المسيح
ل.م
عبد الله
أحمد
وحمدى
عمل أحمد في أحد المكاتب
ولم يكن مستريحاً إلى حد ما يعمله . إذ لم يكن
على اتفاق مع مدير القسم .
الذى حاول جاهداً أن يعرقل
أحمد عن إبراز قدراته في العمل . فحين مواجهة
بعض الصعوبات بأحد المهام التي يقوم بها أحمد
غالباً ما أقحم المدير نفسه بها محاولاً
إيجاد الحل ، وذلك فقط من أجل العياز على
الشهرة .
فكر أحمد من جراء ذلك مرارا
عديدة بتغيير وظيفته ومحاولة الانتقال إلى
عمل آخر إلا أن سوق العمل كان على حال رديئة
وامكانية الحصول على وظيفة أفضل كانت في غاية
الصعوبة ، زد على ذلك أن مرتبه الذى كان
يتقاضاه من وظيفته الحالية يعد أعلى وأفضل من
المرتبات المتاحة في أغلب الوظائف الشاغرة .
لذلك بقى أحمد في الشركة
التي يعمل بها ، فقد كان بحاجة إلى دخله
الحالى لإعالة زوجته وأولاده الثلاثة ، فهو
رجل غيور على بيته، يحترم زوجته مكناً لها
الحب ، ويتعامل مع أبنائه أفضل التعامل. لقد
كان فخوراً جداً بهم ، وخاصة بابنه البكر حسن
الذى يدرس بكلية الهندسة.
في صباح أحد الأيام نهض
أحمد باكراً ، وبعدما اغتسل وتناول إفطاره ،
جلس إلى مقعده وقرأ من كتابه بعض الآيات
البينات وعندما أنهى ذلك وضع كتابه بحرص
جانباً وحمد وشكر ، ثم خرج من بيته متجهاً إلى
مكان عمله ومستعيناً بربه من كل شر.
وصل أحمد إلى مكتبه ، وما أن
فتح الباب حتى فوجئ برجل أسمر وسيم كان واقفا
يقرأ بعض السطور على لوحة معلقة خلفه.
-
" السلام
عليكم"
-
" عليكم
السلام" أجاب الشاب.
-
"
اسمى أحمد "
-
"
وأنا حمدى ، وقد بدأت عملى في الشركة من اليوم"
-
"
أهلا وسهلا بك ، تفضل اجلس " أحضر أحمد
كوبين من الشاي وجلسا هو وحمدى يحتسيانه
ويتحدثان ، كان حمدى يصغر أحمد سنا، له زوجة
وأباً لولدين وبنتين ، بالإضافه إلى أنه كان
شاباً مرحاًُ ، سهل التعامل ، وتغمر السعادة
وجهه، ويطيب معه الحديث . مما جعل أحمد يشعر
بارتياح كبير من ناحية زميل عمله حمدى . لذلك
دعاه أن يتناول طعام الغداء معه في أحد
المطاعم القريبة لبي حمدى الدعوة مسروراً ،
وما لبث أن قام هو بدورة بدعوة أحمد في ظهر
اليوم التالى للغداء ، وهكذا غدى الزميلين
صديقان حميمان . وبوجود حمدى في العمل إلى
جانب أحمد ، كان لا بد للحالة الصعبة التى
قاسى منها أحمد أن تتغير إلى الأفضل ، ناهيك
عن الارتياح الكبير الذى صار يشعر به.
تكررت
الزيارات العائلية بين الطرفين ، وغالبا ما
جلس الصديقان وتحدثا عن أمور شتى ، إلا أنه مع
مرور الزمن أخذت أحاديثهما تدخل عمقاً جديداً
وتتطرق إلى الجوانب الهامة في الحياة .
لقد
كان أحمد وحمدى كلاهما متدينان ، ولكن مع
اختلاف مفهوم كل منهما من ناحية الإيمان ،
فأحمد مسلم بينما صديقه حمدى من أتباع المسيح.
لم
يؤثر ذلك الاختلاف على علاقة الصديقين
الشخصية ، بل كان كل منهما يكن بالغ الاحترام
والتقدير لصديقه ، ولا يخفى هنا اعجاب أحمد
بشخصية حمدى ، ولكن الذى ادهش أحمد انه كلما
عرف حمدى أكثر ازداد احترامه وانجذابه لإيمان
حمدى وحياته مع الله.
ترددت
الأسئلة والاستفسارات في نفس أحمد حول نوع
الإيمان الذى يتحلى به صديقه وعلاقته الشخصية
بالله . حاول أحمد فهم ذلك بدون جدوى . ولكن في
مرة ما وهو مستغرقاً بأفكاره نهض عن كرسيه
قائلا: " نعم لا بد أن يكون للسيد المسيح
دوراً منا في حياة حمدى وقربه من الله لابد أن
أسأله عن ذلك يوما" .
كان
أحمد أيضا يعترف بالمسيح ولكن بطريقة تختلف
عن حمدى. فهو يعترف ويؤمن بكل ما كتب في القرآن
عن عيسى بن مريم " عليه السلام" يكن له كل
الاحترام ويعرف جيداً بأنه ولد من العذراء
مريم ، وصنع العديد من المعجزات بإذن الله ،
كما أنه تلقى الإنجيل من الله عز وجل . إلا أن
أحمد برغم ذلك لم يكن يعرف عن حياة المسيح من
خلال القرآن إلا النذر اليسير.
تولد
على أثر ذلك في نفس أحمد طموحاً كبيراً
للمعرفة أكثر عن حياة ذلك الرسول بحسب
المكتوب في الإنجيل الذى تعرض للتحريف كما
يعتقد أحمد . ذلك الرسول
الذى حمل أسماء عديدة حتى في القرآن.
وفى
أحد الأيام ازداد جدا فضول أحمد ونما حب
المعرفة في داخله إلى درجة لم يستطع كتمانه
بعدها بل واجه به حمدى بمجرد أن رآه .
كبش
الفداء
"
حدثنى عن المسيح عليه السلام " طلب أحمد ذلك
باشتياق ، وأكمل " إننى أود معرفة المزيد عن
شخصه "
فكر
حمدى قليلا ثم قال " لو أردت أن تعرف لماذا
جاء المسيح إلى العالم عليك أن تفهم معنى
الضحية " .
-
" الضحية
! ماذا تقصد من ذلك ؟ " تساءل أحمد باستغراب .
أجاب حمدى " نحن نعرف معنى الضحية من عيد
الأضحى . وأنت تذكر يا أحمد أنه عندما طلب الله
من سيدنا إبراهيم أن يضحى بولده ، حدث شيء !!
فماذا
كانت النتيجة لو أن الله لم يعوض ذلك بضحية
أخرى " الكبش" والتى كان لها رمز الفداء؟
"
قال
أحمد " لكان مصير إسماعيل الموت حينئذ".
-
" أجل
وهنا نرى معنى الضحية " أجاب حمدى ثم أردف
" بموت أحدهم من أجل الآخر ، لقد ارسل الله
كبشاً للفداء بدلاً منه ... إننى في نفس حالة
ابن ابراهيم فأنا تحت سلطان الموت " د
قال
أحمد مستغرباً " ما الذى تعنيه؟ "
أجاب
حمدى بكل جدية " إنه مكتوب في الكتاب المقدس
: " أجرة الخطيئة هى الموت (1) .. أجرة خطيئتى
الموت ، فأنا إنسان خاطئ .
أجل
أمام الناس أنا شخص متدين ، أصلى لله في كل يوم
، أقرأ في كتابه العزيز ، أخدمه . لكننى أما
الله خاطئ . وهل يوجد غير الله كاملاً ؟ "
سأل حمدى .
-
" لا "
أجاب أحمد مؤكدا " لا ولا واحد"
-
" لذلك
فالجميع أمام الله خطاه .. أليس كذلك ؟"
تساءل حمدى .
-
"
أجل انه هكذا " وأيد أحمد كلام حمدى.
-
"
فأنا إذا بنفس حالة ابن سيدنا إبراهيم ، واقع
تحت الخطيئة . لكن أين الفداء من أجل خطاياى
وذنوبى ؟ ألم يرسل الله فداءً لأجلى ؟" سأل
حمدى.
لم
يجد أحمد اجابه لذلك غير الصمت .
فتابع
حمدى" يحيى بن زكريا قد عايش المسيح ،
وعندما رآه للمرة الأولى قال عنه : هوذا حمل
الله الذى يرفع خطية العالم " . (2)
فالمسيح
إذا لم يكن حمل الناس. فهو قد أتى من الله ، إنه
من فوق لقد حل روح الله على العذراء مريم ،
فحملت وولدت ابناً . دُعى كما تعرف باسم : يسوع
ابن مريم ، كلمة الله ، وروح الله .
كان
طاهراً ، جاء من السماء كحمل الله لقد أثبت
المسيح أنه هو حمل الله من خلال حياته الطاهرة
والطاملة أمام الله ، لم يقل على الإطلاق "
أستغفر الله العظيم " لأنه كان هو حمل الله
الطاهر والكامل .
لكن
، ولأنه جاء كحمل الله الذى يرفع خطيئة العالم
أجمع ، كان يجب أن يقدم نفسه فدية . ولقد فعل
ذلك ، عندما قدم نفسه طوعاً حتى الموت لكنه
قام من بين الأموات ، وصعد حياً إلى السماء
وفي يوم ما سيأتى ثانية إلى العالم".
ساد
الصمت لحظات ، وما لبث أن استأنف حمدى وقد
تركز بصره بعينى أحمد "
إننى في نفس حالة ابن إبراهيم ، فقد كنت تحت
سلطان الموت لكنه ومن خلال المسيح حمل الله
الطاهر وُجد الفداء من أجل خطاياي ، ويقدم
الله من حمله ( المسيح ) غفراناً لخطايانا
وحياة أبدية في الجنة . لقد حمل
المسيح خطية كل العالم بما فيها خطاياك
أنت يا أحمد . لقد حمل المسيح خطية كل العالم
بما فيها خطاياك أنت يا أحمد " . صمت أحمد
طويلا وهو يفكر ، ثم قال " لو كان السيد
المسيح قد محى خطيئة العالم ، أما كانت هناك
ضرورة إلى الموت إذاً .. وكنت سوف أحصل على
الحياة الأبدية على أية حال"
-
أجاب حمدى
" لنعتبر أن اليوم هو عيد ميلادك ، وأن
المسيح جاء يقرع بابك حاملاً بيده هدية ودعاك
قائلا: " أحمد أريد أن أقدم لك عطية مكونة من
عدة أجزاء : غفران لخطاياك ، حياة أبدية ،
علاقة شخصية حية مع الله تبدأ من اليوم ، لكن
بشرط هو أن ترجع عن خطاياك معترفاً بها ،
وتقبل الغفران من خلال الفداء الذى قدمته
لأجلك . فإذا قبلت العطية بذلك الشرط ستكون لك
، وإلا فلن تحصل على شيء منها"
فكر
أحمد وقد اختلط عليه الأمر ولم يستطع أن يجيب
بشيء . فأضاف حمدى " ربما تظن بأن ذلك المثل
لتعجيزك !! ولكن في الواقع ليس كذلك ، ففى كل
مرة أسمع عن الطريق إلى الله من خلال فداء
المسيح ، وكأنى به المسيح نفسه الحي القائم من
بين الأموات يقرع أبوابنا بالفعل !!!
فهو
يقول في الإنجيل عن نفسه " هأنذا واقف على
الباب ، على الباب ، وأقرع إن سمع أحد صوتى
وفتح الباب . أدخل إليه وأتعش معه وهو معى ، (3)
وأكمل حمدى " أن أفتح بابي للمسيح وأدعوه
للدخول إلى حياتى ليعيش معى ويشاركنى خبزى ..
ذلك هو قبول عطية الله المقدمة لي ولكل إنسان
" وهنا قال أحمد " أتعرف يا حمدى . إن
كلامك عن السيد المسيح قد مستنى في العمق .
إننى بحاجة لبعض الوقت للتفكير به . لكننى
بحاجة لسماع المزيد أيضاً عن المسيح في
لقائنا المرة القادمة.. السلام عليكم .
كلمة
الله
"
لقد قادنى حديثنا فى المرة السابقة وكلامك يا
حمدى عن المسيح عيسى بن مريم عليه السلام ،
للتفكير والتساؤل في جوانب كثيرة !!"
هكذا
بدأ أحمد حديثه متابعاً " أرجو ألا تسيء
الظن بي ، فلدي أسئلة عديدة أود لو حصلت على
أجوبة لها قبل أن تكمل حديثك عن السيد المسيح
"
أجاب
حمدى " طبعا، تفضل" وقد أدرك بحدسه طبيعة
تلك الأسئلة فشرع أحمد بشيء من الحذر " أنت
تعلم يا حمدى أننا نحن ا لمسلمين نؤمن بجميع
الكتب السماوية المنزلة : التوراة ، الزبور ،
الإنجيل والقرآن لكننى قد تعلمت أن تلك الكتب
جميعها قد تعرضت للتحريف ما عدا القرآن
الكريم ، وذلك طبعا من قبل اليهود والمسيحيين
. مما دعا إلى عدم الثقة بالمكتوب فيها ،
وبالتالى فالإنجيل أيضاً الذى تؤمن به أنت ،
قد تعرض للتحريف وأصبح خليطاً غير مميزاً من
الحقيقة وعدمها."
قال
حمدى " أتستطيع أن تأتينى ببعض أو أحد
الإثباتات التاريخية على ذلك التحريف؟ "
فكر
أحمد في ذلك واكتشف مستغرباً بأنه لم يسمع قط
سوى الإتهام المطلق ولكن بدون إثبات . إلا أنه
اندفع صائحاً " ليست لدى تلك الإثباتات
ولكننى متيقن بأن الإنجيل قد تعرض للتحريف في
زمن ما بعد كتابته"
فأكمل
حمدى بهدوء " إذاً قل لى متى تم هذا
التحريف؟ وكيف على العموم تم تنفيذه ؟ "
"
لا .. لست أعلم ، أجاب أحمد متلعثماً ، فلم يحدث
من قبل أن حدثنى أحد أو أجابنى على أي من تلك
الأسئلة الأساسية " وصمت مفكراً حينئذ سأله
حمدى" هل تظن يا أحمد أنه بالإمكان تحريف
القرآن ؟"
-
" استغفر
الله العظيم ، صاح أحمد " سيكون ذلك من
المستحيلات . لا يسمح المؤمنون قطعاً بأن يمس
أحد القرآن بسوء "
-
فقال حمدى
بحدة " ولماذا إذاً تظن بأننا نختلف في
نظرتنا إلى الإنجيل ؟ وكيف تسمح حتى لنفسك
بمجرد الظن في أن المؤمنين الحقيقيين لا
يمنعون أي من أراد أن يغير في الكتب السماوية!!
أيترك المؤمنون المسيحيون الحقيقيون في أي
زمان شخصاً أو جماعة ما ليقوموا بتحريف
الإنجيل الأصلى والحذف منه أو الإتيان بآخر ؟
" ثم أردف " أنا أؤمن بالله خالق السماء
والأرض ، الذى يرى كل الأشياء والقادر على كل
شيء . هو الذى أنزل كلمته إلى الناس وهو الذى
بقدرته وسلطانه الإلهى حافظ لها" . ثم نظر
مباشرة إلى أحمد وسأله " هل تؤمن بأن كل ما
يحدث على الأرض مرتبط بإرادة الله ؟"
-
"
نعم بالتأكيد أؤمن بذلك " أجابه أحمد فتابع
حمدى أسئلته " أتعتقد أن الله يرسل كلمته
إولاً إلى العالم ومن ثم يسمح بتحريفها!! أو
أنه القادر على كل شيء لم يقدر على حفظ كلمته!!
"
أجاب
أحمد بتروى " أجل بكل تأكيد قادر الله على
حفظ كلمته المنزلة للناس"
-
" أتعلم
يا أحمد بأن الكتاب المقدس كتاب فريد . لقد
أنزل في زمن قارب 1400 سنة . وهو يحوى التورا ،
الزبور والإنجيل وأجزاء أخرى كتبت من خلال
رسل الله وأنبيائه . وينقسم إلى قسمين : العهد
القديم والذي يغطي زمن ما قبل ولادة المسيح ،
والعهد الجديد الذي يبدأ بولادة المسيح
ومجيئه إلى العالم . وقد كتب الكتاب المقدس
بثلاث لغات اختلفت بتعدد أجزاءه وتباعد أزمنة
كتابتها.
فسأل
أحمد مندهشاً " ثلاث لغات مختلفة !! أي
اللغات تلك؟ "
-
" إنها
العبرية ، الآرامية واليونانية " أجاب حمدى
متابعاً لقد استخدم الله أناساً مختلفين
عندما أعطانا كلمته. كان البعض ملوكا أو
حكاماً والبعض الآخر رعاة أو صيادى أسماك .
فالكتاب المقدس هو بالحق معجزة إلهية ، إذ
بالرغم من الأزمنة المختلفة التى تمت كتابته
فيها ، والأشخاص المختلفين الذين كتب من
خلالهم ، فإنك تراه وحده واحدة لا تنقسم ،
يربطه من البداية للنهاية موضوع واحد . هو شخص
المسيح يا عزيزى أحمد "
سأل
أحمد باستغراب " وهل يمكن أن يكون هذا . أن
الله قد تكلم عن المسيح خلال 1400 سنة ؟"
-
" لقد
تكلم الله عن المسيح وأشار له في كل أزمنة
التاريخ المختلفة وإلى يومنا هذا " أجاب
حمدى والابتسامة تملأ وجهه.
-
" وهل
هذا معقول يا حمدى؟ " تساءل أحمد ونبرات
الشك تملأ صوته.
-
"
أجل . أنه هكذا . لأنه لا يستحيل على الله شيء
يريده مهما استحالت على عقولنا الصغيرة قدرة
تصديقه وقبوله يا أحمد .. " أجاب حمدى مضيفاً
" وأعدك بتوضيح ذلك في المرة القادمة "
فقال
أحمد " أنا جد مشتاق للقائنا القادم يا
صديقى العزيز .. السلام
عليكم"
-
وعليكم
السلام
وتوادع
الصديقان على بركة الله.
فداء
من الله
بدأ
أحمد بقوله " لقد
تزايد عندى حب المعرفة لسماع كيف أن المسيح هو
موضوع الكتاب المقدس؟"
فأجابه
حمدى بسؤال " هل تذكر عندنا تحدثنا عن
المسيح حمل الله الذى رفع خطايانا؟"
-
" طبعا
أتذكر ، وكيف لى أن أنسى ذلك! "
سأل
حمدى " هل تعرف يا أحمد كم هو عدد البشر
الذين عاشوا على وجه الأرض حين وجود قابيل
وهابيل عليها ؟"
وبعد
تفكير سريع أجاب أحمد " أربعة أفراد وهم آدم
وحواء وابنيهما قابيل وهابيل "
"
نعم لقد وجد أربعة أفراد فقط ولكنهم أدركوا
بأن عليهم أن يعبدوا الله من خلال تقديم
الذبائح له .. فكيف عرفوا ذلك ؟ " سأل حمدى ثم
أجاب " أجل . لأن الله طاهر والإنسان خاطئ ،
لذلك احتاج الإنسان إلى فداء من أجل خطاياه ،
لقد عبد سيدنا نوح الله من خلال الذبائح ،
وكذلك سيدنا إبراهيم بالإضافة إلى سيدنا موسى
وداود وكل الرسل والأنبياء قد عبدوا الله من
خلال الذبائح أيضاً " وأردف في قائلاً "
إننى أيضاً أعبد الله بنفس الطريقة مثل أولئك
الرسل والأنبياء السابقين "
فابتسم
أحمد وقال " أنت لست جاداً فيما تقوله الآن
يا حمدى على أية حال ، فلم أرك قط تنزل إلى
السوق لتشترى شاة وتذبحها مضحياً بها لله
!!" أجاب حمدى " أنا أعبد الله من خلال
المسيح ، حمل الله الذى رفع خطيئتى عندما قد
نفسه ضحية عنى وعن كل إنسان .. فإنه مكتوب في
الإنجيل " لأنه يوجد إله واحد ووسيط واحد
بين الله والناس ، الإنسان يسوع المسيح ، الذى
بذل نفسه فدية لأجل الجميع .. (1)
نعم
إله واحد وأيضاً وسيط واحد بين الله والناس
وهو المسيح الوحيد الذى قدم نفسه وحياته فدية
لأجل الجميع .. ولأجلك أيضاً يا أحمد !! ترى
إذاً أنه منذ بدء التاريخ وحتى يومنا هذا عبَد
الناس الله من خلال الذبائح ، قال أحمد وهو
منهمك في التفكير " أظن أننى قد بدأت أفهم
معنى كلامك لكن عليك شرح المزيد لأدرك الصورة
بأكملها "
وبعد
تفكير لحظات أكمل حمدى" لقد وضح الله غرض
الذبائح على مر التاريخ وخاصة من خلال النبى
موسى في كتاب التوراة . وفى الناموس – أي
شريعة موسى – توجد تعاليم عن معنى الذبائح
كالحل الوحيد للخطية وهذا ما نراه واضحاً في
تلك الكلمات المكتوبة : وكل شيء تقريباً يتطهر
حسب الناموس بالدم ، وبدون سفك دم لا تحصل
مغفرة . (2)
وهنا
سأل أحمد باستغراب " ولكن ما هو وجه الربط
بين تلك التعاليم وعيسى بن مريم ؟ " فأوضح
حمدى قائلاً " ياصديقى العزيز ، الأمر ليس
بلغز ، فعند قراءة العهد القديم ترى أنه حيثما
تحدث الأنبياء عن الذبائح ، وجدت نبوات واضحة
عن المسيح ومن بينها ما تشير إلى أنه عندما
يأتى المسيح إلى العالم سوف يصير فداءً من أجل
خطايانا " .. وأخذ حمدى الكتاب المقدس وقلب
بعض صفحاته إلى أن وصل لمكان محدد حيث أراه
لأحمد قائلاً " انظر بنفسك " أي تصوير
دقيق عن المسيح كفدية ذلك الذى كتبه النبي
إشعياء حوالى 700 عام قبل مجيء المسيح : .. "
لكن أحزاننا حملها وأوجاعنا تحملها ونحن
حسبناه مصاباً مضروباً من الله ومذلولاً . وهو
مجروح لأجل معاصينا مسحوق لأجل آثامنا. تأديب
سلامنا عليه وبحبره شفينا.. كلنا كغنم ضللنا
وملنا كل واحد إلى طريقه والرب وضع عليه إثم
جميعنا. ظلم أما هو فتذلل ولم يفتح فه .. كشاة
تساق إلى الذبح . وكنعجة صامتة أمام جازيها
فلم يفتح فاه " . (3)
وأحمد
الذى هزته كلمات النبوة بعنف . قال مذهولاً
" هل تعنى بأن تلك الكلمات قد كتبت قبل مئات
السنين من ميلاد يسوع. عيسى بن مريم ؟"
-
" بكل
تأكيد يا أحمد .. بل أيضا حسب النبوات كان يجب
أن يأتى المسيح من نسل داود النبى .. ومن
المعروف تاريخياً أن النبى داود قد عاش حوالى
1000 سنة قبل المسيح وبرغم ذلك فقد أعطى تصويراً
دقيقاً في نبوة عن ابنه الذى سيأتى من نسله ،
المسيح الذى سيصلب . والصلب بحد ذاته كان
عقاباً بطيئاً ومؤلماً ، حيث تنفصل عظام
المصلوب ويقاسى أشد أنواع العطش . تنبأ النبى
داود وكأنه يقول على لسان المسيح : " كالماء
انسكبت. انفصلت كل عظامى . صار قلبى كالشمع .
وقد ذاب في وسط أمعائى . يبست مثل شقفة قوتى ،
ولصق لسانى بحنكى وإلى تراب الموت تضعنى .
لأنه قد أحاطت بي كلاب . جماعة من الأشرار
اكتنفتنى . ثقبوا يدي ورجلي . أحصى كل عظامى .
وهم ينظرون ويتفرسون في . يقسمون ثيابى بينهم
وعلى لباس يقترعون " . (4)
هذا
ما كتبه النبى داود شارحاً الكثير من أحداث
وتفاصيل الصلب وحالة المصلوب . بالرغم من أن
أسلوب العقاب بالصلب لم يكن قد وجد آنذاك ،
واستحدث ذلك العقاب الشنيع فيما بعد وكان
مستعملاً من قبل الرومان كعقوبة مهيئة في زمن
المسيح.
تساءل
أحمد وقد بدا عليه التأثر ، أتعنى بأن كل هذا
قد نفذ في المسيح عيسى بن مريم ، وأن كلمات تلك
النبوة تنطبق عليه؟"
-
" نعم ،
وليست هذه فقط ، بل هناك الكثير الكثير من
النبوات التى قد كتبت بواسطة أنبياء آخرين ،
وتمت جميعها حرفياً في المسيح " أجاب حمدى
متابعاً " بل لقد أكد المسيح أيضاً ذلك في
مناسبات عديدة ، أنه أتى ليقدم نفسه وحياته
فدية لأجل خطايانا . حيث قال عن نفسه : " لأن
ابن الإنسان أيضاً لم يأت ليُخدم بل ليخدِم
ويبذل نفسه فدية عن كثيرين " (5) .. هل أدركت
الآن يا أحمد كيف أن تعليم الله عن الفداء –
من أجل خطايا البشر جميعاً – قد وجد من بداية
الكتاب المقدس وإلى نهايته ، وكيف تم كل ذلك
بالمسيح ؟"
بدت
على أحمد علامات الحيرة وهو يقول " إننى يا
حمدى.. قطعاً لم أسمع هذا الكلام من قبل " ..
لقد كان مدهشاً حقاً .. ولكننى أحتاج إلى مزيد
من الوقت للتفكير به ، لا تقلق ، فسأعود إليك
عن قريب بأسئلة آخر" .
أغلق
حمدى الكتاب الذى بيده وقدمه لأحمد قائلاً
" تفضل . بإمكانك أن تأخذ هذا الكتاب المقدس
كهدية منى .. ويمكنك أن تبدأ بقراءة العهد
الجديد. الذى يحكى عن حياة المسيح ، عن
معجزاته العظيمة وتعاليمه المميزة "
-
ألف شكر يا
حمدى لقد سمعت كثيراً عن الكتاب وأهل الكتاب ،
لكننى لم أقرأ فيه من قبل ، وأعتقد بأنه يجب أن
أقرأ عن المسيح وعن تعاليم وعجائب ابن مريم
بحسب المكتوب فيه " .. " السلام عليكم "
-
" وعليكم
السلام "
وتوادع
الصديقان للقاء جديد.
الخطيئة
إلتقى
الصديقان من جديد وجلسا للحديث . كان بادياً
على أحمد بعض السرور إلا أنه بدأ الحديث بسؤال
تظهر نبراته الجدية " حمدى منذ اللقاء
السابق وحتى الآن ، وأنا أفكر بالمسيح ، الذي
أعطي حياته فدية من أجل خطايا الجميع .. لكن
هناك شيئا يجب أن أفهمه ، فمن أين أتت الخطيئة
؟ وكيف أصبح كل البشر يعانون بسببها؟ .. هل لك
أن توضح ذلك " ..
" أجل أستطيع ذلك " أجاب حمدى بتروى "
إلا أنه علينا أن نبدأ من البداية لنستطيع أن
نفهم من أين جاءت الخطيئة!..
نحن نقرأ في التوراة بأنه بعدما خلق الله
الكون والبشر، فإنه وضع الإنسان في الجنة حيث
كان طاهراً وعلى علاقة وطيدة بالله .. إلى أن
حدث يوماً ما شيئاً ما كان منه إلا أن غير
بالكامل واقع الحياة في الجنة .. أتعرف يا أحمد
ما هو ذلك الشيء ؟ " أجاب أحمد بدون تردد "
نعم" فلقد أتى الشيطان وأفسد كل شيء " .
- " صحيح .. لقد حذر الله
الإنسان ونهاه عن الأكل من ثمر شجرة معرفة الخير
والشر بأية حال من الأحوال كما هو مكتوب:
" وأوصى الرب
الإله آدم قائلاً : " من جميع شجر الجنة تأكل
أكلاً .وأما شجرة معرفة الخير والشر ، فلا
تأكل منها . لأنك يوم تأكل منها موتا تموت".
(1)
وأردف حمدى "
لكن الشيطان أتى في شكل حية وخدع آدم وحواء ..
نعم عصوا الله وأكلوا من الشجرة .. وصارت
النتيجة المخيفة على كل البشر ، حكم الموت ،
ولأن العصيان دخل إلى حياة الإنسان وقلبه ،
فصار الجميع خطاه .
-
"
وهل حقا صار الجميع خطاة؟ سأل أحمد متشككاً ،
من الصعب علي أن أعترف بذلك .. فكيف أصبح جميع
البشر خطاة ؟ " .
-
"
لقد أصبح الإنسان تماماً مثل الثمرة التى
أكلها" أجاب حمدى موضحا" فقد صار أيضاً
خليطا عجيباً من الخير والشر . فالإنسان
يستطيع أحياناً أن يكون صالحاً ويقوم بفعل
أفضل الأعمال ، ولكنك تراه في اللحظة التالية
مخادع حتى لربما يخدع أقرب الناس إليه . فتارة
يكون الإنسان مليئاً بالحب والاهتمام بالغير
، وتارة أخرى لا تجد فيه غير الأنانية والغيرة
ممتلئاً بالكراهية والشهوة أو أي نوع آخر من
أنواع الشرور .. وكما قلت لك يا أحمد فالجميع
يصارعون هذه المشكلة ، وكل الديانات بدون
استثناء تتناولها باهتمام. وفي جميع البلدان
وجدت القوانين وتعددت من أجل محاولة السيطرة
على أشكال الخطية.
والأخطر من ذلك
أن الإنسان لا يصير خاطئاً لأنه يفعل لخطية ،
بل بالعكس إنه يفعل الشر والخطية لأنه في
الأصل خاطئ…
وكأن هناك معملاً صغيراً لإنتاج الخطية في
داخل الإنسان ، يعمل وينتج الخطية والشر من
داخله .. أليس كذلك؟ سأل حمدى نظرا يتفحص
لصديقه.
-
"
إننى وللأسف أعترف بأن تصويرك هذا للإنسان
يطابق الواقع إلى حد كبير فالإنسان حقيقة هو
خليط عجيب من الخير والشر ، أجاب أحمد .. ولكنه
صمت فجأة وكأنه تذكر شيئا هاماً ، وسأل
" لكن أين موقع الشيطان في هذه الصورة ؟
" أجاب حمدى " أجل فإنه من خلال الخطيئة
حصل الشيطان على سلطان في حياة الإنسان
والمجتمع ، وهو الذي خدع آدم وحواء قديماً لم
يهدأ عن متابعة عمله إلى يومنا هذا . فهو ما
زال يخدع الإنسان ، ليستمر في حياة الخطية فمن
خلال الخطية يستمر سلطان الشيطان في حياة
الإنسان ، فخطايانا هى التى تفصلنا عن الله .
وبسبب الخطية صار العالم على حاله اليوم. لقد
خلق الله كل شيء حسناً ، والإنسان هو الذى صنع
شراً كثيراً في العالم مفسداً به تلك الصورة
الحسنة التي خلقنا الله عليها. وذلك من خلال
الحروب بين الشعوب والبلدان على سبيل المثال
، العلاقات المفككة بين الناس وبعضهم ،
وأيضاً من خلال أشياء ومآسى أخرى كثيرة تحطم
حياة البشر".
-
"
أفهم من حديثك أن الله لم يخلقنا على هذه
الحالة ، بل أصبح العالم هكذا كما هو حالة
اليوم ، وذلك بسبب خطيئة آدم!!" سأل أحمد
باستغراب " بالطبع " أجاب حمدى "
فالخطيئة" دخلت في حياة الإنسان من خلال
آدم كما هو مكتوب .. " من أجل ذلك كأنما
بإنسان واحد دخلت الخطية إلى العالم وبالخطية
الموت وهكذ إجتاز الموت إلى جميع الناس إذ
أخطأ الجميع" (2).
وأسوأ نتيجة لذلك
هى الموت ، بنوعيه . الموت الجسدى والموت
الروحى سأله أحمد مندهشاً " موت جسدى وموت
روحى !! أي موت روحى هذا الذي تسأل عنه؟"
-
"
يا أخى .. لقد قال الله للإنسان ، أنه إذا أكل
من تلك الشجرة فإنه موتا سيموت " أجاب حمدى
موضحاً ، بما أن الله أمين وهو ينفذ كلمته
التى يقولها ، قد صار الموت لزاماً على كل
إنسان وبهذه الطريقة نرى الكل يموتون . ولكن
الإنسان مات أيضاً موتا روحيا عندما وقع في
الخطية".
-
"
كيف ذلك؟" سأل أحمد مستغرباً
-
"
أجل نتيجة خطيئة الإنسان هى ، أن طرده الله من
الجنة ، أى طرد من ذلك المكان الرائع الذى عاش
فيه طاهراً وبعلاقة كاملة مع الله خالقه ،
وأصبح يعيش خارج الجنة . لقد مات الإنسان
روحياً عندما انفصل عن إلهه الحى القدوس ،
وذلك بسبب الخطية .. فالخطية والشر هما اللذان
يفصلان الإنسان عن ربه .
وما زالت الخطيئة
هى التي تمنعنا نحن البشر أن نحيا حياة قريبة
له أو أن نكون متصلين به ، وأكمل حمدى بعد لحظة
صمت " ولأن الله طاهر وقدوس فإنه لا يمكن أن
توجد في حضرته خطيئة . وعليه فإننا نحن البشر
جميعنا نحتاج إلى منجى ، لينجينا وينقذنا من
نتيجة خطايانا" ثم ثبت نظره على أحمد وهو
يسأله " ألا تظن يا أحمد بأن خطاياك قد
دونت؟"
انتاب أحمد بعض
القلق وهو يقول " أنا أعلم أن خطاياي قد
كتبت ودونت من خلال ملاكين يتابعان كل إنسان
".
" نعم الله
يعرف كل شيء عنا " قال حمدى مفصلاً " كل
عمل حسن ، وكل عمل سيء ،
كل كلمة ، كل فكرة ، كل نية قد نويناها بقلوبنا
، كل شيء مسجلاً عند الله .. وهل تعلم أي كفة
سترجح في الميزان عند وقوفك أمام الله يوم
الحساب ؟"
أجاب أحمد بهدوء
" لا .. الله وحده يعلم!!"
-
"
إن الله يحبك يا أحمد .. تذكر أن حمل الله ،
يسوع ابن مريم قد رفع خطايانا جميعاً ، من وقت
آدم وحواء إلى يومنا هذا .. هناك غفران لكل شيء
في المسيح ، فكر أحمد مليا ثم قال " إن كن
المسيح هاما بهذا الشكل لكل البشر، فلماذا لم
يسمع عنه آدم وحواء؟"
-
"
وهل تصدقنى لو قلت لك بأنهما قد سمعا عنه؟"
أجاب حمدى . فاندفع أحمد قائلاً " ل إنه
ليس من الممكن أن يكون قد سمعا عنه" .
- " يا أخى أحمد
.. إن الله يحب الإنسان ، وهو يريد أن يكون على
علاقة مستمرة به ، لذلك أشار الله إلى المسيح
منذ البداية ، في صلب المأساة التى حدثت لآدم
وحواء في الجنة ، جاء إليهما الوعد بالمخلص
الذي يوما ما سيدوس قوة الشيطان ويسحقها ،
ويبطل سلطانه على الإنسان .. ولقد تكلم الله
إلى الشيطان ( الأصل لكل خطية ) . على مسمع من
آدم وحواء قائلا لها: " وأضع عداوة بينك
وبين المرأة ، وبين نسلك ونسلها هو يسحق رأيك
، وأنت تسحقين عقبه " . (3)
وفي كل الكتاب
المقدس دعى الأبناء بأسماء آبائهم . ابن
ابراهيم ابن يعقوب .. الخ .
لكنه يتكلم في الآية
السابقة عن نسل المرأة ، وليس عن نسل الرجل !!
سوف يأتى واحد ليس له أباً ، ولكنه ابن امرأة ،
وهذا الابن هو الذي سيحكم قوة الشيطان
وسلطانه على الإنسان ولكن إبليس ( الاصل لكل
خطية ) سوف يسحق عقبه ، وهذا بالضبط ما حدث
عندما قدم يسوع ابن مريم نفسه فدية عن خطايا
البشر " .
قال أحمد بتردد
" عجيب جدا .. أن يكون الله قد ابتدأ يتكلم عن
المسيح حتى لأول أناس وجدوا على الأرض .. هذا
يوضح لي كون المسيح هو محور الكتاب المقدس
ومركزة من البداية .. ولكنك حفزتني للتفكير في
أشيء أخرى واستفسارات جديدة للقائنا القادم .
فالوقت مضى ولا بد أن أغادرك الآن يا حمدى ..
السلام عليكم"
-
"
وعليكم السلام " وافترق الصديقان ليجمعهما
لقاء قريب.
ابن
ابراهيم
" ماهو رأيك في
الإنجيل الذى أعطيته لك في لقائنا قبل الماضي
يا أحمد؟ " بدأ حمدى الحديث بهذا السؤال
بعدما أخذ الفضول مأخذه منه ، لمعرفة رد فعل
أحمد بعد قراءته للإنجيل .
ابتسم أحمد وأجاب
" في الحقيقة . إنه كتاب رائع .. لم أقرأ قط
مثله .. كان من المدهش لي أن أقرأ عن عجائب
السيد المسيح ومعجزاته بتفاصيلها الدقيقة
وعظمتها الفائقة ، وكذلك تعاليمه العجيبة
والفريدة في الموعظة على الجبل . هناك وضوح
وعمق في شرحه وأفكاره . فهو يقلب كل المفاهيم
رأساً على عقب عندما يقول مثلاً : بأنه يجب أن
نحب أعدائنا ونبارك من يلعننا!! وأما عن
تعليمه للصلاة ، فإنه يختلف عن كل ما سمعته من
قبل . وأنا لم أشعر بنفسى مذهولاً فقط ، ولكن
يجب أيضاً أن أقول بأنه صار لدى أسئلة جديدة
ومحيرة بقدر ما لدى من أجوبة "
قال حمدى فرحاً " هذا رائع يا أحمد
والآن هات ما عندك ، لنبدأ بالسؤال الأول."
-
"
كما تريد " أجاب أحمد طارحاً سؤاله الأول
" لماذا بدأ الإنجيل بسرد لائحة القرابة
بداية من إبراهيم مرورا بداود النبى وصولاً
إلى المسيح ما الهدف من ذلك ؟" فكر حمدى
برهة ثم شرع في الإجابة قائلاً " أتذكر
أحاديثنا السابقة ، والتى دارت حول وحدة
وترابط الكتاب المقدس ، وكيف أنه قد تكلم عن
موضوع واحد؟ "
-
"
طبعا أذكر ذلك" قال أحمد .
-
"
وهل ت تذكر أي موضوع كان ذلك الذى تحدث عنه
الكتاب المقدس ؟"
-
"
المسيح " أجاب أحمد .
-
"
جواب سؤالك يا أحمد يتعلق بهذا الموضوع ، قال
حمدى وأضاف " فمن خلال النبوات نعرف أن
المسيح يجب أن يكون ابن داود وابن ابراهيم ،
وبعد لحظة تفكير في كلام حمدى ، قال أحمد أن
ذلك يبدو مدهشاً ولكن هل لك أن توضح لي تلك
النبوات بشكل أقرب وأدق" .
صمت حمدى برهة
قبل أن يجيب " في يوم ما ، منذ ما يقرب من 4000
سنة ، تكلم الله إلى سيدنا إبراهيم الذى دعى
فيما بعد خليل الله ، أعطى له الله وعداً .
وكان لم قاله الله لإبراهيم معنى كبيراً
لجميع البشرية ، حيث نقرأ في التوراة : "
وقال الرب لإبراهيم اذهب من أرضك ومن عشيرتك
ومن بيت أبيك إلى الأرض التى أريك . فأجعلك أمة
عظيمة وأباركك وأعظم اسمك .. وتكون بركة .
وأبارك مباركيك ولاعنك ألعنه. وتتبارك فيك
جميع قبائل الأرض" . (1).
فالله وعد رجلاً
لا ابن له ، بالرغم من سنين عديدة في الحياة
الزوجية ، وعده الله بأرض ، وأنه سوف يجعله
أمة عظيمة ، واسمه يكون عظيما ومعروفا .. والله
قد نفذ كل تلك المواعيد بكل حذافيرها . ولكن
أغرب وألمع المواعيد لإبراهيم . كان ذلك
الأخير والذى يقول أن الله سيبارك جميع قبائل
الأرض فيه!! وفي هذا الوعد بالذات يوجد وعداً
عن المسيح فالمسيح يجب أن يكون ابن
ابراهيم ومن خلاله سيبارك الله العالم كله .
" وليس إلى نبى أو واحد غيره؟"
أجاب حمدى "
يمكننا القول بأن الأمر يتضح تدريجياً من
خلال ما نقرأه في التوراة .. فقد رزق سيدنا
إبراهيم بولدين . أحدهم من زوجته سارة واسمه
إسحق ، والثانى من هاجر خادمة سارة واسمه
إسماعيل وبالرغم من أن الله قد بارك إسماعيل
إلا أنه وضح لإبراهيم من قبل ولادة إسحق أن
الوعد عن المسيح سيتم من خلال نسل إسحق . حيث
نقرأ :" فقال الله بل سارة امرأتك تلد لك
ابناً وتدعو اسمه إسحق . وأقيم عهدى معه عهداً
أبدياً لنسله من بعده . وأما اسماعيل فقد سمعت
لك فيه . ها أنا أباركه وأثمره وأكثره كثيراً
جداً . اثنى عشر رئيساً يلد وأجعله أمة كبيرة .
ولكن عهدى أقيمه مع إسحق .(2)
فقال أحمد "
نعم إن إسماعيل الذي باركه الله أصبح أباً
للعرب ونعرف أيضاً نحن المسلمون بأن الله عز
وجل قد أرسل الكثير من الرسل والأنبياء من نسل
إسحق"
أكمل حمدى
" لقد رزق إسحاق بولدين ، عيسو ويعقوب ،
وأظهر الله أن الوعد عن المسيح سيكون من خلال
يعقوب ، وذلك عندما ظهر الله له في حلم قائلاً
: أنا الرب إله إبراهيم أبيك وإله إسحق . الأرض
التى أنت مضطجع عليها أعطيها لك ولنسلك .
ويكون نسلك كتراب الأرض وتمتد غرباً وشرقاً
وشمالاً وجنوباً . ويتبارك فيه وفي نسلك جميع
قبائل الأرض. (3)
ونرى يا أحمد أنه
من خلال ابن يعقوب سيبارك الله جميع قبائل
الأرض."
قال أحمد " مرة
أخرى بدأت أدرك كيف أن المسيح هو الموضوع
الأساسى الذى يدور حوله الكتاب المقدس "
" أجل أنه هو
" قال حمدى مضيفاً " ولكن من بنى إسرائيل
وجد الكثير من الأسباط والسؤال هنا هو إذا ما
كان الله قد أظهر من أي سبط سيأتى المسيح ، لقد
اختار الله سيدنا داود ليصنع معه ميثاقاً .
وقد أظهر الله من خلال نبوات عديدة أن المسيح
سوف يأتى من نسل دواود. فالنبي إشعياء الذى
عاش بأكثر من 200 سنة بعد داود النبى شبه في
إحدى نبواته سبط يسى بجذع شجرة مقطوع وكان اسم
أبا النبي داود هو يسى .. ووضح أن من نسله سيأتى
ذلك الرجل الذى يحل عليه روح الله ، ويقضى
بالعدل للبائسين في الأرض، الذي يصنع ملكوتاً
شبيهاً بالجنة وجميع الذين في هذا الملكوت
سيعرفون الرب . حيث يكتب إشعياء النبي : "
ويخرج قضيب من جذع يسي وينبت غصن من أصوله
ويحل عليه روح الرب . روح الحكمة والفهم . روح
المشورة والقوة . روح ا لمعرفة ومخافة الرب . .
ويقضى بالعدل للمساكين ويحكم بالإنصاف
لبائسى الأرض ويضرب الأرض بقضيب فمه ويميت
المنافق بنفخة شفتيه .. ويكون في ذلك اليوم أن
أصل يسى القائم راية للشعوب ، إياه تطلب الأمم
ويكون محله مجداً " . (5)
-
"
لنرى إذا كنت قد فهمت بطريقة صحيحة " قال
أحمد مكملاً لقد أظهر الله بأن المسيح سيكون
من نسل سيدنا إبرهيم ، من نسل إسحق من نسل
يعقوب ، من نسل داود ا لنبي " .
أجاب حمدى ، أجل ،
صحيح ، وعندما نقرا في الإنجيل نجد أن المسيح
قد ولد حسب النبوات . لذلك يبدأ الإنجيل بعرض
سلسلة الأنساب التى توضح وتبين أن المسيح هو
من نسل إبراهيم ومن نسل داود "
-
"
لقد تبين لى مرة أخرى كيف أن الموضوع الرئيسى
في الكتاب المقدس هو عيسى بن مريم " قال
أحمد مردفاً " بالطبع أنت تدرك يا حمدى أنه
يوجد لدي أسئلة أخرى صعبة . لكن بإمكاننا أن
نؤجلها للمرة القادمة فقد سرقنا الوقت ..
الحديث مشوق وممتع للغاية ..ولكن يجب أن أذهب
الآن .. أستودعك الله يا صديبقى .. السلام عليكم
"
- " وعليكم السلام" .
الله
واحد
-
"
ماهذا الذى تراه ؟" سأل أحمد بينما أشار
بثلاثة أصابع في الهواء أمام حمدى .
-
ابتسم
حمدى وقد فهم قصد أحمد من ذلك السؤال وأجابه
" أرى ثلاثة أصابع بيد واحدة "
وتابع حمد سؤاله
.." حمدى . هل تؤمن أن الله وحد أم ثلاثة؟"
-" ربما أنك لا
تفهم بالتحديد كيف أؤمن ، لكن يجب أن تعلم
أننى أؤمن بإله واحد خالق السماء والأرض ،
القادر على كل شيء ، الذى يعرف ويرى كل
الأشياء ، والموجود في كل مكان وكل زمان "
أجاب حمدى وموضحاً " أنت تعرف أن إيمانى بما
هو في الكتاب المقدس ، وكلمة الله تعلمنا أن
الله واحد وهذه الحقيقة مذكورة بأماكن عديدة
في كتابنا المقدس "
فقاطعه أحمد
بتصميم " لكن لا يمكن أن يكون الله واحد
وثلاثة بنفس الوقت ، ورفع يده مرة أخرى في
الهواء فارداً ثلاثة أصابع منها ووضح بقوله
" 1+1+1=3 وليس = 1 يا حمدى "
-" كم أحمد أنت؟"
سأل حمدى " أواحد أنت أم اثنان يا أحمد ؟"
.. أجابه أحمد " واحد طبعا وبدون أي شك "
أكمل حمدى "
لقد خلقك الله بجسد وروح . فهل يعتبر جسدك
أحمد؟ "
-" بالطبع هو
كذلك " أجاب أحمد
-
"
وماذا عن روحك . هل هى أيضاً أحمد؟"
-
"
أجل إنها كذلك ، أجاب أحمد وقد أدرك ما الذي
قصده حمدى بذلك السؤال .
وتابع حمدى كلامه
" هل من الصعب أن يكون الله واحد في
ثلاثة وهو الذى خلقك اثنين في واحد ؟" ثم
أضاف بعد صمت لحظة " يمكن القول أن الله
وحدة مركبة قد أظهر نفسه في ثلاثة . كم هو حاصل
ضرب 1*1*1؟
-
"
واحد طبعا ، أجاب أحمد وأردف " ولكن عيسى بن
مريم هو عبارة عن إنسان وليس ابناً لله . هل
تؤمن يا حمدى بأنه ابن الله؟"
-
"
ماذا تظن أنت ؟ كيف تفهم اعتقادى ؟ " سأل
حمدى
-
"
لا أعرف بالتحديد بماذا تعتقد ، لكن ظنى هو
أنك تؤمن بأن الله سبحانه وتعالى كان على
علاقة ما بمريم العذراء وحصلا بدورهما على
ابن !! " صاح حمدى مقاطعاً " استغفر الله .
أنا لا أعتقد أبداً بمثل هذا الكلام ولا تلك
الكيفية التي أبعد ما يمكن أن تكون عن طبيعة
الله تعالى ، ولم أسمع قط عن أحد المسيحيين
يؤمن بذلك "
وبد الاستغراب
واضحاً على وجه أحمد وهو يسأل " ولكن كيف
تؤمن إذاً ؟" شرع حمدى في توضيح كيفية
إيمانه قائلاً " أؤمن بأن الله أزلى ، أي هو
موجود منذ الأزل ، قبل بدء الزمان أو الخليقة
، وعندما نقرأ في الإنجيل عن شخص المسيح ، فإن
الكلام عنه لا يبدأ من يوم ولادته على الأرض ،
بل أن المسيح أيضاً منذ الأزل قبل أن يخلق
الله العالم أو الإنسان فإنه مكتوب في
الإنجيل هكذا " في البدء كان الكلمة ،
الكلمة كان عند الله وكان الكلمة الله . هذا
كان في البدء عند الله . كل شيء به كان وبغيره
لم يكن شيء مما كان . فيه كانت الحياة .." (1).
فالله خلق الكون
بكلمته . أليس كذلك ؟"
أجاب أحمد "
أجل وبالتحديد قال الله كن للشيء فيكون "
فقال حمدى "
إذا لقد خلق الله الكون من خلال كلمته ، وكانت
تلك الكلمة التى خرجت من الله عبارة عن جزء لا
يتجزأ منه ، كانت مليئة بقوة الله وقدرته التى
ظهرت في فعل الخلق ، وتحمل صفات الله أيضاً
ففى كلمة الله وجدت الحياة ، وبفعل تلك الكلمة
صارت حياة في أشكال متنوعة ومخلوقات عديدة
".
قال أحمد " هذا
صحيح ، ولكن ماذا يعنى الإنجيل بقوله .
" وكان الكلمة الله؟" أجاب حمدى
موضحاً " إذا ما أدليت بشهادة ما في المحكمة
، فلا يستطيع أحد أن يفصلنى عن كلماتى ، فهى
التى تمثلنى بكونها جزءاً منى .. وعندما نجلس
نحن هنا أنت وأنا نحدث بعضنا البعض فإن
كلماتنا التى نقولها هى جزءاً منا وتمثلنا
أيضا موضحة ما بداخل كل منا.
بنفس الطريقة عندما خلق الله الكون فإن
كلمته التي قالها هى جزء منه . ولا يستطيع أحد
أن يفصل الله عن كلمته.. ثم حدث أن تلك الكلمة
التى نطق بها الله الكلمة الأزلية التي هى جزء
منه ، وتمثل صفاته ، أظهرت نفسه في شخص يسوع بن
مريم منذ حولى 2000 سنة كما هو مكتوب ." الكلمة
صار جسداً وحل بيننا ورأينا مجده مجداً كما
لوحيد من الآب مملوءاً نعمة وحقاً " . (2)
فكل ما قاله الله
عن نفسه ، كل صفاته ، كامل قدرته ظهرت في
المسيح .. الله قدوس وإذ شاهد الناس طهارة وبر
المسيح فقد رأوا قداسة الله وبره فيه . .. الله
محبة ، وعندما شاهد الناس كم أحب المسيح
الإنسان والبشرية كلها فقد رأوا محبة الله
فيه .. الله قادر على كل شيء وإذ رأى الناس كيف
مشي المسيح على صفحة الماء وكأنه أرض يابسة ،
كيف أمر الرياح والعواصف فهدأت وسكنت ، كيف
خلق خبزا وسمكا وأطعم الآلاف ، كيف أعطى البصر
للمولود أعمى وأقام أموات ومنهم من قد أنتن في
قبره واهباً لهم حياة .. حينئذ فإنهم في
الحقيقة قد نظروا بأعينهم قوة ومجد الله ،
قدرته اللامحدودة في المسيح ".
فسأل أحمد "
ولكن كيف يحد الله نفسه في إنسان وهو الموجود
عز وجل في كل مكان وزمان ؟ هل ترك الله الكون
ونساه عندما تجسد في المسيح؟"
" يا أحمد ،
أجاب حمدى .. أفرض أننا كنا في بحر بلا حدود
وملأنا كأساً من ماء البحر ، وحللنا هذا الماء
الذي في الكأس ، لوجدن انه يحمل نفس صفات ماء
البحر .. ونفس الشيء ينطبق تماماً على المسيح ،
فالله الأزلى القادر على كل شيء والموجود في
كل مكان قد أظهر نفسه في شخص المسيح بكامل
صفاته وقدرته . والله لم يحد نفسه في إنسان
حينما ظهر في المسيح . بل كان في نفس الوقت
موجوداً في كل مكان ."
-
"
لكن الله لا يمكن أن يظهر نفسه في إنسان "
قال أحمد مستنكراً .
-
"
وكيف لنا أن نحد الله يا أحمد ، كيف لنا أن
نقول عن الله القادر على كل شيء ، الله صاحب
أعلى سلطان أنه لا يستطيع أو لا يمكن .. أليس هو
بقادر على كل شيء ؟"
أجاب أحمد "
أجل . هو القادر على كل شيء ، إلا إننى لا
أستطيع أن أقبل وأصدق بأنه قد أظهر نفسه في
إنسان !! "
فقال حمدى "
على أي حال ، نحن متفقان على أن هذا الشيء صعب
الفهم والقبول بالنسبة لنا نحن البشر ، إلا
أنه ليس صعباً على الله . فهو يستطيع فعل أي
شيء يريده .. وإن لم تكن تعلم هذا من قبل يا
أحمد ، فماذا ستقول حين تعرف أن الله قد أظهر
نفسه من قبل في شجيرة عليق تشتعل ناراً دون أن
تحترق وتكلم منها إلى سيدنا موسى؟
فكر أحمد لحظات
ثم ابتسم لنفسه إذ أدرك أنه ليس من الصعب على
الله أن يظهر نفسه في إنسان إن كان قد ظهر من
قبل في شجيرة عليق . وتابع حمدى حديثه " فكر
قليلاً يا أحمد . فمن هو الذى دعى كلمة الله
وروح الله . وطبعاً روح الله هو جزء لا يتجزأ
من الله ، ونحن نعلم أن روح الله حل على مريم
العذراء ، فأصبحت حبلى وولدت المسيح ، حيث
كلمها الملاك جبرائيل كما هو مكتوب في
الإنجيل : " فأجاب الملاك وقال لها . الروح
القدس يحل عليك وقوة العلي تظللك ، ولذلك أيضا
القدوس المولود (منك) يدعى ابن الله" (3)
فالسؤال هنا يا
أحمد : من يكون هذا الذى جاء إلى العالم بهذه
الطريقة ؟ فل كنت أنت طبيباً على زمن المسيح ،
وأعطيت مهمة تدوين شهادة ميلاده ما الذى
ستكتبه ؟ ماذا سيكون اسمه؟"
أجاب أحمد " لا
بد أن يكون اسمه يسوع أو عيسى بن مريم "
وتساءل حمدى "
أيحمل اسم أمه ؟"
" نعم" أجاب
أحمد " وستكون هى مريم العذراء"
فسأل حمدى
مبتسماً " وعندما
نأتى لاسم الأب .. ماذا تكتب؟ أجاب أحمد
بابتسامة أعرض " لم يكن له أب"
قال حمدى" هذا
صحيح ، ستترك اسم الأب مكاناً شاغراً وذلك
لأنه لم يكن له أباً أرضياً ، ولكن يمكننا أن
نطرح سؤالاً آخراً من أين أتى ، وإلى أي أصل
ينتمى ؟ ذلك الذى يدعى كلمة الله وروح الله؟
من هو في نهاية
المطاف؟ ذلك الذى جاء من السماء؟
لقد تكلم عن نفسه
قائلا:" لأن خبز الله هو النازل من السماء ،
الواهب حياة للعالم .. فقال يسوع أنا هو خبز
الحياة .. من يقبل إلى فلا يجوع ومن يؤمن بي فلا
يعطش أبداً " . (4)
" أنا هو الخبز
الحى الذى نزل من السماء ، إن أكل أحد من هذا
الخبز يحيا إلى الأبد . والخبز الذى أعطيه أنا
هو جسدى الذى أبذله من أجل حياة العالم " (5)
فقد جاء المسيح
يا أحمد من أجل أن يعطى جسده فدية لأجل جميع
الناس . ونعلم أن الذى يأكل خبزاً طبيعياً
يحصل على حياة جسدية . وأما الذى يقبل خبزاً من
الله ، الخبز الذى نزل من السماء ، يحصل على
حياة روحية حياة أبدية . فالذى يؤمن بالمسيح
ويأخذ نصيباً منه يحصل على حياة يسد جوعه
وعطشه الروحى الداخلى لله ، وقد اختبرت ذلك
بنفسى فقبول المسيح هو دعوة شخصية من الله
مقدمة لك يا أحمد" .
-
"
لست مهيئاً لذلك بعد " قال أحمد بهدوء "
فالكثير من الأفكار تجول بخاطرى . أحسب أنى قد
أسأت الظن من قبل بكيفية إيمانك بالله. والآن
وقد بدأت أفهم كيف تؤمن بالله الواحد الذى
أظهر نفسه في المسيح أنت تعرف يا حمدى بأننى
أحب المسيح وأقدره م كل قلبى وفكرى ؟ لكن لدى
أسئلة أخرى . فهل يمكننا تناولها في مرة قادمة
؟
-
أجل
" سنفعل بكل تأكيد " أجاب حمدى .. " ا
لسلام عليكم "
-
"
وعليكم السلام ".
الله
والإنسان
قال أحمد
" لقد فكرت ليلاً ونهاراً بحديثنا في
المرة الماضية فتارة كنت تقول بأن يسوع ، عيسى
بن مريم إنسان . وتارة أخرى تقول أن الله قد
أظهر نفسه فيه . أرجوك الآن أن تحدد بالضبط من
هو يسوع ؟ فأجشى أن تكونوا قد جعلتم منه أبداً
لله ، وهو ليس بأكثر من ابن مريم !!
أجاب حمدى " أتعرف يا أحمد أن اجواب على
سؤالك هذا هو المفتاح إلى الحياة الأبدية مع
اله من هنا على الأرض وإلى الأبد في السماء .
وإنه من الشرك بالله أن نجعل إنساناً في موضع
اله . لكن الإنجيل يخبرنا عن الله الذي ظهر في
الإنسان ، وليس العكس ..
وعن ولادة المسيح
كإنسان لا يوجد هناك اختلاف في الرأي ، وحسب
النبوات فهو ابن
ابراهيم . ابن داود ، وابن مريم .. ولكن في
نبوات ما قبل الميلاد بزمن بعيد ، علمنا الله
أيضاً أنه سيأتى إلينا من خلال المسيح " .
-
"
أتقصد أن الأنبياء الذين سبقوا المسيح ، قد
أخبروا أن الله سيظهر نفسه في المسيح؟ "
سأل أحمد بدهشة .
أجاب حمدى : إن
الموضوع الأساسي في الكتاب المقدس هو المسيح .
ويجب ألا يدهشنا ذلك ؟ أن يكون الله قد أعطانا
الحقيقة عن المسيح من خلال النبات التى قيلت
قبل ولادته بمئات السنين" .
-
"
أنا مشتاق جداً لسماع ذلك .. هيا لا تسكت"
قال أحمد بلهفة .
قال حمدى بعد
لحظة تفكير "
حوالى 700 سنة قبل ولادة المسيح ، ذكر الله من
خلال نبي الله ميخا، أن المسيح سوف يولد في
مدينة بيت لحم ، وبين أيضاً أن ذلك المولود
كان موجوداً من قبل أن يولد ، كما هو مكتوب
" أما أنت يا بيت لحم أفراته وأنت صغيرة
أن تكونى بين ألوف يهوذا . فمنك يخرج لي الذى
يكون متسلطاً على إسرائيل ، ومخارجه منذ
القديم منذ أيام الأزل ". (1)
وميلاد المسيح
كان في مدينة بيت لحم ، كما ذكر في الإنجيل "
فصعد يوسف أيضاً من الجليل من مدينة الناصر ة
إلى اليهودية إلى مدينة داود التى تدعى بيت
لحم لكونه من بيت داود وعشيرته ليكتتب مع مريم
امرأته المخطوبة وهى حبلى . وبينما هما هناك
تمت أيامها لتلد . فولدت ابنها البكر ، وقمطته
وأضجعته في المذود إذ لم يكن لهما موضع في
المنزل " (2)
والسؤال هنا. من
هو ذلك الذى وجد من قبل أن يولد في العالم؟
لقد قال هو عن
نفسه عندما كلم اليهود الساكنين في أورشليم (
أي القدس حالياً ) " أبوكم إبراهيم تهلل أن
يرى يومى فرأى وفرح ، فقال له اليهود ليس لك
خمسون سنة بعد ، أفرأيت إبراهيم؟ قال لهم يسوع
الحق الحق أقول لكم قبل أن يكون إبراهيم أنا
كائن" (3)
نحن نعرف أن
سيدنا إبراهيم قد عاش قبل المسيح بحوالى 2000
سنة .
وقال المسيح أنه
موجود من قبل أن يولد ومن قبل حتى أن يكون
إبراهيم ، قال أحمد تابعاً " ولكن أين مكتوب
في الأنبياء أن الله سيظهر نفسه في المسيح؟"
-" في أماكن
عديدة .. أجاب حمدى موضحاً .. " فلقد خبرنا
النبي إشعياء عن واحد سوف يأتى من تلك البقعة
الصغيرة التي نشأ وترعرع بها يسوع بن مريم ..
حيث يؤسس مملكة أبدية يميزها ويشملها سلام
الله ، وهو بنفسه ابن داود سيرأس تلك المملكة
وإلى الأبد ، ويصف النبي إشعياء ويوضح من هو
المسيح من خلال الأسماء العديدة التى يدعى
بها ، حيث يقول :
" لأنه يولد
لنا ولد ونعطى ابناً وتكون الرياسة على كتفه ،
ويدعى اسمه عجيباً مشيراً إلهاً قديراً أباً
أبدياً رئيس السلام ، لنمو رياسته وللسلام لا
نهاية على كرسي داود وعلى مملكته ليثبتها
ويعضدها بالحق والبر من الآن وإلى الأبد "
(4)
ونحن نعلم أن
الأسماء التى يعطيها الله لواحد ما ، فإنها
تمثل وصفاً حقيقياً ومؤكدا لذلك الشخص ، فمن
هو إذا يا أحمد ذلك الذى دعى اسمه عجيباً
مشيرا إلها قديرا أبا أبديا ورئيسا للسلام؟"
أجاب أحمد "
لقد بدأت أفهم تفاصيل تلك الصورة عن المسيح
والمدونة عنه في النبوات من قبل ولادته.. ولكن
هل مكتوب أن الله سوف يأتى إلى العالم الذى قد
خلقه بنفسه؟"
نظر له حمدى وقال
" لقد عايش يحي بن زكريا المسيح ، وكان
مرسلاً من قبل الله ليمهد الطريق لمجئ المسيح
، ليتوب الناس ويرجعوا للإيمان بالمسيح .
وعندما كانوا يسألونه من يكون هو ولماذا
أرسله الله ، أجابهم من المكتوب في نبوة
إشعياء والاصحاح الأربعين قائلاً :" إنه
صوت صارخ في البرية أعدو طريق الرب . قوموا في
القفر سبيلا لإلهنا . كل وطاء يرتفع وكل
جبل وأكمة ينخفض ويصير المعوج مستقيما
والعراقيب سهلا. فيعلن مجد الله ويراه كل بشر
جميعا لأن فم الرب تكلم " (5) وترينا الصورة
هنا من سفر إشعياء النبي ، ان ملكاً ورباً
عظيما سوف يأتى بزيارة ، ويجب أن تمهد الطريق
خلال الأرض الوعرة من أجل مجيئه . فمن هو يا
ترى ذلك الملك الذى سيأتى يا أحمد؟"
أجاب أحمد "
بحسب كلام النبوة يكون هو الرب إلهنا"
أكمل حمدى "
وستتضح لنا الصورة أكثر وأكثر عندما نتابع
القراءة من نفس المكان من نبوة إشعياء ، حيث
قد كتب : " ارفعى صوتك بقوة يا مبشرة أورشليم
ارفعى لا تخافى ، قولى لمدن يهوذا هوذا إلهك .
هوذا السيد الرب بقوة يأتى وذراعه تحكم له .
هوذا أجرته معه وعملته قدامه . كراع يرعى
قطيعه بذراعه يجمع الحملان ، في حضنه يحملها
ويقود المرضعات" (6)
والمسيح فقد جاء
فعلا كراع لكل المؤمنين به فهو يقول عن نفسه
" أنا هو الراعى الصالح . والراعى الصالح
يبذل نفسه عن الخراف " (7) فمن هو يا أحمد ذلك
الذى سيأتى كراع بحسب النبوة؟"
أجاب أحمد الذى
قد اضطرب وتأثر لكلمات النبوة " على أن
أعترف بأنه هو الرب الإله نفسه"
وتابع حمدى "
وكما تعلم يا أحمد أن كل تلك النبوات عن
المسيح قد تمت وتحققت بيسوع بن مريم . وقبل أن
يولد المسيح . جاء الملاك جبرائيل إلى زكريا،
والذى أصبح أبا يحي ، وبين له أنه سيرزق
بابناً ، وأعلمه أيضا عن المهمة التى سيقوم
بها ذلك الابن المتميز ..
حيث قال الملاك :
" ومن بطن أمه يمتلئ من الروح ا لقدس . ويرد
كثيرين من بنى اسرائل إلى الرب إلههم . ويتقدم
أمامه بروح إيليا وقوته ليرد قلوب الآباء إلى
الأبناء والعصاة إلى فكر الأبرار ، لكي يهيئ
للرب شعباً مستعداً (8) وبحسب المكتوب في تلك
النبوة من هو ذلك الذى سيسير يحي بن زكريا
أمامه؟ أجاب احمد " هو الرب إلههم "
وتابع حمدى مرة
أخرى " وإذا كان يحي طفلا صغيرا تنبأ أبوه
زكريا عنه قائلا :" وأنت أيها الصبي تبي
العلى تدعى لأنك تتقدم أمام وجه الرب لتعد
طرقه لتعطى شعبه معرفة الخلاص بمغفرة خطاياهم
، بأحشاء رحمة إلهنا التى افتقدنا المشرق من
العلاء " (9)
هل ترى يا أحمد
كيف أن يحي بن زكريا بحسب كلمات كل من النبي
إشعياء ، الملاك جبرائيل وأبيه زكريا ، سيسير
أمام الرب وأن هذا الذى سيأتى هو الله نفسه ؟"
أجاب أحمد بكل
جدية " أجل أرى ذلك ، وقد تحقق وأثبت كل ذلك
واقعيا بمجئ المسيح"
-
"
نعم وبأدق التفاصيل "
قال حمدى معلقا ثم أضاف " وعندما ولدت مريم
العذراء ابنها يسوع في مدينة داود –بيت
لحم – ظهر ملاك الرب
لرعاة خارج المدينة . وقال لهم : لا تخافوا فها
أن أبشركم بفرح عظيم يكون لجميع الشعب . إنه
ولد لكم اليوم في مدينة داود مخلص هو المسيح
الرب" (10) .. وأما عن كون المسيح أنه هو الرب ،
فهناك براهين كثيرة في الإنجيل .. فلقد قال هو
عن نفسه : " أنا والآب واحد " (11)
-
"
في البادية كان لدى حباً واحتراما كبيرين
لعيسى بن مريم " قال أحمد ثم أضاف " لكننى
وللمرة الأولى في حياتى أرى صورة كاملة لمن هو
شخص المسيح بالواقع ، ولماذا ولد وعاش هنا في
العالم . وكم أشكرك يا حمدى لأنك صرفت الكثير
من وقتك لأجل توضيح كل هذا لي"
-
"
أحمد . إنه من خلال الإيمان بالمسيح وقبوله ،
يقدم الله لك دعوة للحصول على غفران كامل
وحياة أبدية . فالمسيح الذى انتصر على الموت
والذى أقام كثير من الأموات يقول : " أنا هو
القيامة والحياة . من آمن بي ولو مات فسيحيا.
وكل من كان حياً وآمن بي فلن يموت إلى الأبد
(12).
ألا تريد يا أحمد
أن تقبل عطية الله لك من خلال الإيمان بيسوع
المسيح ؟ أجاب أحمد والدموع تتنازع في مقلتيه
" نعم ، فأنا أشعر الآن أنه واقف على باب
قلبى يقرع ويريد الدخول إلي حياتى .. كيف لي يا
حمدى أن أقبل عطية الله؟"
أجاب حمدى "
هذا ليس صعباً .. صلى لله بكلماتك الخاصة ،
أطلبه من قلبك ، اعترف له بكل شيء ، فإن الله
على أي حال يعرف كل شيء عنا وأقبل غفرانه لك
على حساب ذبيحة المسيح .. أطلب من الله أن يدخل
إلى حياتك بروحه وأن يعطيك القوة لتتبع لمسيح
، وتصير تلميذا له .
صلى صلاتك باسم
المسيح ، فهو الذى من خلال فداءه الكامل
. يكون وسيطاً بينك وبين الله الآب .
" وإذ تقبل
المسيح ، وعطية الله لك ، من خلال إيمانك به ،
تحدث في حياتك المعجزات حيث يقول الإنجيل :
إنك تولد من جديد ، تحصل على حياة جديدة من
الله ، تصير على علاقة شخصية به
، علاقة من نوع خاص جدا ، إذ يصبح الله أبا
لك ، وتصير أنت له ابناً . . كما هو مكتوب في
الإنجيل عن اولئك الذين قبلوا المسيح في
حياتهم :
"وأما كل الذيت
قبلوه فأعطاهم سلطاناً أن يصيروا أولاد الله
أي المؤمنون باسمه" (13)
وبعدما صلوا سوية
، شكروا الرب ، قال حمدى والابتسامة تملأ وجهه
" أهلا بك يا أحمد من الآن في العائلة ، فنحن
الآن من خلال المسيح إخوة في عائلة الله"
-
"
كيف لي أن أشكرك ؟ " قال أحمد ووجهه يشع فرحا
، أجابه حمدى " بل أشكر الله
وافعل هذا في كل يوم ، وابحث عن علاقة مع
آخرين ، من الذين يتبعون المسيح في نفس الطريق
.. ويمكنك الآن يا أحمد أن تصلى تلك الصلاة
التى علمها المسيح لتلاميذه :
" أبانا الذى
في السموات . ليتقدس اسمك . ليأتى ملكوتك . لتكن
مشيئتك كما في السماء كذلك على الأرض ..خبزنا
كفافنا أعطنا اليوم . واغفر لنا ذنوبنا كما
نغفر نحن للمذنبين إلينا .. ولا تدخلنا في
تجربة لكن نجنا من الشرير . لأن لك الملك
والقوة والمجد
إلى الأبد . آمين " (14).
المراجع
·
حمل الله :
(1)
رسالة
بولس الرسول إلى أهل رومية 6: 23
(2)
إنجيل
يوحنا 1: 29
(3)
رؤيا
يوحنا 3: 20
·
فداء من الله :
(1)
رسالة
بولس الرسول الأولى إلى تيموثاوس 2: 5-6
(2)
الرسالة
إلى العبرانيين 9: 22
(3)
إشعياء
53: 4-7
(4)
مزامير
22: 15-19
(5)
إنجيل
مرقس 10: 45
·
الخطيئة :
(1)التكوين 2: 16-17
(2)رسالة بولس
الرسول الأولى إلى أهل رومية 5: 12
(3)التكوين 3: 15
·
ابن ابراهيم :
(1)
التكوين
12: 1-3
(2)
التكوين
17: 19-21
(3)
التكوين
28: 13-14
(4)
إشعياء
11: 1-2 , 4, 10
·
الله واحد :
(1)
إنجيل
يوحنا 1: 1-4
(2)
إنجيل
يوحنا 1: 14
(3)
إنجيل
لوقا 1: 35
(4)
إنجيل
يوحنا 6: 33, 35
(5)
إنجيل
يوحنا 6: 51
·
الله والإنسان :
(1)
ميخا
5: 2
(2)
إنجيل
لوقا 2: 4-7
(3)
إنجيل
يوحنا 8: 56-58
(4)
إشعياء
9: 6-7
(5)
إشعياء
40: 3-5
(6)
إشعياء
40: 9-11
(7)
إنجيل
يوحنا 10: 11
(8)
إنجيل
لوقا 1: 15-17
(9)
إنجيل
لوقا 1: 76-78
(10)
إنجيل
لوقا 2: 10-11
(11)
إنجيل
يوحنا 10: 30
(12)
إنجيل
يوحنا 11: 25-26
(13)
إنجيل
يوحنا 1: 12
(14)
إنجيل
متى 6: 9-13