شخصية المسيح

 

ثالثا استجمع المسيح طرق الرسالة الإلهية كلها

 

كانت رسالة المسيح بالكلمة المعجزة ، والمثل المعجز ، والآيات المعجزة .

قد يشبهه بعض الأنبياء في واحدة منها ؛ لكن أحدا منها لم يستجمعها مثله ،  بشهادة القران .

1) كانت رسالته بالكلمة المعجزة . والقران يردد مررا على لسان المسيح  اعلان  التوحيد الكتابي المنزل : (وقال المسيح : يا بني إسرائيل اعبدوه الله ربي وربكم ) المائدة 57. هذا هو الصراط المستقيم الذي جاء به عيسى : ( ولما جاء عيسى بالبينات قال : (قد جئتكم بالحكمة ، ولابين لكم بعض تختلفون فيه ؛ فاتقوا الله وأطيعون  : ان الله ربي وربكم فاعبدوه  ، هذا صراط مستقيم ) الزخرف 63-64. وهذا هو الإسلام الحق الذي دعا إليه عيسى : ( وأذ أوحيت إلى الحواريين ان آمنوا بي وبرسولي ، قالوا آمنا  واشهد بانا مسلمون )  المائدة 111. هذا هو وعدا الله ، ( وعدا عليه حقا في التوراة والإنجيل والقران ) التوبة 111.

ومن دعوة عيسى تبيان ما كانوا يختلفون فيه من الكتاب : (ولأبين لكم بعض الذي تختلفون فيه) الزخرف 63 ؛ وتحليل بعض ما حرم عليهم : ( ولأحل لكم بعض الذي حرم عليكم ) العمران 50.

ومن دعوته انه مصدق لما بين يديه من التوراة (المائدة 46 والصف ) ؛ كما هو مفصل لها ، غيما كانوا فيه يختلفون .

وكان أيضا (مبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه احمد) الزخرف 6 آية وحيدة  فريدة في القران ،تثير التساؤلات ، سنرى معناها في بحث لاحق .

ومع الدعوة للتوحيد ، كان المسيح  يظهر (كلمة الله) في ذاته (النساء 170)؛ وينفر  بتأييد روح القدس له  في سيرته كلها ، كما في رسالته وتنزيله (البقرة87 و253 المائدة 113)  . وكلمة الله الملقى الى مريم ( وروحا منه ) تعالى ، وروح القدس ، هما روحان من الملا  الأعلى يظهران في ظهور المسيح  البقرة87 و253 ، النساء 170 .

فما هو سر ، ( كلمة الله) ؛ وما هو سر (روح القدس) من الله ؟ سنرى ذلك أيضا في بحث لاحق. 

هذا هو الإنجيل الذي أتيه عيسى : ( وآتيناه الإنجيل ،  فيه هدى ونور  هدى وموعظة للمتقين) المائدة 15 ، فهو هدى ونور لأهل الكتاب ؛ وهدى وموعظة للمتقين من الأميين ، ، كالعرب الذين آمنوا مع (محمد) .

 

2) وكانت رسالته بالمثل الحي

ضرب القران للناس ( مثالا من اللذين خلوا ) النور 34؛ ( وتلك الأمثال نضربها للناس ) العنكبوت 43 و الحشر 21 .

وأعطى القران إبراهيم والذين معه (أسوة حسنة) في براءتهم من بني قومهم الظالمين ( الممتحنة 4 و 6 ) وأعطى القران محمدا أيضا (أسوة حسنة) في الجهاد (الأحزاب 21) كما فسره الجلالين (اقتداء به في القتال والثبات في مواطنه) .

اما المسيح فكان مثالا لبني إسرائيل مطلقا : ( ان هو الا عبدا أنعما عليه وجعلناه مثالا لبني إسرائيل ) الزخرف 59 ؛ ومثلا للاميين على السواء: ( ولما ضرب ابن مريم مثالا ، إذا قومك منه يصدون ) الزخرف 57.

 

3) وميزة رسالة المسيح بالبينات والمعجزات التي لم يستجمعها غيره ، ولم يبلغ شأوها احد من المرسلين .

فالقران يصف رسالة المسيح جملة بانفرادها بالبينات : ( وآتينا عيسى ابن مريم البينات وأيدناه بروح القدس )  البقرة 87 و253؛ ( فلما جاءهم بالبينات قالوا : هذا سحر مبين ) الصف 6  ؛ ( وأذ كففت بني إسرائيل عنك ، إذ جئتم بالبينات ، قال الذين كفروا منهم : ان هذا إلا سحر مبين) المائدة 113؛ (ولما جاء عيسى بالبينات قال : قد جئتكم بالحكمة ) الزخرف 63 .

ثم يفصل مرتين بإيجاز  بعض تلك المعجزات :

(ورسولا إلى بني إسرائيل اني قد جئتكم بآية من ربكم : اني اخلق لكم من الطين كهيئة طير ، فانفخ فيه فيكون طيرا  بإذن الله _ وأبرئ الأكمة (الأعمى منذ مولده)  والأبرص _  واحي الموتى بإذن الله ، وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم : ان في ذلك لآية لقوم يعقلون ) آل عمران 49 ، قابل المائدة 113. 

فسره البيضاوي : (انه حكى هنا خمسة أنواع من معجزات عيسى . وروى انه عليه السلام ربما اجتمع عليه خمسون ألفا من المرضى من أطاق منهم أتاه ، ومن لم يطق أتاه عيسى . وما كانت مداواته الا بالدعاء ). ونحن نعتبرها أربعة أنواع . هذا النوع الأول من الاشفية المعجزة .

والنوع الثاني هو الاطلاع على الغيب : فعيسى يعلم الغيب ، وليس كغيره لا يعلم الغيب ( الأنعام 50 ، هود 31 ،الأعراف 187). والنوع الثالث هو (الخلق) خلق الطيور .لاحظ قوة التعبير( اني اخلق لكم ) ؛ ولا يستعمل القران كلمة (خلق) بحق أحد من المخلوقين والمرسلين ، الا بحق عيسى ، على لسانه (آل عمران 49) وعلى لسان الله نفسه بحق عيسى (المائدة113): فقد أشركه في حق الخلق مع الخالق سبحانه ، وان قيده بقوله : (بإذن الله) أو بإذني) ؛ فإطلاق الفعل الإلهي الخاص على عيسى يكفيه ليرفعه فوق المخلوقين إلى الخالق . وكما وصفه بصفة إلهية لا تليق الا بالله ، (الخالق) ، فهو يؤيدها بصفة إلهية ثانية ، في النوع الرابع ، هي أحياء الموتى ؛ ولم يسند القران هذه الصفة الإلهية لأحد من المخلوقين الا لعيسى . ولم يشترك أحد من الرسل والأنبياء مع عيسى الا بنوع الاشفية ؛ أما الخلق ومعرفة الغيب والأحياء ، فقد انفرد بها شهادة له على شخصيته . نعرف من الكتاب والإنجيل ان ايليا واليشع أقاما ميتا بالدعاء الى الله ، اما المسيح فقد أقام الموتى  بكلمته الشخصية وان كان ( بإذن الله ) لان ذات المسيح السامية وقدرتها من الله ذاته ، فهو (روح منه ) تعالى .

وآية الآيات البينات هي معجزة المائدة ينزلها على الرسل الحواريين من السماء : ( قال : عيسى ابن مريم . اللهم ربنا انزل علينا مائدة من السماء ، تكون لنا عيدا لأولنا وآخرنا ، وآية منك ، وارزقنا ، وأنت خير الرازقين ) المائدة 117.

قال الرازي في تفسيره : ان جميع تلك المعجزات  التي طلبتها كانت أرضية  وهذه معجزة سماوية ، وهي اعجب واعظم . وقالوا بالإجماع : انها نزلت يوم الأحد فاتخذه النصارى عيدا.

وهذه الإشارات : مائدة ، عليها رزق من السماء ، تكون عيدا دائما لهم ، نزلت يوم الأحد ، كلها تشير إلى قول المسيح في الإنجيل : ( انا الخبز الحي النازل من السماء    والخبز الذي سأعطيه انا هو جسدي  من يأكل جسدي ، ويشرب دمي ، فله الحياة الأبدية ) الإنجيل المقدس بحسب حرف البشير يوحنا الفصل 6 كله .

فمعجزة المائدة في القران هي عند النصارى  (المسيحيين) القربان المقدس .

وأسمى ما انفرد به المسيح على الرسل أجمعين  هو اختصاصه بتأييد الروح القدس له على الدوام في سيرته وفي رسالته وشخصيته .

.

Home عودة للصفحة الرئيسية