لم يهربوا.
لم يفرح بولس أو يشمت بمدير السّجن، بل منعه من الانتحار، وهذه هي روح المسيحي الحقيقيّ الذي يبارك حتّى أعداءه. وسمع مدير السّجن كلام بولس وكان السجن مظلماً، فأخذ معه ضوءاً ودخل إلى السجن الداخلي. وظنّ أنّ إله بولس وسيلا سيقتله، فسجد لهما كأنّه يطلب منهما الصفح، ثمّ أخرجهما وكلّمهما بكل احترام، وسأل عمّا يجب أن يفعله حتى يخلص. ولا بدّ أنّه سبق وسمع ما قالته العرّافة إنّـهما عبيد الله العليّ الذين ينادون بطريق الخلاص، فأيقظ روح الله ضميره. فأجابه بولس أنّه إن أراد أن ينجو من الخطية ومن عقابها فعليه أن يؤمن بالمسيح ربّ الخلاص، وأنّه إن آمن هو وأهل بيته سيخلصون ويحصلون على سلام الله في المسيح.
وهكذا أعطى الرب بولس وسيلا فرصة طيّبة لتبشير مدير السجن وأهل بيته وباقي المسجونين، فأخبرا الجميع عن وجوب التوبة والإيمان بالمسيح. وآمن مدير السجن بالمسيح وبمحبته، وظهر ثمر إيمانه بأن اعتنى ببولس وسيلا وغسلهما من دماء الجراح التي أصابتهما بسبب الضرب والتعذيب، وطلب أن يعتمد في الحال هو وأهل بيته.
ولم يترك مدير السجن بولس وسيلا في السجن بل أخذهما إلى بيته، وقدم لهما طعاماً، وامتلأ قلبه فرحاً بخلاص المسيح هو وأهل بيته.
آية للحفظ:
«آمِنْ بِالرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ فَتَخْلُصَ أَنْتَ وَأَهْلُ بَيْتِكَ» (أعمال 16: 31)
صلاة:
أشكرك يا ربّي لأجل كل ما يجري حولي، وأطلب مساعدتك لأحسبه كل فرح حينما أقع في تجارب متنوّعة، لأنّ كلّ الأشياء تعمل معاً لخيري.
سؤال:
17 - لماذا تهلّلَ مدير سجن فيلبّي مع جميع بيته؟
35 وَلَمَّا صَارَ النَّهَارُ أَرْسَلَ الْوُلاَةُ الْجَلاَّدِينَ قَائِلِينَ: «أَطْلِقْ ذَيْنِكَ الرَّجُلَيْنِ». 36 فَأَخْبَرَ حَافِظُ السِّجْنِ بُولُسَ أَنَّ الْوُلاَةَ قَدْ أَرْسَلُوا أَنْ تُطْلَقَا، فَاخْرُجَا الآنَ وَاذْهَبَا بِسَلاَمٍ. 37 فَقَالَ لَهُمْ بُولُسُ: «ضَرَبُونَا جَهْراً غَيْرَ مَقْضِيٍّ عَلَيْنَا، وَنَحْنُ رَجُلاَنِ رُومَانِيَّانِ، وَأَلْقَوْنَا فِي السِّجْنِ - أَفَالآنَ يَطْرُدُونَنَا سِرّاً؟ كَلاَّ! بَلْ لِيَأْتُوا هُمْ أَنْفُسُهُمْ وَيُخْرِجُونَا». 38 فَأَخْبَرَ الْجَلاَّدُونَ الْوُلاَةَ بِهَذَا الْكَلاَمِ، فَاخْتَشَوْا لَمَّا سَمِعُوا أَنَّهُمَا رُومَانِيَّانِ. 39 فَجَاءُوا وَتَضَرَّعُوا إِلَيْهِمَا وَأَخْرَجُوهُمَا، وَسَأَلُوهُمَا أَنْ يَخْرُجَا مِنَ الْمَدِينَةِ. 40 فَخَرَجَا مِنَ السِّجْنِ وَدَخَلاَ عِنْدَ لِيدِيَّةَ، فَأَبْصَرَا الإِخْوَةَ وَعَزَّيَاهُمْ ثُمَّ خَرَجَا (أعمال 16: 35-40).
قضى بولس وسيلا بقيّة الليل في بيت مدير السّجن، وفي الصّباح أرسل الحكام الجلاّدين يطلبون إطلاق سراحهما سرّاً، لأنّ الحكّام خالفوا الشّريعة الرومانية لمّا ضربوهما وحبسوهما بدون محاكمة. وفرح مدير السّجن بهذا الخبر، وظنّ أنّ بولس وسيلا سيغتنمان الفرصة للذهاب في الحال، فحيّاهما تحيّة الوداع قائلاً: «اذْهَبَا بِسَلاَمٍ». ولكن بولس اعترض على هذه المعاملة الظالمة، لأنّ الولاة ضربوهما أمام الجمهور بدون محاكمة، مما سبَّب لهما الآلام والعار، وهذا ضد الشريعة الرومانية التي لا تضرب رومانياً بغير محاكمة، وقد كان بولس وسيلا يتمتّعان بالجنسية الرومانية. ورفض بولس أن يذهب قبل أن يحضر الحكّام ليطلقوا سراحهما جهراً كما ضربوهما جهراً. ونتعلم من هذا أنّ المسيحية لا تجبر المسيحيين على ترك حقوقهم المدنية.
وأبلغ الجلادون هذا الكلام للحكام، فخجلوا وخافوا لأنّـهم خالفوا الشريعة الرومانية، وجاءوا إلى السّجن وتضرّعوا لهما أن يصفحا عن هذا الخطأ القانوني الفاضح، وطلبوا منهما الخروج من فيلبّي وقايةً لهما وحماية للمدينة. فذهب بولس وسيلا إلى بيت ليدية حيث شجّعا المؤمنين وأخبراهم بقوّة الله التي أخرجتهما من السّجن وغيَّرت قلب مدير السّجن وأهل بيته.
واستراح ضميرا بولس وسيلا لأنّـهما أطاعا نداء الرب واستجابا لصرخة الرّجل المكدوني وأسّسا كنيسة في مدينة فيلبّي. وأرادا أن يذهبا إلى بلاد أخرى للتّبشير، فخرجا من فيلبّي بينما بقي لوقا فيها.
1 فَاجْتَازَا فِي أَمْفِيبُولِيسَ وَأَبُولُونِيَّةَ وَأَتَيَا إِلَى تَسَالُونِيكِي حَيْثُ كَانَ مَجْمَعُ الْيَهُودِ، 2 فَدَخَلَ بُولُسُ إِلَيْهِمْ حَسَبَ عَادَتِهِ وَكَانَ يُحَاجُّهُمْ ثَلاَثَةَ سُبُوتٍ مِنَ الْكُتُبِ، 3 مُوَضِّحاً وَمُبَيِّناً أَنَّهُ كَانَ يَنْبَغِي أَنَّ الْمَسِيحَ يَتَأَلَّمُ وَيَقُومُ مِنَ الأَمْوَاتِ، وَأَنَّ هَذَا هُوَ الْمَسِيحُ يَسُوعُ الَّذِي أَنَا أُنَادِي لَكُمْ بِهِ. 4 فَاقْتَنَعَ قَوْمٌ مِنْهُمْ وَانْحَازُوا إِلَى بُولُسَ وَسِيلاَ، وَمِنَ الْيُونَانِيِّينَ الْمُتَعَبِّدِينَ جُمْهُورٌ كَثِيرٌ، وَمِنَ النِّسَاءِ الْمُتَقَدِّمَاتِ عَدَدٌ لَيْسَ بِقَلِيلٍ. 5 فَغَارَ الْيَهُودُ غَيْرُ الْمُؤْمِنِينَ وَاتَّخَذُوا رِجَالاً أَشْرَاراً مِنْ أَهْلِ السُّوقِ وَتَجَمَّعُوا وَسَجَّسُوا الْمَدِينَةَ، وَقَامُوا عَلَى بَيْتِ يَاسُونَ طَالِبِينَ أَنْ يُحْضِرُوهُمَا إِلَى الشَّعْبِ. 6 وَلَمَّا لَمْ يَجِدُوهُمَا جَرُّوا يَاسُونَ وَأُنَاساً مِنَ الإِخْوَةِ إِلَى حُكَّامِ الْمَدِينَةِ صَارِخِينَ: «إِنَّ هَؤُلاَءِ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمَسْكُونَةَ حَضَرُوا إِلَى هَهُنَا أَيْضاً. 7 وَقَدْ قَبِلَهُمْ يَاسُونُ. وَهَؤُلاَءِ كُلُّهُمْ يَعْمَلُونَ ضِدَّ أَحْكَامِ قَيْصَرَ قَائِلِينَ إِنَّهُ يُوجَدُ مَلِكٌ آخَرُ: يَسُوعُ!» 8 فَأَزْعَجُوا الْجَمْعَ وَحُكَّامَ الْمَدِينَةِ إِذْ سَمِعُوا هَذَا. 9 فَأَخَذُوا كَفَالَةً مِنْ يَاسُونَ وَمِنَ الْبَاقِينَ ثُمَّ أَطْلَقُوهُمْ (أعمال 17: 1-9).
ترك بولس وسيلا مدينة فيلبّي ومرَّا بمدينتي «أمفيبوليس» و«أبولونية» ثم أتيا إلى «تسالونيكي» عاصمة ولاية مكدونية، وهي تقع على بُعد مئة ميل من مدينة فيلبي. وكان اسم تسالونيكي قبلاً «ثرما» ثم سُمِّيت «تسالونيكي» إكراماً لاسم أخت الإسكندر الأكبر، واسمها اليوم «سالونيك» في اليونان. وكان في تسالونيكي مجمع لليهود، وجده بولس فرصة عظيمة للتّبشير باسم المسيح.
وفي يوم السبت ذهب بولس وسيلا إلى مجمع اليهود، وتردّدا عليه ثلاثة سبوت، شرح أثناءها بولس لليهود نبوّات العهد القديم التي تحقَّقت في يسوع الناصري، كما تكلّم عن حياة المسيح وتعاليمه وصلبه وقيامته، وأعلن أنّ كل من يؤمن به يحصل على الخلاص. والأغلب أنّ اليهود لم يسمحوا له بالوعظ أكثر من ثلاثة سبوت.
ولما سمع اليهود وبعض اليونانيين المتعبّدين تبشير بولس، اقتنع بعضهم واعترفوا بإيمانهم بالمسيح وطلبوا المعموديّة، بينما اغتاظ البعض الآخر من نجاح الإنجيل. وحسب عادة اليهود أن يستخدموا كل طريقة شرّيرة لمقاومة الإنجيل، سجَّسوا (أي هيَّجوا) سكان تسالونيكي واندفعوا إلى بيت «ياسون» (وهو من أقرباء بولس- انظر رومية 16: 21) حيث كان بولس وسيلا يقيمان ليقبضوا عليهما، فلم يجدوهما، فقبضوا على ياسون ومن معه من الذين آمنوا بالمسيح وأتوا بهم إلى حكّام المدينة، وقالوا إنّ ياسون قبل بولس ومن معه من الغرباء الخطرين على البلد وعلى الدولة الرومانية، لأنّـهم ينادون بملك آخر اسمه «يسوع»!
انزعج حُكّام تسالونيكي، وأخذوا كفالة مالية من ياسون ومن معه، ثمّ أطلقوهم. وهكذا أظهر اليهود شرّ قلوبهم، فمن الواضح لهم ولنا أنّ ملكوت الله الذي بشّر به بولس ليس مُلكاً أرضياً من هذا العالم، بل هو مُلك روحي، وأنّ المسيح لا يملك على الأجساد بل على القلوب.
آية للحفظ:
«هَؤُلاَءِ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمَسْكُونَةَ حَضَرُوا إِلَى هَهُنَا أَيْضاً» (أعمال 17: 6)
صلاة:
يا ربّ، ساعد المؤمنين أن يعيشوا بتقوى وينادوا باسم المسيح بقوّة ليفتنوا المسكونة بتقواهم وشهادتهم. وأَعطني أن أكون سبب اندهاش المحيطين بي بسبب حياتي التقيّة.
سؤال:
18 - ماذا تعرف عن ياسون؟
بولس وسيلا في بيريّة
10 وَأَمَّا الإِخْوَةُ فَلِلْوَقْتِ أَرْسَلُوا بُولُسَ وَسِيلاَ لَيْلاً إِلَى بِيرِيَّةَ. وَهُمَا لَمَّا وَصَلاَ مَضَيَا إِلَى مَجْمَعِ الْيَهُودِ. 11 وَكَانَ هَؤُلاَءِ أَشْرَفَ مِنَ الَّذِينَ فِي تَسَالُونِيكِي، فَقَبِلُوا الْكَلِمَةَ بِكُلِّ نَشَاطٍ فَاحِصِينَ الْكُتُبَ كُلَّ يَوْمٍ: هَلْ هَذِهِ الأُمُورُ هَكَذَا؟ 12 فَآمَنَ مِنْهُمْ كَثِيرُونَ، وَمِنَ النِّسَاءِ الْيُونَانِيَّاتِ الشَّرِيفَاتِ وَمِنَ الرِّجَالِ عَدَدٌ لَيْسَ بِقَلِيلٍ. 13 فَلَمَّا عَلِمَ الْيَهُودُ الَّذِينَ مِنْ تَسَالُونِيكِي أَنَّهُ فِي بِيرِيَّةَ أَيْضاً نَادَى بُولُسُ بِكَلِمَةِ اللهِ جَاءُوا يُهَيِّجُونَ الْجُمُوعَ هُنَاكَ أَيْضاً. 14 فَحِينَئِذٍ أَرْسَلَ الإِخْوَةُ بُولُسَ لِلْوَقْتِ لِيَذْهَبَ كَمَا إِلَى الْبَحْرِ، وَأَمَّا سِيلاَ وَتِيمُوثَاوُسُ فَبَقِيَا هُنَاكَ. 15 وَالَّذِينَ صَاحَبُوا بُولُسَ جَاءُوا بِهِ إِلَى أَثِينَا. وَلَمَّا أَخَذُوا وَصِيَّةً إِلَى سِيلاَ وَتِيمُوثَاوُسَ أَنْ يَأْتِيَا إِلَيْهِ بِأَسْرَعِ مَا يُمْكِنُ مَضَوْا (أعمال 17: 10-15).
عرف المؤمنون أنّ بولس وسيلا في خطر، فأرسلوهما في مساء اليوم ذاته إلى بيرية التي تقع غرب تسالونيكي. وذهب الرسولان إلى مجمع اليهود. وكان يهود بيريّة أشرف وأعقل من يهود تسالونيكي، فأظهروا استعدادهم لسماع كلمة الإنجيل وتفسير النبوات عن المسيح، وآمنوا وأظهروا نشاطاً روحيّاً، حتى أنّـهم كانوا يجتمعون للصّلاة كلّ يومٍ وليس في أيام السّبت فقط. ومن ذلك الوقت أصبح أهل بيريّة مثالاً في البحث عن الحق والإيمان به.
ولم يؤمن اليهود فقط في بيريّة بل آمن أيضاً كثيرون من الوثنيّين، رجالاً ونساءً.
وعندما عرف يهود تسالونيكي بما حدث من تبشيرٍ ناجحٍ في بيريّة جاءوا إليها بقلوب مملوءة بالحقد، وأزعجوا أفكار الناس وحاولوا إفساد إيمانهم. ورأى المؤمنون في بيريّة شرّ يهود تسالونيكي وعزمهم على قتل بولس، فأرسلوه بحراً إلى أثينا، وأرسلوا بعض رفقائه إلى أثينا بَرّاً. أما سيلا وتيموثاوس فبقيا بعض الوقت في بيرية، ثم ذهبا إلى بولس عندما طلبهما فيما بعد إلى أثينا وكورنثوس.
وهكذا حقّق بولس طلبة الرجل المكدوني الذي ظهر له في الرؤيا، وأسّس في ولاية مكدونية ثلاث كنائس هامّة: في فيلبّي، وتسالونيكي، وبيريّة.
بولس يكرز في أثينا
16 وَبَيْنَمَا بُولُسُ يَنْتَظِرُهُمَا فِي أَثِينَا احْتَدَّتْ رُوحُهُ فِيهِ إِذْ رَأَى الْمَدِينَةَ مَمْلُوءةً أَصْنَاماً، 17 فَكَانَ يُكَلِّمُ فِي الْمَجْمَعِ الْيَهُودَ الْمُتَعَبِّدِينَ وَالَّذِينَ يُصَادِفُونَهُ فِي السُّوقِ كُلَّ يَوْمٍ. 18 فَقَابَلَهُ قَوْمٌ مِنَ الْفَلاَسِفَةِ الأَبِيكُورِيِّينَ وَالرِّوَاقِيِّينَ. وَقَالَ بَعْضٌ: «تُرَى مَاذَا يُرِيدُ هَذَا الْمِهْذَارُ أَنْ يَقُولَ؟» وَبَعْضٌ: «إِنَّهُ يَظْهَرُ مُنَادِياً بِآلِهَةٍ غَرِيبَةٍ» - لأَنَّهُ كَانَ يُبَشِّرُهُمْ بِيَسُوعَ وَالْقِيَامَةِ. 19 فَأَخَذُوهُ وَذَهَبُوا بِهِ إِلَى أَرِيُوسَ بَاغُوسَ قَائِلِينَ: «هَلْ يُمْكِنُنَا أَنْ نَعْرِفَ مَا هُوَ هَذَا التَّعْلِيمُ الْجَدِيدُ الَّذِي تَتَكَلَّمُ بِهِ، 20 لأَنَّكَ تَأْتِي إِلَى مَسَامِعِنَا بِأُمُورٍ غَرِيبَةٍ. فَنُرِيدُ أَنْ نَعْلَمَ مَا عَسَى أَنْ تَكُونَ هَذِهِ». 21 أَمَّا الأَثِينِيُّونَ أَجْمَعُونَ وَالْغُرَبَاءُ الْمُسْتَوْطِنُونَ فَلاَ يَتَفَرَّغُونَ لِشَيْءٍ آخَرَ إِلاَّ لأَنْ يَتَكَلَّمُوا أَوْ يَسْمَعُوا شَيْئاً حَديثاً.
22 فَوَقَفَ بُولُسُ فِي وَسَطِ أَرِيُوسَ بَاغُوسَ وَقَالَ: «أَيُّهَا الرِّجَالُ الأَثِينِيُّونَ، أَرَاكُمْ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ كَأَنَّكُمْ مُتَدَيِّنُونَ كَثِيراً، 23 لأَنَّنِي بَيْنَمَا كُنْتُ أَجْتَازُ وَأَنْظُرُ إِلَى مَعْبُودَاتِكُمْ وَجَدْتُ أَيْضاً مَذْبَحاً مَكْتُوباً عَلَيْهِ «لإِلَهٍ مَجْهُولٍ». فَالَّذِي تَتَّقُونَهُ وَأَنْتُمْ تَجْهَلُونَهُ هَذَا أَنَا أُنَادِي لَكُمْ بِهِ. 24 الإِلَهُ الَّذِي خَلَقَ الْعَالَمَ وَكُلَّ مَا فِيهِ، هَذَا إِذْ هُوَ رَبُّ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ، لاَ يَسْكُنُ فِي هَيَاكِلَ مَصْنُوعَةٍ بِالأَيَادِي، 25 وَلاَ يُخْدَمُ بِأَيَادِي النَّاسِ كَأَنَّهُ مُحْتَاجٌ إِلَى شَيْءٍ، إِذْ هُوَ يُعْطِي الْجَمِيعَ حَيَاةً وَنَفْساً وَكُلَّ شَيْءٍ. 26 وَصَنَعَ مِنْ دَمٍ وَاحِدٍ كُلَّ أُمَّةٍ مِنَ النَّاسِ يَسْكُنُونَ عَلَى كُلِّ وَجْهِ الأَرْضِ، وَحَتَمَ بِالأَوْقَاتِ الْمُعَيَّنَةِ وَبِحُدُودِ مَسْكَنِهِمْ، 27 لِكَيْ يَطْلُبُوا اللهَ لَعَلَّهُمْ يَتَلَمَّسُونَهُ فَيَجِدُوهُ، مَعَ أَنَّهُ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَّا لَيْسَ بَعِيداً. 28 لأَنَّنَا بِهِ نَحْيَا وَنَتَحَرَّكُ وَنُوجَدُ. كَمَا قَالَ بَعْضُ شُعَرَائِكُمْ أَيْضاً: لأَنَّنَا أَيْضاً ذُرِّيَّتُهُ. 29 فَإِذْ نَحْنُ ذُرِّيَّةُ اللهِ لاَ يَنْبَغِي أَنْ نَظُنَّ أَنَّ اللاَّهُوتَ شَبِيهٌ بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ أَوْ حَجَرٍ نَقْشِ صِنَاعَةِ وَاخْتِرَاعِ إِنْسَانٍ. 30 فَاللهُ الآنَ يَأْمُرُ جَمِيعَ النَّاسِ فِي كُلِّ مَكَانٍ أَنْ يَتُوبُوا مُتَغَاضِياً عَنْ أَزْمِنَةِ الْجَهْلِ، 31 لأَنَّهُ أَقَامَ يَوْماً هُوَ فِيهِ مُزْمِعٌ أَنْ يَدِينَ الْمَسْكُونَةَ بِالْعَدْلِ بِرَجُلٍ قَدْ عَيَّنَهُ، مُقَدِّماً لِلْجَمِيعِ إِيمَاناً إِذْ أَقَامَهُ مِنَ الأَمْوَاتِ».
32 وَلَمَّا سَمِعُوا بِالْقِيَامَةِ مِنَ الأَمْوَاتِ كَانَ الْبَعْضُ يَسْتَهْزِئُونَ وَالْبَعْضُ يَقُولُونَ: «سَنَسْمَعُ مِنْكَ عَنْ هَذَا أَيْضاً!». 33 وَهَكَذَا خَرَجَ بُولُسُ مِنْ وَسَطِهِمْ. 34 وَلَكِنَّ أُنَاساً الْتَصَقُوا بِهِ وَآمَنُوا، مِنْهُمْ دِيُونِيسْيُوسُ الأَرِيُوبَاغِيُّ وَامْرَأَةٌ اسْمُهَا دَامَرِسُ، وَآخَرُونَ مَعَهُمَا (أعمال 17: 16-34).
ذهب بولس الرسول إلى أثينا في انتظار سيلا وتيموثاوس. وكانت أثينا (عاصمة إقليم «أخائية») مركزاً للعلم والحكمة والفلسفة والصناعة والقوّة السياسيّة، وكان بها مدارس عظيمة، كما كان فيها مذابح وهياكل كثيرة للأوثان. وعندما شاهد بولس كثرة أوثان أثينا تألّـم جداً لأنّ في ذلك إهانة للإله الواحد الحقيقي، وكانت عبادة الأوثان تشجّع على الفساد والفجور. فذهب كعادته إلى مجمع اليهود ليبشّرهم بالمسيح الذي قام من الأموات، وأنّ قيامته برهان على أنّه الله الذي ظهر في الجسد. ولم يكتفِ بالكلام في مجمع اليهود، لكنّه تكلّم أيضاً في السّوق وهو محل التجارة والتنزّه واجتماع الناس لسماع المناظرات بين الفلاسفة والمعلّمين.
وكانت في أثينا مذاهب فلسفية كثيرة، مثل الأبيقوريّة والرواقية. والأبيقوريّون هم أتباع فيلسوف يوناني اسمه «أبيقور» قال إنّ في العالم آلهة كثيرة، لكنّها بعيدة عن العالم ولا تهتم بأحزان الناس ولا بخطاياهم، فلا تحتاج إلى صلوات الناس ولا تسمع دعاءهم، ولذلك فالإنسان حرٌّ أن يتبع كل الشّهوات التي يريدها طالما لا تسبِّب له الألم، لأنّه لا يوجد حساب أو عقاب في الآخرة، فإنّ النفس تموت كما يموت الجسد أيضاً.
أما الرواقيون فهم أتباع الفيلسوف اليوناني «زينو» الذي كان يعلّم تلاميذه في مكان مزيّن بالصّور اسمه «رواق» فصار اسم أتباعه «الرواقيون». وقد علَّم هذا المذهب أنّ الإنسان لا يجب أن يتأثر بأي شيء من الحوادث، سواء أكانت مفرحة أم محزنة، لأنّ الإنسان يسود على الحوادث، والحوادث لا تسود عليه. وكان الفلاسفة الرواقيون يؤمنون بالله، لكنّهم كانوا يؤمنون بألوهيّة الكائنات (أي أنّ الله والعالم شيء واحد) لأنّه موجود في النّبات والإنسان والحيوان والجماد. وكانوا يقولون إنّ النفوس ترجع أخيراً إلى الله الذي هو الأصل، وتفنى فيه.
إلى هؤلاء وإلى غيرهم جاء الرسول بولس يعظ بالمسيح المخلِّص الذي ينقذ الناس من سلطان شهواتهم، فلم يعجب وعظه الأبيقوريين لأنّ إنجيل المسيح يُقاوم شهواتهم. وكان بولس يعظ عن التواضع. ولم يعجب وعظه هذا الرواقيين لأنّـهم اعتمدوا على برّهم الذاتي وافتخروا بحكمتهم الباطلة. ولما وعظ بولس عن «يسوع والقيامة» قال البعض إنّه مهذار، بمعنى أنّه يجمع قليلاً من الأفكار المختلفة ويُنادي بها.
وأخذ أهل أثينا بولس إلى «أريوس باغوس» (أي تل مارس إله الحرب عندهم) وهو مكان مرتفع كانوا يعقدون فيه احتفالاتهم العظيمة، وكان يجلس فيه قضاتهم على مقاعد منحوتة في الصخر. وطلبوا من بولس أن يخاطبهم بدينه الجديد، فقد كانوا يحبّون سماع كلّ فكر جديد، خصوصاً وأنّ كثيرين من طلاب العلم والفلسفة كانوا يجتمعون هناك.
ورأى بولس اهتمام أهل أثينا بالأمور الدينيّة، ولو أنّ اعتقاداتهم كانت خاطئة، وأراد أن يحوِّلهم عن خطئهم إلى عبادة الإله الواحد القدوس غير المنظور، فقال لهم إنّه عندما كان يمرُّ بين هياكل أوثانهم وجد مذبحاً مكتوباً عليه «لإلَهٍ مَجْهُولٍ».
وقصّة مذبح «الإله المجهول» قصّة طريفة، فقد حدث أن انتشر بين سكان أثينا مرض خطير، قالوا إنّه بسبب غضب أحد الآلهة عليهم. وأرادوا أن يعرفوا من يكون ذلك الإله حتى يُرضوه، فأطلقوا الأغنام في المدينة. وعندما كانت إحداها ترقد عند مذبح أحد الآلهة كانوا يذبحونها حتى يرضى ذلك الإله عليهم. لكن بعض الأغنام رقدت حيث لا صنم ولا هيكل، فأقاموا في تلك الأماكن مذابح كتبوا عليها «لإلَهٍ مَجْهُولٍ».
وانطلق بولس من هذه الفكرة يبشّرهم بالمسيح، فقال إنّـهم يعترفون بوجود إله يستحق العبادة ولو أنّـهم يجهلون اسمه وصفاته. وهو الإله الذي ينادي لهم به، فهو الإله الواحد الحق الذي خلق العالم كله، لا يحدُّه هيكل بناه الناس، ولا يحتاج إلى ذبائح لأنّه واهب الحياة لجميع الكائنات، وقد خلق جميع سكان الأرض من أصل واحد، وقضى بكل الأحوال التي تؤثّر في أخلاقهم، وهم يشاهدون أعماله في عالمهم فيرجعون إليه، وهو قريب من كلّ من يحاول الوصول إليه، وقد أوجد وسائط كافية لمعرفته، لأنّنا به نحيا ونتحرّك ونوجد. ولما كان الإنسان نفساً حيّة عاقلة، يلزم أن يكون خالق الإنسان روحاً وحياً وعاقلاً. لذلك لا يجب أن نفتكر أنّ هذا الجوهر الإلهي الحي جماد مثل الفضة أو الذهب أو الحجر.
ثم قال بولس إنّ الله يأمر كل الناس في كل مكان أن يرجعوا عن أفكارهم الباطلة وعبادة الوثن، ويؤمنوا بالله الحي الحقيقي، لأنّه عيّن وقتاً يدين فيه جميع الناس من يهود وأمم، وسيكون المسيح هو الديّان، وبقيامته جاء بالبراهين المقنعة لكل من يسمع له ويؤمن به، لأنّه الحي المُقام.
وما أن سمع الأثينيون أنّ الله أقام المسيح من الأموات حتى بدأوا يستهزئون ببولس ويقولون له: «سَنَسْمَعُ مِنْكَ عَنْ هَذَا أَيْضاً!». وكان اليونانيون القدماء لا يؤمنون بالقيامة، وقالّ «إستبولوس» أحد شعرائهم: «من مات فليس له قيامة». لذلك سخروا وقالوا إنّ بولس مجنون. ولكنّ عدداً قليلاً تأثّر بكلامه تأثيراً وقتياً ولو أنّـهم لم يسمحوا له أن يكمّل كلامه. على أنّ بعضهم آمنوا بالمسيح، ومنهم ديونيسيوس الأريوباغي وامرأة اسمها «دامرس» وآخرون معهما.
وأهمّ ما نلمسه في خطاب بولس أنّه ردَّ على أفكار كثيرة كانت منتشرة بين اليهود والوثنيين في ذلك الوقت، فقد أوضح أنّ العالم لا يمكن أن يعرف الله بالحكمة، ولا يستطيع الإنسان مهما كانت حكمته أن يعرف كلّ شيء عن الله (1كورنثوس 1: 21). ونادى بوحدانية الله لتصحيح فكر الوثنيين. واعتبر اليهود أنّ مسكن الله هو في هيكلهم في أورشليم، لكنّ بولس أوضح أنّ الله ليس محدوداً بمكان.
ومن موعظة بولس في أثينا نرى أنّ كلمة الله لا ترجع إليه بدون ثمر، فحتّى بين المستهزئين يختار الله الذين له ليؤمنوا به.
آية للحفظ:
«فَاللهُ الآنَ يَأْمُرُ جَمِيعَ النَّاسِ فِي كُلِّ مَكَانٍ أَنْ يَتُوبُوا، مُتَغَاضِياً عَنْ أَزْمِنَةِ الْجَهْلِ» (أعمال 17: 30)
صلاة:
أشكرك يا ربّ لأنّك توضّح الحق للجميع، حتى لو قاومه البعض. وأشكرك لأجل الذين يقبلون الحق حتى لو كانوا قليلين، فهؤلاء هم ملح الأرض ونور العالم.
سؤال:
19 - لماذا دعا بولس الإله الذي ينادي به أنّه إله مجهول؟
1 وَبَعْدَ هَذَا مَضَى بُولُسُ مِنْ أَثِينَا وَجَاءَ إِلَى كُورِنْثُوسَ، 2 فَوَجَدَ يَهُودِيّاً اسْمُهُ أَكِيلاَ بُنْطِيَّ الْجِنْسِ كَانَ قَدْ جَاءَ حَدِيثاً مِنْ إِيطَالِيَا وَبِرِيسْكِلاَّ امْرَأَتَهُ - لأَنَّ كُلُودِيُوسَ كَانَ قَدْ أَمَرَ أَنْ يَمْضِيَ جَمِيعُ الْيَهُودِ مِنْ رُومِيَةَ. فَجَاءَ إِلَيْهِمَا. 3 وَلِكَوْنِهِ مِنْ صِنَاعَتِهِمَا أَقَامَ عِنْدَهُمَا وَكَانَ يَعْمَلُ، لأَنَّهُمَا كَانَا فِي صِنَاعَتِهِمَا خِيَامِيَّيْنِ. 4 وَكَانَ يُحَاجُّ فِي الْمَجْمَعِ كُلَّ سَبْتٍ وَيُقْنِعُ يَهُوداً وَيُونَانِيِّينَ. 5 وَلَمَّا انْحَدَرَ سِيلاَ وَتِيمُوثَاوُسُ مِنْ مَكِدُونِيَّةَ كَانَ بُولُسُ مُنْحَصِراً بِالرُّوحِ وَهُوَ يَشْهَدُ لِلْيَهُودِ بِالْمَسِيحِ يَسُوعَ. 6 وَإِذْ كَانُوا يُقَاوِمُونَ وَيُجَدِّفُونَ نَفَضَ ثِيَابَهُ وَقَالَ لَهُمْ: «دَمُكُمْ عَلَى رُؤُوسِكُمْ. أَنَا بَرِيءٌ. مِنَ الآنَ أَذْهَبُ إِلَى الأُمَمِ». 7 فَانْتَقَلَ مِنْ هُنَاكَ وَجَاءَ إِلَى بَيْتِ رَجُلٍ اسْمُهُ «يُوسْتُسُ» كَانَ مُتَعَبِّداً للهِ، وَكَانَ بَيْتُهُ مُلاَصِقاً لِلْمَجْمَعِ. 8 وَكِرِيسْبُسُ رَئِيسُ الْمَجْمَعِ آمَنَ بِالرَّبِّ مَعَ جَمِيعِ بَيْتِهِ، وَكَثِيرُونَ مِنَ الْكُورِنْثِيِّينَ إِذْ سَمِعُوا آمَنُوا وَاعْتَمَدُوا. 9 فَقَالَ الرَّبُّ لِبُولُسَ بِرُؤْيَا فِي اللَّيْلِ: «لاَ تَخَفْ بَلْ تَكَلَّمْ وَلاَ تَسْكُتْ، 10 لأَنِّي أَنَا مَعَكَ وَلاَ يَقَعُ بِكَ أَحَدٌ لِيُؤْذِيَكَ، لأَنَّ لِي شَعْباً كَثِيراً فِي هَذِهِ الْمَدِينَةِ». 11 فَأَقَامَ سَنَةً وَسِتَّةَ أَشْهُرٍ يُعَلِّمُ بَيْنَهُمْ بِكَلِمَةِ اللهِ (أعمال 18: 1 - 11).
وعظ بولس في أثينا ولاقى نجاحاً قليلاً، فتركها وذهب إلى كورنثوس، وهي مدينة كبيرة تقع على بُعد خمسين ميلاً غرب أثينا، وهي من بلاد اليونان، واشتهرت بعظمة متاجرها وكثرة هياكلها الوثنية، التي كان أهمها «هيكل الزهرة» الذي كانت تخدمه ألف كاهنة زانية، كما كان في كورنثوس يهود كثيرون. وبقي بولس يعظ ويعلّم في كورنثوس سنة ونصف.
وجد بولس في كورنثوس رجلاً يهوديَّ الأصل، وُلد في مدينة بنطس، اسمه «أكيلا» كان قد آمن بالمسيح، وكانت زوجته «بريسكلا» رومانية الأصل تعرف الكتاب المقدس جيداً. وقد جاء كلاهما من إيطاليا إلى كورنثوس، لأنّ الإمبراطور كلوديوس قيصر كان قد طرد جميع اليهود من رومية بسبب مشاغباتهم وفتنهم. وأقام بولس في منزلهما. وكانت عادة اليهود أن يعلّموا أولادهم حرفةً ليكسبوا منها رزقهم إن ضاقت بهم السّبل، وكان صُنع الخيام حرفة أكيلا وبريسكلا، وبولس.
وفي كل يوم سبت كان بولس يذهب حسب عادته إلى مجمع اليهود ليبشّر اليهود واليونانيين المتهوّدين بأنّ المسيّا المخلِّص المنتظَر قد جاء. واقتنع بعضهم بصدق رسالته.
ولحق سيلا وتيموثاوس ببولس في كورنثوس، بعد أن كانا في مدينة تسالونيكي حيث تركهما بولس. ووجدا بولس مملوءاً من الرّوح القدس والغيرة ينادي بأنّ يسوع هو المسيح الموعود به في العهد القديم، حتى سمع كل من كان في مجمع اليهود في كورنثوس. لكنّ بعض الذين سمعوا شتموا بولس وأنكروا لاهوت المسيح، فنفض بولس ثيابه إشارة إلى أنّ الله رفضهم لأنهم رفضوا الحق، وقال لهم: «دَمُكُمْ عَلَى رُؤُوسِكُمْ» أي أن اللوم عليكم في هلاككم، لأنكم رفضتم المسيح. وهو قول معروف عند اليهود الذين طالبوا بصلب المسيح قائلين: «دَمُهُ عَلَيْنَا وَعَلَى أَوْلادِنَا» (متّى 27: 25). ثم تركهم وذهب ليبشّر الأمم، فجاء إلى بيت رجل روماني اسمه «يوستس» كان قد آمن بالمسيح. وكان بيت يوستس ملاصقاً لمجمع اليهود.
وفتح الرب قلب «كريسبس» أحد قادة اليهود، كان رئيساً لمجمعهم، فآمن هو وكل بيته أنّ يسوع هو المسيح المنتظَر وأنّه الرب والمخلص، واعتمدوا. وبلغ هذا الخبر كثيرين من أهل كورنثوس فآمنوا واعتمدوا أيضاً.
وشجَّع الله رسوله بولس في رؤيا في الليل وقال له: «لاَ تَخَفْ بَلْ تَكَلَّمْ وَلاَ تَسْكُتْ.. لأَنَّ لِي شَعْباً كَثِيراً فِي هَذِهِ الْمَدِينَةِ» . ولعلّ بولس كان خائفاً من مقاومة اليهود الشّديدة ومن شرور المدينة، فأكَّد الله له أنّه موجود معه يقف بجانبه فلا يؤذيه أحد، ولا يعطّل أحدٌ انتشار رسالته في كورنثوس.
وتشدّد بولس وتشجّع وأقام في كورنثوس سنة وستة أشهر يبشّر بكلمة الله. ومن هذا نتعلم أنّه يجب ألاّ نيأس من التبشير باسم المسيح، حتى في الأماكن التي تقاومه «لأنّ كَلِمَةَ اللَّهِ حَيَّةٌ وَفَعَّالَةٌ وَأَمْضَى مِنْ كُلِّ سَيْفٍ ذِي حَدَّيْنِ» (عبرانيين 4: 12).
آية للحفظ:
«لاَ تَخَفْ بَلْ تَكَلَّمْ وَلاَ تَسْكُتْ، لأَنِّي أَنَا مَعَكَ وَلاَ يَقَعُ بِكَ أَحَدٌ لِيُؤْذِيَكَ، لأَنَّ لِي شَعْباً كَثِيراً فِي هَذِهِ الْمَدِينَةِ» (أعمال 18: 9، 10)
صلاة:
أشكرك لأجل وعودك الصّالحة لكل من يشهد لك في بيته وكنيسته وبلده، لأنّك معه، ولأنّ لك شعباً كثيراً حيث يسكن وإلى حيث يذهب.
سؤال:
20 - ماذا تعرف عن يوستس وكريسبس؟
بولس أمام غاليون الوالي
12 وَلَمَّا كَانَ غَالِيُونُ يَتَوَلَّى أَخَائِيَةَ قَامَ الْيَهُودُ بِنَفْسٍ وَاحِدَةٍ عَلَى بُولُسَ وَأَتَوْا بِهِ إِلَى كُرْسِيِّ الْوِلاَيَةِ 13 قَائِلِينَ: «إِنَّ هَذَا يَسْتَمِيلُ النَّاسَ أَنْ يَعْبُدُوا اللهَ بِخِلاَفِ النَّامُوسِ». 14 وَإِذْ كَانَ بُولُسُ مُزْمِعاً أَنْ يَتَكَلَّمَ قَالَ غَالِيُونُ لِلْيَهُودِ: «لَوْ كَانَ ظُلْماً أَوْ خُبْثاً رَدِيّاً أَيُّهَا الْيَهُودُ لَكُنْتُ بِالْحَقِّ قَدِ احْتَمَلْتُكُمْ. 15 وَلَكِنْ إِذَا كَانَ مَسْأَلَةً عَنْ كَلِمَةٍ وَأَسْمَاءٍ وَنَامُوسِكُمْ فَتُبْصِرُونَ أَنْتُمْ، لأَنِّي لَسْتُ أَشَاءُ أَنْ أَكُونَ قَاضِياً لِهَذِهِ الأُمُورِ». 16 فَطَرَدَهُمْ مِنَ الْكُرْسِيِّ. 17 فَأَخَذَ جَمِيعُ الْيُونَانِيِّينَ سُوسْتَانِيسَ رَئِيسَ الْمَجْمَعِ وَضَرَبُوهُ قُدَّامَ الْكُرْسِيِّ، وَلَمْ يَهُمَّ غَالِيُونَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ (أعمال 18: 12-17).
أقام بولس في كورنثوس سنةً ونصف إقامة مستريحة، وكانت هذه أطول مدة قضاها في مكان واحد منذ بدأ رحلاته التبشيرية وحتى ذلك الوقت، فأسّس كنائس في ثلاث بلاد من مقاطعة أخائية هي كورنثوس (العاصمة)، وكنخريا، وأخائية. واغتاظ اليهود من نجاح كرازة بولس فاشتكوه لغَالِيُون والي إقليم أخائية. وغَالِيُون هذا شقيق الفيلسوف الروماني «سنيكا» الذي علَّم الإمبراطور نيرون. وكان غَالِيُون حسن الأخلاق، محبوباً من جميع الناس. وكان من عادة الولاة الرومان أن يذهبوا في أيام معيّنة إلى ساحة المدن التي يحكمونها للنظر في شكاوى السكان. فنقل عساكر غاليون كرسي الحكم ليجلس عليه الوالي وسط ساحة المدينة. وانتهز اليهود هذه الفرصة وأحضروا بولس أمام الحاكم واشتكوا عليه قائلين إنّه يستميل الناس ويخدع اليهود حتى يعبدوا الله بطريقة تخالف شريعة موسى.
وعندما حاول بولس أن يتكلم دفاعاً عن نفسه قاطعه غَالِيُون، فقد كان والياً حكيماً، سمع عن بولس وعن تبشيره من قبل، كما كان يعرف تعصُّب اليهود وميلهم إلى المباحثات الكلامية في الشريعة. فلم يترك بولس يدافع عن نفسه ودافع هو عنه، وقال لليهود إنّ شكواهم باطلة وإنّه لا حاجة لبولس أن يدافع عن نفسه لأنّ الشريعة الرومانية لا تدينه، فهي تحترم حقوق الإنسان. وقال إنّه سمع كلامهم الطويل وشكواهم ضد بولس لأنّه يقول عن يسوع الناصري إنّه المسيح، وهذا يخالف ناموس اليهود. فعلى اليهود أن يحكموا في هذه القضية بموجب شريعتهم. ثم طردهم من محضره!
وكان «سوستانيس» رئيس مجمع اليهود زعيم المشتكين على بولس. وكان الوثنيون يبغضون اليهود، فأخذ اليونانيون الوثنيون سوستانيس من أمام غَالِيُون الوالي وضربوه، فلم يمنعهم الوالي من ضربه!
لقد قصد اليهود أن يؤذوا بولس، فحقَّق الله له ما رآه في الرؤيا وأنقذه من يدهم، وحلَّت الإهانة بسوستانيس رئيس اليهود بدلاً منه. بل إن الرؤيا تحققت أكثر لأن سوستانيس آمن بالمسيح بعد ذلك، واشترك مع بولس في إرسال رسالة إلى كورنثوس (1كورنثوس 1: 1).
بولس يرجع إلى أنطاكية
18 وَأَمَّا بُولُسُ فَلَبِثَ أَيْضاً أَيَّاماً كَثِيرَةً ثُمَّ وَدَّعَ الإِخْوَةَ وَسَافَرَ فِي الْبَحْرِ إِلَى سُورِيَّةَ وَمَعَهُ بِرِيسْكِلاَّ وَأَكِيلاَ بَعْدَمَا حَلَقَ رَأْسَهُ فِي كَنْخَرِيَا - لأَنَّهُ كَانَ عَلَيْهِ نَذْرٌ. 19 فَأَقْبَلَ إِلَى أَفَسُسَ وَتَرَكَهُمَا هُنَاكَ. وَأَمَّا هُوَ فَدَخَلَ الْمَجْمَعَ وَحَاجَّ الْيَهُودَ. 20 وَإِذْ كَانُوا يَطْلُبُونَ أَنْ يَمْكُثَ عِنْدَهُمْ زَمَاناً أَطْوَلَ لَمْ يُجِبْ، 21 بَلْ وَدَّعَهُمْ قَائِلاً: «يَنْبَغِي عَلَى كُلِّ حَالٍ أَنْ أَعْمَلَ الْعِيدَ الْقَادِمَ فِي أُورُشَلِيمَ. وَلَكِنْ سَأَرْجِعُ إِلَيْكُمْ أَيْضاً إِنْ شَاءَ اللهُ». فَأَقْلَعَ مِنْ أَفَسُسَ. 22 وَلَمَّا نَزَلَ فِي قَيْصَرِيَّةَ صَعِدَ وَسَلَّمَ عَلَى الْكَنِيسَةِ ثُمَّ انْحَدَرَ إِلَى أَنْطَاكِيَةَ (أعمال 18: 18-22).
رفض غَالِيُون الوالي أن يعاقب بولس، ولم يسمع لشكوى اليهود عليه، فسكّت هياجهم ولم يعارضوه، وبقي بولس بعد ذلك في كورنثوس أياماً كثيرة، ثمّ ودّع أعضاء الكنيسة وسافر في البحر الأبيض المتوسط قاصداً أنطاكية في سوريا التي بدأ منها رحلته التبشيرية الثانية. وكان في عزمه أن يزور أورشليم ويعيِّد فيها عيد الخمسين. وأخذ بولس معه من كورنثوس أكيلا وزوجته بريسكلا.
وفي الطريق توقّف بولس في «كنخريا» حيث كانت توجد كنيسة (رومية 16: 1). وفيها حلق شعره وفاءً لنذر شخصي لا نعرف سببه. ربّما كان قد نذر نذره إن نجا من خطر، أو إن نجح في تبشيره، أو ليُظهر لليهود أنّه لا يكره الديانة اليهودية كما اتَّهموه. والنذور الشخصية كثيرة في الكتاب المقدس، وكان حلق الشعر عند انتهاء مدة النذور من الطقوس اليهودية (عدد 6: 1-21 وأعمال 21: 24).
ومن كنخريا سافر بولس إلى أفسس ومعه أكيلا وبريسكلا. وأفسس مدينة كبيرة في آسيا الصغرى، كانت ميناءً هاماً يسكنها يهود كثيرون، فبشّرهم بالمسيح موضّحاً لهم ذلك من العهد القديم. وقد استحسن يهود أفسس وعظ بولس، فطلبوا منه أن يمكث معهم مدة أطول للوعظ، لكنّه اعتذر لأنّه يرغب أن يذهب إلى أورشليم ليعيِّد عيد الخمسين فيها، وكان يجب أن يسافر بدون تأخير لأنّ حالة البحر في ذلك الوقت من السنة كانت مناسبةً لسفر السفن الشراعية، وكان بولس قد قدَّر مدة السفر، ولم يكن يريد أن يتأخر عن موعد العيد حتى يبشّر اليهود القادمين من كلّ أنحاء الدنيا إلى أورشليم ليحتفلوا بعيد الخمسين. ووعد بولس يهود أفسس أن يرجع إليهم مرّة أخرى إن كانت هذه إرادة الله.
وأبحر بولس من أفسس إلى قيصريّة في طريقه إلى أورشليم. وكانت قيصريّة ميناءً هاماً نزل فيها بولس من السفينة وذهب بطريق البر إلى أورشليم. وفي أورشليم ذهب إلى الكنيسة وسلّم على الإخوة واجتمع بالرسل بعد غيابه الطويل عنهم. وكانت هذه زيارته الرابعة لأورشليم بعد أن أصبح مسيحياً.
ثم سافر من أورشليم إلى أنطاكية في سوريا. وبوصوله إليها انتهت رحلته التبشيرية الثانية التي استغرقت حوالي ثلاث سنوات ونصف السنة (من سنة 51-54م). وكانت زيارته لأنطاكية هي آخر زياراته لها.
ومن رحلة بولس الرسول الثانية نلاحظ أنّه انتهز كل فرصة لتبشير اليهود والأمم، وأنّه لم يكن يخاف من الاضطهاد لأنّ الروح القدس ملأ قلبه غيرة على توصيل رسالة الإنجيل لجميع الناس الذين قابلهم.
والرب يطلبك لتشهد له. فهل أنت مستعد أن تخبر الآخرين ببركة اختبارك لخلاص المسيح؟
المسابقة الثالثة
في سفر أعمال الرسل
أيها القارئ العزيز
إن تعمّقت في دراسة هذا الكتاب تقدر أن تجاوب هذه الأسئلة بسهولة. وتقديراً لاشتراكك نرسل لك أحد كتبنا كجائزة. لا تنسَ أن تكتب اسمك وعنوانك كاملين عند إرسال إجابتك إلينا.