وحي الكتاب المقدس
تعريف كلمة "وحي" لغوياً:- يقدم لنا ابن منظور في معجمه "لسان العرب" معانٍ عديدة للفعل وحى وهي: أشار إلى، أرسل إلى، كلم بالسِّر، ألهم، وضع في قلبه، أَمَرَ، وحى إليه وأوحى تعني كلَّمه كلاماً.
الوحي يعني:- الإلهام، الإشارة، الكتابة، الإيماء، الرسالة، الكلام الخفي، كل ما يلقيه الإنسان إلى غيره.
تعريف كلمة "وحي" لاهوتياً:- توجد عدة تعاريف للوحي، وهذه التعاريف تتفاوت في عمقها ودلالتها، مع أنها تتفق في الجوهر على ما هو الوحي:-
1. العملية التي حرك الله بها أناساً وجعلهم يكتبون رسالته.
2. عملية حفظ إعلان الله للبشرية وذلك بتدوينه وجعله معروفاً على نطاقٍ واسع.
3. عملية إشراف الله على كُتَّاب الكتاب المقدس البَشَرِيّين، بحيث أنَّهمُ دونوا وحفظوا بدون أخطاء رسالة الله للبشرية كما وردت في المخطوطات الأصلية.
4. هو التأثير الفائق للطبيعة للروح القدس على أشخاص اختارهم الله نفسه، بحيث أن ما كتبوه أصبح مصدر ثقة وذا سلطان.
5. هو تأثير الروح القدس الفائق للطبيعة على كُتّاب الكتاب المقدس بحيث أن جعل من كتاباتهم سجلاً دقيقاً للرؤيا التي أعلنها الله عن نفسه، أو الذي جعل ما كتبوه عبارة عن كلمة الله.
6. هو نتيجة عمل الروح القدس الفائق للطبيعة في عقل ووجدان كُتّاب الكتاب المقدس بحيث أنَّ إنتاجهم الكتابي لم يكن عملهم، بل في جملته هو كلمة الله. فالكتاب المقدس لا يحتوي فقط على كلمة الله، بل هو كلمة الله بذاتها.
من جملة هذه التعاريف نستنتج ونلاحظ الأمور التالية:-
1. أن المُوْحي هو الله العامل بالروح القدس.
2. أن عملية الكتابة نفسها تمت بإشراف وقيادة الله.
3. أن عملية الوحي هي عملية تفوق الطبيعة، فالوحي من الله.
4. أن أناساً عاديين ومختارين من الله قاموا بعملية التدوين، وبالتالي فالعامل البشري لم يكن سلبياً بل إيجابياً، فطاعتهم وتجاوبهم مع الله جعلهم يكتبون.
5. أن الوحي المكتوب هو بلا أخطاء، أي معصوم.
6. أن النَّسخ من الأصل أو الترجمة من المخطوطات الأصلية ليست وحياً، فالكتابة الأصلية هي ما أوحي به.
7. أن أسفار الكتاب المقدس هي في مجموعها تشكل وحياً من الله، وهي كلمة الله المكتوبة بعينها.
طبيعة الوحي:- وحي الكتاب المقدس هو وحي لفظيٌ ( كتابيٌ) وتامٌ (مطلقٌ) ومعصومٌ عن الخطأ وخلاقٌ وفعالٌ. أي أن الكتاب المقدس بجملته هو من الله، ولكن، وفي نفس الوقت، قام بخطه بشر مثلنا، أي أن الكتاب المقدس إلهي بالكامل وبشري بالكامل. ومع ذلك فهو معصوم. لقد قام الروح القدس بقيادة كُتّاب الكتاب المقدس أثناء الكتابة، ولكن كل كاتب كتب بحرية وبأسلوبه الخاص، ولذلك فإن التنوع في الكتاب هو بشري والوحدة إلهية.
لم يكن كُتّاب الكتاب المقدس مجرد آلات في يد الله. فمثلاً لوقا عمل بجد واجتهاد في جميع المواد التي قام بكتابتها، وبولس كتب رسائله إلى جماعات وأفراد معينين آخذاً وضعهم الروحي والأخلاقي والاقتصادي والاجتماعي بعين الاعتبار.
إن قولنا بوجود عنصر بشري في كتابة الكتاب المقدس لا يعني أبداً أن به أخطاء. فالله، الذي هو رب الجميع. قد عمل على تشكيل صفات وظروف الأشخاص الذين استخدمهم لكتابة وحيه، وقد زودهم بما يحتاجون إليه من حكمة ومواهب روحية وخلقية حتى يتمموا بكفاءة فائقة مقاصد الله في تدوين الوحي.
كذلك فإن قولنا إن الكتاب المقدس بكامله موحىً به من الله لا ينفي حاجتنا إلى بذل جهود روحية وعقلية من أجل فهم كلمة الوحي.
حقيقة الوحي:- من خلال قراءتنا للكتاب المقدس نلاحظ بأن مصدره هو الله، وأن ما نقرأه هو كلام الله بعينه. وشهادة الكتاب المقدس هذه عن نفسه بأنه من وحي الله، هي شهادة أساسية وأولية ويجب أخذها بعين الاعتبار وذلك قبل النظر في مصادر خارجية أو إثباتات مختلفة في مصداقية الكتاب المقدس، سواء أكانت هذه المصادر والبراهين علمية أو تاريخية أو فلسفية أو أثرية أو اجتماعية. فاللجوء إلى المصادر الخارجية فقط لن يثبت أبداً ما يصرح به الكتاب عن نفسه بأنه من مصدر إلهي، رغم أن هذه المصادر تبرهن لنا صدق ما في الكتاب وسمو أفكاره.
توجد في الكتاب المقدس طرق عديدة تخبرنا أنه من وحي الله القدير، ومن الأمثلة على ذلك:-
1. وردت كلمة الوحي في العهد القديم في أيوب 8:32 وهي كلمة "نشما" في اللغة العبرية والتي تعني نسمة أو نَفَس الله.
2. في العهد الجديد وردت الكلمة في 2تيموثاوس 16:3 وهي كلمة "ثيوبنوستوس" في اللغة اليونانية والتي تعني متنفس به من الله.
ويمكن تلخيص الطرق التي يعلن بها الكتاب المقدس أنه من وحي الله في النقاط التالية:-