الفصل الثاني
الأدلة على صدق عقيدة التجسُّد
أولاً - الأدلة العقلية على صدقها
1 - بما أن الله مع لانهائيته وتنزُّهه عن الحدود، هو ذو تعين خاص، وكان يظهر للأنبياء والقديسين في العهد القديم في حيز خاص، تارة في هيئة غير منظورة، وتارة في هيئة ملاك أو إنسان ليعرِّفهم ذاته ويبلِّغهم مقاصده بوسيلة مدركة لديهم، إذن فهو بالتجسّد لم ينتقل من لا تعيّن إلى تعيّن، لأنه متميّز بتعيّن أزلاً، ولم يتحيّز بمكان بعد أن كان غير متحيّز به، لأن اللاهوت لا يتحيّز بحيّز على الإطلاق، مهما بدا في حيّزٍ خاص.
2 - بما أن الله كان يعلم أزلاً أن الإنسان سيخطئ ويصير عاجزاً وقاصراً عن معرفته، وأن العلاج الوحيد للتسامي به فوق خطيئته وقصوره، هو ظهوره للإنسان بحالة مدركة لديه، ليعرفه الإنسان ويفيد منه، وبما أنه يحب الإنسان ويعطف عليه، وليس من شأن المحب أن يعتزل من يحبهم بل أن يظهر لهم ويمد يد المعونة إليهم، كان من البديهي أن يتجسّد الله حتى يقدر الإنسان إدراكه والإفادة منه. وتجسّده في هذه الحالة لا يكون حدثاً طارئاً جاز فيه في الزمان، بل يكون عملاً له أساس في ذاته أزلاً، كما أنه لا يكون متعارضاً مع ذاته أو ما بها من خصائص، بل يكون متوافقاً معها ومع خصائصها كل التوافق، لأن المحبّة تتجلى لمن تتجه إليهم، دون أن يطرأ عليها أو على صاحبها تغيير ما.
3 - بما أن المسيح وُلد من عذراء وعاش على الأرض حياة الكمال الذي ليس بعده كمال، وبعد موته قام من بين الأموات وصعد إلى السماء، مغايراً في ذلك جميع الناس والكائنات، إذن فمن المؤكد أنه لم يكن واحداً من الناس أو غيرهم من الكائنات، بل كان هو الله كما قال، لأن هذه الأعمال لا يمكن أن يقوم بها سواه.
4 - إن جميع الاعتراضات الفلسفية والعقلية، على اختلاف الأديان التي ينتمي إليها قائلوها، لا نصيب لها من الصواب على الإطلاق.
ثانياً - الأدلة الدينية والتاريخية على صدقها
1 - تنبأت التوراة التي كُتبت قبل الإنجيل بمئات السنين أن الله سيتجسد، وأن الإنجيل الذي أتى بعدها صادق على هذه التنبؤات وشهد بإتمامها في المسيح، وتدل جميع القرائن على أن نبوَّات التوراة وشهادة الإنجيل صادقة كل الصدق.
2 - شهد القرآن (رغم اختلافه عن الكتاب المقدس في موضوعات كثيرة) أن المسيح هو كلمة الله ، وأنه وُلد من عذراء، وأنه عاش على الأرض دون أن يخطئ على الإطلاق، وأخيراً صعد بجسده حياً إلى السموات، الأمر الذي يدل على أنه (على الأقل) لم يكن إنساناً عادياً.
3 - إن كل الكتب الدينية والتاريخية، التي كُتبت في القرون الأولى، تشهد أن المسيحيين كانوا من أول نشأتهم يؤمنون أن المسيح هو الله، وهذا دليل على أن عقيدة التجسد أصلية في الكتاب المقدس.
4 - إن جميع الاعتراضات الدينية على اختلاف مذاهب قائليها، لا نصيب لها من الصواب إطلاقاً، ولذلك فالتجسد لا يتوافق مع ذات الله وصفاته فحسب، بل ولا اعتراض عليه أيضاً من أية ناحية من النواحي.