البسملة التى أتفق عليها العرب فى الوثنية ومحمد رسول الإسلام (بِاسْمِك اللَّهُمَّ)
تعليق من الموقع : الحديث التالى به أحداث عمرة القضاء والتفسير لـ فتح الباري بشرح صحيح البخاري والتوضيح والتفسير أسفله وتحت عنوان قَوْله : ( فَلَمَّا كُتِبَ الْكِتَاب ) ستقرأ فى هذه الفقرة أن قريش والعرب لم يعرفوا البسملة الإسلامية (بِسْمِ اللَّه الرَّحْمَن الرَّحِيم ) وقالوا أكتب ما نعرف فكتب عرب قريش ومحمد رسول الإسلام أسم الإله الذى أتفقوا عليه فكتبوا (بِاسْمِك اللَّهُمَّ) واللهم هو أقرب أسم للإله العبرى اليهودى ألوهيم
صحيح البخاري - المغازي - عمرة
القضاء ذكره أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم
حدثني عبيد الله بن موسى عن إسرائيل عن أبي
إسحاق عن البراء رضي الله عنه قال
لما اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم في ذي القعدة فأبى أهل
مكة أن يدعوه يدخل مكة حتى قاضاهم على أن يقيم بها ثلاثة
أيام فلما كتبوا الكتاب كتبوا هذا ما قاضى عليه محمد رسول
الله قالوا لا نقر لك بهذا لو نعلم أنك رسول الله ما منعناك شيئا
ولكن أنت محمد بن عبد الله فقال أنا رسول الله وأنا محمد
بن عبد الله ثم قال لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه امح
رسول الله قال علي لا والله لا أمحوك أبدا فأخذ رسول الله
صلى الله عليه وسلم الكتاب وليس يحسن يكتب فكتب هذا ما
قاضى عليه محمد بن عبد الله لا يدخل مكة السلاح إلا
السيف في القراب وأن لا يخرج من أهلها بأحد إن أراد أن يتبعه وأن
لا يمنع من أصحابه أحدا إن أراد أن يقيم بها فلما دخلها ومضى الأجل
أتوا عليا فقالوا قل لصاحبك اخرج عنا فقد مضى الأجل فخرج
النبي صلى الله عليه وسلم فتبعته ابنة حمزة تنادي
يا عم يا عم فتناولها علي فأخذ بيدها وقال لفاطمة عليها
السلام دونك ابنة عمك حملتها فاختصم فيها علي وزيد وجعفر
قال علي أنا أخذتها وهي بنت عمي وقال جعفر ابنة عمي
وخالتها تحتي وقال زيد ابنة أخي فقضى بها النبي صلى الله
عليه وسلم لخالتها وقال الخالة بمنزلة الأم وقال لعلي أنت
مني وأنا منك وقال لجعفر أشبهت خلقي وخلقي وقال لزيد أنت
أخونا ومولانا وقال علي ألا تتزوج بنت حمزة قال إنها
ابنة أخي من الرضاعة
فتح الباري بشرح صحيح البخاري
قَوْله : ( عَنْ الْبَرَاء )
فِي رِوَايَة شُعْبَة عَنْ أَبِي إِسْحَاق " سَمِعْت الْبَرَاء "
أَخْرَجَهَا فِي الصُّلْح .
قَوْله : ( اِعْتَمَرَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فِي ذِي الْقَعْدَة )
أَيْ سَنَة سِتٍّ .
قَوْله : ( أَنْ يَدَعُوهُ )
بِفَتْحِ الدَّالِ أَيْ يَتْرُكُوهُ .
قَوْله : ( حَتَّى قَاضَاهُمْ عَلَى أَنْ يُقِيم بِهَا ثَلَاثَة
أَيَّام ) أَيْ مِنْ الْعَام الْمُقْبِل , وَصَرَّحَ بِهِ فِي
حَدِيث اِبْن عُمَر بَعْده , وَتَقَدَّمَ سَبَب هَذِهِ
الْمُقَاضَاة فِي الْكَلَام عَلَى حَدِيث الْمِسْوَر فِي الشُّرُوط
مُسْتَوْفًى .
قَوْله : ( فَلَمَّا كُتِبَ الْكِتَاب )
كَذَا هُوَ بِضَمِّ الْكَاف مِنْ كُتِبَ عَلَى الْبِنَاءِ
لِلْمَجْهُولِ , وَلِلْأَكْثَرِ كَتَبُوا بِصِيغَةِ الْجَمْع ,
وَتَقَدَّمَ فِي الْجِزْيَةِ مِنْ طَرِيق يُوسُف بْن أَبِي
إِسْحَاق عَنْ أَبِي إِسْحَاق بِلَفْظِ " فَأَخَذَ يَكْتُب
بَيْنَهُمْ الشَّرْطَ عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب " وَفِي رِوَايَة
شُعْبَة " كَتَبَ عَلِيّ بَيْنهمْ كِتَابًا " وَفِي حَدِيث
الْمِسْوَر " قَالَ
فَدَعَا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْكَاتِب
فَقَالَ : اُكْتُبْ بِسْمِ اللَّه الرَّحْمَن الرَّحِيم , فَقَالَ
سُهَيْل . أَمَّا الرَّحْمَن فَوَاَللَّهِ مَا أَدْرِي مَا هُوَ ,
وَلَكِنْ اُكْتُبْ بِاسْمِك اللَّهُمَّ كَمَا كُنْت تَكْتُب ,
فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ لَا نَكْتُبهَا إِلَّا بِسْمِ اللَّه
الرَّحْمَن الرَّحِيم , فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ " اُكْتُبْ بِاسْمِك اللَّهُمَّ " وَنَحْوه فِي حَدِيث
أَنَس بِاخْتِصَارِ وَلَفْظه " أَنَّ قُرَيْشًا صَالَحُوا النَّبِيّ
صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِمْ سُهَيْل بْن عَمْرو ,
فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَلِيٍّ :
اُكْتُبْ بِسْمِ اللَّه الرَّحْمَن الرَّحِيم , فَقَالَ سُهَيْل :
مَا نَدْرِي مَا بِسْمِ اللَّه الرَّحْمَن الرَّحِيم , وَلَكِنْ
اُكْتُبْ مَا نَعْرِف : بِاسْمِك اللَّهُمَّ " وَلِلْحَاكِمِ مِنْ
حَدِيث عَبْد اللَّه بْن مُغَفَّلٍ " فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى
اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : اُكْتُبْ بِسْمِ اللَّه الرَّحْمَن
الرَّحِيم , فَأَمْسَكَ سُهَيْل بِيَدِهِ فَقَالَ : اُكْتُبْ فِي
قَضِيَّتِنَا مَا نَعْرِف , فَقَالَ : اُكْتُبْ بِاسْمِك اللَّهُمَّ
, فَكَتَبَ " .
قَوْله : ( هَذَا )
إِشَارَة إِلَى مَا فِي الذِّهْنِ .
قَوْله : ( مَا قَاضَى )
خَبَر مُفَسِّر لَهُ , وَفِي رِوَايَة الْكُشْمِيهَنِيّ " هَذَا
مَا قَاضَانَا " وَهُوَ غَلَط , وَكَأَنَّهُ لَمَّا رَأَى قَوْله "
اُكْتُبُوا " ظَنَّ بِأَنَّ الْمُرَاد قُرَيْش , وَلَيْسَ كَذَلِكَ
بَلْ الْمُرَاد الْمُسْلِمُونَ , وَنِسْبَة ذَلِكَ إِلَيْهِمْ
وَإِنْ كَانَ الْكَاتِب وَاحِدًا مَجَازِيَّة , وَفِي حَدِيث عَبْد
اللَّه بْن مُغَفَّل الْمَذْكُور " فَكَتَبَ هَذَا مَا صَالَحَ
مُحَمَّد رَسُول اللَّه أَهْل مَكَّة " .
قَوْله : ( قَالُوا لَا نُقِرّ لَك بِهَذَا )
تَقَدَّمَ فِي الصُّلْحِ بِهَذَا الْإِسْنَاد بِعَيْنِهِ بِلَفْظِ
" فَقَالُوا لَا نُقِرّ بِهَا " أَيْ بِالنُّبُوَّةِ .
قَوْله : ( لَوْ نَعْلَم أَنَّك رَسُول اللَّه مَا مَنَعْنَاك
شَيْئًا )
زَادَ فِي رِوَايَة يُوسُف " وَلَبَايَعْنَاك " وَعِنْد
النَّسَائِيِّ عَنْ أَحْمَد بْن سُلَيْمَان عَنْ عُبَيْد اللَّه
بْن مُوسَى شَيْخ الْبُخَارِيّ فِيهِ " مَا مَنَعْنَاك بَيْتَهُ "
وَفِي رِوَايَة شُعْبَة عَنْ أَبِي إِسْحَاق " لَوْ كُنْت رَسُول
اللَّه لَمْ نُقَاتِلك " وَفِي حَدِيث أَنَس " لَاتَّبَعْنَاك "
وَفِي حَدِيث الْمِسْوَر " فَقَالَ سُهَيْل بْن عَمْرو : وَاَللَّه
لَوْ كُنَّا نَعْلَم أَنَّك رَسُول اللَّه مَا صَدَدْنَاك عَنْ
الْبَيْت وَلَا قَاتَلْنَاك " وَفِي رِوَايَةِ أَبِي الْأَسْوَدِ
عَنْ عُرْوَةَ فِي الْمَغَازِي " فَقَالَ سُهَيْل : ظَلَمْنَاك إِنْ
أَقْرَرْنَا لَك بِهَا وَمَنَعْنَاك " وَفِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّه
بْن مُغَفَّل " لَقَدْ ظَلَمْنَاك إِنْ كُنْت رَسُولًا " .
قَوْله : ( وَلَكِنْ أَنْتَ مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه )
وَفِي رِوَايَة يُوسُف وَكَذَا حَدِيث الْمِسْوَر " وَلَكِنْ
اُكْتُبْ " وَكَذَا هُوَ فِي رِوَايَة زَكَرِيَّا عَنْ أَبِي
إِسْحَاق عِنْد مُسْلِم , وَفِي حَدِيث أَنَس وَكَذَا فِي مُرْسَل
عُرْوَة " وَلَكِنْ اُكْتُبْ اِسْمك وَاسْم أَبِيك " زَادَ فِي
حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّل " فَقَالَ : اُكْتُبْ هَذَا
مَا صَالَحَ عَلَيْهِ مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن عَبْد
الْمُطَّلِبِ " .
قَوْله : ( ثُمَّ قَالَ لِعَلِيٍّ : اُمْحُ رَسُولَ اللَّهِ )
أَيْ اُمْحُ هَذِهِ الْكَلِمَةِ الْمَكْتُوبَةِ مِنْ الْكِتَابِ ,
فَقَالَ : لَا وَاَللَّه لَا أَمْحُوك أَبَدًا " وَلِلنَّسَائِيِّ
مِنْ طَرِيق عَلْقَمَة بْن قِيسَ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ " كُنْت
كَاتِبَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْم
الْحُدَيْبِيَة فَكَتَبْت : هَذَا مَا صَالَحَ عَلَيْهِ مُحَمَّد
رَسُول اللَّه , فَقَالَ سُهَيْل : لَوْ عِلْمنَا أَنَّهُ رَسُول
اللَّه مَا قَاتَلْنَاهُ , اُمْحُهَا . فَقُلْت : هُوَ وَاَللَّه
رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنْ رَغِمَ
أَنْفك , لَا وَاَللَّه لَا أَمْحُوهَا " وَكَأَنَّ عَلِيًّا فَهِمَ
أَنَّ أَمْرَهُ لَهُ بِذَلِكَ لَيْسَ مُتَحَتِّمًا , فَلِذَلِكَ
اِمْتَنَعَ مِنْ اِمْتِثَالِهِ . وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ يُوسُف
بَعْد " فَقَالَ لِعَلِيٍّ : اُمْحُ رَسُولَ اللَّهِ , فَقَالَ :
لَا وَاَللَّه لَا أَمْحَاهُ أَبَدًا . قَالَ : فَأَرَنِيهِ ,
فَأَرَاهُ إِيَّاهُ فَمَحَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ بِيَدِهِ " وَنَحْوه فِي رِوَايَة زَكَرِيَّا عِنْد
مُسْلِم وَفِي حَدِيث عَلِيٍّ عِنْدَ النَّسَائِيِّ وَزَادَ "
وَقَالَ : أَمَا إِنَّ لَك مِثْلَهَا , وَسَتَأْتِيهَا وَأَنْت
مُضْطَرّ " يُشِير صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى مَا
وَقَعَ لِعَلِيٍّ يَوْمَ الْحُكْمَيْنِ فَكَانَ كَذَلِكَ .
قَوْله : ( فَأَخَذَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ الْكِتَاب وَلَيْسَ يُحْسِن يَكْتُب , فَكَتَبَ : هَذَا
مَا قَاضَى عَلَيْهِ مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه )
تَقَدَّمَ هَذَا الْحَدِيث فِي الصُّلْح عَنْ عُبَيْد اللَّه بْن
مُوسَى بِهَذَا الْإِسْنَاد وَلَيْسَتْ فِيهِ هَذِهِ اللَّفْظَة "
لَيْسَ يُحْسِن يَكْتُب " وَلِهَذَا أَنْكَرَ بَعْض
الْمُتَأَخِّرِينَ عَلَى أَبِي مَسْعُود نِسْبَتهَا إِلَى تَخْرِيجِ
الْبُخَارِيّ وَقَالَ : لَيْسَ فِي الْبُخَارِيّ هَذِهِ اللَّفْظَة
وَلَا فِي مُسْلِم , وَهُوَ كَمَا قَالَ عَنْ مُسْلِم فَإِنَّهُ
أَخْرَجَهُ مِنْ طَرِيق زَكَرِيَّا بْن أَبِي زَائِدَة عَنْ أَبِي
إِسْحَاق بِلَفْظِ " فَأَرَاهُ مَكَانَهَا فَمَحَاهَا وَكَتَبَ : "
اِبْن عَبْد اللَّه " اِنْتَهَى وَقَدْ عَرَفْت ثُبُوتهَا فِي
الْبُخَارِيّ فِي مَظِنَّة الْحَدِيث , وَكَذَلِكَ أَخْرَجَهَا
النَّسَائِيُّ عَنْ أَحْمَد بْن سُلَيْمَان عَنْ عُبَيْد اللَّه
بْن مُوسَى مِثْل مَا هُنَا سَوَاء , وَكَذَا أَخْرَجَهَا أَحْمَد
عَنْ حُجَيْنِ بْن الْمَثْنَى عَنْ إِسْرَائِيل وَلَفْظه " فَأَخَذَ
الْكِتَاب - وَلَيْسَ يُحْسِن أَنْ يَكْتُب - فَكَتَبَ مَكَان
رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : هَذَا مَا
قَاضَى عَلَيْهِ مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه " وَقَدْ تَمَسّك
بِظَاهِرِ هَذِهِ الرِّوَايَة أَبُو الْوَلِيد الْبَاجِيّ
فَادَّعَى أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
كَتَبَ بِيَدِهِ بَعْد أَنْ لَمْ يَكُنْ يُحْسِن يَكْتُب ,
فَشَنَّعَ عَلَيْهِ عُلَمَاء الْأَنْدَلُس فِي زَمَانه وَرَمَوْهُ
بِالزَّنْدَقَةِ , وَأَنَّ الَّذِي قَالَهُ يُخَالِف الْقُرْآن
حَتَّى قَالَ قَائِلُهُمْ : بَرِئْت مِمَّنْ شَرَى دُنْيَا
بِآخِرَةٍ وَقَالَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَدْ كَتَبَا فَجَمَعَهُمْ
الْأَمِير فَاسْتَظْهَرَ الْبَاجِيّ عَلَيْهِمْ بِمَا لَدَيْهِ مِنْ
الْمَعْرِفَة وَقَالَ لِلْأَمِيرِ : هَذَا لَا يُنَافِي الْقُرْآن
, بَلْ يُؤْخَذ مِنْ مَفْهُوم الْقُرْآنِ لِأَنَّهُ قَيَّدَ
النَّفْيَ بِمَا قِيلَ وُرُودِ الْقُرْآنِ فَقَالَ . ( وَمَا كُنْت
تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِك )
وَبَعْدَ أَنْ تَحَقَّقَتْ أُمِّيَّتُهُ وَتَقَرَّرَتْ بِذَلِكَ
مُعْجِزَتُهُ وَأُمِنَ الِارْتِيَابُ فِي ذَلِكَ لَا مَانِع مِنْ
أَنْ يَعْرِفَ الْكِتَابَةَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ تَعْلِيمٍ
فَتَكُونُ مُعْجِزَةً أُخْرَى . وَذَكَرَ اِبْن دِحْيَةَ أَنَّ
جَمَاعَةً مِنْ الْعُلَمَاء وَافَقُوا الْبَاجِيّ فِي ذَلِكَ ,
مِنْهُمْ شَيْخه أَبُو ذَرّ الْهَرَوِيُّ وَأَبُو الْفَتْح
النَّيْسَابُورِيّ وَآخَرُونَ مِنْ عُلَمَاء إِفْرِيقِيَةَ
وَغَيْرهَا , وَاحْتَجَّ بَعْضهمْ لِذَلِكَ بِمَا أَخْرَجَهُ اِبْن
أَبِي شَيْبَة وَعُمَر بْن شَبَّة مِنْ طَرِيق مُجَاهِد عَنْ عَوْن
بْن عَبْد اللَّه قَالَ : " مَا مَاتَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى كَتَبَ وَقَرَأَ " قَالَ مُجَاهِد :
فَذَكَرْته لِلشَّعْبِيِّ فَقَالَ : صَدَقَ قَدْ سَمِعْت مَنْ
يَذْكُر ذَلِكَ . وَمِنْ طَرِيق يُونُس بْن مَيْسَرَةَ عَلَى أَبِي
كَبْشَةَ السَّلُوليِّ عَنْ سَهْل بْن الْحَنْظَلِيَّةِ " أَنَّ
النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ مُعَاوِيَةَ
أَنْ يَكْتُبَ لِلْأَقْرَعِ وَعُيَيْنَةَ , فَقَالَ عُيَيْنَةُ :
أَتَرَانِي أَذْهَب بِصَحِيفَةِ الْمُتَلَمِّس ؟ فَأَخَذَ رَسُول
اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصَّحِيفَة فَنَظَرَ
فِيهَا فَقَالَ : قَدْ كَتَبَ لَك بِمَا أُمِرَ لَك " قَالَ يُونُس
فَنَرَى أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
كَتَبَ بَعْدَمَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ . قَالَ عِيَاض : وَرَدَتْ
آثَار تَدُلُّ عَلَى مَعْرِفَةِ حُرُوفِ الْخَطِّ وَحُسْنِ
تَصْوِيرِهَا كَقَوْلِهِ لِكَاتِبِهِ : " ضَعْ الْقَلَمَ عَلَى
أُذُنِك فَإِنَّهُ أَذْكَرُ لَك " وَقَوْله لِمُعَاوِيَةِ : "
أَلْقِ الدَّوَاةَ وَحَرْف الْقَلَم وَأَقِمْ الْبَاء وَفَرِّقْ
السِّين وَلَا تَعْوِرْ الْمِيمَ " وَقَوْله : " لَا تَمُدّ بِسْمِ
اللَّهِ " قَالَ : وَهَذَا وَإِنْ لَمْ يَثْبُت أَنَّهُ كَتَبَ
فَلَا يَبْعُد أَنْ يُرْزَق عِلْمَ وَضْعِ الْكِتَابَةِ , فَإِنَّهُ
أُوتِيَ عِلْم كُلِّ شَيْءٍ . وَأَجَابَ الْجُمْهُور بِضَعْفِ
هَذِهِ الْأَحَادِيثِ . وَعَنْ قِصَّةِ الْحُدَيْبِيَةِ بِأَنَّ
الْقِصَّة وَاحِدَة وَالْكَاتِب فِيهَا عَلِيّ وَقَدْ صَرَّحَ فِي
حَدِيث الْمِسْوَر بِأَنَّ عَلِيًّا هُوَ الَّذِي كَتَبَ ,
فَيُحْمَل عَلَى أَنَّ النُّكْتَةَ فِي قَوْله : " فَأَخَذَ
الْكِتَاب وَلَيْسَ يُحْسِن يَكْتُب " لِبَيَانِ أَنَّ قَوْله : "
أَرِنِي إِيَّاهَا " أَنَّهُ مَا اِحْتَاجَ إِلَى أَنْ يُرِيَهُ
مَوْضِعَ الْكَلِمَةِ الَّتِي اِمْتَنَعَ عَلِيٌّ مِنْ مَحْوِهَا
إِلَّا لِكَوْنِهِ كَانَ لَا يُحْسِنُ الْكِتَابَةَ , وَعَلَى أَنَّ
قَوْلَهُ بَعْدَ ذَلِكَ " فَكَتَبَ " فِيهِ حَذْف تَقْدِيرُهُ
فَمَحَاهَا فَأَعَادَهَا لِعَلِيٍّ فَكَتَبَ . وَبِهَذَا جَزَمَ
اِبْن التِّين وَأَطْلَقَ كَتَبَ بِمَعْنَى أَمَرَ بِالْكِتَابَةِ
, وَهُوَ كَثِير كَقَوْلِهِ : كَتَبَ إِلَى قَيْصَر وَكَتَبَ إِلَى
كِسْرَى , وَعَلَى تَقْدِير حَمْلِهِ عَلَى ظَاهِرِهِ فَلَا
يَلْزَمُ مِنْ كِتَابَةِ اِسْمِهِ الشَّرِيفِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ
وَهُوَ لَا يُحْسِنُ الْكِتَابَةَ أَنْ يَصِيرَ عَالِمًا
بِالْكِتَابَةِ وَيَخْرُجُ عَنْ كَوْنِهِ أُمِّيًّا , فَإِنَّ
كَثِيرًا مِمَّنْ لَا يُحْسِن الْكِتَابَةَ يَعْرِف تَصَوُّرَ
بَعْضِ الْكَلِمَاتِ وَيُحْسِنُ وَضْعَهَا وَخُصُوصًا الْأَسْمَاء
, وَلَا يَخْرُج بِذَلِكَ عَنْ كَوْنه أُمِّيًّا كَكَثِيرٍ مِنْ
الْمُلُوكِ . وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ جَرَتْ يَدُهُ
بِالْكِتَابَةِ حِينَئِذٍ وَهُوَ لَا يُحْسِنُهَا فَخَرَجَ
الْمَكْتُوبُ عَلَى وَفْقِ الْمُرَادِ فَيَكُون مُعْجِزَة أُخْرَى
فِي ذَلِكَ الْوَقْت خَاصَّة , وَلَا يَخْرُج بِذَلِكَ عَنْ
كَوْنِهِ أُمِّيًّا . وَبِهَذَا أَجَابَ أَبُو جَعْفَر
السِمْنَانِيّ أَحَدُ أَئِمَّةِ الْأُصُولِ مِنْ الْأَشَاعِرَةِ
وَتَبِعَهُ اِبْن الْجَوْزِيّ , وَتَعَقَّبَ ذَلِكَ السُّهَيْلِيُّ
وَغَيْره بِأَنَّ هَذَا وَإِنْ كَانَ مُمْكِنًا وَيَكُونُ آيَة
أُخْرَى لَكِنَّهُ يُنَاقِض كَوْنَهُ أُمِّيًّا لَا يَكْتُب ,
وَهِيَ الْآيَة الَّتِي قَامَتْ بِهَا الْحُجَّة وَأُفْحِمَ
الْجَاحِد وَانْحَسَمَتْ الشُّبْهَة . فَلَوْ جَازَ أَنْ يَصِير
يَكْتُب بَعْد ذَلِكَ لَعَادَتْ الشُّبْهَة . وَقَالَ الْمُعَانِد
: كَانَ يُحْسِن يَكْتُب لَكِنَّهُ كَانَ يَكْتُم ذَلِكَ , قَالَ
السُّهَيْلِيُّ : وَالْمُعْجِزَات يَسْتَحِيل أَنْ يَدْفَع
بَعْضهَا بَعْضًا , وَالْحَقّ أَنَّ مَعْنَى قَوْله : " فَكَتَبَ "
أَيْ أَمَرَ عَلِيًّا أَنْ يَكْتُبَ اِنْتَهَى . وَفِي دَعْوَى أَنَّ
كِتَابَة اِسْمِهِ الشَّرِيفِ فَقَطْ عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ
تَسْتَلْزِمُ مُنَاقَضَة الْمُعْجِزَةِ وَتُثْبِتُ كَوْنه غَيْرَ
أُمِّيٍّ نَظَر كَبِير , وَاَللَّه أَعْلَم .
قَوْله : ( لَا يَدْخُل )
هَذَا تَفْسِير لِلْخَبَرِ الْمُتَقَدِّمِ .
قَوْله : ( إِلَّا السَّيْف فِي الْقِرَاب )
فِي رِوَايَة شُعْبَة " فَكَانَ فِيمَا اِشْتَرَطُوا أَنْ
يَدْخُلُوا مَكَّةَ فَيُقِيمُوا بِهَا ثَلَاثًا وَلَا يَدْخُلهَا
بِسِلَاحِ " وَنَحْوه لِزَكَرِيَّا عَنْ أَبِي إِسْحَاق عِنْد
مُسْلِم .
قَوْله : ( وَأَنْ لَا يَخْرُجَ مِنْ أَهْلِهَا بِأَحَدٍ إِلَخْ )
فِي حَدِيث أَنَس " قَالَ عَلِيّ : قُلْت يَا رَسُول اللَّه
أَكْتُب هَذَا ؟ قَالَ : نَعَمْ " .
قَوْله : ( فَلَمَّا دَخَلَهَا )
أَيْ فِي الْعَامِ الْمُقْبِلِ .
قَوْله : ( وَمَضَى الْأَجَل )
أَيْ الْأَيَّام الثَّلَاثَة . وَقَالَ الْكَرْمَانِيُّ : لَمَّا
مَضَى أَيْ قَرُبَ مُضِيّه , وَيَتَعَيَّن الْحَمْل عَلَيْهِ
لِئَلَّا يَلْزَم الْخُلْفُ .
قَوْله : ( أَتَوْا عَلِيًّا فَقَالُوا : قُلْ لِصَاحِبِك اُخْرُجْ
عَنَّا فَقَدْ مَضَى الْأَجْل )
فِي رِوَايَة يُوسُف " فَقَالُوا : مُرْ صَاحِبَك فَلْيَرْتَحِلْ
" .
قَوْله : ( فَخَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
)
فِي رِوَايَةِ يُوسُف " فَذَكَرَ ذَلِكَ عَلِيّ فَقَالَ : نَعَمْ
فَارْتَحَلَ " وَفِي مَغَازِي أَبِي الْأَسْوَد عَنْ عُرْوَة "
فَلَمَّا كَانَ الْيَوْم الرَّابِع جَاءَهُ سُهَيْل بْن عَمْرو
وَحُوَيْطِبُ بْن عَبْد الْعُزَّى فَقَالَا : نَنْشُدك اللَّه
وَالْعَهْدَ إِلَّا مَا خَرَجْت مِنْ أَرْضِنَا , فَرَدَّ عَلَيْهِ
سَعْد بْن عُبَادَةَ , فَأَسْكَتَهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَآذَن بِالرَّحِيلِ " وَأَخْرَجَ الْحَاكِم
فِي " الْمُسْتَدْرِك " مِنْ حَدِيث مَيْمُونَة فِي هَذِهِ
الْقِصَّة " فَأَتَاهُ حُوَيْطِبُ بْن عَبْد الْعُزَّى "
وَكَأَنَّهُ فِي أَوَائِلِ النَّهَارِ فَلَمْ يَكْمُل الثَّلَاث
إِلَّا فِي مِثْل ذَلِكَ الْوَقْتِ مِنْ النَّهَارِ الرَّابِع
الَّذِي دَخَلَ فِيهِ بِالتَّلْفِيقِ , وَكَانَ مَجِيئُهُمْ فِي
أَوَّلِ النَّهَارِ قُرْبَ مَجِيءِ ذَلِكَ الْوَقْتِ .
قَوْله : ( فَخَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَتَبِعَتْهُ اِبْنَة حَمْزَة ) هَكَذَا رَوَاهُ الْبُخَارِيّ عَنْ
عُبَيْد اللَّه بْن مُوسَى مَعْطُوفًا عَلَى إِسْنَاد الْقِصَّة
الَّتِي قَبْلَهُ , وَكَذَا أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ عَنْ أَحْمَد
بْن سُلَيْمَان عَنْ عُبَيْد اللَّه بْن مُوسَى , وَكَذَا رَوَاهُ
الْحَاكِم فِي " الْإِكْلِيل " وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيق
سَعِيد بْن مَسْعُود عَنْ عُبَيْد اللَّه بْن مُوسَى بِتَمَامِهِ ,
وَادَّعَى الْبَيْهَقِيُّ أَنَّ فِيهِ إِدْرَاجًا لِأَنَّ
زَكَرِيَّا بْن أَبِي زَائِدَة رَوَاهُ عَنْ أَبِي إِسْحَاق
مُتَّصِلًا , وَأَخْرَجَ مُسْلِم وَالْإِسْمَاعِيلِيّ الْقِصَّةَ
الْأُولَى مِنْ طَرِيقه عَنْ أَبِي إِسْحَاق مِنْ حَدِيث عَلِيٍّ ,
وَهَكَذَا رَوَاهُ أَسْوَد بْن عَامِر عَنْ إِسْرَائِيل أَخْرَجَهُ
أَحْمَد مِنْ طَرِيقه لَكِنْ بِاخْتِصَارٍ فِي الْمَوْضِعَيْنِ
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ : وَكَذَا رَوَى عُبَيْد اللَّه بْن مُوسَى
أَيْضًا قِصَّة بِنْت حَمْزَة مِنْ حَدِيث عَلِيٍّ . قُلْت : هُوَ
كَذَلِكَ عِنْد اِبْن حِبَّانَ عَنْ الْحَسَن بْن سُفْيَان عَنْ
أَبِي بَكْر بْن أَبِي شَيْبَة عَنْ عُبَيْد اللَّه بْن مُوسَى
لَكِنْ بِاخْتِصَارٍ , وَكَذَا رَوَاهُ الْهَيْثَم بْن كُلَيْب فِي
مُسْنَدِهِ عَنْ الْحَسَنِ بْن عَلِيِّ بْنِ عَفَّانَ عَنْ عُبَيْد
اللَّه بْن مُوسَى بِأَتَمّ مِنْ سِيَاق اِبْن حِبَّانَ ,
وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ مِنْ طَرِيق إِسْمَاعِيل بْن جَعْفَر عَنْ
إِسْرَائِيل قِصَّة بِنْت حَمْزَةَ خَاصَّة مِنْ حَدِيث عَلِيٍّ
بِلَفْظِ " لَمَّا خَرَجْنَا مِنْ مَكَّة تَبِعَتْنَا بِنْت
حَمْزَةَ " الْحَدِيث . وَكَذَا أَخْرَجَهَا أَحْمَد عَنْ حَجَّاجِ
بْن مُحَمَّد وَيَحْيَى بْن آدَم جَمِيعًا عَنْ إِسْرَائِيل .
قُلْت : وَاَلَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنْ لَا إِدْرَاجَ فِيهِ , وَأَنَّ
الْحَدِيث كَانَ عِنْد إِسْرَائِيل وَكَذَا عِنْدَ عُبَيْد اللَّه
بْن مُوسَى عَنْهُ بِالْإِسْنَادَيْنِ جَمِيعًا , لَكِنَّهُ فِي
الْقِصَّة الْأُولَى مِنْ حَدِيث الْبَرَاءِ أَتَمَّ ,
وَبِالْقِصَّةِ الثَّانِيَة مِنْ حَدِيث عَلِيّ أَتَمّ , وَبَيَان
ذَلِكَ أَنَّ عِنْد الْبَيْهَقِيِّ فِي رِوَايَة زَكَرِيَّا عَنْ
أَبِي إِسْحَاق عَنْ الْبَرَاءِ قَالَ . " أَقَامَ رَسُول اللَّه
صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّة ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فِي
عُمْرَةِ الْقَضَاءِ , فَلَمَّا كَانَ الْيَوْم الثَّالِث قَالُوا
لِعَلِيٍّ : إِنَّ هَذَا آخِرَ يَوْمٍ مِنْ شَرْطِ صَاحِبِك ,
فَمُرْهُ فَلْيَخْرُجْ . فَحَدَّثَهُ بِذَلِكَ فَقَالَ : نَعَمْ ,
فَخَرَجَ " .
قَالَ أَبُو إِسْحَاق . فَحَدَّثَنِي هَانِئُ بْنُ هَانِئٍ
وَهُبَيْرَةُ فَذَكَرَ حَدِيث عَلِيّ فِي قِصَّة بِنْت حَمْزَة
أَتَمَّ مِمَّا وَقَعَ فِي حَدِيث هَذَا الْبَاب عَنْ الْبَرَاء ,
وَسَيَأْتِي إِيضَاح ذَلِكَ عِنْد شَرْحِهِ إِنْ شَاءَ اللَّه
تَعَالَى . وَكَذَا أَخْرَجَ الْإِسْمَاعِيلِيّ عَنْ الْحَسَن بْن
سُفْيَان عَنْ أَبِي بَكْرَة بْن أَبِي شَيْبَة عَنْ عُبَيْد
اللَّه بْن مُوسَى قِصَّة بِنْت حَمْزَة مِنْ حَدِيث الْبَرَاء ,
فَوَضَح أَنَّهُ عِنْد عُبَيْد اللَّهِ بْنِ مُوسَى ثُمَّ عِنْد
أَبِي بِكْر بْن أَبِي شَيْبَة عَنْهُ بِالْإِسْنَادَيْنِ جَمِيعًا
, وَكَذَا أَخْرَجَ اِبْن سَعْد عَنْ عُبَيْد اللَّه بْن مُوسَى
بِالْإِسْنَادَيْنِ مَعًا عَنْهُ .
قَوْله : ( لِجَعْفَر أَشْبَهْت خَلْقِي وَخُلُقِي )
.
قَوْله : ( اِبْنَة حَمْزَة )
اِسْمهَا عُمَارَة وَقِيلَ فَاطِمَة وَقِيلَ أُمَامَةُ وَقِيلَ
أَمَة اللَّه وَقِيلَ سَلْمَى , وَالْأَوَّل هُوَ الْمَشْهُور .
وَذَكَرَ الْحَاكِم فِي " الْإِكْلِيل " وَأَبُو سَعِيد فِي "
شَرَف الْمُصْطَفَى " مِنْ حَدِيث اِبْن عَبَّاس بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ
أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ أَخِي
بَيْن حَمْزَةَ وَزَيْد بْن حَارِثَة , وَأَنَّ عُمَارَة بِنْت
حَمْزَة كَانَتْ مَعَ أُمِّهَا بِمَكَّةَ .
قَوْله : ( تُنَادِي يَا عَمّ )
كَأَنَّهَا خَاطَبَتْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
بِذَلِكَ إِجْلَالًا لَهُ , وَإِلَّا فَهُوَ اِبْن عَمِّهَا , أَوْ
بِالنِّسْبَةِ إِلَى كَوْنِ حَمْزَةَ وَإِنْ كَانَ عَمّه مِنْ
النَّسَبِ فَهُوَ أَخُوهُ مِنْ الرَّضَاعَةِ , وَقَدْ أَقَرَّهَا
عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ لِفَاطِمَة بِنْت رَسُول اللَّه صَلَّى
اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " دُونَك اِبْنَة عَمّك " وَفِي دِيوَان
حِسَان بْن ثَابِت لِأَبِي سَعِيد السُّكَّرِيّ أَنَّ عَلِيًّا هُوَ
الَّذِي قَالَ لِفَاطِمَةَ وَلَفْظه " فَأَخَذَ عَلِيٌّ أُمَامَةَ
فَدَفَعَهَا إِلَى فَاطِمَةَ " وَذَكَرَ أَنَّ مُخَاصَمَة عَلِيّ
وَجَعْفَر وَزَيْد إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ كَانَتْ بَعْد أَنْ وَصَلُوا إِلَى مَرِّ الظَّهْرَانِ .
قَوْله : ( دُونك )
هِيَ كَلِمَة مِنْ أَسْمَاءِ الْأَفْعَالِ تَدُلُّ عَلَى الْأَمْرِ
بِأَخْذِ الشَّيْءِ الْمُشَارِ إِلَيْهِ .
قَوْله : ( حَمَلْتهَا )
كَذَا لِلْأَكْثَرِ بِصِيغَةِ الْفِعْلِ الْمَاضِي وَكَأَنَّ
الْفَاء سَقَطَتْ . قُلْت : وَقَدْ ثَبَتَتْ فِي رِوَايَةِ
النَّسَائِيِّ مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي أَخْرَجَهُ مِنْهُ
الْبُخَارِيّ , وَكَذَا لِأَبِي دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ إِسْمَاعِيلَ
بْن جَعْفَر عَنْ إِسْرَائِيل , وَكَذَا لِأَحْمَد فِي حَدِيثِ
عَلِيٍّ . وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي ذَرّ عَنْ السَّرَخْسِيِّ
وَالْكُشْمِيهَنِي " حَمِّلِيهَا " بِتَشْدِيدِ الْمِيمِ
الْمَكْسُورَةِ وَبِالتَّحْتَانِيَّةِ بِصِيغَةِ الْأَمْرِ ,
وَلِلكُشْمِيهَنيّ فِي الصُّلْحِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ "
اِحْمِلِيهَا " بِأَلِفٍ بَدَل التَّشْدِيدِ , وَعِنْدَ الْحَاكِمِ
مِنْ مُرْسَلِ الْحَسَنِ " فَقَالَ عَلِيٌّ لِفَاطِمَةَ وَهِيَ فِي
هَوْدَجِهَا : أَمْسِكِيهَا عِنْدَك " وَعِنْدَ اِبْن سَعْد مِنْ
مُرْسَل مُحَمَّدِ بْن عَلِيِّ بْن الْحُسَيْن الْبَاقِر
بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ إِلَيْهِ " بَيْنَمَا بِنْت حَمْزَةَ تَطُوفُ
فِي الرِّحَالِ إِذْ أَخَذَ عَلِيّ بِيَدِهَا فَأَلْقَاهَا إِلَى
فَاطِمَةَ فِي هَوْدَجِهَا " .
قَوْله : ( فَاخْتَصَمَ فِيهَا عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب وَجَعْفَر
)
أَيْ أَخُوهُ ( وَزَيْد بْن حَارِثَة ) أَيْ فِي أَيِّهِمْ تَكُون
عِنْدَهُ , وَكَانَتْ خُصُومَتُهُمْ فِي ذَلِكَ بَعْد أَنْ
قَدِمُوا الْمَدِينَة , ثَبَتَ ذَلِكَ فِي حَدِيث عَلِيٍّ عِنْد
أَحْمَد وَالْحَاكِم . وَفِي الْمَغَازِي لِأَبِي الْأَسْوَد عَنْ
عُرْوَة فِي هَذِهِ الْقِصَّة " فَلَمَّا دَنَوْا مِنْ الْمَدِينَة
كَلَّمَهُ فِيهَا زَيْد بْن حَارِثَة وَكَانَ وَصِيّ حَمْزَة
وَأَخَاهُ " وَهَذَا لَا يَنْفِي أَنَّ الْمُخَاصَمَة إِنَّمَا
وَقَعَتْ بِالْمَدِينَةِ , فَلَعَلَّ زَيْدًا سَأَلَ النَّبِيَّ
صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ وَوَقَعَتْ
الْمُنَازَعَة بَعْدُ , وَوَقَعَ فِي مَغَازِي سُلَيْمَان
التَّيْمِيِّ " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
لَمَّا رَجَعَ إِلَى رَحْلِهِ وَجَدَ بِنْتَ حَمْزَةَ فَقَالَ
لَهَا : مَا أَخْرَجَك ؟ قَالَتْ : رَجُل مِنْ أَهْلِك , وَلَمْ
يَكُنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ
بِإِخْرَاجِهَا " . وَفِي حَدِيث عَلِيّ عِنْد أَبِي دَاوُدَ " أَنَّ
زَيْد بْن حَارِثَةَ أَخْرَجَهَا مِنْ مَكَّةَ " وَفِي حَدِيث
اِبْن عَبَّاس الْمَذْكُور " فَقَالَ لَهُ عَلِيّ : كَيْف تَتْرُك
اِبْنَةَ عَمِّك مُقِيمَةً بَيْنَ ظَهَرَانِي الْمُشْرِكِينَ " ؟
وَهَذَا يُشْعِر بِأَنَّ أُمَّهَا إِمَّا لَمْ تَكُنْ أَسْلَمَتْ
فَإِنَّ فِي حَدِيثِ اِبْن عَبَّاسٍ الْمَذْكُورِ أَنَّهَا سَلْمَى
بِنْت عُمَيْسٍ وَهِيَ مَعْدُودَة فِي الصَّحَابَة , وَإِمَّا أَنْ
تَكُون مَاتَتْ إِنْ لَمْ يَثْبُت حَدِيث اِبْن عَبَّاس ,
وَإِنَّمَا أَقَرَّهُمْ عَلَى أَخْذِهَا مَعَ اِشْتِرَاطِ
الْمُشْرِكِينَ أَنْ لَا يَخْرُج بِأَحَدٍ مِنْ أَهْلِهَا أَرَادَ
الْخُرُوجَ , لِأَنَّهُمْ لَمْ يَطْلُبُوهَا , وَأَيْضًا فَقَدْ
تَقَدَّمَ فِي الشُّرُوطِ وَيَأْتِي فِي التَّفْسِيرِ أَنَّ
النِّسَاءَ الْمُؤْمِنَاتِ لَمْ يَدْخُلْنَ فِي ذَلِكَ , لَكِنْ
إِنَّمَا نَزَلَ الْقُرْآنُ فِي ذَلِكَ بَعْدَ رُجُوعِهِمْ إِلَى
الْمَدِينَةِ . وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي سَعِيدٍ السُّكَّرِيِّ
أَنَّ فَاطِمَةَ قَالَتْ لِعَلِيٍّ : إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آلَى أَنْ لَا يُصِيبَ مِنْهُمْ أَحَدًا
إِلَّا رَدَّهُ عَلَيْهِمْ , فَقَالَ لَهَا عَلِيّ : إِنَّهَا
لَيْسَتْ مِنْهُمْ إِنَّمَا هِيَ مِنَّا .
قَوْله : ( فَاخْتَصَمَ فِيهَا عَلِيٌّ إِلَخْ ) زَادَ فِي
رِوَايَةِ اِبْنِ سَعْدٍ " حَتَّى اِرْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمْ
فَأَيْقَظُوا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ
نَوْمِهِ " .
قَوْله : ( فَقَالَ عَلِيّ أَنَا أَخْرَجْتهَا وَهِيَ بِنْتُ
عَمِّي )
زَادَ فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ عِنْد أَبِي دَاوُدَ " وَعِنْدِي
اِبْنَة رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهِيَ
أَحَقُّ بِهَا " .
قَوْله : ( وَخَالَتُهَا تَحْتِيّ )
أَيْ زَوْجَتِي . وَفِي رِوَايَةِ الْحَاكِمِ عِنْدِيِّ وَاسْم
خَالَتهَا أَسْمَاء بِنْت عُمَيْسٍ الَّتِي تَقَدَّمَ ذِكْرُهَا
فِي غَزْوَةِ خَيْبَرَ وَصَرَّحَ بِاسْمِهَا فِي حَدِيث عَلِيٍّ
عِنْدَ أَحْمَدَ , وَكَانَ لِكُلٍّ مِنْ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةِ
فِيهَا شُبْهَة : أَمَّا زَيْد فَلِلْأُخُوَّةِ الَّتِي ذَكَرْتهَا
وَلِكَوْنِهِ بَدَأَ بِإِخْرَاجِهَا مِنْ مَكَّة , وَأَمَّا عَلِيّ
فَلِأَنَّهُ اِبْن عَمِّهَا وَحَمَلَهَا مَعَ زَوْجَتِهِ وَأَمَّا
جَعْفَر فَلِكَوْنِهِ اِبْن عَمِّهَا وَخَالَتهَا عِنْده
فَيَتَرَجَّح جَانِب جَعْفَر بِاجْتِمَاعِ قَرَابَةِ الرَّجُلِ
وَالْمَرْأَةِ مِنْهَا دُون الْآخَرِينَ .
قَوْله : ( وَقَالَ زَيْد بِنْت أَخِي )
زَادَ فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ إِنَّمَا خَرَجْت إِلَيْهَا .
قَوْله : ( فَقَضَى بِهَا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ لِخَالَتِهَا )
فِي حَدِيث اِبْن عَبَّاس الْمَذْكُور فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى
اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعْفَر أَوْلَى بِهَا . وَفِي حَدِيث
عَلِيّ عِنْد أَبِي دَاوُدَ وَأَحْمَد أَمَّا الْجَارِيَة فَلَا
قَضَى بِهَا لِجَعْفَرِ , وَفِي رِوَايَة أَبِي سَعِيد السُّكَّرِيِّ
: اِدْفَعَاهَا إِلَى جَعْفَرَ فَإِنَّهُ أَوْسَعُ مِنْكُمْ .
وَهَذَا سَبَبٌ ثَالِثٌ .
قَوْله : ( وَقَالَ : الْخَالَةُ بِمَنْزِلَةِ الْأُمِّ )
أَيْ فِي هَذَا الْحُكْمِ الْخَاصِّ لِأَنَّهَا تَقْرُبُ مِنْهَا
فِي الْحُنُوِّ وَالشَّفَقَةِ وَالِاهْتِدَاءِ إِلَى مَا يُصْلِحُ
الْوَلَدَ لِمَا دَلَّ عَلَيْهِ السِّيَاق , فَلَا حُجَّةَ فِيهِ
لِمَنْ زَعَمَ أَنَّ الْخَالَةَ تَرِثُ لِأَنَّ الْأُمَّ تَرِثُ ,
وَفِي حَدِيث عَلِيّ وَفِي مُرْسَل الْبَاقِر " الْخَالَة وَالِدَة
, وَإِنَّمَا الْخَالَة أُمّ " وَهِيَ بِمَعْنَى قَوْله
بِمَنْزِلَةِ الْأُمِّ لَا أَنَّهَا أُمٌّ حَقِيقِيَّةٌ .
وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ الْخَالَةَ فِي الْحَضَانَةِ مُقَدَّمَةٌ
عَلَى الْعَمَّةِ لِأَنَّ صَفِيَّةَ بِنْتَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ
كَانَتْ مَوْجُودَة حِينَئِذٍ , وَإِذَا قُدِّمَتْ عَلَى الْعَمَّة
مَعَ كَوْنِهَا أَقْرَب الْعَصِبَاتِ مِنْ النِّسَاءِ فَهِيَ
مُقَدَّمَة عَلَى غَيْرِهَا , وَيُؤْخَذ مِنْهُ تَقْدِيمُ أَقَارِبِ
الْأُمِّ عَلَى أَقَارِبِ الْأَبِ . وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَة أَنَّ
الْعَمَّةَ مُقَدَّمَة فِي الْحَضَانَةِ عَلَى الْخَالَةِ ,
وَأُجِيبَ عَنْ هَذِهِ الْقِصَّةِ بِأَنَّ الْعَمَّةَ لَمْ تَطْلُب
, فَإِنْ قِيلَ : وَالْخَالَة لَمْ تَطْلُب , قِيلَ : قَدْ طَلَبَ
لَهَا زَوْجهَا , فَكَمَا أَنَّ لِلْقَرِيبِ الْمَحْضُونَ أَنْ
يَمْنَعَ الْحَاضِنَةَ إِذَا تَزَوَّجَتْ فَلِلزَّوْجِ أَيْضًا أَنْ
يَمْنَعَهَا مِنْ أَخْذِهِ , فَإِذَا وَقَعَ الرِّضَا سَقَطَ
الْحَرَج . وَفِيهِ مِنْ الْفَوَائِد أَيْضًا تَعْظِيم صِلَة
الرَّحِمِ بِحَيْثُ تَقَع الْمُخَاصَمَةُ بَيْنَ الْكِبَارِ فِي
التَّوَصُّلِ إِلَيْهَا , وَأَنَّ الْحَاكِمَ يُبَيِّنُ دَلِيلَ
الْحُكْمِ لِلْخَصْمِ , وَأَنَّ الْخَصْمَ يُدْلِي بِحُجَّتِهِ ,
وَأَنَّ الْحَاضِنَةَ إِذَا تَزَوَّجَتْ بِقَرِيبِ الْمَحْضُونَةِ
لَا تَسْقُطْ حَضَانَتُهَا إِذَا كَانَتْ الْمَحْضُونَةُ أُنْثَى
أَخْذًا بِظَاهِرِ هَذَا الْحَدِيثِ قَالَهُ أَحْمَد , وَعَنْهُ
لَا فَرْقَ بَيْنَ الْأُنْثَى وَالذَّكَرِ , وَلَا يُشْتَرَطُ
كَوْنُهُ مَحْرَمًا لَكِنْ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ فِيهِ
مَأْمُونًا , وَأَنَّ الصَّغِيرَةَ لَا تُشْتَهى , وَلَا تَسْقُط
إِلَّا إِذَا تَزَوَّجَتْ بِأَجْنَبِيٍّ , وَالْمَعْرُوفُ عَنْ
الشَّافِعِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ اِشْتِرَاطُ كَوْنِ الزَّوْجِ
جَدًّا لَلْمَحْضُونَ . وَأَجَابُوا عَنْ هَذِهِ الْقِصَّةِ بِأَنَّ
الْعَمَّةَ لَمْ يَطْلُب وَأَنَّ الزَّوْجَ رَضِيَ بِإِقَامَتِهَا
عِنْدَهُ , وَكُلُّ مَنْ طَلَبَتْ حَضَانَتهَا لَهَا كَانَتْ
مُتَزَوِّجَة فَرَجَّحَ جَانِبَ جَعْفَر بِكَوْنِهِ تَزَوَّجَ
الْخَالَةَ .
قَوْله : ( وَقَالَ لِعَلِيٍّ : أَنْتَ مِنِّي وَأَنَا مِنْك )
أَيْ فِي النَّسَبِ وَالصِّهْرِ وَالْمُسَابَقَةِ وَالْمَحَبَّةِ
وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْمَزَايَا , وَلَمْ يُرِدْ مَحْضَ
الْقَرَابَةِ وَإِلَّا فَجَعْفَر شَرِيكُهُ فِيهَا .
قَوْله : ( وَقَالَ لِجَعْفَرِ أَشْبَهْت خَلْقِي وَخُلُقِي )
بِفَتْحِ الْخَاء الْأُولَى وَضَمَّ الثَّانِيَة , فِي مُرْسَل
اِبْن سِيرِينَ عِنْد اِبْن سَعْد " أَشْبَهَ خَلْقَك خَلْقِي ,
وَخُلُقك خُلُقِي " وَهِيَ مَنْقَبَةٌ عَظِيمَةٌ لِجَعْفَرٍ ,
أَمَّا الْخَلْق فَالْمُرَاد بِهِ الصُّورَةُ فَقَدْ شَارَكَهُ
فِيهَا جَمَاعَة مِمَّنْ رَأَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ , وَقَدْ ذَكَرْت أَسْمَاءَهُمْ فِي مَنَاقِبِ الْحَسَنِ
وَأَنَّهُمْ عَشْرَةُ أَنْفُسٍ غَيْر فَاطِمَة عَلَيْهَا السَّلَام
, وَقَدْ كُنْت نَظَمْت إِذْ ذَاكَ بَيْتَيْنِ فِي ذَلِكَ
وَوَقَفْت بَعْد ذَلِكَ فِي حَدِيث أَنَس عَلَى أَنَّ إِبْرَاهِيم
وَلَد النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُشْبِههُ
, وَكَذَا فِي قِصَّةِ جَعْفَر بْن أَبِي طَالِب أَنَّ وَلَدَيْهِ
عَبْد اللَّه وَعَوْنًا كَانَا يُشْبِهَانِهِ فَغَيَّرْت
الْبَيْتَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ بِالزِّيَادَةِ فَأَصْلَحَتْهُمَا
هُنَاكَ , وَرَأَيْت إِعَادَتَهُمَا هُنَا لِيَكْتُبهُمَا مَنْ لَمْ
يَكُنْ كَتَبَهُمَا إِذْ ذَاكَ : شَبَهُ النَّبِيِّ ليج سَائِب
وَأَبِي سُفْيَان وَالْحَسَنَيْنِ الْخَال أُمّهمَا وَجَعْفَر
وَلَدَاهُ وَابْن عَامِرهمْ وَمُسْلِم كَابِس يَتْلُوهُ مَعَ
قثما وَوَقَعَ فِي تَرَاجِمِ الرِّجَالِ وَأَهْلِ الْبَيْتِ
مِمَّنْ كَانَ يُشْبِهُهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ
غَيْر هَؤُلَاءِ عِدَّة : مِنْهُمْ إِبْرَاهِيم بْن الْحَسَن بْن
الْحَسَنِ بْنِ عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب , وَيَحْيَى بْن الْقَاسِم
بْن مُحَمَّد بْن جَعْفَر بْن مُحَمَّد بْن عَلِيّ بْن الْحُسَيْن
بْن عَلِيّ وَكَانَ يُقَال لَهُ الشَّبِيه , وَالْقَاسِم بْن عَبْد
اللَّه بْن مُحَمَّد بْن عَقِيل بْن أَبِي طَالِب , وَعَلِيّ بْن
عَلِيّ بْن عَبَّاد بْن رِفَاعَة الرِّفَاعِيّ شَيْخ بَصْرِيّ مِنْ
أَتْبَاع التَّابِعِينَ , ذَكَرَ اِبْن سَعْد عَنْ عَفَّانَ قَالَ
: كَانَ يُشْبِه النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ,
وَإِنَّمَا لَمْ أُدْخِل هَؤُلَاءِ فِي النَّظْمِ لِبُعْدِ
عَهْدِهِمْ عَنْ عَصْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فَاقْتَصَرْت عَلَى مَنْ أَدْرَكَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
. وَأَمَّا شَبَهُهُ فِي الْخُلُقِ بِالضَّمِّ فَخُصُوصِيَّةُ
جَعْفَرٍ إِلَّا أَنْ يُقَال إِنَّ مِثْلَ ذَلِكَ حَصَلَ
لِفَاطِمَةَ عَلَيْهَا السَّلَام , فَإِنَّ فِي حَدِيث عَائِشَة
مَا يَقْتَضِي ذَلِكَ وَلَكِنْ لَيْسَ بِصَرِيحٍ كَمَا فِي قِصَّةِ
جَعْفَرٍ هَذِهِ . وَهِيَ مَنْقَبَةٌ عَظِيمَةٌ لِجَعْفَرٍ , قَالَ
اللَّه تَعَالَى : ( وَإِنَّك لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ ) .
قَوْله : ( وَقَالَ لِزَيْدِ : أَنْتَ أَخُونَا )
أَيْ فِي الْإِيمَانِ
( وَمَوْلَانَا )
أَيْ مِنْ جِهَة أَنَّهُ أَعْتَقَهُ , وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ
مَوْلَى الْقَوْمِ مِنْهُمْ , فَوَقَعَ مِنْهُ صَلَّى اللَّه
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَطْيِيبُ خَوَاطِرِ الْجَمِيعِ وَإِنْ كَانَ
قَضَى لِجَعْفَرٍ فَقَدْ بَيَّنَ وَجْهَ ذَلِكَ .
وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْمَقْضِيَّ لَهُ فِي الْحَقِيقَةِ الْخَالَةُ
وَجَعْفَر تَبَع لَهَا لِأَنَّهُ كَانَ الْقَائِم فِي الطَّلَب
لَهَا , وَفِي حَدِيث عَلِيّ عِنْد أَحْمَد وَكَذَا فِي مُرْسَل
الْبَاقِر " فَقَامَ جَعْفَر فَحَجَل حَوْل النَّبِيّ صَلَّى
اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَار عَلَيْهِ , فَقَالَ النَّبِيّ
صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَا هَذَا ؟ قَالَ : شَيْءٌ
رَأَيْت الْحَبَشَة يَصْنَعُونَهُ بِمُلُوكِهِمْ " وَفِي حَدِيث
اِبْن عَبَّاس " أَنَّ النَّجَاشِيَّ كَانَ إِذَا رَضَّى أَحَدًا
مِنْ أَصْحَابِهِ قَامَ فَحَجَلَ حَوْلَهُ " وَحَجِلَ بِفَتْحِ
الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ الْجِيمِ أَيْ وَقَفَ عَلَى رِجْلٍ
وَاحِدَة وَهُوَ الرَّقْص بِهَيْئَةٍ مَخْصُوصَةٍ . وَفِي حَدِيثِ
عَلِيٍّ الْمَذْكُورِ أَنَّ الثَّلَاثَةَ فَعَلُوا ذَلِكَ .
قَوْله : ( قَالَ عَلِيٌّ )
أَيْ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
( أَلَّا تَتَزَوَّج بِنْت حَمْزَة ؟ قَالَ : إِنَّهَا بِنْت
أَخِي )
أَيْ مِنْ الرَّضَاعَةِ . هُوَ مَوْصُول بِالْإِسْنَادِ
الْمَذْكُور أَوَّلًا , وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ "
فَقَالَ عَلِيّ إِلَخْ " وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي سَعِيدٍ
السُّكَّرِيِّ " فَدَفَعْنَاهَا إِلَى جَعْفَرَ فَلَمْ تَزَلْ
عِنْدَهُ حَتَّى قُتِلَ , فَأَوْصَى بِهَا جَعْفَر إِلَى عَلِيٍّ
فَمَكَثَتْ عِنْدَهُ حَتَّى بَلَغَتْ , فَعَرَضَهَا عَلِيٌّ عَلَى
رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ
يَتَزَوَّجَهَا فَقَالَ : هِيَ اِبْنَةُ أَخِي مِنْ الرَّضَاعَةِ "
وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى مَا يَتَعَلَّقُ بِالرَّضَاعَةِ فِي
أَوَائِلِ النِّكَاحِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى