المذاهب التى يراها المقريزى المؤرخ المسلم أنها مخالفة للملة الإسلامية
المقريزى المواعظ والاعتبار في ذكر الخطب
والآثار الجزء الرابع ( 149 من 167 ) : "
فأما المخالفون لملة الإسلام فهم عشر
طوائف: الأولى الدهرية والثانية أصحاب العناصر.
والثالثة الثنوية: وهم المجوس ويقولون بأصلين هما النور والظلمة ويزعمون أن
النورهو يزدان والظلمة هوأهرمن ويقرّون بنبوّة إبراهيم عليه السلام وهم ثمان
فرق: الكيومرتية أصحاب كيومرت الذي يُقال أنه آدم.
والزروانية أصحاب زروان الكبير والزرادشتية أصحاب زراداشت بن بيورشت الحكيم
والثنوية أصحاب الإثنين الأزليين.
والمانوية أصحاب ماني الحكيم.
والمزركية أصحاب مزرك الخارجي.
والبيصانية أصحاب بيصان القائل بالأصلين القديمين.
والفرقونية القائلون بالأصلين.
وأنّ الشرخرج على أبيه وأنه تولد من فكرة فكرها في نفسه فلما خرج على أبيه الذي
هوالإله بزعمهم عجز عنه ثم وقع الصلح بينهما على يد الندمات وهم الملائكة ومنهم
من يقول بالتناسخ ومنهم من ينكر الشرائع والأنباء ويحكمون العقول ويزعمون أن
النفوس العلوية تفيض عليهم الفضائل.
والطائفة الرابعة الطبائعيون.
والطائفة الخامسة الصابئة القائلون بالهياكل والأرباب السماوية والأصنام
الأرضية وإنكار النبوّات وهم أصناف وبينهم وبين الحنفاء مناظرات وحروب مهلكة
وتولدت من مذاهبهم الحكمة الملطية ومنهم أصحاب الروحانيات وهم عباد الكواكب
وأصنامها التي عملت على تمثالها والحنفاء هم القائلون بأن الروحانيات
منهاماوجودها بالقوّة ومنهاما وجودها بالفعل فما هو بالقوّة يحتاج إلى من يوجده
بالفعل.
ويقرّون بنبوّة إبراهيم وأنه منهم.
وهم طوائف: الكاظمة أصحاب كاظم بن تارح ومن قوله أنّ الحق في الجمع بين شريعة
إدريس وشريعة نوح وشريعة إبراهيم عليهم السلام ومنهم البيدانية: أصحاب بيدان
الأصغر ومن قوله اعتقاد نبوّة من يفهم عالم الروح وأن النبوّة من
أسرارالإلهية.
ومنهم القنطارية: أصحاب قنطار بن أرفخشد ويقرّ بنبوّة نوح.
ومن فرق الصابئة أصحاب الهياكل: ويرون أن الشمس إله كلّ إله.
والحرانية: ومن قولهم المعبود واحد بالذات وكثير بالأشخاص في رأي العين وهي
المدبرات السبع من الكواكب والأرضية الجزئية والعالمة الفاضلة.
والطائفة السادسة اليهود.
والسابعة النصارى.
والثامنة أهل الهند القائلون بعبادة الأصنام ويزعمون أنها موضوعة قبل آدم ولهم
حكم عقلية وأحكام وضعها الشلم أعظم حكامهم والمهندم قبله والبراهمة قبل ذلك.
فالبراهمة أصحاب برهام أوّل من أنكر نبوّة البشر ومنهم البردة زهادعبادرجال
الرمادالذي يهجرون اللذات الطبيعية وأصحاب الرياضة التامّة وأصحاب التناسخ وهم
أقسام أصحاب الروحانية والبهادرية والناسوتية والباهرية والكابلية أهل الجبل.
ومنهم الطبسيون أصحاب الرياضة الفاعلة حتى أن منهم من يجاهد نفسه حتى يسلطها
على جسده فيصعدفي الهواء على قدرقوته وفي اليهود عباد النار وعباد الشمس والقمر
والنجوم وعبادالأوثان.
والطائفة التاسعة الزنادقة وهم طوائف منهم القرامطة.
والعاشرة الفلاسفة أصحاب الفلسفة وكلمة فيلسوف معناها محب الحكمة فإن فيلومحب
وسوفا حكمة والحكمة قولية وفعلية وعلم الحكماء انحصر في أربعة أنواع: الطبيعي
والمدنيّ والرياضيّ والإلهيّ.
والمجموع ينصرف إلى علم ما وعلم كيف وعلم كم فالعلم الذي يَطلب فيه ماهيات
الأشياء هو الإلهيّ والذي يَطلب فيه كيميات الأشياء هو الطبيعيّ والذي يُطلب
فيه كميات الأشياء هو الرياضيّ.
ووضع بعد ذلك أرسطو صنعة المنطق وكانت بالقوّة في كلام القدماء فأظهرها
ورتبها.
واسم الفلاسفة يُطلق على جماعة من الهند وهم الطبسيون والبراهمة ولهم رياضة
شديدة وينكرون النبوّة أصلًا ويُطلق أيضًا على العرب بوجه أنقص وحكمتهم ترجع
إلى أفكارهم وإلى ملاحظة طبيعية ويقرّون بالنبوّات وهم أضعف الناس في العلوم
ومن الفلاسفة حكماء الروم وهم طبقات فمنهم أساطين الحكمة وهم أقدمهم ومنهم
المشاؤون وأصحاب الرواق وأصحاب أرسطو وفلاسفة الإسلام.
فمن فلاسفة الروم الحكماءالسبعة أساطين الحكمة أهل ملطيةوقونيةوهم: تاليس
الملطيّ وانكساغورس وانكسمالس وابنادفيس فيثاغورس وسقراط وأفلاطون.
ودون هؤلاء فلوطس وبقراط وديمقراطيس وأسعر والنساس.
ومنهم حكماء الأصول من القدماء ولهم القول بالسيمياء ولهم أسرار الخواص والحيل
والكيمياء والأسماء الفعالة والحروف ولهم علوم توافق علوم الهند وعلوم
اليونانيين وليس من موضوع كتابنا هذا ذكر تراجمهم فلذلك تركناها.
القسم الثاني فرق أهل الإسلام.
الذي عناهم النبيّ بقوله: " ستفترق أمّتي ثلاثًا وسبعين فرقة اثنثان وسبعون
هالكة وواحدة ناجية " وهذا الحديث أخرجه أبو داود والترمذيّ وابن ماجه من
حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول اللّه: افترقت اليهود على إحدى
وسبعين أو اثنتين وسبعين فرقة وتفرّقت النصارىعلىإحدى وسبعين أواثنثين وسبعين
فرقة وتفترق أمّتي على ثلاث وسبعين فرقة قال البيهقيّ حسن صحيح وأخرجه الحاكم
وابن حبان في صحيحه بنحوه فأخرجه في المستدرك من طريق الفضل بن موسى عن محمد بن
عمر عن أبي سلمة عن أبي هريرة واتفقا جميعًا على الأحتجاج بالفضل بن موسى وهو
ثقة .
واعلم أن فرق المسلمين خمسة: أهل السنة والمرجئة والمعتزلة والشيعة
والخوارج.
وقد افترقت كل فرقة منها على فرق فأكثر افتراق أهل السنة في الفتيا ونبذ يسير
من الإعتقادات وبقية الفرق الأربع منها من يخالف أهل السنة الخلاف البعيد منهم
من يخالفهم الخلاف القريب فأقرب فرق المرجئة من قال: الإيمان إنما هو لتصديق
بالقلب واللسان معًا فقط وأن الأعمال إنما هي فرائض الإيمان وشرائعه فقط
وأبعدهم أصحاب جهم بن صفوان ومحمد بن كرام.
وأقرب فرق المعتزلة أصحاب الحسين النجار وبشر بن غياث المريسيّ وأبعدهم أصحاب
أبي الهذيل العلاف.
وأقرب مذاهب الشيعة أصحاب الحسن بن صالح بن حيّ وأبعدهم الإمامية.
وأما الغالية فليسوا بمسلمين ولكنهم أهل ردّة وشرك.
واقرب فرق الخوارج أصحاب عبد الله بن يزيد الإباضي وأبعدهم الأزارقة.
وأماالبطيخية ومن جحد شيئًا من القرآن أوفارق الإجماع من العجادعة وغيرهم فكفار
بإجماع الأمة وقد انحصرت الفرق الهالكة في عشر طوائف:
الفرقة الأولى المعتزلة:
الغلاة في نفي الصفات الإلهة القائلون بالعدل والتوحيد وأن المعارف كلها عقلية
حصولًا ووجوبًا قبل الشرع وبعده وأكثرهم على أن الإمامة بالاختيار وهم عشرون
فرقة:
أحداها الواصلية:
أصحاب واصل بن عطاء أبي حذيفة الغزال مولى بني ضبة وقيل مولى بني مخزوم.
ولد بالمدينة سنة ثمانين ونشأ بالبصرة ولقي أبا هاشم عبد الله بن محمد ابن
الحنفية ولازم مجلس الحسن بن الحسين البصريّ وأكثر من الجلوس بسوق الغزل ليعرف
النساء المتعففات فيصرف إليهنّ صدقته فقيل له الغزال من أجل ذلك وكان طويل
العنق جدًّا حتى عابه عمرو بن عبيد بذلك فقال: مَنْ هذه عنقه لا خير عنده
فلما برع واصل قال عمر: وربما أخطأت الفراسة.
وكان يلثغ بالراء ومع ذلك كان فصيحًا لسنًا مقتدرًا على الكلام قد أخذ بجوامعه
فلذلك أمكنه أنْ أسقط حرف الراء من كلامه واجتناب الحروف صعب جدُّا لاسيما مثل
الراء لكثرة استعمالها وله رسالة طويلة لم يذكر فيها حرف الراء أحد بدائع
الكلام وكان لكثرة صمته يُظنُّ به الخرس توفي سنة إحدى وثلاثين ومائة وله كتاب
المنزلة بين المنزلتين وكتاب الفتيا وكتاب التوحيد.
وعنه أخذ جماعة وأخباره كثيرة ويقال لهم أيضًا الحسنية نسبة إلى الحسن
البصريّ.
وأخذ واصل العلم عن أبي هاشم عبد اللّه بن محمد ابن الحنفية وخالفه في الإمامة
واعتزاله يدورعلىأربع قواعد هي: نفي الصفات والقول بالقدر والقول بمنزلة بين
المنزلتين وأوجب الخلود في النار على من ارتكب كبيرة.
فلما بلغ الحسن البصريّ عنه هذا قال: هؤلاء اعتزلوا فسموا من حينئذ
المعتزلة.
وقيل أن تسميتهم بذلك حدثت بعد الحسن وذلك أن عمرو بن عبيد لما مات الحسن وجلس
قتادة مجلسه اعتزله في نفرمعه فسماهم قتادة المعتزلة.
القاعدة الرابعة القول بأن إحدى الطائفتين من أصحاب الجمل وصفين مخطئة لا
بعينها وكان في خلافة هشام بن عبدالملك.
والثانية العمروية:
أصحاب عمرو ومن قوله ترك قول علي بن أبي طالب وطلحة والزبير رضي الله عنهم.
وقال ابن منبه: اعتزل عمروبن عبيد وأصحاب له الحسن فسموا المعتزلة.
والثالثة الهذلية:
اتباع أبي الهذيل محمد بن الهذيل العلاف شيخ المعتزلة أخذ عن عثمان بن خالد
الطويل عن واصل بن عطاء ونظر في الفلسفة ووافقهم في كثير وقال: جميع الطاعات
من الفرائض والنوافل إيمان وانفرد بعشر مسائل وهي: أن علم اللّه وقدرته
وحياته هي ذاته وأثبت إرادات لامحل لها يكون الباري مريدًا لها.
وقال: بعض كلام الله لا في محل وهو قوله كن.
وبعضه حي محل كالأمر والنهي.
وقال في أمورالآخرة.
كمذهب الجبرية.
وقال تنتهي مقدورات الله حتى لا يقدر على إحداث شيء ولاعلى إفناء شيء ولا إحياء
شيء ولا إماتة شيء وتنقطع حركات أهل الجنة والنارويصيرون إلى سكون دائم.
وقال: الإستطاعة عرض من الأعراض نحو السلامة الصحة.
وفرق بين أعمال القلوب وأعمال الجوارح وقال: تجب معرفة الله قبل ورود
السمع.
وأن المرء المقتول إن لم يُقتل مات في ذلك الوقت ولا يزاد العلم ولا ينقص بخلاف
الرزق.
وقال: إرادة الله عين المراد والحجة لا تقوم فيما غاب إلاّ بخبر عشرين.
والرابعة النظامية:
اتباع إبراهيم بن سيار النظّام بتشديد الظاء المعجمة زعيم المعتزلة وأحد
السفهاء انفرد بعدّة مسائل وهي: قوله أنّ الله تعالى لا يوصف بالقدرة على
الشرور والمعاصي وأنها غير مقدورة لله.
وقال: ليس له إرادة وأفعال العباد كلها حركات والنفس والروح هو الإنسان
والبدن إنما هو اَلة فقط وأن كل ما جاوز القدرة من الفعل فهو من الله وهو فعله
وأنكر الجوهر الفرد وأحدث القول بالطفرة وقال: الجوهرمؤلف من أعراض اجتمعت
وزعم أن الله خلق الموجودات دفعة على ما هي عليه وأن الإعجاز في القرآن من حيث
الإخبارعن الغيب فقط وأنكر أن يكون الإجماع حجة وطعن في الصحابة رضي الله تعالى
عنهم.
وقال قبحه الله: أبو هريرة أكذب الناس وزعم أنه ضرب فاطمة ابنة رسول الله
ومنع ميراث العترة وأوجب معرفة الله بالفكر قبل ورود الشرع وحرم نكاح الموالي
العربيات.
وقال: لا تجوز صلاة التراويح ونهى عن ميقات الحج وكذب بانشقاق القمر وأحال
رؤية الجنّ وزعم أن من سرق مائتي دينار فما دونها لم يفسق وأن الطلاق بالكتابة
لا يقع وإن كان بنية وأن من نام مضطجعًا لا ينتقض وضوءه ما لم يخرج منه
الحدث.
وقال: لايلزم قضاء االَصلوات إذا فاتت.
والخامسة الإسوارية:
اتباع أبي علي عمرو بن قائد الإسواريّ القائل أن الله تعالى لايقدر أن يفعل ما
علم أنه لا يفعله.
والسادسة الإسكافية:
اتباع أبي جعفر محمد بن عبد الله الإسكافيّ ومن قوله أنّ الله تعالى لا يقدر
على ظلم العقلاء ويقدر على ظلم الأطفال والمجانين وأنه لا يُقال أنّ الله خالق
المعازف والطنابير وإن كان هو الذي خلق أجسامها.
والسابعة الجعفرية:
اتباع جعفر بن حرب بن ميسرة ومن قوله أنِّ في فسّاق هذه الأمة من هوشرمن
اليهودوالنصارى والمجوس وأسقط الحدّ عن شارب الخمر وزعم أن الصغائرمن الذنوب
توجب تخليد فاعلها في النار وأنّ رجلًالو بُعث رسولًا إلىامرأة ليخطبها فجاءته
فوطئها من غيرعقدلم يكن عليه حدّ ويكون وطؤه إياها طلاقًا له.
والثامنة البشرية:
اتباع بشر بن المعتمر ومن قوله الطعم واللون والرائحة والإدراكات كلها من السمع
يجوزأن تحصل متولدة وصَرفُ الإستطاعة إلى سلامة البنية والجوارح.
وقال: لو عذب الله الطفل الصغيرلكان ظالمًا وهو يقدرعلى ذلك.
وقال: إرادة اللّه من جملة أفعال ثم هي تنقسم إلى صفة فعل وصفة ذات.
وقال: باللطف المخزون وأن الله لم يخلقه لأنّ ذلك يوجب عليه الثواب وأن
التوبة الأولى متوقفة على الثانية وأنها لا تنفع الإبعدم الوقوع في الذي وقع
فيه فإن وقع لم تنفعه التوبة الأولى.
والتاسعة المزدارية:
أتباع أبي موسى عيسى بن صبيح المعروف بالمزدار تلميذ بشر بن المعتمر وكان
زاهدًا وقيل له راهب المعتزلة وانفرد بمسائل منها.
قوله أنّ اللّه قادرعلى أن يظلم ويكذب ولا يطعن ذلك في الربوبية وجوّز وقوع
الفعل الواحد من فاعلين على سبيل التولد وزعم أن القرآن مما يقدر عليه وأن
بلاغته وفصاحته لا تعجز الناس بل يقدرون على الإتيان بمثلها وأحسن منها وهو أصل
المعتزلة في القول بخلق القرآن.
وقال: من أجاز رؤية الله بالإبصار بلا كيف فهو كافر والشاكُّ في كفره كافر
أيضًا.
والعاشرة الهشامية:
أتباع هشام بن عمروالفوطيّ الذي يبالغ في القدرولا ينسب إلىاللّه فعلًا من
الأفعال حتى أنه أنكر أن يكون اللّه هوالذي ألف بين قلوب المؤمنين وأنه يحب
الإيمان المؤمنين وأنه أضل الكافرين.
وعاند مافي القرآن من ذلك وقال: لا تنعقد الإمامية في زمن الفتنة واختلاف
الناس وأن الجنة والنارغير مخلوقتين.
ومنع أن يُقال حسبنا الله ونعم الوكيل وقال لأن الوكيل دون الموكل وقال: لو
أسبغ أحد الوضوء ودخل فيه الصلاة بنّية القربة لله تعالى والعزم على إتمامها
وركع وسجد مخلصًا في ذلك كله إلاّ أنّ اللّه علم أنه يقطعها في اَخرها فإن أوّل
صلاته معصية.
ومنع أن يكون البحر انفلق لموسى وأن عصاه انقلبت حية وأن عيسى أحيى الموتى بإذن
الله وأن القمر انشق للنبي وأنكر كثيرًا من الأمور التي تواترت كحصر عثمان بن
عفان رضي اللّه عنه وقتله بالغلبة.
وقال: إنما جاءته شرذمة قليلة تشكو عمّاله ودخلواعليه وقتلوه فلايدري
قاتله.
وقال: إنّ طلحة والزبير وعليّ بن أبي طالب رضي اللّه عنهم ما جاؤا للقتال في
حرب الجمل وإنما برزوا للمشاورة وتقاتل أتباع الفريقين في ناحية أخرى وأن
الأمّة إذا اجتمعت كلها وتركت الظلم والفساد احتاجت إلى إمام يسوسها فأما إذا
عصت وفجرت وقتلت واليها فلا تنعقد الإمامة لأحد وبنى على ذلك أنّ إمامة عليّ
رضي اللّه عنه لم تنعقد لأنها كانت في حال الفتنة بعد قتل عثمان وهو أيضًا مذهب
الأصم وواصل بن عطاء وعمرو بن عبيد وأنكرافتضاض الأبكار في الجنة وأنكر أن
الشيطان يدخل في الإنسان وإنما يوسوس له من خارج واللّه يوصل وسوسته إلى قلب
ابن آدم.
وقال: لا يُقال خلق اللّه الكافر لأنه اسم العبد والكفر جميعًا وأنكر أن يكون
في أسماء اللّه الضارّ النافع.
والحادية عشر الحائطية:
اتباع أحمد بن حائط أحد أصحاب إبراهيم بن سيار النظَّام وله بدع شنيعة منها:
أنّ للخلق إلهين أحدهما خالق وهو الله القديم والآخر مخلوق وهو عيسى ابن مريم
وزعم أن المسيح ابن اللّه وأنه هو الذي يحاسب الخلق في الآخرة وأنه هو المعنيّ
بقول اللّه تعالى في القرآن: " أهل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من
الغمام " وزعم في قول النبيّ: " إن اللّه خلق آدم على صورته " أن معناه
خلقه إياه على صورة نفسه.
وأن معنى قوله عليه السلام: " إنكم سترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر
" إنما أراد به عيسى وزعم أن في الدواب والطيور والحشرات حتى البق والبعوض
والذباب أنبياء لقول اللّه سبحانه: " وإن من أمّة إلا خلا فيها نذير وقوله
تعالى: " وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلاّ أمم أمثالكم ما
فرّطنا في الكتاب من شيء " ولقول رسول اللّه: " لولا أن الكلاب أمّة من
الأمم لأمرت بقتلها وذهب مع ذلك إلى القول بالتناسخ وزعم أن اللّه ابتدأ الخلق
في الجنة وإنما خرج من خرج منها بالمعصية وطعن في النبيّ من أجل تعدّد نكاحه
وقال: إنّ أبا ذرالغفاريّ أنسك وأزهد منه قبحه اللّه وزعم أنّ كل من نال
خيرًا في الدنيا إنما هو بعمل كان منه ومن ناله مرض أوآفة فبذنب كان منه وزعم
أن روح اللّه تناسخت في الأئمة.
والثانية عشرالحمارية:
أتباع قوم من معتزلة عسكرمكرم ومن مذهبهم أن الممسوخ إنسان كافر معتقد الكفر
وأن النظر أوجب المعرفة وهو لا فاعل له وكذلك الجماع أوجب الولد فشكّ في خالق
الولد وأنّ الإنسان يخلق أنواعًا من الحيوانات بطريق التعفين وزعموا أنه يجوز
أن يقدر اللّه العبد على خلق الحياة والقدرة.
والثالثة عشر المعمرية:
أتباع معمر بن عباد في رفع الصفات والقدرة بالجملة وانفرد بمسائل منها: أنّ
الإنسان يدبر الجسد وليس بحال فيه والإنسان عنده ليس بطويل ولاعريض ولاذي لون
وتأليف وحركة ولا حال ولا متمكن وأنّ الإنسان شيء غير هذا الجسد وهوحي عالم
قادر مختار وليس هو بمتحرّك ولاساكن.
ولا متلوّن ولايرى ولا يلمس ولا يحلّ موضعًاولا يحويه مكان فوصف الإنسان بوصف
الإلهية عنده فإن مدبر العالم موصوف عنده كذلك وزعم أن الإنسان منعم في الحياة
وموزر في النار وليس هو في الجنة ولا في النار حالًاولامتمكنًا.
وقال: أنّ الله لم يخلق غير الأجسام والأعراض تابعة لها متولدة منها وأنّ
الأعراض لا تتناهى في كل نوع وأنّ الإرادة من الله للشيء غير اللّه وغير خلقه
وأنّ اللّه ليس بقديم لأنّ ذلك أخذ من قدم يقدم فهو قديم.
والرابعة عشر الثمامية:
أتباع ثمامة بن أشرس النميريّ وجمع بين النقائض وقال: العلوم كلها ضرورية فكل
من لم يضطرّ إلى معرفة الله فليس بمأمور بها وهو كالبهائم ونحوها وزعم أن
اليهود والنصارى والزنادقة يصيرون يوم القيامة ترابًا كالبهائم لا نواب لهم ولا
عقاب عليهم البتة لأنهم غير مأمورين إذهم غير مضطّرين إلى معرفة اللّه تعالى
وزعم أن الأفعال كلها متولدة لا فاعل لها وأنّ الاستطاعة هي السلامة وصحة
الجوارح وأن العقل هوالذي يحسن ويقبح تجب معرفة الله قبل ورود الشرع وأن لا فعل
للإنسان إلاّ الإرادة وماعداها فهو حدث.
والخامسة عشر الجاحظية:
أتباع أبي عثمان عمرو بن بحر الجاحظ وله مسائل تميزبها عن أصحابه منها: أن
المعارف كلها ضرورية وليس شيء من ذلك من أفعال العباد وإنما هي طبيعية وليس
للعباد كسب سوى الإرادة وأنّ العباد لا يخلدون في النار بل يصيرون من طبيعتها
وأنّ الله لا يدخل أحدًا النار وإنما النارتجذب أهلها بنفسها وطبيعتها وأن
القرآن المنزل من قبيل الأجساد ويمكن أن يصير مرّة رجلاَ ومرّة حيوانًا وأن
اللّه لا يريد المعاصي وأنه لا يُرى وأن الله يريد بمعنى أنه لا يغلط ولا يصح
في حقه السهو فقط وأنه يستحيل العدم على الجواهر من الإجسام.
والسادسة عشر الخياطية:
أصحاب أبي الحسين بن أبي عمرو الخياط شيخ أبي القاسم الكعبيّ من معتزلة بغداد
زعم أن المعدوم شيء وأنه في العدم جسم إن كان في حدوثه جسمًا وعرضي إن كان في
حدوثه عَرَضًا.
والسابعة عشر الكعبية:
أتباع أبي القاسم عبد اللّه بن أحمد بن محمود البلخيّ المعروف بالكعبي من
معتزلة بغداد انفرد بأشياء منها: أن إرادة الله ليست صفة قائمة بذاته ولاهو
مدبر لذاته ولا إرادته حادثة في محل وإنما يرجع ذلك إلى العلم فقط والسمع
والبصريرجع إلى ذلك أيضًا وأنكر الرؤية وقال: إذا قلنا أنه يرى المرئيات
فإنما ذلك يرجع إلى علمه بها وتمييزها قبل أن يوجد.
والثامنة عشر الجبائية:
أتباع أبي عليّ محمد بن عبد الوهاب الجبائي من معتزلة البصرة تفرد بمقالات
منها.
أنّ الله تعالى يُسمى مطيعًا للعبد إذا فعل ما أراد العبد منه وأن الله محبل
للنساء بخلق الولد فيهن وأن كلام الله عرض يوجد في أمكنة كثيرة وفي مكان بعد
مكان من غير أن يُعدم من مكانه الأوّل ثم يحدث في الثاني وكان يقف في فضل علي
على أبي بكر وفضل أبي بكر على عليّ ومع ذلك يقول إنّ أبا بكر خير من عمر وعثمان
ولا يقول أن عليًا خير من عمر وعثمان.
والتاسعة عشرة البهشمية:
أتباع أبي هاشم عبد السلام بن أبي عليّ الجبائي انفرد ببدع في مقالاته منها
القول باستحقاق الذم من غير ذنب وزعم أن القادر منا يجوز أن يخلو عن الفعل
والترك وأن القادر المأمور المنهي إذا لم يفعل فعلًا ولا ترك يكون عاصيًامستحق
العقاب والذم لاعلى الفعل لأنه لم يفعل ما أمر به وأن الله يعذب الكافرين
والعصاة لا على فعل مكتسب ولاعلى محدث منه.
وقال: التوبة لا تصح من قبيح مع الإصرار على قبيح آخر يعلمه أويعتقده قبيحًا
وإن كان حسنًا وأنّ التوبة لا تصح مع الإصرار على منع حسنة واجبة عليه وأن توبة
الزاني بعد ضعفه عن الجماع لا تصح وزعم أن الطهارة غير واجبة وإنما أمر العبد
بالصلاة في حال كونه متطهرًا وأن الطهارة تجزيء بالماء المغصوب ولا تجزيء
الصلاة في الأرض المغصوبة وزعم أن الزنج والترك والهنود قادرون على أن يأتوا
بمثل هذا القرآن وقال أبو عليّ وابنه أبو هاشم: الإيمان هو الطاعات
المفروضة.
والفرقة العشرون من المعتزلة الشيطانية:
أتباع محمد بن نعمان المعروف بشيطان الطاق وهو من الروافض شارك كلًامن المعتزلة
والروافض في بدعهم وقلما يوجد معتزليّ إلاّ وهورافضيّ إلاّ قليلًا منهم انفرد
بطامة وهي أنّ الله لا يعلم الشيء إلاّ قدّره وأراده وأما قبل تقديره فيستحيل
أن يعلّمه ولو كان عالمًا بأفعال عباده لاستحال أن يمتحنهم ويختبرهم وللمعتزلة
إسام منهاالثنوية سموا بذلك لقولهم الخيرمن اللّه والشرّمن العبد ومنهم
الكيسانية والناكتية والأحمدية والوهمية والبترية والواسطية والواردية.
سموا بذلك لقولهم لا يدخل المؤمنون النار وإنما يردون عليها.
ومن أدخل النار لا يخرج منها قط ومنهم الحرقية.
لقولهم الكفارلا تحرق إلامرة والمفنية القائلون بفناء الجنة والنار.
والواقفية القائلون بالوقف في خلق القرآن.
ومنهم اللفظية القائلون ألفاظ القراَن غيرمخلوفة.
والملتزقة القائلون الله بكل مكان.
والقبرية القائلون بإنكارعذاب القبر.
الفرقة الثانية المشبهة:
وهم يغلون في إثبات صفات الله تعالى ضدّ المعتزلة وهم سبع فرق: الهاشمية:
أتباع هشام بن الحكم ويقال لهم أيضًا الحكمية من قولهم الإله تعالى كنور
السبيكة الصافية يتلألأ من جوانبه ويرمون مقاتل بن سليمان بأنه قال: هو لحم
ودم على صورة الإنسان وهو طويل عريض عميق وأن طوله مثل عرضه وعرضه مثل عمقه
وهوذولون وطعم ورائحة وهو سبعة أشبار يشبر نفسه ولم يصح هذا القول عن مقاتل.
والجولقية: أتباع هشام بن سالم الجوالقيّ وهومن الرافضة أيضًا ومن شنيع قوله
أن الله تعالى على صورة الإنسان نصفه الأعلى موّف ونصفه الأسفل مصمت وله شعر
أسود وليس بلحم ودم بل هو نور ساطع وله خمس حواس كحواس الإنسان ويد ورجل وفم
وعيون وأذن وشعر أسود لا الفرج واللحية.
والبيانية: أتباع بيان بن سمعان القائل هوعلى صورة الإنسان ويهلك كله إلاّ
وجهه لظاهر الآية (كلّ شيء هالك إلاّ وجهه).
والمغيرية أتباع مغيرة بن سعيد العجليّ وهو أيضًا من الروافض ومن شنائعه قوله
أن أعضاء معبودهم على صورة حروف الهجاء فالألف على صورة قدميه وزعم أنه رجل من
نور على رأسه تاج من نور وزعم أن اللّه كتب بإصبعه أعمال العباد من طاعة ومعصية
ونظر فيهما وغضب من معاصيهم فعرق فاجتمع من عرقه بحران عذب ومالح وزعم أنه بكل
مكان لايخلوعنه مكان.
والمنهالية أصحاب منهال بن ميمون.
والزرارية أتباع زرارة بن أعين.
واليونسية أتباع يونس بن عبد الرحمن القميّ وكلهم من الروافض وسيأتي ذكرهم إن
شاء اللّه تعالى ومنهم أيضًا السابية والشاكية والعملية والمستثنية والبدعية
والعشرية والأتربة ومنهم الكرّامية أتباع محمد بن كرّام السجستانيّ وهم طوائف
الهيضمية والإسحاقية والجندية وغيرذلك إلا أنهم يعدّون فرقة واحدة لأنّ بعضهم
لا يكفر بعضًا وكلهم مجسمة إلاّ أن فيهم من قال: هو قائم بنفسه ومنهم من قال
هو أجزاء مؤتلفة وله جهات ونهايات ومن قول الكرّامية أن الإيمان هو قول مفرد
وهو قول لا إله إلاّ اللّه وسواء اعتقد أو لا وزعموا أن اللّه جسم وله حدّ
ونهاية من جهة السفل وتجوز عليه ملاقاة الأجسام التي تحته وإنه على العرش
والعرش مماس له وأنه محل الحوادث من القول والإرادة والإدراكات والمرئيات
والمسموعات وأن اللّه لو علم أحدًا من عباده لا يؤمن به لكان خلقُهُ إياهم
عبثًا وأنه يجوز أن يُعزل نبيًا من الأنبياء والرسل ويجوز عندهم على الأنبياء
كل ذنب لا يوجب حدًّا ولا يسقط عدالة وأنه يجب على اللّه تعالى تواتر الرسل
وأنه يجوز أن يكون إمامان في وقت واحد وأن عليًا ومعاوية كانا إمامين في وقت
واحد إلا أن عليًا كان على السنة ومعاوية على خلافها وانفرد ابن كرّام في الفقه
بأشياء منها أنّ المسافر يكفيه من صلاة الخوف تكبيرتان وأجاز الصلاة في ثوب
مستغرق في النجاسة وزعم أن الصلاة والصوم والزكاة والحج وسائر العبادات تصح
بغير نية وتكفي نية الإسلام وأن النية تجب في النوافل وأنه يجوز الخروج من
الصلاة بالأكل والشرب والجماع عمدًا ثم البناء عليها وزعم بعض الكرامية أن لله
علمين أحدهما يعلم به جميع المعلومات والآخر يعلم به العلم الأوّل.
الفرقة الثالثة القدرية:
الغلاة في إثبات القدرة للعبد في إثبات الخلق والإيجاد وأنه لا يحتاج في ذلك
إلى معاونة من جهة اللّه تعالى.
الفرقة الرابعة المجبرة:
الغلاة في نفي استطاعة العبد قبل الفعل وبعده ومعه ونفي الاختيار له ونفي الكسب
وهاتان الفرقتان متضادتان ثم افترقت المجبرة على ثلاث فرق.
الجهمية أتباع جهم بن صفوان الترمذيّ مولى راسب وقتل في آخر دولة بني أميّة وهو
ينفي الصفات الإلهية كلها ويقول لا يجوز أن يوصف الباري تعالى بصفة يوصف بها
خلقه وأن الإنسان لايقدر على شيء ولا يوصف بالقدرة ولا الاستطاعة وأن الجنة
والنار يفنيان وتنقطع حركات أهلهما وأن من عرف الله ولم ينطق بالإيمان لم يكفر
لأن العلم لا يزول بالصمت وهومؤمن مع ذلك.
وقد كفره المعتزلة في نفي الاستطاعة وكفّره أهل السنة بنفي الصفات وخلق القراَن
ونفي الرؤية وانفرد بجوازالخروج على السلطان الجائر وزعم أن علم الله حادث
لابصفة يوصف بها غيره.
والبكرية: أتباع بكر ابن أخت عبد الواحد وهو يوافق النظَام في أن الإنسان هو
الروح ويزعم أن الباري تعالى يرى في القيامة في صورة يخلقها ويكلم الناس منها
وأن صاحب الكبيرة منافق في الدرك الأسفل من النار وحاله أسوأ من حال الكافر
وحرّم أكل الثوم والبصل وأوجب الوضوء من قرقرة البطن.
والضرارية: أتباع ضرار بن عمر وانفرد بأشياء منها أن اللّه تعالى يرى في
القيامة بحاسة زائدة سادسة وأنكر قراءة ابن مسعود وشك في دين عامّة المسلمين
وقال لعلهم كفار وزعم أن الجسم أعراض مجتمعة كما قالت النجاريه ومن جملة
المجبرة.
البطيخية: أتباع إسماعيل البطيخيّ.
والصباحية: أتباع أبي صباح بن معمر.
والفكرية والخوفية.
الفرقة الخامسة المرجئة:
الإرجاء إما مشتق من الرجاء لأنّ المرجئة يرجون لأصحاب المعاصي الثواب من الله
تعالى فيقولون لايضرمع الإيمان معصية كماأنه لاينفع مع الكفر طاعة أو يكون
مشتقًا من الإرجاء وهو التأخير لأنهم أخروا حكم أصحاب الكبائرإلى الاَخرة
وحقيقة المرجئة أنهم الغلاة في إثبات الوعدوالرجاء ونفي الوعيد والخوف عن
المؤمنين وهم ثلاثة أصناف: صنف جمعوا بين الرجاء والقدر وهم غيلان وأبوشمرمن
بني حنيفة.
وصنف جمعوا بين الإرجاء والجبر مثل جهم بن صفوان.
وصنف قال بالإرجاء المحض وهم أربع فرق.
اليونسية أتباع يونس بن عمرو وهو غير يونس بن عبد الرحمن القميّ الرافضيِّ زعم
أن الإيمان معرفة الله والخضوع له والمحبة والإقرار بأنه واحد ليس كمثله شيء.
والغسانية: أتباع غسان بن أبان الكوفيّ المنكر نبوّة عيسى عليه السلام وتلمذ
لمحمد بن الحسن الشيبانيّ ومذهبه في الإيمان كمذهب يونس إلاّ أنه يقول كل خصلة
من خصال الإيمان تسمى بعض الإيمان ويونس يقول كل خصلة ليست بإيمان ولابعض إيمان
وزعم غسان أن الإيمان لا يزيد ولا ينقص وعند أبي حنيفة رحمه الله الإيمان معرفة
بالقلب وإقرارباللسان فلا يزيد ولا ينقص كقرص الشمس.
والثوبانيهّ أتباع ثوبان المرجي.
ثم الخارجي المعتزلي وكان يقال له جامع النقائص هاجر الخصائص ومن قوله الإيمان
هو المعرفة والإقرار والإيمان فعل ما يجب في العقل فعله فأوجب الإيمان بالعقل
قبل ورود الشرع وفارق الغسانية واليونسية في ذلك.
والتؤمنية: أتباع أبي معاذ التؤمنيّ الفيلسوف زعم أن من ترك فريضة لا يقال له
فاسق على الإطلاق ولكن ترك الفريضة فسق وزعم أن هذه الخصال التي تكون جملتها
إيمانًا فواحدة ليست بإيمان ولابعض إيمان وأن من قتل نبيًا كفر لا لأجل القتل
بل لاستخفافه به وبغضه له.
ومن فرق المرجئة المريسية: أتباع بشر بن غياث المريسيّ كان عراقيٌ المذهب في
الفقه تلميذ للقاضي أبي يوسف يعقوب الحضرميّ وقال بنفي الصفات وخلق القرآن
فأكفرته الصفاتية بذلك وزعم أن أفعال العبادمخلوقة لله تعالى ولا استطاعة مع
الفعل فأكفرته المعتزلة بذلك.
وزعم أن الإيمان هو التصديق بالقلب وهو مذهب ابن الربوبدي ولما ناظره الشافعيّ
في مسألة خلق القراَن ونفي الصفات قال له: نصفك كافر لقولك بخلق القرآن.
ونفي الصفات ونصفك مؤمن لقولك بالقضاء والقدروخلق اكتساب العباد.
وبشر معدود من المعتزلة لنفيه الصفات وقوله بخلق القرآن.
ومن فرق المرجئة الصالحية أتباع صالح بن عمرو بن صالح والجحدرية أتباع جحدر بن
محمد التميميّ والزيادية أتباع محمد بن زياد الكوفيّ والشبيبية أتباع محمد بن
شبيب والنقاضية والبهشمية.
ومن المرجئة جماعة من الأئمة كسعيد بن جبير وطلق بن حبيب وعمرو بن مرّة ومحارب
بن دثار وعمرو بن ذر وحماد بن سليمان وأبي مقاتل.
وخالفوا القدرية والخوارج والمرجئة في أنهم لم يكفروا بالكبائر ولا حكموا
بتخليد مرتكبها في النار ولاسبواأحدًا من الصحابة ولا وقعوا فيهم.
وأوّل من وضع الإرجاء أبو محمد الحسن بن محمد المعروف بابن الحنفية بن عليّ بن
أبي طالب وتكلم فيه وصارت المرجئة بعده أربعة أنواع: الأوّل مرجئة الخوارج
الثاني مرجئة القدرية الثالث مرجئة الجبرية الرابع مرجئة الصالحية.
وكان الحسن بن محمد ابن الحنفية يكتب كتبه إلى الأمصار يدعو إلى الإرجاء إلاّ
أنه لم يؤخر العمل عن الإيمان كماقال بعضهم بل قال أداء الطاعات وترك المعاصي
ليس من الإيمان لايزول بزوالها.
وقال ابن قتيبة أوّل من وضع الإرجاء بالبصرة حسان بن بلال بن الحارث المزنيّ
وذكر بعضهم أن أوّل من وضع الأرجاء أبا سلت السمان ومات سنة اثنتين وخمسين
ومائة.
الفرقة السادسة الحرورية:
الغلاة في إثبات الوعيدوالخوف على المؤمنين التخليد في النار مع وجود الإيمان
وهم قوم من النواصب الخوارج وهم مضادّون المرجئة في النفي والإثبات والوعد
والوعيد ومن مفرداتهم أن من ارتكب كبيرة فهو مشرك ومذهب عامّة الخوارج أنه كافر
وليس بمشرك.
وقال بعضهم هو منافق في الدرك الأسفل من النار فعند الحرورية أن الإسم يتغير
بارتكاب الكبيرة الواحدة فلا يَسمى مؤمنًا بل كافرًا مشركًا والحكم فيه أنه
يخلد في النار واتفقوا على أن الإيمان هو اجتناب كل معصية وقيل لهم الحرورية
لأنهم خرجوا إلى حروراء لقتال عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه وعدّتهم اثنا عشر
ألفًا ثم سار علي رضي الله عنه إليهم وناظرهم ثم قاتلهم وهم أربعة آلاف فانضم
إليهم جماعة حتى بلغوا اثني عشر ألفًا.
الفرقة السابعة النجارية:
أتباع الحسن بن محمد بن عبد الله النجار أبي عبد اللّه كان حائكًا وقيل أنه كان
يعمل الموازين وأنه كان من أهل قمّ كان من جملة المجبرة ومتكلميهم وله مع
النظام عدّة مناظرات منها أنه ناظره مرّة فلما لم يلحن بحجته رفسه النظّام وقال
له: قم أخزي الله من ينسبك إلى شيء من العلم والفهم فانصرف محمومًا واعتلّ
حتى مات وهم أكثرمعتزلة الريّ وجهاتها وهم يوافقون أهل السنة في مسألة القضاء
والقمر اكتساب العباد وفي الوعدوالوعيد وإمامة أبي بكررضي اللّه عنه ويوافقون
المعتزلة في نفي الصفات وخلق القرآن وفي الرؤية وهم ثلاث فرق البرغوثية
والزعفرانية والمستمركة.
********
المقريزى المواعظ
والاعتبار في ذكر الخطب والآثار الجزء الرابع ( 150 من 167 ) :
" الفرقة الثامنة الجهمية:
أتباع جهم بن صفوان وهم يوافقون أهل السنة في مسألة القضاء والقدر مع ميل إلى
الجبر وينفون الصفات والرؤية ويقولون بخلق القرآن وهم فرقة عظيمة وعدادهم في
المعطلة المجبرة.
الفرقة التاسعة الروافض:
الغلاة في حب عليّ بن أبي طالب وبغض أبي بكر وعمر وعثمان وعائشة ومعاوية في
اَخرين من الصحابة رضي الله عنهم أجمعين وسموا رافضة لأنّ زيد بن عليّ بن
الحسين بن عليّ بن أبي طالب رضي الله عنهم امتنع من لعن أبي بكر وعمر رضي الله
عنهما وقال: هما وزيرا جدّي محمد فرفضوا رأيه ومنهم من قال لأنهم رفضوا رأي
الصحابة رضي الله عنهم حيث بايعوا أبا بكر وعمر رضي الله عنهما.
وقد اختلف الناس في الإمام بعد رسول الله فذهب الجمهور إلى أنه أبو بكر الصدّيق
رضي الله عنه وقال العباسية والربوبدية أتباع أبي هريرة الربوبديّ وقيل أتباع
أبي العباس الربوبديّ هو العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه لأنه العمّ والوارث
فهو أحق من ابن العم.
وقال العثمانية وبنو أمية هو عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه وذهب آخرون إلى
غير ذلك.
وقال الرافضة هو عليّ بن أبي طالب ثم اختلفوا في الإمامة اختلافًا كثيرًا حتى
بلغت فرقهم ثلاثمائة فرقة والمشهور منها عشرون فرقة.
الزيدية والصباحيهْ أقرّوا إمامة أبي بكر رضي الله عنه ورأوا أنه لا نص في
إمامة عليّ رضي الله عنه واختلفوا في إمامة عثمان رضي الله عنه فأنكرها بعضهم
وأقرّ بعضهم أنه الإمام بعد عمر بن الخطاب رضي الله عنه لكن قالوا عليّ أفضل من
أبي بكر إمامة المفضول جائزة وقال الغلاة هو عليّ بالنص ثم الحسن وبعده الحسين
وصار بعد الحسين الأمر شورى.
وقال بعضهم لم يرد النص إلابإمامة عليّ فقط وقال اَخرون نص على عليّ بالوصف لا
بالعين والاسم.
وقال بعضهم قد جاء النص على إمامة اثني عشر آخرهم المهديّ المنتظر.
وفرقهم العشرون هي:
الإمامية: وهم مختلفون في الإمامة بعد رسول اللّه فزعم أكثرهم أن الإمامة في
عليّ بن أبي طالب وأولاه بنص النبيّ وأن الصحابة كلهم قد ارتدوا إلاعليًا
وابنيه الحسن والحسين وأبا ذرالغفاريّ وسلمان الفارسيّ وطائفة يسيرة.
وأول من تكلم في مذهب الإمامية عليّ بن إسماعيل بن هيثم التمار وكان من أصحاب
عليّ بن أبي طالب وذهبت القطعية منهم إلى أن الإمامة في عليّ ثم في الحسن ثم في
الحسين ثم في عليّ بن الحسين ثم في محمدبن عليّ ثم في جعفربن محمد ثم في موسى
بن جعفر ثم في عليّ بن موسى.
وقطعوا الإمامة عليه فسموا القطعية لذلك ولم يكتبوا إمامة محمد بن موسى ولا
إمامة الحسن بن محمد بن عليّ بن موسى وقالت الناووسية جعفر بن محمد لم يمت وهو
حيّ ينتظر وقالت المباركية أتباع مبارك الإمام بعد جعفر بن محمد ابنه إسماعيل
بن جعفر ثم محمد بن إسماعيل.
وقالت الشميطية أتباع يحيى بن شميط الأحمسي كان مع المختار قائدًا من قوّاده
فأنفذه أميرًا على جيش البصرة يقاتل مصعب بن الزبير فقُتل بالمدار: الإمامة
بعد جعفر في ابنه محمد وأولاده وقالت المعمرية أتباع معمر: الإمامة بعد جعفر
في ابنه عبد اللّه بن جعفر وأولاده.
ويقال لهم الفطحية لأنّ عبداللّه بن جعفر كان أفطح الرجلين.
وقالت الواقفية: الإمام بعدجعفرابنه موسى بن جعفروهو حيّ لم يمت وهو الإمام
المنتظر وسموا الواقفية لوقوفهم على إمامة موسى.
وقالت الزرارية أتباع زرارة بن أعين الإمام: بعد جعفر ابنه عبد اللّه إلاّ
أنّه سأله عن مسائل فلم يمكنه الجواب عنها فادّعى إمامة موسى بن جعفر من
بعدأبيه.
وقالت المفضلية أتباع المفضل بن عمرو: الإمام بعد جعفر ابنه موسى وأنه مات
فانتقلت الإمامة إلىابنه محمدبن موسى.
وقالت المفوّضة من الإمامية: إن اللّه تعالى خلق محمدًاوفوض إليه خلق العالم
وتدبيره.
وقال بعضهم بل فوّض ذلك إلى عليّ بن أبي طالب.
والفرقة الثانية من فرق الروافض: الكيسانية
أتباع كيسان مولى عليّ بن أبي طالب وأخذ عن محمد ابن الحنفية وقيل بل كيسان اسم
المختار بن عبيد الثقفيّ الذي قام لأخذ ثأر الحسين رضي اللّه عنه.
زعموا أن الإمام بعد عليّ ابنه محمد ابن الحنفية لأنه أعطاه الراية يوم الجمل
ولأنّ الحسين أوصى إليه عند خروجه إلى الكوفة ثم اختلفوا في الإمام بعد ابن
الحنفية فقال بعضهم رجع الأمر بعده إلى أولاد الحسن والحسين وقيل بل انتقل إلى
أبي هاشم عبد الله بن محمد ابن الحنفية وقالت الكربية أتباع أبي كرب بأن ابن
الحنفية حيّ لم يمت وهو الإمام المنتظر.
ومن قول الكيسانية أن البدا جائز على اللّه وهو كفر صريح.
والفرقة الثالثة الخطابية:
أتباع أبي الخطاب محمد بن أبي ثور وقيل محمد بن أبي يزيد الأجدع ومذهبه الغلوفي
جعفر بن محمد الصادق وهوأيضًا من المشبهة وأتباعه خمسون فرقة وكلهم متفقون على
أن الأئمة مثل علي وأولاده كلهم أنبياء وأنه لا بدمن رسولين لكلّ أمّة أحدهما
ناطق والآخرصامت فكان محمد ناطقًا وعليّ صامتًا وأن جعفر بن محمدالصادق كان
نبيًا ثم انتقلت النبوّة إلى أبي الخطاب الأجدع وجوّزوا كلهم شهادة الزور
لموافقيهم وزعموا أنهم عالمون بما هوكائن إلى يوم القيامة وقالت المعمرية:
منهم الإمام بعدأبي الخطاب رجل اسمه معمر وزعموا أن الدنيا لا تفنى وأن الجنة
هي ما يصيبه الإنسان من الخير في الدنيا والنارضدّ ذلك وأباحوا شرب الخمر
والزنى وسائر المحرّمات ودانوا بترك الصلاة وقالوا بالتناسخ وأن الناس لا
يموتون وإنما ترفع أرواحهم إلى غيرهم.
وقالت البزيغية منهم: أن جعفر بن محمد إله وليس هوالذي يراه الناس وإنما تشبه
على الناس وزعموا أن كلّ مؤمن يوحى إليه وأنّ منهم من هو خير من جبريل وميكائيل
ومحمد وزعموا أنهم يرون أمواتهم بكرة وعشيًا.
وقالت العميرية منهم أتباع عميربن بيان العجلي مثل ذلك كله وخالفوهم في أن
الناس لا يموتون وافترقت الخطابية بعد قتل أبي الخطاب فرقًا منها فرقة زعمت أن
الإمام بعد أبي الخطاب عمير بن بيان العجليّ ومقالتهم كمقالة البزيغية إلاّ أن
هؤلاء اعترفوا بموتهم ونصبوا خيمة على كناسة الكوفة يجتمعون فيها على عبادة
جعفر الصادق فبلغ ذلك يزيد بن عمير فصلب عميربن بيان في كناسة الكوفة ومن فرقهم
لمفضلية أتباع مفضل الصيرفيّ زعم أن جعفر بن محمد إله فطردر ولعنه وزعمت
الخطابية بأجمعها أن جعفر بن محمد الصادق أودعهم جلدًا يقال له جفر فيه كلّ ما
يحتاجون إليه من علم الغيب وتفسير القرآن وزعموا لعنهم الله أن قوله تعالى:"
إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة " معناه عائشة أمّ المؤمنين رضي اللّه عنها
القائلون بإمامته وإمامة من اجتمع فيه ست خصال العلم والزهد والشجاعة وأن يكون
من أولاد فاطمة الزهراء رضي الله عنها حسنيًا أو حسينيًا ومنهم من زاد صباحة
الوجه وأن لا يكون فيه آفة وهم يوافقون المعتزلة في أصولهم كلها إلا في مسألة
الإمامة وأخذ مذهب زيد بن علي عن واصل بن عطاء وكان يفضل عليًا على أبي بكر
وعمر مع القول بإمامتهما وهم أربع فرق: الجارودية أتباع أبي الجارود ويكنّى
أبا النجم زياد بن المنذر العبديّ زعم أن النبيي نص على إمامة عليّ بالوصف لا
بالتسمية وأن الناس كفروا بتركهم مبايعة عليّ رضي الله عنه والحسن والحسين
وأولادهما.
والجريرية أتباع سليم بن جرير ومن قوله لم يكفر الناس بتركهم مبايعة عليّ بل
أخطأوا بترك الأفضل وهو عليّ وكفُّروا الجارودية بتكفيرهم الصحابة إلا أنهم
كفّروا عثمان بن عفان بالأحداث التي أحدثها وقالوا: لم ينص عليّ على إمامة
أحد وصار الأمرمن بعده شورى ومنهم البترية أتباع الحسن بن صالح بن كثير الأبتر
وقولهم أنّ عليًا أفضل وأولى بالإمامة غير أن أبا بكر كان إمامًا ولم تكن
إمامته خطًا ولاكفرًا بل ترك عليّ الإمامة له وأما عثمان فيتوقف فيه.
ومنهم اليعقوبية أتباع يعقوب وهم يقولون بإمامة أبي بكروعمر ويتبرّؤون ممن
تبرّأ منهما وينكرون رجعة الأموات إلى الدنيا قبل يوم القيامة ويتبرؤون ممن دان
بها إلاّ أنهم متفقون على تفضيل عليّ على أبي بكر وعمر من غير تفسيقهما ولا
تكفيرهما ولا لعنهما ولا الطعن على أحد من الصحابة رضوان اللّه عليهم أجمعين.
والفرقة الخامسة السبائية:
أتباع عبد الله بن سبأ الذي قال شفاهًا لعلي ّبن أبي طالب: أنت الإله وكان من
اليهود.
ويقول في يوشع بن نون مثل قوله ذلك في عليّ وزعم أن عليًا لم يُقتل وأنه حيّ لم
يمت وأنه في السحاب وأن الرعد صوته والبرق سوطه وأنه ينزل إلى الأرض بعد حين.
قبحه الله.
والفرقة السادسة: الكاملية
أتباع أبي كامل اكفر جميع الصحابة بتركهم بيعة عليّ وكفر عليًا بتركه قتالهم
وقال بتناسخ الأنوار الإلهية في الأئمة.
والفرقة السابعة: البيانية
أتباع بيان بن سمعان زعم أن روح الإله حل في الأنبياء ثم في عليّ وبعده في محمد
ابن الحنفية في ابنه أبي هاشم عبد الله بن محمد ثم حل بعد أبي هاشم في بيان بن
سمعان يعني نفسه لعنه اللّه.
والفرفة الثامنة: المغيرية
أتباع مغيرة بن سعيد العجلي مولى خالد بن عبد اللّه طلب الإمامة لنفسه بعدمحمد
بن عبد الله بن الحسن فخرج عّلى خالد بن عبد الله القسريّ بالكوفة في عشرين
رجلًا فعطعطوا به فقّال خالد أطعموني ماء وهو على المنبر فعيربذلك.
والمغيرة هذا قال بالتشبيه الفاحش وادّعى النبوّة وزعم أن معجزته علمه بالإسم
الأعظم وأنه يحيي الموتى وزعم أن الله لما أراد أن يخلق العالم كتب بإصبعه
أعمال عباده فغضب من معاصيهم فعرق فاجتمع من عرقه بحران أحدهما مالح والآخر عذب
فخلق من البحرالعذب الشيعة وخلق الكفرة من البحر الملح وزعم أن المهديّ يخرج
وهو محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب.
والفرقة التاسعة: الهشامية
وهم صنفان: أحدهما أتباع هشام بن الحكم والثاني أتباع هشام الجولقيّ وهما
يقولان لا تجوز المعصية على الإمام وتجوز على الأنبياء وأن محمدًا عصى ربه في
أخذ الفداء من أسرى بدر كَذِبَا لعنهما الله وهما أيضًا مع ذلك من المشبهة.
والفرقة العاشرة: الزرارية
أتباع زرارة بن أعين أحد الغلاة في الرفض ويزعم مع ذلك أن الله تعالى لم يكن في
الأزل عالمًا ولا قادرًا حتى اكتسب لنفسه جميع ذلك.
قبحه الله.
والفرقة الحادية عشر: الجناحية
أتباع عبداللّه بن معاوية في الجناحين بن أبي طالب وزعم أنه إله وأن العلم ينبت
في قلبه كما تنبت الكمأة وأن روح الإله دارت في الأنبياء كما كانت في علي
وأولاده ثم صارت فيه ومذهبهم استحلال الخمر والميتة ونكاح المحارم وأنكروا
القيامة وتأولوا قوله تعالى: " ليس على الذين اَمنوا وعملوا الصالحات جناح
فيما طعموا إذا ما اتقوا واَمنوا وعملوا الصالحات " وزعموا أن كل ما في
القرآن من تحريم الميتة والدم ولحم الخنزير كناية عن قوم يلزم بغضهم مثل أبي
بكر وعمر وعثمان ومعاوية وكل مافي القرآن من الفرائض التي أمر اللّه بها كناية
عمن يلزم موالاتهم مثل علي والحسن والحسين وأولادهم.
والثانية عشر: المنصورية
أتباع أبي منصور العجليّ أحد الغلاة المشبهة زعم أن الإمامة انتقلت إليه بعد
محمد الباقربن عليّ زين العابدين بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب وأنه عرج به
إلى السماء بعد انتقال الإمامة إليه وأن معبوده مسح بيده على رأسه وقال له:
يا بنيّ بلغ عني اَية الكسف الساقط من السماء في قوله تعالى: " وإن يروا
كسفًا من السماء ساقطًا يقولوا سحاب مركوم الآية " وزعم أن أهل الجنة قوم تجب
موالاتهم مثل عليّ بن أبي طالب وأولاده وأن أهل النارقوم تجب معاداتهم مثل أبي
بكر وعمر وعثمان ومعاوية رضي اللّه عنهم.
والثالثة عشر: الغرابية
زعموا لعنهم الله أن جبريل أخطأ فإنه أرسل إلى عليّ بن أبي طالب فجاء إلى محمد
وجعلوا شعارهم إذا اجتمعواأن يقولوا: العنوا صاحب الريش يعنون جبريل عليه
السلام وعليهم اللعنة.
والرابعة عشر: الذَمية
بفتح الذال المعجمة زعموا أخزاهم الله أن عليّ بن أبي طالب بعثه اللّه نبيًا
وأنه بعث محمدًا ليظهرأمره فادّعى النبوة لنفسه وأرضى عليًا بأن زوّجه ابنته
وموّله ومنهم العليانية: أتباع عليان بن ذراع السدوسيّ وقيل الأسديّ كان يفضل
عليًا على النبيّ ويزعم أن عليًا بعث محمدًا وكان لعنه اللّه يذم النبي لزعمه
أن محمدًا بُعث ليدعو إلى عليّ فدعا إلى نفسه ومن العليانية من يقول بإلهية
محمد وعليّ جميعًا ويقدّمون محمدًا في الإلهية ويقال لهم الميمية ومنهم من قال
بإلهية خمسة وهم أصحاب الكساء محمد وعليّ وفاطمة والحسن والحسين وقالوا خمستهم
شيء واحد والروح حالة فيهم بالسوية لافضل لواحد منهم على الاَخر وكرهوا أن
يقولوا فاطمة بالهاء فقالوا توليت بعد اللّه في الدين خمسة نبيًا وسبطيه وشيخًا
وفاطما.
والخامسة عشر: اليونسية
ظأتباع يونس بن عبد اللّه القميّ أحد الغلاة المشبهة.
والسادسة عشر: الرزامية
أتباع رزام بن سابق زعم أن الإمامة انتقلت بعد عليّ بن أبي طالب إلى ابنه محمد
ابن الحنفية ثم إلى ابنه أبي هاشم ثم إلى عليّ بن عبد اللّه بن عباس بالوصية ثم
إلى ابنه محمد بن عليّ فأوصى بها محمد إلى أبي العباس عبد اللّه بن محمد السفاح
الظالم المتردّد في المذاهب الجاهل بحقوق أهل البيت.
والسابعة عشر: الشيطانية
أتباع محمد بن النعمان شيطان الطاق وقد شارك المعتزلة والرافضة في جميع مذهبهم
وانفرد بأعظم الكفر قاتله اللّه وهو أنه زعم أن اللّه لا يعلم الشيء حتى يقدره
وقبل ذلك يستحيل علمه.
والثامنة عشر: البسلمية
وهم من الراوندية زعموا أن الإمامة بعد رسول اللّه صارت في عليّ وأولاده الحسن
والحسين ومحمد ابن الحنفية ثم في أبي هاشم عبد الله بن محمد ابن الحنفية
وانتقلت منه إلى عليّ بن عبد اللّه بن عباس بوصيته إليه ثم إلى أبي العباس
السفاح ثم إلى أبي سلمة صاحب دولة بني العباس وقام بناحية كش فيما وراء النهر
رجل من أهل مرو أعور يقال له هاشم ادّعى أن أبا سلمة كان إلهًا انتقل إليه روح
الله ثم انتقل إليه بعده فانتشرت دعوته هناك واحتجب عن أصحابه واتخذ له وجهًا
من ذهب فعرف بالمصيغ ثم إن أصحابه طلبوا رؤيته فوعدهم أن يريهم نفسه إن لم
يحترقوا وعمل تجاه مرآه مرآة محرقة تعكس شعاع الشمس فلما دخلوا عليه احترق
بعضهم ورجع الباقون وقد فتنوا واعتقدوا أنه إله لا تدركه الأبصار ونادوا في
حروبهم بإلهيته.
والتاسعة عشر: الجعفرية
والعشرون: الصباحية
وهم والزيدية أمثل الشيعة فإنهم يقولون بإمامة أبي بكر وأنه لا نص في إمامة علي
مع أنه عندهم أفضل وأبو بكر مفضول.
ومن فرق الروافض الخلوية والشاعية والشريكية يزعمون أن عليًا شريك محمد.
والتناسخية القائلون أن الأرواح تتناسخ واللاعنة والمخطئة الذين يزعمون أن
جبريل أخطأ والإسحاقية والخلفية الذين يقولون لاتجوزالصلاة خلف غير الإمام.
والرجعية القائلون سيرجع عليّ بن أبي طالب وينتقم من أعدائه.
والمتربصية الذين يتربصون خروج المهدي والأمرية والجبية والجلالية والكريبية
أتباع أبي كريب الضرير.
والحزنية أتباع عبد اللّه بن عمرو الحزنيّ.
الفرقة العاشرة الخوارج:
ويقال لهم النواصب والحرورية نسبة إلى حروراء موضع خرج فيه أوّلهم على عليّ رضي
الله عنه وهم الغلاة في حب أبي بكر وعمر وبغض عليّ بن أبي طالب رضوان اللّه
عليهم أجمعين ولا أجهل منهم فإنهم القاسطون المارقون خرجوا على عليّ رضي اللّه
عنه وانفصلوا عنه بالجملة وتبرّؤوا منه ومنهم من صحبه ومنهم من كان في زمنه وهم
جماعة قد دون الناس أخبارهم وهم عشرون فرقة:
الأولى يقال لهم الحكمية
لأنهم خرجوا على عليّ رضي الله عنه في صفين وقالوا لاحكم إلا للّه ولا حكم
للرجال وانحازوا عنه إلى حروراء ثم إلى النهروان وسبب ذلك أنهم حملوه على
التحاكم إلى من حكم بكتاب اللّه فلما رضي بذلك وكانت قضية الحكمين أبي موسى
الأشعريّ وهو عبد الله بن قيس وعمرو بن العاص غضبوا من ذلك ونابذوا عليًا
وقالوا في شعارهم لا حكم إلاّ للّه ولرسوله وكان إمامهم في التحكيم عبد اللّه
بن الكوّاء.
والثانية الأزارقة
أتباع أبي راشد نافع بن الأزرق بن قيس بن نهار بن إنسان بن أسد بن صبرة بن ذهل
بن الدول بن حنيفة الخارج بالبصرة في أيام عبد اللّه بن الزبير وهم على التبرّي
من عثمان وعليّ والطعن عليهما وأن دار مخالفيهم دار كفر وأن من أقام بدار الكفر
فهو كافر وأن أطفال مخالفيهم في النار ويحل قتلهم وأنكروارجم الزاني وقالوا:
من قذف محصنة حدّ ومن قذف محصنًالايحد ويُقطع السارق في القليل والكثير.
والثالثة النجدات
ولم يُقل فيهم النجدية ليُفَرّقَ بينهم وبين من انتسب إلى بلاد نجد فإنهم أتباع
نجد بن عويمر وهو عامر الحنفيّ الخارج باليمامة وكان رأسًا ذا مقالة مفردة
وتسمّى بأمير المؤمنين وبعث عطية بن الأسود إلى سجستان فأظهر مذهبه بمرو فعرفت
أتباعه بالعطوية ومذهبهم أن الدين أمران أحدهما معرفة اللّه تعالى ومعرفة رسوله
وتحريم دماء المسلمين وأموالهم.
والثاني الإقرار بما جاء من عند اللّه تعالى جملة وما سِوى ذلك من التحريم
والتحليل وسائر الشرائع فإن الناس يُعذرون بجهلها وأنه لا يأثم المجتهد إذا
أخطأ وأن من خالف أن يعذب المجتهد فقد كفر واستحلوا دماء أهل الذمّة في دار
التقية وقالوا من نظر نظرة محرّمة أوكذب كذبة أو أصرّ على صغيرة ولم يتب منها
فهو كافر ومن زنى أو سرق أو شرب خمرًا من غيرأن يصرّ على ذلك فهو مؤمن
غيركافر.
والرابعة الصفرية
أتباع زياد بن الأصفر ويُقال أتباع النعمان بن صفر وقيل بل نسبوا إلى عبد اللّه
بن صفار وهو أحد بني مقاعس وهو الحارث بن عمرو بن كعب بن سعد بن زيد مناة بن
تميم بن أّد بن طابخة بن الياس بن مضر بن نزار وقيل عبد الله بن الصفار من بني
صويمر بن مقاعس وقيل سموا بذلك لصفرة علتهم وزعم بعضهم أن الصفرية بكسر الصاد
وقد وافق الصفرية الأزارقة في جميع بدعهم إلاّ في قتل الأطفال ويقال
للصفريةأيضًا الزيادية ويقال لهم أيضًا النكار من أجل أنهم ينقصون نصف عليّ
وثلث عثمان وسدس عاثشة رضي اللّه عنهم.
والخامسة العجاردة
أتباع عبد الكريم بن عجرد.
والسادسة الميمونية
أتباع ميمون بن عمران وهم طائفة من العجاردة وافقوا الأزارقةالإ في شيئين
أحدهما قولهم تجب البراءة من الأطفال حتى يبلغوا ويصفوا الإسلام والثاني
استحلال أموال المخالفين لهم فلم تستحل الميمونية مال أحد خالفهم ما لم يُقتل
المالك فإذا قُتل صار ماله فيئًا إلاّ أنهم ازدادوا كفرًا على كفرهم وأجازوا
نكاح بنات البنات وبنات البنين وبنات أولاد الإخوة وبنات أولاد الأخوات فقط.
والسابعة الشعيبية
وهم طائفة من العجاردة وافقوا الميمونية في جميع بدعهم إلاّ في الاستطاعة
والمشيئة فإن الميمونية مالت إلى القدرية.
والثامنة الحمزية
أتباع حمزة بن أدرك الشاميّ الخارج بخراسان في خلافة هارون بن محمد الرشيد وكثر
عيثه وفساور ثم فض جموع عيسى بن عليّ عامل خراسان وقتل منهم خلقًا كثيرًا
فانهزم منه عيسى إلى كابل وآل أمر حمزة إلى أن غرق في كرمان بواد هناك فعرفت
أصحابه بالحمزية وكان يقول بالقدر فكفرته الأزارقة بذلك وقال أطفال المشركين في
النار فكثرته القدرية بذلك وكان لا يستحل غنائم أعدائه بل يأمر بإحراق جميع ما
يغنمه منهم.
والتاسعة الحازمية
وهم فرقة من العجاردة قالوا في القدر والمشيئة كقول أهل السنة وخالفوا الخوارج
في الولاية والعداوة فقالوا لم يزل الله تعالى محبًا لأوليائه ومبغضًا
لأعدائه.
والعاشرة المعلومية مع المجهولية
تباينا في مسألتين إحداهما قالت المعلومية: من لم يعرف الله تعالى بجميع
أسمائه فهو كافر وقالت المجهولية: لا يكون كافرًا.
والثانية وافقت المعلومية أهل السنة في مسألة القدر والمشيئة والمجهولية وافقت
القدرية في ذلك.
والحادية عشر الصلتية
أتباع عثمان بن أبي الصلت وهم طائفة من العجاردة انفردوا بقولهم: من أسلم
توليناه لكن نتبرّأ من أطفاله لأنه ليس للأطفال إسلام حتى يبلغوا.
والثانية عشر والثالثة عشر الأحسنية والمعبديهَ
وهما فرقتان من الثعالبة أتباع ثعلبة بن عامر وكان ثعلبة هذا مع عبد الكريم بن
عجرد ثم اختلفا في الأطفال.
فقال عبد الكريم: نتبرّأ منهم قبل البلوغ وقال ثعلبة لا نتبرّأ منهم بل نقول
نتولى الصغار.
فلم تزل الثعالبهّ على هذا إلى أن خْرج رجل عُرفْ بالأخنس فقال: نتوقف عن
جميع من في دار التقية إلاّ من عرفنا منه إيمانًا فإنا نتولاه ومن عرفنا منه
كفرًا تبرّأمنه ولايجوز أن نبدأ حدًا بقتال فتبرّأت منه الثعالبة وسموه بالأخنس
لأنه خنس منهم أي رجع عنهم ثم خرجت فرقة من الثعالبة قيل لها المعبدية أتباع
معبد فخالفت الثعالبة في أخذ الزكاة من العبيد والبهائم وكفُّرت كلّ فرقة منهما
الأخرى.
والرابعة عشر الشيبانية
أتباع شيبان بن سلمة الخارج في أيام أبي مسلم الخراسانيّ القائم بدعوة الخلفاء
العباسيين وكان معه.
فتبرّأت منه الثعالبة لمعاونته لأبي مسلم وهو أوّل من أظهر القول بالتشبيه
تعالى الله عن ذلك.
والخامسة عشر الشبيبية
أتباع شبيب بن يزيد بن أبي نعيم الخارج في خلافة عبدالملك بن مروان وصاحب
الحروب العظيمة مع الحجاج بن يوسف الثقفيّ وهم على ما كانت عليه الحكمية الأولى
إلاّ أنهم انفردوا عن الخوارج بجواز إمامة المرأة وخلافتها واستخلف شبيب هذا
أمّه غزالة فدخلت الكوفة وقامت خطيبة وصلت الصبح بالمسجد الجامع فقرأت في
الركعة الأولى بالبقرة وفي الثانية بآل عمران وأخبار شبيب طويلة.
والسادسة عشر الرشيدية:
أتباع رشيد يقال لهم أيضًا العشرية من أجل أنهم كانوا يأخذون نصف العشر مما سقت
الأنهار فقال لهم زيادبن عبدالرحمن يجب فيه العشر فتبرّأت كل فرقة من الأخرى
وكفرتَها بذلك.
والسابعة عشر المكرمية:
تباع أبي المكرم ومن قوله تارك الصلاة كافر وليس كفره لترك الصلاة لكن لجهله
باللّه وكذا قوله في سائر الكبائر.
والثامنة عشر الحفصية:
أتباع حفص بن المقدام أحد أصحاب عبد اللّه بن أباض تفرّدبقوله من عرف الله
تعالى وكفر بما سواه من رسول وغيره فهو كافر وليس بمشرك فأنكر ذلك الإباضية
وقالوا بل هو مشرك.
والتاسعة عشر الإباضية
أتباع عبد اللّه بن أباض من بني مقاعس واسمه الحرث بن عمرو ويقال بل ينسبون إلى
أباض بضم الهمزة وهي قرية بالعرض من اليمامة نزل بها نجد بن عامر وخرج عبد
اللّه بن أباض في أيام مروان وكان من غلاة الحكمة.
والفرقة العشرون اليزيدية
أتباع يزيد بن أبي أنيسة وكان أباضيًا فانفرد ببدعة قبيحة وهي أن اللّه تعالى
سيبعث رسولًا من العجم وينزل عليه كتابًا جملة واحدة ينسخ به شريعة محمد.
ومن فرق الخوارج أيضًا الحارثية والأصومية أتباع يحيى بن أصوم والبيهسية أتباع
أبي البيهس الهيصم بن خالد من بني سعيد بن ضبعة كان في زمن الحجاج وقتل
بالمدينة وصلب واليعقوبية أتباع يعقوب بن عليّ الكوفيّ ومن فرقهم الفضلية أتباع
فضل بن عبداللّه والشمراخية أتباع عبد اللّه بن شمراخ والضحاكية أتباع الضحاك
والخوارج يقال لهم الشراة وأحدهم شاري مشتق من شرى الرجل إذا ألح أو معناه
يستشري بالشرّ أو من قول الخوارج شرينا أنفسنا لدين اللّه فنحن لذلك شراة وقيل
أنه من قولهم شاريته أي لاححته وماريته وقيل شرى الرجل غضبًا إذا استطار غضبًا
وقيل لهم هذا لشدّة غضبهم على المسلمين.
الحال في عقائد أهل الإسلام منذ ابتداء الملة الإسلامية إلى أن انتشر مذهب
الأشعرية
اعلم أن الله تعالى لما بعث من العرب نبيه محمدًا رسولًا إلى الناس جميعًا وصف
لهم ربهم سبحانه وتعالى بما وصف به نفسه الكريمة في كتابه العزيز الذي نزل به
على قلبه الروح الأمين وبما أوحى إليه ربه تعالى فلم يسأله أحد من العرب بأسرهم
قرويهم وبدريهم عن معنى شيء من ذلك كما كانوا يسألونه عن أمر الصلاة والزكاة
والصيام والحج وغير ذلك مما للّه فيه سبحانه أمر ونهي وكما سألوه عن أحوال
القيامة والجنة والنار إذ لو سأله إنسان منهم عن شيء من الصفات الإلهية لنقل
كما نقلت الأحاديث الواردة عنه في أحكام الحلال والحرام وفي الترغيب والترهيب
وأحوال القيامة والملاحم والفتن ونحوذلك مما تضمنته كتب الحديث معاجمها
مسانيدها وجوامعها ومن أمعن النظر في دواوين الحديث النبويّ ووقف على الآثار
السلفية علم أنه لم يرد قط من طريق صحيح ولا سقيم عن أحد من الصحابة رضي الله
عنهم على اختلاف طبقاتهم وكثرة عددهم أنه سأل رسول الله عن معنى شيء مما وصف
الربّ سبحانه به نفسه الكريمة في القرآن الكريم وعلى لسان نبيه محمد بل كلهم
فهموا معنى ذلك وسكتوا عن الكلام في الصفات نعم ولا فرّق أحد منهم بين كونها
صفة ذات أو صفة فعل وإنما أثبتوا له تعالى صفات أزلية من العلم والقدرة والحياة
والإرادة والسمع والبصر والكلام والجلال والإكرام والجود والإنعام والعز
والعظمة وساقوا الكلام سوقًا واحدًا.
وهكذا أثبتوا رضي الله عنهم ما أطلقه اللّه سبحانه على نفسه الكريمة من الوجه
واليد ونحو ذلك مع نفي مماثلة المخلوقين فأثبتوا رضي اللّه عنهم بلا تشبيه
ونزهوا من غير تعطيل ولم يتعرّض مع ذلك أحد منهم إلى تأويل شيء من هذا ورأوا
بأجمعهم إجراء الصفات كما وردت ولم يكن عند أحد منهم ما يستدل به على وحدانية
اللّه تعالى وعلى إثبات نبوّة محمد سوى كتاب الله ولا عرف أحد منهم شيئًا من
الطرق الكلامية ولامسائل الفلسفة فمضى عصر الصحابة رضي الله عنهم على هذا إلى
أن حدث في زمنهم القول بالقدر وأنّ الأمر أنفة أي أن الله تعالى لم يقدّر على
خلقه شيئًا مما هم عليه.
وكان أوّل من قال بالقدر في الإسلام معبد بن خالد الجهنيّ وكان يجالس الحسن بن
الحسين البصريّ فتكلم في القدر بالبصرة وهلك أهل البصرة مسلكه لما رأوا عمرو بن
عبيد ينتحله وأخذ معبد هذا الرأي عن رجل من الأساورة يقال له أبو يونس سنسويه
ويعرف بالإسواري فلما عظمت الفتنة به عذبه الحجاج وصلبه بأمر عبد الملك بن
مروان سنة ثمانين ولما بلغ عبد اللّه بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما مقالة
معبد في القدر تبرّأمن القدرية واقتدى بمعبد في بدعته هذه جماعة وأخذ السلف
رحمهم اللّه في ذمّ القدرية وحذروا منهم كما هو معروف في كتب الحديث وكان عطاء
بن يسار قاضيًا يرى القدر وكان يأتي هو ومعبد الجهنيّ إلى الحسن البصريّ
فيقولان له: إن هؤلاء يسفكون الدماء ويقولون: إنما تجري أعمالنا على قدر
الله فقال: كذب أعداء الله فطعن عليه بهذا ومثله.
وحدث أيضًا في زمن الصحابة رضي اللّه عنهم مذهب الخوارج وصرّحوا بالتكفير
بالذنب والخروج على الإمام وقتاله فناظرهم عبد الله بن عباس رضي اللّه عنهما
فلم يرجعوا إلى الحق وقاتلهم أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب رضي اللّه عنه
وقتل منهم جماعة كما هو معروف في كتب الأخبار ودخل في دعوة الخوارج خلق كثير
ورمى جماعة من أئمة الإسلام بأنهم يذهبون إلى مذهبهم وعُدَّ منهم غير واحد من
رواة الحديث كماهو معروف عند أهله وحدث أيضًا في زمن الصحابة رضي اللّه عنهم
مذهب التشيع لعليّ بن أبي طالب رضي اللّه عنه والغلوّفية فلما بلغه ذلك أنكره
وحرّق بالنارجماعة ممن غلا فيه وأنشد: لمّا رأيتُ الأمرَ أمرًا مُنكَرًا
اَججتُ ناري ودعوتُ قنبرا.
وقام في زمنه رضي الله عنه عبد الله بن وهب بن سبأ المعروف بابن السوداء السبأي
وأحدث القول بوصية رسول اللّه لعليّ بالإمامة من بعده فهو وصيّ رسول اللّه
وخليفته على أمته من بعده بالنص وأحدث القول برجعة عليّ بعد موته إلى الدنيا
وبرجعة رسول الله أيضًا وزعم أنّ عليًا لم يُقتل وأنه حي وأن فيه الجزء الإلهيّ
وأنه هو الذي يجيء في السحاب وأن الرعد صوته والبرق سوطه وأنه لا بدّ أن ينزل
إلى الأرض فيملأها عدلًا كما مُلئت جورًا.
ومن ابن سبأ هذا تشعبت أصناف الغلاة من الرافضة وصاروا يقولون بالوقف يعنون أن
الإمامة موقوفة على أناس معينين كقول الإمامية بأنها في الأئمة الإثني عشر وقول
الإسماعلية بأنها في ولد إسماعيل بن جعفر الصادق وعنه أيضًا أخذوا القول بفيئة
الإمام والقول برجعته بعد الموت إلى الدنيا كما تعتقده الإمامية إلى اليوم في
صاحب السرداب وهو القول بتناسخ الأرواح وعنه أخذوا أيضًا القول بأن الجزء
الإلهيّ يحلّ في الأئمة بعد علي بن أبي طالب وأنهم بذلك استحقوا الإمامة بطريق
الوجوب كما استحق آدم عليه السلام سجود الملائكة وعلى هذا الرأي كان إعتقاد
دعاة الخلفاء الفاطميين ببلاد مصر وابن سبأ هذا هو الذي أثار فتنة أمير
المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه حتى قُتِلَ: كما ذكر في ترجمة ابن سبأ
من كتاب التاريخ الكبير المقفى وكان له عدّة أتباع في عامّة الأمصار وأصحاب
كثيرون في معظم الأقطار فكثرت لذلك الشيعةوصاروا ضدًا للخوارج وما زال امرهم
يقوى وعددهم يكثر.
ثم حدث بعد عصر الصحابة رضي الله عنهم مذهب جهم بن صفوان ببلاد المشرق فعظمت
الفتنة به.
فإنه نفى أن يكون لله تعالى صفة وأورد على أهل الإسلام شكوكًا أثر في الملة
الإسلامية آثارًا قبيحة تولد عنها بلاء كبير.
وكان قبيل المائة من سني الهجرة فكثر أتباعه على أقواله التي تؤول إلى التعطيل
فأكبر أهل الإسلام بدعته وتمالؤا على إنكارها وتضليل أهلها.
وحذروا من الجهمية وعادوهم في اللّه وذمّوا من جلس إليهم وكتبوا في الردّ عليهم
ما هو معروف عند أهله وفي أثناء ذلك حدث مذهب الإعتزال منذ زمن الحسن بن الحسين
البصريّ رحمه اللّه بعد المائتين من سني الهجرة وصنفوا فيه مسائل في العدل
والتوحيد وإثبات أفعال العباد وأن الله تعالى لا يخلق الشرّ وجهلوا بأن اللّه
لا يُرى في الآخرة وأنكروا عذاب القبر على البدن وأعلنوا بأن القرآن مخلوق محدث
إلى غير ذلك من مسائلهم فتبعهم خلائق في بدعهم وأكثروا من التصنيف في نصرة
مذهبهم بالطرق الجدلية فنهى أئمة الإسلام عن مذهبهم وذمّوا علم الكلام وهجروا
من ينتحله ولم يزل أمر المعتزلة يقوى وأتباعهم تكثر ومذهبهم ينتشر في الأرض.
ثم حدث مذهب التجسيم المضادّ لمذهب الإعتزال فظهر محمد بن كرّام بن عراق بن
حزابة أبو عبد اللّه السجستانيّ زعيم الطائفة الكرّامية بعد المائتين من سني
الهجرة وأثبت الصفات حتى انتهى فيها إلى التجسيم والتشبيه وحج وقدم الشام ومات
بزغرة في صفر سنة ست وخمسين ومائتين فدفن بالمقدس وكان هناك من أصحابه زيادة
على عشرين ألفًا على التعبد والتقشف سوى من كان منهم ببلاد المشرق وهم لا يحصون
لكثرتهم وكان إمامًا لطائفتي الشافعية والحنفية وكانت بين الكرّامية بالمشرق
وبين المعتزلة مناظرات ومناكرات وفتن كثيرة متعدّدة أزماتها.
هذا وأمر الشيعة يفشو في الناس حتى حدث مذهب القرامطة المنسوبين إلى حمدان
الأشعث المعروف بقرمط من أجل قصر قامته وقصر رجليه وتقارب خطوه وكان ابتداء أمر
قرمط هذا في سنة أربع وستين ومائتين وكان ظهوره بسواد الكوفة فاشتهر مذهبه
بالعراق وقام من القرامطة ببلاد الشام صاحب الحال والمدّثر والمطوّق وقام
بالبحرين منهم أبو سعيد الجنابيّ من أهل جنابة وعظمت دولته ودولة بنيه من بعده
حتى أوقعوا بعساكر بغداد وأخافوا خلفاء بني العباس وفرضوا الأموال التي تحمل
إليهم في كل سنة على أهل بغداد وخراسان والشام ومصر واليمن وغزوا بغداد والشام
ومصر والحجاز وانتشرت دعاتهم بأقطار الأرض فدخل جماعات من الناس في دعوتهم
ومالوا إلى قولهم الذي سموه علم الباطن وهو تأويل شرائع الإسلام وصرفها عن
ظواهرها إلى أمور زعموها من عند أنفسهم وتأويل آيات القرآن ودعوا هم فيها
تأويلًا بعيدًا انتحلوا القول به بدعًا ابتدعوها بأهوائهم فضلوا وأضلوا عالمًا
كثيرًا.
هذا وقد كان المأمون عبد اللّه بن هارون الرشيد سابع خلفاء بني العباس ببغداد
لماشُغِفَ بالعلوم القديمة.
بعث إلى بلاد الروم من عرّب له كتب الفلاسفة وأتاه بها في أعوام بضع عشرة سنة
ومائتين من سني الهجرة فانتشرت مذاهب الفلاسفة في الناس واشتهرت كتبهم بعامة
الأمصار وأقبلت المعتزلة والقرامطة والجهمية وغيرهم عليها وأكثروا من النظر
فيها والتصفح لها فانجرّ على الإسلام وأهله من علوم الفلاسفة ما لا يوصف من
البلاء والمحنة في الدين وعظم بالفلسفة ضلال أهل البدع وزادتهم كفرًا إلى
كفرهم.
فلما قامت دولة بني بويه ببغداد في سنة أربع وثلاثين وثلاثمائة واستمرّوا إلى
سنة سبع وثلاثين وأربعمائة وأظهروا مذهب التشيع قويت بهم الشيعة وكتبوا على
أبواب المساجد في سنة إحدى وخمسين وثلاثمائة لعن اللّه معاوية بن أبي سفيان
ولعن من أغضب فاطمة ومن منع الحسن أن يُدفن عند جدّه ومن نفى أبا ذر الغفاريّ
ومن أخرج العباس من الشورى.
فلما كان الليل حكه بعض الناس فأشار الوزير المهلبيّ أن يُكتب بإذن معز الدولة
لعن اللّه الظالمين لأهل البيت ولا يُذكر أحد في اللعن غير معاوية.
ففُعل ذلك وكثُرت ببغداد الفتن بين الشيعة والسنية وجهر الشيعة في الأذان بحيّ
على خير العمل في الكرخ وفشا مذهب الإعتزال بالعراق وخراسان وما وراء النهر
وذهب إليه جماعة من مشاهير الفقهاء وقوى مع ذلك أمرالخلفاء الفاطميين بأفريقية
وبلاد المغرب وجهروا بمذهب الإسماعيلية وبثوا دعاتهم بأرض مصر فاستجاب لهم خلق
كثير من أهلها ثم ملكوها سنة ثمان وخمسين وثلاثمائة وبعثوا بعساكرهم إلى الشام
فانتشرت مذاهب الرافضة في عامة بلاد المغرب ومصر والشام وديار بكر والكوفة
والبصرة وبغداد وجميع العراق وبلاد خراسان وما وراء النهر مع بلاد الحجاز
واليمن والبحرين وكانت بينهم وبين أهل السنة من الفتن والحروب والمقاتل ما لا
يمكن حصره لكثرته واشتهرت مذاهب الفرق من القدرية والجهمية والمعتزلة
والكرّامية والخوارج والروافض والقرامطة والباطنية حتى ملأت الأرض وما منهم
إلاّ من نظر في الفلسفة وسلك من طرقها ما وقع عليه اختياره فلم تبق مصرمن
الأمصارولا قطر من الأقطار إلا وفيه طوائف كثيرة ممن ذكرنا.
الأشعرية
وكان أبو الحسن عليّ بن إسماعيل الأشعريّ قد أخذ عن أبي عليّ محمد بن عبد
الوهاب الجبائيّ ولازمه عدّة أعوام ثم بدا له فترك مذهب الإعتزال وسلك طريق أبي
محمد عبد اللّه بن محمد بن سعيد بن كلاب ونسج على قوانينه في الصفات والقدر
وقال بالفاعل المختار وترك القول بالتحسين والتقبيح العقليين وما قيل في مسائل
الصلاح والأصلح وأثبت أن العقل لا يوجب المعارف قبل الشرع وأن العلوم وإن حصلت
بالعقل فلا تجب به ولا يجب البحث عنها إلاّ بالسمع وأن اللّه تعالى لا يجب عليه
شيء وأن النبوّات من الجائزات العقلية والواجبات السمعية إلى غير ذلك من مسائله
التي هي موضوع أصول الدين.
وحقيقة مذهب الأشعريّ: رحمه الله أنه سلك طريقًا بين النفي الذي هو مذهب
الإعتزال وبين الإثبات الذي هو مذهب أهل التجسيم وناظر على قوله هذا واحتج
لمذهبه فمال إليه جماعة وعوّلوا على رأيه منهم القاضي أبو بكر محمد بن الطيب
الباقلانيّ المالكيّ وأبو بكر محمد بن الحسن بن فورك والشيخ أبو إسحاق إبراهيم
بن محمد بن مهران الأسفرايني والشيخ أبو إسحاق إبراهيم بن عليّ بن يوسف
الشيرازيّ والشيخ أبو حامد محمد بن محمد بن أحمد الغزاليّ وأبو الفتح محمد بن
عبد الكريم بن أحمد الشهرستانيّ والإمام فخر الدين محمد بن عمر بن الحسين
الرازيّ وغيرهم ممن يطول ذكره ونصروا مذهبه وناظروا عليه وجادلوا فيه واستدلوا
له في مصنفات لا تكاد تحصر فانتشر مذهب أبي الحسن الأشعريّ في العراق من نحو
سنة ثمانين وثلاثمائة وانتقل منه إلى الشام فلما ملك السلطان الملك الناصر صلاح
الدين يوسف بن أيوب ديار مصر كان هو وقاضيه صدر الدين عبد الملك بن عيسى بن
درباس المارانيّ على هذا المذهب قد نشآ عليه منذ كانا في خدمة السلطان الملك
العادل نور الدين محمود بن زنكي بدمشق وحفظ صلاح الدين في صباه عقيدة ألفها له
قطب الدين أبو المعالي مسعود بن محمد بن مسعود النيسابوري وصار يحفظها صغار
أولاده فلذلك عقدوا الخناصر وشدّوا البنان على مذهب الأشعري وحملوا في أيام
مواليهم كافة الناس على التزامه فتمادى الحال على ذلك جميع أيام الملوك من بني
أيوب ثم في أيام مواليهم الملوك من الأتراك واتفق مع ذلك توجه أبي عبد الله
محمد بن تومرت أحد رجالات المغرب إلى العراق وأخذ عن أبي حامد الغزاليّ مذهب
الأشعريّ فلما عاد إلى بلاد المغرب وقّام في المصامدة يفقههم ويعلمهم وضع لهم
عقيدة لقفها عنه عامّتهم ثم مات فخلفه بعد موته عبد المؤمن بن عليّ الميسيّ
وتلقب بأمير المؤمنين وغلب على ممالك المغرب هو وأولاده من بعدمدّة سنين وتسموا
بالموحدين فلذلك صارتّ دولة الموحدين ببلاد المغرب تستبيح دماء من خالف عقيدة
ابن تومرت إذ هو عندهم الإمام المعلوم المهديّ المعصوم فكم أراقوا بسبب ذلك من
دماء خلائق لا يحصيها إلاّ اللّه خالقها سبحانه وتعالى كما هو معروف في كتب
التاريخ فكان هذا هو السبب في اشتهار مذهب الأشعريّ وانتشاره في أمصار الإسلام
بحيث نُسي غيره من المذاهب وجهل حتى لم يبق اليوم مذهب يخالفه إلاّ أن يكون
مذهب الحنابلة أتباع الإمام أبي عبد اللّه أحمد بن محمد بن حنبل رضي اللّه عنه
فإنهم كانوا على ماكان عليه السلف لايرون تأويل ماورد من الصفات إلى أن كان بعد
السبعمائة من سني الهجرة اشتهر بدمشق وأعمالها تقي الدين أبو العباس أحمد بن
عبد الحكم بن عبد السلام بن تيمية الحرّانيّ فتصدّى للانتصار لمذهب السلف وبالغ
في الردّ على مذهب الأشاعرة وصدع بالنكير عليهم وعلى الرافضة وعلى الصوفية
فافترق الناس فيه فريقان فريق يقتدي به ويعوّل على أقواله ويعمل برأيه ويرى أنه
شيخ الإسلام وأجل حفاظ أهل الملّة الإسلامية.
وفريق يبدّعه ويضلله ويزري عليه بإثباته الصفات وينتقد عليه مسائل منها ما له
فيه سلف ومنها ما زعموا أنه خرق فيه الإجماع ولم يكن له فيه سلف وكانت له ولهم
خطوب كثيرة وحسابه وحسابهم على اللّه الذي لا يُخفى عليه شيء في الأرض ولا في
السماء وله إلى وقتنا هذا عدّة أتباع بالشام وقليل بمصر.
هذا وبين الأشاعرة والماتريدية أتباع أبي منصورمحمد بن محمد بن محمود الماتريدي
وهم طائفة الفقهاء الحنفية مقلدو الإمام أبي حنيفة النعمان بن ثابت وصاحبيه أبي
يوسف يعقوب بن إبراهيم الحضرميّ ومحمدبن الحسن الشيبانيّ رضي اللّه عنهم من
الخلاف في العقائد ما هو مشهور في موضعه وهو إذ تتبع يبلغ بضع عشرة مسألة كان
بسببها في أوّل الأمر تباين وتنافر وقَدَحَ كل منهم في عقيدة الآخر إلاّ أن
الأمرآل آخِرًا إلى الإغضاء وللّه الحمد.
فهذا أعز اللّه بيان ما كانت عليه عقائد الأمّة من ابتداء الأمر إلى وقتنا هذا
قد فصَّلت فيه ما أجمله أهل الأخبار وأجملت ما فصلوا فدونك طالب العلم تناول ما
قد بذلت فيه جهدي وأطلت بسببه سهري وكدّي في تصفح دواوين الإسلام وكتب الأخبار
فقد وصل إليك صفوًا ونلته عفوًا بلا تكلف مشقة ولا بذل مجهول ولكن اللّه يمنّ
على من يشاء من عباده أبو الحسن عليّ بن إسماعيل بن أبي بشر إسحاق بن سالم بن
إسماعيل بن عبداللّه بن موسى بن بلال بن أبي بردة عامربن أبي موسى واسمه عبد
اللّه بن قيس الأشعريّ البصري ولد سنة ست وستين ومائتين وقيل سنة سبعين وتوفي
ببغداد سنة بضع وثلاثين وثلاثمائة وقيل سنة أربع وعشرين وثلاثمائة سمع زكريا
الساجي وأبا خليفة الجمحيّ وسهل بن نوح ومحمد بن يعقوب القمري وعبد الرحمن بن
خلف الضبيّ المصريّ وروى عنهم في تفسيره كثيرًا وتلمذ لزوج أمّه أبي عليّ محمد
بن عبد الوهاب الجبائْيّ واقتدى برأيه في الإعتزال عدّة سنين حتى صار من أئمة
المعتزلة ثم رجع عن القول بخلق القرآن وغيره من آراء المعتزلة وصعد يوم الجمعة
بجامع البصرة كرسيًا ونادى بأعلى صوته من عرفني فقد عرفني ومن لم يعرفني فأنا
أعرّفه بنفسي أنا فلان بن فلان كنت أفول بخلق القرآن وأن اللّه لا يُرى
بالإبصار وأن أفعال الشرّ أنا أفعلها وأنا تائب مقلع معتقد الردّ على المعتزلة
مبين لفضائحهم ومعايبهم وأخذ من حينئذ في الردّ عليهم وسلك بعض طريق أبي محمد
عبد الله بن محمد بن سعيد بن كلاب القاطن وبنى على قواعده.
وصنف خمسة وخمسين تصنيفًا منها.
كتاب اللمع وكتاب الموجز وكتاب إيضاح البرهان وكتاب التبيين على أصول الدين
وكتاب الشرح والتفصيل في الردّ علىأهل الإفك والتضليل وكتاب الإبانة وكتاب
تفسير القرآن يقال أنه في سبعين مجلدًا.
وكانت غلته من ضيعة وقفها بلال بن أبي بردة على عقبه وكانت نفقته في السنة سبعة
عشر درهمًا وكانت فيه دعابة ومزح كثير.
وقال مسعود بن شيبة في كتاب التعليم: كان حنفيّ المذهب معتزليّ الكلام لأنه
كان ربيب أبي عليّ الجبائيّ وهو الذي رباه وعلمه الكلام وذكر الخطيب أنه كان
يجلس أيام الجمعات في حلقة أبي إسحاق المروزيّ الفقيه في جامع المنصور.
وعن أبي بكر بن الصيرفيّ: كان المعتزلة قد رفعوا رؤوسهم حتى أظهر الله تعالى
الأشعريّ فحجزهم في أقماع السماسم.
جملة عقيدتهم
وجملة عقيدته أنّ الله تعالى عالم بعلم قادر بقدرة حيّ بحياة مريد بإرداة متكلم
بكلام سميع يسمع بصير يبصر وأن صفاته أزلية قائمة بذاته تعالى لا يُقال هي هو
ولا هي غيره ولا هي هو ولا غيره.
وعلمه واحد يتعلق بجميع المعلومات وقدرته واحدة تتعلق بجميع ما يصح وجوده
وإرادته واحدة تتعلق بجميع ما يقبل الاختصاص وكلامه واحد هو أمر ونهي وخبر
واستخبار ووعد ووعيد وهذه الوجوه راجعة إلى اعتبارات في كلامه لا إلى نفس
الكلام والألفاظ المنزلة على لسان الملائكة إلى الأنبياء دلالات على الكلام
الأزليّ فالمدلول وهو القرآن المقروء قديم أزليّ والدلالة وهي العبارات وهي
القراءة مخلوقة محدثة.
قال: وفرق بين القراء والمقروء والتلاوة والمتلوّ كما فرق بين الذِكر
والمذكور.
قال: والكلام معنى قائم بالنفس والعبارة دالة على ما في النفس وإنما تُسمى
العبارة كلامًا مجازًا.
قال وأراد اللّه تعالى جميع الكائنات خيرها وشرّها ونفعها وضرّها ومال في كلامه
إلى جواز تكليف ما لا يطاق لقوله أنّ الإستطاعة مع الفعل وهو مكلف بالفعل قبله
وهو غير مستطيع قبله على مذهبه.
قال وجميع أفعال العباد مخلوقة مبدعة من الله تعالى مكتسبة للعبد والكسب عبارة
عن الفعل القائم بمحل قدرة العبد.
قال: والخالق هو اللّه تعالى حقيقة لا يشاركه في الخلق غيره فأخص وصفه
هوالقدرة والاختراع وهذا تفسير اسمه البارئ.
قال وكلّ موجود يصح أن يرى واللّه تعالى موجود فيصح أن يرى وقد صح السمع بأن
المؤمنين يرونه في الدار الأخرى في الكتاب والسنة ولايجوزأن يُرى في مكان ولا
صورة مقابلة واتصال شعاع فإن ذلك كله محال وماهية الرؤية له فيها رأيان
أحدهما: أنه علم مخصوص يتعلق بالوجود دون العدم والثاني أنه إدراك وراء العلم
وأثبت السمع والبصر صفتين أزليتين هما إدراكان وراء العلم وأثبت اليدين والوجه
صفات خبرية ورد السمع بها فيجب الإعتراف به وخالف المعتزلة في الوعد والوعيد
والسمع والعقل من كل وجه.
وقال: الإيمان هو التصديق بالقلب والقول باللسان والعمل بالأركان فروع
الإيمان فمن صدّق بالقلب أي أقرّ بوحدانية اللّه تعالى واعترف بالرسل تصديقًا
لهم فيما جاؤا به فهو مؤمن وصاحب الكبيرة إذا خرج من الدنيا من غير توبةحكمه
إلى الله أما أن يغفر له برحمته أو يشفع له رسول الله وإما أن يعذبه بعدله ثم
يدخله الجنة برحمته ولا يخلد في النار مؤمن.
قال ولا أقول أنه يجب على الله سبحانه قبول توبته بحكم العقل لأنه هو الموجب
لايجب عليه شيء أصلًا بل قد ورد السمع بقبول توبة التائبين وإجابة دعوة
المضطرّين وهو المالك لخلقه يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد فلو أدخل الخلائق
بأجمعهم النار لم يكن جورًا ولو أدخلهم الجنة لم يكن حيفًا ولا يتصور منه ظلم
ولا ينسب إليه جور لأنه المالك المطلق والواجبات كلها سمعية فلا يوجب العقل
شيئًا البتة ولا يقتضي تحسينًا ولا تقبيحًا فمعرفة الله تعالى وشكر المنعم
وإثابة الطائع وعقاب العاصي كلّ ذلك بحسب السمع دون العقل ولا يجب على الله شيء
لا صلاح ولا أصلح ولا لطف بل الثواب والصلاح واللطف والنعم كلها تفضل من اللّه
تعالى ولا يرجع إليه تعالى نفع ولا ضر فلا ينتفع بشكر شاكر ولا يتضرّر بكفر
كافر بل يتعالى ويتقدّس عن ذلك وبعث الرسل جائز لا واجب ولا مستحيل فإذا بعث
اللّه تعالى الرسول وأيده بالمعجزة الخارقة للعادة وتحدّى ودعا الناس وجب
الإصغاء إليه والإستماع منه والإمتثال لأوامره والانتهاء عن نواهيه وكرامات
الأولياء حق والإيمان بما جاء في القرآن والسنة من الأخبار عن الأمور الغائبة
عنا مثل اللوح والقلم والعرش والكرسيّ والجنة والنار حق وصدق وكذلك الأخبار عن
الأمور التي ستقع في الآخرة مثل سؤال القبر والثواب والعقاب فيه والحشر والمعاد
والميزان والصراط وانقسام فريق في الجنة وفريق في السعير كلّ ذلك حق وصدق يجب
الإيمان والاعتراف به.
والإمامة تثبت بالإتفاق والاختياردون النص والتعيين على واحد معين والأئمة
مترتبون في الفضل ترتبهم في الإمامة.
قال ولا أقول في عائشة وطلحة والزبير رضي الله عنهم إلاّ أنهم رجعوا عن الخطأ
وأقول أن طلحة والزبيرمن العشرة المبشرين بالجنة وأقول في معاوية وعمرو بن
العاص أنهما بغيا على الإمام الحق عليّ بن أبي طالب رضي الله عنهم فقاتلهم
مقاتلة أهل البغي وأقول أن أهل النهروان الشراة هم المارقون عن الدين وأن عليًا
رضي اللّه عنه كان على الحق في جميع أحواله والحق معه حيث دار.
فهذه جملة من أصول عقيدته التي عليها الآن جماهير أهل الأمصار الإسلامية والتي
من جهر بخلافها أريق دمه والأشاعرة يسمون الصفاتية لإثباتهم صفات اللّه تعالى
القديمة ثم افترقوا في الألفاظ الواردة في الكتاب والسنة كالاستواء والنزول
والإصبع واليد والقدم والصورة والجنب والمجيء على فرقتين فرقة تؤول جميع ذلك
على وجوه محتملة اللفظ وفرقة لم يتعرّضوا للتأويل ولاصاروا إلى التشبيه ويقال
لهؤلاء الأشعرية الأسرية فصار للمسلمين في ذلك خمسة أقوال: أحدها اعتقاد ما
يفهم مثله من اللغة وثانيها السكوت عنها مطلقًا وثالثها السكوت عنها بعد نفي
إرادة الظاهر ورابعها حملها على المجاز وخامسها حملها على الإشتراك ولكلّ فريق
أدلة وحجاج تضمنتهما كتب أصول الدين " ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك
ولذلك خلقهم " واللّه يحكم بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفو