الأشهر الحرم
الأشهر الحرم
غير اننا في نجد روايات بعض أهل الأخبار ما ينافي تعظيم كل العرب للبيت وحًجهم
اليه واحترامهم للحرم وللاشهر الحرم. فقد ورد ان من العرب من "كان لا يرعى
للحرم ولا للاشهر الحرام حرمه"، ومنهم "خثعم" و "طيء"، وأحياء من قضاعة ويشكر
والحارث بن كعب. وورد ان ذؤبان العرب وصعاليكها وأصحاب التطاول، كانوا
لا.يؤمنون على الحرم، ولا يرون للحرم حرمة، ولا للشهر الحرام قدراً. وقد كانوا
خطراً يهدد البيت وأهله لذلك، ألف "هاشم" بن قريش وسادات القبائل ألفة ليحمي
بهم البيت. قال "الجاحظ" في تفسيره للإيلاف: وقد فسره قوم بغير ذلك. قالوا: إن
هاشماً جعل على رؤوس القبائل ضرائب يؤدونها اليه ليحمي بها أهل مكة. فإن ذؤبان
العرب وصعاليك الأحياء وأصحاب التطاول كانوا لا يؤمنون على الحرم، لا سيما وناس
من العرب كانوا لا يرون للحرم حرمة ولا للشهر الحرام قدراً، مثل طيء وخثعم
وقضاعة وبعض بني الحارث بن كعب. ورؤوس القبائل الذين جعل هاشم عليهم ضرائب
يؤدونها اليه ليحمي بها أهل مكة، هم رؤساء مكة بلا شك، ومن كانت له مصلحة
تجارية مباشرة بمكة، فكان ياخذ من هؤلاء ما يأخذه ثم يجمعه ويعطيه إلى "
إلمؤلفة قلوبهم" من سادات القبائل النازلين حول مكة وعلى مقربة منها، كما ألف
بين مكة وبين سادات القبائل الذين تمر قوافل مكة بأرضهم في طريقها الى الشام او
العراق أواليمن، بروابط "الإيلاف"، أي العقود التي عقدها معهم " باعطائهم جعلا
معيناً، أو حقوقاً تبين وتكتب، أو ربحاً يدفع مع رؤوس المال عن البضائع التي
تدفع لقريش، لتقوم قوافلها ببيعها في الأسواق. وبذلك أمنت مكة وسلمت تجارتها،
ودانت بعض القبائل بدين قريش في الأشهر الحرم، لما فيها من فائدة ومنفعة مادية
بينة ظاهرة: فاحترمتها، وبهذا أمن الحج واستراح التجار من قريش ومن غيرهم في
ذهابهم بحرية وبأمان في هذه الشهور إلى الأسواق وليست لدينا ويا للاسف أخبار
مدوّنة عن مناسك الحج وشعائره عند الجاهليين. لعدم ورود شيء من ذلك في النصوص
الواردة إلينا، ما خلا الحج إلى "بيت الله الحرام" بمكة، حيث حفظت الموارد
الإسلامية لنا شيئاً من ذلك، بسبب فرض الحج في الإسلام، واقرار الإسلام لبعض
شعائره التي لم تتعارض مع مبادئه ولولا ذلك لما عرفا شيئاً عن الحج إلى مكة عند
الجاهليين. ولهذا فسأقتصر في كلامي هنا على الحج إلى مكة فقط. إلا إذا وجدت
خبراً أو نصاً عن حج غير أهل مكة من الجاهليين إلى مكة أو إلى بيوت أخرى
فسأتكلم عنه حينئذ.
ويظهر من غربلة ما جاء في روايات أهل الأخبار عن "حج البيت"، أن مناسك الحج لم
تكن واحدهَ بالنسبة للحجاج، بل كانت تختلف باختلاف القبائل.
فقد انفردت "قريش" بأمور من أمور الحج، واعتبرتها من مناسك حجها، وانفردت قبائل
أخرى بمناسك لم تعتبرها "قريش" موجبة لها، ولم تعمل بها ووقفت قريش في مواقف،
اعتبرتها مواقف خاصة بها. وأوجبت على من يفد إلى مكة للحح، مناسك معينة سنتحدث
عنها. فلما ظهر الإسلام وحدّ مناسك الحج وثبتها. وأوجب على كل مسلم اتباعها.
*******************************************************************************************************
الجزء التالى للمؤرخ العلامة جــــواد عــلى فى موضع
آخر من كتاب المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام دار العلم للملايين ، بيروت ،
الطبعة الثانية الجزء الثالث 1980م الفصل الثاني والسبعون - الحج والعمرة ص 748
نقلنا هذه الصفحة بدون تغيير ولكننا وضعنا لكل فقرة عنوان
*******************************************************************************************************