الله ليس إله المسيحية
الله يتهم المسيح ويضعه فى النار
أولا : الله بتهم المسيح فى الإسلام : الله يتهم المسيح بأنه قال للناس أنه وأمه إلهين دونه !! الاية 116 من سورة المائدة :( وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله قال سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق إن كنت قلته فقد علمته تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك إنك أنت علام الغيوب ( 116 ) ما قلت لهم إلا ما أمرتني به أن اعبدوا الله ربي وربكم وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم وأنت على كل شيء شهيد ( 117 ) إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم ( 118 ) )فى هذه الاية العديد من الشبهات التى يأخذها المستشرقون والمسيحيون على الإسلام وحتى المفسرين المسلمين إختلفوا فى عدة نقاط فيها مثل متى قال الله هذا لعيسى ؟ فقال بعضهم أن هذه ألايه قيلت عند رفع عيسى وآخرون قالوا بأنها قيلت يوم القيامة وإنقسموا حول الزمن التى قيلت فيه فالمفسرين الذين قالوا تقال يوم القيامة إستندوا على أن الكلام لفظ الماضي والثاني : قوله : ( إن تعذبهم ) و ( إن تغفر لهم ) وهذان الدليلان فيهما نظر ; لأن كثيرا من أمور يوم القيامة ذكر بلفظ المضي ، ليدل على الوقوع والثبوت .. والمفسرون الذين قالوا أنها قيلت بعد رفع عيسى وإستندوا على كلمة "قال الله" أى حدث قيل وتم فى الماضى أى بعد رفع عيسى مباشرة وإستمر الإنقسام لأن هذا التفسير لا يتفق فى معنى ( إن تعذبهم ) و ( إن تغفر لهم ) ولا أحد من علماء الإسلام يعرف الزمن الذى قيلت فيه هذه الاية ويردد المسلمين سؤالهم الشهير الساذج القادم من هذه الآية أين قال لكم المسيح أنا الله أعبدونى؟ .(1 - راجع تفسير القرطبى وأبن كثير والطبرى على هذه الآيات الثلاث)
ثانيا : الله يضع المسيح فى النار فى الإسلام : سورة الأنبياء 91 آية 98 " {98} إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ " ولا يعرف من قائل هذه الآية وهذا ليس بموضوعنا ولكن موضوعنا إنها قيلت لأهل مكة بما يعنى أنهم فى النار هم وآلهتهم وأهل مكه كان لهم 360 صنما ووثنا حول الكعبة بعدد أيام السنة كما كان بعضهم يعبد الملائكة أو القمر أو االشمس أو النجوم ويسمونها بنات الله والملائكة وكان منهم مجوس يعبدون النار وكان هناك نصارى يتعبدون بمسجد مريم بمكة وكان الصليب مرتفع على الكعبة ورب مكة المسيح راجع الأغانى 2:24 , سعى الأعـداء لا يألون شـرا ,,, عليك ورب مكة والصليب - واليهود وإلههم يهوه فهل كل هذه الآلهة فى النار ؟ فماذ سيضير الحجارة أو نار المجوس أو القمر والشمس أن يذهبوا للنار - وهل الله إلاه الإسلام سيدخل يهوه الإله الذى يعبده اليهود أو المسيح الذى يعبدة المسيحيون النار؟ قاليهود معروف أنهم يعبدون يهوه دون الله والمسيحييون يعبدون المسيح دون الله الإله العربى المسلم (2 - راجع تفسير القرطبى وأبن كثير والطبرى على هذه الآية)
ثالثاً : مما سبق يتضح أن الله ليس هو إله المسيحية لأن الله إتهم المسيح ووضعه فى النار وهذا ايس موجوداً بالمسيحية وبما أن العقيدة الإسلامية تختلف عن العقيدة المسيحية فى هذا الموضوع إذا فالله ليس هو إله المسيحية
1 - مفهوم المسيحية عن الآب والمسيح كلمته : المسيحية لا تفرق بين الإله وكلمته فالمسيح والآب واحد والمسيح هو كلمة الآب والكلمة أقنوم غير منفصل عن الذات الإلهية (الآب) وعلى هذا فلا يمكن أن يتهم الإله كلمته بأنه قال كلاما لا يصح قوله فالكلمة هو عقل الإله الناطق فأى فعل أو كلمة خرجت من فم المسيح هو قرار إلهى لأن السيد المسيح قال أنا والآب واحد ( يوحنا 14:11) و أنا في الآب والآب فيَّ " (يو 6:14-10) فالإله فى المسيحية لا يمكن أن يتجزأ لدرجة أن يتهم الآب كلمته لأن كلمته فيه وخارجه منه فالكلمة التى فى ذات الإله قد أخبر أى أعلن ورآه الناس فى جسد المسيح ومن غير المعقول أن يضع الإله نفسه فى النار لأنه غير منفصل عن كلمته إذا الله إله الإسلام يختلف عن إله المسيحية
2 - مفهوم المسيحية عن الخلاص : المسيح هو محور المسيحية هو الخلاص من الشر والخطية الكامنة فى النفس البشرية وتقسم الكنيسة طبقاً للكتاب المقدس الناس إلى قسمين
القسم الأول : من هم ماتوا علي رجاء القيامه وكانوا منتظرين المسيا المنتظر فنزل السيد المسيح إلى أقسام الأرض السفلي (كناية عن الجحيم) فله القوة أن يدخل الجحيم ويخرج بقوة لاهوت كلمته وأخذ نفوس الأبرار الذين كانوا منتظرين علي رجاء القيامه, (أخذهم للفردوس) وهؤلاء القديسين ظهروا لكثيرين فى أورشليم بعد صلب المسيح
القسم الثانى : من هم فى الحياة يجاهدون الشر والخطية السيد المسيح أعطاهم الروح القدس بمواهبه فمنح الناس إمكانيات للبر. منحهم نعمته العاملة فيهم (1كو 15: 10)، وروحه القدوس الذى يسكن فيهم (1كو3: 16). ومنحهم تجديداً لطبيعتهم (أف 4: 24) بحيث تكون قادرة على فعل الخير ومقاومة الشر أكثر من ذى قبل، وبهذا يخلصهم من الخطية. كذلك فتح لهم باب التوبة وبالتوبة يتخلصون من الخطية.
***************************
المراجع
(1) تفسير الاية 116 من سورة المائدة :( وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله قال سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق إن كنت قلته فقد علمته تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك إنك أنت علام الغيوب ( 116 ) ما قلت لهم إلا ما أمرتني به أن اعبدوا الله ربي وربكم وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم وأنت على كل شيء شهيد ( 117 )
أ) تفسير البغوي - الحسين بن مسعود البغوي - دار طيبة - عدد الأجزاء: ثمانية أجزاء
قوله عز وجل : ( وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله ) واختلفوا في أن هذا القول متى يكون ، فقال السدي : قال الله تعالى هذا القول لعيسى عليه السلام حين رفعه إلى السماء لأن حرف " إذ " يكون للماضي ، وقال سائر المفسرين : إنما يقول الله له هذا القول يوم القيامة بدليل قوله [ من قبل ] ( يوم يجمع الله الرسل ) ( المائدة ، 109 ) . وقال من بعدها ( هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم ) ( المائدة ، 119 ) ، وأراد بهما يوم القيامة ، وقد تجيء " إذ " بمعنى " إذا " كقوله عز وجل : ( ولو ترى إذ فزعوا ) أي : إذا فزعوا [ يوم القيامة ] والقيامة وإن لم تكن بعد ولكنها كالكائنة لأنها آتية لا محالة قوله : ( أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله ) ؟ فإن قيل : فما وجه هذا السؤال مع علم الله عز وجل أن عيسى لم يقله؟ قيل هذا السؤال عنه لتوبيخ قومه وتعظيم أمر هذه المقالة كما يقول القائل لآخر : أفعلت كذا [ ص: 122 ] وكذا؟ فيما يعلم أنه لم يفعله ، إعلاما واستعظاما لا استخبارا واستفهاما وأيضا : أراد الله عز وجل أن يقر [ عيسى عليه السلام عن ] نفسه بالعبودية ، فيسمع قومه ، ويظهر كذبهم عليه أنه أمرهم بذلك ، قال أبو روق : وإذا سمع عيسى عليه السلام هذا الخطاب أرعدت مفاصله وانفجرت من أصل كل شعرة في جسده عين من دم ، ثم يقول مجيبا لله عز وجل : ( قال سبحانك ) تنزيها وتعظيما لك ( ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق إن كنت قلته فقد علمته تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك ) قال ابن عباس : تعلم ما في غيبي ولا أعلم ما في غيبك ، وقيل معناه : تعلم سري ولا أعلم سرك ، وقال أبو روق تعلم ما كان مني في دار الدنيا ولا أعلم ما يكون منك في الآخرة ، وقال الزجاج : النفس عبارة عن جملة الشيء وحقيقته ، يقول : تعلم جميع ما أعلم من حقيقة أمري ولا أعلم حقيقة أمرك ، ( إنك أنت علام الغيوب ) ما كان وما يكون .
ب) تفسير القرطبي - محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي - دار الفكر - عدد الأجزاء: عشرون جزءا
قوله تعالى : وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس
اتخذوني وأمي إلهين من دون الله اختلف في وقت هذه المقالة ; فقال قتادة وابن
جريج وأكثر المفسرين : إنما يقول له هذا يوم القيامة ، وقال السدي وقطرب . قال
له ذلك حين رفعه إلى السماء وقالت النصارى فيه ما قالت ; واحتجوا بقوله : إن
تعذبهم فإنهم عبادك فإن إذ في كلام العرب لما مضى ، والأول أصح ; يدل عليه ما
قبله من قوله : يوم يجمع الله الرسل [ ص: 289 ] الآية وما بعده هذا يوم ينفع
الصادقين صدقهم . وعلى هذا تكون إذ بمعنى " إذا " كقوله تعالى : ولو ترى إذ
فزعوا أي : إذا فزعوا ، وقال أبو النجم :
ثم جزاه الله عني إذ جزى جنات عدن في السماوات العلا
يعني إذا جزى ، وقال الأسود بن جعفر الأزدي :
فالآن إذ هازلتهن فإنما يقلن ألا لم يذهب الشيخ مذهبا
يعني إذا هازلتهن ، فعبر عن المستقبل بلفظ الماضي ; لأنه لتحقيق أمره وظهور
برهانه ، كأنه قد وقع ، وفي التنزيل ونادى أصحاب النار أصحاب الجنة ومثله كثير
وقد تقدم ، واختلف أهل التأويل في معنى هذا السؤال وليس هو باستفهام وإن خرج
مخرج الاستفهام على قولين : أحدهما : أنه سأله عن ذلك توبيخا لمن ادعى ذلك عليه
ليكون إنكاره بعد السؤال أبلغ في التكذيب ، وأشد في التوبيخ والتقريع . الثاني
: قصد بهذا السؤال تعريفه أن قومه غيروا بعده ، وادعوا عليه ما لم يقله . فإن
قيل : فالنصارى لم يتخذوا مريم إلها فكيف قال ذلك فيهم ؟ فقيل : لما كان من
قولهم إنها لم تلد بشرا وإنما ولدت إلها لزمهم أن يقولوا إنها لأجل البعضية
بمثابة من ولدته ، فصاروا حين لزمهم ذلك بمثابة القائلين له .
قوله تعالى : قال سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق إن كنت قلته فقد
علمته خرج الترمذي عن أبي هريرة قال : تلقى عيسى حجته ولقاه الله في قوله : وإذ
قال الله يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله قال
أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم : فلقاه الله سبحانك ما يكون لي أن أقول
ما ليس لي بحق الآية كلها . قال أبو عيسى : هذا حديث حسن صحيح . وبدأ بالتسبيح
قبل الجواب لأمرين : أحدهما : تنزيها له عما أضيف إليه . الثاني : خضوعا لعزته
، وخوفا من سطوته ، ويقال : إن الله تعالى لما قال لعيسى : أأنت قلت للناس
اتخذوني وأمي إلهين من دون الله أخذته الرعدة من ذلك القول حتى سمع صوت عظامه
في نفسه فقال : سبحانك ثم قال : ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق أي : أن أدعي
لنفسي ما ليس من حقها ، يعني أنني مربوب ولست برب ، وعابد ولست بمعبود . ثم قال
: إن كنت قلته فقد علمته فرد ذلك إلى علمه ، وقد كان الله عالما به أنه لم يقله
، ولكنه سأله عنه تقريعا لمن اتخذ عيسى إلها . ثم قال : تعلم ما في نفسي ولا
أعلم ما في نفسك أي : تعلم ما في غيبي ولا أعلم ما في غيبك ، وقيل : المعنى
تعلم ما أعلم [ ص: 290 ] ولا أعلم ما تعلم ، وقيل : تعلم ما أخفيه ولا أعلم ما
تخفيه . وقيل : تعلم ما أريد ولا أعلم ما تريد وقيل : تعلم سري ولا أعلم سرك ;
لأن السر موضعه النفس وقيل : تعلم ما كان مني في دار الدنيا ، ولا أعلم ما يكون
منك في دار الآخرة قلت : والمعنى في هذه الأقوال متقارب ; أي : تعلم سري وما
انطوى عليه ضميري الذي خلقته ، ولا أعلم شيئا مما استأثرت به من غيبك وعلمك .
إنك أنت علام الغيوب ما كان وما يكون ، وما لم يكن وما هو كائن .
ج ) تفسير ابن كثير - إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي
الدمشقي - دار طيبة - سنة النشر: 1422هـ / 2002م - عدد الأجزاء: ثمانية أجزاء
( وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من
دون الله قال سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق إن كنت قلته فقد علمته
تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك إنك أنت علام الغيوب ( 116 ) ما قلت لهم
إلا ما أمرتني به أن اعبدوا الله ربي وربكم وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم فلما
توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم وأنت على كل شيء شهيد ( 117 ) إن تعذبهم فإنهم
عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم ( 118 ) )
هذا أيضا مما يخاطب الله تعالى به عبده ورسوله عيسى ابن مريم ، - عليه السلام -
، قائلا له يوم القيامة بحضرة من اتخذه وأمه إلهين من دون الله : ( وإذ قال
الله يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله ) ؟ وهذا
تهديد للنصارى وتوبيخ وتقريع على رؤوس الأشهاد . هكذا قاله قتادة وغيره ،
واستدل قتادة على ذلك بقوله تعالى : ( هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم )
وقال السدي : هذا الخطاب والجواب في الدنيا .
قال ابن جرير : هذا هو الصواب ، وكان ذلك حين رفعه الله إلى سماء الدنيا .
واحتج ابن جرير على ذلك بمعنيين :
أحدهما : أن الكلام لفظ المضي .
والثاني : قوله : ( إن تعذبهم ) و ( إن تغفر لهم )
وهذان الدليلان فيهما نظر ; لأن كثيرا من أمور يوم القيامة ذكر بلفظ المضي ،
ليدل على الوقوع والثبوت . ومعنى قوله : ( إن تعذبهم فإنهم عبادك ) الآية :
التبري منهم ورد المشيئة فيهم إلى الله ، وتعليق ذلك على الشرط لا يقتضي وقوعه
، كما في نظائر ذلك من الآيات .
والذي قاله قتادة وغيره هو الأظهر ، والله أعلم : أن ذلك كائن يوم القيامة ،
ليدل على تهديد النصارى وتقريعهم وتوبيخهم على رؤوس الأشهاد يوم القيامة . وقد
روي بذلك حديث مرفوع ، رواه الحافظ ابن عساكر في ترجمة أبي عبد الله ، مولى عمر
بن عبد العزيز ، وكان ثقة ، قال : سمعت أبا بردة يحدث عمر بن عبد العزيز عن
أبيه أبي موسى الأشعري قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إذا كان
يوم القيامة دعي بالأنبياء وأممهم ، ثم يدعى بعيسى ؛ فيذكره الله نعمته عليه ،
فيقر بها ، فيقول : ( يا عيسى ابن مريم اذكر نعمتي عليك وعلى والدتك ) الآية [
المائدة : 110 ] ثم يقول : ( أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله )
؟ فينكر أن يكون قال ذلك ، فيؤتى بالنصارى فيسألون ، فيقولون : نعم ، هو [ ص:
233 ] أمرنا بذلك ، قال : فيطول شعر عيسى ، - عليه السلام - ، فيأخذ كل ملك من
الملائكة بشعرة من شعر رأسه وجسده . فيجاثيهم بين يدي الله ، عز وجل ، مقدار
ألف عام ، حتى ترفع عليهم الحجة ، ويرفع لهم الصليب ، وينطلق بهم إلى النار " ،
وهذا حديث غريب عزيز .
وقوله : ( سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق ) هذا توفيق للتأدب في
الجواب الكامل ، كما قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا ابن أبي عمر ، حدثنا
سفيان ، عن عمرو ، عن طاوس ، عن أبي هريرة قال : يلقى عيسى حجته ، ولقاه الله
في قوله : ( وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين
من دون الله ) ؟ قال أبو هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فلقاه الله : (
سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق ) إلى آخر الآية .
وقد رواه الثوري ، عن معمر ، عن ابن طاوس ، عن طاوس ، بنحوه .
وقوله : ( إن كنت قلته فقد علمته ) أي : إن كان صدر مني هذا فقد علمته يا رب ،
فإنه لا يخفى عليك شيء مما قلته ولا أردته في نفسي ولا أضمرته ; ولهذا قال : (
تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك إنك أنت علام الغيوب ما قلت لهم إلا ما
أمرتني به ) بإبلاغه ( أن اعبدوا الله ربي وربكم ) أي : ما دعوتهم إلا إلى الذي
أرسلتني به وأمرتني بإبلاغه : ( أن اعبدوا الله ربي وربكم ) أي : هذا هو الذي
قلت لهم ( وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم ) أي : كنت أشهد على أعمالهم حين كنت
بين أظهرهم ( فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم وأنت على كل شيء شهيد )
قال أبو داود الطيالسي : حدثنا شعبة قال : انطلقت أنا وسفيان الثوري إلى
المغيرة بن النعمان فأملاه على سفيان وأنا معه ، فلما قام انتسخت من سفيان ،
فحدثنا قال : سمعت سعيد بن جبير يحدث عن ابن عباس قال : قام فينا رسول الله -
صلى الله عليه وسلم - بموعظة ، فقال : " يا أيها الناس ، إنكم محشورون إلى الله
، عز وجل ، حفاة عراة غرلا كما بدأنا أول خلق نعيده ، وإن أول الخلائق يكسى
إبراهيم ، ألا وإنه يجاء برجال من أمتي فيؤخذ بهم ذات الشمال فأقول : أصحابي .
فيقال : إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك . فأقول كما قال العبد الصالح : ( وكنت
عليهم شهيدا ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم وأنت على كل شيء
شهيد إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم ) فيقال : إن
هؤلاء لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم " .
ورواه البخاري عند هذه الآية عن الوليد ، عن أبي شعبة - وعن محمد بن كثير ، عن
سفيان الثوري ، كلاهما عن المغيرة بن النعمان ، به .
وقوله : ( إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم ) هذا
الكلام يتضمن رد المشيئة إلى الله ، عز وجل ، فإنه الفعال لما يشاء ، الذي لا
يسأل عما يفعل وهم يسألون . ويتضمن [ ص: 234 ] التبري من النصارى الذين كذبوا
على الله ، وعلى رسوله ، وجعلوا لله ندا وصاحبة وولدا ، تعالى الله عما يقولون
علوا كبيرا ، وهذه الآية لها شأن عظيم ونبأ عجيب ، وقد ورد في الحديث : أن رسول
الله - صلى الله عليه وسلم - قام بها ليلة حتى الصباح يرددها .
قال الإمام أحمد : حدثنا محمد بن فضيل ، حدثني فليت العامري ، عن جسرة العامرية
، عن أبي ذر ، - رضي الله عنه - ، قال : صلى رسول الله - - صلى الله عليه وسلم
- - ليلة فقرأ بآية حتى أصبح ، يركع بها ويسجد بها : ( إن تعذبهم فإنهم عبادك
وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم ) فلما أصبح قلت : يا رسول الله ، ما زلت
تقرأ هذه الآية حتى أصبحت تركع بها وتسجد بها؟ قال : " إني سألت ربي ، عز وجل ،
الشفاعة لأمتي ، فأعطانيها ، وهي نائلة إن شاء الله لمن لا يشرك بالله شيئا " .
طريق أخرى وسياق آخر : قال أحمد : حدثنا يحيى ، حدثنا قدامة بن عبد الله ،
حدثتني جسرة بنت دجاجة : أنها انطلقت معتمرة ، فانتهت إلى الربذة ، فسمعت أبا
ذر يقول : قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليلة من الليالي في صلاة
العشاء ، فصلى بالقوم ، ثم تخلف أصحاب له يصلون ، فلما رأى قيامهم وتخلفهم
انصرف إلى رحله ، فلما رأى القوم قد أخلوا المكان رجع إلى مكانه فصلى ، فجئت
فقمت خلفه ، فأومأ إلي بيمينه ، فقمت عن يمينه . ثم جاء ابن مسعود فقام خلفي
وخلفه ، فأومأ إليه بشماله ، فقام عن شماله ، فقمنا ثلاثتنا يصلي كل واحد منا
بنفسه ، ويتلو من القرآن ما شاء الله أن يتلو . وقام بآية من القرآن يرددها حتى
صلى الغداة . فلما أصبحنا أومأت إلى عبد الله بن مسعود : أن سله ما أراد إلى ما
صنع البارحة؟ فقال ابن مسعود بيده : لا أسأله عن شيء حتى يحدث إلي ، فقلت :
بأبي أنت وأمي ، قمت بآية من القرآن ومعك القرآن ، لو فعل هذا بعضنا لوجدنا
عليه ، قال : " دعوت لأمتي " . قلت : فماذا أجبت؟ - أو ماذا رد عليك؟ - قال : "
أجبت بالذي لو اطلع عليه كثير منهم طلعة تركوا الصلاة " . قلت : أفلا أبشر
الناس؟ قال : " بلى " . فانطلقت معنقا قريبا من قذفة بحجر . فقال عمر : يا رسول
الله ، إنك إن تبعث إلى الناس بهذا نكلوا عن العبادة . فناداه أن ارجع فرجع ،
وتلك الآية : ( إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم )
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا يونس بن عبد الأعلى ، حدثنا ابن وهب ، أخبرني عمرو
بن الحارث ، أن بكر بن سوادة حدثه ، عن عبد الرحمن بن جبير ، عن عبد الله بن
عمرو بن العاص أن النبي - صلى الله عليه وسلم - تلا قول عيسى : ( إن تعذبهم
فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم ) فرفع يديه فقال : " اللهم
أمتي " . وبكى ، فقال الله : يا جبريل ، اذهب إلى محمد - وربك أعلم - فاسأله :
ما يبكيه؟ فأتاه جبريل ، فسأله ، فأخبره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بما
قال ، فقال الله : يا جبريل ، اذهب إلى محمد فقل : [ ص: 235 ] إنا سنرضيك في
أمتك ولا نسوؤك .
وقال الإمام أحمد : حدثنا حسن ، حدثنا ابن لهيعة ، حدثنا ابن هبيرة أنه سمع أبا
تميم الجيشاني يقول : حدثني سعيد بن المسيب ، سمعت حذيفة بن اليمان يقول : غاب
عنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوما فلم يخرج ، حتى ظننا أن لن يخرج ،
فلما خرج سجد سجدة ظننا أن نفسه قد قبضت فيها ، فلما رفع رأسه قال : " إن ربي ،
عز وجل ، استشارني في أمتي : ماذا أفعل بهم؟ فقلت : ما شئت أي رب هم خلقك
وعبادك . فاستشارني الثانية ، فقلت له كذلك ، فقال : لا أخزيك في أمتك يا محمد
، وبشرني أن أول من يدخل الجنة من أمتي معي سبعون ألفا ، مع كل ألف سبعون ألفا
، ليس عليهم حساب ، ثم أرسل إلي فقال : ادع تجب ، وسل تعط " . فقلت لرسوله :
أومعطي ربي سؤلي؟ قال : ما أرسلني إليك إلا ليعطيك ، ولقد أعطاني ربي ولا فخر ،
وغفر لي ما تقدم من ذنبي وما تأخر ، وأنا أمشي حيا صحيحا ، وأعطاني ألا تجوع
أمتي ولا تغلب ، وأعطاني الكوثر ، وهو نهر في الجنة يسيل في حوضي ، وأعطاني
العز والنصر والرعب يسعى بين يدي أمتي شهرا ، وأعطاني أني أول الأنبياء يدخل
الجنة ، وطيب لي ولأمتي الغنيمة ، وأحل لنا كثيرا مما شدد على من قبلنا ، ولم
يجعل علينا في الدين من حرج " .
د ) تفسير الطبري - محمد بن جرير الطبري - دار المعارف -
عدد الأجزاء: أربعة وعشرون جزءا
القول في تأويل قوله ( وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني
وأمي إلهين من دون الله قال سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق إن كنت
قلته فقد علمته )
قال أبو جعفر : يقول - تعالى ذكره - : " يوم يجمع الله الرسل فيقول ماذا أجبتم
" " وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون
الله " . [ ص: 234 ]
وقيل : إن الله قال هذا القول لعيسى حين رفعه إليه في الدنيا .
ذكر من قال ذلك :
13028 - حدثنا محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن مفضل قال : حدثنا أسباط ، عن
السدي : " وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من
دون الله " قال : لما رفع الله عيسى ابن مريم إليه ، قالت النصارى ما قالت ،
وزعموا أن عيسى أمرهم بذلك ، فسأله عن قوله فقال : " سبحانك ما يكون لي أن أقول
ما ليس لي بحق إن كنت قلته فقد علمته تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك إنك
أنت علام الغيوب " إلى قوله : " وأنت على كل شيء شهيد " .
وقال آخرون : بل هذا خبر من الله - تعالى ذكره - عن أنه يقول لعيسى ذلك في
القيامة .
ذكر من قال ذلك :
13029 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج : "
وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله
، قال : والناس يسمعون ، فراجعه بما قد رأيت ، وأقر له بالعبودية على نفسه ،
فعلم من كان يقول في عيسى ما يقول : أنه إنما كان يقول باطلا .
13030 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا جرير ، عن عطاء ، عن ميسرة قال : قال الله
: يا عيسى ، أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله؟ فأرعدت مفاصله ،
وخشي أن يكون قد قال : فقال : سبحانك ، إن كنت قلته فقد علمته الآية .
13031 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، [ ص:
235 ] عن قتادة في قوله : " يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي
إلهين من دون الله " متى يكون ذلك؟ قال : يوم القيامة ، ألا ترى أنه يقول : "
هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم " ؟
فعلى هذا التأويل الذي تأوله ابن جريج ، يجب أن يكون " وإذ " بمعنى : و " إذا "
كما قال في موضع آخر : ولو ترى إذ فزعوا ، [ سورة سبأ : 51 ] ، بمعنى : يفزعون
، وكما قال أبو النجم :
ثم جزاه الله عنا إذ جزى جنات عدن في العلالي العلا
والمعنى : إذا جزى ، وكما قال الأسود :
فالآن ، إذ هازلتهن ، فإنما يقلن : ألا لم يذهب الشيخ مذهبا !!
بمعنى : إذا هازلتهن . [ ص: 236 ]
وكأن من قال في ذلك بقول ابن جريج هذا ، وجه تأويل الآية إلى : " فمن يكفر بعد
منكم فإني أعذبه عذابا لا أعذبه أحدا من العالمين " في الدنيا وأعذبه أيضا في
الآخرة : " وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين
من دون الله " .
قال أبو جعفر : وأولى القولين عندنا بالصواب في ذلك ، قول من قال بقول السدي ،
وهو أن الله - تعالى ذكره - قال ذلك لعيسى حين رفعه إليه ، وأن الخبر خبر عما
مضى ، لعلتين :
إحداهما : أن " إذ " إنما تصاحب في الأغلب من كلام العرب المستعمل بينها الماضي
من الفعل ، وإن كانت قد تدخلها أحيانا في موضع الخبر عما يحدث ، إذا عرف
السامعون معناها . وذلك غير فاش ، ولا فصيح في كلامهم ، وتوجيه معاني كلام الله
تعالى إلى الأشهر الأعرف ما وجد إليه السبيل ، أولى من توجيهها إلى الأجهل
الأنكر .
والأخرى : أن عيسى لم يشك هو ولا أحد من الأنبياء ، أن الله لا يغفر لمشرك مات
على شركه ، فيجوز أن يتوهم على عيسى أن يقول في الآخرة مجيبا لربه - تعالى ذكره
- : إن تعذب من اتخذني وأمي إلهين من دونك فإنهم عبادك ، وإن تغفر لهم فإنك أنت
العزيز الحكيم .
فإن قال قائل : وما كان وجه سؤال الله عيسى : أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي
إلهين من دون الله " وهو العالم بأن عيسى لم يقل ذلك؟
قيل : يحتمل ذلك وجهين من التأويل : [ ص: 237 ]
أحدهما : تحذير عيسى عن قيل ذلك ونهيه ، كما يقول القائل لآخر : " أفعلت كذا
وكذا " ؟ مما يعلم المقول له ذلك أن القائل يستعظم فعل ما قال له : " أفعلته "
على وجه النهي عن فعله ، والتهديد له فيه .
والآخر : إعلامه أن قومه الذين فارقهم قد خالفوا عهده ، وبدلوا دينهم بعده .
فيكون بذلك جامعا إعلامه حالهم بعده ، وتحذيرا له قيله .
قال أبو جعفر : وأما تأويل الكلام ، فإنه : أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين
" أي : معبودين تعبدونهما من دون الله . قال عيسى : تنزيها لك يا رب وتعظيما أن
أفعل ذلك أو أتكلم به " ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق " يقول : ليس لي أن
أقول ذلك ، لأني عبد مخلوق ، وأمي أمة لك ، وكيف يكون للعبد والأمة ادعاء
ربوبية؟ " إن كنت قلته فقد علمته " يقول : إنك لا يخفى عليك شيء ، وأنت عالم
أني لم أقل ذلك ولم آمرهم به .
************************************************************************************************************************
(2) تفسير القرطبى على سورة الأنبياء 21 آية 89
{98} إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ
أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ
فِيهِ أَرْبَع مَسَائِل : الْأُولَى : قَوْله تَعَالَى : " إِنَّكُمْ وَمَا
تَعْبُدُونَ " قَالَ اِبْن عَبَّاس : آيَة لَا يَسْأَلنِي النَّاس عَنْهَا !
لَا أَدْرِي أَعَرَفُوهَا فَلَمْ يَسْأَلُوا عَنْهَا , أَوْ جَهِلُوهَا فَلَا
يَسْأَلُونَ عَنْهَا ; فَقِيلَ : وَمَا هِيَ ؟ قَالَ : " إِنَّكُمْ وَمَا
تَعْبُدُونَ مِنْ دُون اللَّه حَصَب جَهَنَّم أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ "
لَمَّا أُنْزِلَتْ شَقَّ عَلَى كُفَّار قُرَيْش , وَقَالُوا : شَتَمَ آلِهَتنَا
, وَأَتَوْا اِبْن الزِّبَعْرَى وَأَخْبَرُوهُ , فَقَالَ : لَوْ حَضَرْته
لَرَدَدْت عَلَيْهِ . قَالُوا : وَمَا كُنْت تَقُول ؟ قَالَ : كُنْت أَقُول
لَهُ : هَذَا الْمَسِيح تَعْبُدهُ النَّصَارَى و الْيَهُود تَعْبُد عُزَيْرًا
أَفَهُمَا مِنْ حَصَب جَهَنَّم ؟ فَعَجِبَت قُرَيْش مِنْ مَقَالَته , وَرَأَوْا
أَنَّ مُحَمَّدًا قَدْ خُصِمَ ; فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى : " إِنَّ
الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ "
[ الْأَنْبِيَاء : 101 ] وَفِيهِ نَزَلَ " وَلَمَّا ضُرِبَ اِبْن مَرْيَم
مَثَلًا " [ الزُّخْرُف : 57 ] يَعْنِي اِبْن الزِّبَعْرَى " إِذَا قَوْمك
مِنْهُ يَصِدُّونَ " [ الزُّخْرُف : 57 ] بِكَسْرِ الصَّاد ; أَيْ يَضِجُّونَ ;
وَسَيَأْتِي .
الثَّانِيَة : هَذِهِ الْآيَة أَصْل الْقَوْل بِالْعُمُومِ وَأَنَّ لَهُ
صِيَغًا مَخْصُوصَة , خِلَافًا لِمَنْ قَالَ : لَيْسَتْ لَهُ صِيغَة مَوْضُوعَة
لِلدَّلَالَةِ عَلَيْهِ , وَهُوَ بَاطِل بِمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ هَذِهِ الْآيَة
وَغَيْرهَا ; فَهَذَا عَبْد اللَّه بْن الزِّبَعْرَى قَدْ فَهِمَ " مَا " فِي
جَاهِلِيَّته جَمِيع مَنْ عُبِدَ , وَوَافَقَهُ عَلَى ذَلِكَ قُرَيْش وَهُمْ
الْعَرَب الْفُصَحَاء , وَاللُّسْن الْبُلَغَاء , وَلَوْ لَمْ تَكُنْ
لِلْعُمُومِ لَمَا صَحَّ أَنْ يُسْتَثْنَى مِنْهَا , وَقَدْ وُجِدَ ذَلِكَ
فَهِيَ لِلْعُمُومِ وَهَذَا وَاضِح .
الثَّالِثَة : قِرَاءَة الْعَامَّة بِالصَّادِ الْمُهْمَلَة أَيْ إِنَّكُمْ يَا
مَعْشَر الْكُفَّار وَالْأَوْثَان الَّتِي تَعْبُدُونَهَا مِنْ دُون اللَّه
وَقُود جَهَنَّم ; قَالَهُ اِبْن عَبَّاس . وَقَالَ مُجَاهِد وَعِكْرِمَة
وَقَتَادَة : حَطَبهَا . وَقَرَأَ عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب وَعَائِشَة رِضْوَان
اللَّه عَلَيْهِمَا " حَطَب جَهَنَّم " بِالطَّاءِ . وَقَرَأَ اِبْن عَبَّاس "
حَضَب " بِالضَّادِ الْمُعْجَمَة ; قَالَ الْفَرَّاء : يُرِيد الْحَصَب . قَالَ
: وَذُكِرَ لَنَا أَنَّ الْحَضَب فِي لُغَة أَهْل الْيَمَن الْحَطَب , وَكُلّ
مَا هَيَّجْت بِهِ النَّار وَأَوْقَدْتهَا بِهِ فَهُوَ حَضَب ; ذَكَرَهُ
الْجَوْهَرِيّ . وَالْمَوْقِد مِحْضَب . وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة فِي قَوْله
تَعَالَى : " حَصَب جَهَنَّم " كُلّ مَا أَلْقَيْته فِي النَّار فَقَدْ
حَصَبْتَهَا بِهِ . وَيَظْهَر مِنْ هَذِهِ الْآيَة أَنَّ النَّاس مِنْ
الْكُفَّار وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ الْأَصْنَام حَطَب لِجَهَنَّمَ . وَنَظِير
هَذِهِ الْآيَة قَوْله تَعَالَى : " فَاتَّقُوا النَّار الَّتِي وَقُودهَا
النَّاس وَالْحِجَارَة " [ الْبَقَرَة : 24 ] . وَقِيلَ : إِنَّ الْمُرَاد
بِالْحِجَارَةِ حِجَارَة الْكِبْرِيت ; عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي " الْبَقَرَة "
وَأَنَّ النَّار لَا تَكُون عَلَى الْأَصْنَام عَذَابًا وَلَا عُقُوبَة ;
لِأَنَّهَا لَمْ تُذْنِب , وَلَكِنْ تَكُون عَذَابًا عَلَى مَنْ عَبَدَهَا :
أَوَّل شَيْء بِالْحَسْرَةِ , ثُمَّ تُجْمَع عَلَى النَّار فَتَكُون نَارهَا
أَشَدّ مِنْ كُلّ نَار , ثُمَّ يُعَذَّبُونَ بِهَا . وَقِيلَ : تُحْمَى
فَتُلْصَق بِهِمْ زِيَادَة فِي تَعْذِيبهمْ وَقِيلَ : إِنَّمَا جُعِلَتْ فِي
النَّار تَبْكِيتًا لِعِبَادَتِهِمْ .
الرَّابِعَة : قَوْله تَعَالَى : " أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ " أَيْ فِيهَا
دَاخِلُونَ . وَالْخِطَاب لِلْمُشْرِكِينَ عَبَدَة الْأَصْنَام ; أَيْ أَنْتُمْ
وَارِدُوهَا مَعَ الْأَصْنَام . وَيَجُوز أَنْ يُقَال : الْخِطَاب
لِلْأَصْنَامِ وَعَبَدَتهَا ; لِأَنَّ الْأَصْنَام وَإِنْ كَانَتْ جَمَادَات
فَقَدْ يُخْبَر عَنْهَا بِكِنَايَاتِ الْآدَمِيِّينَ . وَقَالَ الْعُلَمَاء :
لَا يَدْخُل فِي هَذَا عِيسَى وَلَا عُزَيْر وَلَا الْمَلَائِكَة صَلَوَات
اللَّه عَلَيْهِمْ ; لِأَنَّ " مَا " لِغَيْرِ الْآدَمِيِّينَ . فَلَوْ أَرَادَ
ذَلِكَ لَقَالَ : " وَمَنْ " . قَالَ الزَّجَّاج : وَلِأَنَّ الْمُخَاطَبِينَ
بِهَذِهِ الْآيَة مُشْرِكُو مَكَّة دُون غَيْرهمْ .
ب) تفسير ابن كثير - إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي - دار طيبة - سنة النشر: 1422هـ / 2002م - عدد الأجزاء: ثمانية أجزاء
( إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم أنتم لها واردون ( 98 ) لو كان
هؤلاء آلهة ما وردوها وكل فيها خالدون ( 99 ) لهم فيها زفير وهم فيها لا يسمعون
( 100 ) إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون ( 101 ) لا يسمعون
حسيسها وهم في ما اشتهت أنفسهم خالدون ( 102 ) لا يحزنهم الفزع الأكبر وتتلقاهم
الملائكة هذا يومكم الذي كنتم توعدون ( 103 ) ) .
يقول تعالى مخاطبا لأهل مكة من مشركي قريش ، ومن دان بدينهم من عبدة الأصنام
والأوثان : ( إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم ) ، قال ابن عباس : أي
وقودها ، يعني كقوله : ( وقودها الناس والحجارة ) [ التحريم : 6 ] .
وقال ابن عباس أيضا : ( حصب جهنم ) بمعنى : شجر جهنم . وفي رواية قال : ( حصب
جهنم ) يعني : حطب جهنم ، بالزنجية .
وقال مجاهد ، وعكرمة ، وقتادة : حطبها . وهي كذلك في قراءة علي وعائشة - رضي
الله عنهما .
وقال الضحاك : ( حصب جهنم ) أي : ما يرمى به فيها .
وكذا قال غيره . والجميع قريب .
وقوله : ( أنتم لها واردون ) أي : داخلون .
( لو كان هؤلاء آلهة ما وردوها ) يعني : لو كانت هذه الأصنام والأنداد التي
اتخذتموها من دون الله آلهة صحيحة لما وردوا النار ، ولما دخلوها ، ( وكل فيها
خالدون ) أي : العابدون ومعبوداتهم ، كلهم فيها خالدون ، ( لهم فيها زفير ) ،
كما قال : ( لهم فيها زفير وشهيق ) [ هود : 106 ] ، والزفير : خروج أنفاسهم ،
والشهيق : ولوج أنفاسهم ، ( وهم فيها لا يسمعون ) .
قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا علي بن محمد الطنافسي ، حدثنا ابن فضيل ،
حدثنا عبد الرحمن - يعني : المسعودي - عن أبيه قال : قال ابن مسعود : إذا بقي
من يخلد في النار ، جعلوا في توابيت من نار ، فيها مسامير من نار ، فلا يرى أحد
منهم أنه يعذب في النار غيره ، ثم تلا [ ص: 378 ] عبد الله : ( لهم فيها زفير
وهم فيها لا يسمعون ) .
ورواه ابن جرير ، من حديث حجاج بن محمد ، عن المسعودي ، عن يونس بن خباب ، عن
ابن مسعود فذكره .
وقوله : ( إن الذين سبقت لهم منا الحسنى ) : قال عكرمة : الرحمة . وقال غيره :
السعادة ، ( أولئك عنها مبعدون ) لما ذكر تعالى أهل النار وعذابهم بسبب شركهم
بالله ، عطف بذكر السعداء من المؤمنين بالله ورسله ، وهم الذين سبقت لهم من
الله السعادة ، وأسلفوا الأعمال الصالحة في الدنيا ، كما قال : ( للذين أحسنوا
الحسنى وزيادة ) [ يونس : 26 ] : وقال ( هل جزاء الإحسان إلا الإحسان ) [
الرحمن : 60 ] ، فكما أحسنوا العمل في الدنيا ، أحسن الله مآلهم وثوابهم ،
فنجاهم من العذاب ، وحصل لهم جزيل الثواب ، فقال : ( أولئك عنها مبعدون . لا
يسمعون حسيسها ) أي : حريقها في الأجساد .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا محمد بن عمار ، حدثنا عفان ، حدثنا حماد
بن سلمة ، عن أبيه ، عن الجريري ، عن أبي عثمان : ( لا يسمعون حسيسها ) ، قال :
حيات على الصراط تلسعهم ، فإذا لسعتهم قال : حس حس .
وقوله : ( وهم في ما اشتهت أنفسهم خالدون ) فسلمهم من المحذور والمرهوب ، وحصل
لهم المطلوب والمحبوب .
قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا أحمد بن أبي سريج ، حدثنا محمد بن الحسن
بن أبي يزيد الهمداني ، عن ليث بن أبي سليم ، عن ابن عم النعمان بن بشير ، عن
النعمان بن بشير قال - وسمر مع علي ذات ليلة ، فقرأ : ( إن الذين سبقت لهم منا
الحسنى أولئك عنها مبعدون ) قال : أنا منهم ، وعمر منهم ، وعثمان منهم ،
والزبير منهم ، وطلحة منهم ، وعبد الرحمن منهم - أو قال : سعد منهم - قال :
وأقيمت الصلاة فقام ، وأظنه يجر ثوبه ، وهو يقول : ( لا يسمعون حسيسها ) .
وقال شعبة ، عن أبي بشر ، عن يوسف المكي ، عن محمد بن حاطب قال : سمعت عليا
يقول في قوله : ( إن الذين سبقت لهم منا الحسنى ) قال : عثمان وأصحابه .
ورواه ابن أبي حاتم أيضا ، ورواه ابن جرير من حديث يوسف بن سعد - وليس بابن
ماهك - عن محمد بن حاطب ، عن علي ، فذكره ولفظه : عثمان منهم .
وقال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس في قوله : ( إن الذين سبقت لهم منا الحسنى
أولئك عنها مبعدون ) : فأولئك أولياء الله يمرون على الصراط مرا هو أسرع من
البرق ، ويبقى الكفار فيها جثيا . [ ص: 379 ]
فهذا مطابق لما ذكرناه ، وقال آخرون : بل نزلت استثناء من المعبودين ، وخرج
منهم عزير والمسيح ، كما قال حجاج بن محمد الأعور ، عن ابن جريج وعثمان بن عطاء
، عن عطاء ، عن ابن عباس : ( إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم ) ، ثم
استثنى فقال : ( إن الذين سبقت لهم منا الحسنى ) فيقال : هم الملائكة ، وعيسى ،
ونحو ذلك مما يعبد من دون الله عز وجل . وكذا قال عكرمة ، والحسن ، وابن جريج .
وقال الضحاك ، عن ابن عباس في قوله : ( إن الذين سبقت لهم منا الحسنى ) قال :
نزلت في عيسى ابن مريم وعزير ، عليهما السلام .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا الحسين بن عيسى بن ميسرة ، حدثنا أبو
زهير ، حدثنا سعد بن طريف ، عن الأصبغ ، عن علي في قوله : ( إن الذين سبقت لهم
منا الحسنى ) قال : كل شيء يعبد من دون الله في النار إلا الشمس والقمر وعيسى
ابن مريم . إسناده ضعيف .
وقال ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : ( أولئك عنها مبعدون ) ، قال : عيسى ، وعزير ،
والملائكة .
وقال الضحاك : عيسى ، ومريم ، والملائكة ، والشمس ، والقمر . وكذا روي عن سعيد
بن جبير ، وأبي صالح وغير واحد .
وقد روى ابن أبي حاتم في ذلك حديثا غريبا جدا ، فقال : حدثنا الفضل بن يعقوب
الرخاني ، حدثنا سعيد بن مسلمة بن عبد الملك ، حدثنا الليث بن أبي سليم ، عن
مغيث ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله : ( إن الذين سبقت
لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون ) قال : عيسى ، وعزير ، والملائكة .
وذكر بعضهم قصة ابن الزبعرى ومناظرة المشركين ، قال أبو بكر ابن مردويه :
حدثنا محمد بن علي بن سهل ، حدثنا محمد بن حسن الأنماطي ، حدثنا إبراهيم بن
محمد بن عرعرة ، حدثنا يزيد بن أبي حكيم ، حدثنا الحكم - يعني : ابن أبان - عن
عكرمة ، عن ابن عباس قال : جاء عبد الله بن الزبعرى إلى النبي صلى الله عليه
وسلم فقال : تزعم أن الله أنزل عليك هذه الآية : ( إنكم وما تعبدون من دون الله
حصب جهنم أنتم لها واردون ) ، فقال ابن الزبعرى : قد عبدت الشمس والقمر
والملائكة ، وعزير وعيسى ابن مريم ، كل هؤلاء في النار مع آلهتنا؟ فنزلت : (
ولما ضرب ابن مريم مثلا إذا قومك منه يصدون وقالوا أآلهتنا خير أم هو ما ضربوه
لك إلا جدلا بل هم قوم خصمون ) ، ثم نزلت : ( إن الذين سبقت لهم منا الحسنى
أولئك عنها مبعدون ) . رواه الحافظ أبو عبد الله في كتابه " الأحاديث المختارة
" . [ ص: 380 ]
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا قبيصة بن عقبة ، حدثنا سفيان - يعني :
الثوري - عن الأعمش ، عن أصحابه ، عن ابن عباس قال : لما نزلت : ( إنكم وما
تعبدون من دون الله حصب جهنم أنتم لها واردون ) قال المشركون : فالملائكة وعزير
، وعيسى يعبدون من دون الله؟ فنزلت : ( لو كان هؤلاء آلهة ما وردوها ) ، الآلهة
التي يعبدون ، ( وكل فيها خالدون ) .
وروي عن أبي كدينة ، عن عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس مثل
ذلك ، وقال فنزلت : ( إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون ) .
وقال [ الإمام ] محمد بن إسحاق بن يسار ، رحمه الله ، في كتاب " السيرة " :
وجلس رسول الله - فيما بلغني - يوما مع الوليد بن المغيرة في المسجد ، فجاء
النضر بن الحارث حتى جلس معهم ، وفي المسجد غير واحد من رجال قريش ، فتكلم رسول
الله صلى الله عليه وسلم فعرض له النضر بن الحارث ، فكلمه رسول الله صلى الله
عليه وسلم حتى أفحمه ، وتلا عليه وعليهم ( إنكم وما تعبدون من دون الله حصب
جهنم أنتم لها واردون ) إلى قوله : ( وهم فيها لا يسمعون ) ، ثم قام رسول الله
صلى الله عليه وسلم ، وأقبل عبد الله بن الزبعرى السهمي حتى جلس ، فقال الوليد
بن المغيرة لعبد الله بن الزبعرى : والله ما قام النضر بن الحارث لابن عبد
المطلب آنفا ولا قعد ، وقد زعم محمد أنا وما نعبد من آلهتنا هذه حصب جهنم .
فقال عبد الله بن الزبعرى : أما والله لو وجدته لخصمته ، فسلوا محمدا : كل ما
يعبد من دون الله في جهنم مع من عبده ، فنحن نعبد الملائكة ، واليهود تعبد
عزيرا ، والنصارى تعبد عيسى ابن مريم ؟ فعجب الوليد ومن كان معه في المجلس ، من
قول عبد الله بن الزبعرى ، ورأوا أنه قد احتج وخاصم .
فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : " كل من أحب أن يعبد من دون
الله فهو مع من عبده ، إنهم إنما يعبدون الشياطين ومن أمرتهم بعبادته . وأنزل
الله : ( إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون . لا يسمعون حسيسها
وهم في ما اشتهت أنفسهم خالدون ) أي : عيسى وعزير ومن عبدوا من الأحبار
والرهبان ، الذين مضوا على طاعة الله ، فاتخذهم من يعبدهم من أهل الضلالة
أربابا من دون الله . ونزل فيما يذكرون ، أنهم يعبدون الملائكة ، وأنهم بنات
الله : ( وقالوا اتخذ الرحمن ولدا سبحانه بل عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول وهم
بأمره يعملون ) إلى قوله : ( ومن يقل منهم إني إله من دونه فذلك نجزيه جهنم
كذلك نجزي الظالمين ) [ الأنبياء : 26 - 29 ] ، ونزل فيما ذكر من أمر عيسى ،
وأنه يعبد من دون الله ، وعجب الوليد ومن حضره من حجته وخصومته : ( ولما ضرب
ابن مريم مثلا إذا قومك منه يصدون وقالوا أآلهتنا خير أم هو ما ضربوه لك إلا
جدلا بل هم قوم خصمون إن هو إلا عبد أنعمنا عليه وجعلناه مثلا لبني إسرائيل ولو
نشاء لجعلنا منكم ملائكة في الأرض يخلفون وإنه لعلم للساعة فلا تمترن بها ) [
الزخرف : 57 - 61 ] [ ص: 381 ] أي : ما وضعت على يديه من الآيات من إحياء
الموتى وإبراء الأسقام ، فكفى به دليلا على علم الساعة ، يقول : ( فلا تمترن
بها واتبعون هذا صراط مستقيم ) [ الزخرف : 61 ] .
وهذا الذي قاله ابن الزبعرى خطأ كبير; لأن الآية إنما نزلت خطابا لأهل مكة في
عبادتهم الأصنام التي هي جماد لا تعقل ، ليكون ذلك تقريعا وتوبيخا لعابديها;
ولهذا قال : ( إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم ) فكيف يورد على هذا
المسيح والعزير ونحوهما ، ممن له عمل صالح ، ولم يرض بعبادة من عبده . وعول ابن
جرير في تفسيره في الجواب على أن " ما " لما لا يعقل عند العرب .
وقد أسلم عبد الله بن الزبعرى بعد ذلك ، وكان من الشعراء المشهورين . وكان
يهاجي المسلمين أولا ثم قال معتذرا :
يا رسول المليك ، إن لساني راتق ما فتقت إذ أنا بور إذ أجاري الشيطان في سنن
الغي
ومن مال ميله مثبور
وقوله : ( لا يحزنهم الفزع الأكبر ) قيل المراد بذلك الموت . رواه عبد الرزاق ،
عن يحيى بن ربيعة عن عطاء .
وقيل : المراد بالفزع الأكبر : النفخة في الصور . قاله العوفي عن ابن عباس ،
وأبو سنان سعيد بن سنان الشيباني ، واختاره ابن جرير في تفسيره .
وقيل : حين يؤمر بالعبد إلى النار . قاله الحسن البصري .
وقيل : حين تطبق النار على أهلها . قاله سعيد بن جبير ، وابن جريج .
وقيل : حين يذبح الموت بين الجنة والنار . قاله أبو بكر الهذلي ، فيما رواه ابن
أبي حاتم ، عنه .
وقوله : ( وتتلقاهم الملائكة هذا يومكم الذي كنتم توعدون ) ، يعني : تقول لهم
الملائكة ، تبشرهم يوم معادهم إذا خرجوا من قبورهم : ( هذا يومكم الذي كنتم
توعدون ) أي : قابلوا ما يسركم .
ح ) تفسير الطبري - محمد بن جرير الطبري - دار المعارف -
عدد الأجزاء: أربعة وعشرون جزءا
القول في تأويل قوله تعالى : ( لو كان هؤلاء آلهة ما وردوها وكل فيها
خالدون ( 99 ) ) [ ص: 537 ] يقول تعالى ذكره لهؤلاء المشركين الذين وصف صفتهم
أنهم ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث إلا استمعوه وهم يلعبون ، وهم مشركو قريش :
أنتم أيها المشركون ، وما تعبدون من دون الله واردو جهنم ، ولو كان ما تعبدون
من دون الله آلهة ما وردوها ، بل كانت تمنع من أراد أن يوردكموها إذ كنتم لها
في الدنيا عابدين ، ولكنها إذ كانت لا نفع عندها لأنفسها ولا عندها دفع ضر عنها
، فهي من أن يكون ذلك عندها لغيرها أبعد ، ومن كان كذلك كان بينا بعده من
الألوهة ، وأن الإله هو الذي يقدر على ما يشاء ولا يقدر عليه شيء ، فأما من كان
مقدورا عليه فغير جائز أن يكون إلها . وقوله ( وكل فيها خالدون ) يعني الآلهة
ومن عبدها أنهم ماكثون في النار أبدا بغير نهاية ، وإنما معنى الكلام : كلكم
فيها خالدون .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك : حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في
قوله ( لو كان هؤلاء آلهة ما وردوها وكل فيها خالدون ) قال : الآلهة التي عبد
القوم ، قال : العابد والمعبود .
د ) تفسير البغوي - الحسين بن مسعود البغوي - دار طيبة - عدد الأجزاء: ثمانية أجزاء
( إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم أنتم لها واردون ( 98 ) لو كان
هؤلاء آلهة ما وردوها وكل فيها خالدون ( 99 ) لهم فيها زفير وهم فيها لا يسمعون
( 100 ) إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون ( 101 ) )
( إنكم ) أيها المشركون ( وما تعبدون من دون الله ) يعني الأصنام ( حصب جهنم )
أي : وقودها وقال مجاهد وقتادة : حطبها والحصب في لغة أهل اليمن : الحطب وقال
عكرمة : هو الحطب بلغة الحبشة . قال الضحاك : يعني يرمون بهم في النار كما يرمى
بالحصباء وأصل الحصب الرمي قال الله عز وجل ( أرسلنا عليهم حاصبا ) ( القمر 34
) أي ريحا ترميهم بحجارة وقرأ علي بن أبي طالب : حطب جهنم ( أنتم لها واردون )
أي فيها داخلون . ( لو كان هؤلاء ) يعني الأصنام ( آلهة ) على الحقيقة ( ما
وردوها ) أي ما دخل عابدوها النار ( وكل فيها خالدون ) يعني العابد والمعبودين
( لهم فيها زفير وهم فيها لا يسمعون ) قال ابن مسعود : في هذه الآية إذا بقي في
النار من يخلد فيها جعلوا في توابيت من نار ثم جعلت تلك التوابيت في توابيت
أخرى [ ثم تلك التوابيت في توابيت أخر ] عليها مسامير من نار فلا يسمعون شيئا
ولا يرى أحد منهم أن في النار أحدا يعذب غيره ، ثم استثنى فقال ( إن الذين سبقت
لهم منا الحسنى ) قال بعض أهل العلم إن هاهنا بمعنى إلا الذين سبقت لهم منا
الحسنى يعني السعادة والعدة الجميلة بالجنة ( أولئك عنها مبعدون ) قيل الآية
عامة في كل من سبقت لهم من الله السعادة وقال أكثر المفسرين عني بذلك كل من عبد
من دون الله وهو لله طائع ولعبادة من يعبده كاره وذلك أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم دخل المسجد وصناديد قريش في الحطيم وحول الكعبة ثلاثمائة وستون صنما
فعرض له النضر بن الحارث ، فكلمه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أفحمه ثم
تلا عليه ( إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم ) الآيات الثلاثة ثم قام
فأقبل عبد الله بن الزبعرى السهمي فأخبره الوليد بن المغيرة بما قال لهم رسول
الله صلى الله عليه وسلم فقال عبد الله أما والله لو وجدته لخصمته فدعوا رسول
الله صلى الله عليه وسلم فقال له ابن الزبعرى : أنت قلت [ ص: 357 ] " إنكم وما
تعبدون من دون الله حصب جهنم " ؟ قال نعم ، قال أليست اليهود تعبد عزيرا
والنصارى تعبد المسيح ، وبنو مليح يعبدون الملائكة؟ فقال النبي صلى الله عليه
وسلم بل هم يعبدون الشياطين فأنزل الله عز وجل ( إن الذين سبقت لهم منا الحسنى
) يعني عزيرا والمسيح والملائكة ( أولئك عنها مبعدون ) وأنزل في ابن الزبعرى :
( ما ضربوه لك إلا جدلا بل هم قوم خصمون ) ( الزخرف 58 ) ، وزعم جماعة أن
المراد من الآية الأصنام لأن الله تعالى قال ( وما تعبدون من دون الله ) ولو
أراد به الملائكة والناس لقال ومن تعبدون من دون الله .
هـ) تفسير الجلالين
{98} إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ
أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ
"إنَّكُمْ" يَا أَهْل مَكَّة "وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُون اللَّه" أَيْ غَيْره
مِنْ الْأَوْثَان "حَصَب جَهَنَّم" وَقُودهَا "أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ"
دَاخِلُونَ فِيهَا
{99} لَوْ كَانَ هَؤُلَاءِ آلِهَةً مَا وَرَدُوهَا وَكُلٌّ فِيهَا خَالِدُونَ
"لَوْ كَانَ هَؤُلَاءِ" الْأَوْثَان "آلِهَة" كَمَا زَعَمْتُمْ "مَا
وَرَدُوهَا" دَخَلُوهَا "وَكُلّ" مِنْ الْعَابِدِينَ وَالْمَعْبُودِينَ
{100} لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَهُمْ فِيهَا لَا يَسْمَعُونَ
"لَهُمْ" لِلْعَابِدِينَ "فِيهَا زَفِير وَهُمْ فِيهَا لَا يَسْمَعُونَ"
شَيْئًا لِشِدَّةِ غَلَيَانهَا وَنَزَلَ لَمَّا قَالَ ابْن الزِّبَعْرَى عَبْد
عُزَيْر وَالْمَسِيح وَالْمَلَائِكَة فَهُمْ فِي النَّار عَلَى مُقْتَضَى مَا
تَقَدَّمَ
{101} إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا
مُبْعَدُونَ
"إنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا" الْمَنْزِلَة "الْحُسْنَى" وَمِنْهُمْ
مَنْ ذُكِرَ
************************************************************************************************************************
(3) فأبو الوليد أحمد بن محمّد الأزرقيّ، وهو مؤرّخ عربيّ من القرن التاسع، يقول إن العذراء والطفل كان موجودًا في الكعبة الشريفة: "... وعلى العمود المحاذي لباب الكعبة صُوِّر عيسى ابن مريم جالسًا على الركبتين ومتّكئًا إلى صدر أمّه مريم عليهما الصلاة والسلام". وحين فتح محمّد (صلعم) مكّة في السنة 630، حطّم أصنام القبائل الوثنيّة، وكان عددها 360 صنمًا، لكنّه حافظ على صورة يسوع ومريم. "... وبعث رسول الّله (صلعم) يُحضِر من ماء زمزم ... وأمر بأن يُبلّل قماش به. ووضع راحتيه على صورة عيسى ابن مريم وأمّه عليهما الصلاة والسلام وقال: "امحوا جميع الرسوم إلاّ ما ظلّلته يداي" . زال هذا الرسم المريميّ الهام في حريق الكعبة الشريفة في أثناء حصار مكّة في السنة 683م حين هاجمها حسين بن النمير، أحد قادة الخليفة معاوية. روى الأزرقي غير هذه الرواية 165 في 168 & 169 : حدثني جدي قال: حدثنا داود بن عبد الرحمن عن ابن جريج عن سليمان بن موسى عن جابر بن عبد الله قال: زجر النبي صلى الله عليه وسلم عن الصور وأمر عمر بن الخطاب زمن الفتح أن يدخل البيت فيمحو ما فيه من صورة ولم يدخله حتى محي. & حدثني جدي قال: حدثنا ابن عيينة عن عمرو بن عبيد عن الحسن أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يدخل الكعبة حتى أمر عمر بن الخطاب أن يطمس على كل صورة فيها
الصفحة الرئيسية