عائشة مفترية أم مفترى عليها

  

تحليل الشيعة لقصة الإفك

لقد ارتأينا أن نبحث هنا حديث الإفك من وجهة نظر قرآنية، وما نريد أن نسجله هنا أمران

الأول : أن آيات الإفك لابد وأن تكون قد نزلت بأجمعها في حدود السنة الثامنة، والظاهر هو أن سورة النور قد نزلت بأجمعها دفعة واحدة، وهم يقولون أن حديث الإفك كان في السادسة، أو التي قبلها في غزوة المريسيع. والآيات إنما نزلت في وقت حدوث الإفك، حسب تصريح بعض الروايات، فكيف يكون الإفك في سنة ست والآيات نزلت في سنة ثمان؟

الثاني : إن صريح روايات الإفك أنه كان بعد فرض الحجاب، وآيات فرض الحجاب إنما نزلت في سورة النور نفسها في سنة ثمان أيضاُ، فكيف يكون الإفك في سنة ست أو قبلها، وآيات فرض الحجاب نزلت في سنة ثمان؟  الإفك المبين .

ثم أن الآيات القرآنية توبخ المؤمنين، لأنهم لم يظنوا خيراً، وتكلفهم بأن يحكموا بمجرد سماعهم بالإفك بأنه بهتان عظيم، وبأنه إفك مبين. فلابد وأن يكون إفكاً بيناً ومعلوماً لدى كل أحد، ليمكن لكل من سمعه أن يحكم بكونه بهتاناً وإفكاً مبيناً.

وأما في قضية أم المؤمنين السيدة عائشة المروية في أغلب روايات الإفك، فالإبهام فيها موجود، فتكليف الناس بأن يحكموا بأنه كذب مبين لا معنى له. ولو كان أفكاً مبيناً لم يهتم النبي بالأمر، ورتب الأثر على قول الآفكين ، حسب روايات إفك أم المؤمنين السيدة عائشة . فهذه الآيات إذاً لو كان الخطاب فيها متوجهاً للناس في قضية إفك أم المؤمنين السيدة عائشة، لكان ذلك تكليفاً بما لا يطاق. لعدم كون الإفك في قصة أم المؤمنين السيدة عائشة وبيتوتتها مع رجل غريب واضحاً بيننا لكل من سمعه.

فهذه الآيات إذاً لابد أن تكون ناظرة لقضية أخرى، واضحة ومبينة جداً. يصح معها توبيخ المؤمنين على موقفهم غير المنسجم مع طبيعة الأحداث. فما هذه القضية التي تنظر إليها الآيات؟!

يقول الله تعالى إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم .

وإذا لاحظنا معنى العصبة في اللغة، فإننا نجد أن معناها الجماعة المتعصبة المتعاضدة. وعليه يكون مفاد الآية أن ثمة جماعة قد تعاضدت وتعاونت على صنع قضية الإفك، والمجيء به وافترائه. وإلا لعبر بكلمة جماعة أو طائفة أو نحو ذلك وهذا لا ينطبق على قضية الإفك على أم المؤمنين السيدة عائشة، لأن روايات الإفك على أم المؤمنين السيدة عائشة تفيد أن أم المؤمنين السيدة عائشة لما قدمت مع صفوان، ومرت معه على ابن أبي، فقال: امرأة نبيكم باتت مع رجل حتى أصبحت. ثم صار يجمع ويستوشي الأخبار، وهذا معناه أن بدء الإفك كان من رجل واحد وبشكل عفوي، من دون اتفاق وتعاضد مسبق. كما أن ظاهر الآية: أنهم جاءوا بالإفك معاً، لا أن أحدهم جاء به، ثم اتبعه آخر وصدقه، وقذف عصبة منكم .

وأخيراً، فإن قول أم رومان: أن الإفك كان من الضرائر، لعله يقرب أن المراد من قوله في الآية عصبة منكم أن بعض نساء النبي قد اشتركن في قضية الإفك، بشكل رئيسي وفعال. ولذا قال تعالى منكم أي بشكل رئيسي وفعال، بحيث يصح نسبة ذلك كله إليهم. ولذا صرح بكلمة المؤمنون مما يعني أن ثمة تمايز من نوع ما بين من يطلب منهم الظن الحسن والذين جاءوا بالإفك.

العصبة.

أن غالب روايات الإفك تذكر إن الذين جاءوا بالإفك لا يزيدون عن أربع، هم ابن أبي، مسطح، حسان، وحمنة. وقد برأت أم المؤمنين السيدة عائشة حسان أو برأ نفسه، وبرأه عدد من المؤرخين، وأنكر مسطح أيضاً أن يكون ممن خاض في الإفك، فلم يبق على الساحة سوى ابن أبي، وحمنة بنت جحش إذا عرفنا هذا، فلنعد ‘لى النص القرآني حول قضية الإفك، فنجد أنه يقول

إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم .

والعصبة لغة هي الجماعة من عشرة إلى الأربعين [تاريخ الخميس ج1 ص475، وارشاد الساري ج7 ص256، والكشاف ج3 ص217] .

وفسرها في أقرب الموارد بالعصابة، وفسر العصابة بالجماعة من الرجال، ومن الخيل، ومن الطير. وقيل العشرة، وقيل ما بين العشرة إلى الأربعين [أقرب الموارد ج2 ص788].

ويؤيد ذلك، أن عروة قال لم يسم من أهلا الإفك غير عبد الله بن أبي، وحسان، وحمنة، ومسطح في الآخرين، لا علم لي بهم، غير أنهم عصبة [تفسير الطبري ج18 ص69، وفتح الباري ج8 ص352] .

مما يعني أن العصبة هم أكثر من ذلك وعليه، فلا يمكن أن نصدق ما نسب إلى ابن عباس من تفسير العصبة بالأربعة فقط.

فإن ذلك خلاف اللغة والعرف، وابن عباس من البلغاء الفصحاء، لا يصدر عنه مثل ذلك. وعلى كل حال، فإن السبعة أو الثمانية لا يصدق عليهم أنهم عصبة، فكيف بالاثنين. سواء فسرنا العصبة بالعشرة أو فسرناه بما بين العشرة والأربعين.

ومجرد إفاضة الناس في أمر الإفك، لا يعني أن هؤلاء الناس هم الذين جاءوا بالإفك كما هم الظاهر. فأين ذهبت أسماء بقية العصبة؟ وكيف غفل الناس عن أمر هام كهذا الأمر؟!! نعم، لابد وأن يكون قد ذكرت أسمائهم. مضرا بمصالح الذين يهتمون برواية حديث الإفك، على هذا النحو الذي ذكرناه، ولعل الرواية تنطبق على مارية، حيث اشترك في الإفك عليها من لا يحمل بناء التصريح باسمه.

موقف النبي يخالف القرآن هذا، ولعل جميع الروايات متضافرة على أن النبي قد رتب الأثر على قول الآفكين، وكان في ريب من أم المؤمنين السيدة عائشة، حيث تغيرت معاملته لها، ولم تعد تعرف منه ذلك اللطف وصار يقف على الباب ويقول كيف تيكم مع ما في هذه الكلمة من الإهانة، ثم هو يطلب منها التوبة، إن كان قد صدر منها ذنب واستشار في أمرها وقرر بريرة وغيرها، وفي رواية الخليفة الثاني عمر فكان في قلب النبي مما قالوا ثم هي تلومهم على ترتيبهم الأثر، وشكهم. حتى أنها تقول للذي بشرها بالبراءة بحمد الله، وذمكما. أو بحمدك لا بحمد صاحبك الذي أرسلك. أو بحمد الله لا بحمدك، أو نحو ذلك

ومع أن آيات الإفك توبخ على عدم الظن الحسن هنا وتقول أن كان يجب تكذيب هذه الفرية رأساً، قال تعالى لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيراً، وقالوا هذا إفك مبين

وقال لولا إذ سمعتموه قلتم ما يكون لنا أن نتكلم بهذا سبحانك هذا بهتان عظيم فمن لوازم الإيمان حسن الظن، والنبي أحق من يتصف بهذه الصفة، وهو أبعد ما يكون عن الوقوع في الإثم، وله مقام النبوة، والعصمة الإلهية.

قال الزمخشري : وهذا توبيخ وتعنيف للذين سمعوا الإفك فلم يجدّوا في دفعه وانكاره، واحتجاج عليهم بما هو الظاهر مكشوف في الشرع، من وجوب تكذيب القاذف بغير بينة، والتنكيل به إذا قذف امرأة محصنة من عرض نساء المسلمين، فكيف بأم المؤمنين . الكشاف ج3 ص219]

ونلاحظ أن روايات الإفك تقول إن سبعة، بل أكثر قد ظنوا بآل النبي خيرا، ولم يظن بها السوء إلا النبي. وحتى علي تقول بعض الروايات أنه برأها، فاللوم القرآني إنما توجه إلى النبي فقط؛ لأنه هجرها شهراً، وأظهر الشك في براءتها .

أما أبو أيوب، فقد ظن خيراً، وكذلك سعد بن معاذ، وعثمان، وعمر، وزيد بن حارثة، وأسامة، وبريرة، وزينب بنت جحش، وأم أيمن، وعلي، وغيرهم. ممن استنكر مثل هذا الأمر وكذبه . فهل ذلك يعني، أن هؤلاء جميعاً أعرف من النبي وأشد إيماناً وأقوى يقيناً أو تقىً منه. العياذ بالله من الزلل، في القول والعمل

إن أم المؤمنين السيدة عائشة نفسها عندما جاءها النبي وطلب منها الإقرار، أو الاستغفار، قالت لقد سمعتموه وما أنكرتموه، ولا غيرتموه المطابق تقريباً لقوله تعالى : لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيراً، وقالوا هذا إفك مبين .

وأم المؤمنين السيدة عائشة تواجه النبي بقولها "وما أنكرتموه" فتسند إلى النبي عين ما أنكره الله على من أفاض في الإفك ولم ينكره. فكيف غاب ذلك عن النبي، وأدركته أم المؤمنين السيدة؟

إن ذلك لعجيب حقاً وأي عجيب؟!! لقد كانت النبوة إذاً تليق بأحد هؤلاء، أبو أيوب، سعد بن معاذ، وعثمان، وعمر، وزيد بن حارثة، وأسامة، وبريرة، وزينب بنت جحش، وأم أيمن، وعلي، دون النبي نعم، إن من العجيب حقاً أن يوافق القرآن كل هؤلاء، والأعجب من ذلك، أن يكون موقف النبي هنا أبعد ما يكون عن منطق القرآن!! هكذا تريد الروايات أن تعطي انطباعاً. والأعجب من كل شيء ألا تكون النبوة من نصيب أولئك الأفذاذ.

وأغرب من ذلك أنه قد قيل امرأة النبي يجوز أن تكون كافرة، كامرأة نوح، وامرأة لوط، ولا يجوز أن تكون فاجرة، لأن النبي مبعوث إلى الكفار ليدعوهم، فيجب أن لا يكون معه ما ينفرهم عنه، والكفر غير منفر عندهم، وأما الفاحشة فمن أعظم المنفرات [تاريخ الخميس ج1 ص477، تفسير النيسابوري هامش الطبري ج18 ص64]  .

لا ندري كيف أدرك هؤلاء هذه الحجة العقلية، المثبتة واقعاً لا ظاهراً، فحسب نزاهة نساؤه-النبي - ، ولم يدركها النبي نفسه ورتب الأثر على قول الآفكين، وارتاب بأهله؟!!

وأخيراً، إنهم يقولون أن النبي قد أتى إلى أم المؤمنين السيدة عائشة، وطلب منها الاعتراف بقوله إن العبد إذا اعترف بذنبه ثم تاب إلى الله، تاب الله عليه وحمل عياض هذا الكلام على أنه قد طلب منها التوبة فقط . فتح الباري ج8 ص364] .

ولكن، هذا لا يساعد عليه ظاهر الكلام، كما أن نفس جواب أم المؤمنين السيدة عائشة "لئن قلت لكم إني بريئة لا تصدقوني بذلك، ولئن اعترفت لكم بأمر لتصدقنّي" هذا الجواب ينافي كلام عياض في المقام ، وعلى كل حال فيرد هنا سؤال من البعض، وهو أنه مع غض النظر عن عدم مورد لهذا السؤال إذا كان صفوان بن المعطل عنيناً، فإن من المعلوم أنه كان اللازم، هو أن يندبها إلى الكتمان  [السيرة الحلبية ج2 ص295]

كما صدر من النبي ذلك مع الذين جاءوا ليعترفوا له بأمر من هذا القبيل، فصرف وجهه عنهم عدة مرات، كما أنه حاول تشكيكهم فيما يريدون الاعتراف به .

في كتاب البداية والنهاية لابن كثير في ج 11 ص 351

في حوار بين القاضي أبو بكر الباقلاني و أحد أساقفة ملك الروم:

"وقد سأله بعض الأساقفة بحضرة ملكهم فقال ما فعلت زوجة نبيكم وما كان من أمرها بما رميت به من الإفك فقال الباقلاني مجيبا له على البديهة هما امرأتان ذكرتا بسوء مريم وعائشة فبرأهما الله عز وجل وكانت عائشة ذات زوج ولم تأت بولد وأتت مريم بولد ولم يكن لها زوج يعني أن عائشة أولى بالبراءة من مريم وكلاهما بريئة مما قيل فيها فإن تطرق في الذهن الفاسد احتمال ريبة إلى هذه فهو إلى تلك أسرع وهما بحمد الله منزهتان مبرأتان من السماء بوحي الله عز وجل عليهما السلام وقد سمع الباقلاني الحديث من أبي بكر بن مالك القطيعي وأبي محمد بن ماسي وغيرهما وقد قبله الدارقطني يوما وقال هذا يرد على أهل الأهواء باطلهم" .

الصفحة الرئيسية