الله واحد في ثالوث
الباب الخامس
إشراقة النعمة
*برهان الـروح
*تخبط في الظلام
*نعمة الإعـلان
*جاذبية حنـان
*نـور الإيمـان
*أعظم برهـان
الفصل السادس
فالمؤمن يرى ويلمس الرب فى حياته التي غيرها بالتمام فغيره من إنسان شهواني عبد الخطيئة إلى إنسان روحاني محب للقداسة . . المؤمن يرى الرب في قلبه الذي تطهر من نجاسة الخطية "طوبى لأنقياء القلب لأنهم يعاينون الله" (مت5: 8).
الإيمان بعد عمل النعمة لا يصبح فيما بعد إيماناً عقلياً بأمور غيبية يفتقر إلى أدلة وبراهين بل إيماناً اختباريا يجعل الذئب حملاً وهذا هو أكبر دليل وأعظم برهان على صحة الإيمان.
1ـ اختبار القديس موسى الأسود:
كان رجلاً وحشياً قاتلاً ورئيس عصابة وثنياً ولكن النعمة بدأت ترسل أشعتها إلى قلبه فذهب إلى شيخ قديس وقال له "قد سمعت أنك عبد الله الصالح ومن أجل هذا هربت وأتيت إليك لكي ما يخلصني الإله الذي خلصك فأخبرني وعرفني عن الله فسأله القديس وماذا كان معبودك" أجابه إني لا أعرف سوى الشمس إلهاً لأني لما تطلعت إليها وجدت أنها أنارت المسكونة بضيائها. وكذلك إلى القمر والنجوم التي فيها أسرار عجيبة. وكذلك إلى البحر وقوته . . . ولكن كل هذه جميعاً لم تشبع نفسي وعرفت أن هناك إلهاً آخر لا أعرفه أعظم من كل هذه وقلت له: أيها الرب الإله الساكن في السماء مهدي الخليقة كلها، أهدني إليك الآن وعرفني ما يرضيك لذلك أتيت إليك لتخبرني وتسأل الله عني حتى لا يغضب علي لأجل شر أعمالي (عن مخطوط المتحف القبطي ص 496).
فابتدأ الشيخ يعظه بكلام الله وحدثه عن الدينونة والخلاص ومحبة الله للخطاة ... وتكامل عمل النعمة في قلبه . فأشرق الرب في أحشائه وسالت دموع التوبة ولمع وجهه بنور الإيمان . وأصبح موسى المتوحش قديساً من أعظم رجال الإيمان . . .
من الذي غير الذئب إلى حمل؟ إنه عمل النعمة العجيب ومن الذي أفهمه الإيمان؟ . لقد رأى الرب في حياته ولمس يده الخالقة تغيره بالتمام.
2ـ اختبار جبران:
نشأ جبران في بيت متعصب ضد المسيحيين وأشرف الأب على تلقين ابنه أصول الدين وما أن مات الأب حتى تحلل الشاب من قيود الأخلاق وتوغل في الإجرام حتى فكر أهله في حل للمشكلة فأودعوه مدرسة داخلية. كان بالمدرسة طالب يدعى ميشيل وذاق من جبران ألوان العذاب . . حتى جاء يوم احتفال بالمدرسة وفكر جبران إمعاناً في مضايقة ميشيل أن يكلفه بحمل جميع الكراسي اللازمة واستصدر بذلك أمراً من إدارة المدرسة.
ذهب ليبحث عن ميشيل فلمحه يقفز فوق سور المدرسة ويتوغل في غابة بالقرب من السور فظنه هارباً من المسئولية فتتبعه وإذ به يراه يدلف إلى موضع جعلت منه الأغصان المتشابكة شبه كوخ صغير ومن خلف إحدى الأشجار وقف جبران متخفياً ليستقصي سر هذا الكوخ!! وإذ به يرى ميشيل يوقد شمعة صغيرة ثم يركع على ركبتيه ويسمع صوته الخافت يغنى (على حد تعبيره) ثم يخرج كتابا من جيبه ويقرأ فيه.
وبعد أن انتهى من القراءة رآه يرفع وجهه إلى أعلى ولاحظ انسكاب الدموع من عينيه وصوته مختنقاً بالبكاء. وبعد أن انتهى من ذلك أطفأ الشمعة وعاد إلى المدرسة وجبران يتبعه من بعيد وما أن دخل ميشيل المدرسة حتى لحق به جبران وأمسك بكتفه وسأله: أين كنت؟
فأجاب كنت أعبد ربي. قال له كذبت فقد رأيتك وتتبعتك منذ أن قفزت من السور حتى دخلت الكوخ وأخذت تغنى وتقرأ في نوته ثم تبكى، فإن هذا من علامات الجنون فأجاب بهدوء لست مجنوناً فما كنت أغنى ولكنني كنت أرنم للرب وما كنت أقرأ من نوتة بل في الإنجيل، وأخيراً صليت لربي ليغفر إثمي ويعينني في حياتي . فقال له: هل أستطيع أن أرى الإنجيل؟ فأخرجه له. ولكن جبران كان قد تلقى من أبيه أن من يمسك إنجيل النصارى لا بد أن يصاب بشلل في يده أو خبل في عقله . . ولكن المنظر الذي رآه جبران قد جذبه إلى معرفة سر هذه العبادة التي تحدو بالإنسان أن يدخل الغابة ليتعبد. فأمسك الإنجيل بأطراف أصابعه حتى إذا شعر بالشلل ألقاه ونجا من الخطر!! ولكنه لم يشعر بشيء مما قيل له، فأخذ الإنجيل واستأذن من ميشيل أن يقرأه.
وانفرد جبران يقرأ الإنجيل طيلة الليل . . ولكنه لم يستطيع أن يفهم شيئاً. وفي الفجـر ذهب إلى ميشيل وأيقظه وبدأ يسأل عما لم يفهمه . . . وابتدأ ميشيل يشرح له . . . ولكن دون جدوى . فأغلق ميشيل الكتاب وقال له سأذكر لك محتويات الإنجيل باختصار . .
فالحقيقة الأولى هي أن الإنسان خاطئ وأنا وأنت خطاة.
والحقيقة الثانية أن عقوبة خطايانا هي عذاب جهنم الأبدية.
والحقيقة الثالثة هي أن الله في محبته أرسل المسيح ليفدينا من عقوبة الخطية فصلب عوضاً عنا . .
والحقيقة الرابعة إن أنت آمنت بهذا وندمت على خطاياك يقبلك الرب ويخلصك من نار جهنم الأبدية . . . كانت كلمات بسيطة ولكنها ممسوحة بالنعمة وخارجة عن اختبار وفي ذات اللحظة كانت يد الله تعمل في قلب جبران . . وكانت المعجزة . . . وأشرق وجه الفتى وقال أنا أؤمن . . . وصليا معاً . . وتوالت الأحداث والاختبارات في حياة جبران الشرس الأخلاق إلى جبران الحمل الوديع والخادم المبارك في كرم الرب وصار سبب بركة لنفوس كثيرة من أبناء الإيمان وغيرهم.
لعلك قد أدركت أيها الأخ الحبيب مفهوم الثالوث فى الوحدانية الجامعة عندنا نحن المسيحيين. ولعلك قد تيقنت أننا لا نعبد ثلاثة آلهة، حاشا! وإنما نحن نؤمن بإله واحد قائم بذاته، ناطق بكلمته، حي بروحه. وقد حل كلمته في السيدة العذراء مريم وأخذ منها جسداً بشرياً هو السيد المسيح، الذي عاش على أرضنا، وتمم خلاصنا.
وفي كتابنا الثاني عن "المسيح ابن الله" سنتكلم تفصيلياً عن إيماننا في المسيح الحي، وسر التجسد الإلهي، وعلى نمط هذا الكتاب الذي بين يديك.
وإنني أيها الأخ الحبيب أصلي إلى الرب لكي يشرق بنوره في قلبك، ليعلن لك هذا السر العجيب، لأن أمور الله لا يدركها أحد إلا روح الله، فليتك تطلب أنت أيضاً منه ليعلن لك عن ذاته اطلب منه لكي يغيرك أولاً ويؤهلك لقبول عمل النعمة في حياتك، لتصير ابناً لله، وشريكاً للطبيعة الإلهية، وعندئذ ستدرك بالروح ما يعجز العقل عن إدراكه. الله معك. كن معافى. وإلى اللقاء في كتاب آخر.