الله واحد في ثالوث
الباب الخامس
إشراقة النعمة
*برهان الـروح
*تخبط في الظلام
*نعمة الإعـلان
*جاذبية حنـان
*نـور الإيمـان
*أعظم برهـان
الفصل الثاني
ما من شك أن الاعتماد على العقل المجرد لإدراك الحقائق الإيمانية أمر محال فالوحي الإلهي يقول:"أ إلى عمق الله تتصل أم إلى نهاية القدير تنتهي. هو أعلى من السموات فماذا عساك أن تفعل أعمق من الهاوية فماذا تدري (أي 11: 7, 8).
فكيف إذن الإله غير المحدود يدركه عقل محدود. قال الحكيم: "الآن ابحثوا عن الرب الضابط الكل وأنتم لا تدركون سر حكمته إلى الدهر لأنكم لا تعلمون عمق قلب الإنسان وأقوال أفكاره لا تعرفون فكيف إذن تبحثون عن الله الذي صنع جميع هذه وتعرفون عقله وتدركون أفكاره ". ويقرر أيضاً بولس الرسول قائلا: "يا لعمق غنى الله وحكمته وعلمه وما أبعد أحكامه عن الفحص وطرقه عن الاستقصاء. لأن من عرف فكر الرب أو من صار له مشيراً " (رو11 : 33, 34). لذلك إذ لم ينتبه البعض لهذه الحقيقة ضلوا عن الإيمان وتخبطوا في دياجير الظلام وإليك بعض الأمثلة:
أولا: مجال الفلسفة :
تعتمد الفلسفة في تفكيرها على العقل المجرد لذلك وجدنا تضاربا واختلافاً بين مجهود الفلاسفة على مر العصور فمنهم الملحدون ومنهم المؤمنون. ويعطينا الفيلسوف الإنجليزي "كارليل"(1795 ـ1881) مثلا واضحاً على مدى التخبط في ظلام الفكر البشرى. فقد بدأ كارليل حياته مؤمناً ثم قرأ فلسفة "هيوم" وغيره من الفلاسفة المتشككين فاقتنع بآرائهم وتبدد إيمانه … وبينما هو عاكف على البحث والاستقصاء، قرأ فلسفة "شيلر"و "جوتى و "فختى" فاقتنع بآرائهم وتغير موقفه وعاد إلى الإيمان.
وبهذا تحقق الفيلسوف كارليل من هذه الحقيقة الخالدة التي قررها بعد طول بحث ودراسة وهي "أن العقل لم يعد هو مصدر المعرفة الحقة بل صار القلب هو ذلك المصدر" (تاريخ الفلسفة الحديثة ليوسف كرم ص 322).
ثانيا: مجال المسيحية:
كم من هراطقة (الهراطقة أناس خرجوا عن الإيمان) أرادوا أن يخضعوا حقائق الإيمان لمقاييس العقل البشرى فألقوا بأنفسهم في التهلكة أمثال "آريوس"و "مقدونيوس"و"نسطور". فالأول مثلا لم يقبل عقله إمكانية ظهور الله في الجسد فنفى لاهوت المسيح، واجتمع بطاركة الكنيسة وأساقفتها في العالم كله وناقشوا هذا الموضوع وفقاً لتعاليم الكتاب المقدس وحكموا بفرز آريوس ونفيه ودحض تعاليمه المنافية للإيمان.
ثالثا: مجال الإسلام:
[ أنظرمذكرة التوحيد والفرق مقرر السنة الخامسة بالأزهر للشيخ حسن متولي 105ـ 118]. وكم من فرقة مختلفة ظهرت في الإسلام وتضاربت معتقداتها فمثلاً:
1ـ الخوارج وغلاة الشيعة والنصيرية: يغالون في نعت علي بن أبي طالب.
2ـ والجبرية والمعتزلة والقدرية: (زالت وبقي تأثيرها) أنكروا صفات الله.
3ـ والأشاعرة المتريدية والزيدية والأمامية والإسماعيلية: يقولون أن للعالم مديران الأول هو الله والثاني هو النفس ويبيحون المحرمات.
4ـ والبهائية: يغالون في وصف زعيمهم بهاء الله.
5ـ والدروز: يغالون أيضاً في نعت الحاكم بأمر الله الفاطمي . . .
ألا يدل هذا كله على تخبط العقل في ظلام الفكر القاصر. أولا يدل ذلك على مدى احتياج العقل لإشراقة النعمة ونور الإيمان.