شخصية المسيح
بهذا الاسم الكريم
يعرّف القران أيضا بالمسيح ، قبل ظهوره ، وحين ظهوره ، وبعد ظهوره. فهو يرى دائما
ان المسيح في سر شخصيته (كلمته وروح منه ) تعالى .
1) قل ظهور المسيح
، تبشر الملائكة زكريا بيحيى ، وتصف له ميزة رسالته ؛ فنادته الملائكة وهو قائم
يصلي في المحراب : ان الله يبشرك بيحى ، مصدقا بكلمة من الله ، وسيدا وحصورا ونبيا
من الصالحين) ال عمران 39.
قال الرازي : (
كلمة من الله: أي كتاب من الله ، وهو قول أبي عبيدة . واختيار الجمهور ان المراد
(بكلمة من الله)
هو عيسى . وقال
ابن عباس : ان يحيىكان اكبر سنا من عيسى بستة اشهر . وكان يحيى أول من آمن وصدق
بأنه كلمة الله وروحه. فيجيى يدعو للمسيح انه كلمة الله وروح الله ، فهو ابعد من
كونه (ابن مريم) .
2) حين ظهوره ،
تبشر الملائكة مريم بمولده منها وبسر شخصيته،(اذ قالت الملائكة : يا مريم ان الله
يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى ابن مريم، وجيها في الدنيا والآخرة ومن
المقربين) ال عمران 45.
والقران يقطع
الطريق على كل تفسير منحرف لمعنى (كلمة منه) بهذا البدل المرادف : (اسمه المسيح عيسى ابن مريم ) .
فالملائكة تبشر مريم بشخص يولد منها اسمه كلمة الله، لا بأمر منه تعالى . فالمسيح
عيسى ابن مريم هو في ذاته السامية (كلمة منه) تعالى . فمصدره ليس من الأرض، بل من السماء . وقبل إلقائه إلى مريم هو ( من المقربين).
وليس من البشر المقربين بعد البعث في اليوم الآخر ؛ إنما هو ملقى إلى مريم (من
المقربين) في السماء أي (الملائكة المقربين) النساء 171.
فشخصية المسيح
التي تكشف الملائكة عن سرها لامه في بشارتها به هو (كلمة الله) ، (من المقربين) .
فهو ينزل من
السماء ليولد من مريم ، فيصير (اسمه المسيح عيسى ابن مريم) . بدأت تظهر الشخصية
الكيانية في شخص المسيح.
3) وحين ظهوره ،
(صدقت (مريم) بكلمة ربها وكتابه) –
وعلى قراءة أخرى : (بكلمات ربها وكتبه) التحريم12 .
والقراءة الصحيحة
هي : ( كلمة ربها وكتبه) ، وهي عن مجاهد : (بكلمة الله وكتابه، أي بعيسى والإنجيل)
؛ تؤيدها بشارة الملائكة لها (بكلمة منه اسمه المسيح عيسى ابن مريم) .
وقوله (من روحنا)
التحريم 12 قد يعني الواسطة ، جبريل المبشر ؛ وقد تعني وهو الأصح (من روح خلقناه
بلا توسط أصل) البيضاوي. فهو روح من
الله نفخه في مريم . فهو اذن ليس ببشر بحت .
فقد امنت مريم ان
وليدها هو (كلمة ربها) ، و (من روحه) نفخه فيها ؛ فهو حي قائم قبل أمه؛ وكائن عند
الله بصفة كونه (كلمة الله) و (من روحه) . ان الثنائية الكيانية في شخصية المسيح
تبرز رويدا رويدا .
4) وبعد ظهوره ،
يأتي النبي العربي فيقول بأمر الوحي له : ( قل يا أيها الناس أني رسول الله إليكم
ميعا ، الذي له ملك السماوات والأرض ، لا اله الا هو ، يحيي ويميت : فآمنوا بالله
ورسوله ، النبي الأمي الذي يؤمن بالله وكلمته ، واتبعوه لعلكم تهتدون) الأعراف 157. وهناك قراءة أخرى : (بالله وكلماته) . وهذه قراءة ضعيفة لا
تستقيم مع السياق : فليس لرسول من فضل في ايمانه بكلمات الله . انما ميزة النبي
الأمي في دعوة الناس جميعا ايمانه (بالله وكلمته ) أي بالله والمسيح –
وهذا موضوع الدعوة القرآنية كلها .
ولتخفيف وطأة تلك
الشهادة (لله وكلمته) كانت تلك القراءة الضعيفة (الله وكلماته) . ومن لم يستطع ان
يستغني عن قراءة (الله وكلمته) فسر (كلمته) مثل البيضاوي : (وُقرئ (كلمته) على
إرادة الجنس ، أو القران ، أو عيسى عليه السلام) . ولكن ليس من فضل أو ميزة ان
يؤمن النبي الأمي بكلام الله في كتابه أو في القران . فهذا من تحصيل الحاصل ، لا
من ميزة الفضل ، بصفة كونه النبي الأمي الذي يخاطب الناس جميعا في الحجاز والجزيرة
العربية .
5) أخيرا في
محاورة وفد نجران يأتي التعريف الجامع المانع للمسيح ؛ ( إنما المسيح عيسى ابن
مريم ، رسول الله وكلمته ألقاها الى مريم وروح منه) النساء 170.وهنا تظهر الثنائية
جليا في شخصية السيد المسيح : انه عيسى ابن مريم ) ، لكنه أيضا كلمته ألقاها إلى
مريم وروح منه) . فهو (كلمته وروح منه) قبل إلقائه إلى مريم ؛ فهو قائم في الله قبل ان يلقيه إلى
مريم .
فإن الترادف بين
(كلمته وروح منه) يقطع قطعا مبرما بمعنى (كلمته) انه ذات من الله، (روح منه) تعالى
. وهذا (الروح منه) تعالى الذي اسمه وصفته وذاته انه (كلمته ) ، موجود قبل مريم
فهو (كلمته ألقاها إلى مريم ) . وقوله
(روح منه) فريد في القران،
يدل على مصدره : انه ذات من الله .
والسؤال في مصدر
(كلمته وروح منه) هل هو من ذات الله ، او هو روح من الأرواح الملائكية ؟؟ هذا ما
نراه في التحليل الصحيح لعقيدة القران في المسيح .
التحليل الصحيح
لعقيدة القران في المسيح
في القران ، غير
المسيح كان آية من الله في حادثة وقعت ، كعزير الذي أماته الله ماية عام وبعثه ، (
ولنجعلك آية للناس) البقرة 259؛ أو كفرعون الذي أغرقه وأنجى بدنه لكي يكون (لمن
خلقك آية) يونس 92 ؛ أو كقصة خلاص
نوح ، (وجعلناها آية للعالمين) العنكبوت 15 ، أو قصة قوم نوح ، ( وجعلناهم للناس
آية ) الفرقان 37.
اما المسيح فهو
اية في وجوده كله . هذا ما قاله الملاك في البشارة به لامه : ( ولنجعله آية للناس
، ورحمة منا ، وكان امرا مقضيا9 مريم 20. ونعرف ان المسيح آية الله في وجوده كله ،
من ختام ذكره بقوله : (والسلام علي يوم ولدت ويوم أموت ويوم ابعث حيا) مريم 32.
فكونه آية الله في خلقه تعالى ليس مربوطا بمولده المعجز فقط ، لان سلام الله
يرافقه في المولد والموت والبعث حيا إلى الأبد برفعه إلى الله .
فهو آية الله في
الخلق كله منذ مولده المعجز ، وأمه آية واحدة معه: (والتي أحصنت فرجها فنفخنا فيها
من روحنا وجعلناها وابنها آية للعالمين ) الأنبياء 91 . والأعجاز في الوجود
والسيرة يرافقه على
الدوام : ( وجعلنا
ابن مريم وأمه آية ، وآويناهما إلى ربوة ذات قرار ومعين) المؤمنون 51. فالقران كيفما واجه المسيح يراه آية
للعالمين، من دون الناس والرسل أجمعين . فهو (آية) في أسمائه وألقابه وأوصافه
وصفاته وميزاته وحالاته وخصائص رسالته ؛ لكنه خصوصا آية الله الفريدة في شخصه بصفة
كونه مسيح الله وكلمة الله وروحاً منه تعالى .