الله واحد في ثالوث
الباب الخامس
إشراقة النعمة
*برهان الـروح
*تخبط في الظلام
*نعمة الإعـلان
*جاذبية حنـان
*نـور الإيمـان
*أعظم برهـان
الفصل الثالث
ما من إنسان يستطيع بعقله أو بحكمته المجردة أن يصل إلى معرفة الله إنما يحتاج الأمر إلى إعلان إلهي، حتى يستطيع الإنسان في ظلام فكره أن يعرف السر المخفي عن العقول البشرية القاصرة. وقد عرف بعض الفلاسفة أهمية هذه النعمة وأطلقوا عليها نظرية الإشراق فلا يمكن معرفة الله كما قال أحد الفلاسفة إلا بفضل إشراق من الله، فالله هو "المعلم الباطن" هو " النـور الحقيقـي الذي ينير كل إنسان في هذا العالم" (تاريخ الفلسفة الأوربية في العصر الوسيط ليوسف كرم ص32).
وقد تكلم الكتاب المقدس عن هذين الموضوعين: عجز الإنسان، وضرورة الإعلان.
يوضح الكتاب المقدس عجز العقل البشري عن إدراك الأمور الإلهية فيقول فى سفر أيوب "أإلى عمق الله تتصل أم إلى نهاية القدير تنتهي هو أعلى من السموات فماذا عساك أن تفعل أعمق من الهاوية فماذا تدري. أطول من الأرض طوله وأعرض من البحر" (أي11: 7, 8).
وقال أيضاً "ابحثوا عن الرب الضابط الكل وأنتم لا تدركون سر حكمته، كيف إذن تبحثون عن الله وتعرفون عقله وتدركون أفكاره".
وقال بولس الرسول "يا لعمق غنى الله وحكمته وعلمه. ما ابعد أحكامه عن الفحص وطرقه عن الاستقصاء. لأن من عرف فكر الله أو من صار له مشيراً" (رو11: 33, 34).
من هذا يتضح عجز الإنسان فعلا عن معرفة الأمور المختصة بالله.
ثانيا: ضرورة الإعلان :
الأمر يحتاج إذن إلى نعمة الإعلان أو "إشراق الله" ليعرفنا بسر حكمته كما قيل في الكتاب "يا ليت الله يتكلم ويعلن لك خفيات الحكمة" (أي 11: 5-6).
إن الله الآب يا عزيزي مستعد أن يعلن لك عن نفسه فمن خلال صلاة السيد المسيح ترى هذه الحقيقة إذ يقول "أحمدك أيها الآب رب السماء والأرض لأنك أخفيت هذه عن الحكماء والفهماء وأعلنتها للأطفال" (مت11: 25) ولعلك تدرك من هذا الكلام إن إشراقة النعمة فى القلب تعلن للبسطاء المشبهين هنا بالأطفال أما الذين يريدون أن يدركوا بالعقل والحكمة تلك الأسرار فلن يبلغوا إليها. لقد أعلن الله الآب سر الإيمان لبطرس الرسول فقال أنت هو المسيح ابن الله الحي فأجاب يسوع وقال له: "طوبى لك (أي يا لسعادتك) يا سمعان بن يونا إن لحماً ودماً (أي الانسان) لم يعلن لك ولكن أبى الـذي في السموات " (مت16: 13- 17).
أخي إن يسوع المسيح نفسه أيضاً مستعد أن يعلن لك عن ذاته وعن سر الإيمان إذ يقول "ليس أحد يعرف الابن إلا الآب، ولا أحد يعرف الآب إلا الابن، ومن أراد الابن أن يعلن له" (مت11: 27). لقد تكرم الابن فأعلن لبولس الرسول سره فقال "لأني لم أقبله (أي لم آخذه) من عند إنسان ولا عُلمته بل بإعلان يسوع المسيح"(غل1: 12).
هذا وأن الروح القدس في ملء نعمته يعمل الآن في العالم معلناً لكل إنسان طريق الإيمان ليتمتع بشركة النعمة ويعرف الرب حق المعرفة، هذا ما وضحه بولس الرسول في قوله: لكننا نتكلم بحكمة ليست من هذا الدهر. بل نتكلم بحكمة الله فى سر الحكمة المكتومة التي سبق الله فعينها قبل الدهور لمجدنا! التي لم يعلمها أحد من عظماء هذا الدهر. بل كما هو مكتوب ما لم تر عين ولم تسمع أذن ولم يخطر على بال إنسان ما أعده الله للذين يحبونه. فأعلنه الله لنا بروحه! لأن الروح يفحص كل شئ حتى أعماق الله. لأن مَن مِن الناس يعرف أمور الإنسان إلا روح الإنسان الذي فيه؟ هكذا أمور الله لا يعرفها أحد إلا روح الله. ونحن لم نأخذ روح العالم بل الروح الذي من الله لنعرف الأشياء الموهوبة لنا من الله التي نتكلم بها أيضاً لا بأقوال تعلمها حكمة إنسانية (أي الفلسفة) بل بما يعلمه الروح القدس! قارنين الروحيات بالروحيات.
ولكن الإنسان الطبيعي (أي الذي لم يصبح بعد إنسانا روحيا) لا يقبل ما لروح الله لأنه عنده جهالة ولا يقدر أن يعرفه لأنه إنما يحكم فيه روحياً. أما الروحي فيحكم (أي يعرف ويفصل) في كل شئ (كو2: 6- 16)
يتضح لك من هذا الكلام نقطة جوهرية في غاية الأهمية وهي ضرورة تحول الإنسان الطبيعي إلى إنسان روحي حتى يستطيع أن يقبل ويعرف الأمور الخاصة بالله. فأطلب من الرب أن يغير حياتك ويعلن لك عن ذاته، ولابد أن يستجيب لأنه يريد أن جميع الناس يخلصون وإلى معرفة الحق يقبلون (1تى 2: 4).