الإحرام - الطواف حول الرجمات والأنصاب - عبادة الحجارة - الوثنيون كانوا يهلون عند أصنامهم
الإحرام والإسلام
ويبدأ الحج في الإسلام بلبس "الاحرام" حين بلوغه "الميقات" المخصص للجهة التي جاء منها.
و "ميقات" الحج موضع احرامهم.
وقد عين الرسول أكثر "المواقيت" وثبتها ،
فجعل "ذا الحليفة" ميقاتاً لأهل "يثرب"،
و "الجحفة "، ميقاتاً لأهل الشام،
و "يلملم" ميقاتاً لأهل اليمن،
و "قرن المنازل" لأهل نجد ومن يأتي من الشرق نحو الحجاز..
وأما " ذات عرق"، فميقات أهل العراق،
قبل ان الرسول ثبته، وقيل إنه ثبت بعد فتح العراق. أما أهل مكة، فكانوا
يحرمون من بيوتهم. ويجوز أن تكون هذه
المواقيت من مواقيت أهل الجاهلية كذلك، وقد ثبتها الإسلام.
بداية الحج سوق عكاظ
بالنسبة إلى التجار
ويستعد الجاهليون للحج عند حضورهم موسم "سوق عكاظ". فإذا انتهت ايام السوق ،
وأراد منهم من أراد الحج، ذهب إلى "مجنة"، فأقام بها إلى هلال ذي الحجة،
ثم ارتحل عنها إلى "ذي المجاز"،
ومنه إلى "عرفة"،فإذا كان يوم التروية، تزودوا بالماء وارتفعوا إلى عرفة. هذا بالنسبة إلى التجار، الذين كانوا يأتون هذه المواضع للتجارة.
أما بالنسبة إلى غيرهم،
فقد كانوا يقصدون الحج في أي وقت شاءوا، ثم يذهبون إلى "عرفة" للوقوف موقف عرفة، يقصدها "الحلة"، أما "الحمس" فيقفون ب "نمرة"، ثم يلتقون جميعاً بمزدلفة للإفاضة.
الوثنيون كانوا يهلون عند أصنامهم
ويبدأ حج أهل الجاهلية بالإهلال. فكانوا يهلّون عند أصنامهم، ويلبون اليها،
فإذا انتهوا من ذلك قدموا مكة، فكان الأنصار مثلاً يهلون لمناة في معبده، أي انهم كانوا يغادرون "يثرب" إلى معبد الصنم ، فيكونون فيه لمراقبة هلال ذي الحجة ، فإذا أهلّوا لبوّا، ثم يسير من يسير منهم إلى مكة، لحج البيت.
والطواف بالبيوت وبالأصنام ركن من أركان الحج الوثنية
والطواف بالبيوت وبالأصنام، ركن من أركان الحج، ومنسك من مناسكه. وكانوا
يفعلونه كلما دخلوا البيت الحرام، فإذا دخل أحدهم الحرم، واذا سافر أو عاد من
سفر،، فاًول ما كان يفعله الطواف بالبيت. وقد فعل غيرهم فعل قريش ببيوت أصنامهم،
إذ كانوا يطوفون حولها، كالذي كان يفعله أهل يثرب من طوافهم ب "مناة".
الطوافان حول الرجمات والأنصاب (عبادة الحجارة )
وقد ذكر الأخباريون أن أهل الجاهلية كانوا يطوفون حول الرجمات، وهي حجارة تجمع
فتكون على شبه بيت مرتفع كالمنارة، ويقال لها الرجمة. وكان الجاهليون يطوفون
حول الأصنام والأنصاب كذلك. وذكر "نيلوس" Nilus أن الأعراب كانوا يطوفون حول
الذبيحة التي يقدمونها قرباناً للالهة. وكانوا يطوفون حول القبور أيضاً: قبور
السادات والأشراف من الناس.
الطوافان حول الأنصاب (عبادة الحجارة )
وطافوا حول "الأنصاب"، ويسمون طوافهم بها " الدوار". فكَانوا يطوفون حول حجر
ينصبونه طوافهم بالبيت، وسموّا تلك الأحجار الأنصاب.
وللطواف كلمة أخرى هي "الدوار" من "دار" حول موضع من المواضع، وطاف حوله الشيء،
واذا عاد إلى الموضع الذي ابتدأ منه. ونجد هذا المعنى في شعر الشاعرين
الجاهليين: امرئ القيس، وعنترة بن شدّاد العَبسٌي. وقد ذكر علماء اللغة أن "الدوار"
صنم كانت العرب تنصبه، يجعلون موضعاً حوله يدورون به، واسم ذلك الصنم والموضع
الدوار. ومنه قول امرئ القيس:
فَعَنٌ لنا سِربٌ كأن نعـاجـه عذارى دوار،في مُلاءٍ مذيل
وقيل إنهم كانوا يدورون حوله أسابيع كما يطاف بالكعبة. وقيل حجارة كانوا يطوفون
حولها تشبهاً بالكعبة.
عبادة الحجارة
وتلعب عبادة الحجر دوراً بارزاً في "الدوار". فقد كان قوم من أهل الجاهلية
يقيمون الأحجار، ثم يطوفون حولها، يتخذون الدوار عبادة لهم. وقد تكون الأحجار
أصناماً، وقد تكون حجارة تنتقى فيطاف حولها. و "عن أبي رجاء العطاردي، قال: لما
بعث النبي، صلى الله عليه وسلم، فسمعنا به لحقنا بمسيلمة الكذاب، فلحقنا بالنار،
وكنا نعبد الحجر في الجاهلية،فإذا وجدنا حجراً هو أحسن منه، ألقينا ذلك وأخذناه،
فإذا لم نجد حجراً جمعنا حثية من تراب.ثم جئنا بغنم فحلبناها عليه ثم طفنا به.
وكنا اذا دخل رجب قلنا جاء منصل الأسنة، فلا ندع سهماً فيه حديدة، ولا حديدة في
رمح إلا نزعناها وألقيناها ".
الحليب فى امور العبادة الوثنية
ويلاحظ ان الجاهليين كانوا يقيمون وزناً للحليب في أمور العبادة، فقد كانوا
يسكبونه على الأصنام، كما رأينا في باب الأصنام، وفي القصة المتقدمة. ويلاحظ ان
الرواية قد خصصت حليب الغنم، ولم تشر إلى حليب الإبل، أو حليب أية ماشية
أخرى،مما قد يدل على وجود رابطة بين هذا الحليب وبين "الدوار" وان له علاقة
بالأساطير، وذلك في حالة صدق الخبر بالطبع.
الطواف من أهم طرق التعبد الوثنية
والطواف من أهم طرق التعبد والتقرب إلى الآلهة. يؤدونه كما يؤدون الشعائر
الدينية المهمة مثل الصلاة، وليس له وقت معلوم. ولا يخص ذلك بمعبد معين ولا
بموسم خاص مثل موسم الحج، بل يؤدونه كلما دخلوا معبداً فيه صنم، أو كعبة أو
ضريح، فهم يطوفون سبعة أشواط حول الأضرحة أيضاً: كما يطوفون حول الذبائح
المقدمة الى الالهة. فالطواف، إذن من الشعائر الدينية التي كان لها شأن بارز
عند الجاهليين.
الطوفان لابسين النعال والثياب أو بغير ثياب
وكانوا يطوفون بالبيت في نعالهم، لا يطأون أرض المسجد تعظيماً له. إلا ان يكون
الحاج فقيراً حافياً، فقد كان منهم من لا يملك نعالاً ولا خفاً ولا ساثر ما
يلبس بالرجل لفقره. وذكر أن رسول الله قال: "من لم يجد نعلين، فليلبس خفين ".
وقد ذكر "السكري"، أن "الحمس" كانوا "لا يطوفون بالبيت إلا في حذاثهم وثيابهم،
ولا يمسون المسد بأقدامهم تعظيماً لبقعته ". وذكر أن "الحلة." كانوا على العكس
منهم. " فإذا دخلوا مكة بعد فراغهم تصدقوا بكل حذاء وكل ثوب لهم، ثم استكروا من
ثياب الحمس تنزيهاً للكعبة أن يطوفوا حولها إلا في ثياب جدد. ولا يجعلون بينهم
وبين الكعبة حذاء يباشرونها بأقدامهم".
طواف الوثنيين كان سبعة أشواط
وكانوا يدخلون جوف الكعبة بنعالهم،لا يتأثمون من ذلك. وذكر أن "الوليد ابن
المغيرة" كان أول من خلع نعليه لدخول الكعبة، تعظيماً لها، فخلع الناس نعالهم.
وعدّة الطواف حول الكعبة عند الجاهليين سبعة أشواط، ولا أستبعد ان يكون هذا
العدد.ثابتاً بالنسبة إلى الطواف حول البيوت الأخرى أو حول الرجمات والأنصاب
والقبور أيضاً. فقد كان الطواف سبعة أشواط مقرراً عند غير العرب أيضاً، وقد ذكر
في "التوراة"، اذ كان العبرانيون يمارسونه. والعدد سبعة هو من الأعداد المقدسة
المهمة عند الشعوب القديمة. ولهذا أرى ان غير قريش من العرب كانوا يطوفون هذا
الطواف أيضاً حول محجّاتهم في ذاك الوقت.
وقد ورد أن من الجاهليين من كان يطوف ويده مربوطة بيد انسان آخر، بحبل أو بسير،
أو بزمام أو منديل، أو خيط أو أي شيء آخر، يفعلونه نذراً،أو حتى لا يفترقا. وقد
نهى عن ذلك في الإسلام. فقد روي أن الرسول رأي أحدهما وقد فعل ذلك، فقطع بيده
ذلك الرباط.
*****************************************************************************************************
الجزء التالى للمؤرخ العلامة جــــواد عــلى فى موضع
آخر من كتاب المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام دار العلم للملايين ، بيروت ،
الطبعة الثانية الجزء الثالث 1980م الفصل الثاني والسبعون - الحج والعمرة ص 748
نقلنا هذه الصفحة بدون تغيير ولكننا وضعنا لكل فقرة عنوان
*******************************************************************************************************