مقدمة

يظن بعض الناس أن الإسلام ينتقد عقيدة ظهور الله، ولكن الحقيقة غير ذلك، لأننا إذا رجعنا إلى القرآن وإلى كتب الدين والفلسفة الإسلامية، وجدنا أن ظهور الله يشغل جانباً كبيراً من هذه الكتب، كما يتضح مما يلي:

الفصل الأول

ظهور الله في حيِّز خاص

1 - جاء في سورة طه 5 الرحمن على العرش استوى . وفي سورة الأعراف 54 ثم استوى على العرش وقال بعض الفقهاء إن الاستواء في هاتين الآيتين معناه الرفعة. ولكن القدماء فهموا الاستواء فيهما بالمعنى الحرفي. لما سُئل مالك بن أنس عن معنى الرحم ن على العرش استوى قال: الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة . واني من جانبي أرى أن استواء الله على العرش مثل جلوس الله على العرش في المسيحية، يُراد به ظهوره بحالة تتفق مع مجده. ولا مجال للاعتراض على ذلك لأنه تعالى وإن كان لا نهاية له، إلا أن له تعيّناً خاصاً، وبما أن كل ما له تعيّن يمكن أن يظهر في مكان ما، إذن فمن الممكن أن يظهر الله في كل مكان، دون أن يتحيّز بهذا المكان أو ينحصر فيه، لأنه منزّه عن المكان والزمان.

وفي (البخاري ج4 ص 68) ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة في السماء الدنيا، حين يبقى ثلث الليل الأخير، يقول من يدعوني فاستجيب له .

وإذا كان من المتفق عليه بين الفقهاء أن نزول المولى في السماء الدنيا في الوقت المذكور لا يمنع وجوده في كل مكان في ذلك الوقت، فلا غضاضة في اعتقاد المسيحيين بأنه تعالى مع وجوده في الجسد في وقت ما، كان في هذا الوقت في كل مكان، كما كان ويكون في غيره من الأوقات.

2 - وجاء في سورة الحديد 4 وهو معكم أين ما كنتم . وفي سورة النحل 128 إن الله مع الذين اتّقوا . وفي سورة البقرة 153 إن الله مع الصابرين . وفي سورة العنكبوت 69 وإن الله لمع المحسنين . وفي سورة المائدة 12 وقال الله إني معكم . وفي سورة المجادلة 7 ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أين ما كانوا .

وكانت معيّة الله موضوع بحث بين علماء الدين، فقال فريق منهم: إن الله معنا بصفاته . وقال فريق آخر: إنه معنا بذاته وصفاته، لأن صفاته ليست منفصلة عن ذاته، ولذلك يجب الاعتقاد بالمعيّة الذاتية. لكن معيّته ليست معيّة المتحيّزين، إذ أنه تعالى ليس مثل خَلْقه الموصوفين بالجسمية (اليواقيت والجواهر ص 67). وقال غيرهم: إن المعيّة هنا لا يراد بها المرافقة بل الرعاية . لكن أليست رعاية الله لنا تحمل في معناها وجوده معنا بذاته وصفاته، بطريقة لا تحدّ من عدم محدوديته؟ وإذا كان الأمر كذلك، أرى أنه لا مجال لتأويل معنى المعيّة الإلهية (في الإسلام أو المسيحية) إلى معنى يختلف عن ذاك الذي يُفهم منها.

3 - وجاء في سورة القيامة 22 وجوه يومئذ ناضرة. إلى ربها ناظرة . وجاء في صحيح البخارى: قال صلَّى الله عليه وسلّم رأيت ربي في أحسن صورة . وقال لقوم: إنكم سترون ربكم فلما سألوه: يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة قال: هل تضارون في رؤية الشمس والقمر إذا كان صحواً؟ قالوا: لا . قال لهم: فإنكم لا تُضارون في رؤية ربكم يومئذ (صحيح البخاري ج4 ص 197-199). وقال الآمدي: اجتمعت الأئمة على أن رؤية الله في الدنيا والآخرة جائزة، وأقاموا الأدلة على ذلك بالعقل والنقل (حاشية الأمير، على شرح الشيخ عبد السلام، على الجوهرة ص 55).

ويقول البعض إن رؤية الله مستحيلة، لأنه لا حكم لمقياس الزمان أو المكان عليه. لكن وإن كان الله لا يخضع لحكم الزمان أو المكان، إلا أن له تعيّناً خاصاً، وكل من له تعيّن خاص يستطيع أن يُظهر ذاته بأي وجه من الوجوه.

4 - وصف القرآن نور الله فقال: الله نور السموات والأرض، مَثَل نوره كمشكاة فيها مصباح، المصباح في زجاجة، الزجاجة كأنها كوكب دُرِّيّ يُوقَد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية، يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار (سورة النور 35).

5 - وجاء في الأخبار: قال صلَّى الله وعليه وسلَّم: وضع الله يده أو كفه على كتفي، حتى وجدت برد أنامله في صدري . وقال أيضاً قلب المؤمن بين أصبعين من أصابع الرحم ن . وأيضاً خمَّر الله طينة آدم بيديه أربعين صباحاً... وأنه خلقه على صورة الرحم ن (الملل والاهواء والنحل ج1 ص 95 - 119). وقال معظم علماء الدين، إن هذه العبارات يُراد بها المعاني المجازية لها، لأن الله منزه عن الجسمية تنزهاً تاماً. ولكن ألا تدل هذه العبارات مع معانيها المجازية، على أنه تعالى مع عدم تحيّزه بحيزٍ، يمكن أن يظهر في حيزٍ خاص ليعلن مجده وبهاءه، أو رعايته وعنايته، أو لطفه وعطفه، او عظمته وقدرته؟!

6 - وجاء في سورة طه 9-13 وهل أتاك حديث موسى إذ رأى ناراً، فقال لأهله: ا مكثوا إني آنست ناراً لعلي آتيكم منها بقبس أو أجد على النار هدى. فلما أتاها نُودي يا موسى إني أنا ربك فاخلع نعليك. إنك بالوادى المقدس طُوى... إنني أنا الله لا إله إلاَّ أنا .

الصفحة الرئيسية