كسوة الكعبة الحجارة كانت تخرج من مصر

جريدة المصرى اليوم تاريخ العدد الجمعة ٢١ ديسمبر ٢٠٠٧ عدد ١٢٨٦ عن مقالة بعنوان [ قصة المحمل وكسوة الكعبة ] كتب: محمد المصطفى

أول طريق للحجاج بدأه بيبرس.. وسيناء فتحت أبوابها أيام العثمانين
عني المماليك بطريق البر عبر سيناء، ولعل الآثار الباقية هناك تشي بهذا الاهتمام.. خاصة اهتمام الغوري فيما يتعلق بتعميد مراكز الحج عبر سيناء فأنشأ الجوامع والاستراحات وعني بمتابع المياه. وكان طريق «عيزاب» أول طريق للحجاج إلي عهد الظاهر بيبرس فلما استرد «آيله» من الصليبيين افتتح طريق السويس وآيله وظل هذا الطريق قائماً حتي عام ١٨٨٥م عندما انتقل الحج من الطريق البري إلي الطريق البحري.
وكان الحجاج يلقون وسائل الراحة في الخانات طوال رحلتهم فلم تكد تخرج القافلة من القاهرة حتي تجد أول محطة في بركة الحاج غربي العاصمة، ثم قلعة عجرود غرب السويس، ثم الطوابير في بر سيناء، ثم بئر القريضم، ثم نقب العقبة وقلعة آيله فإذا وصلت القافلة بر الحجاز علي الشاطئ الشرقي وجدت قلعة المويلح فبرج ضباء الوجه فقلعة ينبع.
وترجع تقاليد إرسال المحمل إلي مكة إلي عهد الملك الظاهر في عام ١٢٦٦م من قبيل التأكيد علي مسؤولية مصر عن الأماكن المقدسة، وظل هذا التقليد قائماً إلي أن ألغي الاحتفال بالمحمل وكانت القافلة بعد الاحتفال بالمحمل تتجه إلي بركة الحاج، وهي نقطة التجمع علي بعد بضعة كيلو مترات من القاهرة «حدائق القبة الآن» وبعد قضاء الليل تسافر إلي عجرود «غربي السويس» وبعد الاستراحة في خانها تتجه إلي منطقة الطوابير وهي عبارة عن ٣ أعمدة حجرية متفرقة في مدخل بلاد التية كإشارة أو دليل يجب أن تسلكه القافلة إلي نقب دبه البغلة، حيث نقش علي صخرات اسم السلطان الذي أمر بتمهيد درب الحج وفي وادي القريض علي بعد نحو ٦٠ كيلو متراً من نخل بئر وكانت محطة للحجاج يبيتون فيها عند خروجهم من نخل ويعرف هذا البئر باسم «بئر أبو محمد».
وإذا ما وصلت القافلة إلي منطقة العقبة الجبلية وجدت طريقا مهده ملوك مصر في الجبل المطل علي مدينة العقبة وهو طريق متعرج ومنحدر ويسير إلي الوادي المصري «قلعة العقبة»، وبعد عبور هذا الطريق يصل الحجاج إلي العقبة، حيث آثار الغوري أيضا وهي علي مثال قلعة النخل واسعة الشكل ومبنية من الحجر المنحوت وكان من كل ركن في أركانها برج.
ويستمر طريق الحج مارا علي الجانب الشرقي للبحر الأحمر بالمويلح وبرج ضبا، ثم قلعة الوجه وينبع إلي أن تصل القافلة إلي مكة المكرمة وكانت قافلة الحج خاضعة لإدارة محكمة وعلي رأسها أمير يدعي أمير الحج ومعه جهاز إداري كامل مكون من موظفين للسهر علي التموين وقوة عسكرية لمنع أعمال السلب والنهب من جانب البدو، وقد بدأ هذا التنظيم بيبرس وفي عام ١٤٧٣، اختير أمير الحج من بين الأفراد «أميرالف».
وكان الحجاج يجمعون في أحيان كثيرة بين الفريضة والأعمال التجارية، فكان التجار منهم عند عودتهم إلي مصر يخضعون للتفتيش الجمركي في العقبة، حيث كانت القافلة تتوقف ٣ أيام، وكان موظف الجمار يضع قائمة للبضائع حتي إذا ما وصلت القافلة إلي خان العادل بالقرب من القاهرة يتم تحصيل ١٠% رسوماً وكان سلاطين المماليك في غاية السخاء من شريف مكة في عام ١٢٦٩م/١٦٧هـ وأرسل بيبرس ٢٠٠ ألف درهم إعانة من مصر إلي الحجاز، إلا أن ذلك لم يمنع من أن الحجاج كانوا خاضعين لعدة إتاوات من جانب شرفاء مكة وطلب التجار الحماية من الحكومة المصرية فوعد «شرفاء مكة» عدة مرات بإلغاء تلك الإتاوات في مقابل الحصول علي مبلغ إعانة من مصر وفي عام ١٣١٩ خصص السلطان قلاوون إيراد بعض القري المصرية والسورية لصالح شريف مكة.
وفي عام ١٣٦٥م. تمكن السلطان الملك الأشرف من إلغاء الإتاوات علي التموين في مقابل إرسال مبلغ سنوي قدره ١٦٠ ألف درهم لشريف كله هذا بخلاف ما كان يوزعه أمير الحج علي الشريف وعلي كبار رجال الحجاز من المنح وقد استمرت تلك المنح في العصر العثماني أيضا.
وكان عدد الحجاج الذين يعبرون شبه الجزيرة يتراوح بين خمسين ألفا و٣٠٠ ألف.. الأمر الذي يشي بحجم النشاط الذي كان يجري علي سيناء واهتمام المماليك بشؤونها وكان العلم المصري يرفرف فوق المحمل في عهودهم، وكان لونه أصفر، وقدرت قيمة الكسوة المرسلة سنوياً من مصر بثلاثمائة دينار، وفي أثناء العصر العثماني ظلت سيناء علي أهميتها كطريق للحج والتجارة فقد سار العثمانيون علي نفس سيرة المماليك بالنسبة لسيناء.
وقد انتظم الحج بل وتكونت له إدارة ونظم السلاطين المنح لأهالي مكة وأعيانها وانقطع الحج عام ١٥١٦م أثناء الغزو العثماني وسافرت أول البعثات عام ١٥١٧م، ووضع المحمل التركي والمصري علي جانبي مدرسة قايتباي في مكة وتقرر لحراسة المحمل قوة عسكرية من حوالي ١٠٠ جندي وكانت القافلة تغادر مصر علي هذا النحو: الرسميون، ثم الأعيان ثم الحجاج أما صندوق المال والقوت والنساء والبضائع الثمينة فقد كانت توضع وسط القافلة ويتبعها ركب الحجاج العاديين، كما تقرر راتب لرئيس المحمل قدره ١٨ ألف دينار و٢٠٠٠ أردب قمح و٤ آلاف أردب فول و٥ ملابس خاصة.
وكان بصحبه أمير الحجاج بعثة مكونة من سكرتير خاص وقاض شرعي وجمل لحمل الأمتعة وطعام لبغلته وأربعة أرغفة في كل وجبة و١٤ كيلو كعك و٥ رؤوس سكر ومن بين المرافقين شاهدان وكاتب ديوان الحج ومفتش الدواب وخوليان لمراقبة الجمالين ومخزنجي للقوت وقباني ورئيس مطبخ وسقايين علي ١٦٠٠ قربة علي ٢٢٠ جملاً واستادار صحي ومقدم هجانة للسهر علي الجمال والحبوب، ومندوبو علاقات عامة مع البدو ومأذون وميقاتي لتحديد أوقات الصلاة وطبيب وجراح وطبيب عيون وأدوية لتقديم خدمة طبية مجانية وتشتخان للعناية بالأواني النحاسية والشربخان المسؤول علي الطباخين والخبازين وشاعران وعازف موسيقي.
وكان عدد الحجاج متغيرا من عام إلي عام ٥٠ ألفا إلي ٢٥٠ ألفا، كما كان عدد المحمل ٦ موانع صغيرة علي ست بغال تستخدم في تنبيه الحجاج بمواعيد السفر.
ولأمير الحج سلطة مطلقة علي القافلة، وذلك الشعب السائر في الصحراء، ولذا فقد كان يتمتع بصلاحية حاكم حتي إذا أخذوا قراراً بالإعدام في الحال وهي سلطة تقابل سلطة والي مصر، كما أنه يرث أموال الذي يموتون أثناء الرحلة إذا لم يكن لهم وريث.
******

تاريخ المنافسة علي الفوز بشرف «الكسوة»
كتب: ماهر حسن
كان المحمل تعبيراً عن الارتباط الروحي والوجداني والعقائدي بين المصريين والكعبة المشرفة وكان الاحتفال بخروجه من مصر متجهاً إلي الحجاز احتفالاً شعبياً ورسمياً، وكان المحمل وطريق الحج دليلان علي قوة الحكم في مصر، واستتباب الأمن وفي موروثنا الشعبي القديم مقولة «الكسوة بركة.. ودوام لحكم من قام بها»، وربما جاء مولد هذا التقليد مما فعله الفاروق عمر بن الخطاب الذي يقول لنا الأثر الشريف إنه كسا الكعبة بالقماش المصري «القباطي»
وكثيراً ما جرت منافسات بين دول وممالك إسلامية كثيرة وكانت هذه المنافسات أشبه بالمنازعات الدبلوماسية وهو تنافس في شرف كسوة الكعبة ومن هؤلاء المتنافسين بغداد ودمشق واليمن ومراكش وفي العصر المملوكي انفردت بهذا الشرف حتي إن السلطان الصالح إسماعيل بن قلاوون في سنة ٧٥٠ هجرية، أوقف ضيعة كاملة هي «بسوس» وجعلها مرصدة للكسوة، ويقال إنها كانت ثلاث قري هي بسوس وسندبيس وأبوالغيط واستمر التقليد حتي العهد العثماني، وحينما تولي محمد علي باشا حكم مصر «١٢٢٠هجرية ـ ١٨٠٥م» نص الفرمان العثماني علي أن «علي خزانة مصر القيام بالنفقات السنوية التي تقوم بها عادة للحرمين الشريفين»
وكان عباس حلمي الثاني عام ١٨٩٢م، قد أمر بإرسال كسوة الكعبة في احتفال مهيب أخذ يتطور مع الزمن، ولعبدالله النديم في مجلته «الأستاذ» في ٩ مايو ١٨٩٣م، وصف شيق لخروج المحمل من مصر محملاً بالكسوة إذ يقول «احتفل في ديوان محافظة مصر احتفالاً جليلاً دعي إليه العلماء والأمراء وأرباب الطرق وكثير من الوجهاء والأعيان وانتظم الموكب مركباً من فوق العساكر الخيالة والمشاة والمدفعية يتقدمهم رياض باشا نائباً عن الحضرة الخديوية.. لم تتوقف مصر عن إرسال كسوة الكعبة إلا خلال الحرب العالمية الأولي، والمرة الثانية عند الأزمة التي نشبت بين مصر والسعودية عام ١٩٢٦م، إلي أن توقف إرسال المحمل عام ١٩٦١م.


أمير المحمل يحكي عن رحلته.. وكسوة الكعبة من وزارة المالية و«الخرنفش»إلي الحجاز
كتب: سماح منير
كان إبراهيم رفعت باشا رئيساً لبعثة الحج (والمحمل طبعاً) في أعوام ١٩٠٣ و١٩٠٤ و١٩٠٨ وصف ترتيبات وطقوس إرسال المحمل : «أتي المحمل من مقره بوزارة المالية، ونقل داخل صناديق علي عجلة إلي وكالة الست بالجمالية، حسب المعتاد منذ القدم، ونقل جزء من كسوة الكعبة مع أحزمتها الحريرية المزركشة بالقصب من مصنعها بالخرنفش إلي المصطبة بميدان صلاح الدين المعروف بميدان القلعة، وكان نقل الكسوة علي أكتاف الحمالين، يحيط بها رجال الشرطة ويتقدمها قسم من الجيش ما بين راجلٍ «ماشٍ» وراكب، معهم الموسيقي تصدح بالأنغام المطربة، ويصحبه أرباب المزمار البلدي المعينون للسفر بصحبة المحمل،
وكذلك تقدم الكسوة مديرو مصنعها - مأمور الكسوة - ممتطياً جواده مرتدياً لباسه الرسمي وعلي يديه كيس مفتاح الكعبة.. وسار الموكب من المصنع إلي سبيل كتخدا حيث التقي به المحمل بكسوته الخضراء المعتادة آتياً من «وكالة الست» بالجمالية علي ظهر جمل، وسار الموكب كله إلي النحاسين فالغورية، فباب زويلة، فالدرب الأحمر، فالتبانة، فالمحجر، فميدان «القلعة»، حيث أقيم الاحتفال هناك، فوضع المحمل مع الكسوة في مقابل ردهة الاستقبال حتي الصباح،
ووضعت الكسوة المذكورة التي زينت جدرانها بقطع من كسوة الكعبة وأحزمتها القصبية وكيس مفتاح الكعبة وستارة بابها وباب التوبة، ووضع حول كسوة المقام أربع ماثلات من الفضة أحضرت من جامع القلعة، ثم سُير بالكسوتين والمحمل إلي مسجد الحسين، ومنه إلي مصنع الكسوة بالخرنفش، وبقي هناك إلي صبيحة يوم الاحتفال بخروج المحمل إلي الحجاز.
 

الصفحة الرئيسية